ﰡ
١٩ شرح إعراب سورة مريم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة مريم (١٩) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كهيعص (١)قال أبو جعفر: لا اختلاف في إسكانها. قال أبو إسحاق: أسكنت لأنها حروف تهجّ النيّة فيها الوقف. قرأ أهل المدينة بين التفخيم والإمالة، وروى محمّد بن سعدان عن أبي محمد عن أبي عمرو بن العلاء أنه قرأ كهيعص «١» الياء ممالة والهاء بين التفخيم والإمالة والصاد مدغمة، وحكى أبو عبيد أنّ حمزة كان يميل الياء ويفخم الهاء، وأن عاصما والكسائي كانا يكسران الهاء والياء، وحكى خارجة أن الحسن كان يضمّ كاف، وحكى غيره أنه كان يضم «ها»، وحكى إسماعيل بن إسحاق أن الحسن كان يضمّ يا، قال أبو حاتم لا يجوز ضم الكاف ولا الهاء ولا الياء. قال أبو جعفر:
قراءة أهل المدينة من أحسن ما في هذا والإمالة جائزة في «ها» وفي «يا» وما أشبههما نحو با وتا وثا إذا قصرت، وهذا قول الخليل وسيبويه «٢». قال: وحكى لي علي بن سليمان أنّ البصريين ينفردون بالكلام في الإمالة، وأن الكوفيين لم يذكروا ذلك كما ذكروا غيره من النحو وإنما جازت الإمالة عند سيبويه والخليل «٣» فيما ذكرناه لأنها أسماء ما يكتب ففرقوا بينها وبين الحروف، نحو «لا» و «ما»، ومن أمال منها شيئا فهو مخطئ، وكذلك «ما» التي بمعنى الذي، ولا يجيز أن تمال «حتّى» ولا «إلّا» التي للاستثناء لأنهما حرفان وإن سمّيت بهما جازت الإمالة، وأجازا «أنّى» لأنها اسم ظرف كأين وكيف، ولا يجوز إمالة كاف لأن الألف متوسطة. فأما قراءة الحسن فقد أشكلت على جماعة حتّى قالوا: لا تجوز، منهم أبو حاتم. والقول فيها ما بينه هارون القارئ.
قال: كان الحسن يشمّ الرفع فمعنى هذا أنه كان يومئ، كما حكى سيبويه أن من العرب من يقول: الصلاة والزكاة يومئ إلى الواو، ولهذا كتبت في المصاحف بالواو.
(٢) انظر الكتاب ٤/ ٢٤٨.
(٣) انظر الكتاب ٤/ ٢٤٨.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢]
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ في رفعه ثلاثة أقوال: قال الفراء «١» : وهو مرفوع بكهيعص. قال أبو إسحاق: هذا محال لأن «كهيعص» ليس هو مما أنبأنا الله جلّ وعزّ به عن زكرياء، وقد خبّر الله جلّ وعزّ عنه وعما بشّره به وليس «كهيعص» من قصّته. قال الأخفش:
التقدير: فيما نقص عليكم ذكر رحمة ربك، والقول الثالث أن المعنى: هذا الذي نتلوه عليكم ذكر رحمة ربك عبده، ورحمة بالهاء تكتب، ويوقف عليها، وكذلك كلّ ما كان مثلها. لا نعلم بين النحويين اختلافا في ذلك إذا لم يكن في شعر بل قد اعتلّوا في ذلك أن هذه الهاء لتأنيث الأسماء وفرقوا بينها وبين الأفعال.
قال الأخفش: عَبْدَهُ منصوب برحمة. زَكَرِيَّا «٢» بدل منه ولم ينصرف لأن فيه ألف تأنيث. هذا فيمن جعله مشتقا عربيا، ولا يصرفه في معرفة ولا نكرة، ومن جعله عجميا صرفه في النكرة.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣]
إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣)
إِذْ في موضع نصب على الظرف. نادى رَبَّهُ نِداءً مصدر مؤكّد خَفِيًّا من نعته.
[سورة مريم (١٩) : آية ٤]
قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)
قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي والمستقبل يهن أصله يوهن حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة. وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً في نصبه قولان: أحدهما أنه مصدر، لأن معنى اشتعل شاب، وهذا قول الأخفش سعيد. قال أبو إسحاق: هو منصوب على التمييز، وقول الأخفش أولى لأنه مشتقّ من فعل، والمصدر أولى به. وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا خبر أكن.
[سورة مريم (١٩) : آية ٥]
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي نصب بخفت وحركت الياء في موضع النصب لخفته وأسكنتها في موضع الرفع والخفض لثقلهما، كما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قرأ خفّت الموالي من ورائي «٣» وهذه قراءة شاذّة وإنما رواها كعب مولى سعيد بن العاص عن سعيد عن عثمان، وهي بعيدة جدا، وقد زعم بعض العلماء أنها لا تجوز.
قال: كيف يقول: خفّت الموالي من بعد موتي وهو حيّ؟ والتأويل لها أن لا يعني بقوله
(٢) انظر تيسير الداني ١٢٠
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٨٣، والبحر المحيط ٦/ ١٦٥ وهي قراءة زيد بن ثابت وابن عباس، وسعيد ابن العاص وابن يعمر وابن جبير وعلي بن الحسين وغيرهم.
والفعل منه عقرت مسموع من العرب، والقياس عقرت. فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا والمستقبل يهب، والأصل يوهب بكسر الهاء، ومن قال: الأصل يوهب بفتح الهاء فقد أخطأ لأنه لو كان كما قال لم تحذف الواو وكما لم تحذف في يوجل، وإنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ثم فتح بعد حذفها لأن فيه حرفا من حروف الحلق.
وقرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «١» برفعهما، وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى بن وثاب والأعمش والكسائي يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «٢» بالجزم فيهما. قال أبو جعفر: القراءة الأولى بالرفع أولى في العربية وأحسن، والحجّة في ذلك ما قاله أبو عبيد فإن حجّته حسنة. قال: المعنى:
فهب لي من لدنك الوليّ الذي هذه حاله وصفته لأن الأولياء منهم من لا يرث، فقال:
هب الّذي يكون وارثي، وردّ الجزم لأن معناه إن وهبته لي ورثني، فكيف يخبر الله جلّ وعزّ بهذا وهو أعلم به منه؟ وهذه حجة مقتضاة لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة. تقول: أطع الله جلّ وعزّ يدخلك الجنة والمعنى: إن تطعه يدخلك الجنة. فأما معنى يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فللعلماء فيه ثلاثة أجوبة:
قيل: هي وراثة نبوّة، وقيل: هي وراثة حكمة، وقيل: هي وراثة مال. فأما قولهم وراثة نبوة محال لأن النبوة لا تورث، ولو كانت تورث لقال قائل: الناس كلّهم ينسبون إلى نوح صلّى الله عليه وسلّم، وهو نبيّ مرسل. ووراثة الحكمة والعلم مذهب حسن. وفي الحديث «العلماء ورثة الأنبياء» «٣» وأما وراثة المال فلا يمتنع وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركنا صدقة» «٤» فهذا لا حجّة فيه لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجميع وقد يؤول هذا بمعنى لا نورث الذي تركناه صدقة لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يخلف شيئا يورث عنه، وإنما كان الذي له أباحه الله عزّ وجلّ إياه في حياته بقوله جلّ وعزّ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال: ٤١] لأن معنى لله جلّ وعزّ لسبل الله جلّ ثناؤه، ومن سبل الله تبارك وتعالى ما يكون في مصلحة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما دام حيّا فإن قيل: ففي بعض الروايات «إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» ففيه التأويلان جميعا أن يكون «ما» بمعنى الذي، والآخر لا يورث من
(٢) انظر تيسير الداني ١٢٠.
(٣) أخرجه ابن ماجة في سننه في المقدمة ١٧- حديث ٢٢٣، والدارمي في سننه ١/ ٩٨.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ باب ١٢ حديث ٢٧، والترمذي في سننه- السير ٧/ ١١٢، وأبو داود في سننه رقم (٢٩٧٧).
[سورة مريم (١٩) : آية ٧]
يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)
يا زَكَرِيَّا منادى مفرد. اسْمُهُ يَحْيى مبتدأ وخبر ولم ينصرف يحيى لأنه في الأصل فعل مستقبل وكتب بالياء فرقا بينه وبين الفعل لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قد ذكرناه، وقد قيل: معناه لم نأمر أحدا أن يسمّي ابنه يحيى قبلك.
[سورة مريم (١٩) : آية ٨]
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)
أَنَّى في موضع نصب على الظرف. وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا «١» قال قتادة:
أي سنّا، والتقدير في العربية: سنّا عتيّا. والأصل عتوّا لأنه من ذوات الواو فأبدل من الواو ياء لأنها أختها، وهي أخفّ منها والآيات على الياء، ومن قرأ عِتِيًّا كره الضمة مع الكسرة والياء.
[سورة مريم (١٩) : آية ٩]
قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)
قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ الكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك. هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ قال الفراء «٢» : أي خلقه عليّ هين، قرأ أهل المدينة وأهل البصرة وعاصم وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ، وقرأ سائر الكوفيين وقد خلقناك «٣» قال أبو جعفر: والقراءة الأولى أشبه بالسواد.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٠]
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠)
قالَ آيَتُكَ مبتدأ وخبره (أن) وصلتها تُكَلِّمَ نصب بأن لأن «لا» غير حائلة، وأجاز الكسائي والفراء «٤» «أن لا تكلّم الناس» بالرفع: بمعنى أنك لا تكلم الناس، وهذا كما قال: [الطويل] ٢٨٢-
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني | كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي «٥» |
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٦٢.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ١٦٧، وتيسير الداني ١٢٠.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ١٦٢.
(٥) مرّ الشاهد رقم (١٢٤).
[سورة مريم (١٩) : آية ١١]
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)
فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ظرفان، وزعم الفراء أنّ العشيّ يؤنّث ويجوز تذكيره إذا أبهمت. قال: وقد يكون العشيّ جمع عشيّة.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٢]
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ومن أخذ يأخذ. الأصل أوخذ، حذفت الهمزة الثانية لكثرة الاستعمال، وقيل لاجتماع حرفين من حروف الحلق، واستغني عن الهمزة وكسرت الذال لالتقاء الساكنين. وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا على الحال.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٣]
وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣)
وَحَناناً عطف على الحكم. وفي معناه قولان عن ابن عباس أحدهما قال:
تعطّف الله جلّ وعزّ عليه بالرحمة، والقول الآخر: ما أعطيه من رحمة الناس حتّى يخلّصهم من الكفر والشرّ. وَزَكاةً في معناه قولان: أحدهما أنه أعطي الزيادة في الخير والنماء فيه، والقول الآخر أنّ الله جلّ وعزّ زكّاه بأن وصفه أنه زكيّ تقيّ فقال جلّ وعزّ: وَكانَ تَقِيًّا.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٤]
وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤)
وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ
عطف على تقي.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٥]
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)
وَسَلامٌ عَلَيْهِ
رفع بالابتداء، وحسن الابتداء بالنكرة لأن فيها معنى الدعاء.
ومعنى سلام عليك وسلام الله عليك واحد في اللغة.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٧]
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧)
فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
وهو جبرائيل عليه السلام. سمّي روحا لأنه يأتي بما يحيا به العباد من الوحى فلما كان ما يأتي به يحيا العباد به سمّي روحا ولهذا سمّي عيسى صلّى الله عليه وسلّم روحا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
على الحال.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٩]
قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩)
ابتداء وخبر. لِأَهَبَ لَكِ
«١» قراءة أكثر الناس وهي الصحيحة عن نافع بن أبي نعيم. حكى ذلك أبو عبيد وإسماعيل بن إسحاق وغيرهما من أهل الضبط إلّا ورشا فإنه روى عنه ليهب «٢» وقراءة أبي عمرو ليهب «٣» بلا اختلاف عنه. قال أبو عبيد: وهذا مخالف لجميع المصاحف كل ها: قال: ولو جاز أن يغيّر حرف من المصحف للرأي لجاز في غيره. قال: وفي هذا تحويل القرآن حتى لا يعرف المنزل منه من غيره قال أبو جعفر: «ليهب» يحتمل وجهين: أحدهما: أن يريد لأهب ثم يخفف الهمزة، والآخر يكون على غير تخفيف الهمزة: ويكون معناه ارسلني ليهب، ومن يقرأ «لأهب» فتقديره: قال لأهب لأن في قوله: إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ
ما يدلّ على هذا.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٠]
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
وَلَمْ يَمْسَسْنِي ظهر التضعيف لما سكن الحرف الثاني. بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا الأصل أكن وقد ذكرناه «٤».
[سورة مريم (١٩) : آية ٢١]
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١)
وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا الأصل مقضويّ ثم أدغمت الواو في الياء.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٢]
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢)
ظرف وإن شئت كان مفعولا أي قصدت به مكانا قصيا.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٣]
فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣)
فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قيل: لأنها طلبت الظلّ. قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ من قال متّ ففي تقديره قولان: أحدهما أنه من متّ أمات مثل خفت أخاف، والآخر هو قول سيبويه أنه من متّ أموت، وزعم سيبويه «٥» أنه جاء في كلام العرب على فعلت أفعل: فضل يفضل، ومتّ تموت، ولا يعرف غيرهما. وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا «٦» قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو وعاصم والكسائي، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة وَكُنْتُ نَسْياً بفتح النون. قال أبو جعفر: كسر النون في هذا أولى في العربية لجهتين: إحداهما أن
(٢) انظر تيسير الداني ١٢٠، ومعاني الفراء ٢/ ١٦٣، والبحر المحيط ٦/ ١٧٠.
(٣) انظر تيسير الداني ١٢٠، ومعاني الفراء ٢/ ١٦٣، والبحر المحيط ٦/ ١٧٠.
(٤) مرّ في إعراب الآية ١٠٩- هود.
(٥) انظر الكتاب ٤/ ٤٨٦.
(٦) انظر تيسير الداني ١٢١.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٤]
فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)
فَناداها مِنْ تَحْتِها فأما أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة إلّا الحسن وأبا عمرو النّخعي وعاصما فإنهم قرءوا من تحتها «١» بفتح الميم. فزعم أبو عبيد أن من قرأ «من تحتها» جاز في قراءته أن يكون لجبرائيل صلّى الله عليه وسلّم ولعيسى عليه السلام، ومن قرأ «من تحتها» فهو لعيسى صلّى الله عليه وسلّم خاصّة. قال أبو جعفر: «من» اسم و «تحتها» ظرف ولا يمتنع أن يكون معناه لجبرائيل صلّى الله عليه وسلّم كما كان في الأول «٢».
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٥]
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥)
فيه ستّ قراءات: قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم والكسائي تُساقِطْ بالتاء وتشديد السين، وقرأ الأعمش وحمزة تساقط بالتاء وتخفيف السين، وقرأ البراء بن عازب يسّاقط بالياء وتشديد السين، وقرأ مسروق بن الأجدع تسقط والقراءتان الباقيتان تُساقِطْ ونساقط. قال أبو جعفر: فالقراءة الأولى أصلها تتساقط ثم أدغمت التاء في السين، والثانية على الحذف، والثالثة على الإدغام ولا يجوز معها الحذف. ونصب رطب في هذه القراءات الثلاث على البيان كما قال: [الطويل] ٢٨٣-
فلو أنّها نفس تموت سويّة | ولكنّها نفس تساقط أنفسا «٣» |
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٦]
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً قال أبو إسحاق: فكلي من الرطب واشربي من الماء.
قال وعَيْناً منصوب على التمييز. قال أبو جعفر: الأصل أأكلي بهمزتين فحذفت
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ١٧٥، وتيسير الداني ١٢١، ومعاني الفراء ٢/ ١٦٦.
(٣) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٠٧، وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٦٤٨، وشرح المفصّل ٩/ ٨، ولسان العرب (جمع)، وتفسير الطبري ١٣/ ١٥٢، وشرح القصائد السبع لابن الأنباري ٤٢٣.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٧]
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ في موضع الحال.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٨]
يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)
يا أُخْتَ هارُونَ نداء مضاف. والأصل أخوة يدلّ على ذلك أخوات وقال محمد بن يزيد: حذفت الواو فرقا بين المتشبّث وغير المتشبّث. ولا نعلم أحدا سبق أبا العباس إلى هذا القول مع حسنه وجودته. وزعم الفراء أنه إنما ضمّت الهمزة في قولهم أخت وكسرت الباء في قولهم: بنت للفرق بين ما حذفت منه الواو وبين ما حذفت منه الياء فالضمة علم الواو والكسرة علم الياء. وذكر محمد بن يزيد أن هذا القول خطأ.
قال أبو جعفر: في قوله: «يا أخت هارون» قولان للعلماء: أحدهما أن هارون كان رجلا صالحا فقالوا يا أخت هارون أي يا شبيهته في الصّلاح، وإنما المؤمنون إخوة من هذا، وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه. وروى جعفر عن سعيد بن جبير أنه كان رجل فاسق يقال له هارون فقالوا لها: يا أخت هارون. قال أبو جعفر: والقول الأول أولى لأن فيه حديثا مسندا.
(٢) ورد المثل في خزانة الأدب ١١/ ٤٠٣، ومجمع الأمثال ١/ ١٠٧، والمعنى: لا يكون الختان إلا بألم، أي إنّ الخير لا يدرك إلا باحتمال المشقّة.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٩]
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن تكون «كان» زائدة ونصب صَبِيًّا على الحال، والعامل فيه الاستقرار، وقيل: «كان» بمعنى وقع نصب صبيّ على الحال إلّا أن العامل فيه كان، والقول الثالث قول أبي إسحاق. قال:
من للشرط، والمعنى: من كان في المهد صبيا فكيف نكلّمه؟ قال: كما تقول: من كان لا يسمع ولا يبصر فكيف أخاطبه؟ قال أبو جعفر: وإنما احتاج النحويون إلى هذه التقديرات لأن الناس كلّهم كانوا في المهد صبيانا ولا بد من أن يبيّن عيسى صلّى الله عليه وسلّم بشيء منهم وقد حكى سيبويه زيادة كان، وأنشد: [الوافر] ٢٨٤-
فكيف إذا مررت بدار قوم | وجيران لنا كانوا كرام «١» |
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٠]
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ في معناه قولان: أحدهما قدّر أن يؤتينيه، والآخر أنّ الله جلّ وعزّ أكمل عقله وآتاه الكتاب وجعله نبيا وهو في المهد. قال قتادة: في المهد أي في الحجر.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣١]
وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١)
وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما مشتقّ من البركة وهو الثبوت على الخير. وكان ثابتا على الخير مشبا، كما قال عمرو بن قيس: معنى «وجعلني مباركا» معلّما مؤدبا. وبيّن هذا ما رواه شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن عثمان عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وروى عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «خيركم من علم القرآن وعلّمه» «٢» وروى شريك عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيركم من علم القرآن وأقرأه». وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ قال أبو إسحاق: «الزكاة» الطهارة، وقال غيره وأوصاني بالزكاة أن أؤدّيها إذا وجبت علي وآمر بها، ما دُمْتُ حَيًّا خبر دمت وعلى الحال عند الفراء.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٢]
وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢)
وَبَرًّا بِوالِدَتِي قال الكسائي: هو نسق على مبارك أي وجعلني برا. وقرأ ابن
(٢) أخرجه الترمذي في سننه- فضائل القرآن ١١/ ٣٢، وابن ماجة في سننه- المقدمة الحديث ٢١١، ٢١٢، وأبو داود في سننه حديث رقم (١٤٥٢).
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٣]
وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)
وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا آخر كلام عيسى عليه السلام فلمّا تكلّم في حجر أمّه ظهرت لهم الآية.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٤]
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤)
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ قال الكسائي: «قول الحقّ» نعت، وقال أبو حاتم: المعنى هو قول الحق، وقيل: التقدير هذا الكلام قول الحق. وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر قَوْلَ الْحَقِّ بالنصب. قال الفراء «١» : بمعنى حقّا. قال أبو إسحاق: هو مصدر أي أقول قول الحق لأن ما قبله يدلّ عليه.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٥]
ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥)
ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ أَنْ في موضع رفع اسم كان مِنْ وَلَدٍ في موضع نصب و «من» زائدة للتوكيد، وحقيقة هذا أنك إذا قلت: ما اشتريت فرسا، جاز أن يكون المعنى أنك ما اشتريت شيئا البتة، وجاز أن يكون المعنى أنك اشتريت أفراسا.
فإذا قلت: ما اشتريت فرسين، جاز فيه ثلاثة أوجه: منها أن يكون لم تشتر شيئا، وجاز أن تكون اشتريت واحدا، وجاز أن تكون اشتريت أكثر من اثنين. فإذا قلت: ما اشتريت من فرس صار المعنى أنك لم تشتر من هذا الجنس شيئا البتة. سُبْحانَهُ مصدر فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «٢» قراءة الجماعة، وقرأ ابن عامر الشامي فيكون.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٦]
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦)
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ قراءة أهل المدينة وقراءة أهل الكوفة و «إنّ» «٣» بكسر الهمزة على أنه مستأنف، وفي الفتح أقوال: فمذهب الخليل وسيبويه رحمهما الله أن المعنى ولأن «ربّي وربّكم»، وكذا عندهما وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا [الجنّ: ١٨] فإنّ في موضع نصب عندهما، وأجاز الفراء «٤» أن يكون في موضع خفض على حذف اللام، وأجاز أيضا أن يكون في موضع خفض بمعنى «وأوصاني بالصلاة والزكاة وبأن الله ربي وربكم»، وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بمعنى «والأمر أن الله ربي وربكم»،
(٢) انظر تيسير الداني ١٢١.
(٣) انظر تيسير الداني ١٢١ وهي قراءة ابن عامر والكوفيين.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ١٦٨.
وقضى أنّ الله ربّي وربكم.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٨]
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا مبني على السكون لأن لفظه لفظ الأمر ومعناه معنى التعجّب: ما أسمعهم وما أبصرهم!
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٩]
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ قد ذكرناه وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما من أحد يدخل النار إلّا وله بيت في الجنة فيتحسّر عليه، وقيل: تقع الحسرة إذا أعطي كتابه بشماله. وأن معنى: إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ عرّف كلّ إنسان ما له وما عليه، وقيل: التقدير:
وأنذرهم خبر يوم الحسرة إذ قضي الأمر فخبّر أنّهم معذّبون.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢)
إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا خبر «كان» و «نبيّا» من نعته، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا، وأن يكون حالا من المضمر.
قال أبو إسحاق: الوقف إذ قال لأبيه يا أبه بالهاء لأنها هاء تأنيث، وقال أبو الحسن بن كيسان: الوقف بالتاء لأنه مضاف إلى ما لا ينفصل، كما تقول: هذه نعمتي. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا «١» هذا في سورة «يوسف» بأكثر من هذا. قال الكسائي: عصيّ وعاصي واحد.
[سورة مريم (١٩) : آية ٤٦]
قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)
قالَ أَراغِبٌ رفع بالابتداء، و «أنت» فاعل سدّ مسدّ الخبر، كما تقول: أقائم أنت؟
وحسن الابتداء بالنكرة لما تقدمها.
[سورة مريم (١٩) : آية ٤٧]
قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)
قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ صلح الابتداء بالنكرة لأن فيها معنى المنصوب وفيها في هذا الموضع معنى التفرّق والترك، ومثله وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: ٦٣].
سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي أي إن أسلمت وتبت. إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا قال علي بن أبي
[سورة مريم (١٩) : آية ٤٨]
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨)
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «ما» في موضع نصب لأنها معطوفة أي واعتزل ما تدعون.
[سورة مريم (١٩) : آية ٥٠]
وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)
وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ أي قول صدق، كما قال أعشى باهلة: [البسيط] ٢٨٥-
إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها | من علو لا عجب فيها ولا سخر «٢» |
قال جلّ وعزّ عَلِيًّا وهو نعت للسان، وقال الآخر: [الوافر] ٢٨٦-
ندمت على لسان فات منّي | فليت بيانه في جوف عكم «٣» |
وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥)
وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا مشتقّ من الرّضوان، والأصل مرضوّ عند سيبويه أبدل من الواو ياء لأنها أخفّ، وكذا مسنيّة وإنما أبدل من الواو ياء لأنها قبلها ضمة والساكن ليس بحاجز حصين، وقال الكسائي والفراء «٤» من قال: مرضي بناه على رضيت. قالا:
وأهل الحجاز يقولون: مرضو، وفيه قول ثالث حكاه الكسائي والفراء «٥» قالا: من العرب من يقول: رضوان ورضيّان فرضوان على مرضو ورضيّان على مرضي، ولا يجيز البصريون أن يقال إلّا رضوان وربوان. قال أبو جعفر: سمعت أبا إسحاق يقول:
يخطئون في الخطّ فيكتبون ربا بالياء ثم يخطئون فيما هو أشدّ من هذا فيكتبون ربيان، ولا يجوز إلّا ربوان ورضوان قال الله جلّ وعزّ وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ [الروم: ٣٩].
(٢) الشاهد لأعشى باهلة في إصلاح المنطق ٢٦، والأصمعيات ٨٨، وجمهرة اللغة ٩٥٠، وخزانة الأدب ٦/ ٥١١، وسمط اللآلي ٧٥، وشرح المفصّل ٤/ ٩٠، ولسان العرب (سخر) و (لسن)، والمؤتلف والمختلف ١٤، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١/ ١٩١، ولسان العرب (علا).
(٣) الشاهد للحطيئة في ديوانه ١٢٢، وتخليص الشواهد ٢٩٢، وخزانة الأدب ٤/ ١٥٢، وشرح شواهد الإيضاح ٥٠٣، ولسان العرب (عكم)، و (لسن)، ونوادر أبي زيد ٣٣، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠/ ٢٤٤.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ١٦٩.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ١٦٩.
[سورة مريم (١٩) : آية ٥٢]
وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢)وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا نصب على الحال. قال الفراء: نجيّ مثل جليس قال: ونجيّ ونجوى يكونان اسمين ومصدرين.
[سورة مريم (١٩) : آية ٥٣]
وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣)
وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ بدل من الأخ ولم ينصرف لأنه معرفة عجمي، وكذا إدريس عليه السلام.
[سورة مريم (١٩) : آية ٥٨]
أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨)
خَرُّوا سُجَّداً على الحال. وَبُكِيًّا عطف عليه وقيل هو مصدر أي وبكوا بكيا.
ويقال: بكى يبكي بكاء وبكي وبكيّا إلّا أن الخليل رحمه الله قال: إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن أي ليس معه صوت. قال: [الوافر] ٢٨٧-
بكت عيني وحقّ لها بكاها | وما يغني البكاء ولا العويل «١» |
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)
فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا الغيّ في اللغة الخيبة. قال أبو جعفر: وقد ذكرناه.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦٠]
إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠)
إِلَّا مَنْ تابَ في موضع نصب على الاستثناء. قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون المعنى لكن من تاب. فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦١]
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١)
جَنَّاتِ عَدْنٍ على البدل. قال أبو إسحاق: ويجوز جنّات عدن» على الابتداء.
قال أبو حاتم: ولولا الخطّ لجاز جنّة عدن، لأن قبله يدخلون الجنة. إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا قال الكسائي: أي يؤتى إليه ويصار، وزعم القتبيّ «٢» : أنّ مأتيا بمعنى آت ومائتي مهموز لأنه من أتى يأتي ومن خفّف الهمزة جعلها ألفا.
(٢) القتبيّ: هو ابن قتيبة، انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ٢٧٤.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦٢]
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً قال الأخفش سعيد: وهذا على الاستثناء الذي ليس من الأول، قال: وإن شئت كان بدلا أي لا يسمعون إلا سلاما. وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا ظرفان. قال أبو إسحاق: أي يقسم لهم في هذين الوقتين ما يحتاجون إليه في كلّ ساعة. قال الأخفش: أي على مقادير الغداة والعشيّ مما في الدنيا لأنه ليس هناك ليل ولا نهار إنما هو نور العرش.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦٤]
وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)
قال الأخفش: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا أي قبل أن نخلق وَما خَلْفَنا ما يكون بعد الموت. وَما بَيْنَ ذلِكَ مذ خلقنا.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦٥]
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)
فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ الأصل اصتبر فثقل الجمع بين التاء والصاد لاختلافهما فأبدل من التاء طاء، كما تقول من الصوم: اصطام.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦٧]
أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧)
قرأ أهل الكوفة إلا عاصما وأهل مكة وأبو عمرو وأبو جعفر أولا يذكر الإنسان «١» وقرأ شعبة ونافع وعاصم أَوَلا يَذْكُرُ بالتخفيف، وفي حرف أبيّ أولا يتذكّر وهذه القراءة على التفسير لأنها مخالفة لخطّ المصحف لأن الأصل في يذّكّر يتذكر فأدغمت التاء في الذال. ومعنى يتذكّر: يتفكّر، ومعنى يذكر يتنبّه ويعلم.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦٨]
فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨)
فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ عطف على الهاء والميم والشياطين الذين أغووهم ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا «٢» نصب على الحال. والأصل جثوّ أبدل من الواو ياء لأنها ظرف، والجمع بابه التغيير. ومن قال: جثيّ أتبع الكسرة الكسرة.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦٩]
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩)
وهذه آية مشكلة في الإعراب لأن القراء كلّهم يقرءون أَيُّهُمْ بالرفع إلّا
(٢) انظر تيسير الداني ١٢١.
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل | فأبيت لا حرج ولا محروم «٣» |
وقد علمنا سيبويه أنه أعرب «أيّا» وهي منفردة لأنها تضاف فكيف يبنيها وهي مضافة؟
ولم يذكر أبو إسحاق فيما علمت إلا هذه الثلاثة الأقوال. قال أبو جعفر: وفيه أربعة أقوال سوى هذه الثلاثة الأقوال التي ذكرها أبو إسحاق، قال الكسائي: لننزعنّ واقعة على المعنى كما تقول: لبست من الثياب، وأكلت من الطعام، ولم يقع لننزعن على أيّهم فينصبها. وقال الفراء: المعنى ثم لننزعن بالنداء. ومعنى لننزعن لننادين إذا كان معناه لننزعن بالنداء. قال أبو جعفر: وحكى أبو بكر بن شقير أنّ بعض الكوفيين يقول:
في أيّهم معنى الشرط والمجازاة، فلذلك لم يعمل فيها ما قبلها، والمعنى ثم لننزعن من كلّ فرقة إن تشايعوا أو لم يتشايعوا كما تقول: ضربت القوم أيّهم غضب، والمعنى: إن غضبوا أو لم يغضبوا، فهذه ستة أقوال، وسمعت علي بن سليمان يحكي عن محمد بن يزيد قال: أيّهم متعلّق بشيعة فهو مرفوع لهذا، والمعنى: ثم لننزعن من الذين تشايعوا
(٢) انظر الكتاب ٢/ ٤٢٠.
(٣) الشاهد للأخطل في ديوانه ٦١٦، والكتاب ٢/ ٨١، وتذكرة النحاة ٤٤٧، وخزانة الأدب ٣/ ٢٥٤، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٤٨٨، وشرح المفصّل ٣/ ١٤٦، ولسان العرب (ضمر)، وبلا نسبة في الإنصاف ١/ ٧١٠، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٨٠، وشرح المفصّل ٧/ ٨٧.
(٤) انظر الكتاب ٢/ ٤٢٠.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧١ الى ٧٢]
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢)
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قد ذكرنا فيه أقوالا: قال خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة قالوا: يا ربنا إنك وعدتنا أن نرد النار، فيقال لهم: إنكم وردتموها وهي خامدة.
قال أبو جعفر: ومن أحسن ما قيل فيه، أعني في الآية- أن المعنى: وإن منكم إلّا وارد القيامة لأن الله جلّ وعزّ قال في المؤمنين: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها [الأنبياء: ١٠٨]، وقال جلّ ثناؤه: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [المائدة: ٦٩ والأنعام: ٤٨] ودلّ على أنّ المضمر للقيامة فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ فالحشر إنما هو في القيامة ثم قال جلّ وعزّ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا واسم كان فيها مضمر أي كان ورودها. فأما وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا فالإضمار للنار لأنها في القيامة فكنى عنها لمّا كانت فيها. وهذا من كلام العرب الفصيح الكثير. وقرأ عاصم الجحدري ومعاوية بن قرة ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا «١» بفتح الثاء، وقرأ ابن أبي ليلى ثمة «٢» :
«ثم» ظرف إلّا أنه مبني لأنه غير محصّل فبني كما بني «ذا» والهاء يجوز أن تكون لبيان الحركة فتحذف لأن الحركة في الوصل بيّنة، ويجوز أن تكون لتأنيث البقعة فتثبت في الوصل تاءا.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧٣ الى ٧٤]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤)
خَيْرٌ مَقاماً منصوب على البيان، وكذا نَدِيًّا وكذا أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً فيه خمس قراءات «٣» : قرأ أهل المدينة وريّا بغير همز، وقرأ أهل الكوفة وأبو عمرو وَرِءْياً بالهمز، وحكى يعقوب أنّ طلحة قرأ وريا بياء واحدة مخفّفة وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس هم أحسن أثاثا وزيّا بالزاي فهذه أربع قراءات، قال أبو إسحاق ويجوز هم أحسن أثاثا وريئا بياء بعدها همزة. قال أبو جعفر: قراءة أهل المدينة في هذا حسنة، وفيها تقديران: أحدهما أن يكون «من رأيت» ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء. وكذا هذا حسنا لتتّفق رؤوس الآيات
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ١٩٨.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ١٩٨، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤١١، ومعاني الفراء ٢/ ١٧١، والمحتسب ٢/ ٤٣.
حكى سيبويه راء بمعنى رأى.
[سورة مريم (١٩) : آية ٧٥]
قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥)
قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا قيل: المعنى: فليعش ما شاء فإنّ مصيره إلى الموت والعذاب. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ. قال أبو إسحاق: هذا على البدل من «ما» والمعنى: حتّى إذا رأوا العذاب أو الساعة.
[سورة مريم (١٩) : آية ٧٨]
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨)
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ ألف الاستفهام وفيه معنى التوبيخ، وحذفت ألف الوصل لأنه قد استغني عنها.
[سورة مريم (١٩) : آية ٨٠]
وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠)
وَيَأْتِينا فَرْداً على الحال.
[سورة مريم (١٩) : آية ٨٧]
لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧)
فيه تقديران: أحدهما أن يكون «من» في موضع رفع البدل من الواو أي لا يملك الشفاعة إلا من اتّخذ، والتقدير الآخر: أي يكون من في موضع نصب استثناء ليس من الأول. والمعنى: لكن من اتّخذ عند الرحمن عهدا بأنّه يشفع له، والمعنى عند الفراء «١» لا يملكون الشفاعة إلا لمن اتّخذ عند الرحمن عهدا، ليس أنّ اللام مضمرة ولكن المعنى عنده على هذا.
[سورة مريم (١٩) : آية ٨٨]
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨)
قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم وَلَداً بفتح الواو واللام، وقرأ سائر
مهلا فداء لك الأقوام كلّهم | وما أثمّر من مال ومن ولد «١» |
[سورة مريم (١٩) : آية ٨٩]
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩)
وقرأ أبو عبد الرحمن بفتح الهمزة، ويجوز شيئا أادّا كما تقول: رادّا، يقال أدّ يؤدّ أدّا فهو أادّ، والاسم الأدّ إذا جاء بشيء عظيم منكر.
[سورة مريم (١٩) : آية ٩٠]
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠)
تَكادُ السَّماواتُ على تأنيث الجماعة ويكاد على تذكير الجمع ينفطرن «٢» بالياء والنون قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة، وقرأ الأعمش والحسن ونافع والكسائي يَتَفَطَّرْنَ «٣» بالياء والتاء والأولى اختيار أبي عبيد، واحتجّ بقوله جلّ وعزّ إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار: ١] ولم يقل: تفطّرت. قال أبو جعفر: يتفطّرن بالياء والتاء في هذا الموضع أولى لأن فيه معنى التكثير فهو أولى لأنهم كفروا فكادت السموات تتشقّق فتسقط عليهم عقوبة بما فعلوه. وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مصدر لأن معنى تخرّ تهدّ.
[سورة مريم (١٩) : آية ٩١]
أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١)
أَنْ في موضع نصب عند الفراء «٤» بمعنى لأن دعوا ومن أن دعوا وزعم الفراء أن الكسائي قال: هي في موضع خفض.
[سورة مريم (١٩) : آية ٩٢]
وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢)
لأن الله جلّ وعزّ لا يشبهه شيء، وولد الرجل يشبهه.
(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤١٢. والبحر المحيط ٦/ ٢٠٥.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ٢٠٥. [.....]
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ١٧٣.
[سورة مريم (١٩) : آية ٩٣]
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣)«آتِي» بالياء في الخط والأصل التنوين فحذف تخفيفا وأضيف.
[سورة مريم (١٩) : آية ٩٥]
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ على لفظ كلّ، وعلى المعنى آتوه.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧)
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا أي في قلوب المؤمنين. ولدّ جمع ألدّ، مثل أصمّ وصمّ.
[سورة مريم (١٩) : آية ٩٨]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)
هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ في موضع نصب أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً أي قد ماتوا وحصلوا على أعمالهم.