بسم الله الرحمن الرحيم
الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثين في المصحف الكريمعندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
ﰡ
وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
وكلمة ﴿ تبارك ﴾ في بداية الآية الأولى من هذه السورة مأخوذة من " البركة " التي هي الزيادة من كل خير، فهي تعبير عما لله من عظمة وجلال، وعطاء متواصل، وإنعام دائم على ممر العصور والأجيال، وقد تكرر ذكرها في هذه السورة وحدها ثلاث مرات، كما وردت فيما سبق عند قوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ ألا له الخلق والامر، تبارك اله رب العالمين ﴾ [ الآية : ٥٤ ]، وقوله تعالى في سورة المومنون ﴿ ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين ﴾ [ الآية : ١٤ ]، وسيأتي ذكرها مرات أخرى في سورة غافر [ الآية : ٦٤ ]، وسورة الزخرف [ الآية : ٨٥ ]، وسورة الرحمان [ الآية : ٧٨ ]، وسورة الملك [ الآية : ١ ]، ولا شك أن تنزيل القرآن، من أعظم البركات والخيرات التي أنعم الله بها على الإنسان.
وقوله تعالى :﴿ وخلق كل شيء فقدره تقديرا ﴾ إشارة إلى أنه ما من شيء خلقه في هذا الكون، كبر شأنه أو صغر، طال حجمه أو قصر، إلا وقد حددت الحكمة الإلهية شكله وحجمه، وطبيعته ووظيفته، والفائدة المترتبة على وجوده، والعلاقة التي تربطه بغيره من الكائنات، كل ذلك في نظام متناسق ثابت لا خلل فيه ولا اضطراب. وقال جارالله الزمخشري : " المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية، فقدره وهيأه لما يصلح له، مثاله أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدرالمسوى الذي تراه، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدرة بأمثلة الحكمة والتدبير، فقدره لأمر ما، ومصلحة ما، مطابقا لما قدره له، غير متجاف عنه.
ففي موضوع إنزال القرآن وإبطال الشبهات الموجهة ضد الوحي، جاء في هذا الربع قوله تعالى :﴿ وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا ﴾
وكما أن راحة الجنة مقرونة بسعتها، فإن وحشة النار مقرونة بضيقها، و " الثبور " هو الويل والحسرة والخيبة
وفي موضوع التوحيد وتزييف الشرك والوثنية، جاء في هذا الربع قوله تعالى :﴿ واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴾ وقوله تعالى :﴿ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا * فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ﴾.
وفي موضوع التوحيد وتزييف الشرك والوثنية، جاء في هذا الربع قوله تعالى :﴿ واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴾ وقوله تعالى :﴿ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا * فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ﴾.
﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً ﴾
وقوله تعالى حكاية على لسان المشركين يوم القيامة :﴿ ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ﴾ يتضمن الاعتراف بأن ما أنعم الله به عليهم وعلى آباءهم من النعم المتواصلة، لم يثمر الشكر والإيمان، وإنما ساعدهم على الغرور والغفلة والنسيان، وأغراهم بالكفر والعصيان، ولما استمروا لذكر الله ناسين وعنه غافلين، أبادهم وكانوا من الهالكين.
وفي موضوع التوحيد وتزييف الشرك والوثنية، جاء في هذا الربع قوله تعالى :﴿ واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴾ وقوله تعالى :﴿ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا * فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ﴾.
منذ نبتت نابتة سوء من أولياء الشيطان، وأعلنوا حرب التزييف والتشويه والطعن على أولياء الرحمان، وهم يدورون في حلقة مفرغة، يرددون طبقة بعد طبقة، نفس القول المتهافت المبتذل، من كل هراء، وسلاحهم الوحيد هو سلاح العناد والجدال والمراء، ولذلك نجد كتاب الله يلاحقهم بقوارعه في كل جيل، ويسلط الأضواء الكاشفة على ما هم متصفون به من سفه وتدجيل. وقد تصدى كتاب الله في هذا الربع للكشف عن تُرّهاتهم وإبطال شبهاتهم، وحكاية مزاعمهم التي لا تستند إلى أساس، وتحدياتهم التي بلغت الغاية في الإسفاف والإفلاس.
ومن هذه المزاعم والتحديات ما حكاه عنهم كتاب الله تعبيرا عن كفرهم بلقاء الله وشكهم في البعث والنشور، إذ قال تعالى :﴿ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ﴾ ثم أتبع كتاب الله تحديهم ببيان الحافز عليه، والمصير المفجع الذي يؤدي إليه، فقال تعالى :﴿ لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ﴾.
فقوله تعالى :﴿ يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين، ويقولون حجرا، محجورا ﴾ هو رد على تحدي الكافرين الذين لا يؤمنون بيوم الدين، وجواب على قولهم، مقترحين رؤية الملائكة ورؤية ربهم :﴿ لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ﴾ فبين الحق سبحانه وتعالى أن الذي سألوه من رؤية الملائكة سيحقق في الوقت المقدر له، وذلك يوم الممات ويوم المعاد، لكنهم سيلقون منهم ما يكرهون، وسيفاجأون بما لم يكونوا يتوقعون، وسيندمون بالغ الندم على رغبتهم في رؤيا الملائكة، إذ لا يخبرونهم عند رؤيتهم إلا بالخيبة والخسران، لا بالبشرى والرضوان، وسيعلنون إليهم أنهم " عن ربهم محجوبون " لأنهم أجرموا في حق الله، وأعلنوا الحرب على الله، حتى أصبح الإجرام صفة لاصقة بهم، وعنوانا عليهم.
ومما يطابق معنى هذه الآية ويزيدها وضوحا قوله تعالى فيما سبق من سورة الأنعام :﴿ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم، اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ﴾ [ الآية : ٩٣ ].
وعلى العكس من هذا الموقف موقف الملائكة من المؤمنين المتقين، فقد قال تعالى في شأنهم مبشرا لهم بالنعيم والرضوان في سورة فصلت :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون، نزلا من غفور رحيم ﴾ [ ٣٠٣٢ ].
وقوله تعالى :﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ﴾ إشارة إلى أن روح الأعمال كلها هو الإيمان بالله، والسعي في مرضاة الله، فمتى كان الإنسان فاقدا لهذين الشرطين كانت أعماله كالجسم بدون روح، لا عبرة بها، ولا قيمة لها، ولا ثواب عليها، وإن كانت في الظاهر من محاسن الأعمال، ومكارم الخلال، اللهم إلا إذا انتقل صاحبها من الكفر إلى الإيمان، ومن النفاق إلى الإخلاص، فإن الله يثيبه على ما عمل من أعمال سالفة تدخل في عداد الحسنات، ويتوب عليه فيما عمل من أعمال سابقة تندرج في عداد السيئات. و " الهباء المنثور " ما يتراءى للعين كالغبار الخارج من النافذة مع ضوء الشمس، متى حركته الريح تناثر وذهب كل مذهب، بحيث لا يمكن القبض عليه. ونظيره خيبة الكفار فيما عملوه وأملوه، قوله تعالى في آية ثانية :﴿ كسراب بقيعة ﴾ [ النور : ٣٩ ]، وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ كرماد اشتدّت به الرياح ﴾ [ إبراهيم : ١٨ ]، وقوله تعالى في آية رابعة :
﴿ فجعلهم كعصف مأكول ﴾ [ الفيل : ٥ ]، وفي نفس الموضوع سبق قوله تعالى في سورة الكهف :﴿ قل هل نُنَبّئُُكم بالأخسَرين أعمالاً، الذين ضلّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسِنون صُنعاً ﴾ [ ١٠٣ ١٠٤ ].
أما عقاب من عامل كتاب الله بالهجران والنسيان، فقد جاء صريحا واضحا في قوله تعالى :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾. [ طه : ١٢٤ ١٢٧ ].
والحكمة في نزوله مفرقا على تلك الصفة حسبما نصت عليه هذه الآية تتعلق بالرسول مباشرة، وهي تثبيت محتوى آيات القرآن لفظا ومعنى في قلب الرسول، ومساعدته على تلقيه وقراءته بترسل وتمهل وتؤدة، تيسيرا لحفظه أولا، وتمهيدا لتلقينه لأمته ثانيا حسبما أنزل عليه، آية بعد آية، ووقفة بعد وقفة، ويزيد هذا المعنى توضيحا قوله تعالى في سورة القيامة :﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه ﴾، [ ١٦ ١٩ ]، وقوله تعالى في سورة طه :﴿ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ﴾ [ الآية : ١١٤ ]، وهذا المنهج الإلهي الحكيم في التلقي والتلقين هو المنهج الوحيد الذي يتفق مع ما جاء في خطاب الله لنبيه، واصفا حالته التي كان عليا عند تلقي الرسالة، إذ قال تعالى في سورة الشورى :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾ [ الآية : ٥٢ ]. قال القاضي عبد الجبار : " فلو أنزل عليه جملة واحدة لكان مخالفا للحكمة ".
وهناك حكمة أخرى من وراء نزول القرآن منجما مفرقا على فترات متلاحقة، ألا وهي تثبيت الرسول حينا بعد حين، وبشكل متلاحق دون انقطاع، على تبليغ دين الحق، والمجاهدة بقول الحق في مواجهة خصوم الرسالة الماكرين، الذين طالما حاولوا فتنة الرسول، واستعملوا كل الوسائل المادية والأدبية للضغط عليه وصرفه عن رسالته، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في سورة المائدة :﴿ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ﴾ [ الآية : ٤٩ ]، وقوله تعالى في سورة الإسراء :﴿ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ﴾ [ الآية : ٧٤ ]، لكن الله عصمه من كيدهم ومكرهم، إذ كلما تجدد اتصال الرسول بالوحي في المواقف الحرجة ازداد قلبه قوة، وتضاعفت ثقته بعناية الله ورعايته، وأحس بمدد إلهي جديد يعينه على المزيد من الصبر والثبات، وتخطي العقبات.
وقد تحدث كتاب الله في آية أخرى عن حكمة دقيقة من حكم تنجيم القرآن ونزوله مفرقا، وذلك بالنسبة للمرسل إليهم، وهذه الحكمة سبقت الإشارة إليها عند قوله تعالى في سورة الإسراء :﴿ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ﴾، ذلك أن الإنسانية الضالة التي أراد الله ان يخرجها من الظلمات إلى النور لا يمكن ان تقفز من حضيض الجهالة الجهلاء، إلى أعلى درجة في السمو والارتقاء، بين عشية وضحاها، إذ لا بد لتحولها عما كانت عليه، وتطورها إلى ما يجب أن تؤول إليه، من وقت كاف تستوعب فيه يوما بعد يوم، ما جاء به القرآن الكريم من عقيدة وشريعة وأخلاق، فقوله تعالى في خطابه لنبيه في سورة الإسراء :﴿ لتقرأه على الناس على مكث ﴾ يفيد ان حكمة الله اقتضت أن يكون تبليغ القرآن إلى الناس على مهل، تدريجيا ودون عجلة، حتى يحفظوه ويعوه، ويرتاضوا به ويتبعوه، ويسايروه في حياتهم خطوة خطوة.
وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ ونزلناه تنزيلا ﴾ يشير إلى أن حكمة الله اقتضت أن يكون تنزيل القرآن على فترات، ليواجه ما يتجدد في حياة الناس من حوادث ومسائل وشبهات، إذ لا يخفى على أحد ما تزخر به الحياة اليومية في مثل هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة من إلقاء أسئلة محرجة تحتاج إلى الأجوبة الشافية، ومن وقوع حوادث معقدة تتوقف على الحلول الكافية، فتنزل آيات القرآن مفرقة تبعا لذلك في الوقت المناسب بما هو مناسب، تثبيتا لفؤاد الرسول والمرسل إليهم، وتأنيسا له ولهم في آن واحد، الأمر الذي يكون أوقع في النفوس، لما فيه من تجاوب ملموس، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في هذا الربع ﴿ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ﴾.
ومجمل القول أن نزول القرآن منجما ومفرقا كان هو الطريق المضمون لتلقي الرسول رسالة ربه على أكمل وجه، ولتلقينه المرسل إليهم آيات الذكر الحكيم، وتكاليف دينهم القويم، وبذلك امتزجت روح الإسلام بنفوس الأفراد والجماعات، وقام على أنقاض المجتمع الجاهلي مجتمع إسلامي الطابع، يعتبر هو المثل الأعلى والقدوة الصالحة، لما ينشأ على غراره من المجتمعات.
والحكمة في نزوله مفرقا على تلك الصفة حسبما نصت عليه هذه الآية تتعلق بالرسول مباشرة، وهي تثبيت محتوى آيات القرآن لفظا ومعنى في قلب الرسول، ومساعدته على تلقيه وقراءته بترسل وتمهل وتؤدة، تيسيرا لحفظه أولا، وتمهيدا لتلقينه لأمته ثانيا حسبما أنزل عليه، آية بعد آية، ووقفة بعد وقفة، ويزيد هذا المعنى توضيحا قوله تعالى في سورة القيامة :﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه ﴾، [ ١٦ ١٩ ]، وقوله تعالى في سورة طه :﴿ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ﴾ [ الآية : ١١٤ ]، وهذا المنهج الإلهي الحكيم في التلقي والتلقين هو المنهج الوحيد الذي يتفق مع ما جاء في خطاب الله لنبيه، واصفا حالته التي كان عليا عند تلقي الرسالة، إذ قال تعالى في سورة الشورى :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾ [ الآية : ٥٢ ]. قال القاضي عبد الجبار :" فلو أنزل عليه جملة واحدة لكان مخالفا للحكمة ".
وهناك حكمة أخرى من وراء نزول القرآن منجما مفرقا على فترات متلاحقة، ألا وهي تثبيت الرسول حينا بعد حين، وبشكل متلاحق دون انقطاع، على تبليغ دين الحق، والمجاهدة بقول الحق في مواجهة خصوم الرسالة الماكرين، الذين طالما حاولوا فتنة الرسول، واستعملوا كل الوسائل المادية والأدبية للضغط عليه وصرفه عن رسالته، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في سورة المائدة :﴿ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ﴾ [ الآية : ٤٩ ]، وقوله تعالى في سورة الإسراء :﴿ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ﴾ [ الآية : ٧٤ ]، لكن الله عصمه من كيدهم ومكرهم، إذ كلما تجدد اتصال الرسول بالوحي في المواقف الحرجة ازداد قلبه قوة، وتضاعفت ثقته بعناية الله ورعايته، وأحس بمدد إلهي جديد يعينه على المزيد من الصبر والثبات، وتخطي العقبات.
وقد تحدث كتاب الله في آية أخرى عن حكمة دقيقة من حكم تنجيم القرآن ونزوله مفرقا، وذلك بالنسبة للمرسل إليهم، وهذه الحكمة سبقت الإشارة إليها عند قوله تعالى في سورة الإسراء :﴿ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ﴾، ذلك أن الإنسانية الضالة التي أراد الله ان يخرجها من الظلمات إلى النور لا يمكن ان تقفز من حضيض الجهالة الجهلاء، إلى أعلى درجة في السمو والارتقاء، بين عشية وضحاها، إذ لا بد لتحولها عما كانت عليه، وتطورها إلى ما يجب أن تؤول إليه، من وقت كاف تستوعب فيه يوما بعد يوم، ما جاء به القرآن الكريم من عقيدة وشريعة وأخلاق، فقوله تعالى في خطابه لنبيه في سورة الإسراء :﴿ لتقرأه على الناس على مكث ﴾ يفيد ان حكمة الله اقتضت أن يكون تبليغ القرآن إلى الناس على مهل، تدريجيا ودون عجلة، حتى يحفظوه ويعوه، ويرتاضوا به ويتبعوه، ويسايروه في حياتهم خطوة خطوة.
وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ ونزلناه تنزيلا ﴾ يشير إلى أن حكمة الله اقتضت أن يكون تنزيل القرآن على فترات، ليواجه ما يتجدد في حياة الناس من حوادث ومسائل وشبهات، إذ لا يخفى على أحد ما تزخر به الحياة اليومية في مثل هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة من إلقاء أسئلة محرجة تحتاج إلى الأجوبة الشافية، ومن وقوع حوادث معقدة تتوقف على الحلول الكافية، فتنزل آيات القرآن مفرقة تبعا لذلك في الوقت المناسب بما هو مناسب، تثبيتا لفؤاد الرسول والمرسل إليهم، وتأنيسا له ولهم في آن واحد، الأمر الذي يكون أوقع في النفوس، لما فيه من تجاوب ملموس، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في هذا الربع ﴿ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ﴾.
ومجمل القول أن نزول القرآن منجما ومفرقا كان هو الطريق المضمون لتلقي الرسول رسالة ربه على أكمل وجه، ولتلقينه المرسل إليهم آيات الذكر الحكيم، وتكاليف دينهم القويم، وبذلك امتزجت روح الإسلام بنفوس الأفراد والجماعات، وقام على أنقاض المجتمع الجاهلي مجتمع إسلامي الطابع، يعتبر هو المثل الأعلى والقدوة الصالحة، لما ينشأ على غراره من المجتمعات.
﴿ وأصحاب الرس ﴾ ورد ذكرهم للمرة الأولى هنا في هذه السورة، وذكروا للمرة الثانية والأخيرة في سورة ( ق ) عند قوله تعالى :﴿ كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود ﴾ [ الآية : ١٢ ]، يقال رس البئر يرسها إذا حفرها، ورس الميت إذا دفنه وغيبه في الحفرة، و " الرس " هو كل حفر احتفر كالقبر والبئر والمعدن، وقد اختلفت الروايات في المراد " بأصحاب الرس " من هم، ومن هو نبيهم، وفي أي بلد كانوا ؟. ورجح ابن جرير الطبري أنهم هم " أصحاب الأخدود " الذين ورد ذكرهم في سورة البروج في قوله تعالى :﴿ قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ﴾ [ ٤ ٧ ]. ولعله استند في ترجيحه إلى ما بين كلمة " الرس " وكلمة " الأخدود " من تناسب في المعنى، إذ " الأخدود " هو الحفرة المستطيلة، ويذكر ياقوت الحموي في معجمه أن " الرس " كانت آبارا لبني أسد، وأنها تقع في أعالي القصيم، وأكدت بعض الأبحاث الحديثة أن القصيم توجد فيه عدة مدن، من بينها " مدينة الرس " التي فيها معالم تاريخية مشهورة قائمة حتى الآن، على رأسها " وادي عاقل " الذي كانت تقطن فيه قبيلة بني أسد، وترعى في رياضه أغنامها وإبلها، وتوجد بجوار " مدينة الرس " عدة قصور ومزارع، وبذلك يصبح المكان الذي ينسب إليه " أصحاب الرس " معروفا من الناحية الجغرافية، وأنه واقع في الجزيرة العربية المترامية الأطراف.
ولفظ " التتبير " الوارد في الآية ﴿ وكلا تبرنا تتبيرا ﴾ يعني التفتيت والتكسير، تصويرا لهول ما نالهم من الإبادة والتدمير، والشر المستطير.
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
الربع الثاني من الحزب السابع والثلاثين في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع وجه كتاب الله الخطاب إلى كل إنسان عنده نصيب من الوعي وحظ من التأمل، لينظر إلى ما حوله من ظواهر طبيعية، ونواميس كونية، يزخر بها الكون، نظرة تدبر واعتبار، إذ بالتعرف عليها، والتأمل فيها، والتعمق في بحثها، يهتدي إلى ما تحتوي عليه من المنافع والحكم والأسرار، فينتفع بها في حياته اليومية خير انتفاع، وتكون له خير حافز على الاختراع والإبداع، ويصل في نهاية المطاف عن طريقها العقلي المضمون، إلى معرفة خالق الكون الذي طبع الطبيعة، وشرع الشريعة، فيقدر الله حق قدره، ويهتدي بهديه ويأتمر بأمره، فقال تعالى :﴿ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ﴾
فقوله تعالى :﴿ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ﴾ يتضمن دعوة كل إنسان إلى ملاحظة ظاهرة طبيعية تبرز عند كل مطلع شمس، لتستفيد من وجودها جميع الكائنات الحية، الموجودة على سطع الأرض، وفي طليعتها الإنسان نفسه الذي لا يستطيع الحياة في راحة وهناء إذا فقدها بالمرة، ألا وهي ظاهرة " الظل " الذي يلاحق ضوء الشمس، " والذي ترخيه الأشياء بجوارها وعلى جوانبها ممتدا أو منقبضا، يتحرك إذا تحركت، ويسكن إذا سكنت، ولكن لا يسمع الناس له همسا، ولا يلقون إليه بالا " فبالرغم من أن طاقة الشمس لا يصل منها إلى الأرض إلا ما يقارب جزءين اثنين من بليون جزء من طاقتها الكلية، نجد الإنسان فضلا عن النبات وبقية الأحياء لا يتحمل تعريض جسمه طيلة النهار لهذا القدر الضئيل من طاقتها باستمرار، وكما أن الإنسان يكره بطبعه الظلمة الخالصة وينفر منها، فإنه لا يحب الضوء الخالص الذي يسطع بقوة فيبهر البصر، والذي يرهق الجسم فيضعفه ويؤذيه بحرارته الزائدة، بل يفضل الظل عليهما معا، لأنه بالنسبة لطبيعته وتكوينه أطيب الأحوال، ولذلك جعله الحق سبحانه وتعالى معدودا في جملة النعم التي سيكرم بها أصحاب اليمين في دار النعيم، إذ قال :﴿ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين، في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود ﴾ [ الواقعة : ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٠ ] وقال :﴿ لهم فيها أزواج مطهرة، وندخلهم ظلا ظليلا ﴾ [ النساء : ٥٧ ]، وحرم المكذبين بيوم الدين من هذه النعمة الكبرى، فقال تعالى في شأنهم :﴿ انطلقوا إلى ما كنم به تكذبون، انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب ﴾ [ المرسلات : ٢٩، ٣٠، ٣١ ]، ومعنى قوله :﴿ لا ظليل ﴾ أي لا يفيد فائدة الظل في كونه واقيا من الحر، وقال تعالى :﴿ وما يستوي الأعمى والبصيرة، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور ﴾ [ فاطر : ١٩، ٢١ ]. وعلى غرار الإنسان الذي يميل إلى الطقس المعتدل، ويفضل الظل الذي يلطف الحرارة نجد النباتات والحيوانات، بل حتى الحشرات، تبحث بدورها عن الظل، وتفضل الحياة في كنفه، وذلك لتنعم بحرارة مقبولة يمكنها أن تتحملها وتساعدها على البقاء. ونظرا لكون الظل من أهم العوامل الملطفة للجو، استعمله العرب في لغتهم كناية عن معنى " الراحة " فقالوا " السلطان ظل الله في الأرض "، قاصدين بذلك أن الشأن في السلطان أن يدفع الأذى عن الناس ويرعى مصالحهم، كما يدفع الظل عنهم أذى حر الشمس ويلائم مصالحهم.
وقوله تعالى :﴿ ولو شاء لجعله ساكنا ﴾ توكيد لامتنان الله على خلقه بنعمة الظل، فوجود الظل من أصله إلى جانب الشمس نعمة كبرى، وحركة الظل التي ترافق الشعاع الفائض من الشمس نعمة أخرى، ولولا رعاية الخالق الحكيم لمصالح عباده ورحمته بهم لما أوجد الظل أصلا، فبرزت الكائنات الحية لأشعة الشمس وجها لوجه وهلكت، أو لجعل الظل بعد وجوده دائما لا يتحول، وساكنا لا يتحرك، ففقدت الكائنات الحية ولا سيما النبات الذي هو قوام حياة الإنسان والحيوان منافع الطاقة الشمسية التي تغذيها بالقوة والنماء، إذ بواسطة إشعاع الشمس وانبساط الظل تتمكن من مواصلة حياتها الطبيعية دون تعب ولا عناء.
وقوله تعالى :﴿ ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ﴾ إشارة إلى حقيقة طبيعية أخرى هي أن الظل يلاحق أشعة الشمس، وأشعة الشمس تلاحق الظل، فهما متلازمان ومتعاقبان، بحيث كلما ازداد أحدهما نقص الآخر، وإن كانا متعاكسين، كل منهما يسير في اتجاه مغاير للثاني، حتى إذا ما غربت الشمس شرق الظل، وإذا شرقت غرب، فلولا الشمس لما عرف الظل، كما أنه لولا الظلمة لما عرف النور، وبهذا كانت الشمس دليلا على الظل بالتضاد لا بالاتفاق. ونظرا لما بين الظل وشعاع الشمس من رابطة قوية لا تنفصم، فقد انتفع الإنسان بهذه الظاهرة الطبيعية التي تتكرر بانتظام في تنظيم حياته اليومية، فقاس الزمن، وعين ساعات النهار، تبعا للظل الممدود الذي تحدثه أشعة الشمس على الأرض، وعن هذا الطريق اهتدى المسلمون إلى ابتكار ( علم التوقيت )، للتعرف على مواقيت الصلاة، وتعيين الوقت الشرعي لأدائها، بواسطة المزاول الشمسية، التي برعوا في صنعها كل البراعة.
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
وقوله تعالى :﴿ ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ﴾ إشارة إلى ان الظل لا يظل على حالة واحدة من الانبساط والامتداد، بل يعتريه التقلص والانقباض، إذ كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل بحسبه والعكس بالعكس. قال جار الله الزمخشري : " وفي هذا القبض اليسير شيئا بعد شيء، من المنافع ما لا يعد ولا يحصى، ولو قبض دفعة واحدة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعا ". فما أدق حكمة الله في خلقه، وما أوسع رحمته بعباد، وصدق الله العظيم، إذ قال ممتنا على الناس بهذه النعمة :﴿ والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا ﴾ [ النحل : ٨١ ]، وقال أيضا :﴿ أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ﴾ [ النحل : ٤٨ ].
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
﴿ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ﴾
وبعدما وصف كتاب الله ظاهرة الظل وارتباطها بالشمس بغاية الإيجاز ومنتهى الإعجاز، كشف النقاب عن ظاهرة أخرى هي ظاهرة تعاقب الليل والنهار، اللذين يقتسمان المعمور في وقت واحد قسمة عادلة، فيكون نصف الكرة الأرضية نهارا، ونصفها الآخر ليلا، ولو كانت الأرض منبسطة لا كروية لعمها ضوء الشمس عند الشروق دفعة واحدة، فكان النهار فيها جميعا، ثم لعمها الظلام عند الغروب دفعة واحدة، فكان الليل فيها جميعا، لكن حكمة الله اقتضت أن تظل الحياة نابضة فيها على الدوام، وذلك على سبيل التناوب بين نصفها الذي يكون نهارا ونصفها الذي يكون ليلا. تعريفا من الله لعباده، بما في تعاقب الليل والنهار من منافع لهم، وامتنانا عليهم، قال تعالى :﴿ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ﴾، فشبه كتاب الله الليل باللباس، لكونه يستر الأشياء والأحياء كما يستر اللباس البدن، إذ في الليل تهدأ الحركة العامة، ويتوقف النشاط اليومي، ويغشى الناس مساكنهم ليسكنوا إلى أهليهم وذويهم، ويقضوا جزءا من الليل في ممارسة حياتهم الخاصة بين الأقرباء، وذلك في ستر تام من فضول الرقباء، وأنسب شيء بالذكر في هذا المقام، هو نوم الليل الذي يعتبر أحسن غذاء للجسم بالراحة والاستجمام، وإنما وصف كتاب الله النوم بكونه ﴿ سباتا ﴾، لما يلازمه في العادة من التمدد والاسترخاء وتوقف الحركات، التي تشترك في القيام بها أثناء النهار مختلف الأعضاء والجوارح والملكات، ووصف كتاب الله النهار، بكونه ﴿ نشورا ﴾، تشبيها لقيام الناس فيه من النوم، وانتشارهم في الأرض لمكاسبهم ومعايشهم، بقيامهم من الموت، وهو البعث الذي يطلق عليه اسم ( النشور ) حقيقة لا مجازا، وسبق ذكر " النشور " بمعناه الحقيقي في قوله تعالى في هذه السورة :﴿ بل كانوا لا يرجون نشورا ﴾ [ الآية : ٤٠ ].
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
﴿ وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا ﴾
ثم نبه كتاب الله كافة الأنظار إلى ظاهرة أخرى جديرة بالتدبر والاعتبار، والكشف عما في كوينها وتصريفها من حكم وأسرار، وهذه الظاهرة هي ظاهرة تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لإنزال الأمطار، وما يتبع ذلك من نتائج وآثار، وذلك قوله تعالى :﴿ وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا * لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ﴾، مشيرا إلى أن دور الرياح، أو الهواء الصاعد إلى أعلى، في إثارة السحب على اختلاف أنواعها، وتلقيحها ببخار لكي تجود بالمطر، هو الدور الرئيسي الذي بدونه لا يمكن أن تنزل من السماء، قطرة واحدة من الماء، ومؤكدا لمن لا يزال عنده شك، ان تصريف الرياح وإرسالها أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى وحده، الذي له الخلق والأمر، لأنه يتوقف على طاقة عظمى، ويحتاج إلى تدبير كبير فوق طاقة الإنسان المحدودة وتدبيره القاصر ﴿ وهو الذي أرسل الرياح ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ نشرا بين يدي رحمته ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ والناشرات نشرا ﴾ [ المرسلات : ٣ ]، من " النشور " الذي هو الحياة بعد الموت، إشارة إلى أن الرياح تسبق السحب، مؤذنة بإحياء الله للبلاد، ورحمته للعباد ﴿ لنحيي به بلدة ميتا ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ﴾ إشارة إلى أن الماء المنزل من السماء طاهر مطهر لغيره، وهو أفضل المياه، ويعتبر طاهرا شرعا وطبعا ما لم يتغير أحد أوصافه، وكما أنزل الله من السماء الذكر الحكيم ليطهر به العقول والأفكار، أنزل منها الماء ليطهر به الأبدان من الأوساخ والأوضار.
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
﴿ لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ﴾،
وقوله تعالى هنا :﴿ ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ﴾ بتقديم الأنعام على الأناسي إشارة إلى أن قوام حياة الناس بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فعامة معايشهم متعلقة بحياة الحيوان والنبات، إذ عليهما المعول في التغذية والاقتيات، والإنعام من الله بسقي أرضهم وأنعامهم هو في الحقيقة إنعام عليهم، لا يقل أهمية عن الإنعام بسقيهم أنفسهم. ووصف " الأناسي " بالكثرة في قوله تعالى :﴿ وأناسي كثيرا ﴾ إشارة إلى أن النوع الإنساني سيتضاعف عدده على سطح الأرض مع مرور الزمن ويقول هل من مزيد، لكن لا ينقذه من عوزه وضيق عيشه إلا مدد إلهي جديد.
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ﴾
ونبه كتاب الله إلى أن الذكر الحكيم لم يترك برهانا ساطعا ولا دليلا قاطعا عل وجود الله ووحدانيته، وقدرته وحكمته، إلا فصله تفصيلا، وفسره دليلا دليلا، ومن رفض بعد ذلك ان يسلك المحجة، فقد قامت عليه الحجة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في هذا الربع :﴿ ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ﴾.
وجه كتاب الله الخطاب إلى نبيه، معرفا إياه بأن مسؤولية الرسالة الإسلامية التي هي خاتمة الرسالات قد أصبحت تقع على عاتقه وحده، إذ هو خاتم النبيئين والمرسلين، فما عليه إلا أن يضطلع بها، ويقاوم أعداءها، ويجاهد في سبيل تبليغها للبشرية جمعاء، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ﴾.
وجه كتاب الله الخطاب إلى نبيه، معرفا إياه بأن مسؤولية الرسالة الإسلامية التي هي خاتمة الرسالات قد أصبحت تقع على عاتقه وحده، إذ هو خاتم النبيئين والمرسلين، فما عليه إلا أن يضطلع بها، ويقاوم أعداءها، ويجاهد في سبيل تبليغها للبشرية جمعاء، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
وعالج كتاب الله في هذا الربع ظاهرة أخرى تثير منتهى العجب والإعجاب عند كافة أولي الألباب، ألا وهي ظاهرة انقسام الماء إلى عذب فرات وملح أجاج، رغما عن كون الماء واحدا في تركيبه الخاص، ثم منع الاختلاط بينهما والامتزاج، رغما من التقاء الماء العذب مع الماء الأجاج، وذلك قوله تعالى :﴿ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ﴾ فالماء العذب ما تجود به الأمطار فتحمله الأنهار، وتخزنه العيون والآبار، ولو جمع هذا الماء في صعيد واحد لكان بحرا من أكبر البحار، لكن الله تعالى وزعه بين خلقه في كل أرض بحسب حاجتهم وكفايتهم، فهو بحر سارح في الأرض بين الناس، إلى جانب البحار المعروفة في العالم، التي خصها الله بالماء الملح الأجاج. على أن الأنهار الكبرى ذات الماء العذب التي تصب في البحار يصح أن يطلق عليها اسم " البحر " بطريق المجاز، لشبهها به في كثرة الماء واتساع الرقعة، فيقال للنهر العذب الكبير الواسع " بحر " كما يقال للبحر الأجاج " بحر ". وإذا ما التقى الماء العذب الذي تجري به الأنهار مع الماء الملح الذي تجري به البحار، فإن كلا من الماءين يتفادى الامتزاج مع الآخر، رغما عما يوجد بينهما من تماس والتصاق، وذلك حتى لا تبطل حكمة الله من وجودهما معا، إذ إن كل ما على اليابسة من الأحياء، لا تنتظم حياته إلا بالعذب من الماء، وعلى العكس من ذلك البحار لو خلت مياهها من الملح لفسدت وفسد ما فيها من الأحياء، ولأنتنت وتلوث الهواء. وقد جعل الله جاذبية الأرض عونا للأنهار، حتى يمكنها أن تصب في البحر، كما جعل الجاذبية لجاما للبحر حتى لا يصب في النهر ولا يطغى عليه رغما عن صغر النهر بالنسبة إلى البحر وذلك الأمر عندما يلتقي بحر ببحر، أو بحر بأرض يابسة، فالبحر ملجم من خالقه الحكيم العليم بلجام الجاذبية، لا يفارق مستقره بحال، وهذه المعاني هي بعض ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ﴾ أي جعل بينهما حاجزا تلقائيا، ومانعا طبيعيا، على غرار قوله تعالى في آية ثانية :﴿ مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ﴾ [ الرحمن : ١٩، ٢٠ ]، أي لا يبغي أحدهما على الآخر، وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ وجعل بين البحرين حاجزا، أإله مع الله ﴾ [ النمل : ٦١ ].
*خ ففي هذه الآيات لفت كتاب الله أنظار الناس أجمعين إلى عدة ظواهر طبيعية، مرتبطة في نشأتها وسيرها بالسنن الإلهية، كل واحد منها برهان ساطع على وجود الله وقدرته، ودليل قاطع على حكته ورحمته، وهذه الظواهر هي ظاهرة تعاقب الظل والضوء، وتعاقب الصحو والمطر، وتعاقب الليل والنهار، وتعاقب الشمس والقمر، وازدواج الماء بين عذب ومالح، وازدواج الإنسان بين ذكر وأنثى، فمتى فتح الإنسان بصره وبصيرته لدراسة هذه الظواهر واستيعابها أدرك بالبداهة ان تصنيفها وتصريفها فوق قدرة البشر، وأنها من صنع الله الذي أتقن كل شيء، ومتى ربط الإنسان بين هذه الظوار وبين حياته الخاصة فوق سطح الأرض، وعرف أن حياة النوع البشري كله رهينة بوجودها واستمرارها، إذ إنه لولا ما بين هذه الظواهر الطبيعية وبين تكوين الإنسان الخاصة، وحاجياته الملحة، من توافق وتلاؤم وانسجام، لما أمكن له العيش بدونها لحظة واحدة، أدرك لا محالة أن تكوينها على ما هي عليه، وتكوينه هو على ما هو عليه، إنما هما صادران عن قوة مدبرة حكيمة هي قوة الخالق الحكيم الذي يدبر كل شيء بأمره ﴿ وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه، إن في ذلك للآيات لقوم يتفكرون ﴾ [ الجاثية : ١٣ ]. /خ*
واستغرب كتاب الله موقف الكافرين الذين يتحدون ربهم، إذ ضلوا وفقدوا لبهم، رغما من آيات الله الباهرة، وحججه القاهرة، فقال تعالى في وصفهم متعجبا من عنادهم وكبريائهم :﴿ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا ﴾ ﴿ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا * وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ﴾.
وحدد كتاب الله لرسوله مرة أخرى واجبات الرسالة الملقاة على عاتقه، حتى لا يكلف نفسه ما فوق طاقته، وحتى لا يتهم من أعداء الرسالة بما لا يتفق مع قداسة دعوته، فقال تعالى :﴿ وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا * قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ﴾.
وحدد كتاب الله لرسوله مرة أخرى واجبات الرسالة الملقاة على عاتقه، حتى لا يكلف نفسه ما فوق طاقته، وحتى لا يتهم من أعداء الرسالة بما لا يتفق مع قداسة دعوته، فقال تعالى :﴿ وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا * قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نستنطق الآيات الكريمة التي تتضمنها سورة الفرقان نجدها تدور حول محاور أربعة :
المحور الأول :( القرآن ) وما أودع الله فيه من كنوز الحكمة الإلهية.
المحور الثاني :( الرسالة ) والعبء الثقيل الذي ألقته على عاتق الرسول العناية الربانية.
المحور الثالث :( التوحيد ) وتزييف معتقدات الشرك والوثنية.
المحور الرابع :( المعاد ) وما يؤول إليه مصير الكون ومصير الإنسانية.
ويتخلل هذه الموضوعات وصف جملة وافرة من مظاهر الكون وآيات الله في الأنفس والآفاق، ذكرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وعبرة للمعتبرين، كما يتخللها ذكر عدد من الأنبياء والرسل السابقين، وما تعرض له أقوامهم من العقاب والعذاب، جزاء تحديهم الصارخ وعنادهم البالغ، ووصف المواقف التي تقفها مختلف فئات البشر من حقائق الوحي والرسالة والتوحيد والمعاد، ما بين مؤمن بها ومصدق لها كل التصديق، وكافر بها مكذب لها بلغ الغاية في الكفر والعناد، وتوجت هذه السورة الكريمة بخاتمة عظيمة تتضمن وصفا كاشفا " لعباد الرحمن " الذين أكرمهم الله بالإيمان والأمان، فأضافهم إلى نفسه إضافة تفضل وإحسان، وقد جاءت فاتحة سورة الفرقان، لتكون لموضوعاتها الرئيسية أفضل تمهيد وخير عنوان، فقوله تعالى :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ يتضمن إثبات الوحي وإثبات الرسالة وتوكيد صدق الرسول،
وأضاف كتاب الله إلى ما عرضه من آياته الكونية في هذا الربع ظاهرة أخرى لها وثيق الصلة باستمرار الحياة على وجه الأرض، وسيرها سيرا مطردا منتظما، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ألا وهي ظاهرة تعاقب الشمس والقمر، المختلفين بطبيعتهما، والمتكاملين بمنفعتهما، فقال تعالى :﴿ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سرجا وقمرا منيرا ﴾، وأطلق كتاب الله على الشمس ( اسم السراج ) لكونها مصدرا قائما بذاته للحرارة والنور، بينما اقتصر في وصف القمر على كونه ﴿ منيرا ﴾ إشارة إلى أن إنارته للأرض إذا سطع نوره عليها ليست أصلية، ولكنها مستمدة من ضوء الشمس، إذ القمر في أصله جرم مظلم، ويزيد هذه الآية تفسيرا وتوضيحا قوله تعالى في سورة نوح :﴿ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ﴾ [ الآية : ١٦ ].
وقوله تعالى هنا :﴿ جعل في السماء بروجا ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ والسماء ذات البروج ﴾ [ البروج : ١ ]، وقوله تعالى :﴿ ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين ﴾ [ الحجر : ١٦ ] إشارة إلى الكواكب السيارة السابحة في الفضاء، ومداراتها الفلكية في أعالي الأجواء، ومن بينها منازل الشمس والقمر التي لها أهمية خاصة في حياة الإنسان، إذ إن لها علاقة مباشرة بكل ما عرفه من تدرج الأزمنة، وتنقل الفصول، وتحديد الأيام والشهور والأعوام. وواضح أن تعاقب الليل والنهار مرتبط كل الارتباط بحركة الشمس اليومية، التي هي بالنسبة لنا حركة ظاهرية، مردها إلى دوران الأرض حول نفسها، ولذلك يكون نصفها المقابل لضوء الشمس نهارا، ونصفها الآخر الذي لا يقابل ضوءها ليلا.
والوصف الثاني من أوصاف " عباد الرحمن " يشير إليه قوله تعالى :﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ﴾، بمعنى أنه إذا تجرأ عليهم السفهاء بالقول السيء أغضوا عنهم، وكظموا غيظهم، وردوا عليهم ردا هادئا يوقف أذاهم عند حده، دون أن يقابلوهم بالمثل، أو يشتبكوا معهم في خصام، تجنبا لتوسيع دائرة الشقاق، وحرصا على السداد والمسالمة والسلام، على حد قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ﴾ [ القصص : ٥٥ ]، وهذا الوصف لا ينافي ما شرعه الله من الجهاد، دفاعا عن الإسلام، عند توفر الأسباب، كما لا ينافي الدفاع عن عرض المسلم، متى تعرض لقذف الأوباش والأوشاب.
والوصف السابع من أوصاف " عباد الرحمن " يشير إليه قوله تعالى :﴿ ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ﴾، بمعنى أنهم لا يتسببون في قتل النفوس التي أمر الله بحفظها، بل يحافظون بكل الوسائل على حياة أصحابها، إلى أن يأذن الله بموتها، إيمانا منهم بأنه هو وحده الذي يحيي ويميت. وواضح أن الأمر باحترام نفوس الغير يقتضي من باب أولى وأحرى الأمر باحترام الإنسان لنفسه بنفسه، فلا يسوغ له الانتحار، بدعوى الفشل أو غسل العار، إذ لا عقاب لقاتل نفسه عند ربه إلا النار، قال تعالى :( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا )النساء ٢٩-٣٠
وقوله تعالى هنا :﴿ إلا بالحق ﴾ إشارة إلى القتل المشروع في حدود الله، رعاية من الحق، لمصالح الخلق، كالقتل المترتب على الكفر بعد الإيمان، والزنى بعد الإحصان، فعباد الرحمن لا يقفون في وجه إقامة الحدود، حتى لا يحاسبوا على إهمالها في اليوم الموعود. وإذا كان قتل الإنسان لنفسه ونفوس الناس بمعنى القتل المادي أمرا محرما في الشرع والطبع، فإن قتله لنفسه أو نفوس الناس بالمعنى الروحي لا يقل خطورة عن الأول، بل ربما كان عملا أخطر، وجرما أكبر، و " القتل المعنوي للنفوس " هو تركها ترتع في الشهوات والمخالفات دون حساب يسير ولا عسير، وتركها تتخبط في الشبهات والضلالات دون هدى ولا كتاب منير.
والوصف الثامن من أوصاف " عباد الرحمن " يشير إليه قوله تعالى :﴿ ولا يزنون ﴾، بمعنى أنهم لا يتناولون الخبائث ولا يقربون الفواحش، لا ما ظهر منها ولا ما بطن، فهم حريصون على أن تكون حياتهم الاجتماعية والعائلية كلها نظافة وطهرا، وترفعا عن انتهاك الأعراض التي حرمها الله سرا وجهرا، فأعراض المحصنات المؤمنات معهم في أمان، في كل الأزمان.
ونظرا لضعف الإنسان وتعرضه لإغواء الشيطان، وما يمكن أن يصدر عنه من مخالفة وعصيان، نبه كتاب الله إلى عقاب من فرط في جنب الله، وانتهك حرمات الله، إذا لم يبادر إلى التوبة والعمل الصالح، كما بشر المذنبين التائبين إذا تابوا توبة نصوحا بقبول توبتهم، وإسدال الستر الجميل على سيئاتهم، فقال تعالى :﴿ ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ﴾. وتبديل السيئات بالحسنات يصدق في الدنيا بالتوفيق إلى الطاعة بعد العصيان، وفي الآخرة بالعفو والغفران.
ونظرا لضعف الإنسان وتعرضه لإغواء الشيطان، وما يمكن أن يصدر عنه من مخالفة وعصيان، نبه كتاب الله إلى عقاب من فرط في جنب الله، وانتهك حرمات الله، إذا لم يبادر إلى التوبة والعمل الصالح، كما بشر المذنبين التائبين إذا تابوا توبة نصوحا بقبول توبتهم، وإسدال الستر الجميل على سيئاتهم، فقال تعالى :﴿ ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ﴾. وتبديل السيئات بالحسنات يصدق في الدنيا بالتوفيق إلى الطاعة بعد العصيان، وفي الآخرة بالعفو والغفران.
المعنى الأول أنهم لا يشهدون مجالس الخنى والسوء التي يغشاها البطالون المنحرفون ولا يزكونها بحضورهم، والمعنى الثاني أنهم لا يشهدون شهادة الزور، فيحقوا الباطل ويبطلوا الحق بشهادتهم. والمراد " بالزور " كل كذب وباطل زوق وزخرف. وفي الصحيحين عن أبي بكرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قلنا بلى يا رسول الله، قال : الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور. ألا وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت أي شفقة عليه " وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه، أي يسوده، ويحلق رأسه، ويطوف به في السوق.
والوصف العشر من أوصاف " عباد الرحمن " يشير إليه قوله تعالى :﴿ وإذا مروا باللغو مروا كراما ﴾ بمعنى أنهم يربأون بأنفسهم عن أن يشغلوها بالسفاسف، مما ليس فيه صلاح دين ولا صلاح دنيا، لا من الأفعال ولا من الأقوال، وهذا معنى مرورهم به مر الكرام، إذ يتكرمون عنه، ويترفعون عن تضييع الوقت فيه، لتفاهته وعدم فائدته. واستعمال " المرور مر الكرام " بقصد الاختصار في القول المفيد، والإيجاز في ذكر الشيء المحتاج إلى التفصيل من مسائل العلم، استعمال في غير محله، واقتباس مقلوب.
والوصف الثالث عشر من أوصاف " عباد الرحمن " يشير إليه قوله تعالى :﴿ واجعلنا للمتقين إماما ﴾، بمعنى أنهم لا يكتفون بأن يكونوا صالحين في أنفسهم بممارسة هذه الصفات وحدهم، بل يطمحون إلى أن يكونوا مصلحين لغيرهم، وقدوة حسنة لمن يأتي من بعدهم، حتى تتضاعف بهم قافلة النور عددا ومددا، وتستمر رسالتها أبدا وسرمدا.