ﰡ
﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٢] ما فيه لو كان القرآن غير عربي ما فهموه ولا عقلوه.
﴿ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾، بالذي أوحينا إليك، نظيرها في يس:﴿ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ﴾[يس: ٣٧].
﴿ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ ﴾، يعني من قبل نزول القرآن عليك.
﴿ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ ﴾ [آية: ٣] عنه.﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ ﴾ يعقوب: ﴿ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ ﴾ في المنام ﴿ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ﴾ هبطوا إلى الأرض من السماء، فـ ﴿ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [آية: ٤]، فالكواكب الأحد عشر إخوته، والشمس أم يوسف، وهي راحيل بنت لاتان، ولاتان هو خال يعقوب والقمر أبوه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقد علم تعبير ما رأى يوسف.﴿ قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ ﴾ فيحسدوك إضمار.
﴿ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً ﴾، فيعملوا بك شراً.
﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٥]، يعني بين. وقال يعقوب ليوسف: ﴿ وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾، يقول: وهكذا يستخلصك ربك بالسجود.
﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ ﴾، يعني ويعلمك تعبير الرؤيا.
﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ ﴾، يعني بآل يعقوب هو وامرأته وإخوته الأحد عشر، بالسجود لك.
﴿ كَمَآ أَتَمَّهَآ ﴾، يعني النعمة.
﴿ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ ﴾، يعني بأبويه ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ حين رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسحاق، وألقى إبراهيم في النار، فنجاه الله تعالى منها، وأراد ذبح ابنه، فخلصه الله بالسجود.
﴿ وَإِسْحَاقَ ﴾ في رؤيا إبراهيم في ذبح إسحاق.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ ﴾ بتمامها.
﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ٦]، يعني القاضى لها.﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ ﴾، يعني علامات.
﴿ لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [آية: ٧] وذلك أن اليهود لما سمعوا ذكر يوسف، عليه السلام، من النبي صلى الله عليه وسلم، منهم كعب بن الأشرف، وحيي، وجدي ابنا أخطب، والنعمان بن أوفى، وعمرو، وبحيرا، وغزال بن السموأل، ومالك بن الضيف، فلم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم منهم غير جبر غلام بن الحضرمي، ويسار أبو فكيهه، وعداس، فكان ما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر يوسف وأمره ﴿ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾، وذلك أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر يوسف، فكان ما سمعوا علامة لهم وهم السائلون عن أمر يوسف، عليه السلام، وكان يوسف قد فضل في زمانه بحسنه على الناس كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.﴿ إِذْ قَالُواْ ﴾ إخوة يوسف، وهو: روبيل أكبرهم سناً، ويهوذا أكبرهم في العقل، وهو الذي قال الله:﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ ﴾﴿ يوسف: ٨٠] في العقل، ولم يكن كبيرهم في السن، وشمعون، ولاوى، ونفتولن، وربولن، وآشر، واستاخر، وجاب ودان، ويوسف وبنيامين، بعضهم لبعض { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ ﴾، وهو بنيامين ﴿ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾، يعني عشرة.
﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٨]، يعني خسران مبين، يعني في شقاء بين، نظيرها في سورة القمر:﴿ ِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ ﴾[القمر: ٤٧]، يعني في شقاء، من حب يعقوب لابنه يوسف وذكره. ثم قال بعضهم لبعض: ﴿ ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً ﴾ بعيدة.
﴿ يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ﴾ فيقبل عليكم بوجهه.
﴿ وَتَكُونُواْ ﴾، يعني وتصيروا ﴿ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ ﴾ [آية: ٩]، يعني يصلح أمركم وحالكم عند أبيكم.﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ ﴾، وهو يهوذا بن يعقوب: ﴿ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ ﴾ فإن قتله عظيم.
﴿ وَ ﴾ لكن ﴿ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ ﴾ على طريق الناس، فيأخذونه فيكفونكم أمره، يعني الزائغة من البئر ما يتوارى عن العين ولا يراه أحد، فهو غيابت الجب.
﴿ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ ﴾، فيذهبوا به فيكفونكم أمره.
﴿ إِن كُنتُمْ ﴾ لا بد ﴿ فَاعِلِينَ ﴾ [آية: ١٠] من الشر الذي تريدون به. فأتوا يعقوب، فـ ﴿ قَالُواْ يَـأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ [آية: ١١].
﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ﴾، يعني ينشط ويفرح، والعرب تقول: رتعت لك، يعني فرحت لك.
﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [آية: ١٢] من الضيعة، قال يعقوب لهم: إني أخاف عليه، فقالوا لأبيهم: ﴿ مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ في الحفظ له.﴿ قَالَ ﴾ أبوهم: ﴿ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [آية: ١٣]، لا تشعرون به، وكانت أرضاً مذئبة، فمن ثم قال يعقوب: أنى أخاف أن يأكله الذئب.﴿ قَالُواْ ﴾، أي العشرة،: ﴿ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾، يعني ونحن جماعة.
﴿ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ ﴾ [آية: ١٤]، يعني لعجزة.﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ ﴾، بيوسف.
﴿ وَأَجْمَعُوۤاْ ﴾ أمرهم ﴿ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ ﴾ على رأس ثلاثة فراسخ، فألقوه في الجب، والماء يومئذ كدر غليظ، فعذب الماء وصفا حين ألقى فيه، وقام على صخرة في قاصية البئر، فوكل الله به ملكاً يحرسه في الجب ويطعمه.
﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ١٥]، وذلك أن الله أوحىإلى يوسف، عليه السلام، بعدما انصرف إخوته: إنك ستخبر إخوتك بأمرهم هذا الذي ركبوا منك، ثم قال: ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أنك يوسف حين تخبرهم، فأنبأهم يوسف بعد ذلك حين قال لهم وضرب الإناء، فقال: إن الإناء ليخبرني بما فعلتم بيوسف من الشر ونزع الثياب. قال أبو محمد عبد الله بن ثابت: وسمعت أبى يحدثني عن الهذيل، عن مقاتل في قوله: ﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾، قال: لا يشعرون أنك يوسف. قال: وذلك أن يوسف لما استخرج الصاع من وعاء أخيه بنيامين، قطع بالقوم وتحيروا، فأحضرهم وأخذ بنيامين مكان سرقته، ثم تقدم إلى أمينه، فقال له: أحضر الصاع إذا حضروا وانقره ثلاث نقرات، واستمع طنين كل نقرة حتى تسكن، ثم قال في النقرة الأولى كذا، وفى الثانية كذا، وفى الثالثة كذا، وأوهمهم أنك إنما تخبرنى عن شىء تفهمه من طنين الصاع، قال: فأمر بهم فجمعوا، ثم قال يوسف للذي استخرج الصاع، وهو أمينه: أحضر الصاع الذي سرقوه، وتقدم إليه ألا يكتمنا من أخبارهم شيئا، فإنه غضبان عليهم ويوشك أن يصدق عنهم، قال: فأحضره والقوم، وقال له الأمين: أيها الصاع، إن الملك يأمرك أن تبين له أمر هؤلاء القوم ولا تكتمه شيئاً من أمرهم، ثم نقره نقرة شديد، وأصغى إليه يسمعه، كأنه يستمع منه شيئاً، فقال: أيها الملك، إن الصاع يقول لك: إنهم أخبروك أنهم لأم واحدة، وأنهم شتى، وذلك وقع بينهم ما يقع بين الأولاد العتاة. قال: قل له لا يكتمنا من أخبارهم شيئاً، ثم نقره الثانية وأصغى إليه يسمعه، فلما سكن، قال: أيها الملك، إنهم أخبروك أن لهم أخاً مفقوداً، ولن تنصرم الأيام والليالي حتى يأتي ذلك الغلام فيتبين الناس أخبارهم. قال: مره ألا يكتمنا من أخبارهم شيئاً، قال: فطن الثالثة، فلما سكن قال: أيها الملك، إنه ما دخل على أبيهم غم ولا هم ولا حزن إلا بسببهم وجرائرهم، قال: أوعز إليه ألا يكتمنا من أخبارهم شيئاً. قال: فنظر بعضهم إلى بعض، وخافوا أن يظهر عليهم ما كتموه من أمر يوسف، عليه السلام، فقاموا إليه بجمعهم يقبلون رأسه وعينه، ويقولون: بالذى أشبهك بالنبيين، وفضلك على العالمين، ألا أقلت العثرة، وسترت العورة، وحفظتنا في أبينا يعقوب، فرق لهم، وقال: لولا حفاظي لكم في أبيكم لنكلت بكم ولألحقتكم بالسراق واللصوص، أغربوا عني، فلا حاجة لي فيكم. قال: فلما قدموا على أبيهم أخبروه بأخبارهم، قال: فردهم بالبضاعة المجازة، وكتب معهم كتاباً إليه، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، إلى عزيز مصر، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإنى ما سرقت، ولا ولدت سارقاً، ولكن أهل بيت البلاء موكل بنا، أما جدي، فألقي في النار، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً، وأما أبي، فأضجع للذبح، ففداه الله بذبح عظيم، وأما أنا، فبليت بفقد حبيبي وقرة عيني يوسف. قال: فلما وصلوا إليه أوصلوا كتابه، فلما قرأ كتابه انتحب، فقيل له: كأنك صاحب الكتاب، فقال: أجل، فذلك قوله: ﴿ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون ﴾، ثم تعرف إليهم فعرفوه.﴿ وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ ﴾ يعقوب ﴿ عِشَآءً يَبْكُونَ ﴾ [آية: ١٦] صلاة العتمة.﴿ قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾، يعني نتصيد.
﴿ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا ﴾ ليحفظه.
﴿ فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ﴾، يعني بمصدق لنا.
﴿ وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ [آية: ١٧] بما نقول.﴿ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ ﴾، يعني على قميص يوسف.
﴿ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾، وذلك أنهم حين ألقوه في البئر انتزعوا ثيابه، وهو قميصه، ثم عمدوا إلى سخلة فذبحوها على القميص ليروا أباهم يعقوب، فلما رأى أباهم القميص صحيحاً اتهمهم، وكان لبيباً عاقلاً، فقال: ما أحلم هذا السبع حين خلع القميص كراهية أن يتمزق، ثم بكى، فـ ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً ﴾، وكان الذي أردتم هو منكم.
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾، يعني صبرى صبراً حسناً لا جزع فيه.
﴿ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ [آية: ٨١]، يقول: بالله أستعين على ما تقولون حين تزعمون أن الذئب أكله، فبكى عليه يعقوب، عليه السلام، حتى امتنع عن النوم ومن أهل بيته، فكان يبكى ويئود، فمن هناك تئود اليهود إذا قرأوا التوراة.﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ ﴾، وهي العير، وقالوا: رفقة من العرب، فنزلوا على البئر يريدون مصر.
﴿ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ ﴾، فبعثوا رجلين: مالك بن دعر، وعود بن عامر، إلى الماء.
﴿ فَأَدْلَىٰ ﴾ أحدهم: ﴿ دَلْوَهُ ﴾، واسمه مالك بن دعر بن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن، فتعلق يوسف بالدلو، فصاح مالك ﴿ قَالَ ﴾، فقال: يا عود، للذي يسقي، وهو عود بن عامر بن الدرة بن حزام.
﴿ يٰبُشْرَىٰ ﴾، يقول: يا مالك أبشر.
﴿ هَـٰذَا غُلاَمٌ ﴾ والجب بواد في أرض الأردن يسمى أدنان. فبكى يوسف، عليه السلام، وبكى الجب لبكائه، وبكى مد صوته من الشجر والمدر والحجارة، وكان إخوته لما دلوه في البئر، تعلق يوسف في شفة البئر، فعمدوا إليه فخلصوا قميصه وأوثقوا يده، فقال: يا إخوتاه، وردوا عليَّ القميص أتوارى به في البئر، فقالوا له: ادع الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر يؤنسونك، فلما انتصف في الجب ألقوه، حتى وقع في البئر، فأدلوه في قعرها، فأراد أن يموت، فدفع الله عنه، ودعا يوسف ربه حين أخرجه مالك أن يهب لمالك ولداً، فولد له أربعة وعشرون ولدا. قوله: ﴿ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ﴾، يعني أخفوه من أصحابهم الذين مروا على الماء في الرفقة، وقالوا: هو بضاعة لأهل الماء نبيعه لهم بمصر؛ لأنهم لو قالا: إنا وجدناه أو اشتريناه، سألوهما الشركة فيه.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٩]، يعني بما يقولون من الكذب. يقول الله تعالى: ﴿ وَشَرَوْهُ ﴾، يعني وباعوه ﴿ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ﴾ بثمن حرام لا يحل لهم بيعة؛ لأنه حر، وثمن الحر حرام وبيعه حرام.
﴿ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾، وهي عشرون درهماً، وكانت العرب تبايع بالأقل، فإذا كانت أربعين فهي أوقية، وما كان دون الأربعين، فهي دراهم معدودة.
﴿ وَكَانُواْ فِيهِ ﴾، يعني الذي باعوه كانوا في يوسف ﴿ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ ﴾ [آية: ٢٠] حين باعوه، ولم يعلموا منزلة يوسف عند الله، ومَنْ أبوه، ولو علموا ذلك ما باعوه. فانطلق القوم حتى أتوا به مصر، فبينا هو قريب منها، إذ مر براكب منها يقال له: مالك بن دعر اللخمي، قال له يوسف: أين تريد أيها الراكب؟ قال: أريد أرض كنعان، قال: إذا أتيت كنعان، فأت الشيخ يعقوب فأقرئه السلام، وصفني له، وقل له: إني لقيت غلاماً بأرض مصر، ووصفه له، وهو يقرئك السلام، فبكى يعقوب، عليه السلام، ثم قال: هل لك إلى الله حاجة؟ قال: نعم، عندي امرأة، وهي من أحب الخلائق إليَّ لم تلد مني ولداً قط، فوقع يعقوب ساجداً، فدعا الله، فولد له أربعة وعشرون ذكراً، وكان يوسف، عليه السلام، بأرض مصر، فأنزل الله عليهم البركة، ثم باعه المشتري من قطفير بن ميشا، فقال يوسف: من يشتري ويبشر، فاشتراه قطفير بن ميشا بعشرين ديناراً وزيادة حلة ونعلين.
﴿ وأخذ البائع قيمة الدنانير دراهم.{ وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ ﴾، وهو قطفير بن ميشا ﴿ لاِمْرَأَتِهِ ﴾ زليخا بنت يمليخا: ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴾، يعني أحسني منزلته وولايته.
﴿ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ ﴾ أو نصيب منه خيراً.
﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ الملك والسلطان في أرض مصر.
﴿ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ ﴾، يعني من تعبير الرؤيا.
﴿ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ ﴾، يعني والله متم ليوسف أمره الذي هو كائن مما لا يعلمه الناس، فذلك قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٢١] ذلك.
﴿ آتَيْنَاهُ حُكْماً ﴾، يقول: أعطيناه فهماً.
﴿ وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٢٢]، يعني وهكذا نجزي المخلصين بالفهم والعلم.﴿ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ ﴾ على نفسها وعلى يوسف في أمر الجماع.
﴿ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾، يعني هلم لك نفسي، تريد المرأة الجماع، فغلبته بالكلام.
﴿ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ﴾، يعني أعوذ بالله.
﴿ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾، يقول: إنه سيدي، يعني زوجها، أكرم مثواي، يعني منزلتي.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ﴾، يعني لا يفوز ﴿ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ٢٣] إن ظلمته في أهله، وألقى عليها شهوة أربعين إنساناً.﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ﴾، يقول: همت المرأة بيوسف حتى استلقت للجماع.
﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ يوسف حين حل سراويله وجلس بين رجليها.
﴿ لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾، يعني آية ربه لواقعها، والبرهان مثل له يعثوب عاض على إصبعه، فلما رأى ذلك، ولى دبراً واتبعته المرأة ﴿ كَذَلِكَ ﴾، يعني هكذا.
﴿ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ ﴾، يعني الإثم.
﴿ وَٱلْفَحْشَآءَ ﴾، يعني المعاصي.
﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [آية: ٢٤] بالنبوة والرسالة، نظيرها﴿ إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ ﴾[ص: ٤٦]، يعني بالنبوة.﴿ وَٱسُتَبَقَا ٱلْبَابَ ﴾، يوسف أمامها هارب منها، وهي ورائه تتبعه لتحبسه على نفسها، فأدركته قبل أن ينتهي إلى الباب.
﴿ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ﴾، يقول: فمزقت قميصه من ورائه حتى سقط القميص عن يوسف.
﴿ وَأَلْفَيَا ﴾، يقول: وجدا، كقوله:﴿ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾[البقرة: ١٧٠]، يعني وجدا ﴿ سَيِّدَهَا ﴾، يعني زوجها.
﴿ لَدَى ٱلْبَابِ ﴾، يعني عند الباب ومعه ابن عمها يملخا بن أزليخا.
﴿ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا ﴾، يعني الزنا.
﴿ إِلاَّ أَن يُسْجَنَ ﴾ حبساً في نصب.
﴿ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٢٥]، يعني ضرباً وجيعاً.﴿ قَالَ ﴾ يوسف للزوج: ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾ وهو يمليخا ابن عم المرأة، فتكلم بعقل ولب، قال: ﴿ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٢٦]، أي إن كان يوسف هو الذي راودها، فقدت، يعني فمزقت قميصه من قُبل، يعني من قدامه، فصدقت على يوسف، ويوسف من الكاذبين في قوله.﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٢٧]، أي وإن كان يوسف هو الهارب منها، فأدركته فقدت قميصه من دبر، فكذبت على يوسف، ويوسف من الصادقين في قوله، وقد سمعا جلبتهما وتمزيق القميص من وراء الباب.﴿ فَلَمَّا رَأَى ﴾ الزوج ﴿ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ ﴾، يقول: مزق من ورائه.
﴿ قَالَ ﴾ لها: ﴿ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ﴾، يقول: تمزيق القميص من فعلكن، يعني امرأته، ثم قال: ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ ﴾، يعني فعلكن ﴿ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ٢٨]؛ لأن المرأة لا تزال بالرجل حتى يقع في الخطيئة العظيمة. ثم قال الشاهد ليوسف: ﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ﴾ الأمر الذي فعلت بك، ولا تذكره لأحد، ثم أقبل الشاهد على المرأة، فقال: ﴿ وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ﴾، يعني واعتذرى إلى زوجك واستعفيه ألا يعاقبك.
﴿ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ ﴾ [آية: ٢٩].
﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ﴾، وهن خمس نسوة: امرأة الخباز، وامرأة الساقي وامرأة صاحب السجن، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب الإذن، قلن: ﴿ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا ﴾ العبراني، يعني عبدها الكنعاني.
﴿ عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً ﴾، يعني غلبها حباً شديداً هلكت عليه.
﴿ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٣٠]، يعني في خسران بين، يعني شقاء من حب يوسف، عليه السلام، حتى فشا عليها.﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ ﴾ زليخا ﴿ بِمَكْرِهِنَّ ﴾، يعني بقولهن لها.
﴿ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ﴾ فجئنها.
﴿ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً ﴾، وهو الأترج، وكل شىء يحز بالسكين فهو متكأ.
﴿ وَآتَتْ ﴾، يعني وأعطت ﴿ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً ﴾، وأمرت يوسف، عليه السلام، فتزين وترجل، وكان أُعطى يوسف في زمانه ثلث الحسن، وآتاه الحسن من قِبل جده إسحاق من قبل أمه سارة، وورثت سارة حسنها من قِبل حواء امرأة آدم، عليه السلام، وحسن حواء من آدم؛ لأنها خلقت منه. وقال مقاتل: كل ذكر أحسن من الأنثى من الأشياء كلها، وفضل يوسف في زمانه بحسنه على الناس، كفضل القمر ليلة البدر على الكواكب.﴿ وَقَالَتِ ﴾، أي ثم قال: يا يوسف: ﴿ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ﴾ من البيت.
﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ﴾، يعني أعظمنه.
﴿ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾، يعني وحززن أصابعهن بالسكين حين نظرن إليه.
﴿ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ ﴾، يعني معاذ الله.
﴿ مَا هَـٰذَا بَشَراً ﴾ إنساناً.
﴿ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [آية: ٣١]، يعني حسن، فأعجبها ما صنعن وما قلن.﴿ قَالَتْ ﴾ زليخا: ﴿ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ﴾ الذي افتتنتن به.
﴿ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ ﴾، يعني فامتنع عن الجماع.
﴿ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ ﴾ [آية: ٣٢]، يعني المذلين. قالت النسوة: يا يوسف، ما يمنعك أن تقضي لها حاجتها؟ فدعى يوسف ربه.
﴿ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ ﴾ من الزنا، حين قلن ليوسف: ما يحملك على ألا تقضي حاجتها.
﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾، يقول: أفضى إليهن.
﴿ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ ﴾ [آية: ٣٣]، يعني من المذنبين.﴿ فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ﴾، يعني مكرهن وشرهن.
﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لدعاء يوسف.
﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٣٤] به.﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ ﴾، يعني ثم بدا للزوج ﴿ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ ﴾، يعني من بعد ما رأوا العلامات في تمزيق القميص من دبر أنه بريء.
﴿ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ٣٥]، وذلك أنها قالت لزوجها حين لم يطاوعها يوسف: احبس يوسف في السجن لا يلج عليَّ، فصدقها فحبسته، فقال له صاحب السجن: من أنت؟ قال: ولم تسألني من أنا؟ قال: لأني أحبك، قال: أعوذ بالله من حبك، أحبني والدي، فلقيت من إخوتي ما لقيت، وأحبتني امرأة العزيز، فلقيت من حبها ما لقيت، فلا حاجة لي في حب أحد إلا في إلهي الذي في السماء، قال: أخبرني من أنت؟ قال: أنا يوسف نبي الله، ابن يعقوب صفي الله ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، وكان يوسف في السجن يؤنس الحزين، ويطمئن الخائف، ويقوم على المريض، ويعبر لهم الرؤيا.
﴿ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ ﴾ في المنام كأني ﴿ أَعْصِرُ خَمْراً ﴾، يعني عنباً، قال: كأني دخلت البستان، فإذافيه أصل كرم، وعليه ثلاث عناقيد، فكأني أعصرهن وأسقي الملك.
﴿ وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ ﴾، رأيت في المنام كأني ﴿ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً ﴾، ثلاث سلال، وأعلاهن جفنة من خبز فوق رأسي، مثل قوله:﴿ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ ﴾[الأنفال: ١٢]، ومثله قوله:﴿ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ ﴾[إبراهيم: ٢٦]، يعني أعلا الأرض.
﴿ تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾، يقول: أخبرنا بتفسير ما رأينا في المنام.
﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٣٦]، وكان إحسانه في السجن أنه كان يعود مرضاهم ويداويهم، ويعزي مكروبهم، ورآه متعبداًَ لربه، فهذا إحسانه.﴿ قَالَ ﴾ يوسف: ألا أخبر كما بأعجب من الرؤيا التي رأيتما، قال: ﴿ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾، إلا أخبرتكما بألوانه ﴿ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ﴾ الطعام، فقالوا ليوسف: إنما يعلم هذا الكهنة والسحرة، وأنت لست في هيئة ذلك، فقال يوسف لهما: ﴿ ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ ﴾ أولئك الكهنة والسحرة، يعني أهل مصر.
﴿ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ﴾، يعني لا يصدقون بتوحيد الله، ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
﴿ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [آية: ٣٧].
﴿ وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٣٨].
ثم دعاهما إلى الإسلام وهما كافران، فقال: ﴿ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ﴾، يعني الخباز والساقي.
﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ ﴾، أآلهة شتى تعبدون خير، يعني أفضل.
﴿ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴾ [آية: ٣٩] لخلقه؛ لأن الآلهة مقهورة، كقوله في النمل:﴿ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾[النمل: ٥٩] من الآلهة. ثم قال يوسف، عليه السلام: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ ﴾ من الآلهة ﴿ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ ﴾ أنها آلهة.
﴿ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ ﴾، يعني القضاء.
﴿ إِلاَّ للَّهِ ﴾ في التوحيد.
﴿ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾، يقول: أمر الله أن يوحد، ويعبد وحده، له التوحيد.
﴿ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ﴾، يعني المستقيم، وغيره من الأديان ليس بمستقيم.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ ﴾، يعني أهل مصر.
﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٤٠] بتوحيد ربهم.﴿ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً ﴾، وهو الساقي، قال له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتكون على عملك، فتسقي سيدك خمراً.
﴿ وَأَمَّا ٱلآخَرُ ﴾، وهو الخباز.
﴿ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ﴾، واسمه شرهم أشم، قال له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتصلب، فتأكل الطير من رأسك فكره الخباز تعبير رؤياه، فقال: ما رأيت شيئاً، إنما كنت ألعب، فقال له يوسف: ﴿ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [آية: ٤١]، رأيتما أو لم تريا، فقد وقع بكما ما عبرت لكما.﴿ وَقَالَ ﴾ يوسف ﴿ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ﴾ من القتل إضمار، وهو الساقي: ﴿ ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ﴾، يعني سيدك، فإنه يسرني أن يخرجني من السجن، يقول الله: ﴿ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾، يعني يوسف دعاء ربه، فلم يدع يوسف ربه الذي في السماء ليخرجه من السجن، واستغاث بعبد مثله، يعني الملك، فأقره الله في السجن عقوبة حين رجا أن يخرجه غير الله عز وجل، فذلك قوله: ﴿ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [آية: ٤٢]، يعني خمس سنين حتى رأى الملك، فأقره الله في السجن عقوبة حين رجا أن يخرجه غير الله عز وجل، فذلك قوله: ﴿ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [آية: ٤٢]، يعني خمس سنين حتى رأى الملك الرؤيا، وكان في السجن قبل ذلك سبع سنين، وعوقب ببضع سنين، يعني خمس سنين، فكان في السجن اثنتا عشرة سنة، فذلك قوله: ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [يوسف: ٣٥].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لو أن يوسف ذكر ربه، ولم يستغث بالملك، لم لبث في السجن بضع سنين، ولخرج من يومه ذاك "، قال: وأتى جبريل يوسف حين استغاث بالملك وترك دعاء ربه، فقال له: إن الله يقول لك: يا ابن يعقوب، من حببك إلى أبيك وأنت أصغرهم؟ قال: أنت يا إلهي، قال: إن الله يقول: من عصمك من الخطيئة وقد هممت بها؟ قالك أنت يا إلهي، قال: فكيف تركتنى واستغثت بعبد مثلك؟ فلما سمع يوسف ذكر الخطيئة، قال: يا إلهى، إن كان خلق وجهي عندك من أجل خطيئتى، فأسألك بوجه أبي وجدي أن تغفر لي خطيئتي.﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ﴾، وهو الريان بن الوليد، للملأ من قومه ﴿ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ ﴾، أي بقرات.
﴿ عِجَافٌ وَ ﴾ رأيت ﴿ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾، ثم قال: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ﴾ وهم علماء أهل الأرض، وكان أهل مصر من أمهر الكهنة والعرافين.
﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ [آية: ٤٣]، ولم يعلموا تأويل رؤياه. فـ ﴿ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾، يعني أحلام مختلطة كاذبة، ثم علموا أن لها تعبيراً، وأنها ليست من الأحلام المختلطة، فمن ثم قالوا: ﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ﴾ [آية: ٤٤]، وجاءه جبريل، عليه السلام، فأخبره أنه يخرج من السجن غداً، وأن الملك قد رأى رؤيا، فلما نظر يوسف إلى جبريل عليه البياض مكلل باللؤلؤ. قال مقاتل: قال له: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، أي رسل ربي أنت؟ قال: أنا جبريل، قال: ما أتى بك؟ قال: أبشرك بخروجك، قال: ألك علم بيعقوب أبي ما فعل؟ قال: نعم، ذهب بصره من الحزن عليك. قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، ما بلغ من حزنه؟ قال: بلغ حزنه حزن سبعين مثكلة بولدها، قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فما له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد، وألف مثكلة موجعة، قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل رأيت يعقوب؟ قال: نعم، قال أيها الملك، من ضم إليه بعدي؟ قال: أخاك بنيامين، قال يوسف: يا ليت السباع تقسمت لحمى ولم يلق يعقوب في سبيلي ما لقي. فلما سمع الساقي رؤيا الملك، ذكر تصديق عبارة يوسف، عليه السلام، في نفسه، وفي الخباز، فذلك قوله: ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ﴾ من القتل ﴿ وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾، يعني وذكر بعد حين: ﴿ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ ﴾، يعني بتعبيره.
﴿ فَأَرْسِلُونِ ﴾ [آية: ٤٥] إلى يوسف. فلما أتى يوسف، قال له الساقي: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ ﴾، يعني أيها الصادق فيما عبرت لي ولصاحبي.
﴿ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾، قال: أما البقرات السبع السمان، والسنبلات الخضر، فهن سبع سنين مخصبات، وأما البقرات العجاف السبع، والسنبلات السبع الأخر اليابسات، فهن المجدبات، ثم قال الساقي: ﴿ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ ﴾، يعني أهل مصر.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٤٦] تعبيرها، يعني تعبير هذه الرؤيا. ثم علمهم كيف يصنعون.
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً ﴾، يعني دائبين في الزرع، ثم علمهم يوسف ما يصنعون، فقال: ﴿ فَمَا حَصَدتُّمْ ﴾ من حب.
﴿ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ ﴾، فإنه أبقى له لئلا يأكله السوس.
﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ٤٧]، فتشقونه.﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾، يعني من بعد السنين المخصبات.
﴿ سَبْعٌ شِدَادٌ ﴾، يعني مجدبات.
﴿ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ﴾، يعني ما ذخرتم لهن في هذه السنين الماضية.
﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ [آية: ٤٨]، يعني مما تدخرون فتحرزونه.﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾، يعني من بعد السنين المجدبات.
﴿ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ ﴾، يعني أهل مصر بالمطر.
﴿ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [آية: ٤٩] العنب، والزيت من الخصب، هذا من قول يوسف، وليس من رؤيا الملك، فرجع الرسول فأخبره فعجب.﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ﴾ واسمه الريان بن الوليد ﴿ ٱئْتُونِي بِهِ ﴾، يعني بيوسف.
﴿ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ ﴾، يعني رسول الملك، وهو الساقي.
﴿ قَالَ ﴾ له: ﴿ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ ﴾، يعني سيدك.
﴿ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ﴾ الخمس ﴿ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾، يعني حززن أصابعهن بالسكين.
﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ ﴾، يعني بقولهن ﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٥٠] حين قلن: ما يمنعك أن تقضى لها حاجتها؟ وأراد يوسف، عليه السلام، أن يستبين عذره عند الملك قبل أن يخرج من السجن، ولو خرج يوسف حين أرسل إليه الملك قبل أن يبرئ نفسه، لم يزل متهماً في نفس الملك، فمن ثم قال: ﴿ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾، فيشهدان أن امرأة العزيز قالت: ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ ﴾ [يوسف: ٣٢].
فلما سألهن الملك.
﴿ قَالَ ﴾ لهن: ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ ﴾، يعني ما أمركن، كقوله:﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾[الحجر: ٥٧]، يعني ما أمركم.
﴿ إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾، وذلك أنهن قلن حين خرج عليهن يوسف من البيت: ما عليك أن تقضي لها حاجتها؟ فأبى عليهن، فرددن على الملك.
﴿ قُلْنَ حَاشَ للَّهِ ﴾، يعني معاذ الله.
﴿ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ ﴾، يعني الزنا، فلما سمعت زليخا قول السنوة.
﴿ قَالَتِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ ﴾ عند ذلك.
﴿ ٱلآنَ حَصْحَصَ ﴾، يعني الآن تبين ﴿ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ ﴾ يوسف ﴿ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٥١] في قوله. فأتاه الرسول في السجن، فأخبره بقول النسوة عند الملك، قال يوسف: ﴿ ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ ﴾، يقول: هذا ليعلم سيده ﴿ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ ﴾ في أهله، ولم أخالفه فيهن.
﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ ﴾ [آية: ٥٢]، يعني لا يصلح عمل الزناة، يقول: يخذلهم، فلا يعصمهم من الزنا، فأتاه الملك، وهو جبريل، بالبرهان الذي رأى، فقال ليوسف: أين ما هممت به أولاً حين حللت سراويلك وجلست بين رجليها؟. فلما ذكر الملك ذلك، قال عند ذلك: ﴿ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ ﴾، يعني قلبي من الهم، لقد هممت بها.
﴿ إِنَّ ٱلنَّفْسَ ﴾، يعني القلب ﴿ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ ﴾ للجسد، يعني بالإثم، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ ﴾، يعني إلا ما عصم ربى، فلا تأمر بالسوء.
﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ ﴾ لما هم به من المعصية.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٥٣] به حين عصمه.﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾، يعني أتخذه.
﴿ فَلَمَّا ﴾ أتاه يوسف وَ ﴿ كَلَّمَهُ ﴾، أي كلم الملك.
﴿ قَالَ ﴾ ليوسف: ﴿ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ ﴾، يقول: عندنا وجيه.
﴿ أَمِينٌ ﴾ [آية: ٥٤] على ما وكلت به، كقوله:﴿ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾[التكوير: ٢٠].
ثم ﴿ قَالَ ﴾ يوسف للملك: ﴿ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ ﴾ بمصر.
﴿ إِنِّي حَفِيظٌ ﴾ لما وكلتنى به.
﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٥٥]، يعني عالم بلغة الناس كلها. قال مقاتل: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لو قال: إني حفيظ عليم إن شاء الله، لملك من يومه ذلك "، وقال ابن عباس: لبث بعد ذلك سنة ونصفاً، ثم ملك أرض مصر. وقال مقاتل: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" عجبت من صبر يوسف وكرمه، والله يغفر له، لو كنت أنا لبادرت الباب حين بعث إليه الملك يدعوه "﴿ وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ ﴾، يعني وهكذا مكنا ليوسف الملك ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، في أرض مصر، لـ ﴿ يَتَبَوَّأُ ﴾، يقول: ينزل ﴿ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا ﴾، يعني سعتنا.
﴿ مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٥٦]، يعني نوفيه جزاءه، فجزاه الله بالصبر على البلاء، والصبر على المعصية بأن ملكه على مصر. ثم قال: ﴿ وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ ﴾، يعني أكبر، يعني جزاء الآخرة أفضل مما أعطي في الدنيا من الملك.
﴿ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعني صدقوا بالتوحيد.
﴿ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٥٧] الشرك مثل الذي اتقى يوسف، عليه السلام.
﴿ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ ﴾، أي على يوسف بمصر.
﴿ فَعَرَفَهُمْ ﴾ يوسف.
﴿ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ [آية: ٥٨]، يقول: وهم لا يعرفون يوسف، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن بنو يعقوب، نحن من أهل كنعان، قال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أحد عشر، قال: ما لي لا أرى الأحد عشر؟ قالوا: واحد منا عند أبينا، قال: ولم ذلك؟ قالوا: إن أخاه لأمه أكله الذئب، فلذلك تركناه عند أبينا، فهو يستريح.﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُم ﴾ يوسف ﴿ بِجَهَازِهِمْ ﴾، يعني في أمر الطعام.
﴿ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ ﴾، يعني بنيامين، وكان أخاهم من أبيهم، وكان أخا يوسف لأبيه وأمه.
﴿ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ﴾، يعني أوفي لكم ﴿ ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ ﴾ [آية: ٥٩]، وأنا أفضل من يضيف بمصر.﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ ﴾، يعني فلا بيع لكم ﴿ عِندِي ﴾ من الطعام.
﴿ وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾ [آية: ٦٠] بلادي.﴿ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ﴾ يعقوب.
﴿ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴾ [آية: ٦١] ذلك بأبيه.﴿ وَقَالَ ﴾ يوسف ﴿ لِفِتْيَانِهِ ﴾، يعني لخدامه وهم يكيلون لهم الطعام.
﴿ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ ﴾، يعني دراهمهم ﴿ فِي رِحَالِهِمْ ﴾، يعني في أوعيتهم.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٦٢] إلينا فلا يحبسهم عنا حبس الدراهم إذا ردت إليهم؛ لأنهم كانوا أهل ماشية.﴿ فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ ﴾، يعني منع كيل الطعام، فيه إضمار فيما يستأنف.
﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا ﴾ بنيامين ﴿ نَكْتَلْ ﴾ الطعام بثمن.
﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [آية: ٦٣] من الضيعة.﴿ قَالَ ﴾ أبوهم: ﴿ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ﴾ في قراءة ابن مسعود: هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه يوسف من قبل بنيامين.
﴿ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً ﴾، يعني فالله خير حافظاً منكم.
﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ [آية: ٦٤]، يعني أفضل الراحمين.﴿ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ ﴾، يعني حلوا أوعيتهم.
﴿ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ ﴾، يعني دراهمهم، فيها إضمار.
﴿ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي ﴾ بعد ﴿ هَـٰذِهِ ﴾ إضمار فإنهم قد ردوا علينا الدراهم، هذه ﴿ بِضَاعَتُنَا ﴾، يعني دراهمنا ﴿ رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ﴾ الطعام.
﴿ وَنَحْفَظُ أَخَانَا ﴾ بنيامين من الضيعة.
﴿ وَنَزْدَادُ ﴾ من أجله ﴿ كَيْلَ بَعِيرٍ ﴾، وكان أهل مصر يبيعون الطعام على عدة الرجال، ولا يبيعون على عدة الدواب، وكان الطعام عزيزاً، فذلك قوله: ﴿ كَيْلَ بَعِيرٍ ﴾ من أجله.
﴿ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴾ [آية: ٦٥] سريع لا حبس فيه.﴿ قَالَ ﴾ أبوهم: ﴿ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ ﴾، يعني تعطونى عهداً من الله.
﴿ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ ﴾، يعني بنيامين ولا تضيعوه كما ضيعتم أخاه يوسف.
﴿ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ﴾، يعني يحيط بكم الهلاك فتهلكوا جميعاً.
﴿ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ ﴾، يعني عهدهم.
﴿ قَالَ ﴾ يعقوب: ﴿ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [آية: ٦٦]، يعني شهيداً بيني وبينكم، نظيرها في القصص:﴿ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾[القصص: ٢٨].
فلما سرح بنيامين معهم، خشي عليهم العين، وكان بنوه لهم جمال وحسن.
﴿ وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ ﴾ مصر ﴿ مِن بَابٍ وَاحِدٍ ﴾، يعني من طريق واحد.
﴿ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ﴾، من طرق شتى، ثم قال: ﴿ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ ﴾ إذا جاء قضاء الله.
﴿ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ ﴾، يعني ما القضاء إلا لله.
﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾، يقول: به أثق.
﴿ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [آية: ٦٧]، يعني به فليثق الواثقون.﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ ﴾ مصر ﴿ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم ﴾ من طرق شتى، أخذ كل واحد منهم في طريق على حدة، يقول الله تعالى: ﴿ مَّا كَانَ ﴾ يعقوب ﴿ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾، كقوله:﴿ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ﴾[الحشر: ٩]، وهذا من كلام العرب، يعني إلا أمر شجر في نفس يعقوب.
﴿ وَإِنَّهُ ﴾، يعني أباهم ﴿ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ ﴾؛ لأن الله تعالى علمه أنه لا يصيب بنيه إلا ما قضى الله عليهم.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦٨].
﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾، يعني ضم إليه أخاه.
﴿ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٦٩]، يقول: فلا تحزن بما سرقوك وجاءوا بالدراهم التي كانت في أوعيتهم فردوها إلى يوسف، عليه السلام.﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ ﴾، يقول: فلما قضى في أمر الطعام حاجتهم.
﴿ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ ﴾، وهى الإناء الذى يشرب به الملك.
﴿ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾ بنيامين.
﴿ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ﴾، يعني نادى مناد، اسمه بعرايم بن بربري، من فتيان يوسف: ﴿ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ ﴾، يعني الرفقة.
﴿ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [آية: ٧٠]، فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم. فـ ﴿ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ ﴾، فيها تقديم وأقبلوا على المنادي، ثم قالوا: ﴿ مَّاذَا تَفْقِدُونَ ﴾ [آية: ٧١].
﴿ قَالُواْ ﴾ المنادي ومن معه لإخوة يوسف: ﴿ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِك ﴾، يعني إناء الملك، وكان يكال به كفعل أهل العساكر.
﴿ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ﴾، يعني وقر بعير.
﴿ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [آية: ٧٢]، يعني به كفيل. فرد الإخوة القول على المنادى.
﴿ قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعني أرض مصر بالمعاصى.
﴿ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ [آية: ٧٣]، وقد رددنا عليكم الدراهم التى كانت في أوعيتنا، ولو كنا سارقين ما رددناها عليكم.﴿ قَالُواْ ﴾، أي المنادي ومن معه: ﴿ فَمَا جَزَآؤُهُ ﴾، أي السارق.
﴿ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٧٤].
﴿ قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ﴾، يعني في وعائه، يعني المتاع.
﴿ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾، يعني هو مكان سرقته.
﴿ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٧٥]، يعني هكذا نجزي السارقين، كقوله في المائدة:﴿ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِه ﴾[المائدة: ٣٩]، يعني بعد سرقته، وكان الحكم بأرض مصر أن يغرم السارق عبداً يستخدم على قدر ضعف ما سرق ويترك، وكان الحكم بأرض كنعان أن يتخذ السارق عبداً يستخدم على قدر سرقته، ثم يخلى سبيله، فيذهب حيث شاء، فحكموا بأرض مصر بقضاء أرضهم.﴿ فَبَدَأَ ﴾ المنادي ﴿ بِأَوْعِيَتِهِمْ ﴾، فنظر فيها، فلم ير شيئاً.
﴿ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ﴾، ثم انصرف ولم ينظر في وعاء بنيامين، فقال: ما كان هذا الغلام ليأخذ الإناء، قال إخوته: لا ندعك حتى تنظر في وعائه، فيكون أطيب لنفسك، فنظر، فإذا هو بالإناء ﴿ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيه ﴾، يعني من متاع أخيه، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه.
﴿ كَذٰلِكَ كِدْنَا ﴾، يعني هكذا صنعنا ﴿ لِيُوسُفَ ﴾ أن يأخذ أخاه خادماً بسرقته في دين الملك، يعني في سلطان الملك، فذلك قوله: ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ ﴾، يعني ليحبس أخاه.
﴿ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ ﴾، يعني حكم الملك؛ لأن حكم الملك أن يغرم السارق ضعف ما سرق ثم يترك.
﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾ ذلك ليوسف.
﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾، يعني فضائل يوسف حين أخذ أخاه، ثم قال: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٧٦]، يقول الرب تعالى عالم.
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾، يقول: يوسف أعلم إخوته. ثم قال إخوة يوسف: ﴿ قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ ﴾ بنيامين.
﴿ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ﴾ بنيامين يعنون يوسف، عليه السلام، وذلك أن جد يوسف أبا أمه كان اسمه لاتان، كان يعبد الأصنام، فقالت راحيل لابنها يوسف، عليه السلام: خذ الصنم ففر به من البيت، لعله يترك عبادة الأوثان، وكان من ذهب، ففعل ذلك يوسف، عليه السلام، فتلك سرقة يوسف التى قالوا، فلما سمع يوسف مقالتهم.
﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾، ولم يظهرها لهم.
﴿ قَالَ ﴾ في نفسه: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾، ولم يسمعهم، قال: أنتم أسوأ صنعاً فيما صنعتم بيوسف.
﴿ وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [آية: ٧٧]، يعني بما تقولون من الكذب أن يوسف سرق. فعندها قالوا: ما لقينا من ابني راحيل يوسف وأخيه؟ فقال بنيامين: ما لقي ابنا راحيل منك؟ أما يوسف، فقد فعلتم به ما فعلتم، وأما أنا فسرقتموني، قالوا: فمن جعل الإناء في متاعك؟ قال: جعله في متاعي الذي جعل الدراهم في أمتعتكم، فلما ذكر الدراهم شتموه، وقالوا: لا تذكر الدراهم، في أمتعتكم، مخافة أن يؤخذوا بها.﴿ قَالُواْ ﴾، أي إخوة يوسف ليوسف: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ﴾، وذلك أن أرض مصر صارت إليه، وهو خازن الملك.
﴿ إِنَّ لَهُ ﴾، يعني بنيامين.
﴿ أَباً شَيْخاً كَبِيراً ﴾، حزيناً على ابن مفقود.
﴿ فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٧٨] إلينا إن فعلت بنا ذلك.﴿ قَالَ ﴾ يوسف: ﴿ مَعَاذَ ٱللَّهِ ﴾، يقول: نعوذ بالله ﴿ أَن نَّأْخُذَ ﴾، يعني أن نحبس بالسرقة ﴿ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ ﴾ [آية: ٧٩] أن نأخذ البرىء مكان السقيم.﴿ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ ﴾، يقول: يئسوا من بنيامين.
﴿ خَلَصُواْ نَجِيّاً ﴾، يعني خلوا يتناجون بينهم على حدة، وقال بعضهم لبعض: ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ ﴾، يعني عظيمهم في أنفسهم وأعلمهم، وهو يهوذا، ولم يكن أكبرهم في السن: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ ﴾، يعني في أمر بنيامين لتأتينه به.
﴿ وَمِن قَبْلُ ﴾ بنيامين ﴿ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ﴾، يعني ضيعتم.
﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ ﴾، يعني أرض مصر.
﴿ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ ﴾ في الرجعة.
﴿ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي ﴾ فيرد عليَّ بنيامين.
﴿ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ ﴾ [آية: ٨٠]، يعني أفضل القاضين.﴿ ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ ﴾، يعني بنيامين.
﴿ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ [آية: ٨١]، يعني وما كنا نرى أنه يسرق، ولو علمنا ما ذهبنا به معنا.
﴿ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا ﴾ أنه سرق.
﴿ وَٱلّعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [آية: ٨٢] فيما نقول، قال لهم يعقوب: كلما ذهبتم نقص منكم واحد، وكان يوسف، عليه السلام، حبس بنيامين، وأقام شمعون ويهوذا، فاتهمهم يعقوب، عليه السلام. فـ ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ ﴾، يعني ولكن زينت لكم ﴿ أَنفُسُكُمْ أَمْراً ﴾، كان هو منكم هذا.
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾، يعني صبراً حسناً لا جزع فيه.
﴿ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ﴾، يعني بنيه الأربعة.
﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ﴾ بخلقه.
﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٨٣]، يعني الحاكم فيهم، ولم يخبر الله يعقوب بأمر يوسف ليختبر صبره.﴿ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ ﴾، يعني وأعرض يعقوب عن بنيه، ثم أقبل على نفسه.
﴿ وَقَالَ يٰأَسَفَا ﴾، يعني يا حزناه ﴿ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ ﴾ ست سنين لم يبصر بهما.
﴿ مِنَ ٱلْحُزْنِ ﴾ على يوسف.
﴿ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [آية: ٨٤]، يعني مكروب يتردد الحزن في قلبه.﴿ قَالُواْ ﴾، أي قال بنوه يعيرونه: ﴿ تَالله تَفْتَأُ ﴾، يعني والله ما تزال ﴿ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً ﴾، يعني الدنف.
﴿ أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ ﴾ [آية: ٨٥]، يعني الميتين.﴿ قَالَ ﴾ لهم أبوهم: ﴿ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي ﴾، يعني ما بثه في الناس.
﴿ وَحُزْنِي ﴾، يعني ما بطن.
﴿ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ ﴾، يعني من تحقيق رؤيا يوسف أنه كائن ﴿ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٨٦].
﴿ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن ﴾، يعني فابحثوا عن ﴿ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ بنيامين.
﴿ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ﴾، يعني من رحمة الله.
﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ﴾، يعني من رحمة الله.
﴿ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ [آية: ٨٧]، وذلك أن يعقوب، عليه السلام، رأى ملك الموت في المنام، فقال له: هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا، وبشره، فلما أصبح، قال: ﴿ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن ﴾.
﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ ﴾ يوسف.
﴿ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ ﴾، يعني الشدة والبلاء من الجوع.
﴿ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ ﴾، يعني دراهم نفاية فجوزها عنا.
﴿ فَأَوْفِ ﴾، يعني فوفِ ﴿ لَنَا ٱلْكَيْلَ ﴾ بسعر الجياد.
﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ﴾، يقول: تكون هذه صدقة منك، يعنون معروفاً أن تأخذ النفاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [آية: ٨٨] لمن كان على ديننا إضمار، ولو علموا أنه مسلم لقالوا: إن الله يجزيك بصدقتك. فلما سمع ما ذكروا من الضر.
﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾، يعني بي وبأخي بنيامين.
﴿ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ [آية: ٨٩]، يعني مذنبين.﴿ قَالُوۤاْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ ﴾، يقول: قد أنعم الله علينا: ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ﴾ الزنا.
﴿ وَيِصْبِرْ ﴾ على الأذى.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٩٠]، يعني جزاء من أحسن حتى يوفيه جزاءه.﴿ قَالُواْ تَٱللَّهِ ﴾، يعني والله.
﴿ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا ﴾، يعني اختارك، كقوله في طه:﴿ لَن نُّؤْثِرَكَ ﴾[طه: ٧٢]، يعني لن نختارك علينا عند يعقوب، وأعطاك وملكك الملك.
﴿ وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [آية: ٩١] في أمرك، فأقروا بخطيئتهم،.﴿ قَالَ ﴾ يوسف: ﴿ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ﴾، يقول: لا تعيير عليكم، لم يثرب عليهم بفعلهم القبيح.
﴿ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ﴾ ما فعلتم.
﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ [آية: ٩٢] من غيره.﴿ ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ﴾ بعد البياض.
﴿ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٩٣]، فلا يبقى منكم أحد.﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ ﴾ من مصر إلى كنعان ثمانين فرسخاً.
﴿ قَالَ أَبُوهُمْ ﴾ يعقوب لبني بنيه: ﴿ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ﴾ [آية: ٩٤]، يعني لولا أن تجهلون.﴿ قَالُواْ ﴾ بنو بنيه: ﴿ تَٱللَّهِ ﴾ والله.
﴿ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ ﴾ [آية: ٩٥]، مثل قوله:﴿ إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾[القمر: ٢٤]، يقول: في شقاء وعناء، يعني في شقاء من حب يوسف وذكره، فما تنساه وقد أتى عليه أربعون سنة.﴿ فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ ﴾، فلما أتاه البشير، وهو الذي ذهب بالقميص الأول الذى كان عليه الدم.
﴿ وألقى القميص على وجه يعقوب.
{ فَٱرْتَدَّ ﴾ يعني فرجع ﴿ بَصِيراً ﴾ بعد البياض.
﴿ قَالَ ﴾ يعقوب: يا بني.
﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٩٦]، وذلك أن يعقوب قال لهم:﴿ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾[يوسف: ٨٦]، من تحقيق رؤيا يوسف.﴿ قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ [آية: ٩٧] في أمر يوسف.﴿ قَالَ ﴾ أبوهم: إني ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ ﴾ سحراً من الليل.
﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ﴾ للذنوب.
﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ٩٨] بالمؤمنين.
﴿ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ ﴾، يعني ضم ﴿ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ﴾ لهم: ﴿ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [آية: ٩٩] من الخوف، فدخل منهم اثنان وسبعون إنساناً من ذكر وأنثى.﴿ وَرَفَعَ ﴾ يوسف ﴿ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾، يعني على السرير، وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، وكانت أمه راحيل قد ماتت، وخالته تحت يعقوب، عليه السلام، وهي التي رفعها على السرير.
﴿ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً ﴾، أبوه وخالته وإخوته قبل أن يرفعهما على السرير في التقديم،. قال أبو صالح: هذه سجدة التحية، لا سجدة العبادة.
﴿ وَقَالَ ﴾ يوسف: ﴿ يٰأَبَتِ هَـٰذَا ﴾ السجود ﴿ تَأْوِيلُ ﴾، يعني تحقيق ﴿ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ﴾، يعني صدقاً، وكان بين رؤيا يوسف وبين تصديقها أربعون سنة.
﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ ﴾، كانوا أهل عمود مواشى.
﴿ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ﴾، يعني أزاغ ﴿ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ ﴾، حين أخرجه من السجن ومن البئر، وجمع بينه وبين أهل بيته بعد التفريق، فنزع من قلبه نزع الشيطان على إخوته بلطفه.
﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ١٠٠].
مات يعقوب قبل يوسف بسنتين، ودفن يعقوب والعيص بن إسحاق في قبر واحد، وخرجا من بطن واحد، في ساعة واحدة، فلما جمع الله ليوسف شمله، فأقر بعينه، وهو مغموس في الملك والنعمة، اشتاق إلى الله وإلى آياته، فتمنى الموت.
﴿ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ ﴾، من هاهنا صلة، يعني تعبير الرؤيا.
﴿ فَاطِرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، يعني خالق السموات والأرض، كن ﴿ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً ﴾، يعني مخلصاً بتوحيدك.
﴿ وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ١٠١]، يعني أباه يعقوب، وإسحاق، وإبراهيم.﴿ ذَلِكَ ﴾ الخبر ﴿ مِنْ أَنْبَآءِ ﴾، يعني من أحاديث ﴿ ٱلْغَيْبِ ﴾، غاب يا محمد أمر يوسف ويعقوب وبنيه عنك حتى أعلمناك.
﴿ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾، لم تشهدوه ولم تعلمه.
﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ﴾، يعني عند إخوة يوسف.
﴿ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ [آية: ١٠٢] بيوسف، عليه السلام.﴿ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٠٣]، يعني بمصدقين، فيها تقديم.﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾، يعني على الإيمان من جُعل.
﴿ إِنْ هُوَ ﴾، يعني القرآن.
﴿ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٠٤].
﴿ مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والرياح، والمطر.
﴿ وَٱلأَرْضِ ﴾ الجبال، والبحور، والشجر، والنبات، عاماً بعد عام.
﴿ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا ﴾، يعني يرونها.
﴿ وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [آية: ١٠٥]، أفلا يتفكرون فيما يرون من صنع الله فيوحدونه.﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ ﴾، أي أكثر أهل مكة.
﴿ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ ﴾ [آية: ١٠٦] في إيمانهم، فإذا سئلوا: من خلقهم وخلق الأشياء كلها؟ قالوا: الله، وهم في ذلك يعبدون الأصنام. فخوفهم، فقال: ﴿ أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ ﴾، يعني أن تغشاهم عقوبة.
﴿ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ ﴾ في الدنيا.
﴿ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعةُ بَغْتَةً ﴾، يعني فجأة.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ١٠٧] بإتيانها، هذا وعيد.﴿ قُلْ هَـٰذِهِ ﴾ ملة الإسلام.
﴿ سَبِيلِيۤ ﴾، يعني سنتي.
﴿ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ ﴾، يعني إلى معرفة الله، وهو التوحيد.
﴿ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ ﴾، يعني على بيان.
﴿ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي ﴾ على ديني.
﴿ وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ ﴾، نزه الرب نفسه عن شركهم.
﴿ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ١٠٨].
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾، يعنى من قبل أهل مكة، كان عاقبتهم الهلاك في الدنيا، يعنى قوم عاد، وثمود، والأمم الخالية.
﴿ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ ﴾، يعنى أفضل من الدنيا ﴿ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ ﴾ الشرك.
﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٠٩] أن الآخرة أفضل من الدنيا.﴿ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ ﴾ من إيمان قومهم، أوعدتهم رسلهم العذاب في الدنيا بأنه نازل بهم.
﴿ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ ﴾ حسب قوم الرسل قد كذبوهم العذاب في الدنيا بأنه نازل بهم، يقول: ﴿ جَآءَهُمْ ﴾، يعنى الرسل.
﴿ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ ﴾ من المؤمنين من العذاب مع رسلهم، فهذه مشيئته.
﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا ﴾، يقول: لا يقدر أحد أن يرد عذابنا.
﴿ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ١١٠].
﴿ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾، يعني لأهل اللب والعقل.
﴿ مَا كَانَ ﴾ هذا القرآن ﴿ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ ﴾ يعني يتقول لقول كفار مكة: إن محمداً تقوله من تلقاء نفسه.
﴿ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ﴾ الكتاب ﴿ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾، يقول: يصدق القرآن الذى أنزل على محمد الكتب التي قبله كلها أنها من الله.
﴿ وَتَفْصِيلَ ﴾، يقول: فيه بيان ﴿ كُلِّ شَيْءٍ وَ ﴾ هو ﴿ وَهُدًى ﴾ من الضلالة.
﴿ وَرَحْمَةً ﴾ من العذاب.
﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١١١]، يعني يصدقون بالقرآن أنه من الله عز وجل.