ﰡ
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦]
وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
قوله تعالى: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [٦] يعني بتصديق الرؤيا التي رأيتها لنفسك.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٨]
وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨)
قوله تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [١٨] قال: الصبر مع الرضا. قيل: ما علامته؟ قال: أن لا يجزع فيه. فسئل: بأي شيء يحصل التجمل بالصبر؟ قال: بالمعرفة بأن الله تعالى معك، وبراحة العافية، فإنما مثل الصبر مثل قدح أعلاه الصبر وأسفله العسل. ثم قال: عجبت ممن لم يصبروا كيف لم يصبروا للحال، ورب العزة يقول: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: ١٥٣].
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢١]
وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١)
قوله تعالى: أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا [٢١] يعني عسى أن يكون شفيعنا في الآخرة.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٤]
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)
قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ [٢٤] يعني همَّ بنفسه الطبيعية إلى الميل إليها، وهمَّ بنفس التوفيق والعصمة الفرار منها ومخالفتها. ومعناه أنه عصمه ربه، ولولا عصمة ربه لهمَّ بها ميلاً إلى ما دعته نفسه إليه، وعصمه ما عاين من برهان ربه عزَّ وجلَّ، هو أنه جاءه جبريل صلوات الله عليه في سورة يعقوب عليه السلام عاضاً إصبعه، فولى عند ذلك نحو الباب مستغفرا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٢]
وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)
قوله تعالى: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [٤٢] قال: حكي أن جبريل صلوات الله عليه دخل على يوسف في السجن، فقال له جبريل: يا طاهر ابن طاهر، إن الله تعالى أكرمني بك وبآبائك، وهو يقول لك: يا يوسف، أما استحييت مني حيث استشفعت إلى غيري، فوعزتي لألبثنك بضع سنين. قال: يا جبريل، هو عني راض؟ قال: نعم. قال: إذن لا أبالي. وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أنا ونفسي إلا كراعي غنم، كلما ضمها من جانب انتشرت من جانب.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٣]
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)
قوله تعالى: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [٥٣] قال: إن النفس الأمارة هي الشهوة، وهي موضع الطبع، إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [٥٣] موضع العصمة، والنفس
قوله تعالى: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ [٣٦] قال: إنما قال الله تعالى: «فتيان» لأنهما لم يتجاوز واحدهما في الدعوى، ورجعا في كل ما كان لهما إلى صاحبهما، فسماهما فتيان.
قوله تعالى: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [٥٢] قال: لم أنقض له عهداً، ولم أكشف له سترا.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٧]
وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)
قوله تعالى: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [٦٧] فسئل ما حقيقة التوكل؟ قال: الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد. فقيل: ما حق التوكل؟ فقال: أوله العلم وحقيقته العمل، ثم قال: إن المتوكل إذا كان على الحقيقة لا يأكل طعاماً، وهو يعلم أن غيره أحق منه.
قوله تعالى: قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ [٨٨] يعني يا أيها الملك العظيم، وباطنها يا أيها المغلوب في نفسه، كما قال الله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ [ص: ٢٣] أي غلبني فيه.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٥ الى ٨٧]
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)
قوله تعالى: حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً [٨٥] قال: حكي عن علي رضي الله عنه أنه قال:
الحرض هو البلاء لتألم القلب. وقال ابن عباس رضي الله عنه: الحرض دون الموت. وقال سهل: أي فاسد الجسم والعمل من الحزن. وإنما كان حزنه على دين يوسف، لا على نفسه، لأنه علم أنه لو مات على دينه اجتمع معه في الآخرة الباقية، وإذا تغير دينه لم يجتمعا أبداً. وقد حكي عن سفيان أنه قال: إن يعقوب عليه السلام لما جاءه البشير قال له يعقوب: على أي دين تركت يوسف؟ فقال: على دين الإسلام. قال: الآن تمت النعمة.
قوله تعالى: نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
[٨٦] يعني همي وحزني. قال سهل:
لم يكن حزن يعقوب على يوسف، إنما كان مكاشفاً لما وجد من قلبه الوجد على مفارقة يوسف
قوله تعالى: قالَ كَبِيرُهُمْ [٨٠] أي في العقل لا في السن.
قوله تعالى: لاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [٨٧] قال سهل: أفضل الخدمة وأعلاها انتظار الفرج من الله تعالى، كما حكي عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «انتظار الفرج بالصبر عبادة» «١» وانتظار الفرج على وجهين: أحدهما قريب، والآخر بعيد فالقريب في السر فيما بين العبد وربه، والبعيد في الخلق فينظر إلى البعيد فيحجب عن القريب.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠١]
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)
قوله تعالى: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [١٠١] قال سهل: فيه ثلاثة أشياء، سؤال ضرورة وإظهار فقر واختيار فرض، ومعناه: أمتني وأنا مسلم إليك أمري، مفوض إليك شأني، لا يكون لي إلى نفسي رجوع بحال ولا تدبير بسبب من الأسباب.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٦]
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)
قوله تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [١٠٦] قال: يعني شرك النفس الأمارة بالسوء كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا» «٢»، هذا باطن الآية، وأما ظاهرها مشركو العرب يؤمنون بالله، كما قال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف: ٨٧] وهم مع ذلك مشركون يؤمنون ببعض الرسل ولا يؤمنون ببعضهم.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٨]
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)
قوله تعالى: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ [١٠٨] أي أبلغ الرسالة ولا أملك الهداية، وإنما الهداية إليك. وقد سئل سهل عن قوله عليه السلام: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» «٣»، فقال: أي من جد في الطلب، وكان منك المنع، لم ينفعه جده في الطلب. وقال: إن الخلق لم يكشف لهم سر، ولو كشف لهم لأبصروا، ولم يشاهدوا وإن شاهدوا تم الأمر، وهذا شيء عظيم. ثم قال: أهل لا إله إلا الله كثير، والمخلصون منهم قليل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(٢) المستدرك على الصحيحين ٢/ ٣١٩ ونوادر الأصول ٤/ ١٤٧ والترغيب والترهيب ٤/ ١٦، وسيعاد في تفسير سورة: المنافقون.
(٣) صحيح البخاري: صفة الصلاة رقم ٨٠٨ وصحيح مسلم: المساجد ومواضع الصلاة رقم ٥٩٣.