تفسير سورة سورة النجم من كتاب التفسير الميسر
.
لمؤلفه
التفسير الميسر
.
المتوفي سنة 2007 هـ
ﰡ
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ( ١ ) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( ٢ ) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ( ٣ ) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ( ٤ ) ﴾
أقسم الله تعالى بالثريا إذا غابت،
ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق، وما خرج عن الرشاد، بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد،
وليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه.
ما القرآن وما السنة إلا وحي من الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ( ٥ ) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ( ٦ ) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ( ٧ ) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ( ٨ ) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ( ٩ ) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ( ١٠ ) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ( ١١ ) ﴾
علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَك شديد القوة،
وهو جبريل عليه السلام، الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم في الأفق الأعلى، وهو أفق الشمس عند مطلعها،
ثم دنا جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فزاد في القرب،
فكان دنوُّه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك.
فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى بوساطة جبريل عليه السلام.
ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره.
﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ( ١٢ ) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ( ١٣ ) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( ١٤ ) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ( ١٥ ) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ( ١٦ ) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ( ١٧ ) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ( ١٨ ) ﴾
أتُكذِّبون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فتجادلونه على ما يراه ويشاهده من آيات ربه ؟
ولقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل مرة أخرى
عند سدرة المنتهى- شجرة نَبْق- وهي في السماء السابعة، ينتهي إليها ما يُعْرَج به من الأرض، وينتهي إليها ما يُهْبَط به من فوقها،
عندها جنة المأوى التي وُعِد بها المتقون.
إذ يغشى السدرة من أمر الله شيء عظيم، لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل. وكان النبي صلى الله عليه وسلم على صفة عظيمة من الثبات والطاعة،
فما مال بصره يمينًا ولا شمالا ولا جاوز ما أُمِر برؤيته.
لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من آيات ربه الكبرى الدالة على قدرة الله وعظمته من الجنة والنار وغير ذلك.
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ( ١٩ ) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ( ٢٠ ) ﴾
أفرأيتم- أيها المشركون- هذه الآلهة التي تعبدونها : اللات والعزَّى
ومناة الثالثة الأخرى، هل نفعت أو ضرَّت حتى تكون شركاء لله ؟
﴿ أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى ( ٢١ ) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ( ٢٢ ) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى ( ٢٣ ) ﴾
أتجعلون لكم الذَّكر الذي ترضونه، وتجعلون لله بزعمكم الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم ؟
ما هذه الأوثان إلا أسماء ليس لها من أوصاف الكمال شيء، إنما هي أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم بمقتضى أهوائكم الباطلة،
ما أنزل الله بها مِن حجة تصدق دعواكم فيها. ما يتبع هؤلاء المشركون إلا الظن، وهوى أنفسهم المنحرفة عن الفطرة السليمة، ولقد جاءهم من ربهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، ما فيه هدايتهم، فما انتفعوا به.
﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى ( ٢٤ ) فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى ( ٢٥ ) ﴾
ليس للإنسان ما تمناه من شفاعة هذه المعبودات أو غيرها مما تهواه نفسه،
﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ( ٢٦ ) ﴾
وكثير من الملائكة في السموات مع علوِّ منزلتهم، لا تنفع شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة، ويرضى عن المشفوع له.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى ( ٢٧ ) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً ( ٢٨ ) ﴾
إن الذين لا يصدِّقون بالحياة الآخرة من كفار العرب ولا يعملون لها ليسمُّون الملائكة تسمية الإناث ؛ لاعتقادهم جهلا أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله.
وما لهم بذلك من علم صحيح يصدِّق ما قالوه، ما يتبعون إلا الظن الذي لا يجدي شيئًا، ولا يقوم أبدًا مقام الحق.
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( ٢٩ ) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى ( ٣٠ ) ﴾
فأعْرِضْ عمَّن تولى عن ذكرنا، وهو القرآن، ولم يُرِدْ إلا الحياة الدنيا.
ذلك الذي هم عليه هو منتهى علمهم وغايتهم. إن ربك هو أعلم بمن حادَ عن طريق الهدى، وهو أعلم بمن اهتدى وسلك طريق الإسلام. وفي هذا إنذار شديد للعصاة المعرضين عن العمل بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، المؤثرين لهوى النفس وحظوظ الدنيا على الآخرة.
﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ( ٣١ ) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ( ٣٢ ) ﴾
ولله سبحانه وتعالى ملك ما في السموات وما في الأرض ؛ ليجزي الذين أساؤوا بعقابهم على ما عملوا من السوء، ويجزي الذي أحسنوا بالجنة،
وهم الذين يبتعدون عن كبائر الذنوب والفواحش إلا اللمم، وهي الذنوب الصغار التي لا يُصِرُّ صاحبها عليها، أو يلمُّ بها العبد على وجه الندرة، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات، يغفرها الله لهم ويسترها عليهم، إن ربك واسع المغفرة، هو أعلم بأحوالكم حين خلق أباكم آدم من تراب، وحين أنتم أجنَّة في بطون أمهاتكم، فلا تزكُّوا أنفسكم فتمدحوها وتَصِفُوها بالتقوى، هو أعلم بمن اتقى عقابه فاجتنب معاصيه من عباده.
﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ( ٣٣ ) وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى ( ٣٤ ) ﴾
أفرأيت –يا محمد- الذي أعرض عن طاعة الله
وأعطى قليلا مِن ماله، ثم توقف عن العطاء وقطع معروفه ؟
﴿ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ( ٣٥ ) ﴾
أعند هذا الذي قطع عطاءه علم الغيب أنه سينفَد ما في يده حتى أمسك معروفه، فهو يرى ذلك عِيانًا ؟ ليس الأمر كذلك، وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة ؛ بخلا وشُحًّا.
﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ( ٣٦ ) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ( ٣٧ ) ﴾
أم لم يُخَبَّر بما جاء في أسفار التوراة
وصحف إبراهيم الذي وفَّى ما أُمر به وبلَّغه ؟
﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ( ٣٨ ) وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ( ٣٩ ) ﴾
أنه لا تؤخذ نفس بمأثم غيرها، ووزرها لا يحمله عنها أحد،
وأنه لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه.
﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ( ٤٠ ) ﴾
وأن سعيه سوف يُرى في الآخرة، فيميَّز حَسَنه من سيئه ؛ تشريفًا للمحسن وتوبيخًا للمسيء.
﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى ( ٤١ ) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ( ٤٢ ) ﴾
ثم يُجزى الإنسان على سعيه الجزاء المستكمل لجميع عمله،
وأنَّ إلى ربك –يا محمد- انتهاء جميع خلقه يوم القيامة.
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ( ٤٣ ) ﴾
وأنه سبحانه وتعالى أضحك مَن شاء في الدنيا بأن سرَّه، وأبكى من شاء بأن غَمَّه.
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ( ٤٤ ) ﴾
وأنه سبحانه أمات مَن أراد موته مِن خلقه، وأحيا مَن أراد حياته منهم، فهو المتفرِّد سبحانه بالإحياء والإماتة.
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ( ٤٥ ) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ( ٤٦ ) ﴾
وأنه خلق الزوجين : الذكر والأنثى من الإنسان والحيوان،
من نطفة تُصَبُّ في الرحم.
﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى ( ٤٧ ) ﴾
وأن على ربك –يا محمد- إعادة خلقهم بعد مماتهم، وهي النشأة الأخرى يوم القيامة.
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ( ٤٨ ) ﴾
وأنه هو أغنى مَن شاء مِن خلقه بالمال، وملَّكه لهم وأرضاهم به.
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ( ٤٩ ) ﴾
وأنه سبحانه وتعالى هو رب الشِّعْرى، وهو نجم مضيء، كان بعض أهل الجاهلية يعبدونه من دون الله.
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى ( ٥٠ ) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ( ٥١ ) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ( ٥٢ ) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ( ٥٣ ) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ( ٥٤ ) ﴾
وأنه سبحانه وتعالى أهلك عادًا الأولى، وهم قوم هود،
وأهلك ثمود، وهم قوم صالح، فلم يُبْقِ منهم أحدًا،
وأهلك قوم نوح قبلُ. هؤلاء كانوا أشد تمردًا وأعظم كفرًا من الذين جاؤوا من بعدهم.
ومدائن قوم لوط قلبها الله عليهم،
وجعل عاليها سافلها، فألبسها ما ألبسها من الحجارة.
﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ( ٥٥ ) ﴾
فبأيِّ نعم ربك عليك- أيها الإنسان المكذب- تَشُك ؟
﴿ هَذَا نَذِيرٌ مِنْ النُّذُرِ الأُولَى ( ٥٦ ) ﴾
هذا محمد صلى الله عليه وسلم، نذير بالحق الذي أنذر به الأنبياء قبله، فليس ببدع من الرسل.
﴿ أَزِفَتْ الآزِفَةُ ( ٥٧ ) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ( ٥٨ ) ﴾
قربت القيامة ودنا وقتها،
لا يدفعها إذًا من دون الله أحد، ولا يَطَّلِع على وقت وقوعها إلا الله.
﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ( ٥٩ ) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ( ٦٠ ) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ( ٦١ ) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ( ٦٢ ) ﴾
أفمِن هذا القرآن تعجبون -أيها المشركون- من أن يكون صحيحًا،
وتضحكون منه سخرية واستهزاءً، ولا تبكون خوفًا من وعيده،
فاسجدوا لله وأخلصوا العبادة له وحده، وسلِّموا له أموركم.