سورة الأنبياء مكية مائة واثنتا عشرة آية وسبع ركوعات
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ اقترب للناس ﴾ : للكفار،
﴿ حسابهم ﴾، فإنه قد ظهر خاتم الأنبياء، الذي هو من علامات آخر الزمان،
﴿ وهم في غفلة ﴾ : عن الحساب،
﴿ معرضون ﴾ : عن التفكر فيه، والإيمان به،
﴿ ما يأتيهم من ذكر ﴾ المراد من الذكر الطائفة النازلة من القرآن، ﴿ من ربهم ﴾، صفة لذكر أو صلة يأتيهم، ﴿ محدث ﴾ : تنزيله : جديد إنزاله، ﴿ إلا استمعوه وهم يلعبون ﴾ حال من فاعل استمعوه، أي : ليستهزءون به،
﴿ لاهية قلوبهم ﴾ حال كونهم مشغولين بدنياهم، لا يصغون إلى القرآن، ذو الحالين واحد، أو حال من فاعل يعلبون ﴿ وأسرّوا النجوى ﴾ : بالغوا في إخفائها أو تناجوا وأخفوا نجواهم، فلا يفطن أحد لتناجيهم، ﴿ الذين ظلموا ﴾ بدل من فاعل أسروا، أو منصوب على الذم، أو مبتدأ خبره أسروا النجوى، وضع الذين ظلموا موضع هؤلاء تسجيلا على فعلهم بأنه ظلم، ﴿ هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ﴾ هذا الكلام كله في موضع النصب بدل من النجوى، أو مفعول لقول مقدر، استدلوا على كذبه في النبوة بأنه بشر، لأن زعمهم أن الرسول لا يكون إلا ملكا، فلا بد أن تكون المعجزة بمقتضى عقيدتهم سحرا، فلذلك قالوا إنكارا : أفتحضرون السحر وأنتم تعاينون أنه سحر،
﴿ قال ربي يعلم القول ﴾ : جهرا كان أو سرا، ﴿ في السماء والأرض ﴾ فكيف يخفى عليه نجواهم، ومن قرأ قال فهو حكاية قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ﴿ وهو السميع العليم ﴾ : فلا يخفى عليه شيء،
﴿ بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر ﴾ اقتسم المشركون القول في القرآن، فقيل : سحر وقيل : تخاليط أحلام وأباطيل خيلت إليه، وخلطت عليه، وهذا أبعد فسادا من الأول، وقيل : هو مفترى اختلقها من تلقاء نفسه، وهذا أفسد من الثاني : وقيل : كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها، وهو أفسد من الثالث، لأنه كذب مع علاوة فلذلك جاء ببل تنزيلا من الله لأقوالهم في درج الفساد، ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ أي : كما أرسل به الأولون، كاليد البيضاء، والناقة وغيرهما،
﴿ ما آمنت قبلهم من ﴾ : أهل، ﴿ قرية أهلكناها ﴾ أي : ما آمنت قرية من القرى التي أهلكناها لما جاءتهم الآيات المقترحة، ﴿ أفهم يؤمنون ﴾ : لو جئتهم بها مع أنهم أعتى من الذين اقترحوا الآيات وعهدوا الإيمان بها، وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بمقترحاتهم للإبقاء عليهم، إذ لو أتى به لم يؤمنوا، فنستأصلهم كمن قبلهم،
﴿ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ﴾ فما لهم ينكرون زاعمين أن الرسول لا يكون بشرا، ﴿ فاسألوا أهل الذكر ﴾ : أهل الكتاب، والمشركون يشاورونهم في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- ويثقون بقولهم، ﴿ إن كنتم لا تعلمون ﴾، أن الرسل بشر،
﴿ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ﴾ أثبت لهم ثلاثة أشياء هي لا تكون للملك، وهي لبشر تحقيقا لنفي الملكية عنهم ولإثبات البشرية لهم : كونهم أجسادا، والجسد جسم ذو لون، والملك لصفائه لا يوصف باللون، كما لا يطلق الجسد على الماء والهواء، ووحد الجسد لإدارة الجنس، وأنهم أكلوا الطعام، وأنهم يموتون في الدنيا، وموت الملك لا يكون إلا بعد انقراض الدنيا، أو لأن المشركين اعتقدوا خلود الملك،
﴿ ثم صدقناهم الوعد ﴾ أي : في الوعد، ﴿ فأنجيناهم ومن نشاء ﴾ : ومن في إبقائه حكمة، ﴿ وأهلكنا المسرفين ﴾ : في الكفر،
﴿ لقد أنزلنا إليكم ﴾ : يا قريش، ﴿ كتابا فيه ذكركم ﴾ : صيتكم وشرفكم أو موعظتكم وذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ : فتؤمنون به.
﴿ وكم قصمنا ﴾ : أهلكنا والقصم : الكسر الشديد، ﴿ من قرية ﴾ : من أهلها، ﴿ كانت ظالمة وأنشأنا بعدها ﴾ : مكانها،
﴿ قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا ﴾ : أدركوا، وشاهدوا شدة عذابنا، ﴿ إذا هم منها يركضون ﴾ : يهربون بسرعة، والركضضرب الدابة بالرجل،
﴿ لا تركضوا ﴾ أي : قيل لهم لا تركضوا، ﴿ وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ﴾ : من التلذذ والنعم والإتراف : إبطار النعمة، ﴿ ومساكنكم لعلكم تسألون ﴾ غدا من أعمالهم، أو تسألون شيئا من دنياكم فتعطون من شئتم، وتمنعون من شئتم، فإنهم أهل ثورة ينفقون رئاء الناس، تهكم بهم الملائكة بهذا القول، ووبخهم وقيل : يسألكم خدمكم في أموركم، كيف نأتي ونذر كعادة المنعمين، أو يسألكم الناس في مهامهم ويستشفون بتدابيركم،
﴿ قالوا ﴾ : حين رأوا العذاب، ﴿ يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾ : ندموا حين لا ينفعهم الندم،
﴿ فما زالت تلك ﴾ : المقالة، أي الاعتراف بالظلم، ﴿ دعواهم ﴾ : دعوتهم نحو : آخر دعواهم أن الحمد لله، ﴿ حتى جعلناهم حصيدا ﴾ : مثل ذره محصود، ﴿ خامدين ﴾ ميتين من خمدت النار، وهما بمنزلة مفعول واحد، لرأيته حلوا حامضا، وخامدين حال أو صفة،
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾، بل لنجزي الذين أساءوا بما عملوا ونجزي الذين أحسنوا بالحسنى،
﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا ﴾ : لو أردنا اتخذنا ما يعلب ويتلهى به، لاتخذناه من عندنا، وما خلقنا جنة ولا نارا ولا موتا ولا بعثا ولا حسابا، أو لو أردنا أن نتخذ زوجة أو ولدا، لاتخذنا من الحور العين أو الملائكة، أو لاتخذناه من عندنا بحيث لا يظهر لكم ويستر عنكم، فإن زوجة الرجل وولده يكونان عنده لا عند غيره، واللهو : المرأة والولد بلسان اليمن، وهو رد على النصارى في أم المسيح، أو المسيح، أو في المسيح، قيل : لو أردنا اتخاذ لهو لقدرنا عليه ومن لدنا، أي من جهة قدرتنا لكن الحكمة صارفة عنه :﴿ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ أي إن كنت فاعلا لذلك، أو إن نافية، فالجملة كالنتيجة للشرطية،
﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ ﴾ : نغلَّبُ الحق الذي منه الجد على الباطل الذي منه اللهو، ﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾ : يمحقه، جعل الحق كجرم متين صلب، قذف ورمي به على حيوان ضعيف فشق دماغه، وبل إضراب عن اتخاذ اللهو وتتريه لذاته عن اللعب، ﴿ فَإِذَا هُوَ ﴾ : الباطل :﴿ زَاهِقٌ ﴾ : هالك والزهوق ذهاب الروح، ﴿ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ : تصفون الله به مما لا يليق بعظمته،
﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ : خلقا وملكا، ﴿ وَمَنْ عِندَه ﴾، أي : الملائكة المقربون، فإنهم منزلون لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك، أو لأنهم في محل ظهور سلطانه، وهو السماوات، وهو مبتدأ خبره قوله :﴿ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ لا يعيون ولا يتعبون قيل :﴿ ومن عنده ﴾ عطف على ﴿ من في السموات ﴾، أفرده بالذكر للتعظيم، أو المراد : من في العرش والكرسي،
﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ : دائبون في التسبيح، عن كعب الأحبار : التسبيح لهم كالنفس لبني آدم،
﴿ أَمِ اتَّخَذُوا ﴾ منقطعة، والهمزة لإنكار اتخاذهم، ﴿ آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ ﴾، ظرف لاتخذوا أو صفة لآلهة، ﴿ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ أي : اتخذوا آلهة هم قادرون وحدهم على إحياء الموتى، والمراد تجهيلهم والتهكم بهم، والكفرة وإن لم يكونوا يدعون ذلك للأصنام، لكن لما أثبتوا الألوهية لهم يلزمهم إثبات ذلك فإنه ممكن، والإله لابد أن يكون قادرا على الممكنات،
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ ﴾ أي : غير الله، صفة لا بدل الفساد المعنى واللفظ، قال صاحب المغنى : إذا اختلف الموصوف والصفة إفرادا أو غيره : فالوصف للتأكيد لا للتخصيص، كما قالوا : عندي عشرة إلا درهما، لزم عليه تسعة، ولو قال : إلا درهم بالرفع فقد أقر له بعشرة، فمعنى الآية : لو كان الإله غير واحد البتة، والصفة تأكيد، لأن كل متعدد غير واحد البتة، ﴿ لَفَسَدَتَا ﴾ لأن الملك يفسد بتدبير مالكين لما يحدث بينهما من الاختلاف والتمانع عادة، ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ ﴾ : المحيط بجميع الأجسام، ﴿ عَمَّا يَصِفُون ﴾ : من الشريك والولد،
﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ لانفراده في عظمته وسلطانه، ﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ وهو سائل خلقه عما يعملون، فإنهم عبيد،
﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ كرره استقباحا لشأنهم واستعظاما لكفرهم، ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ من جهة عقل أو نقل، أن له شريكا، ﴿ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ ﴾ أي : عظة أمتي، ﴿ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ﴾ من الأمم السابقة، فهذا إشارة إلى أن الكتب السماوية، أي : هذا كتاب الله فاطلبوا، هل تجدون فيها أن له شريكا، أو إشارة إلى القرآن وحده، أي : القرآن فيه ذكر أمتي وذكر أمم قبلي، إنهم مطالبون بالتوحيد، ممنوعون عن الشرك، ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ﴾ لا يميزون بينه وبين الباطل، ﴿ فَهُم مُّعْرِضُونَ ﴾، عن التوحيد واتباع الرسل، من أجل ذلك.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ وحدي،
﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾ من العرب من قال : الملائكة بنات الله، ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ عن ذلك، ﴿ بَلْ ﴾ هم، ﴿ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ وليسوا بأولاد،
﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ﴾ : لا يقولون شيئا حتى يقول الله، ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم، كما هو طريق الأدب، ﴿ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ لا يعلمون بما لا يأمرهم، ولا يبعد أن يكون ذلك كالدليل على أنهم غير الأولاد فإن الأولاد لا يكون كذلك،
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ : يحيط علمه بجميع أحوال عباد مكرمين مما قدموا وأخروا، ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ : أن يشفع له، ﴿ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ مرتعدون لا يأمنون مكر الله، والإشفاق خوف مع اعتناء، فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإن عدي بعلى فالبعكس، والخشية خوف مع تعظيم،
﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ ﴾ : من الملائكة، وهذا على سبيل الفرض، ﴿ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ قيل : أراد إبليس حيث دعا الخلق إلى عبادة نفسه دون عبادة ربه، ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ : المشركين.
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ﴾ أي : جماعة السموات، وجماعة الأرض كانتا مرتوقتين يعني جميعهما في أول الأمر متصل متلاصق بعضهما ببعض، ﴿ فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾، فصارت السموات سبعا، والأرض كذلك، أو كانتا رتقا لا تمطر ولا تنبت ففتقنا بالمطر والنبات، فعلى هذا المراد من السموات سماء الدنيا، وجميعها باعتبار الأفق، أو جميع السموات على أن للكل مدخلا في الإمطار، والرتق هو الضم والالتحام، فإن قلت متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك ؟ قلت : الفتق مشاهدة عارض يفتقر* إلى مؤثر واجب، والرتق ممكن أخبر به القرآن المعجز فهم لو نظروا لعلموا، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيّ ﴾، أي كل شيء موجود أصله من الماء، فإن الله خلق الماء قبل الأشياء، ثم خلقها منه، أو خلقنا كل حيوان من الماء، أي : من النطفة، أو صيرنا كل شيء له نوع حياة كحيوان ونبات من الماء، ولا بد له منه نحو خلق الإنسان من عجل فعلى هذا جعل متعد إلى مفعولين، { أَفَلَا يُؤْمِنُونَ
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ } : جبالا ثوابت، ﴿ أَن تَمِيدَ ﴾ : كراهة أن تميد، ﴿ بِهِمْ ﴾ : وتضطرب، ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا ﴾ : في الرواسي، ﴿ فِجَاجًا ﴾ : مسالك وطرقا واسعة، ﴿ سُبُلًا ﴾، يعني : لما خلقنا الجبال حالت بين البلدان، فجعلنا فيها فجوة، وطرقا ليسلك فيها من بلد إلى آخر، وسبلا إما مفعولا وفجاجا حال، أو هو مفعول وسبلا بدل، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ : إلى مصالحهم،
﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا ﴾ : على الأرض، ﴿ مَّحْفُوظًا ﴾ : من أن يقع على الأرض أو من الشياطين بالشهب، ﴿ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾، لا يتفكرون فيما خلق فيها من الآيات، كالشمس والقمر والكواكب وغيرها،
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ ﴾ أي : كل واحد منهما، ﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ يسرعون على فلكه، كالسابح في الماء، والفلك الجنس نحو كساهم الأمير حلة، والجميع باعتبار كثرة مطالعها وجمع العقلاء للوصف بفعلهم، وهو السابحة والجملة حال منهما.
﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ﴾، نزلت حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون، استدل به بعضهم على عدم بقاء الخضر، ﴿ أَفَإِن مِّتَّ ﴾ الهمزة للإنكار، والفاء لتعلق الشرط بما قبله، { فَهُمُ الْخَالِدُونَ
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } أي : مرارته، ﴿ وَنَبْلُوكُم ﴾ : نعاملكم معاملة من يختبركم، ﴿ بِالشَّرِّ ﴾ : بالمصائب تارة، ﴿ وَالْخَيْرِ ﴾ : بالنعم أخرى، ﴿ فِتْنَةً ﴾ : ابتلاء لننظر من يصبر ومن يجزع ومن يشكر ومن يكفر مصدر مؤكد من غير لفظه، ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ فيجازيكم،
﴿ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ ﴾ إن نافية، ﴿ إِلَّا هُزُوًا ﴾ مهزوء به، ﴿ أَهَذَا ﴾ أي : قالوا أهذا، ﴿ الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ﴾ أي : بسوء، ﴿ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ ﴾ : بصفاته الحسنى كالتوحيد، ﴿ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ لا يصدقون به، فهم أحق بأن يهزأ بهم،
﴿ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ : لفرط استعجاله كأنه خلق منه، قيل : لما ذكر المستهزئين وقع في النفس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك ولهذا قال ﴿ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ﴾ : نقماتي في الدنيا والآخرة، ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ : بالإتيان بها وقيل : هذا جواب المشركين حين استعجلوا بالعذاب،
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ﴾ : وقت وعد العذاب أو القيامة، ﴿ إِن كُنتُمْ ﴾ : أيها المؤمنين، { صَادِقِينَ
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا }، وضع موضع يعلمون دلالة على ما أوجب لهم ذلك، ﴿ حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ : مفعول به ليعلم أي : لو يعلمون الوقت الذي يحيط بهم النار فلا يقدرون على دفعها، ولا يجدون ناصرا والجواب محذوف، أي : بما استعجلوا،
﴿ بَلْ تَأْتِيهِم ﴾ : أي لا يعلمون بل تأتيهم العدة أو القيامة أو النار، ﴿ بَغْتَةً ﴾ : فجأة مصدر، لأنها نوع من الإتيان أو حال، ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ : تحيرهم، ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ ينظَرُونَ ﴾ : يمهلون،
﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ : يا محمد فليس بشيء بدع منهم فلا تغتم، ﴿ فَحَاقَ ﴾ : أحاط، ﴿ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم ﴾ : من الأمم السالفة، ﴿ مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ﴾ أي : جزاء ما فعلوا، أو هم استهزءوا بعذاب وعدهم الرسل إن لم يؤمنوا، فأحاط بهم ذلك العذاب فسيحيط بمن يتخذك هزوا.
﴿ قُلْ ﴾ : للمستهزئين، ﴿ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ : يحفظكم، ﴿ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ : من عذابه، أو من بمعنى البدل نحو لا ينفع ذا الجد منك الجد، وفي لفظ الرحمن إشارة إلى أن لا حافظ سوى رحمته، ﴿ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ﴾ : لا يخطر ببالهم ذكر ربهم فضلا عن أن يخافوا منه، حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكالئ، وصلحوا للسؤال عنه،
﴿ أَمْ لَهُمْ ﴾ : بل لهم، ﴿ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم ﴾ : من العذاب، ﴿ مِّن دُونِنَا ﴾ حال من فاعل تمنع، أو صفة بعد صفة، كأنه قال : لا تسأل عنهم ؛ لأنهم لا يصلحون للسؤال لغفلتهم عنا، بل لإقبالهم على نقيضنا، ﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ ﴾ سيما نصر غيرهم مستأنفة تبين إبطال ما اعتقدوه، ﴿ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ : يجارون، يقال : فلان لك جار وصاحب من فلان، أي : مجيز منه، أو يصبحون بخير وتأييد،
﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ﴾ إضراب عن بيان بطلان ما هو عليه، ببيان ما غرهم فحسبوا أنهم على شيء، وهو أنه -تعالى- متعهم زمنا طويلا فقست قلوبهم وظنوا أنهم لا تزال، ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ ﴾ : أرض الكفرة، ﴿ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ بأن نخرب ديارهم ونسلط المسلمين عليها، ﴿ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾، أم المؤمنون،
﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ﴾ : بما أوحي إلي أو بأمر الله، ﴿ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء ﴾ : من قرأ لا تسمع من باب الإفعال، على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، فالصم الدعاء مفعولاه، ﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ ظرف ليسمع أو الدعاء، واللام في الصم العهد والمشركون صم آذان قلوبهم عن آيات الله،
﴿ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ ﴾ : رائحة وشيء قليل، فإن أصل النفخ هبوب رائحة الشيء، مع أن البناء للمرة، ﴿ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَّ ﴾ دعوا على أنفسهم بالويل وأقروا بظلمهم،
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ ﴾، جمعه لكثرة ما يوزن به ولاختلافه، ﴿ الْقِسْطَ ﴾ : ذوات القسط أو نحو رجل عدل، ﴿ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ : لأجل جزائه أو لأجل أهله، أو اللام بمعنى في، ﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾ : من الظلم أو من العمل، ﴿ وَإِن كَانَ ﴾ : العمل، ﴿ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ﴾ : أحضرنا لنجازي بها، ومن قرأ : مثقال بالرفع فكان تامة، ﴿ وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ لكمال علمنا وعدلنا مفعول كفى محذوف، أي كفينا العالمين حال كوننا حاسبين لا يحتاجون إلى محاسب غيرنا،
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ : الكتاب الجامع لكونه، فارقا بين الحق والباطل وضياء في القلب، وذكرا يتعظ به المتقون، أو الفرقان النصر على الأعداء والضياء والتوراة،
﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم ﴾، صفة للمتقين، ﴿ بِالْغَيْبِ ﴾، حال من الفاعل، أو من المفعول، ﴿ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ ﴾ : القيامة، ﴿ مُشْفِقُونَ ﴾ : خائفون،
﴿ وَهَذَا ﴾ : القرآن، ﴿ ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ استفهام توبيخ.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ﴾ : الاهتداء لوجوه الصلاح، والإضافة ترشد إلى أنه رشد له شأن، ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ : من قبل موسى أو من قبل البلوغ، ﴿ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ﴾ : علمنا أنه أهل لما آتيناه،
﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ﴾ ظرف لآتينا، أو لرشده، أو تقديره اذكر من أوقات رشده وقت قوله لأبيه :﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ ﴾ : الصور التي لا روح فيها، ﴿ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ عدى العكوف باللام لتضمن معنى العبادة، فإن العكوف يستعمل بعلى،
﴿ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ : فقلدناهم،
﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ أي : المقلّدون والمقلَّدون منخرطون في سلك ضلال لا يخفى على من به أدنى مسكة،
﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴾ أي أما تقوله جد أم هزل، فإنهم استعجلوا واستعبدوا تضليله آباءهم،
﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ إضراب عن كونه لاعبا بإقامة البرهان على ما ادعاه، ﴿ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ﴾ قيل الضمير للتماثيل، أو للسماوات والأرض، ﴿ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم ﴾ : المذكور من التوحيد، أو على أنه خالقهن، ﴿ مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ : المتحققين له المبرهنين عليه،
﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم ﴾ : أمكرنَّ بها في كسرها، ﴿ بَعْدَ أَن تُوَلُّوا ﴾ : عنها، ﴿ مُدْبِرِينَ ﴾ : إلى عيدكم حين كانت البلدة خالية، وإنما قاله سرا، ولم يسمع إلا رجل واحد فأفشاه عليه،
﴿ فَجَعَلَهُمْ ﴾ أي : الأصنام، ﴿ جُذَاذًا ﴾ : مقطوعا، فعالا بمعنى مفعول أو جمع جذيذ، ﴿ إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ ﴾ : للأصنام، قطعهن بفأس، واستبقى الكبير، ووضع الفأس على عنقه، ﴿ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ ﴾ : إلى كبيرهم، ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ : فيعتقدون أنه هو الذي كسرهن حسدا عليهن، أو إلى إبراهيم فيحاجهم بأنه فعله كبيرهم، أو إلى الله بالتوحيد عند تحققهم عجز آلهتهم،
﴿ قَالُوا ﴾ : حين انصرفوا من العيد، ﴿ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا ﴾ القائل. من سمع قوله : لأكيدن أصنامكم وهذا
كما يقال : أكرمني بنو فلان، وإنما المكرم من بينهم رجل :﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ : بعيبهم، ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ مرفوع بيقال لأن المراد به الاسم،
﴿ قَالُوا ﴾ : حين انصرفوا من العيد، ﴿ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا ﴾ القائل. من سمع قوله : لأكيدن أصنامكم وهذا
كما يقال : أكرمني بنو فلان، وإنما المكرم من بينهم رجل :﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ : بعيبهم، ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ مرفوع بيقال لأن المراد بن الاسم،
﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ ﴾ : بمرأى منهم بحيث يتمكن صورته في أعينهم، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ : عليه أنه الفاعل، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، أو يحضرون عقابه، وكان هذا هو المقصود الأكبر له لأن بين لهم في محفل عظيم، وفور جهلهم وقلة عقلهم في عبادة الجماد،
﴿ قَالُوا ﴾ : حين أتوا به، ﴿ أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ أراد أن يتفكروا فيعترفوا بعدم نطقهم، وأن هذا لا يصدر عن صنم جماد، فتقوم الحجة عليهم وفي الصحيحين :( إن إبراهيم لم يكذب غير ثلاث )، قيل : أسند إلى الكبير لأن غاية تعظيمهم إياه سبب لمباشرة إبراهيم، فأسند إلى السبب،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٢:﴿ قَالُوا ﴾ : حين أتوا به، ﴿ أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ أراد أن يتفكروا فيعترفوا بعدم نطقهم، وأن هذا لا يصدر عن صنم جماد، فتقوم الحجة عليهم وفي الصحيحين :( إن إبراهيم لم يكذب غير ثلاث )، قيل : أسند إلى الكبير لأن غاية تعظيمهم إياه سبب لمباشرة إبراهيم، فأسند إلى السبب،
﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ ﴾ : بالملامة، أو راجعوا عقولهم وتفكروا، ﴿ فَقَالُوا ﴾ : قال بعضهم لبعض ﴿ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ : بهذا السؤال، أو لما أنكم تركتم الأصنام بلا حافظ، أو بعبادتكم من لا يتكلم،
﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ ﴾ : أطرقوا رءوسهم من الحيرة والخجل، أو انقلبوا إلى المجادلة بعد ما أروا على أنفسهم بالظلم، شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء مستعليا على أعلاه، ﴿ لقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ ﴾ أي : قالوا لقد عملت إلخ فكيف نسألهم،
﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴾ : إن عبدتموه، أو تركتموه،
﴿ أُفٍّ لَّكُمْ ﴾ هو صوت المتضجر، أي : قبحا ونتنا لكم، واللام لبيان المتأفف به، ﴿ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا ﴾ : أنتم مجانين لا تفهمون قبح مثل هذا الصنع، قالوا حين عجزوا عن الجواب ﴿ حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ ﴾ : بإهلاك عدوهم، ﴿ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ : ناصرين لآلهتكم، أو إن كنتم فاعلين شيئا،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:﴿ أُفٍّ لَّكُمْ ﴾ هو صوت المتضجر، أي : قبحا ونتنا لكم، واللام لبيان المتأفف به، ﴿ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا ﴾ : أنتم مجانين لا تفهمون قبح مثل هذا الصنع، قالوا حين عجزوا عن الجواب ﴿ حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ ﴾ : بإهلاك عدوهم، ﴿ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ : ناصرين لآلهتكم، أو إن كنتم فاعلين شيئا،
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا ﴾ أي : باردا فيه ما لا يخفي من المبالغة، ﴿ وَسَلَامًا ﴾ : يسلم من حرّك، ﴿ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾، جمعوا له حبطا وأوقدوا نارا وقد ذكر أنهم جمعوا حطبا كثيرا جدا حتى إن كانت امرأة تمرض فتقول إن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم، ثم أوقدوا نارا كادت الطير في الجو تحرق ورموه بالمنجنيق فيها، فقال : حسبي الله ونعم الوكيل، فاستقبله جبريل قائلا : ألك حاجة ؟ قال أما إليك فلا، فقال : سل ربك، فقال :( حسبي من سؤالي علمه بحالي )، فما أحرقت منه سوى وثاقيه وكان في النار سبعة أيام وقيل خمسين، وقيل أربعين وهو ابن ست عشر، وكان يقول : ما أنهم أيامي في النار، وقيل : لم يبق نار في الأرض إلا طفئت، وما من دابة إلا تطفي الناس سوى الوزغ ولهذا عد من الفواسق،
﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا ﴾ مكرا في إهلاكه، ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ : أخسر كل خاسر،
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا ﴾ : ابن أخيه من أرض العراق، ﴿ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ أي : الشام، فإن أكثر الأنبياء بعثوا فيه، فانتشرت في العالم بركتهم قيل : كل ماء ينبع في العالم فأصله من الشام، أو المراد بمكة،
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةًّ ﴾ أي : عطية حال منهما، أو النافلة ولد الولد، أو هو طلب ولدا فأعطي إسحاق وزاده يعقوب نافلة، فيكون حالا من يعقوب للقرينة، ﴿ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ﴾ : يقتدي بهم، ﴿ يَهْدُونَ ﴾ : الناس بالحق، ﴿ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ﴾ لأن بحثوا عليه، ﴿ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ﴾ من عطف الخاص على العام للتفضيل، ﴿ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ : موحدين مخلصين.
﴿ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا ﴾ الفصل بالحق بين الخصوم، ﴿ وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ﴾ وهي قرية سدوم، كان عمل أهلها اللواط، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾
﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا ﴾ : في أهل رحمتنا أو في جنتنا، ﴿ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِين ﴾.
﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى ﴾ أي : اذكر نوحا إذ دعا على قومه بالهلاك وإذ نادى بدل من نوحا، ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ : من قبل المذكورين، ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ : دعاءه، ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ : الذين آمنوا به، ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ : تكذيبهم وأذاهم، فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يؤذونه ويوصون بمخالفته قرنا بعد قرن،
﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ : جلعناه منتصرا منهم، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ ﴾، فاسقين، ﴿ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ : فلم يبق على وجه الأرض منهم أحد،
﴿ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ أي : اذكرهما، ﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ ﴾ بدل منهما، ﴿ فِي الْحَرْثِ ﴾ كان ذلك كرما انثنت عناقيده، وقيل زرعا، ﴿ إِذْ نَفَشَتْ ﴾ : رعت ليلا، ﴿ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ﴾ : فأفسدته، ﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ : عالمين، وجمع الضمير لأنه أرداها والمتحاكمين إليهما، أو لأن الاثنين جمع،
﴿ فَفَهَّمْنَاهَا ﴾ أي : الحكومة، أو الفتوى، ﴿ سُلَيْمَانَ ﴾ دون داود، فإنه حكم بأن الغنم لصاحب الكرم بدل إفساده وحكم سليمان بدفع الكرم لصاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان ويدفع الغنم إلى صاحب الكرم فينتفع بَدَّرها ونسلها وصوفها فإذا صار الحرث كما كان يأخذ كل منهما ماله، ﴿ وَكُلًّا ﴾ : من داود وسلمان، { آتَيْنَا
حُكْمًا وَعِلْمًا } قال بعض السلف : لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا، ولكن الله تعالى حمد هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده، ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ﴾ يقدسن لله معه، ويجاوبنه قيل يصلين معه إذا صلى وقيل : إذا فتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط، ويشتاق ويسبحن حال أو استئناف، وأخر الطير، لما أن تسبيح الجبال لأنها جماد أعجب، ﴿ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ : لأمثاله ليس ببدع منا،
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ : عمل الدرع، ﴿ لِتُحْصِنَكُم ﴾ الضمير لداود في قراءة الياء، وللبوس الذي هو الدرع في قراءة التاء، وهو بدل اشتمال من لكم بإعادة الجار، ﴿ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ أي : فاشكروا لي وكان قريش أهل حرب وقتال،
﴿ وَلِسُلَيْمَانَ ﴾ عطف على مع داود، إن كان متعلقا بسخرنا، وإن تعلق يسبحن فتقديره وسخرنا لسليمان، ﴿ الرِّيحَ عَاصِفَةً ﴾ : شديدة الهبوب، ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ حال ثانية، ﴿ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ الشام فإنه وطنه، كان له بسط من خشب يوضع عليه ما أراد من الجند، وغيره فتحملها الريح، وتظله الطير من الحر إلى حيث يشاء، والريح في قبضته إن أراد عاصفة فعاصفة، وإن أراد رخوة فرخوة، وعلى الوجهين لينة لا تشوشهم ولا تزلزلهم، ﴿ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ فتجري الأشياء على ما يقتضيه علمنا،
﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ ﴾ : فيخرجون من البحر الجواهر، واللآلئ، والجملة مبتدأ أو خبر أو من يغوصون عطف على الريح، ﴿ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ ﴾ : سوى الغوص، ﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ : من الزيغ والفساد،
﴿ وَأَيُّوبَ ﴾ أي : واذكره، ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي ﴾ أي : بأني، ﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ كان نبيا صاحب حرث وأنعام وأولاد فابتلاه الله بإهلاك كلها ثم ابتلاه بجسده فلم يبق منه سليم سوى لسانه وقلبه ويذكر بهما ربه حتى تنافر عنه كل أنيس، وتحاشى عنه كل جليس، فلا يتردد عليه سوى زوجته، ويقال : إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله فدعا الله لكشف كربه بعد مدد من الأيام المتطاولة بهذا الأسلوب البليغ،
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾ : بالشفاء، ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ﴾ : بإحياء من مات من أولاده، وإعطائه مثلهم من الأولاد، أو أعطيناه أولاده الذين ماتوا في الجنة، ومثلهم معهم في الدنيا في الدنيا فقد نقل أنه قيل له : إن أهلك في الجنة إن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك فيها وعوضناك مثلهم في الدنيا فاختار الثاني، ﴿ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾ على أيوب مفعول له، ﴿ وَذِكْرَى ﴾ : تذكرة، ﴿ لِلْعَابِدِينَ ﴾ : ليصبروا كما صبروا لئلا ييأسوا في البلاء،
﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ﴾ كثير من السلف على أنه صالح من بني إسرائيل تكفل لنبي أن يكفيه أمر قومه، ويقضي بينه وبينهم بالعدل وفعل فسمي ذا الكفل لكن الظاهر أنه نبي قرنه في سلكهم، ﴿ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ﴾ : على مشاق التكاليف،
﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ﴾ : النبوة والجنة، ﴿ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ : الكاملين في الصلاح،
﴿ وَذَا النُّونِ ﴾ : يونس، ﴿ إِذ ذَّهَبَ ﴾ : من بين قومه، ﴿ مُغَاضِبًا ﴾ لهم من غير إذن ربه حين أصروا على الكفر، والمفاعلة للمبالغة، أو هو أغضبهم أيضا بالمهاجرة عنهم خوف العذاب، ﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ : لن نضيق عليه، أو لن نقضي عليه بالعقوبة ولن نعمل فيه قدرتنا، ويؤيده قراءة نقدّر بالتشديد قيل : هذا من باب التمثيل، أي : حاله ممثلة بحال من ظن عدم قدرتنا عليه في مراغمة قومه من غير انتظار لأمرنا، وقيل : خطرة شيطانية سماها للمبالغة ظنا، ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾ : ظلمة بطن الحوت والبحر والليل، ﴿ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ ﴾ أي : بأنه، أو أن مفسرة، ﴿ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ لمبادرتي إلى الهجرة قبل الإذن،
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾ : بأن قذفه الحوت بالساحل سالما بعد ما مكث في بطنه أربعين يوما، ﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ إذا دعونا في الشدائد منيبين إلينا، سيما إذا دعوا بهذا الدعاء، ففي الحديث ( ما من مكروب يدعوا بهذا الدعاء إلا استجيب له )،
﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا ﴾ : بلا ولد، ﴿ وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ ثناء منه على الله بأنه خير من يبقى بعد ما سأل ولدا يبقى بعده،
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ : صيرناها ولودا بعد ما كانت عاقرا أو حسنة الخلق بعد ما كانت سيئة الخلق، ﴿ إِنَّهُمْ ﴾ : المذكورين من الأنبياء، أو زكريا وأهل بيته، ﴿ كَانُوا يُسَارِعُونَ ﴾ : يبادرون، ﴿ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ : في عمل القربات، ﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾ : راغبين في رحمتنا راهبين من عذبنا، ﴿ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ لا يخافون ولا يخضعون لغيرنا،
﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ أي : مريم فإنها بكر ما ذاقت حلالا ولا حراما، ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ﴾ بأن أرمنا جبريل بالنفخ في جيب درعها، وإضافة الروح إليه للتشريف، وقيل من جهة روحنا جبريل، ﴿ وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً ﴾ دالة على كمال قدرتنا، ﴿ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ فإنها أتت به من غير فحل،
﴿ إِنَّ هَذِهِ ﴾ : ملة الإسلام، ﴿ أُمَّتُكُمْ ﴾ : ملتكم، ﴿ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ : غير مختلفة في ما بين الأنبياء، نصب على الحال، ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ : لا غيري،
﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ﴾ إما بمعنى قطعوا، أو نصب أمرهم بترع الخافض، يعني اختلفوا وصاروا فرقا التفت من التكلم إلى الغيبة لينعي عليهم ما أفسدوه إلى المؤمنين، ويقبح عندهم كأنه يقول : ألا ترون إلى قبح ما ارتكبوا هؤلاء في ديننا ؟ ﴿ كُلٌّ ﴾ : من الفرق، ﴿ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾ : فنجازيهم.
﴿ فَمن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ الكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر في إعطائه، ﴿ وَإِنَّا لَهُ ﴾ : لسعيه، ﴿ كَاتِبُونَ ﴾، في صحيفة عمله، أو إنا كاتبون لمن يعمل ما عمل،
﴿ وَحَرَامٌ ﴾ : ممتنع، ﴿ عَلَى ﴾ : أهل، ﴿ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ أي : رجوعهم إلى الدنيا، فلا صلة، وقيل معنى الحرام الواجب فلا غير صلة، وقيل : معناه حرام على أهل قرية قدرنا إهلاكهم بالكفر أن يرجعوا عن كفرهم وينيبوا، وقيل : حرام عليهم عدم كفران سعيهم، لأنهم لا يرجعون عن الكفر،
﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ﴾ أي : حرام عليهم الرجوع إلى الدنيا إلى أن فتحت سد يأجوج ومأجوج فإنهم يحيون ويرجعون إلى الدنيا حينئذ للقيامة، أو ممتنع عليهم الإنابة إلى القيامة، وإنابتهم في القيامة لا تنفع، ﴿ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ ﴾ : مرتفع من الأرض، ﴿ يَنسِلُونَ ﴾، يسرعون في الحديث ( هم صغار العيون عراض الوجوه من كل حدب ينسلون )،
﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ﴾ أي : القيامة عطف على فتحت، ﴿ فَإِذَا هِيَ ﴾، جواب الشرط، وإذا للمفاجأة سد مسد الفاء فإذا دخل الفاء أيضا تأكد الارتباط، ﴿ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فتحت أعينهم لا يكاد تطرف من الهول، وضمير هي مبهم يفسره الأبصار، أو ضمير القصة، ﴿ يَا وَيْلَنَا ﴾ أي : قالوا يا ويلنا، ﴿ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ ﴾ : في الدنيا، ﴿ مِّنْ هَذَا ﴾، اليوم ما كنا نعلم أنه حق، ﴿ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ : لأنفسنا لأنه نبهنا الرسل فكذبناهم،
﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ أي : الأصنام، ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ الحصب، ما يحصب ويرمي به في النار، ﴿ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ استئناف، واللام للاختصاص فإن استعمال الورود بعلى، وقيل لها خبر وواردون خبر ثان،
﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاء ﴾ : الأصنام، ﴿ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ ﴾ : من العابد والمعبود، ﴿ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ ﴾ : للكافرين، ﴿ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ : أنين، ﴿ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴾، عن ابن مسعود إذا بقي من يخلد فيها جعل لكل منهم تابوت من نار مسمر من نار فلا يظن أحد منهم أنه يعذب في النار غيره، ثم قرأ وهم فيها لا يسمعون،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاء ﴾ : الأصنام، ﴿ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ ﴾ : من العابد والمعبود، ﴿ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ ﴾ : للكافرين، ﴿ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ : أنين، ﴿ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴾، عن ابن مسعود إذا بقي من يخلد فيها جعل لكل منهم تابوت من نار مسمر من نار فلا يظن أحد منهم أنه يعذب في النار غيره، ثم قرأ وهم فيها لا يسمعون،
﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى ﴾ : الرحمة والسعادة، ﴿ أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ قد ذكر أنه عليه السلام لما تلا ( إنكم وما تعبدون ) الآية، قيل قد عبدت الملائكة وعزير ومسيح فكل منهم مع آلهتنا في النار فأجاب عليه السلام أنهم إنما يعبدون الشيطان، ومن أمرهم بعبادته ثم نزل ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) الآية، استثناء من المعبودين، فعلى هذا ( وما تعبدون ) عام مخصص،
﴿ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ﴾ هو صوت يحس به، خبر ثان لأولئك أو حال، ﴿ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ : دائمون في التنعم،
﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ﴾ : النفخة في الصور، أو حين يؤمر بالكفار إلى النار، أو حين يطبق النار على أهلها، أو حين يذبح الموت، ﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ : تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة مهنئين قائلين ﴿ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ : للثواب،
﴿ يَوْمَ ﴾ عامله لا يحزنهم أو تتلقاهم أو اذكر، ﴿ نَطْوِي السَّمَاء ﴾ الطي ضد النشر، ﴿ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ السجل الصحيفة، صرح بذلك جماهير السلف، أي : كطي الطومار لأجل ما يكتب فيه، يعني : تطوى السماء كما يطوى الكتاب الطومار ويسوى ويضعه مطويا حتى إذا احتاج إلى الكتابة لم يحتج إلى تسوية، أو السجل ملك يطوي كتب بني آدم وعلى هذا اللام زيدت للاختصاص، وفي سنن أبي داود والنسائي أنه كاتب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- وكثير من الأكابر صرحوا بوضعه، وقالوا : لا يعرف من الصحابة أحد اسمه السجل، ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ﴾، أي : نعيد أول الخلق كما بدأناه، وأول الخلق عبادة عن إيجادة عن العدم فنصب أول نعيد المقدر المفسر بنعيد وكم مفعول مطلق أو كما مفعول به لنعيد المقدر وما موصولة، وأول ظرف لبدأنا وحينئذ مفعول بدأنا ضمير لما، أي : نعيد مثل الذي بدأناه في أول الخلق حين الإيجاد عن العدم، ﴿ وَعْدًا عَلَيْنَا ﴾، أي : نعد وعدا علينا إنجازه، أو مصدر مؤكد، ﴿ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ : ذلك البتة،
﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ ﴾ : الزبور ما أنزل من الكتاب، والذكر اللوح المحفوظ، أي : كتبنا في الكتب بعد ما كتبنا في اللوح أو هو كتاب داود، والذكر التوراة، ﴿ أَنَّ الْأَرْضَ ﴾ أرض الجنة، أو أرض الكفار، أو بيت المقدس، ﴿ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ : المؤمن مطلقا أو أمة محمد –عليه السلام،
﴿ إِنَّ فِي هَذَا ﴾ : القرآن، ﴿ لَبَلَاغًا ﴾ : لكفاية، أو لوصولا إلى البغية، ﴿ لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴾ : لله لا للشيطان،
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ : للبر والفاجر، فإنه رُفع ببركته الخسف والمسخ والاستئصال، أو أرسله للرحمة على الكل، لكن بعضهم أعرضوا عن الرحمة، وما تعرضوا لها فحر مانهم وشقاوتهم من سوء شكيمتهم،
﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ : لا متعدد كما تقولون، أو المقصود الأصلي من جميعالوحي العلم بالوحدانية، فكأنه ما نزل عليه إلا هذا، أو ما كافة، ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ : مخلصونالعبادة لله،
﴿ فَإِن تَوَلَّوْا ﴾ : عن الإسلام، ﴿ فَقُلْ آذَنتُكُمْ ﴾، أنذرتكم بالعذاب، ﴿ عَلَى سَوَاء ﴾ : مستوين في الإعلام، أو إيذانا على سواء، أو حال من الفاعل والمفعول، أي : مستويان في العلم بما أعلمتكم لا أدري وقته، وقيل معناه : إن أعرضوا فقل أعلمتكم بما يوحى إلى مستوين في العلم ما كتمت شيئا عن أحد، ﴿ وَإِنْ ﴾ : نافية، ﴿ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾، من العذاب أو القيامة،
﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ﴾ لا تفاوت عنده في إسراركم الطعن في الإسلام وإجهاركم،
﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ ﴾ : لعل تأخير العذاب، ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ : اختبار، ﴿ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ تمتيع إلى أجل قدره الله،
﴿ قَالَ رَبِّ احْكُم ﴾، اقض بيننا وبينهم، ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ : بالعدل، أمر باستعجال عذاب هو حقيق لهم، وقد وقع ببدر، وفي الدعاء أيضا إظهار لعبوديته والرغبة، وإن كان المدعو أمرا محققا، ﴿ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ ﴾، المسئول منه المعونة، ﴿ عَلَى مَا تَصِفُون ﴾، من الحال فإن زعمهم أن راية الإسلام ستنتكس عن قريب وتصير الشوكة لهم فخيّب الله آمالهم وخرب مآلهم.