هي اثنتان وعشرون آية، وهي مكية بلا خلاف، وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت ﴿ والسماء ذات البروج ﴾ بمكة. وأخرج أحمد قال : حدثنا عبد الصمد حدثنا زريق بن أبي سلمى حدثنا أبو المهزم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق. وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان والطبراني والبيهقي في سننه عن جابر بن سمرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق والسماء ذات البروج.
ﰡ
هي اثنتان وعشرون آية، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ أحمد قال: حدّثنا عبد الصمد، حدّثنا رزيق بْنُ أَبِي سُلْمَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُهَزَّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ. وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَأَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١ الى ٢٢]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤)النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
قَوْلُهُ: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبُرُوجِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً «١» قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: هِيَ النُّجُومُ، وَالْمَعْنَى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ النُّجُومِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا: هِيَ قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ. وَقَالَ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو: ذَاتِ الْخَلْقِ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَلَامٍ وَغَيْرُهُمَا: هِيَ الْمَنَازِلُ لِلْكَوَاكِبِ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ بُرْجًا لِاثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا، وَهِيَ الْحَمَلُ، وَالثَّوْرُ، وَالْجَوْزَاءُ، وَالسَّرَطَانُ، وَالْأَسَدُ، وَالسُّنْبُلَةُ، وَالْمِيزَانُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْقَوْسُ، وَالْجَدْيُ، وَالدَّلْوُ، وَالْحُوتُ. وَالْبُرُوجُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْقُصُورُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ «٢» شُبِّهَتْ مَنَازِلُ هَذِهِ النُّجُومِ بِالْقُصُورِ لِكَوْنِهَا تَنْزِلُ فِيهَا، وَقِيلَ: هِيَ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: هِيَ منازل القمر، وأصل
(٢). النساء: ٧٨.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: الشَّاهِدُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَقِيلَ: الشَّاهِدُ: هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، لِقَوْلِهِ: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً وَقَوْلِهِ: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ «١» وَقِيلَ: الشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً «٢» وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً «٣» وقوله: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»
وَقِيلَ: الشَّاهِدُ: جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ لِقَوْلِهِ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ «٥» وَقِيلَ: هُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِقَوْلِهِ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ «٦» وَالْمَشْهُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ إِمَّا: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ، أَوْ: أُمَمُ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ: أُمَّةُ عِيسَى. وَقِيلَ: الشَّاهِدُ آدَمُ. وَالْمَشْهُودُ ذُرِّيَّتُهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الشَّاهِدُ: الْإِنْسَانُ لِقَوْلِهِ: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً «٧» وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
أَعْضَاؤُهُ لِقَوْلِهِ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ «٨» وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: الشَّاهِدُ: هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَالْمَشْهُودُ: سَائِرُ الْأُمَمِ لِقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «٩» وَقِيلَ: الشَّاهِدُ: الْحَفَظَةُ، وَالْمَشْهُودُ: بَنُو آدَمَ، وَقِيلَ: الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي. وَقِيلَ: الشَّاهِدُ:
الْخَلْقُ يَشْهَدُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ: هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ، وَبَيَانُ مَا هُوَ الْحَقُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، وَاللَّامُ فِيهِ مُضْمَرَةٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَبِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ: لَقَدْ قتل، فحذفت اللام وقد، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا دُعَائِيَّةٌ لِأَنَّ مَعْنَى قُتِلَ لُعِنَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَالدُّعَائِيَّةُ لَا تَكُونُ جَوَابًا لِلْقَسَمِ، فَقِيلَ: الْجَوَابُ قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَقِيلَ: قَوْلُهُ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ وَبِهِ قَالَ الْمُبَرِّدُ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِطُولِ الْفَصْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مُقَدَّرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ كَأَنَّهُ قَالَ: أُقْسِمُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ مَلْعُونُونَ كَمَا لُعِنَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَقِيلَ: تَقْدِيرُ الْجَوَابِ: لَتُبْعَثُنَّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَيْضًا: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بأنه لا يجوز أن
(٢). النساء: ٤١.
(٣). الأحزاب: ٤٥.
(٤). البقرة: ١٤٣.
(٥). النساء: ٤١.
(٦). المائدة: ١١٧. [.....]
(٧). الإسراء: ١٤.
(٨). النور: ٢٤.
(٩). البقرة: ١٤٣.
وَوَجْهٌ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِدَاءَهَا | عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ |
قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي عِنْدَ النَّارِ قُعُودٌ يَعْرِضُونَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا قُعُودًا عَلَى الْكَرَاسِيِّ عِنْدَ الْأُخْدُودِ وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ أَيِ: الَّذِينَ خَدُّوا الْأُخْدُودَ، وَهُمُ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَرْضِهِمْ عَلَى النَّارِ لِيَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ شُهُودٌ، أَيْ: حُضُورٌ، أَوْ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عِنْدِ الْمَلِكِ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِيمَا أُمِرَ بِهِ. وَقِيلَ: يَشْهَدُونَ بِمَا فَعَلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ.
وَقِيلَ: عَلَى بِمَعْنَى مَعَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَهُمْ مَعَ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَ اللَّهُ قِصَّةَ قَوْمٍ بَلَغَتْ بَصِيرَتُهُمْ وَحَقِيقَةُ إِيمَانِهِمْ إِلَى أَنْ صَبَرُوا عَلَى أَنْ يُحْرَقُوا بِالنَّارِ فِي اللَّهِ وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ أَيْ: مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ وَلَا عَابُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ أي: إلا أن صدّقوا بالله الغالب المحمود فِي كُلِّ حَالٍ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ ذَنْبًا إِلَّا إِيمَانَهُمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ «١» وَهَذَا مِنْ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:
لَا عَيْبَ فِيهِمْ سِوَى أَنَّ النَّزِيلَ بِهِمْ | يَسْلُو عَنِ الْأَهْلِ وَالْأَوْطَانِ والحشم |
وَلَا عَيْبَ فِيهَا غَيْرَ شِكْلَةِ عَيْنِهَا | كذاك عتاق الطّير شكل عُيُونُهَا |
أَحْرَقْتُهُ، وَفَتَنْتُ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ إِذَا أَدْخَلْتَهُ النَّارَ لِتَنْظُرَ جَوْدَتَهُ. وَيُقَالُ: دِينَارٌ مَفْتُونٌ، وَيُسَمَّى الصَّائِغُ:
الْفَتَّانَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ «١» أَيْ: يُحْرَقُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَى فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ: مَحَنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ لِيَرْجِعُوا عَنْهُ، ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ قَبِيحِ صُنْعِهِمْ وَيَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَفِتْنَتِهِمْ، فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ، أَيْ:
لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ جَهَنَّمَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ إِنَّ أَوِ الْخَبَرُ: لَهُمْ، وَعَذَابُ جَهَنَّمَ مُرْتَفِعٌ بِهِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، وَالْفَاءُ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَلَا يَضُرُّ نسخه بأنّ، خلافا للأخفش، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ي: وَلَهُمْ عَذَابٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى عَذَابِ كُفْرِهِمْ، وَهُوَ عَذَابُ الْحَرِيقِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْحَرِيقَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ ك السعير، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي جَهَنَّمَ بِالزَّمْهَرِيرِ ثُمَّ يُعَذَّبُونَ بِعَذَابِ الْحَرِيقِ فَالْأَوَّلُ: عَذَابٌ بِبَرْدِهَا، وَالثَّانِي: عَذَابٌ بِحَرِّهَا. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: إِنَّ عَذَابَ الْحَرِيقِ أُصِيبُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ النَّارَ ارْتَفَعَتْ مِنَ الْأُخْدُودِ إِلَى الْمَلِكِ وَأَصْحَابِهِ فَأَحْرَقَتْهُمْ، وَبِهِ قَالَ الْكَلْبِيُّ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أُحْرِقُوا بِالنَّارِ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُحْرَقُونَ فِي الْأُخْدُودِ بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أَيْ: لَهُمْ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ جَنَّاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ جَرْيِ الْأَنْهَارِ مِنْ تَحْتِ الْجَنَّاتِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْجَنَّاتِ الْأَشْجَارُ فَجَرْيُ الْأَنْهَارِ مِنْ تَحْتِهَا وَاضِحٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْأَرْضُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَيْهَا فَالتَّحْتِيَّةُ بِاعْتِبَارِ جُزْئِهَا الظَّاهِرِ وَهُوَ الشَّجَرُ لِأَنَّهَا سَاتِرَةٌ لِسَاحَتِهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ، أَيْ: ذَلِكَ الْمَذْكُورُ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ الَّذِي: لَا يَعْدِلُهُ فَوْزٌ وَلَا يُقَارِبُهُ وَلَا يُدَانِيهِ، وَالْفَوْزُ: الظَّفَرُ بِالْمَطْلُوبِ، وَجُمْلَةُ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لخطاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مبينة لِمَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْجَزَاءِ لِمَنْ عَصَاهُ، وَالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، أَيْ: أَخْذُهُ لِلْجَبَابِرَةِ وَالظَّلَمَةِ شَدِيدٌ، وَالْبَطْشُ: الْأَخْذُ بِعُنْفٍ، وَوَصْفُهُ بِالشِّدَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَضَاعَفَ وَتَفَاقَمَ، وَمِثْلُ هذه قوله: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ «٢» إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ أي: يخلق الخلق أَوَّلًا فِي الدُّنْيَا وَيُعِيدُهُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ. كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: يُبْدِئُ لِلْكُفَّارِ عَذَابَ الْحَرِيقِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يُعِيدُهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ أَيْ: بَالِغُ الْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَفْضَحُهُمْ بِهَا، بَالِغُ الْمَحَبَّةِ لِلْمُطِيعِينَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْوَادُّ لِأَوْلِيَائِهِ، فَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى الْوَدُودِ الرَّحِيمُ. وَحَكَى الْمُبَرِّدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَدُودَ هُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ له، وأنشد:
(٢). هود: ١٠٢.
وَأَرْكَبُ فِي الرَّوْعِ عُرْيَانَةً | ذَلُولَ الْجَنَاحِ لَقَاحًا وَدُودَا |
هُوَ نَعْتٌ لِرَبِّكَ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا صِفَاتٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: هُوَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمَعْنَى ذُو الْعَرْشِ: ذُو الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
رَأَوْا عَرْشِي تَثَلَّمَ جَانِبَاهُ | فَلَمَّا أَنْ تَثَلَّمَ أَفْرَدُونِي |
إِنْ يَقْتُلُوكَ فَقَدْ ثَلَلْتُ عُرُوشَهُمْ | بِعُتَيْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شِهَابٍ |
ثُمَّ بَيَّنَهُمْ فَقَالَ: فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الْجُنُودِ، وَالْمُرَادُ بِفِرْعَوْنَ هُوَ وَقَوْمُهُ، وَالْمُرَادُ بِثَمُودَ الْقَوْمُ الْمَعْرُوفُونَ، وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِهِمْ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ ذِكْرُهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ لِاشْتِهَارِ أَمْرِهِمَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعِنْدَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَدَلَّ بِهِمَا عَلَى أَمْثَالِهِمَا. ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ مُمَاثَلَةِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ فِي الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ فَقَالَ: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ أَيْ بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْعَرَبِ فِي تَكْذِيبٍ شَدِيدٍ لَكَ، وَلِمَا جِئْتَ بِهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ أَيْ: يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مَا أَنْزَلَ بِأُولَئِكَ، وَالْإِحَاطَةُ بِالشَّيْءِ: الْحَصْرُ لَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِعَدَمِ نَجَاتِهِمْ بِعَدَمِ فَوْتِ الْمُحَاطِ بِهِ عَلَى الْمُحِيطِ. ثُمَّ رَدَّ سُبْحَانَهُ تَكْذِيبَهُمْ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ أَيْ: مُتَنَاهٍ فِي الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ وَالْبَرَكَةِ لِكَوْنِهِ بَيَانًا لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَيْسَ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ إِنَّهُ شِعْرٌ وَكَهَانَةٌ وَسِحْرٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ أَيْ: مَكْتُوبٌ فِي لَوْحٍ، وَهُوَ أمّ الكتاب
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبُرُوجِ قُصُورٌ فِي السماء. وأخرج ابن مردويه عن جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ فَقَالَ: الْكَوَاكِبُ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً «١» قَالَ: الْكَوَاكِبُ، وَعَنْ قَوْلِهِ: فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ «٢» قَالَ: الْقُصُورُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ- وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قَالَ: الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ:
يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِمُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، وَفَضَّلَهُ بِهَا عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْهُ». وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قَالَ: «الشَّاهِدُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ هُوَ الْمَوْعُودُ يَوْمُ القيامة». وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ:
يَوْمُ عَرَفَةَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الْآيَةِ:
«الشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن سَيِّدَ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ» وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنَ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود:
(٢). النساء: ٧٨.
لَا، وَلَكِنَّ الشَّاهِدَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَرَأَ: وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً «١» وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ «٢». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي الْآيَةِ قَالَ: الشَّاهِدُ: جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَشْهُودُ:
يَوْمُ الْقِيَامَةِ، ثم تلا: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً «٣» وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ «٤». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ تَلَا: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: الشَّاهِدُ: اللَّهُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الشَّاهِدُ: اللَّهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ:
الشَّاهِدُ: اللَّهُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ التَّفَاسِيرُ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدِ اخْتَلَفَتْ كَمَا تَرَى، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ تَفَاسِيرُ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، وَاسْتَدَلَّ مَنِ اسْتَدَلَّ مِنْهُمْ بِآيَاتِ ذِكْرِ اللَّهِ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ شَاهِدٌ أَوْ مَشْهُودٌ، فَجَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْمَشْهُودَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ الَّذِي ذُكِرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هُنَا:
وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ هُوَ جَمِيعَ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَوِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ أَنَّهُ يُشْهَدُ أَوْ أَنَّهُ مَشْهُودٌ، وَلَيْسَ بَعْضُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مَعَ اخْتِلَافِهِ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقُلْ قَائِلٌ بِذَلِكَ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ فِي الْمَرْفُوعِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ مِنْ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ، وَحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَا يُعَيِّنُ هَذَا الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ، وَالشَّاهِدَ وَالْمَشْهُودَ؟ قُلْتُ: أَمَّا الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ فَلَمْ تَخْتَلِفْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا، بَلِ اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَفِي حَدِيثِهِ الثَّانِي أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّانِي وَأَمَّا الْمَشْهُودُ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَفِي حَدِيثِهِ الثَّانِي أَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ فَقَدْ تَعَيَّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَهِيَ أَرْجَحُ مِنْ تِلْكَ الرِّوَايَةِ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا رُجْحَانُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يَوْمُ القيامة.
(٢). هود: ١٠٣.
(٣). الأحزاب: ٤٥.
(٤). هود: ١٠٣.
فَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ دُفِنَ، ثُمَّ أُخْرِجُ، فَيُذْكَرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُصْبُعُهُ عَلَى صُدْغِهِ كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ. وَلِهَذِهِ الْقِصَّةِ أَلْفَاظٌ فِيهَا بَعْضُ اخْتِلَافٍ. وَقَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ. وَأَخْرَجَهَا أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْ
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ: أَصْحابُ الْأُخْدُودِ قَالَ: هُمُ الْحَبَشَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُمْ نَاسٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَدُّوا أُخْدُودًا فِي الأرض أوقدوا فيها نَارًا، ثُمَّ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ الْأُخْدُودِ رِجَالًا وَنِسَاءً، فَعُرِضُوا عَلَيْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ إِلَى قَوْلِهِ: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قَالَ: هَذَا قَسَمٌ عَلَى إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِلَى آخِرِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ قَالَ: يُبْدِئُ الْعَذَابَ وَيُعِيدُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْوَدُودُ قَالَ: الْحَبِيبُ، وَفِي قَوْلِهِ: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ قَالَ: الْكَرِيمُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ لَوْحُ الذِّكْرِ لَوْحٌ وَاحِدٌ فِيهِ الذِّكْرُ. وَإِنَّ ذَلِكَ اللَّوْحَ مِنْ نُورٍ، وَإِنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ:
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ- فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ فِي جَبْهَةِ إِسْرَافِيلَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ- قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ جَيِّدٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ كَمَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ، فَقَالَ لِلْقَلَمِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ:
اكْتُبْ عِلْمِي فِي خَلْقِي، فَجَرَى مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القيامة. اهـ.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
ووجه كأن الشمس ألقتّ رداءها | عليه نقيّ اللون لم يتخدّد |
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم | يسلو عن الأهل والأوطان والحشم |
ولا عيب فيها غير شكلة عينها | كذاك عتاق الطير شكلاً عيونها |
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأركب في الروع عريانة | ذلول الجناح لقاحاً ودوداً |
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
رأوا عرشي تثلم جانباه | فلما أن تثلم أفردوني |
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم | بعتيبة بن الحارث بن شهاب |
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية :«الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة». وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة». وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أنّ رجلاً سأله عن قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هل سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ :﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود : يوم القيامة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ إِنَّا أرسلناك شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ] ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو : ذلك الشاهد، والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز، أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود، فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد، فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود، فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاماً فهماً أو قال فطناً لقناً، فأعلمه علمي، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب، ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللَّهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً، فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقاً، فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس، وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردَّه عليك ؟ قال نعم، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم، فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله ربّ الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، وقال : بسم الله ربّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال : يقول الله :﴿ قُتِلَ أصحاب الأخدود * النار ذَاتِ الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾. فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل». ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذَاتِ البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب، وفي قوله :﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة.