تفسير سورة مريم

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة مريم من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة مريم مكية كلها، إلا آية سجدتها، فإنها مدنية، وهي ثمان وتسعون آية كوفي

﴿ كۤهيعۤصۤ. ﴾.
[آية: ١]، كاف، هاد، عالم، صادق، هذا ثناء الرب تبارك وتعالى على نفسه، يقول: كافياً لخلقه، هادياً لعباده، الياء من الهادي، عالم ببريته، صادق في قوله عز وجل.
ثم قال سبحانه: ﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ﴾، يعني نعمة ربك يا محمد.
﴿ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ ﴾ [آية: ٢] ابن برخيا، وذلك أن الله تعالى ذكر عبده زكريا بالرحمة.﴿ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً ﴾ [آية: ٣]، يقول: إذ دعا ربه دعاء سراً، وإنما دعا ربه عز وجل سراً؛ لئلا يقول الناس: انظروا إلى هذا الشيخ الكبير، يسأل الولد على كبره.﴿ قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي ﴾، يعني ضعف العظم منى.
﴿ وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً ﴾، يعني بياضاً.
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾ [آية: ٤]، يعني خائباً فيما خلا، كنت تستجيب لي، فلا تخيبني في دعائي إياك بالولد.﴿ وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً ﴾، يقول: خفت الكلالة، وهم العصبة من بعد موتي أن يرثوا مالي.
﴿ فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً ﴾ [آية: ٥]، يعني من عندك ولداً.﴿ يَرِثُنِي ﴾، يرث مالي.
﴿ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ ابن ماثان علمهم، ورياستهم في الأحبار، وكان يعقوب وعمران أبو مريم أخوين ابنا ماثان، ومريم ابنة عمران بن ماثان.
﴿ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ﴾ [آية: ٦]، يعني صالحاً. فاستجاب الله عز وجل لزكريا في الولد، فأتاه جبريل وهو يصلي، فقال: ﴿ يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً ﴾ [آية: ٧]، لم يكن أحد من الناس فيما خلا يسمى يحيى، وإنما سماه يحيى؛ لأنه أحياه من بين شيخ كبير وعجوز عاقر. فلما بشر ميتين بالولد.
﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ﴾، يعني من أين يكون لي غلام؟ ﴿ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً ﴾، أيشفع لا تلد.
﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ ﴾ أنا ﴿ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً ﴾ [آية: ٨]، يعني بؤساً، وكان زكريا يومئذ ابن خمس وسبعين سنة.﴿ قَالَ ﴾ له جبريل، عليه السلام: ﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعني هكذا.
﴿ قَالَ رَبُّكَ ﴾ إنه ليكون لك غلام.
﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ ﴾ أن تسألني الولد.
﴿ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ﴾ [آية: ٩].
﴿ قَالَ ﴾ زكريا: ﴿ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً ﴾، يعني علماً للحبل، فسأل الآية بعد مشافهة جبريل.
﴿ قَالَ ﴾ جبريل، عليه السلام: ﴿ آيَتُكَ ﴾ إذا جامعتها على طهر فحبلت، فإنك تصبح تلك الليلة لا تستنكر من نفسك خرساً، ولا مرضاً، ولكن لا تستطيع الكلام.
﴿ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً ﴾ [آية: ١٠] أنت فيهن سوى صحيح، فأخذ بلسانه عقوبة حين سأل الآية بعد مشافهة جبريل، عليهما السلام، ولم يحبس الله عز وجل لسانه عن ذكره ولا عن الصلاة.﴿ فَخَرَجَ ﴾ زكريا ﴿ عَلَىٰ قَوْمِهِ ﴾، بني إسرائيل.
﴿ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ ﴾، يعني من المسجد.
﴿ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ [آية: ١١]، يقول: كتب كتاباً بيده، وهو الوحي إليهم: أن صلوا بالغداة والعشي.﴿ يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ ﴾، يعني التوراة.
﴿ بِقُوَّةٍ ﴾، يعني بجد ومواظبة عليه.
﴿ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً ﴾ [آية: ١٢]، يعني وأعطينا يحيى العلم والفهم وهو ابن ثلاث سنين.﴿ وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا ﴾، يقول: رحمة من عندنا.
﴿ وَزَكَاةً ﴾، يعني جعله صالحاً وطهره من الذنوب.
﴿ وَكَانَ تَقِيّاً ﴾ [آية: ١٣]، يعني مسلماً.﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ ﴾، يقول: وجعلناه مطيعاً لوالديه.
﴿ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً ﴾، يعني متكبراً عن عبادة الله عز وجل.
﴿ عَصِيّاً ﴾ [آية: ١٤]، يعني ولا عاص لربه.﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ ﴾، يعني على يحيى، عليه السلام.
﴿ يَوْمَ وُلِدَ ﴾، يعني حين ولد، مثل قوله سبحانه:﴿ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَات ﴾[التوبة: ٣٦]، يعني حين خلق السموات، قال عيسى صلى الله عليه وسلم:﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾[مريم: ٣٣]، يعني حين أموت، وحين أبعث.
﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ﴾ ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعثُ حَيّاً ﴾ [آية: ١٥]، يعني حين يبعث بعد الموت.
﴿ وَٱذْكُرْ ﴾ لأهل مكة.
﴿ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾، يعني في القرآن ابنة عمران بن ماثان، ويعقوب بن ماثان، من نسل سليمان بن داود، عليهم السلام.
﴿ إِذِ ٱنتَبَذَتْ ﴾، يعني إذا انفردت.
﴿ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً ﴾ [آية: ١٦]، فجلست في المشرقة؛ لأنه كان الشتاء.﴿ فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً ﴾، يعني جبلاً، فجعلت الجبل بينها وبينهم، فلم يرها أحد منهم، كقوله في ص:﴿ حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ ﴾[ص: ٣٢]، يعني الجبل، وهو دون ق بمسيرة سنة، والشمس تغرب من ورائه.
﴿ فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا ﴾، يعني جبريل، عليه السلام.
﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ﴾ [آية: ١٧]، يعني إنساناً سوياً، يعني سوى الخلق، على صور شاب أمرد، جعد الرأس. فلما رأته حسبته إنساناً.
﴿ قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً ﴾ [آية: ١٨]، يعني مخلصاً لله عز وجل تعبده.﴿ قَالَ ﴾ جبريل، عليه السلام.
﴿ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لاًّهَبَ لَكِ ﴾ بأمر الله عز وجل.
﴿ غُلاَماً زَكِيّاً ﴾ [آية: ١٩]، يعني مخلصاً، يقول صالحاً.﴿ قَالَتْ ﴾ مريم: ﴿ أَنَّىٰ ﴾ من أين ﴿ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾، يعني ولم يكن لي زوج.
﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً ﴾ [آية: ٢٠]، يعني ولم أركب فاحشة.﴿ قَالَ ﴾ جبريل، عليه السلام: ﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعني هكذا.
﴿ قَالَ رَبُّكَ ﴾ إنه يكون لك ولد من غير زوج.
﴿ هُوَ عَلَيَّ ﴾، على الله.
﴿ هَيِّنٌ ﴾، يعني يسير أن يخلق في بطنك ولداً من غير بشر.
﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً ﴾، يقول: ولكي نجعله عبرة.
﴿ لِّلْنَّاسِ ﴾، يعني في بني إسرائيل.
﴿ وَرَحْمَةً ﴾، يعني ونعمة.
﴿ مِّنَّا ﴾ لمن تبعه على دينه، مثل قوله سبحانه:﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾[الأنبياء: ١٠٧]، يعني بالرحمة النعمة لمن اتبعه على دينه.
﴿ وَكَانَ ﴾ عيسى صلى الله عليه وسلم من غير بشر.
﴿ أَمْراً مَّقْضِيّاً ﴾ [آية: ٢١]، قد قضى الله عز وجل في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد.
﴿ فَحَمَلَتْهُ ﴾ أمه مريم عليها السلام، وهي ابنة ثلاث عشرة سنة، ومكثت مع عيسى، عليه السلام، ثلاثاً وثلاثين سنة، وعاشت بعدما رفع عيسى ست سنين، فماتت ولها اثنتان وخمسون سنة، فحملته أمه في ساعة واحدة، وصور في ساعة واحدة، وأرضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وقد كانت حاضت حيضتين قبل حمله.
﴿ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ ﴾، يعني فانفردت بعيسى صلى الله عليه وسلم.
﴿ مَكَاناً قَصِيّاً ﴾ [آية: ٢٢]، يعني نائياً من أهلها من وراء الحيل.﴿ فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ ﴾، يعني فألجأها، ولم يكن لها سعف.
﴿ قَالَتْ ﴾ مريم: ﴿ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا ﴾، الولد حياء من الناس، ثم قالت: ﴿ وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴾ [آية: ٢٣]، يعني كالشيء الهالك الذي لا يذكر فينسى.﴿ فَنَادَاهَا ﴾ جبريل، عليه السلام.
﴿ مِن تَحْتِهَآ ﴾، يعني من أسفل منها في الأرض، وهي فوقه على رابية، وجبريل، عليه السلام، يناديها بهذا الكلام: ﴿ أَلاَّ تَحْزَنِي ﴾، ذلك حين تمنت الموت.
﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ﴾ [آية: ٢٤]، يعني الجدول الصغير من الأنهار. وقال جبريل، عليه السلام، لها: ﴿ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ ﴾، يعني وحركي إليك.
﴿ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ﴾ [آية: ٢٥]، يعني بالجني ما ترطب به من البسر، وكانت شجرة يابسة، فاخضرت وهي تنظر، ثم أجري الله عز وجل لها نهراً من الأردن حتى جاءها، فكان بينهما وبين جبريل، عليه السلام، وهذا كلام جبريل لها، وإنما جعل الله عز وجل ذلك لتؤمن بأمر عيسى صلى الله عليه وسلم ولا تعجب منه. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: قال مقاتل: وأخبرت عن ليث بن أبي سليم، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً ﴾، يعني صمتاً.﴿ فَكُلِي ﴾ من النخلة.
﴿ وَٱشْرَبِي ﴾ من الماء العذب.
﴿ وَقَرِّي عَيْناً ﴾ بالولد.
﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً ﴾، يعني صمتاً.
﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ [آية: ٢٦] في عيسى صلى الله عليه وسلم.﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا ﴾ بالولد.
﴿ تَحْمِلُهُ ﴾ إلى بنى إسرائيل في حجرها ملفوفاً في خرق.
﴿ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ﴾ [آية: ٢٧]، يقول: أتيت أمراً منكراً.﴿ يٰأُخْتَ هَارُونَ ﴾ الذي هو أخو موسى. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، قال: قال مقاتل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما عنوا هارون أخا موسى؛ لأنها كانت من نسله ".
﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ ﴾ عمران.
﴿ ٱمْرَأَ سَوْءٍ ﴾، يعني بزان، كقوله سبحانه:﴿ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا ﴾[يوسف: ٢٥]، يعني الزنا، وكقوله سبحانه:﴿ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ﴾[يوسف: ٥١]، وكان عمران من عظماء بنى إسرائيل.
﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ ﴾ جنة.
﴿ بَغِيّاً ﴾ [آية: ٢٨] بزانية، فمن أين هذا الولد؟﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾، يعني إلى ابنها عيسى صلى الله عليه وسلم أن كلموه.
﴿ قَالُواْ ﴾، قال قومها: ﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ ﴾، يعني من هو.
﴿ فِي ٱلْمَهْدِ ﴾، يعني في حجر أمه ملفوفاً في خرق.
﴿ صَبِيّاً ﴾ [آية: ٢٩]، فدنا زكريا من الصبي، فقال: تكلم يا صبى بعذرك إن كان لك عذر. فـ ﴿ قَالَ ﴾ الصبى، وهو يومئذ ولد.
﴿ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ ﴾، وكذبت النصارى فيما يقولون، فأول ما تكلم به الصبي أنه أقر لله بالعبودية.
﴿ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ ﴾، يعني أعطاني الإنجيل فعلمنيه.
﴿ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ﴾ [آية: ٣٠].
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ﴾، يعني معلماً مؤدباً في الخير.
﴿ أَيْنَ مَا كُنتُ ﴾ من الأرض.
﴿ وَأَوْصَانِي بـِ ﴾ إقامة ﴿ ِٱلصَّلاَةِ وَ ﴾ إيتاء ﴿ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ﴾ [آية: ٣١].
﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي ﴾، يقول: وأوصاني أن أكون براً بوالدتي، يعني مطيعاً لأمي مريم.
﴿ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً ﴾، يعني متكبراً عن عبادة الله.
﴿ شَقِيّاً ﴾ [آية: ٣٢]، يعني عاصياً لله عز وجل.﴿ وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ ﴾، فلما ذكر الوالدة، ولم يذكر الوالد، ضمه زكريا إلى صدره، وقال: أشهد أنك عبد الله ورسوله.
﴿ وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ ﴾، يعني حين ولدت.
﴿ وَيَوْمَ أَمُوتُ ﴾، يعني وحين أموت.
﴿ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ [آية: ٣٣]، يعني وحين أبعث حياً بعد الموت في الآخرة، ثم لم يتكلم بعد ذلك حتى كان بمنزلة غيره من الصبيان، فلما قال: ﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي ﴾، ضمه زكريا.
يقول الله عز وجل: ﴿ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ﴾، يعني هذا عيسى ابن مريم قول العدل، يعني الصدق.
﴿ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ ﴾ [آية: ٣٤]، يعني الذي فيه يشكون في أمر عيسى صلى الله عليه وسلم، وهم النصارى.﴿ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ﴾، يعني عيسى صلى الله عليه وسلم.
﴿ سُبْحَانَهُ ﴾، نزه نفسه عز وجل.
﴿ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً ﴾ كان في علمه، يعني عيسى صلى الله عليه وسلم.
﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [آية: ٣٥] مرة واحدة لا يثني القول فيه مرتين. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، قال: حدثني مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، أنه قال: ﴿ كُن فَيَكُونُ ﴾ بالفارسية، لا يثني القول مرتين، إذا قال مرة كان. ثم قال عيسى صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل: ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ﴾، يعني فوحدوه.
﴿ هَـٰذَا ﴾ التوحيد.
﴿ صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [آية: ٣٦]، يعني دين الإسلام مستقيم، وغير دين الإسلام أعوج ليس بمستقيم.﴿ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ ﴾، يعني النصارى.
﴿ مِن بَيْنِهِمْ ﴾، تحزبوا في عيسى صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق: النسطورية قالوا: عيسى ابن الله،﴿ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾[الإسراء: ٤٣]، والمار يعقوبية قالوا: عيسى هو الله،﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾[الإسراء: ٤٣]، والملكانيون قالوا:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾[المائدة: ٧٣]، يقول الله: وحده لا شريك له: ﴿ فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾، يعني تحزبوا في عيسى صلى الله عليه وسلم.
﴿ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ٣٧] لديه، يعني يوم القيامة.﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ﴾، يقول: هم يوم القيامة أسمع قوم وأبصر بما كانوا فيه من الوعيد وغيره.
﴿ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ﴾ في الآخرة، فذلك قوله سبحانه:﴿ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾[السجدة: ١٢]، ثم قال سبحانه: ﴿ لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٣٨]، يعني المشركين اليوم في الدنيا في ضلال مبين، فلا يسمعون اليوم، ولا يبصرون ما يكون في الآخرة.﴿ وَأَنْذِرْهُمْ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ ﴾، يوم يذبح الموت كأنه كبش أملح. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن عثمان بن سليم، عن عبد الله بن عباس، أنه قال: يجعل الموت في صورة كبش أملح، فيذبحه جبريل بين الجنة والنار، وهم ينظرون إليه، فيقال لأهل الجنة: خلود فلا موت فيها، ولأهل النار: خلود فلا موت فيها، فلولا ما قضى الله عز وجل على أهل النار من تعمير أرواحهم في أبدانهم لماتوا من الحسرة. ثم قال سبحانه: ﴿ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾، يعني إذا قضي العذاب.
﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ اليوم ﴿ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٣٩]، يعني لا يصدقون بما يكون في الآخرة.﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾، يعني نميتهم ويبقى الرب جل جلاله، ونرث أهل السماء وأهل الأرض، ثم قال سبحانه: ﴿ وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٤٠]، يعني في الآخرة بعد الموت.
﴿ وَٱذْكُرْ ﴾ يا محمد لأهل مكة.
﴿ فِي ٱلْكِتَابِ ﴾، يعني في القرآن أمر ﴿ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً ﴾، يعني مؤمناً بالله تعالى.
﴿ نَّبِيّاً ﴾ [آية: ٤١]، مثل قوله سبحانه:﴿ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾[المائدة: ٧٥]، يعني مؤمنة.﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ ﴾ آزر: ﴿ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ ﴾ الصوت.
﴿ وَلاَ يَبْصِرُ ﴾ شيئاً، يعني الأصنام.
﴿ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ﴾ [آية: ٤٢] في الآخرة.﴿ يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ ﴾، يعني البيان.
﴿ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾، يعني ما يكون من بعد الموت.
﴿ فَٱتَّبِعْنِيۤ ﴾ على ديني.
﴿ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ﴾ [آية: ٤٣]، يعني طريقاً عدلاً، يعني دين الإسلام.﴿ يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ ﴾، يعني لا تطع الشيطان في العبادة.
﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً ﴾ [آية: ٤٤]، يعني عاصياً ملعوناً.﴿ يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ ﴾، يعني أن يصيبك.
﴿ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ في الآخرة.
﴿ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ﴾ [آية: ٤٥]، يعني قريباً في الآخرة. فرد عليه أبوه، فـ ﴿ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ ﴾، يعني لئن لم تسكت لأشتمنك.
﴿ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً ﴾ [آية: ٤٦]، يعني أيام حياتك، ويقال: طويلاً، واعتزلني وأطل هجراني، وكل شىء في القرآن لأرجمنك، يعني به القتل، غير هذا. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن أبي صالح، عن مقاتل، عن ابن عباس: واعتزلنى سالم العرض لا يصيبك منى معرة.
﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾ [آية: ٤٧]، يعني لطيفاً رحيماً.﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، وأعتزل ما تعبدون من دون الله من الآلهة، فكان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من كوثا، فهاجر منها إلى الأرض المقدسة، ثم قال إبراهيم: ﴿ وَأَدْعُو رَبِّي ﴾ في الاستغفار لك.
﴿ عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً ﴾ [آية: ٤٨]، يعني خائباً بدعائي لك بالمغفرة.﴿ فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَ ﴾ واعتزل ﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الآلهة، وهي الأصنام، وذهب مهاجراً منها.
﴿ وَهَبْنَا لَهُ ﴾ بعد الهجرة إلى الأرض المقدسة.
﴿ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً ﴾ [آية: ٤٩]، يعني إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب.﴿ وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا ﴾، يعني من نعمتنا.
﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً ﴾ [آية: ٥٠]، يعني ثناء حسناً رفيقاً يثني عليهم جميع أهل الأديان بعدهم.
﴿ وَٱذْكُرْ ﴾ لأهل مكة.
﴿ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً ﴾، يعني مسلماً موحداً.
﴿ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ﴾ [آية: ٥١].
﴿ وَنَادَيْنَاهُ ﴾، يعني دعوناه ليلة الجمعة.
﴿ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ ﴾، يعني من ناحية الجبل.
﴿ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ [آية: ٥٢]، يعني كلمناه من قرب، وكان بينهما حجاب خفي سمع صرير القلم، ويقال: صريف القلم.﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ﴾ [آية: ٥٣]، فوهب الله عز وجل له أخاه هارون، وذلك حين سأل موسى، عليه السلام، ربه عز وجل، فقال:﴿ وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ﴾[طه: ٢٩، ٣٠]، وحين قال:﴿ فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ﴾[الشعراء: ١٣].
﴿ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ ﴾، يعني واذكر لأهل مكة في القرآن أمر ﴿ إِسْمَاعِيلَ ﴾ بن إبراهيم لصلبه.
﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ ﴾، وذلك أن إسماعيل، عليه السلام، وعد رجلاً أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه، فأقام ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع الرجل إليه.
﴿ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ﴾ [آية: ٥٤].
﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ ﴾، كقوله سبحانه في طه:﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ ﴾[طه: ١٣٢]، يعني قومك.
﴿ بِٱلصَّـلاَةِ ﴾، وفي قراءة ابن مسعود: وكان يأمر قومه بالصلاة.
﴿ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ﴾ [آية: ٥٥].
﴿ وَٱذْكُرْ ﴾ لأهل مكة.
﴿ فِي ٱلْكِتَابِ ﴾، يعني القرآن.
﴿ إِدْرِيسَ ﴾، وهو جد أبي نوح، واسمه: أخنوخ، عليه السلام.
﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً ﴾، يعني مؤمناً بتوحيد الله عز وجل.
﴿ نَّبِيَّاً ﴾ [آية: ٥٦].
﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ﴾ [آية: ٥٧]، يعني في السماء الرابعة، وفيها مات، وذلك حين دعا للملك الذي يسوق الشمس.﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم ﴾ بالنبوة ﴿ مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ ﴾، يعني هؤلاء الذين سموا في هؤلاء الآيات.
﴿ مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ ﴾، ثم إدريس.
﴿ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ في السفينة، يقول: ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة، وهو إبراهيم.
﴿ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب ﴿ وَ ﴾ من ذرية ﴿ وَإِسْرَائِيلَ ﴾، وهو يعقوب، وموسى، وهارون.
﴿ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا ﴾ للإسلام.
﴿ وَٱجْتَبَيْنَآ ﴾ واستخلصنا للرسالة والنبوة.
﴿ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾، يعني إذا قرىء عليهم كلام الرحمن، يعني القرآن.
﴿ خَرُّواْ سُجَّداً ﴾ على وجوههم.
﴿ وَبُكِيّاً ﴾ [آية: ٥٨]، يعني يبكون، نزلت في مؤمني أهل التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه، نظيرها في بني إسرائيل:﴿ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً ﴾[الإسراء: ١٠٧]﴿ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ ﴾[الإسراء: ١٠٩].
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾، يعني من بعد النبيين خلف السوء، يعني اليهود، فهذا مثل ضربه الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تكونواخلف السوء مثل اليهود، ثم نعتهم، فقال سبحانه: ﴿ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ ﴾، يعني أخروها عن مواقيتها.
﴿ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ ﴾، يعني الذين استحلوا تزويج بنت الأخت من الأب، نظيرها في النساء:﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ ﴾[النساء: ٢٧]، يعني الزنا.
﴿ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً ﴾ [آية: ٥٩] في الآخرة، وهو واد في جهنم.﴿ إِلاَّ مَن تَابَ ﴾ من الشرك.
﴿ وَآمَنَ ﴾ بمحمد صلى الله عليه وسلم، يعني وصدق بتوحيد الله عز وجل.
﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ ﴾، يعني ولا ينقضون ﴿ شَيْئاً ﴾ [آية: ٦٠] من أعمالهم الحسنة حتى يجازوا بها، فيجزيهم ربهم.﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ ﴾ المؤمنين على ألسنة الرسل في الدنيا.
﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ ولم يروه.
﴿ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ﴾ [آية: ٦١]، يعني جائياً لا خلف له.﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا ﴾، يعني في الجنة.
﴿ لَغْواً ﴾، يعني الحلف إذا شربوا الخمر، يعني لا يحلفون كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا، نظيرها في الواقعة، وفى الصافات، ثم قال: ﴿ إِلاَّ سَلاَماً ﴾، يعني سلام الملائكة عليهم فيها.
﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ [آية: ٦٢]، يعني بالرزق الفاكهة على مقدار طرفي النهار في الدنيا. ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: ﴿ تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ﴾ [آية: ٦٣]، يعني مخلصاً لله عز وجل.﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾، وذلك" أن جبريل، عليه السلام، احتبس على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً، ويقال: ثلاثة أيام، فقال مشركو مكة: قد ودعه ربه وقلاه، فلما نزل جبريل، عليه السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل، ما جئت حتى اشتقت إليك "، قال: وأنا إليك كنت أشد شوقاً "، ونزل في قولهم:﴿ وَٱلضُّحَىٰ وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ... ﴾[سورة: الضحى }، ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾[الشرح] جميعاً، وقال جبريل، عليه السلام: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ ﴾ من السماء.
﴿ إِلاَّ بأَمْرِ رَبِّكَ ﴾.
﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ﴾ من أمر الآخرة.
﴿ وَمَا خَلْفَنَا ﴾ من أمر الدنيا.
﴿ وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ ﴾، يعني ما بين الدنيا والآخرة، يعني ما بين النفختين.
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾ [آية: ٦٤] لقول كفار مكة: نسيه ربه وقلاه. يقول: لم ينسك ربك يا محمد.
﴿ رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، يعني والأرضين.
﴿ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ من الخلق.
﴿ فَٱعْبُدْهُ ﴾، يعني فوحده.
﴿ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾، يقول: واصبر على توحيد الله عز وجل ولا تعجل حتى يأتيك أمري، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ [آية: ٦٥]، يقول جل جلاله: هل تعلم من الآلهة من شىء اسمه الله عز وجل؛ لأن الله تعالى ذكره يمنعهم من ذلك.﴿ وَيَقُولُ ٱلإِنْسَانُ ﴾، وهو أبي بن خلف الجمحي: ﴿ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً ﴾ [آية: ٦٦] من الأرض بعد الموت، يقول ذلك تكذيباً بالبعث.
يقول الله عز وجل يعظه ليعتبر: ﴿ أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ ﴾، يقول: أولا يتذكر الإنسان في خلق نفسه.
﴿ أَنَّا خَلَقْنَاهُ ﴾ أول مرة، يعني أول خلق خلقناه.
﴿ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ﴾ [آية: ٦٧].
فأقسم الرب عز وجل ليبعثهم في الآخرة، فقال: ﴿ فَوَرَبِّكَ ﴾ يا محمد.
﴿ لَنَحْشُرَنَّهُمْ ﴾، يعني لنجمعنهم ﴿ وَٱلشَّيَاطِينَ ﴾ معهم الذين أضلوهم في الآخرة.
﴿ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ ﴾، يعني في جهنم.
﴿ جِثِيّاً ﴾ [آية: ٦٨]، يعني جميعاً على الركب.﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ ﴾، يقول: لنخرجن، ثم نبدأ بهم من كل ملة.
﴿ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً ﴾ [آية: ٦٩]، يعني عتوا في الكفر، يعني القادة، فيعذبهم في النار.﴿ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً ﴾ [آية: ٧٠]، يعني من هو أولى بها، يعني القادة في الكفر.﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾، يعني وما منكم أحد إلا داخلها، يعني جهنم، البر والفاجر. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن علقمة بن مرثد، عن نافع بن الأزرق، أنه سأل ابن عباس عن الورود، فقال: يا نافع، أما أنا وأنت، فندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا؟. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: للورود في القرآن أربعة مواضع، يعني به الدخول:﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾[مريم: ٧١]، يعني داخلها.﴿ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ ﴾[هود: ٩٨]، يعني فأدخلهم.﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾[الأنبياء: ٩٨]، يعني داخلون.﴿ لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ﴾[الأنبياء: ٩٩]، يعني ما دخلوها. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل، عن مقاتل، قال: يجعل الله النار على المؤمنين يومئذ برداً وسلاماً، كما جعلها على إبراهيم، عليه السلام، فذلك قوله عز وجل: ﴿ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ [آية: ٧١]، قال: قضاء واجباً قد قضاه في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد، غير الأنبياء، عليهم السلام، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً.﴿ ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ ﴾ الشرك منها، يعني أهل التوحيد، فنخرجهم منها.
﴿ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾، يعني المشركين.
﴿ فِيهَا ﴾، يعني في جهنم.
﴿ جِثِيّاً ﴾ [آية: ٧٢] على الركب.
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ﴾، يعني القرآن.
﴿ بِيِّنَاتٍ ﴾، يعني واضحات.
﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾، وهم النضر بن الحارث بن علقمة وغيره.
﴿ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً ﴾، وذلك أنهم لبسوا أحسن الثياب، ودهنوا الرءوس، ثم قالوا للمؤمنين: أي الفريقين نحن أو أنتم خير؟ يعني أفضل مقاماً للمساكن من مساكن مكة، ومثله في حم الدخان:﴿ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾[الدخان: ٢٦]، يعني ومساكن طيبة.
﴿ وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾ [آية: ٧٣]، يعني مجلساً، كقوله سبحانه:﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ ﴾[العنكبوت: ٩]، يعني في مجالسكم. يقول الله عز وجل يخوفهم: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ بالعذاب في الدنيا.
﴿ قَبْلَهُمْ ﴾، قبل أهل مكة.
﴿ مِّن قَرْنٍ ﴾، يعني أمة، كقوله عز وجل:﴿ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ﴾[يونس: ١٣]، يعني الأمم الخالية.
﴿ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ﴾، يعني ألين متاعاً.
﴿ وَرِءْياً ﴾ [آية: ٧٤]، وأحسن منظراً من أهل مكة، فأهلك الله عز وجل أموالهم وصورهم.﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلاَلَةِ ﴾، يعني من هو في الشرك.
﴿ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً ﴾، في الخير؛ لقولهم للمؤمنين: ﴿ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً ﴾.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ ﴾ في الدنيا، يعني القتل ببدر.
﴿ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ ﴾، يعني القيامة.
﴿ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾، يعني شر منزلاً.
﴿ وَأَضْعَفُ جُنداً ﴾ [آية: ٧٥]، يعني وأقل فئة هم أم المؤمنون.﴿ وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى ﴾ من الضلالة، يعني يزيدهم إيماناً.
﴿ وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ ﴾، وهي أربعة كلمات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، من قالها فهو ﴿ خَيْرٌ ﴾، يعني أفضل.
﴿ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَ ﴾ الآخرة ﴿ وَخَيْرٌ مَّرَدّاً ﴾ [آية: ٧٦]، يعني أفضل مرجعاً من ثواب الكافر النار، ومرجعهم إليها.
﴿ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ﴾، آيات القرآن، نزلت في العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سعيد بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي السهمي، وذلك أن خباب بن الأرت صاغ له شيئاً من الحلي، فلما طلب منه الأجر، قال لخباب، وهو مسلم حين طلب أجر الصياغة: ألستم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة وولدان مخلدون؟ قال خباب بن الأرت: نعم، قال العاص: فميعاد ما بيننا الجنة.
﴿ وَقَالَ لأُوتَيَنَّ ﴾ في الجنة، يعني في الآخرة.
﴿ مَالاً وَوَلَداً ﴾ [آية: ٧٧] أفضل مما أوتيت في الدنيا، فأقضيك في الآخرة، يقول ذلك مستهزئاً؛ لأنه لا يؤمن بما في القرآن من الثواب والعقاب. يقول الله تعالى: ﴿ أَطَّلَعَ ﴾ على ﴿ ٱلْغَيْبَ ﴾، يعني العاص، حين يقول: إنه يعطى في الآخرة ما يعطى المؤمنون.
﴿ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً ﴾ [آية: ٧٨]، يقول: أم اعتقد عند الرحمن التوحيد.﴿ كَلاَّ ﴾ لا يعطي العاص ما يعطي المؤمنون، ثم استأنف، فقال سبحانه: ﴿ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ﴾، يعني من الحفظة من الملائكة تكتب ما يقول العاص أن يعطى ما يعطى المؤمنون في الجنة.
﴿ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً ﴾ [آية: ٧٩]، يعني الذى لا نقطاع له.﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ﴾ أنه يعطى في الجنة ما يعطى المؤمنون، فنرثه عنه ويعطاه غيره، ثم قال سبحانه: ﴿ وَيَأْتِينَا فَرْداً ﴾ [آية: ٨٠]، العاص في الآخرة، ليس معه شىء من دنياه. ثم ذكر كفار مكة: العاص، والنضر، وأبا جهل، وغيرهم، فقال سبحانه: ﴿ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً ﴾، يعني اللات، والعزى، ومناة، وهبل.
﴿ لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً ﴾ [آية: ٨١]، يعني منعاً يمنعونهم من الله عز وجل، نظيرها في يس،﴿ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾[يس: ٧٤]، يعني يمنعون. يقول الله عز وجل: ﴿ كَلاَّ ﴾ لا تمنعهم الآلهة من الله، ثم استأنف فقال: ﴿ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ ﴾، يقول: ستبرأ الآلهة في الآخرة من كل من كان يعبدها في الدنيا.
﴿ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾ [آية: ٨٢]، يقول: تكون آلهتهم يومئذ لهم أعداء، كقوله سبحانه:﴿ لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾[البقرة: ١٤٣]، يعني للناس، وكقوله سبحانه:﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ ﴾[المائدة: ٣]، يعني للنصب.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾، يعني المستهزئين من قريش حين قال سبحانه إبليس، وهو الشيطان:﴿ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ... ﴾[الإسراء: ٦٤]، يعني بدعائك إلى آخر الآية، ثم قال سبحانه: ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ [آية: ٨٣]، يعني تزعجهم إزعاجاً، وتغريهم إغراء، تزين لهم الذى هم عليه من الشرك، ويقول: إن الأمر الذى أنتم عليه لأمر حق.﴿ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ﴾، يقول للنبى صلى الله عليه وسلم: فلا تستعجل لهم بالعذاب.
﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ ﴾ آجالهم.
﴿ عَدّاً ﴾ [آية: ٨٤]، يعني الأنفاس. ثم ننزل بهم العذاب.
﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ الشرك، يعني الموحدين.
﴿ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً ﴾ [آية: ٨٥] على النجائب على رحلاتها منابر الحضر.﴿ وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ [آية: ٦٨]، يرونها في الدخول وهم عطاش.﴿ لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ ﴾، يقول: لا تقدر الملائكة على الشافعة لأحد، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً ﴾ [آية: ٨٧]، يعني إلا من اعتقد التوحيد عند الرحمن جل جلاله، وهى شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.﴿ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً ﴾ [آية: ٨٨] من الملائكة، حين قالوا: إنهن بنات الله تعالى، منهم: النضر بن الحارث. يقول الله عز وجل: ﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً ﴾ [آية: ٨٩]، يقول: قلتم قولاً عظيماً، نظيرها في بني إسرائيل:﴿ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ﴾[الإسراء: ٤٠]، حين قالوا: الملائكة بنات الرحمن عز وجل.﴿ تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ﴾، يعني مما قالوا: إن الملائكة بنات الرحمن.
﴿ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ ﴾ من أطرافها.
﴿ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً ﴾ [آية: ٩٠]، يعني وقعاً، وإنما ذكر السموات والأرض والجبال؛ لعظمهن وشدتهن، مما قالوا من البهتان.﴿ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً ﴾ [آية: ٩١]، أن قالوا: للرحمن ولداً. ﴿ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾ [آية: ٩٢].
﴿ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ من الملائكة وغيرهم، وعزير، وعيسى، ومريم وغيرهم، فهؤلاء في الأرض.
﴿ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً ﴾ [آية: ٩٣]، يقول: إلا وهو مقر له بالعبودية.﴿ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ ﴾، يقول: أحصى أسماءهم في اللوح المحفوظ.
﴿ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾ [آية: ٩٤]، يقول سبحانه: علم عددهم.﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ ﴾، يقول: وكل من فيها جائية في الآخرة.
﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً ﴾ [آية: ٩٥]، يعني وحده ليس معه من دنياه شىء.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً ﴾ [آية: ٩٦]، يقول: يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم.﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ ﴾، يقول: فإنما بيناه على لسانك يا محمد، يعني القرآن.
﴿ لِتُبَشِّرَ بِهِ ﴾، يعني بما في القرآن.
﴿ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ الشرك، يعني الموحدين.
﴿ وَتُنْذِرَ بِهِ ﴾، يعني بما في القرآن من الوعيد.
﴿ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [آية: ٩٧]، يعني جدلاء خصماء بالباطل، نظيرها في البقرة:﴿ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ ﴾[البقرة: ٢٠٤]، يعني جادل خصماً بالباطل، الأخنس بن شريق. ثم خوف كفار مكة، فقال سبحانه: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ ﴾، يعني العذاب في الدنيا.
﴿ مِّن قَرْنٍ ﴾، يعني قبل كفار مكة من أمة.
﴿ هَلْ تُحِسُّ ﴾، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: هل ترى ﴿ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ﴾ [آية: ٩٨]، يعني صوتاً يحذر بمثل عذاب الأمم الخالية؛ لئلا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم.
Icon