تفسير سورة يس

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة يس من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة يس
مكية، وقيل إلا قوله :﴿ ونكتب ما قدموا وآثارهم ﴾ [ يس : ١٢ ] نزلت في بني سلمة، حين أرادوا الانتقال إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم١. وآيها : ثلاث وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله :﴿ فلما جاءهم نذير ﴾ [ فاطر : ٤٢ ] مع قوله :﴿ إنك لمن المرسلين ﴾ فقد حقق هنا نذارته ورسالته بالقسم. وعنه صلى الله عليه وسلم :" يس تدعى المعمة، تعم صاحبها بخير الدارين، والدافعة والقاضية – تدفع عنه كل شر، وتقضي له كل حاجة٢ ". وفي خبر آخر :" يس لما قرئ له " وفي حديث آخر :" ما قرأها خائف إلا أمن، ولا جائع إلا شبع، ولا عطشان إلا روي، ولا عريان إلا كسي، ولا مسجون إلا سرح، ولا عازب إلا تزوج، ولا مسافر إلا أعين، ولا ذو ضالة إلا وجدها ". وقال صلى الله عليه وسلم :" من قرأ يس عند الموت، أو قرئ عليه، أنزل الله بعدد كل حرف منها عشرة من الملائكة، يقفون بين يديه، ويصلون عليه، ويستغفرون له، ويشهدون جنازته ".
١ أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٣٦، حديث ٣٢٢٦..
٢ أخرجه القرطبي في تفسيره ٦/٥٦٠٢..

بسمِ اللهِ الرَّحمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ يس ﴾ * ﴿ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ * ﴿ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ * ﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ يس ﴾ أيها السيد المفخم، والمجيد المعظم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : يس، معناه : يا سيد ـ رقَّاه أشرف المنازل، وإن لم يسم إليه بطرق التأميل، سُنَّة منه سبحانه أنه لا يضع أسراره إلا عند مَن تقاصرت الأوهام عن استحقاقه، ولذلك قَضوا بالعَجَب في استحقاقه، وقالوا : كيف آثر يتيم أبي طالب من بين البرية، ولقد كان ـ صلوات الله عليه ـ في سابق اختياره تعالى مقدّماً على الكافة من أشكاله وأضرابه، وفي معناه قيل١ :
هذا وإن أصبح في أطمار وكان في فقر من اليسار
آثرُ عندي من أخي وجاري وصاحب الدرهم والدينار
وصاحب الأمر مع الإكثار. هـ.
قال الورتجبي : قيل : الياء : الياء تُشير إلى يوم الميثاق، والسين تُشير إلى سره مع الأحباب، فقال : بحق يوم الميثاق، وسرى مع الأحباب، وبالقرآن الحكيم، إنك لَمن المرسلين يا محمد هـ.
وجاء :" إن قلب القرآن يس، وقلبه :﴿ سلام قولاً من رب رحيم ﴾٢ ". قلت : وهو إشارة إلى سر القربة، الداعي إليه القرآن، وعليه مداره، وحاصله : تسليم الله على عباده كِفاحاً، لحياتهم به، وأنسهم بحديثه وسره. وقيل : لأن فيه تقرير أصول الدين. قاله في الحاشية الفاسية.

﴿ و ﴾ حق ﴿ القرآن الحكيم ﴾ المحكم، ﴿ إِنك لمن المرْسلين ﴾ وفي الحديث :" إن الله تعالى سمّاني في القرآن بسبعة أسماء : محمد، وأحمد، وطه، ويس، والمزّمّل، والمدّثر، وعبد الله "، قيل : ولا تصح الاسمية في يس ؛ لإجماع القراء السبعة على قراءتها ساكنة، على أنها حروف هجاء محكية، ولو سمي بها لأعربت غير مصروفة، كهابيل وقابيل، ومثلها " طس " و " حم " كما قال الشاعر١ :
لما سمى بها السورة *** فهلا تلى حميمَ قبل التكلم
فدلَّ على أنها حروف حال التلاوة. نعم قد قُرئ " يسُ " بضم النون، ونصبها، خارج السبعة، وعلى ذلك تخرج بأن اللفظ اسم للسورة، كأنه قال : اتل يس، على النصب، وعلى أنها اسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم، وتوجه في قراءة الضم على النداء. ه. قلت والظاهر إنها حروف مختصرة من السيد، على طريق الرمز بين الأحباء، إخفاء عن الرقباء.
ثم أقسم على رسالته، ردّاً على مَن أنكره بقوله :﴿ والقرآنِ الحكيمِ ﴾ أي : ذي الحكمة البالغة، أو : المحكم الذي لا ينسخه كتاب، أو : ذي كلام حكيم، فوصف بصفة المتكلم به، ﴿ إِنك لَمِنَ المرسلين ﴾ مِن أعظمهم وأجلِّهم. وهو ردٌّ على مَن قال من الكفار :
﴿ لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾ [ الرعد : ٤٣ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : يس، معناه : يا سيد ـ رقَّاه أشرف المنازل، وإن لم يسم إليه بطرق التأميل، سُنَّة منه سبحانه أنه لا يضع أسراره إلا عند مَن تقاصرت الأوهام عن استحقاقه، ولذلك قَضوا بالعَجَب في استحقاقه، وقالوا : كيف آثر يتيم أبي طالب من بين البرية، ولقد كان ـ صلوات الله عليه ـ في سابق اختياره تعالى مقدّماً على الكافة من أشكاله وأضرابه، وفي معناه قيل١ :
هذا وإن أصبح في أطمار وكان في فقر من اليسار
آثرُ عندي من أخي وجاري وصاحب الدرهم والدينار
وصاحب الأمر مع الإكثار. هـ.
قال الورتجبي : قيل : الياء : الياء تُشير إلى يوم الميثاق، والسين تُشير إلى سره مع الأحباب، فقال : بحق يوم الميثاق، وسرى مع الأحباب، وبالقرآن الحكيم، إنك لَمن المرسلين يا محمد هـ.
وجاء :" إن قلب القرآن يس، وقلبه :﴿ سلام قولاً من رب رحيم ﴾٢ ". قلت : وهو إشارة إلى سر القربة، الداعي إليه القرآن، وعليه مداره، وحاصله : تسليم الله على عباده كِفاحاً، لحياتهم به، وأنسهم بحديثه وسره. وقيل : لأن فيه تقرير أصول الدين. قاله في الحاشية الفاسية.


١ هناك بيت قريب منه، وهو:
يذكرني حاميم والرمح شاجر *** فهلا تلا حاميم قبل التقدم
والبيت للأشتر النخعي في الاشتقاق ص ١٤٥، ولعدي بن حاتم الطائي في حماسة البحتري ص ٣٦ ولشريح بن أوفى العبسي في لسان العرب (حمم)، ولعصام بن مقشعر البصري في معجم الشعراء ص ٢٧٠، وبلا نسبة في الخصائص ٢/١٨١..

﴿ على صراطٍ مستقيمٍ ﴾ أي : كائناً على طريق مستقيم، يوصل مَن سلكه إلى جوار الكريم، فهو حال من المستكن في الجار والمجرور. وفائدته : وصف الشرع بالاستقامة صريحاً، وإن دلَّ عليه :﴿ إِنك لمن المرسلين ﴾ التزاماً، أو : خبر ثان لإن. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : يس، معناه : يا سيد ـ رقَّاه أشرف المنازل، وإن لم يسم إليه بطرق التأميل، سُنَّة منه سبحانه أنه لا يضع أسراره إلا عند مَن تقاصرت الأوهام عن استحقاقه، ولذلك قَضوا بالعَجَب في استحقاقه، وقالوا : كيف آثر يتيم أبي طالب من بين البرية، ولقد كان ـ صلوات الله عليه ـ في سابق اختياره تعالى مقدّماً على الكافة من أشكاله وأضرابه، وفي معناه قيل١ :
هذا وإن أصبح في أطمار وكان في فقر من اليسار
آثرُ عندي من أخي وجاري وصاحب الدرهم والدينار
وصاحب الأمر مع الإكثار. هـ.
قال الورتجبي : قيل : الياء : الياء تُشير إلى يوم الميثاق، والسين تُشير إلى سره مع الأحباب، فقال : بحق يوم الميثاق، وسرى مع الأحباب، وبالقرآن الحكيم، إنك لَمن المرسلين يا محمد هـ.
وجاء :" إن قلب القرآن يس، وقلبه :﴿ سلام قولاً من رب رحيم ﴾٢ ". قلت : وهو إشارة إلى سر القربة، الداعي إليه القرآن، وعليه مداره، وحاصله : تسليم الله على عباده كِفاحاً، لحياتهم به، وأنسهم بحديثه وسره. وقيل : لأن فيه تقرير أصول الدين. قاله في الحاشية الفاسية.

ثم فسر القرآن، المقسم به، فقال :
﴿ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ * ﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ * ﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ * ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِيا أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴾ * ﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ * ﴿ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ * ﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخشِيَ الرَّحْمانَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾.
قلت :" تنزيل " : خبر، أي : هو تنزيل. ومَن نصبه فمصدر، أي : نُزل تنزيل، أو : اقرأ تنزيل، وقرئ بالجر، بدل من القرآن.
يقول الحق جلّ جلاله : هذا أو هو ﴿ تنزيل العزيز ﴾ أي : الغالب القاهر بفصاحة نظم كتابه أوهامَ ذوي العناد، ﴿ الرحيم ﴾ الجاذب بلطافة معنى خطابه أفهامَ ذوي الرشاد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن تصدّى لوعظ الناس، وإنذارهم، على فترة من الأولياء، يقال له : لِتُنذر قوماً ما أُنذر آباؤهم فهم غافلون. ويقال في حق مَن سبق له الإبعاد عن طريق أهل الرشاد : لقد حقَّ القولُ على أكثرهم، فهم لا يؤمنون. إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً تمنعهم من حط رؤوسهم لأولياء زمانهم، وجعلنا من بين أيديهم سدًّا : موانع تمنعهم من النهوض إلى الله، ومن خلفهم سدّاً : علائق تردهم عن حضرة الله، فأغشيناهم : غطَّينا أعين بصيرتهم، فلا يرون خصوصية أحد ممن يدلّ على الله، فهم لا يُبصرون داعياً، ولا يُلبون منادياً، فالإنذار وعدمه في حقهم سواء، ومعالجة دائهم عناء. قال الورتجبي : سد ما خلفهم سد قهر الأزل، وسد ما بين أيديهم شقاوة الأبد، فبنفسه منعهم من نفسه. لا جرم أنهم في غشاوة القسوة، لا يبصرونه أبداً. هـ. إنما ينتفع بتذكير الداعين إلى الله مَن خشع قلبه بذكر الله، واشتاقت رُوحه إلى لقاء الله، فبشِّره بمغفرة لذنوبه، وتغطية لعيوبه، وأجر كريم، وهو النظر إلى وجه الله العظيم.
و " ما أُنذر " : نعت لقوم. و " ما " : نفي، عند الجمهور، أو : موصولة مفعولاً ثانياً لتُنذر، أي : العذاب الذي أُنْذرَه آباؤهم، أو : مصدرية، أي : لتنذر قوماً إنذاراً مثل إنذار آبائهم.
أنزلناه ﴿ لتُنذر ﴾ به ﴿ قوماً ﴾ أو : أرسلناك لتنذر قوماً غافلين، ﴿ وما أُنذر آباؤهم ﴾ أي : غير منذر آباؤهم، كقوله :﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [ السجدة : ٣ ] وقوله :
﴿ ومَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ ﴾ [ سبأ : ٤٤ ] أو : لتُخوف قوماً العذاب الذي أُنذر به آباؤهم، لقوله :﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ﴾ [ النبأ : ٤٠ ]. أو : لتنذر قوماً إنذار آبائهم، وهو ضعيف ؛ إذ لم يتقدم لهم إنذار. ﴿ فهم غافلون ﴾ إن جعلت " ما " نافية فهو متعلق بالنفي، أي : لم ينذروا فهم غافلون، وإلا فهو متعلق بقوله :﴿ إنك لمن المرسلين ﴾ لتنذر قوماً، كقولك : أرسلته إلى فلان لينذره فهو غافل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن تصدّى لوعظ الناس، وإنذارهم، على فترة من الأولياء، يقال له : لِتُنذر قوماً ما أُنذر آباؤهم فهم غافلون. ويقال في حق مَن سبق له الإبعاد عن طريق أهل الرشاد : لقد حقَّ القولُ على أكثرهم، فهم لا يؤمنون. إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً تمنعهم من حط رؤوسهم لأولياء زمانهم، وجعلنا من بين أيديهم سدًّا : موانع تمنعهم من النهوض إلى الله، ومن خلفهم سدّاً : علائق تردهم عن حضرة الله، فأغشيناهم : غطَّينا أعين بصيرتهم، فلا يرون خصوصية أحد ممن يدلّ على الله، فهم لا يُبصرون داعياً، ولا يُلبون منادياً، فالإنذار وعدمه في حقهم سواء، ومعالجة دائهم عناء. قال الورتجبي : سد ما خلفهم سد قهر الأزل، وسد ما بين أيديهم شقاوة الأبد، فبنفسه منعهم من نفسه. لا جرم أنهم في غشاوة القسوة، لا يبصرونه أبداً. هـ. إنما ينتفع بتذكير الداعين إلى الله مَن خشع قلبه بذكر الله، واشتاقت رُوحه إلى لقاء الله، فبشِّره بمغفرة لذنوبه، وتغطية لعيوبه، وأجر كريم، وهو النظر إلى وجه الله العظيم.
﴿ لقد حقَّ القولُ على أكثرهم فهم لا يؤمنون ﴾ يعني قوله :﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةٍ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [ السجدة : ١٣ ] أي : تعلق بهم هذا القول، وثبت عليهم ووجب ؛ لأنه عَلِمَ أنهم يموتون على الكفر. قال ابن عرفة : إنذارهم مع إخباره بأنهم لا يُؤمنون ليس من تكليف ما لا يطاق عقلاً وعادة، وما لا يطاق من جهة السمع يصح التكليف به، اعتباراً بظاهر الأمر، وإلا لزم أن تكون التكاليف كلها لا تطاق، ولا فائدة فيها ؛ لأنَّ المكلفين قسمان : فمَن عَلِمَ تعالى أنه لا يؤمن فلا فائدة في أمره بالإيمان ؛ إذ لا يطيق عدمه. ه. قلت : الحكمة تقتضي تكليفهم ؛ لتقوم الحجة عليهم أو لهم، والقدرة تقتضي عذرهم. والنظر في هذه الدار التي هي دار التكليف للحكمة لا للقدرة.
ثم مثّل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل إلى ارْعوائهم، بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، وكالحاصلين بين سدّين، لا ينظرون ما قدّامهم ولا ما خلفهم، بقوله :﴿ إِنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقانِ ﴾ معناه : فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها، ﴿ فهم مُقمَحُون ﴾ مرفوعة رؤوسهم إلى فوق، يقال : قمح البعيرَ فهو قامح ؛ إذا روي فرفع رأسه، وهذا لأنّ طوق الغلّ الذي في عُنُق المغلول، يكون في ملتقى طرفيه، تحت الذقن، حلقة، فلا تخليه يطأطئ رأسه، فلا يزال مقمحاً. والغل : ما أحاط بالعنق على معنى التثقيف والتعذيب.
والأذقان والذقن : مجتمع اللحيين. وقيل :" فهي " أي : الأيدي. وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين. وفي مصحف أُبي :" إنا جعلنا في أيمانهم أغلالاً " وفي بعضها :" في أيديهم فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن تصدّى لوعظ الناس، وإنذارهم، على فترة من الأولياء، يقال له : لِتُنذر قوماً ما أُنذر آباؤهم فهم غافلون. ويقال في حق مَن سبق له الإبعاد عن طريق أهل الرشاد : لقد حقَّ القولُ على أكثرهم، فهم لا يؤمنون. إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً تمنعهم من حط رؤوسهم لأولياء زمانهم، وجعلنا من بين أيديهم سدًّا : موانع تمنعهم من النهوض إلى الله، ومن خلفهم سدّاً : علائق تردهم عن حضرة الله، فأغشيناهم : غطَّينا أعين بصيرتهم، فلا يرون خصوصية أحد ممن يدلّ على الله، فهم لا يُبصرون داعياً، ولا يُلبون منادياً، فالإنذار وعدمه في حقهم سواء، ومعالجة دائهم عناء. قال الورتجبي : سد ما خلفهم سد قهر الأزل، وسد ما بين أيديهم شقاوة الأبد، فبنفسه منعهم من نفسه. لا جرم أنهم في غشاوة القسوة، لا يبصرونه أبداً. هـ. إنما ينتفع بتذكير الداعين إلى الله مَن خشع قلبه بذكر الله، واشتاقت رُوحه إلى لقاء الله، فبشِّره بمغفرة لذنوبه، وتغطية لعيوبه، وأجر كريم، وهو النظر إلى وجه الله العظيم.
﴿ وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا ﴾ بفتح السين وضمها قيل : ما كان من عمل الناس فبالفتح، وما كان من خلق الله، كالجبل ونحوه، فبالضمّ، أي : جعلنا الموانع والعوائق محيطة بهم، فهم محبوسون في مطمورة الجهالة، ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل، ﴿ فأغشيناهم ﴾ أي : فأغشينا أبصارهم، أي : غطيناها وجعلنا عليها غشاوة، ﴿ فهم لا يُبصرون ﴾ الحق والرشاد.
وقيل : نزلت في بني مخزوم، وذلك أن أبا جهل حلف : لئن رأى محمداً يصلّي ليرضخنَّ رأسه، فأتاه وهو يصلّي، ومعه حجر، فلما رفع يده انثنت إلى عنقه، ولزق الحجرُ بيده، حتى فكّوه عنها بجَهد، فرجع إلى قومه، فأخبرهم، فقال مخزوميّ : أنا أقتله بهذا الحجر، فذهب، فأعمى الله بصره، فلم يَر النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وسمع قوله، فرجع إلى أصحابه، ولم يرهم حتى نادوه١. وقيل : هي ذكر حالهم في الآخرة، وحين يدخلون النار، فتكون حقيقة. فالأغلال في أعناقهم، والنار محيطة بهم. والأول أرجح وأنسب ؛ لقوله :﴿ وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ﴾ أي : الإنذار وتركه في حقهم سواء ؛ إذ لا هادي لمَن أضلّه الله.
رُوي أن عمر بن عبد العزيز قرأ الآية في غيلان القدريّ، فقال غيلان : كأني لم أقرأها قط، أُشهِدك أني تائب عن قولي في القدر. فقال عمر : اللهم إِنْ صَدَقَ فتُبْ عليه، وإن كذب فسلّطْ عليه مَن لا يرحمه، فأخذه هشام بن عبد الملك من غده، فقطع يديه ورجليه، وصلبه على باب دمشق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن تصدّى لوعظ الناس، وإنذارهم، على فترة من الأولياء، يقال له : لِتُنذر قوماً ما أُنذر آباؤهم فهم غافلون. ويقال في حق مَن سبق له الإبعاد عن طريق أهل الرشاد : لقد حقَّ القولُ على أكثرهم، فهم لا يؤمنون. إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً تمنعهم من حط رؤوسهم لأولياء زمانهم، وجعلنا من بين أيديهم سدًّا : موانع تمنعهم من النهوض إلى الله، ومن خلفهم سدّاً : علائق تردهم عن حضرة الله، فأغشيناهم : غطَّينا أعين بصيرتهم، فلا يرون خصوصية أحد ممن يدلّ على الله، فهم لا يُبصرون داعياً، ولا يُلبون منادياً، فالإنذار وعدمه في حقهم سواء، ومعالجة دائهم عناء. قال الورتجبي : سد ما خلفهم سد قهر الأزل، وسد ما بين أيديهم شقاوة الأبد، فبنفسه منعهم من نفسه. لا جرم أنهم في غشاوة القسوة، لا يبصرونه أبداً. هـ. إنما ينتفع بتذكير الداعين إلى الله مَن خشع قلبه بذكر الله، واشتاقت رُوحه إلى لقاء الله، فبشِّره بمغفرة لذنوبه، وتغطية لعيوبه، وأجر كريم، وهو النظر إلى وجه الله العظيم.

١ أخرجه الطبري في تفسيره ٢٢/١٥٢، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١٣٩..
ثم ذكر مَن ينفعه الإنذار، فقال :﴿ إِنما تُنْذِرُ مَن اتَّبَعَ الذِّكْرَ ﴾ أي : إنما ينتفع بإنذارك مَن تبع القرآن ﴿ وخَشِيَ الرحمان بالغيب ﴾ وخاف عقاب الله قبل أن يراه، أو : تقول : نُزِّل وجود الإنذار لمَن لم ينتفع به منزلة العدم، فمَن لم يُؤمن كأنه لم يُنذر، وإنما الإنذار لمَن انتفع به. ﴿ فَبَشِّرْهُ بمغفرةٍ ﴾ وهو العفو عن ذنوبه، ﴿ وأجرٍ كريمٍ ﴾ الجنة وما فيها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن تصدّى لوعظ الناس، وإنذارهم، على فترة من الأولياء، يقال له : لِتُنذر قوماً ما أُنذر آباؤهم فهم غافلون. ويقال في حق مَن سبق له الإبعاد عن طريق أهل الرشاد : لقد حقَّ القولُ على أكثرهم، فهم لا يؤمنون. إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً تمنعهم من حط رؤوسهم لأولياء زمانهم، وجعلنا من بين أيديهم سدًّا : موانع تمنعهم من النهوض إلى الله، ومن خلفهم سدّاً : علائق تردهم عن حضرة الله، فأغشيناهم : غطَّينا أعين بصيرتهم، فلا يرون خصوصية أحد ممن يدلّ على الله، فهم لا يُبصرون داعياً، ولا يُلبون منادياً، فالإنذار وعدمه في حقهم سواء، ومعالجة دائهم عناء. قال الورتجبي : سد ما خلفهم سد قهر الأزل، وسد ما بين أيديهم شقاوة الأبد، فبنفسه منعهم من نفسه. لا جرم أنهم في غشاوة القسوة، لا يبصرونه أبداً. هـ. إنما ينتفع بتذكير الداعين إلى الله مَن خشع قلبه بذكر الله، واشتاقت رُوحه إلى لقاء الله، فبشِّره بمغفرة لذنوبه، وتغطية لعيوبه، وأجر كريم، وهو النظر إلى وجه الله العظيم.
ثم رد على من أنكر البعث، ممن سبق له الشقاء، فقال :
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِنَّا نحنُ نحيي الموتَى ﴾ أي : نبعثهم بعد مماتهم، أو : نُخرجهم من الشرك إلى الإيمان. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمان الفاسي : لَمَّا أمر بالتبشير بالمغفرة، والأجر الكريم، لمَن انتفع بالإنذار، أعلم بحكم مَن لم يؤمن، ولم ينتفع بالإنذار، وأنه يبعثهم، وإليه حكمهم، كما قال :﴿ إِنَّمَا يَستَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ﴾ [ الأنعام : ٣٦ ] ه.
﴿ ونكتُبُ ما قدّموا ﴾ ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها، ﴿ وآثارَهُمْ ﴾ ما تركوه، بعدهم من آثار حسنة، كعِلْم علَّموه، أو كتاب صنَّفوه، أو حبس حبسوه، أو رباط أو مسجد صنعوه. أو آثار سيئة، كبدعة ابتدعوها في الإسلام. ونحوه قوله تعالى :
﴿ يُنَبَّؤُاْ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ القيامة : ١٣ ] أي : قدّم من عمله وأخّر من آثاره. وفي الحديث :" مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً، فعمل بها من بعده، كان له أجرُها ومثل أجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن يَنْقُص من أجورِهِمْ شيءٌ. ومَن سَنَّ في الإسلام سُنَّة سيئةً فعليه وزرها، ووزرُ مَن عمل بها، من غير أن يَنْقُص من أوزارهم شيءٌ١ " وفي خبر آخر :" سبع تجري على العبد بعد موته : مَن غرس غرساً، أو حفر بئراً، أو أجرى نهراً، أو علَّمَ علماً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ولداً صالحاً٢ ". انظر المنذري. وهذا كله داخل في قوله تعالى :﴿ وآثارهم ﴾ قيل : آثارهم : خطاهم إلى المساجد، للجمعة وغيرها.
﴿ وكل شيءٍ أحصيناه ﴾ حفظناه، أو عددناه وبيَّنَّاه ﴿ في إِمامٍ ﴾ كتاب ﴿ مبينٍ ﴾ اللوح المحفوظ ؛ لأنه أصل الكتب وإمامها، وقيل : صحف الأعمال. والمراد : تهديد العباد بإحصاء ما صنعوه من خير أو شر، لينزجروا عن معاصي الله، وينهضوا إلى طاعة الله.
الإشارة : إنّا نحن نُحيي القلوب الميتة بالغفلة والجهل، فنحييها بالعلم والمعرفة، ونكتب ما قدّموا من العلوم، والأسرار والمعارف، وآثارهم، أي : الأنوار المتعدية إلى الغير، ممن اقتبس منهم وأخذ عنهم. قال القشيري : نُحيي قلوباً ماتت بالقسوة، بما نُمطر عليها من صنوف الإقبال والزلفة، ونكتب ما قدموا ﴿ وآثارهم ﴾ خطاهم إلى المساجد، ووقوفهم على بساط المناجاة معنا، وما ترقرقَ من دموعهم على عَرَصات خدودهم، وتَصَاعُدَ أنفاسهم. ه.
١ أخرجه مسلم في الزكاة حديث ٦٩..
٢ أخرجه ابن ماجه في المقدمة حديث ٢٤٢..
ثم ضرب مثلا لقريش في تكذيبهم، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم فقال :
﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾ * ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُواْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَانُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ * ﴿ وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾ * ﴿ قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ * ﴿ قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾.
قلت :" اضرب " : يكون بمعنى : اجعل، فيتعدى إلى مفعولين، و " مَثَلاً " : مفعول أول، و﴿ أصحاب ﴾ مفعول ثان، أو : بمعنى :" مثل "، من قولهم : عندي من هذا الضرب كذا، أي : من هذا المثال. و " أصحاب " : بدل من " مَثَلاً "، و " إذ " : بدل من " أصحاب ". و " أَئِن ذُكِّرتُم " : شرط، حُذف جوابه.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وَاضْرِبْ لهم ﴾ أي : لقريش ﴿ مَثلاً أصحابَ القرية ﴾ أي : واضرب لهم مثل أصحاب القرية " أنطاكية " أي : اذكر لهم قصة عجيبة ؛ قصة أصحاب القرية، ﴿ إِذ جاءها ﴾ أي : حين جاءها ﴿ المرسلون ﴾ رُسل عيسى عليه السلام، بعثهم دعاةً إلى الحق، إلى أهل أنطاكية. وكانوا عبدة أوثان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً، ثم شكّ فيه، وَدَفَعَهُ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه، ثم عزّزه بثالث، وجب تصديقه والعمل بما يقول، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب ؛ لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلّى فيه إلا الحق، وإلا وجب اتهامه، حتى يتبين وجهه. وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين. وبالله التوفيق.
﴿ إِذ أرسلنا ﴾ : بدل من " إذ " الأولى، أي : إذ بعثنا ﴿ إِليهم اثنين ﴾ بعثهما عيسى عليه السلام، وهما يوحنا وبولس، أو : صادقاً وصدوقاً، أو غيرهما. فلما قربا إلى المدينة، رأيا شيخاً يرعى غنيمات له، وهو حبيب النجار، فسأل عن حالهما، فقالا : نحن رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمان ؟ فقال : أمعكما آية ؟ فقالا : نشفي المريض، ونُبرئ الأكمه والأبرص، وكان له ابن مريض منذ سنين، فمسحاه، فقام، فآمن حبيب، وفشا الخبر، فَشُفِي على أيديهما خلق كثير، فدعاهما الملك، وقال : ألنا إِلهٌ سوى آلهتنا ؟ فقالا : نعم، مَن أوجدك وآلهتك، فقال : قُوما حتى أنظر في أمركما، فحبسهما.
ثم بعث عيسى عليه السلام شمعونَ، فدخل متنكراً، وعاشر حاشية الملك، حتى استأنسوا به، ورفعوا خبره إلى الملك، فاستأنس به. فقال له ذات يوم : بلغني أنك حبستَ رجلين، فهل سمعتَ قولهما ؟ قال : لا، فدعاهما. فقال شمعون : مَن أرسلكما ؟ فقالا : الله الذي خَلَق كل شيء، ورَزَق كل حيّ، وليس له شريك. فقال : صِفاه وأوجزا، فقالا : يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، قال : وما آيتكما ؟ قالا : ما يتمنّى الملك، فدعا بغلام أكمه، فدعَوا الله، فأبصر الغلامُ، فقال شمعون للملك : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا، فيكون لك وله الشرف ؟ فقال : ليس لي عنك سرٌّ، إن إلهنا لا يُبصر ولا يَسمع، ولا يضر، ولا ينفع. فقال : إِنْ قدر إلهكما على إحياء ميّت آمنا، فدعَوا بغلام مات منذ سبعة أيام، فقام، فقال : إني دخلت في سبعة أودية من النار لِمَا مت عليه من الشرك، وأنا أُحذّركم ما أنتم عليه ! فآمِنوا. قال : وفُتحت أبواب السماء، فرأيت شابّاً حسن الوجه، يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك : مَن هم ؟ قال : شمعون وهذان، فتعجّب الملك. فلمّا رأى شمعون أن قوله أثّر فيه، نصَحه وآمن، وآمن قوم، ومَن لم يؤمن صاح عليهم جبريل، فهلكوا. كما سيذكره بقوله :﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾.
وهذا معنى قوله هنا :﴿ فَكذَّبُوهُما ﴾ أي : فكذّب أصحابُ القرية المرسلين، ﴿ فعَزَّزْنَا ﴾ : قويناهما. وقرأ شعبة بالتخفيف، من : عزّه : غلبه، أي : فغلبنا وقهرنا ﴿ بثالثٍ ﴾ وهو شمعون، وترك ذكر المفعول به ؛ لأنَّ المراد ذكر المعزّز به، وهو شمعون، وما لطف به من التدبير حتى عزّ الحق، وذلّ الباطل. وإذا كان الكلامُ مُنصبًّا إلى غرض من الأغراض جُعل سياقه له وتوجُّهه إليه كأنما سواه مرفوض. ﴿ فقالوا ﴾ أي : الثلاثة لأهلِ القرية :﴿ إِنا إِليكم مُرْسَلُونَ ﴾ من عند عيسى، الذي هو من عند الله. وقيل : كانوا أنبياء من عند الله عزّ وجل أرسلهم إلى قرية، ويرجحه قول الكفرة :﴿ ما أنتم إِلا بشرٌ مثلُنا ﴾ إذ هذه محاورة إنما تقال لمَن ادعى الرسالة، أي : ما أنتم إلا بشر، ولا مزية لكم علينا، ﴿ وما أنزلَ الرحمانُ من شيءٍ ﴾ أي : وحياً، ﴿ إِن أنتم إِلا تكْذِبون ﴾ فيما تدعون من الرسالة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً، ثم شكّ فيه، وَدَفَعَهُ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه، ثم عزّزه بثالث، وجب تصديقه والعمل بما يقول، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب ؛ لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلّى فيه إلا الحق، وإلا وجب اتهامه، حتى يتبين وجهه. وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين. وبالله التوفيق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ إِذ أرسلنا ﴾ : بدل من " إذ " الأولى، أي : إذ بعثنا ﴿ إِليهم اثنين ﴾ بعثهما عيسى عليه السلام، وهما يوحنا وبولس، أو : صادقاً وصدوقاً، أو غيرهما. فلما قربا إلى المدينة، رأيا شيخاً يرعى غنيمات له، وهو حبيب النجار، فسأل عن حالهما، فقالا : نحن رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمان ؟ فقال : أمعكما آية ؟ فقالا : نشفي المريض، ونُبرئ الأكمه والأبرص، وكان له ابن مريض منذ سنين، فمسحاه، فقام، فآمن حبيب، وفشا الخبر، فَشُفِي على أيديهما خلق كثير، فدعاهما الملك، وقال : ألنا إِلهٌ سوى آلهتنا ؟ فقالا : نعم، مَن أوجدك وآلهتك، فقال : قُوما حتى أنظر في أمركما، فحبسهما.
ثم بعث عيسى عليه السلام شمعونَ، فدخل متنكراً، وعاشر حاشية الملك، حتى استأنسوا به، ورفعوا خبره إلى الملك، فاستأنس به. فقال له ذات يوم : بلغني أنك حبستَ رجلين، فهل سمعتَ قولهما ؟ قال : لا، فدعاهما. فقال شمعون : مَن أرسلكما ؟ فقالا : الله الذي خَلَق كل شيء، ورَزَق كل حيّ، وليس له شريك. فقال : صِفاه وأوجزا، فقالا : يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، قال : وما آيتكما ؟ قالا : ما يتمنّى الملك، فدعا بغلام أكمه، فدعَوا الله، فأبصر الغلامُ، فقال شمعون للملك : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا، فيكون لك وله الشرف ؟ فقال : ليس لي عنك سرٌّ، إن إلهنا لا يُبصر ولا يَسمع، ولا يضر، ولا ينفع. فقال : إِنْ قدر إلهكما على إحياء ميّت آمنا، فدعَوا بغلام مات منذ سبعة أيام، فقام، فقال : إني دخلت في سبعة أودية من النار لِمَا مت عليه من الشرك، وأنا أُحذّركم ما أنتم عليه ! فآمِنوا. قال : وفُتحت أبواب السماء، فرأيت شابّاً حسن الوجه، يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك : مَن هم ؟ قال : شمعون وهذان، فتعجّب الملك. فلمّا رأى شمعون أن قوله أثّر فيه، نصَحه وآمن، وآمن قوم، ومَن لم يؤمن صاح عليهم جبريل، فهلكوا. كما سيذكره بقوله :﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾.
وهذا معنى قوله هنا :﴿ فَكذَّبُوهُما ﴾ أي : فكذّب أصحابُ القرية المرسلين، ﴿ فعَزَّزْنَا ﴾ : قويناهما. وقرأ شعبة بالتخفيف، من : عزّه : غلبه، أي : فغلبنا وقهرنا ﴿ بثالثٍ ﴾ وهو شمعون، وترك ذكر المفعول به ؛ لأنَّ المراد ذكر المعزّز به، وهو شمعون، وما لطف به من التدبير حتى عزّ الحق، وذلّ الباطل. وإذا كان الكلامُ مُنصبًّا إلى غرض من الأغراض جُعل سياقه له وتوجُّهه إليه كأنما سواه مرفوض. ﴿ فقالوا ﴾ أي : الثلاثة لأهلِ القرية :﴿ إِنا إِليكم مُرْسَلُونَ ﴾ من عند عيسى، الذي هو من عند الله. وقيل : كانوا أنبياء من عند الله عزّ وجل أرسلهم إلى قرية، ويرجحه قول الكفرة :﴿ ما أنتم إِلا بشرٌ مثلُنا ﴾ إذ هذه محاورة إنما تقال لمَن ادعى الرسالة، أي : ما أنتم إلا بشر، ولا مزية لكم علينا، ﴿ وما أنزلَ الرحمانُ من شيءٍ ﴾ أي : وحياً، ﴿ إِن أنتم إِلا تكْذِبون ﴾ فيما تدعون من الرسالة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً، ثم شكّ فيه، وَدَفَعَهُ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه، ثم عزّزه بثالث، وجب تصديقه والعمل بما يقول، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب ؛ لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلّى فيه إلا الحق، وإلا وجب اتهامه، حتى يتبين وجهه. وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين. وبالله التوفيق.

﴿ قالوا ربُّنا يعلمُ إِنا إِليكم لمرسَلون ﴾ أكَّد الثاني باللام دون الأول ؛ لأن الأول مجرد إخبار، والثاني جواب عن إنكار، فيحتاج إلى زيادة تأكيد. و﴿ ربنا يعلم ﴾ جارٍ مجرى القسم في التأكيد، وكذلك قولهم : شَهِد الله، وعَلِمَ اللهُ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً، ثم شكّ فيه، وَدَفَعَهُ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه، ثم عزّزه بثالث، وجب تصديقه والعمل بما يقول، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب ؛ لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلّى فيه إلا الحق، وإلا وجب اتهامه، حتى يتبين وجهه. وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين. وبالله التوفيق.
﴿ وما علينا إِلا البلاغُ المبينُ ﴾ أي : التبليغ الظاهر، المكشوف بالآيات الظاهرة الشاهدة بصحته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً، ثم شكّ فيه، وَدَفَعَهُ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه، ثم عزّزه بثالث، وجب تصديقه والعمل بما يقول، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب ؛ لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلّى فيه إلا الحق، وإلا وجب اتهامه، حتى يتبين وجهه. وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين. وبالله التوفيق.
﴿ قالوا إِنا تَطَيَّرْنا بكم ﴾ تشاءمنا بكم. وذلك أنهم كرهوا دينهم، ونفرت منه نفوسهم. وعادة الجهّال أن يتيمّنوا بكل شيء مالوا إليه، وَقَبِلَتْهُ طباعُهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه، وكرهوه، فإن أصابهم بلاء، أو نعمة، قالوا : بشؤم هذا، وبركة ذلك. وقيل : حبس عنهم المطر، فقالوا ذلك. وقيل : ظهر فيهم الجذام، وقيل : اختلفت كلماتهم. ثم قالوا لهم :﴿ لئن لم تَنْتَهوا ﴾ عن مقالتكم هذه ﴿ لَنَرْجُمَنَّكُم ﴾ لنقتلنكم بالحجارة، أو : لنطردنّكم، أو : لنشتمنكم، ﴿ وَلَيَمَسَّنكم منا عذابٌ أليم ﴾ وليصيبنّكم منا عذاب الحريق، وهو أشد العذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً، ثم شكّ فيه، وَدَفَعَهُ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه، ثم عزّزه بثالث، وجب تصديقه والعمل بما يقول، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب ؛ لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلّى فيه إلا الحق، وإلا وجب اتهامه، حتى يتبين وجهه. وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين. وبالله التوفيق.
﴿ قالوا ﴾ أي : الرسل ﴿ طائِرُكُم ﴾ سبب شؤمكم ﴿ معكم ﴾ وهو الكفر، ﴿ أَئِن ذُكِّرتُم ﴾ أي : وُعظتم، ودُعيتم إلى الإسلام تطيّرتم، وقلتم ما قلتم، ﴿ بل أنتم قوم مُّسْرِفُون ﴾ مجاوزون الحد في العصيان، فمن ثَمَّ أتاكم الشؤم، لا من قِبَلِ الرسل. أو : بل أنتم قوم مسرفون في ضلالكم وغيّكم، حيث تتشاءمون بمَن يجب التبرُّك به من رسل الله عليهم الصلاة والسلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً، ثم شكّ فيه، وَدَفَعَهُ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه، ثم عزّزه بثالث، وجب تصديقه والعمل بما يقول، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب ؛ لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلّى فيه إلا الحق، وإلا وجب اتهامه، حتى يتبين وجهه. وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين. وبالله التوفيق.
ثم تمم القصة، فقال :
﴿ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ * ﴿ اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ * ﴿ وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ * ﴿ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ ﴾ * ﴿ إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ * ﴿ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾ * ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وجاء من أقصى المدينةِ رجل يسعى ﴾ وهو حبيب النجار، وكان في غارٍ من الجبل يعبد الله، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم، وأظهر دينه. قال القشيري : في القصة أنه جاء من قرية فسمَّاها مدينة، وقال : من أقصاها، ولم يكن بينهما تفاوت كثير، وكذلك أجرى سُنَّته في استكثار القليل من فِعْلِ عَبْدِه، إذا كان يرضاه، ويستنزِرُ الكثيرَ من فضله إذا بَذَلَه وأعطاه. ه.
ولما قَدِم سألهم : أتطلبون على ما تقولون أجراً ؟ فقالوا : لا، ﴿ قال يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا مَن لا يسأَلُكُم أجراً ﴾ على تبليغ الرسالة ﴿ وهم مهتدون ﴾ على جادة الهداية والنصح وتبليغ الرسالة. فقالوا : وأنت على دين هؤلاء ؟ فقال :﴿ وما لي لا أعبدُ الذي فطرني ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أحبُّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفي الحديث :" لئن يهدي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النِّعَم٣ " فينبغي لمَن أراد الظفر بمحبة الحبيب، وينال منه الحظوة والتقريب، أن يتحمّل المشاق في إرشاد عباد الله، ويستعمل الأسفار في ذلك، لينال عنده الجاه الكبير، والقُرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنِّه وكرمه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:ثم تمم القصة، فقال :
﴿ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ * ﴿ اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ * ﴿ وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ * ﴿ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ ﴾ * ﴿ إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ * ﴿ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾ * ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وجاء من أقصى المدينةِ رجل يسعى ﴾ وهو حبيب النجار، وكان في غارٍ من الجبل يعبد الله، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم، وأظهر دينه. قال القشيري : في القصة أنه جاء من قرية فسمَّاها مدينة، وقال : من أقصاها، ولم يكن بينهما تفاوت كثير، وكذلك أجرى سُنَّته في استكثار القليل من فِعْلِ عَبْدِه، إذا كان يرضاه، ويستنزِرُ الكثيرَ من فضله إذا بَذَلَه وأعطاه. ه.
ولما قَدِم سألهم : أتطلبون على ما تقولون أجراً ؟ فقالوا : لا، ﴿ قال يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا مَن لا يسأَلُكُم أجراً ﴾ على تبليغ الرسالة ﴿ وهم مهتدون ﴾ على جادة الهداية والنصح وتبليغ الرسالة. فقالوا : وأنت على دين هؤلاء ؟ فقال :﴿ وما لي لا أعبدُ الذي فطرني ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أحبُّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفي الحديث :" لئن يهدي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النِّعَم٣ " فينبغي لمَن أراد الظفر بمحبة الحبيب، وينال منه الحظوة والتقريب، أن يتحمّل المشاق في إرشاد عباد الله، ويستعمل الأسفار في ذلك، لينال عنده الجاه الكبير، والقُرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنِّه وكرمه.

﴿ وما لي لا أعبدُ الذي فطرني ﴾ : خلقني ﴿ وإِليه تُرجعون ﴾ وفيه التفات من التكلُّم إلى الخطاب، ومقتضى الظاهر : وإليه أرجع. والتحقيق : أن المراد : ما لكم لا تعبدون، لكن لمّا عبَّر عنهم بطريق التكلُّم ؛ تلطّف في الإرشاد، بإيراده في معرض المناصحة لنفسه، وإمحاض النصح، حيث أراد لهم ما أراد لها، جرى على ذلك في قوله :﴿ وإليه ترجعون ﴾ والمراد : تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أحبُّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفي الحديث :" لئن يهدي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النِّعَم٣ " فينبغي لمَن أراد الظفر بمحبة الحبيب، وينال منه الحظوة والتقريب، أن يتحمّل المشاق في إرشاد عباد الله، ويستعمل الأسفار في ذلك، لينال عنده الجاه الكبير، والقُرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنِّه وكرمه.
ثم قال :﴿ أأتخذُ من دونه آلهةً ﴾ يعني الأصنام، ﴿ إِن يُرِدْنِ الرحمانُ بضُرٍّ ﴾ وهو شرطٌ جوابه :﴿ لا تُغْنِ عني شفاعَتُهم شيئاً ولا يُنقِذُون ﴾ من مكروه بالنصر والمظاهرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أحبُّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفي الحديث :" لئن يهدي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النِّعَم٣ " فينبغي لمَن أراد الظفر بمحبة الحبيب، وينال منه الحظوة والتقريب، أن يتحمّل المشاق في إرشاد عباد الله، ويستعمل الأسفار في ذلك، لينال عنده الجاه الكبير، والقُرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنِّه وكرمه.
﴿ إِني إِذاً ﴾ أي : إذا اتخذت إلهاً غيره ﴿ لفي ضلالٍ مبين ﴾ لفي خطأ بيّن، لا يخفى على عاقل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أحبُّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفي الحديث :" لئن يهدي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النِّعَم٣ " فينبغي لمَن أراد الظفر بمحبة الحبيب، وينال منه الحظوة والتقريب، أن يتحمّل المشاق في إرشاد عباد الله، ويستعمل الأسفار في ذلك، لينال عنده الجاه الكبير، والقُرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنِّه وكرمه.
﴿ إِني آمنتُ بربكم فاسمَعُون ﴾ أي : اسمعوا إيماني، لتشهدوا به لي يوم القيامة، فقتله قومُه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أحبُّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفي الحديث :" لئن يهدي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النِّعَم٣ " فينبغي لمَن أراد الظفر بمحبة الحبيب، وينال منه الحظوة والتقريب، أن يتحمّل المشاق في إرشاد عباد الله، ويستعمل الأسفار في ذلك، لينال عنده الجاه الكبير، والقُرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنِّه وكرمه.
ولمَّا مات ﴿ قيل ﴾ له :﴿ ادخُلِ الجنةَ ﴾ فدُفن في أنطاكية، وقبره بها. ولم يقل : قيل له ؛ لأن الكلام مسوق لبيان القول، لا لبيان المقول له ؛ لكونه معلوماً. وفيه دلالة على أن الجنة مخلوقة الآن. وقال الحسن : لَمَّا أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله، فهو في الجنة، ولا يموت إلا بفناء السماوات والأرض، فلما دخل الجنة ورأى نِعَمَهَا، وما أعدّ الله لأهل الإيمان، ﴿ قال يا ليت قومي يعلمون بما غفرَ لي ربي ﴾ أي : بالسبب الذي غفر لي ربي به، ﴿ وجعلني من المكرمين ﴾ بالجنة، وهو الإيمان بالله ورسله، أو : بمغفرة ربي وإكرامي، ف " ما " : موصولة، حُذف عائدها المجرور، لكونه جُرّ بما جُرّ به الموصول، أو : مصدرية، وقيل : استفهامية. ورُدّ بعدم حذف ألفها.
قال الكواشي : تمنى أن يعلم قومُه أنَّ الله قد غفر له، وأكرمه، ليرغب قومُه في اتباع الرسل، فيُسلموا، فنصح قومَه حيًّا وميتاً. وكذلك ينبغي أن يكون كل داع إلى الله تعالى، في المجاهدة والنصيحة لعباد الله، وألاَّ يحقد عليهم إن آذوه، وأن يكظّم كل غيظ يناله بسببهم. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سُبَّاق الأمم ثلاثة : علي بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون١ " ه.
قال القشيري : قد أَبْلَغَ حبيب الوَعْظَ، وصَدَقَ النُّصْح، ولكن كما قالوا وأنشدوا٢ :
وكم سُقْتُ في آثارِكم من نصيحةٍ وقد يستفيد البغةَ المتنصِّحُ
فلمَّا صَدَقَ في حاله، وصَبَرَ على ما لَقِيَ من قومه، ورجع إلى ربه، تلقَّاه بحسن إقباله، وآواه إلى كنف إفضاله، ووجد ما وعده به من لُطْفِ نواله، فتَمنَّى أنْ يعلم قومُه حاله، فَحَقَّقَ مُناة، وأخبر عن حاله، وأنزل فيه خطابه، وعَرَفَ قومُه ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أحبُّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفي الحديث :" لئن يهدي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النِّعَم٣ " فينبغي لمَن أراد الظفر بمحبة الحبيب، وينال منه الحظوة والتقريب، أن يتحمّل المشاق في إرشاد عباد الله، ويستعمل الأسفار في ذلك، لينال عنده الجاه الكبير، والقُرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنِّه وكرمه.

١ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥/٤٩٢..
٢ البيت للعباس بن الفرج الرياشي في الكامل للمبرد ٢/٣٩٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:ولمَّا مات ﴿ قيل ﴾ له :﴿ ادخُلِ الجنةَ ﴾ فدُفن في أنطاكية، وقبره بها. ولم يقل : قيل له ؛ لأن الكلام مسوق لبيان القول، لا لبيان المقول له ؛ لكونه معلوماً. وفيه دلالة على أن الجنة مخلوقة الآن. وقال الحسن : لَمَّا أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله، فهو في الجنة، ولا يموت إلا بفناء السماوات والأرض، فلما دخل الجنة ورأى نِعَمَهَا، وما أعدّ الله لأهل الإيمان، ﴿ قال يا ليت قومي يعلمون بما غفرَ لي ربي ﴾ أي : بالسبب الذي غفر لي ربي به، ﴿ وجعلني من المكرمين ﴾ بالجنة، وهو الإيمان بالله ورسله، أو : بمغفرة ربي وإكرامي، ف " ما " : موصولة، حُذف عائدها المجرور، لكونه جُرّ بما جُرّ به الموصول، أو : مصدرية، وقيل : استفهامية. ورُدّ بعدم حذف ألفها.
قال الكواشي : تمنى أن يعلم قومُه أنَّ الله قد غفر له، وأكرمه، ليرغب قومُه في اتباع الرسل، فيُسلموا، فنصح قومَه حيًّا وميتاً. وكذلك ينبغي أن يكون كل داع إلى الله تعالى، في المجاهدة والنصيحة لعباد الله، وألاَّ يحقد عليهم إن آذوه، وأن يكظّم كل غيظ يناله بسببهم. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سُبَّاق الأمم ثلاثة : علي بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون١ " ه.
قال القشيري : قد أَبْلَغَ حبيب الوَعْظَ، وصَدَقَ النُّصْح، ولكن كما قالوا وأنشدوا٢ :
وكم سُقْتُ في آثارِكم من نصيحةٍ وقد يستفيد البغةَ المتنصِّحُ
فلمَّا صَدَقَ في حاله، وصَبَرَ على ما لَقِيَ من قومه، ورجع إلى ربه، تلقَّاه بحسن إقباله، وآواه إلى كنف إفضاله، ووجد ما وعده به من لُطْفِ نواله، فتَمنَّى أنْ يعلم قومُه حاله، فَحَقَّقَ مُناة، وأخبر عن حاله، وأنزل فيه خطابه، وعَرَفَ قومُه ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أحبُّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وأنصحهم لهم. وفي الحديث :" لئن يهدي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النِّعَم٣ " فينبغي لمَن أراد الظفر بمحبة الحبيب، وينال منه الحظوة والتقريب، أن يتحمّل المشاق في إرشاد عباد الله، ويستعمل الأسفار في ذلك، لينال عنده الجاه الكبير، والقُرب العظيم. حققنا الله بذلك بمنِّه وكرمه.

١ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥/٤٩٢..
٢ البيت للعباس بن الفرج الرياشي في الكامل للمبرد ٢/٣٩٢..

﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده ﴾ أي : من بعد قتله، أو رفعه ﴿ من جُندٍ من السماء ﴾ فيهلكهم، ﴿ وما كنا مُنزِلينَ ﴾ وما كان يصحّ في حكمنا في إهلاك قوم أن نُنزل عليهم جنداً من السماء، كما فعلنا معك يوم بدر والخندق ؛ لحظوتك عندنا. وفيه تحقير لإهلاكهم، وتعظيم لشأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في الكشاف : فإن قلت : لِمَ أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق، مع أنه كان يكفي ملك واحد، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة واحدة ؟ قلت : لأن الله فضَّل محمداً صلى الله عليه وسلم بكل شيء، على كبار الأنبياء وأولي العزم، فضلاً عن حبيب النجار. ه. ملخصاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل وعيد ورد في مُكذِّبي الرسل يجر ذيله على مُكذِّبي الأولياء ؛ لأنهم خلفاء الأنبياء، إلا أن عقوبة مؤذي الأولياء، تارة تكون ظاهرة، في الأبدان والأموال، وتارة باطنة في قسوة القلوب، والتعويق عن صالح الأعمال، وكسْف نور الإيمان والإسلام، والبُعد وسوء الختام، وهي الحسرة العظمى، كما قال تعالى :﴿ يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ * ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ * ﴿ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾.
﴿ إِن كانت ﴾ العقوبة ﴿ إِلا صيحةً واحدةً ﴾ صاح عليهم جبريل عليه السلام ﴿ فإِذا هم خامِدُون ﴾ ميتون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل وعيد ورد في مُكذِّبي الرسل يجر ذيله على مُكذِّبي الأولياء ؛ لأنهم خلفاء الأنبياء، إلا أن عقوبة مؤذي الأولياء، تارة تكون ظاهرة، في الأبدان والأموال، وتارة باطنة في قسوة القلوب، والتعويق عن صالح الأعمال، وكسْف نور الإيمان والإسلام، والبُعد وسوء الختام، وهي الحسرة العظمى، كما قال تعالى :﴿ يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ * ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ * ﴿ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ يا حسرةً على العبادِ ﴾ : تعالى، فهذا أوان حضورك. ثم بيّن لأي شيء كانت الحسرة عليهم، فقال :﴿ ما يأتيهم من رسولٍ ﴾ من عند الله ﴿ إِلا كانوا به يستهزئون ﴾، فإن المستهزئين بالناصحين المخلصين، المنوط بنصحهم خير الدارين، أحقّاء بأن يتحسَّروا، ويتحسَّر عليهم المتحسِّرون، ويتلهَّف المتلهِّفون، أو هم مُتَحَسّر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يا حسرةً على العباد، ما يأتيهم من داع يدعو إلى الله، على طريق التربية الكاملة، إلا كانوا به يستهزئون. ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون، ماتوا على الغفلة والحجاب، وكلهم محضرون للعتاب والحساب، ماتوا محجوبين، ويبعثون محجوبين ؛ لإنكارهم في الدنيا مَن يرفع عنهم الحجاب، ويفتح لهم الباب، وهم شيوخ التربية، الموجودون في كل زمان. أو : يا حسرةً على المتوجهين، ما يأتيهم من وارد على قلوبهم إلا كانوا به يستهزئون، ولو فهموا عن الله لعملوا بما يرد على قلوبهم الصافية.
قلت :﴿ كم أهلكنا ﴾ معلّقة ليَرَوُا عن المفعولين. و﴿ أنهم ﴾ : بدل من ﴿ كم ﴾، والتقدير : ألم يَرَوا كثرة إهلاكنا قبلهم من القرون كونهم غير راجعين إليهم.
﴿ أَلم يَرَوا كم أهلكنا قَبْلَهم من القُرونِ ﴾ أي : ألم يعلموا كثرة إهلاكنا قبلهم من القرون الماضية، ﴿ أَنهم إِليهم لا يَرجِعُونَ ﴾ أي : كونهم غير راجعين إليهم أبداً حتى يلحقوا بهم، ففيهم عبرة وموعظة لمَن يتعظ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يا حسرةً على العباد، ما يأتيهم من داع يدعو إلى الله، على طريق التربية الكاملة، إلا كانوا به يستهزئون. ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون، ماتوا على الغفلة والحجاب، وكلهم محضرون للعتاب والحساب، ماتوا محجوبين، ويبعثون محجوبين ؛ لإنكارهم في الدنيا مَن يرفع عنهم الحجاب، ويفتح لهم الباب، وهم شيوخ التربية، الموجودون في كل زمان. أو : يا حسرةً على المتوجهين، ما يأتيهم من وارد على قلوبهم إلا كانوا به يستهزئون، ولو فهموا عن الله لعملوا بما يرد على قلوبهم الصافية.
و﴿ وإِن كُلٌّ لمَّا جميع ﴾ : من قرأ " لما " بالتخفيف، فإن : مخففة، واللام : فارقة، و " ما " مزيدة، أي : وإنه، أي : الأمر والشأن لَجميعٌ محضرون عندنا. ومَن قرأها بالتشديد ؛ فإِنْ : نافية، و " لَمَّا " : بمعنى إلا، أي : ما كُلهم إلا مجموعون ومُحضرون للحساب.
﴿ وإِن كلٌّ لما جميعٌ لدينا مُحْضَرُون ﴾ أي : وإن كلهم مجموعون محضرون للحساب، أو معذَّبون. وإنما أخبر عن " كل " بجميع ؛ لأن " كل " تفيد معنى الإحاطة. والجميع : فعيل، بمعنى مفعول، ومعناه : الاجتماع، والمعنى : أن المحشر يجمعهم، فكلهم مجموعون مُحضرون للحساب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يا حسرةً على العباد، ما يأتيهم من داع يدعو إلى الله، على طريق التربية الكاملة، إلا كانوا به يستهزئون. ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون، ماتوا على الغفلة والحجاب، وكلهم محضرون للعتاب والحساب، ماتوا محجوبين، ويبعثون محجوبين ؛ لإنكارهم في الدنيا مَن يرفع عنهم الحجاب، ويفتح لهم الباب، وهم شيوخ التربية، الموجودون في كل زمان. أو : يا حسرةً على المتوجهين، ما يأتيهم من وارد على قلوبهم إلا كانوا به يستهزئون، ولو فهموا عن الله لعملوا بما يرد على قلوبهم الصافية.
ثم ذكر دلائل قدرته على البعث والإحضار، فقال :
﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ( ٣٣ ) ﴾ * ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴾ * ﴿ لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ * ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَق الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
قلت :﴿ وآية لهم ﴾ : مبتدأ، وجملة ﴿ الأرضُ الميتة ﴾ : خبر.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وآية لهم الأرضُ الميتةُ أحييناها ﴾ أي : وعلامة لهم تدلُّ على أن الله يبعثُ الموتى، ويُحضرهم للحساب، إحياءُ الأرض اليابسة بالمطر، فاهتزت وربت بالنبات. ﴿ وأخرجنا منها حَبّاً ﴾ : جنس الحب، ﴿ فمنه يأكلون ﴾ : هم وأنعامهم. وقدَّم الظرف ليدل على أن الحبّ هو الشيء الذي يتعلق به معظمُ العيش، ويقوم، بالارتفاق به، صلاحُ الإنسان، إذا قلَّ جاء القحط، ووقع الضرّ، وإذا فُقد حضر الهلاك، ونزل البلاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وآية لهم النفس الميتة بالجهل أحييناها بالعلم، وأخرجنا منها علماً لَدُنيًّا، فمنه تتقوّت القلوب والأرواح، وجعلنا فيها جناتِ المعارف، من نخيل الحقائق، وأعناب الشرائع، وفجَّرنا فيها من عيون الحِكَم، ليأكلوا من ثمره، ومما عملته أيديهم، من المجاهدات والمكابدات، فإنها تُثمر المشاهدات. سبحان الذي خلق الأزواج كلها من الأحوال، والمقامات، والعلوم، والمعارف، مما يُستخرج من النفوس والأرواح، ومما لا يعلمه إلا الله.
﴿ وجعلنا فيها ﴾ : في الأرض ﴿ جناتٍ ﴾ : بساتين ﴿ من نخيلٍ وأعنابٍ وفجَّرنا فيها من العُيُون ﴾، ﴿ من ﴾ زائدة عند الأخفش، وعند غيره المفعول محذوف، أي : ما تتمتعون به من العيون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وآية لهم النفس الميتة بالجهل أحييناها بالعلم، وأخرجنا منها علماً لَدُنيًّا، فمنه تتقوّت القلوب والأرواح، وجعلنا فيها جناتِ المعارف، من نخيل الحقائق، وأعناب الشرائع، وفجَّرنا فيها من عيون الحِكَم، ليأكلوا من ثمره، ومما عملته أيديهم، من المجاهدات والمكابدات، فإنها تُثمر المشاهدات. سبحان الذي خلق الأزواج كلها من الأحوال، والمقامات، والعلوم، والمعارف، مما يُستخرج من النفوس والأرواح، ومما لا يعلمه إلا الله.
﴿ ليأكلوا من ثَمره ﴾ أي : من ثمر الله، أي : ليأكلوا مما خلق الله تعالى من الثمر، أو : من ثَمَرة، يخلقها الله من ذلك، على قراءة الأخوين. ﴿ وما عملته أيديهم ﴾ أي : ومما عملته أيديهم من الغرس، والسقي، والتلقيح، وغير ذلك، مما تتوقف عليه في عالم الحكمة، إلى أن يبلغ الثمر منتهاه. يعني : أن الثمر في نفسه فعل الله، وفيه آثارٌ من عمل ابن آدم، حكمةً، وتغطيةً لأسرار الربوبية. وأصله : من ثمرنا، كما قال :﴿ وجعلنا ﴾
﴿ وفجرنا ﴾، فالتفت إلى الغيبة. ويجوز أن يرجع الضميرُ إلى النخيل، ويترك الأعناب غير مرجوع إليها ؛ لأنه عُلم أنها في حكم النخيل.
وقيل :﴿ ما ﴾ نافية، على أن الثمرة خلق الله، ولم تعمله أيدي الناس، ولا يقدرون عليه. ﴿ أفلا يشكرون ﴾ الله على هذه النعم الجسيمة ؟ وهو حثّ على الشُكر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وآية لهم النفس الميتة بالجهل أحييناها بالعلم، وأخرجنا منها علماً لَدُنيًّا، فمنه تتقوّت القلوب والأرواح، وجعلنا فيها جناتِ المعارف، من نخيل الحقائق، وأعناب الشرائع، وفجَّرنا فيها من عيون الحِكَم، ليأكلوا من ثمره، ومما عملته أيديهم، من المجاهدات والمكابدات، فإنها تُثمر المشاهدات. سبحان الذي خلق الأزواج كلها من الأحوال، والمقامات، والعلوم، والمعارف، مما يُستخرج من النفوس والأرواح، ومما لا يعلمه إلا الله.
﴿ سبحانَ الذي خلق الأزواجَ ﴾ : الأصناف ﴿ كُلَّها مما تُنبتُ الأرضُ ﴾ من النخيل، والشجر، والزرع، والثمار، كيف جعلها مختلفة في الطعوم، والروائح، والشكل، والهيئة، واختلاف أوراق الأشجار، وفنون أغصانها، وأصناف نورها وأزهارها، واختلاف أشكال ثمارها، في تفرُّدها واجتماعها، مع ما بسط فيها من الطبائع الأربع : من الحرورة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، وما فيها من المنافع المتنوعة. ﴿ ومن أنفسِهم ﴾ الأولاد ؛ ذكوراً وإناثاً، ﴿ ومما لا يعلمون ﴾ من أصنافٍ لم يُطلعهم الله عليها، ولم يتوصَّلوا إلى معرفتها، ففي البحار عجائب لا يعلمها الناس. قال تعالى :﴿ وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ النحل : ٨ ]. وفائدة التنزيه : نفي تشبيه الذات بشيء من هذه الأزواج. والله تعالى أعلم.
قال القشيري : والعَجَبُ مِمَّن يُنكر أصول الدين، ويقول : ليس في الكتاب عليه دليل، وأكثر ما في القرآن من الآيات تدل على سبيل الاستدلال، ولكن يَهْدِي لنوره مَن يشاء، ولو أنهم أنصفوا واشتغلوا بأهم شيءٍ لهم ما ضيَّعوا أصول الدين، ورضوا فيها بالتقليد، وادَّعَوْا في الفروع رتبة الإمامة والتصدير، وفي معناها قيل :
يا مَنْ تصدَّرَ في دَسْتِ الإمامة من مسائل الفقه إمْلاءً وتدْريسا
غَفَلْتَ عن حججِ التوحيد تُحْكِمُها شيَّدتَ فرعاً وما مَهَّدتَ تأسيسا ! ه
قلت : وحاصله : مدح علم الأصول وترك علم أصل الأصل، وهو علم التوحيد الخاص، أعني الشهود والعيان. وقد قلتُ في ذلك : تذليلاً :
يا مَنْ تصدّى لعلم الأصل يُحكمه قد فاتك الذوق بالوجدان مستأنسا
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وآية لهم النفس الميتة بالجهل أحييناها بالعلم، وأخرجنا منها علماً لَدُنيًّا، فمنه تتقوّت القلوب والأرواح، وجعلنا فيها جناتِ المعارف، من نخيل الحقائق، وأعناب الشرائع، وفجَّرنا فيها من عيون الحِكَم، ليأكلوا من ثمره، ومما عملته أيديهم، من المجاهدات والمكابدات، فإنها تُثمر المشاهدات. سبحان الذي خلق الأزواج كلها من الأحوال، والمقامات، والعلوم، والمعارف، مما يُستخرج من النفوس والأرواح، ومما لا يعلمه إلا الله.
ثم ذكر برهانا آخر، فقال :
﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴾ * ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ * ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ * ﴿ لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وآيةٌ لهم الليلُ نسْلَخُ منه النهارَ ﴾ : نُخرج منه النهار، إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوء النهار. مستعار من : سلخ الجلد عن الشاة، أو : ننزع عنه الضوء نزع القميص الأبيض، فيعري نفس الزمان، كشخص أسود، نزع عنه قميص أبيض ؛ لأن أصل ما بين السماء والأرض من الهواء : الظلمة، فاكتسى بعضه ضوء الشمس، كبيت مظلم أُسرج فيه، فإذا غاب السراج أظلم. ﴿ فإِذا هم مُّظلِمُونَ ﴾ : داخلون في الظلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وآيةٌ لهم ليلُ الغفلة نسلخ منه نهارَ اليقظة، ونهارُ اليقظة، نسلخ منه ليلَ الغفلة، فلا يزال العبد بين غفلة ويقظة، حتى تُشرق عليه شمس العرفان، وتستقر في قلبه، فلا غروب لها، وإليه الإشارة بقوله :﴿ والشمس تجري لمستقرٍ لها ﴾، ومستقرها : قلوب العارفين. وقمر الإيمان قدَّرناه منازل، ينقص ويزيد، بزيادة التفرُّع والتوجُّه ونقصانه، حتى تطلع عليه شمس العرفان، فينسخ نوره، فلا زيادة ولا نقصان. قال القشيري : فشبيهُ الشمس عارفٌ أبداً في ضياء معرفته، صاحبُ تمكينٍ، غيرُ مُتَلَوِّنٍ، شُرفَ في بروج سعادته قائماً، لا يأخذه كسوفٌ، ولا يستره سحابٌ. وشبيهُ القمر عبدٌ تلوّن أحوالُه في التنقُّل، صاحب تلوين، له من البسط ما يرقيه إلى حَدِّ الوصال، ثم يُرَدُّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان فيه من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقص أمره إلى أن يدفع قلبه عن وقته، ويجود عليه الحقُّ سبحانه، فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته، وإفاقته من سَكَرتِهِ، فلا يزال تصفو أحواله، إلى أن يَقْرُبَ من الوصال، ويُرزقَ صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال، كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله، وأنشدوا :
كُلَّ يومٍ تَـتَـلَـونْ غيرُ هذا بِكَ أجمل. هـ.

﴿ و ﴾ آية لهم أيضاً ﴿ الشمسُ تجري لمُسْتَقَرٍّ لها ﴾ لحدّ لها مؤقّت، تنتهي إليه من فَلكِها في آخر السنة. شبهت بمستقرّ المسافر إذا انتهى سفره، أو : لحدّ لها من مسيرها كلّ يوم في مرائي عيون الناس، وهو المغرب. وفي الحديث الصحيح من طريق أبي ذرٍّ :" إنها تسجد كل يوم تحت العرش، فتستأذن، فيُؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يُؤذن لها، فتَطلُعُ من مغربها "، ذرٍّ قال صلى الله عليه وسلم :" وذلك قوله :﴿ والشمس تجري لمستقر لها١ ".
وعن ابن عباس : أن الشمس بمنزلة السانية، تجري بالنهار في السماء في فلكها، فإذا غربت جرت في الليل تحت الأرض في فَلَكِها، حتى تطلع من مشرقها، وكذلك القمر. كذا نقل الكواشي عنه. ولعله لا يناقض ما جاء في الحديث، من أنها تسجد تحت العرش، لإحاطة العرش بالجميع، فهي حيث ما انتهت تحته. ونقل الأقليشي من حديث عكرمة، عن ابن عباس :( ما طلعت شمس حتى ينخسها سبعون ألف ملك، فيقولون لها : اطلعي، فتقول : لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله، فيأتيها ملك من الله، فيأمرها بالطلوع، فتستقل بضياء بني آدم، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع، فتطلع بين قرينه، فيحرقه الله تعالى تحتها، وما غربت شمس قط إلا خرَّت لله ساجدة، فيأتيها شيطان، يُريد أن يصدها عن السجود، فتغرب بين قرنيه، فيحرقه الله تعالى، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" ما طلعت شمس إلا بين قرنَي الشيطان، ولا غربت إلا بين قرنَي الشيطان٢ " ه. على نقل شيخ شيوخنا الفاسي.
وقرأ ابن عباس وابن مسعود :" تجري لا مستقر لها "، ومعناها : إنها جارية أبداً، لا تثبت في مكان. وقراءة الجماعة أوفق بالحديث. ﴿ ذلك تقديرُ العزيزِ الحكيمِ ﴾ أي : ذلك الجري على ذلك التقدير البديع، والحساب الدقيق، تقدير الغالب بقدرته على كل مقدور، العليم بكل معلوم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وآيةٌ لهم ليلُ الغفلة نسلخ منه نهارَ اليقظة، ونهارُ اليقظة، نسلخ منه ليلَ الغفلة، فلا يزال العبد بين غفلة ويقظة، حتى تُشرق عليه شمس العرفان، وتستقر في قلبه، فلا غروب لها، وإليه الإشارة بقوله :﴿ والشمس تجري لمستقرٍ لها ﴾، ومستقرها : قلوب العارفين. وقمر الإيمان قدَّرناه منازل، ينقص ويزيد، بزيادة التفرُّع والتوجُّه ونقصانه، حتى تطلع عليه شمس العرفان، فينسخ نوره، فلا زيادة ولا نقصان. قال القشيري : فشبيهُ الشمس عارفٌ أبداً في ضياء معرفته، صاحبُ تمكينٍ، غيرُ مُتَلَوِّنٍ، شُرفَ في بروج سعادته قائماً، لا يأخذه كسوفٌ، ولا يستره سحابٌ. وشبيهُ القمر عبدٌ تلوّن أحوالُه في التنقُّل، صاحب تلوين، له من البسط ما يرقيه إلى حَدِّ الوصال، ثم يُرَدُّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان فيه من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقص أمره إلى أن يدفع قلبه عن وقته، ويجود عليه الحقُّ سبحانه، فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته، وإفاقته من سَكَرتِهِ، فلا يزال تصفو أحواله، إلى أن يَقْرُبَ من الوصال، ويُرزقَ صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال، كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله، وأنشدوا :
كُلَّ يومٍ تَـتَـلَـونْ غيرُ هذا بِكَ أجمل. هـ.


١ أخرجه البخاري في بدء الخلق حديث ٣١٩٩، ومسلم في الإيمان حديث ٢٥١..
٢ أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ١٥٢٤١، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٣/١٢٤..
﴿ والقمرَ قدَّرناه ﴾ من نصبه ؛ فبِفِعْل مضمر، ومن رفعه ؛ فمبتدأ، والخبر :﴿ قدَّرناه منازلَ ﴾ وهي ثمانية وعشرون منزلاً : فرع الدلو المقدم، فرع الدلو المؤخر، بطن الحوت، النطْح، البُطَيْن، الثُّريَّا، الدَّبَران، الهَقْعَة، الهَنْعَة، الذِّراع، النَّثْرة، الصَّرْفَة، الجَبْهَة، الطَّرْفة، الزَّبرة، العَوَّاء، السِّمَاك، الغَفْر، الزَّبَاني، الإِكْليل، القَلْب، الشَّوْلة، النعَائِم، البَلَدة، سَعْدُ الذَّابح، سعد السُّعُود، سَعْد الأخبية، ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتخطاها، ولا يتقاصر عنها. على تقدير مستوٍ، يسيرُ فيها من ليلة المستهلّ إلى الثامنة والعشرين، ثم يستتر ليلتين، أو ليلة إذا نقص الشهر. ولا بد في ﴿ قدّرناه منازلَ ﴾ من تقدير مضاف ؛ أي : قدّرنا سيره، أو نوره، فيزيد وينقص، إذ لا معنى لتقدير القمر منازل، فيكون " منازل " ظرفاً.
فإذا كان في آخر منازله، دقّ وتقوّس، ﴿ حتى عادَ كَالعُرْجُون ﴾ أي : كالشّمراخ، وهو عنقود التمر إذا يبس واعوج. ووزنه فعلون، من الانعطاف، وهو الانعراج، ﴿ القديم ﴾ العتيق المُحْوِل١، وإذا قُدم دقّ، وانحنى، واصفرّ، فشبه القمر به من ثلاثة أوجه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وآيةٌ لهم ليلُ الغفلة نسلخ منه نهارَ اليقظة، ونهارُ اليقظة، نسلخ منه ليلَ الغفلة، فلا يزال العبد بين غفلة ويقظة، حتى تُشرق عليه شمس العرفان، وتستقر في قلبه، فلا غروب لها، وإليه الإشارة بقوله :﴿ والشمس تجري لمستقرٍ لها ﴾، ومستقرها : قلوب العارفين. وقمر الإيمان قدَّرناه منازل، ينقص ويزيد، بزيادة التفرُّع والتوجُّه ونقصانه، حتى تطلع عليه شمس العرفان، فينسخ نوره، فلا زيادة ولا نقصان. قال القشيري : فشبيهُ الشمس عارفٌ أبداً في ضياء معرفته، صاحبُ تمكينٍ، غيرُ مُتَلَوِّنٍ، شُرفَ في بروج سعادته قائماً، لا يأخذه كسوفٌ، ولا يستره سحابٌ. وشبيهُ القمر عبدٌ تلوّن أحوالُه في التنقُّل، صاحب تلوين، له من البسط ما يرقيه إلى حَدِّ الوصال، ثم يُرَدُّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان فيه من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقص أمره إلى أن يدفع قلبه عن وقته، ويجود عليه الحقُّ سبحانه، فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته، وإفاقته من سَكَرتِهِ، فلا يزال تصفو أحواله، إلى أن يَقْرُبَ من الوصال، ويُرزقَ صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال، كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله، وأنشدوا :
كُلَّ يومٍ تَـتَـلَـونْ غيرُ هذا بِكَ أجمل. هـ.


١ العتيق المحول: أي مر عليه الحول، والحول: العام فصاعدا..
﴿ لا الشمسُ ينبغي لها ﴾ يصح ويستقيم لها ﴿ أن تُدرِكَ القَمَرَ ﴾ فتجتمع معه في وقتٍ واحد، وتداخله في سلطانه، فتطمس نوره قبل تمام وقته ؛ لأن لكلِّ واحد من النيّرين سلطاناً على حياله، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل. ﴿ ولا الليلُ سابقُ النهارِ ﴾ ولا يسبق الليل النهار، أي : آيةَ الليل لا تسبق آيةَ النهار، وهي النيّران. ولا يزال الأمرُ على هذا الترتيب إلى أن تقوم الساعة، فيجمع الله بين الشمس والقمر، ويُكوران ويُرميان في النار، ﴿ وكلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُون ﴾ أي : وكلهم في فلك يسبحون ؛ يسيرون ؛ فالتنوين للعوض ؛ والضمير للشمس والقمر ؛ فإنَّ اختلاف الأحوال يُوجب تعدُّداً ما في الذات، أو : للكواكب ؛ فإن ذكر النيرين مشعر بها ﴿ وكل في فلك يسبحون ﴾ يقرأ مقلوباً ومرتّباً، ففيه نوع من البديع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وآيةٌ لهم ليلُ الغفلة نسلخ منه نهارَ اليقظة، ونهارُ اليقظة، نسلخ منه ليلَ الغفلة، فلا يزال العبد بين غفلة ويقظة، حتى تُشرق عليه شمس العرفان، وتستقر في قلبه، فلا غروب لها، وإليه الإشارة بقوله :﴿ والشمس تجري لمستقرٍ لها ﴾، ومستقرها : قلوب العارفين. وقمر الإيمان قدَّرناه منازل، ينقص ويزيد، بزيادة التفرُّع والتوجُّه ونقصانه، حتى تطلع عليه شمس العرفان، فينسخ نوره، فلا زيادة ولا نقصان. قال القشيري : فشبيهُ الشمس عارفٌ أبداً في ضياء معرفته، صاحبُ تمكينٍ، غيرُ مُتَلَوِّنٍ، شُرفَ في بروج سعادته قائماً، لا يأخذه كسوفٌ، ولا يستره سحابٌ. وشبيهُ القمر عبدٌ تلوّن أحوالُه في التنقُّل، صاحب تلوين، له من البسط ما يرقيه إلى حَدِّ الوصال، ثم يُرَدُّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان فيه من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقص أمره إلى أن يدفع قلبه عن وقته، ويجود عليه الحقُّ سبحانه، فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته، وإفاقته من سَكَرتِهِ، فلا يزال تصفو أحواله، إلى أن يَقْرُبَ من الوصال، ويُرزقَ صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال، كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله، وأنشدوا :
كُلَّ يومٍ تَـتَـلَـونْ غيرُ هذا بِكَ أجمل. هـ.

ثم ذكر دليلا آخر، فقال :
﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ * ﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ * ﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ﴾ * ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وآية لهم أنَّا حَمَلْنا ذُريتَهُم ﴾ أولادهم، الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم، أو صبيانهم ونسائهم الذين يستصحبونهم ؛ فإن الذرية تقع عليهن ؛ لأنهن مزارعها. وتخصيصهم ؛ لأن استقرارهم في السفن أشق، وتماسكهم فيها أعجب، أو خصهم ؛ لضعفهم عن السفر، فالنعمة فيهم أظهر. فحملناهم ﴿ في الفلك المشحونِ ﴾ : المملوء، والظاهر : أن الضمير في " ذريتهم " للجنس. كأنه قال : ذُريات جنسهم ونوعهم. قال ابن عباس وجماعة : يريد بالذُريَّات المحمولين : أصحابَ نوح في السفينة، ويريد بقوله :﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ : السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة، وإياها عنى بقوله :﴿ وإن نشأ نُغرقهم. . . ﴾ الخ. وأما إطلاق الذرية على الآباء، فقال ابن عطية : لا يُعرف لغة، وإنما المراد بالذرية الجنس، أو حقيقة ما تقدّم. وعليه يكون قوله :﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ يراد به الإبل ؛ فإنها سفن العرب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا عامت أفكار العارفين، في بحار التوحيد، وأسرار التفريد، تلاطمت عليها أمواج الدهش من كبرياء الله، فإن سبق لها سابق عناية الاعتدال ؛ أوت إلى سفينة الشريعة، بعد ركوبها في فلك الحقيقة، وإليه الإشارة في قوله :﴿ حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾. وإن لم تسبق له عناية، غَرِقَ في بحر الزندقة والإلحاد، كما قال تعالى :﴿ وإن نشأ نُغرقهم فلا صريخ لهم ﴾ من شيخ كامل، ولا هم يُنقذون إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين الكمال، فيعتدل. قال القشيري : الآية إشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة، في بحار التقدير، عند تلاطم أمواجها، بفنونٍ من التغيير والتأثير، وكم من عبدٍ غرق في أشغاله، في ليله ونهاره، لا يستريح لحظةً في كَدِّ أفعاله، ومقاساة التعب من أعماله، وجَمْعِ ماله، بنسيان عاقبته ومآلِه. ثم قال في قوله تعالى :﴿ وإِن نشأ نُغرقهم ﴾ : لولا صفة جُوده وفَضْله ؛ لَحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم، لكنه لحُسْنِ إفضاله، حفظهم في جميع أحوالهم. هـ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:ثم ذكر دليلا آخر، فقال :
﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ * ﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ * ﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ﴾ * ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وآية لهم أنَّا حَمَلْنا ذُريتَهُم ﴾ أولادهم، الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم، أو صبيانهم ونسائهم الذين يستصحبونهم ؛ فإن الذرية تقع عليهن ؛ لأنهن مزارعها. وتخصيصهم ؛ لأن استقرارهم في السفن أشق، وتماسكهم فيها أعجب، أو خصهم ؛ لضعفهم عن السفر، فالنعمة فيهم أظهر. فحملناهم ﴿ في الفلك المشحونِ ﴾ : المملوء، والظاهر : أن الضمير في " ذريتهم " للجنس. كأنه قال : ذُريات جنسهم ونوعهم. قال ابن عباس وجماعة : يريد بالذُريَّات المحمولين : أصحابَ نوح في السفينة، ويريد بقوله :﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ : السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة، وإياها عنى بقوله :﴿ وإن نشأ نُغرقهم... ﴾ الخ. وأما إطلاق الذرية على الآباء، فقال ابن عطية : لا يُعرف لغة، وإنما المراد بالذرية الجنس، أو حقيقة ما تقدّم. وعليه يكون قوله :﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ يراد به الإبل ؛ فإنها سفن العرب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا عامت أفكار العارفين، في بحار التوحيد، وأسرار التفريد، تلاطمت عليها أمواج الدهش من كبرياء الله، فإن سبق لها سابق عناية الاعتدال ؛ أوت إلى سفينة الشريعة، بعد ركوبها في فلك الحقيقة، وإليه الإشارة في قوله :﴿ حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾. وإن لم تسبق له عناية، غَرِقَ في بحر الزندقة والإلحاد، كما قال تعالى :﴿ وإن نشأ نُغرقهم فلا صريخ لهم ﴾ من شيخ كامل، ولا هم يُنقذون إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين الكمال، فيعتدل. قال القشيري : الآية إشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة، في بحار التقدير، عند تلاطم أمواجها، بفنونٍ من التغيير والتأثير، وكم من عبدٍ غرق في أشغاله، في ليله ونهاره، لا يستريح لحظةً في كَدِّ أفعاله، ومقاساة التعب من أعماله، وجَمْعِ ماله، بنسيان عاقبته ومآلِه. ثم قال في قوله تعالى :﴿ وإِن نشأ نُغرقهم ﴾ : لولا صفة جُوده وفَضْله ؛ لَحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم، لكنه لحُسْنِ إفضاله، حفظهم في جميع أحوالهم. هـ.

﴿ وإِن نشأ نُغْرِقُهم ﴾ إذا ركبوا سفن البحر، ﴿ فلا صَرِيخَ لهم ﴾ فلا مغيث، أو : لا مستغيث لهم، وهو أبلغ، أي : لم تبقَ لهم قدرة على الاستغاثة. ﴿ ولا هم يُنْقَذُونَ ﴾ ينجون من الموت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا عامت أفكار العارفين، في بحار التوحيد، وأسرار التفريد، تلاطمت عليها أمواج الدهش من كبرياء الله، فإن سبق لها سابق عناية الاعتدال ؛ أوت إلى سفينة الشريعة، بعد ركوبها في فلك الحقيقة، وإليه الإشارة في قوله :﴿ حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾. وإن لم تسبق له عناية، غَرِقَ في بحر الزندقة والإلحاد، كما قال تعالى :﴿ وإن نشأ نُغرقهم فلا صريخ لهم ﴾ من شيخ كامل، ولا هم يُنقذون إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين الكمال، فيعتدل. قال القشيري : الآية إشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة، في بحار التقدير، عند تلاطم أمواجها، بفنونٍ من التغيير والتأثير، وكم من عبدٍ غرق في أشغاله، في ليله ونهاره، لا يستريح لحظةً في كَدِّ أفعاله، ومقاساة التعب من أعماله، وجَمْعِ ماله، بنسيان عاقبته ومآلِه. ثم قال في قوله تعالى :﴿ وإِن نشأ نُغرقهم ﴾ : لولا صفة جُوده وفَضْله ؛ لَحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم، لكنه لحُسْنِ إفضاله، حفظهم في جميع أحوالهم. هـ.
﴿ إِلا رحمةً منا ومتاعاً إلى حينٍ ﴾ أي : لا ينقذون إلا لرحمة منا، ولتمتيع بالحياة إلى انقضاء الأجل. فهما مفعولان له. وقال بعضهم : الاستثناء راجع لثلاث جمل :" نغرقهم "، " فلا صريخ لهم "، " ولا هم يُنقذون ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا عامت أفكار العارفين، في بحار التوحيد، وأسرار التفريد، تلاطمت عليها أمواج الدهش من كبرياء الله، فإن سبق لها سابق عناية الاعتدال ؛ أوت إلى سفينة الشريعة، بعد ركوبها في فلك الحقيقة، وإليه الإشارة في قوله :﴿ حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾. وإن لم تسبق له عناية، غَرِقَ في بحر الزندقة والإلحاد، كما قال تعالى :﴿ وإن نشأ نُغرقهم فلا صريخ لهم ﴾ من شيخ كامل، ولا هم يُنقذون إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين الكمال، فيعتدل. قال القشيري : الآية إشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة، في بحار التقدير، عند تلاطم أمواجها، بفنونٍ من التغيير والتأثير، وكم من عبدٍ غرق في أشغاله، في ليله ونهاره، لا يستريح لحظةً في كَدِّ أفعاله، ومقاساة التعب من أعماله، وجَمْعِ ماله، بنسيان عاقبته ومآلِه. ثم قال في قوله تعالى :﴿ وإِن نشأ نُغرقهم ﴾ : لولا صفة جُوده وفَضْله ؛ لَحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم، لكنه لحُسْنِ إفضاله، حفظهم في جميع أحوالهم. هـ.
ثم ذكر كفرهم لهذه النعم، فقال :
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ * ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ * ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾.
قلت : جواب " إذا " محذوف، أي : أعرضوا، فدلّ عليه قوله :" معرضين ".
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وإِذا قيل لهم ﴾ أي : كفار قريش :﴿ اتقوا ما بين أيديكُم وما خلفَكُم ﴾ أي : ما تقدّم من ذنوبكم، وما تأخّر مما أنتم تعملونه بعدُ، أو : ما بين أيديكم : ما سلف من مثل الوقائع التي حلَّت بالأمم المكذبة قبلكم، وما خلفكم من أمر الساعة، أو : ما بين أيديكم من فتنة الدنيا، وما خلفكم من عذاب الآخرة. ﴿ لعلكم تُرحمون ﴾ لتكونوا في رجاء رحمة الله، فإذا قيل لهم ذلك أعرضوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وإذا قيل للعامة : اتقوا ما بين أيديكم، من شدائد الدنيا، وما خلفكم، من أهوال الآخرة، لعلكم تُرحمون فيهما ؛ فإن التقوى الكاملة تحفظ الرجل في حياته وبعد مماته، وربما يسري الحفظ إلى عقبه، كما هو مشاهد في عقب أولياء الله. أو : إذا قيل لهم : اتقوا خواطر التدبير فيما بين أيديكم ؛ إذ ليس أمره بيدكم، فجُل ما تبنيه من التدبير تهدمه رياح التقدير، وخواطر التدبير، فيما سلف قبلكم، إذ فيه تحصيل الحاصل، وتعطيل الوقت بلا فائدة. ﴿ لعلكم تُرحمون ﴾ بمقام الرضا، وسكون القلب وراحته تحت مجاري القضاء، أعرضوا وانهمكوا في أودية الغفلة والخواطر. وما تأتيهم من آية دالة على وحدانيته تعالى، وانفراده بالخلق والتدبير، إلا كانوا عنها معرضين.
قال القشيري : هذه صفة مَن سَيَّبَهم في أودية الخذلان، ووَسَمَهم بسِمَة الحرمان، وأصَمَّهم عن سماع الرُّشْد، وصَدَّهم بالخذلان عن سلوك القصد، فلا تأتيهم آيةٌ في الزَّجْرِ إلا قابلوها بإعراضهم، وتجافوا عن الاعتبار بها، على دوام انقباضهم، وإذا أُمِرُوا بالإنفاق والإطعام عارضوا بأنَّ الله رازقُ الأنام، وإذا شاءَ نَظَرَ إليهم بالإِنعام. هـ.

قلت : جواب " إذا " محذوف، أي : أعرضوا، فدلّ عليه قوله :" معرضين ".
قال تعالى :﴿ وما تَأتيهم من آيةٍ من آيات ربهم ﴾ الدالة على وحدانيته تعالى، وصدق رسوله، ﴿ إِلا كانوا عنها معرضين ﴾ لا يلتفتون إليها، ولا يرفعون لها رأساً، ف " من " الأولى لتأكيد النفي، والثاني للتبعيض، أي : دأبهم الإعراض عن كل آية وموعظة.
سورة يس
مكية، وقيل إلا قوله :﴿ ونكتب ما قدموا وآثارهم ﴾ [ يس : ١٢ ] نزلت في بني سلمة، حين أرادوا الانتقال إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم١. وآيها : ثلاث وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله :﴿ فلما جاءهم نذير ﴾ [ فاطر : ٤٢ ] مع قوله :﴿ إنك لمن المرسلين ﴾ فقد حقق هنا نذارته ورسالته بالقسم. وعنه صلى الله عليه وسلم :" يس تدعى المعمة، تعم صاحبها بخير الدارين، والدافعة والقاضية – تدفع عنه كل شر، وتقضي له كل حاجة٢ ". وفي خبر آخر :" يس لما قرئ له " وفي حديث آخر :" ما قرأها خائف إلا أمن، ولا جائع إلا شبع، ولا عطشان إلا روي، ولا عريان إلا كسي، ولا مسجون إلا سرح، ولا عازب إلا تزوج، ولا مسافر إلا أعين، ولا ذو ضالة إلا وجدها ". وقال صلى الله عليه وسلم :" من قرأ يس عند الموت، أو قرئ عليه، أنزل الله بعدد كل حرف منها عشرة من الملائكة، يقفون بين يديه، ويصلون عليه، ويستغفرون له، ويشهدون جنازته ".
١ أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٣٦، حديث ٣٢٢٦..
٢ أخرجه القرطبي في تفسيره ٦/٥٦٠٢..
﴿ وإذا قيل لهم أَنفقوا مما رزقكم اللهُ ﴾ أي : تصدّقوا على الفقراء، ﴿ قال الذين كفروا ﴾ من مشركي مكة ﴿ للذين آمنوا أَنُطْعِمُ من لو يشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنه : كان بمكة زنادقة، فإذا أُمروا بالصدقة على المساكين، قالوا : لا والله، أيُفقره الله ونُطعمه نحن ؟ !. قيل : سبب الآية : أن قريشاً لَمّا أسلم ضعفاؤهم، قطعوا عنهم صِلاتهم، فندبهم بعضُ المؤمنين إلى ذلك، فقالوا تلك المقالة.
وقيل : إن قريشاً شَحَّتْ بسبب أزمة نزلت بهم على المساكين، مؤمِنهم وكافرهم، فندبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة على المساكين، فقالوا على سبيل الجهل : أَنُطعم قوماً أراد الله فقرهم وتعذيبهم. ومن أمثالهم : كن مع الله على المدبر، حتى كان الرجل يرعى إبله، فيجعل السِمَان في الخصب، والمهازيل في الجدب، فإذا قيل له في ذلك، قال : أُكرم ما أَكرم الله، وأُهين ما أهان الله. ويحتمل أن يكون قولهم ذلك استهزاءً، فكأنهم قالوا : لِمَ لا يرزقهم إلهك الذي تزعم.
قال الكواشي : قد يتمسّك بهذه الآية بعضُ البخلاء، فيقول : لا أُعطي مَن حرمه الله. وليس هذا بصحيح ؛ لأن الله تعالى أغنى وأفقر، وجعل للفقير جزءاً من مال الغني كما يشاء. وفي الإحياء : أن المراد بالصدقة وشرعها : التخلُّص من رذيلة البخل، وذلك نفع يعود على المتصدق، بإخراجه عن حب الدنيا، وتعلُّق قلبه بها، الصادّ عن الله، وهؤلاء لم يفهموا حكمة الله، فقالوا ما قالوا. ه. ثم قال :﴿ إِن أنتم إِلا في ضلال مبين ﴾ في أمركم لنا بالنفقة، أو في غير ذلك من دينكم، أو : يكون من قول الله تعالى للكفرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : وإذا قيل للعامة : اتقوا ما بين أيديكم، من شدائد الدنيا، وما خلفكم، من أهوال الآخرة، لعلكم تُرحمون فيهما ؛ فإن التقوى الكاملة تحفظ الرجل في حياته وبعد مماته، وربما يسري الحفظ إلى عقبه، كما هو مشاهد في عقب أولياء الله. أو : إذا قيل لهم : اتقوا خواطر التدبير فيما بين أيديكم ؛ إذ ليس أمره بيدكم، فجُل ما تبنيه من التدبير تهدمه رياح التقدير، وخواطر التدبير، فيما سلف قبلكم، إذ فيه تحصيل الحاصل، وتعطيل الوقت بلا فائدة. ﴿ لعلكم تُرحمون ﴾ بمقام الرضا، وسكون القلب وراحته تحت مجاري القضاء، أعرضوا وانهمكوا في أودية الغفلة والخواطر. وما تأتيهم من آية دالة على وحدانيته تعالى، وانفراده بالخلق والتدبير، إلا كانوا عنها معرضين.
قال القشيري : هذه صفة مَن سَيَّبَهم في أودية الخذلان، ووَسَمَهم بسِمَة الحرمان، وأصَمَّهم عن سماع الرُّشْد، وصَدَّهم بالخذلان عن سلوك القصد، فلا تأتيهم آيةٌ في الزَّجْرِ إلا قابلوها بإعراضهم، وتجافوا عن الاعتبار بها، على دوام انقباضهم، وإذا أُمِرُوا بالإنفاق والإطعام عارضوا بأنَّ الله رازقُ الأنام، وإذا شاءَ نَظَرَ إليهم بالإِنعام. هـ.

ثم ذكر استعجالهم البعث، فقال :
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ * ﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾ * ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ * ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ يا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ * ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ * ﴿ فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ويقولون ﴾ استهزاء :﴿ متى هذا الوعْدُ ﴾ أي : وعد البعث والقيامة ﴿ إِن كنتم صادقين ﴾ فيما تقولون. خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة، والآجلة عاجلة، فيستعد لها قبل هجومها، ويتأهّب للقائها قبل وقوعها، أولئك الأكياس، الذين نظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر الناس إلى ظاهرها، واهتمُّوا بآجالها، حين اغترّ الناس بعاجلها، كما في الحديث في صفة أولياء الله.
قال تعالى :﴿ ما ينظرون ﴾ : ينتظرون ﴿ إِلا صيحةً واحدةً ﴾ هي : النفخة الأولى، ﴿ تأخذُهُم وهم يَخِصِّمُون ﴾ يختصمون، يخصم بعضهم بعضاً في المعاملات، لا يخطر ببالهم أمرها، فتأتيهم بغتة. وقرأ حمزة بسكون الخاء من : خصمه : إذا غلبه في الخصومة. وفتح الباقون، مع الاختلاس والنقل وعدمهما.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة، والآجلة عاجلة، فيستعد لها قبل هجومها، ويتأهّب للقائها قبل وقوعها، أولئك الأكياس، الذين نظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر الناس إلى ظاهرها، واهتمُّوا بآجالها، حين اغترّ الناس بعاجلها، كما في الحديث في صفة أولياء الله.
﴿ فلا يستطيعُون توصيةً ﴾ فلا يستطيعون أن يوصوا في أمورهم بشيء، ﴿ ولا إِلى أهلِهِم يَرجِعُون ﴾ ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم، بل يموتون حيث يسمعون الصيحة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة، والآجلة عاجلة، فيستعد لها قبل هجومها، ويتأهّب للقائها قبل وقوعها، أولئك الأكياس، الذين نظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر الناس إلى ظاهرها، واهتمُّوا بآجالها، حين اغترّ الناس بعاجلها، كما في الحديث في صفة أولياء الله.
﴿ ونُفِخَ في الصُّور ﴾ النفخة الثانية، بعد خُلو الأرض أربعين سنة. والصور : القرن، أو : جمع صورة. ﴿ فإِذا هم من الأَجْدَاثِ ﴾ القبور ﴿ إِلى ربهم يَنْسِلُون ﴾ يُسرعون في المشي إلى المحشر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة، والآجلة عاجلة، فيستعد لها قبل هجومها، ويتأهّب للقائها قبل وقوعها، أولئك الأكياس، الذين نظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر الناس إلى ظاهرها، واهتمُّوا بآجالها، حين اغترّ الناس بعاجلها، كما في الحديث في صفة أولياء الله.
﴿ قالوا يا ويلنا مَن بَعَثَنَا ﴾ مَن أنشرنا ﴿ من مَّرْقَدِنا ﴾ مضجعنا ؟ قال مجاهد وأُبيّ بن كعب : للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور، قالوا يا ويلنا مَن بعثنا ؟ وأنكره ابن عطية، وقال : إنما هو استعارة، كما تقول في قتيل : هذا مرقده إلى يوم القيامة. فتقول الملائكة في جوابهم :﴿ هذا ما وَعَدَ الرحمانُ وَصَدَقَ المرسلون ﴾ أو يقوله المؤمنون، أو : الكفار، يتذكرون ما سمعوه من الرسل، فيُجيبون به أنفسهم، أو بعضهم بعضاً. و " ما " : مصدرية، أي : هذا وَعْدُ الرحمان وصِدق المرسلين، على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدْق. أو : موصولة، أي : هذا الذي وعده الرحمان والذي صَدَقه المرسلون، أي : والذي صدق فيه المرسلون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة، والآجلة عاجلة، فيستعد لها قبل هجومها، ويتأهّب للقائها قبل وقوعها، أولئك الأكياس، الذين نظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر الناس إلى ظاهرها، واهتمُّوا بآجالها، حين اغترّ الناس بعاجلها، كما في الحديث في صفة أولياء الله.
﴿ إِن كانت ﴾ النفخة الأخيرة ﴿ إِلا صيحةً واحدةً فإِذا هم جميع لدينا مُحضَرُون ﴾ للحساب، ثم يقال لهم في ذلك اليوم :﴿ فاليوم لا تُظلمُ نفسٌ شيئاً ولا تُجْزَونَ إِلا ما كنتم تعملون ﴾ من خير أو شر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة، والآجلة عاجلة، فيستعد لها قبل هجومها، ويتأهّب للقائها قبل وقوعها، أولئك الأكياس، الذين نظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر الناس إلى ظاهرها، واهتمُّوا بآجالها، حين اغترّ الناس بعاجلها، كما في الحديث في صفة أولياء الله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:﴿ إِن كانت ﴾ النفخة الأخيرة ﴿ إِلا صيحةً واحدةً فإِذا هم جميع لدينا مُحضَرُون ﴾ للحساب، ثم يقال لهم في ذلك اليوم :﴿ فاليوم لا تُظلمُ نفسٌ شيئاً ولا تُجْزَونَ إِلا ما كنتم تعملون ﴾ من خير أو شر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة، والآجلة عاجلة، فيستعد لها قبل هجومها، ويتأهّب للقائها قبل وقوعها، أولئك الأكياس، الذين نظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر الناس إلى ظاهرها، واهتمُّوا بآجالها، حين اغترّ الناس بعاجلها، كما في الحديث في صفة أولياء الله.

ثم بين الحق تعالى مآلهم، فقال :
﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ﴾ * ﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ ﴾ * ﴿ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ﴾ * ﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ * ﴿ وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾.
قلت :" سلام " : بدل من " ما " أو : خبر عن مضمر، أو : مبتدأ حُذف خبره، أي : من ذلك سلام، وهو أظهر ؛ ليكون عاماً، أي : ولهم كل ما يتمنون، كقوله :﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [ فصلت : ٣١ ] ومن جملة ذلك :﴿ سلام قولاً من رب رحيم ﴾ فيوقف على " ما يدَّعون ". و " قولاً " : منصوب على المصدر المحذوف، أي : يقال لهم " قولاً "، وقيل : على الاختصاص.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِنَّ أَصحابَ الجنةِ اليومَ في شُغلٍ ﴾ بضم الغين وسكونها أي : في شغل لا يوصف ؛ لِعظم بهجته وجماله. فالتنكير للتعظيم، وهو افتضاض الأبكار، على شط الأنهار، تحت الأشجار، أو سماع الأوتار في ضيافة الجبار. وعن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما قيل : يا رسول الله أَنُفْضِي إلى نسائنا في الجنة، كما نُفضي إليهن في الدنيا ؟ قال :" نعم، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليُفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء١ " وعن أبي أمامة : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل يتناكح أهل الجنة ؟ فقال :" نعم، بِذَكَرٍ لا يمَلُّ، وشهوة لا تنقطع، دحْماً دحْماً٢ ". قال في القاموس : دحمه كمنعه : دفعُه شديداً. وعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكاراً٣ "، وفي رواية أبي الدرداء :" ليس في الجنة مَنِّي ". وفي رواية :" بول أهل الجنة عرق يسيل تحت أقدامهم مِسكاً٤ " وعن إبراهيم النخعي : جماع ما شئت، ولا ولد. ه. فإذا اشتهى الولد كان بلا وجع، فقد روى الحاكم والبيهقي عنه عليه الصلاة والسلام :" إن الرجل من أهل الجنة ليولد له الولد، كما يشتهي، فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة ". انظر البدور السافرة.
قلت : والتحقيق أن شغل أهل الجنة مختلف، فمنهم مَن هو مشتغل بنعيم الأشباح، من حور، وولدان، وأطعمة، وأشربة، على ما يشتهي، ومنهم مَن هو مشتغل بنعيم الأرواح، كالنظر لوجه الله العظيم، ومشاهدة الحبيب، ومناجاة، ومكالمات، ومكاشفات، وترقيات في معاريج الأسرار كل ساعة. ومنهم مَن يُجمع له بين النعيمين، وسيأتي في الإشارة. وقوله تعالى :﴿ فَاكِهُون ﴾ أي : متلذذون في النعمة، والفاكه والفكه : المتنعم، ومنه : الفكاهة ؛ لأنه مما يتلذّذ به، وكذا الفاكهة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إِنَّ أصحاب الجنة المعجَّلة لأوليائه، اليوم، في شُغُل كبير، لا تجدهم إلا مشتغلين بالله، بين شهود واستبصار، وتفكُّر واعتبار، في محل المشاهدة والمكالمة، والمناجاة والمساررة، أوقاتهم محفوظة، وحركاتهم وسكناتهم بالإخلاص ملحوظة، فهم في شغل شاغل عن الدنيا وأهلها، هم ومَن تعلّق بهم في ظلال الرضا، وبرد التسليم يرتادون، وفي مشاهدة وجه الحبيب يتنعّمون. قال القشيري : إن أصحاب الجنة اليوم، أي : طلابها، والساعون لها، والعاملون لنيلها، ولمثل ذلك فليعمل العاملون، فهم في الدنيا في طلب الجنة عن المنعِم بها، كما جاء في الحديث :" أكثر أهل الجنة البُلْه١ "، ومَن كان في الدنيا عن الدنيا حُرًّا، فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حُرًّا، " يختص برحمته من يشاء " ـ قلت : فالبله هم أهل الحجاب، الذين يعبدون الله لطلب الجزاء، ويقنعون بالنعيم الحسي ـ ثم قال : ويقال : الحقُّ تعالى لا يتعلَّق به حقٌّ ولا باطل، فلا تَنَافِيَ بين اشتغالهم بلذاتهم مع أهليهم، وبين شهودهم مولاهم، كما أنهم اليوم مستديمون لمعرفته، بأي حالةٍ كانت. ولا يَقْدَحُ اشتغالهم باستيفاء حُظُوظِهم، في معارفهم. هـ. مختصراً.
قلت : وما في سورة الواقعة، من ذكر نعيم السابقين، يدلّ على أنهم يجتمع لهم نعيم الحُور والولدان، مع نعيم العيان والرضوان ؛ لأنهم في الدنيا جمعوا بين القيام بوظائف الشريعة، ومعاينة أسرار الحقيقة. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ سلام قولاً من ربٍّ رحيم ﴾ قال ابن عطاء : السلام جليل عظيم الخطر، وأجّله خطراً ما كان وقت المشاهدة والمصافحة، حين يقول : سلام قولاً من رب رحيم. قال القشيري : الرحمة في ذلك الوقت أن يُبقهم في حال سماع السلام، أو حال اللقاء، لئلا تصحبهم دهشة، ولا تلحقهم حيرة. هـ. وقال الورتجبي : سلام الله أزلي الأبد، غير منقطع عن عباده الصالحين، في الدنيا والآخرة، لكن في الجنة تُرفع عن آذانهم جميع الحجب، فسَمِعُوا كلامه، ونظروا إلى وجهه كفاحاً. هـ. قلت : وقد يُرفع في دار الدنيا، فيسمع سلام الله على عباده، كما وقع لبعض الأولياء ـ. قيل : وفي قوله :﴿ رحيم ﴾ إشارة إلى عدم حجبهم عن جماله أبداً، مع الإبقاء عليهم في حال السلام واللقاء، فلا تصحبهم دهشة، كما تقدّم. وقيل : الإشارة في الرحيمية : أن ذلك الوصول ليس باستحقاق ولا سبب من فعل العبد، وإنما هو بالرحمة، فيكون للعاصي فيه نَفَسٌ ومساغ للرجاء. قاله المحشي.
وقوله :﴿ وامتازوا اليوم ﴾ إشارة إلى أن غيبة الرقيب من أتم النعمة، وإبعادَ العدوِّ من أجَلِّ العوارف، فالأولياءُ في إيجاب القربة، والأعداد في العذاب والحجبة. انظر القشيري.


١ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٤١٦..
٢ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٤١٦..
٣ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٤١٧..
٤ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٤١٦..
ثم قال تعالى :﴿ هُمْ وأَزواجُهم في ظِلالٍ ﴾ جمع ظِل، وهو : الموضع الذي لا تقع عليه الشمس. وفي قراءة " ظُلَل " بالضم، جمع ظُلة، كبُرمة وبرام، وهو ما يسترك عن الشمس، وظل أهل الجنة لا تنسخه شمس، قال تعالى :﴿ وَظِلًٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ [ الواقعة : ٣٠ ] ﴿ عَلَى الأَرَآئِكِ ﴾ : جمع أريكة، وهي السرير في الحَجَلة. فالأرائك : السرر المفروشة، بشرط أن تكون عليها الحَجلة، وإلا فليست بأريكة، والحَجَلة : ما يستر السرير من ثوب الحرير. وهم ﴿ متكئون ﴾ عليها كالملوك على الأسرّة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إِنَّ أصحاب الجنة المعجَّلة لأوليائه، اليوم، في شُغُل كبير، لا تجدهم إلا مشتغلين بالله، بين شهود واستبصار، وتفكُّر واعتبار، في محل المشاهدة والمكالمة، والمناجاة والمساررة، أوقاتهم محفوظة، وحركاتهم وسكناتهم بالإخلاص ملحوظة، فهم في شغل شاغل عن الدنيا وأهلها، هم ومَن تعلّق بهم في ظلال الرضا، وبرد التسليم يرتادون، وفي مشاهدة وجه الحبيب يتنعّمون. قال القشيري : إن أصحاب الجنة اليوم، أي : طلابها، والساعون لها، والعاملون لنيلها، ولمثل ذلك فليعمل العاملون، فهم في الدنيا في طلب الجنة عن المنعِم بها، كما جاء في الحديث :" أكثر أهل الجنة البُلْه١ "، ومَن كان في الدنيا عن الدنيا حُرًّا، فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حُرًّا، " يختص برحمته من يشاء " ـ قلت : فالبله هم أهل الحجاب، الذين يعبدون الله لطلب الجزاء، ويقنعون بالنعيم الحسي ـ ثم قال : ويقال : الحقُّ تعالى لا يتعلَّق به حقٌّ ولا باطل، فلا تَنَافِيَ بين اشتغالهم بلذاتهم مع أهليهم، وبين شهودهم مولاهم، كما أنهم اليوم مستديمون لمعرفته، بأي حالةٍ كانت. ولا يَقْدَحُ اشتغالهم باستيفاء حُظُوظِهم، في معارفهم. هـ. مختصراً.
قلت : وما في سورة الواقعة، من ذكر نعيم السابقين، يدلّ على أنهم يجتمع لهم نعيم الحُور والولدان، مع نعيم العيان والرضوان ؛ لأنهم في الدنيا جمعوا بين القيام بوظائف الشريعة، ومعاينة أسرار الحقيقة. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ سلام قولاً من ربٍّ رحيم ﴾ قال ابن عطاء : السلام جليل عظيم الخطر، وأجّله خطراً ما كان وقت المشاهدة والمصافحة، حين يقول : سلام قولاً من رب رحيم. قال القشيري : الرحمة في ذلك الوقت أن يُبقهم في حال سماع السلام، أو حال اللقاء، لئلا تصحبهم دهشة، ولا تلحقهم حيرة. هـ. وقال الورتجبي : سلام الله أزلي الأبد، غير منقطع عن عباده الصالحين، في الدنيا والآخرة، لكن في الجنة تُرفع عن آذانهم جميع الحجب، فسَمِعُوا كلامه، ونظروا إلى وجهه كفاحاً. هـ. قلت : وقد يُرفع في دار الدنيا، فيسمع سلام الله على عباده، كما وقع لبعض الأولياء ـ. قيل : وفي قوله :﴿ رحيم ﴾ إشارة إلى عدم حجبهم عن جماله أبداً، مع الإبقاء عليهم في حال السلام واللقاء، فلا تصحبهم دهشة، كما تقدّم. وقيل : الإشارة في الرحيمية : أن ذلك الوصول ليس باستحقاق ولا سبب من فعل العبد، وإنما هو بالرحمة، فيكون للعاصي فيه نَفَسٌ ومساغ للرجاء. قاله المحشي.
وقوله :﴿ وامتازوا اليوم ﴾ إشارة إلى أن غيبة الرقيب من أتم النعمة، وإبعادَ العدوِّ من أجَلِّ العوارف، فالأولياءُ في إيجاب القربة، والأعداد في العذاب والحجبة. انظر القشيري.

﴿ لهم فيها فاكهة ﴾ كثيرة مما يشتهون. ﴿ ولهم ما يَدَّعُون ﴾ أي : كل ما يَدعونه يأتيهم فوراً، فوزنه : يفتعلون، من الدعاء، أو : ما يتمنون من نعيم الأشباح والأرواح، من قولهم : ادَّع عليّ ما شئت، أي : تمنّه. وقال الفراء : هو من الدعوى، ولا يدّعون إلا ما يستَحقون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إِنَّ أصحاب الجنة المعجَّلة لأوليائه، اليوم، في شُغُل كبير، لا تجدهم إلا مشتغلين بالله، بين شهود واستبصار، وتفكُّر واعتبار، في محل المشاهدة والمكالمة، والمناجاة والمساررة، أوقاتهم محفوظة، وحركاتهم وسكناتهم بالإخلاص ملحوظة، فهم في شغل شاغل عن الدنيا وأهلها، هم ومَن تعلّق بهم في ظلال الرضا، وبرد التسليم يرتادون، وفي مشاهدة وجه الحبيب يتنعّمون. قال القشيري : إن أصحاب الجنة اليوم، أي : طلابها، والساعون لها، والعاملون لنيلها، ولمثل ذلك فليعمل العاملون، فهم في الدنيا في طلب الجنة عن المنعِم بها، كما جاء في الحديث :" أكثر أهل الجنة البُلْه١ "، ومَن كان في الدنيا عن الدنيا حُرًّا، فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حُرًّا، " يختص برحمته من يشاء " ـ قلت : فالبله هم أهل الحجاب، الذين يعبدون الله لطلب الجزاء، ويقنعون بالنعيم الحسي ـ ثم قال : ويقال : الحقُّ تعالى لا يتعلَّق به حقٌّ ولا باطل، فلا تَنَافِيَ بين اشتغالهم بلذاتهم مع أهليهم، وبين شهودهم مولاهم، كما أنهم اليوم مستديمون لمعرفته، بأي حالةٍ كانت. ولا يَقْدَحُ اشتغالهم باستيفاء حُظُوظِهم، في معارفهم. هـ. مختصراً.
قلت : وما في سورة الواقعة، من ذكر نعيم السابقين، يدلّ على أنهم يجتمع لهم نعيم الحُور والولدان، مع نعيم العيان والرضوان ؛ لأنهم في الدنيا جمعوا بين القيام بوظائف الشريعة، ومعاينة أسرار الحقيقة. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ سلام قولاً من ربٍّ رحيم ﴾ قال ابن عطاء : السلام جليل عظيم الخطر، وأجّله خطراً ما كان وقت المشاهدة والمصافحة، حين يقول : سلام قولاً من رب رحيم. قال القشيري : الرحمة في ذلك الوقت أن يُبقهم في حال سماع السلام، أو حال اللقاء، لئلا تصحبهم دهشة، ولا تلحقهم حيرة. هـ. وقال الورتجبي : سلام الله أزلي الأبد، غير منقطع عن عباده الصالحين، في الدنيا والآخرة، لكن في الجنة تُرفع عن آذانهم جميع الحجب، فسَمِعُوا كلامه، ونظروا إلى وجهه كفاحاً. هـ. قلت : وقد يُرفع في دار الدنيا، فيسمع سلام الله على عباده، كما وقع لبعض الأولياء ـ. قيل : وفي قوله :﴿ رحيم ﴾ إشارة إلى عدم حجبهم عن جماله أبداً، مع الإبقاء عليهم في حال السلام واللقاء، فلا تصحبهم دهشة، كما تقدّم. وقيل : الإشارة في الرحيمية : أن ذلك الوصول ليس باستحقاق ولا سبب من فعل العبد، وإنما هو بالرحمة، فيكون للعاصي فيه نَفَسٌ ومساغ للرجاء. قاله المحشي.
وقوله :﴿ وامتازوا اليوم ﴾ إشارة إلى أن غيبة الرقيب من أتم النعمة، وإبعادَ العدوِّ من أجَلِّ العوارف، فالأولياءُ في إيجاب القربة، والأعداد في العذاب والحجبة. انظر القشيري.

﴿ سلام قولاً من ربٍّ رحيم ﴾ أي : من أهم ما يدعون : سلام يقال لهم قولاً من رب رحيم، بلا واسطة ؛ مبالغة في تعظيمهم، وذلك غاية متمناهم، مضافاً لرؤيته، ومن مقتضى الرحمة : الإبقاء عليهم مع ذلك. قال القشيري : يسمعون كلامه وسلامَه بلا واسطة، وأكَّد بقوله :﴿ قولاً ﴾. وبقوله :﴿ من ربٍّ رحيم ﴾ ليُعلم أنه ليس على لسان سفير، والرحمة في تلك الحالة أن يرزقهم الرؤية في حال التسليم عليهم، ليكمل لهم النعمة ه. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم :" بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذْ سطع لهم نورٌ، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الربُّ قد أشرف عليهم من فوقهم، فيقول : السلام عليكم يا أهل الجنة، فينظر إليهم، وينظرون إليه١ ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إِنَّ أصحاب الجنة المعجَّلة لأوليائه، اليوم، في شُغُل كبير، لا تجدهم إلا مشتغلين بالله، بين شهود واستبصار، وتفكُّر واعتبار، في محل المشاهدة والمكالمة، والمناجاة والمساررة، أوقاتهم محفوظة، وحركاتهم وسكناتهم بالإخلاص ملحوظة، فهم في شغل شاغل عن الدنيا وأهلها، هم ومَن تعلّق بهم في ظلال الرضا، وبرد التسليم يرتادون، وفي مشاهدة وجه الحبيب يتنعّمون. قال القشيري : إن أصحاب الجنة اليوم، أي : طلابها، والساعون لها، والعاملون لنيلها، ولمثل ذلك فليعمل العاملون، فهم في الدنيا في طلب الجنة عن المنعِم بها، كما جاء في الحديث :" أكثر أهل الجنة البُلْه١ "، ومَن كان في الدنيا عن الدنيا حُرًّا، فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حُرًّا، " يختص برحمته من يشاء " ـ قلت : فالبله هم أهل الحجاب، الذين يعبدون الله لطلب الجزاء، ويقنعون بالنعيم الحسي ـ ثم قال : ويقال : الحقُّ تعالى لا يتعلَّق به حقٌّ ولا باطل، فلا تَنَافِيَ بين اشتغالهم بلذاتهم مع أهليهم، وبين شهودهم مولاهم، كما أنهم اليوم مستديمون لمعرفته، بأي حالةٍ كانت. ولا يَقْدَحُ اشتغالهم باستيفاء حُظُوظِهم، في معارفهم. هـ. مختصراً.
قلت : وما في سورة الواقعة، من ذكر نعيم السابقين، يدلّ على أنهم يجتمع لهم نعيم الحُور والولدان، مع نعيم العيان والرضوان ؛ لأنهم في الدنيا جمعوا بين القيام بوظائف الشريعة، ومعاينة أسرار الحقيقة. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ سلام قولاً من ربٍّ رحيم ﴾ قال ابن عطاء : السلام جليل عظيم الخطر، وأجّله خطراً ما كان وقت المشاهدة والمصافحة، حين يقول : سلام قولاً من رب رحيم. قال القشيري : الرحمة في ذلك الوقت أن يُبقهم في حال سماع السلام، أو حال اللقاء، لئلا تصحبهم دهشة، ولا تلحقهم حيرة. هـ. وقال الورتجبي : سلام الله أزلي الأبد، غير منقطع عن عباده الصالحين، في الدنيا والآخرة، لكن في الجنة تُرفع عن آذانهم جميع الحجب، فسَمِعُوا كلامه، ونظروا إلى وجهه كفاحاً. هـ. قلت : وقد يُرفع في دار الدنيا، فيسمع سلام الله على عباده، كما وقع لبعض الأولياء ـ. قيل : وفي قوله :﴿ رحيم ﴾ إشارة إلى عدم حجبهم عن جماله أبداً، مع الإبقاء عليهم في حال السلام واللقاء، فلا تصحبهم دهشة، كما تقدّم. وقيل : الإشارة في الرحيمية : أن ذلك الوصول ليس باستحقاق ولا سبب من فعل العبد، وإنما هو بالرحمة، فيكون للعاصي فيه نَفَسٌ ومساغ للرجاء. قاله المحشي.
وقوله :﴿ وامتازوا اليوم ﴾ إشارة إلى أن غيبة الرقيب من أتم النعمة، وإبعادَ العدوِّ من أجَلِّ العوارف، فالأولياءُ في إيجاب القربة، والأعداد في العذاب والحجبة. انظر القشيري.


١ أخرجه ابن ماجه في المقدمة حديث ١٨٤..
ثم ذكر أهل البُعد والحجاب، فقال :﴿ وامتازوا اليومَ أيها المجرمون ﴾ أي : انفردوا عن المؤمنين وكونوا على حِدة، وذلك حين يُحشر المؤمنون، ويُساق بهم إلى الجنة. وقال قتادة : عزلوا عن كل خير. وعن الضحاك : لكل كافر بيت من النار، يكون فيه، لا يَرى ولا يُرى أبداً. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إِنَّ أصحاب الجنة المعجَّلة لأوليائه، اليوم، في شُغُل كبير، لا تجدهم إلا مشتغلين بالله، بين شهود واستبصار، وتفكُّر واعتبار، في محل المشاهدة والمكالمة، والمناجاة والمساررة، أوقاتهم محفوظة، وحركاتهم وسكناتهم بالإخلاص ملحوظة، فهم في شغل شاغل عن الدنيا وأهلها، هم ومَن تعلّق بهم في ظلال الرضا، وبرد التسليم يرتادون، وفي مشاهدة وجه الحبيب يتنعّمون. قال القشيري : إن أصحاب الجنة اليوم، أي : طلابها، والساعون لها، والعاملون لنيلها، ولمثل ذلك فليعمل العاملون، فهم في الدنيا في طلب الجنة عن المنعِم بها، كما جاء في الحديث :" أكثر أهل الجنة البُلْه١ "، ومَن كان في الدنيا عن الدنيا حُرًّا، فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حُرًّا، " يختص برحمته من يشاء " ـ قلت : فالبله هم أهل الحجاب، الذين يعبدون الله لطلب الجزاء، ويقنعون بالنعيم الحسي ـ ثم قال : ويقال : الحقُّ تعالى لا يتعلَّق به حقٌّ ولا باطل، فلا تَنَافِيَ بين اشتغالهم بلذاتهم مع أهليهم، وبين شهودهم مولاهم، كما أنهم اليوم مستديمون لمعرفته، بأي حالةٍ كانت. ولا يَقْدَحُ اشتغالهم باستيفاء حُظُوظِهم، في معارفهم. هـ. مختصراً.
قلت : وما في سورة الواقعة، من ذكر نعيم السابقين، يدلّ على أنهم يجتمع لهم نعيم الحُور والولدان، مع نعيم العيان والرضوان ؛ لأنهم في الدنيا جمعوا بين القيام بوظائف الشريعة، ومعاينة أسرار الحقيقة. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ سلام قولاً من ربٍّ رحيم ﴾ قال ابن عطاء : السلام جليل عظيم الخطر، وأجّله خطراً ما كان وقت المشاهدة والمصافحة، حين يقول : سلام قولاً من رب رحيم. قال القشيري : الرحمة في ذلك الوقت أن يُبقهم في حال سماع السلام، أو حال اللقاء، لئلا تصحبهم دهشة، ولا تلحقهم حيرة. هـ. وقال الورتجبي : سلام الله أزلي الأبد، غير منقطع عن عباده الصالحين، في الدنيا والآخرة، لكن في الجنة تُرفع عن آذانهم جميع الحجب، فسَمِعُوا كلامه، ونظروا إلى وجهه كفاحاً. هـ. قلت : وقد يُرفع في دار الدنيا، فيسمع سلام الله على عباده، كما وقع لبعض الأولياء ـ. قيل : وفي قوله :﴿ رحيم ﴾ إشارة إلى عدم حجبهم عن جماله أبداً، مع الإبقاء عليهم في حال السلام واللقاء، فلا تصحبهم دهشة، كما تقدّم. وقيل : الإشارة في الرحيمية : أن ذلك الوصول ليس باستحقاق ولا سبب من فعل العبد، وإنما هو بالرحمة، فيكون للعاصي فيه نَفَسٌ ومساغ للرجاء. قاله المحشي.
وقوله :﴿ وامتازوا اليوم ﴾ إشارة إلى أن غيبة الرقيب من أتم النعمة، وإبعادَ العدوِّ من أجَلِّ العوارف، فالأولياءُ في إيجاب القربة، والأعداد في العذاب والحجبة. انظر القشيري.

ثم ذكر توبيخ أعدائه يوم القيامة، فقال :
﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ * ﴿ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ * ﴿ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ ﴾ * ﴿ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ * ﴿ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ * ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله : في توبيخ الكفرة يوم القيامة :﴿ أَلَمْ أعهدْ إِليكم يا بني آدمَ ألا تعبدوا الشيطان إِنه لكم عدو مبين ﴾ يقال : عهِد إليه : إذا وصّاه. وهذا العهد إما على ألسنة الرسل، أو : يوم :﴿ ألست بربكم ﴾، أو : ما نصبه لهم من الحُجج العقلية، والدلائل السمعية، الآمرة بعبادته، الزاجرة عن عبادة غيره. وعبادة الشيطان : طاعته فيما يُوسوس به إليهم، ويُزيِّنه لهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن آثر حظوظه ومُناه، ولم يقدر على مجاهدة هواه، حتى مات محجوباً عن الله، يلحقه شيء من هذا التقريع. والصراط المستقيم : هو طريق التربية، التي توصِّل إلى الحضرة، التي قام ببيانها الأولياء العارفون بالله. ولقد أضلَّ الشيطانُ عنها خلقاً كثيراً، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه، فلم يقدروا على التفرُّغ لذكر الله، ولم يحُطوا رؤوسهم لمَن يُعَرِّفهم بالله، فيُقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم تُوعدون، إن بقيتم مع حظوظكم ورئاستكم، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية، اليوم نختم على أفواههم، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم، وتُكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم ـ بلسان الحال أو المقال ـ بما كانوا يكسبون من التقصير.
قال القشيري : قوله :﴿ وتُكلمنا أيديهم... ﴾ إلخ، فأمَّا الكفار فشهادةُ أعضائِهم عليهم مؤبدة، وأما العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان، وأنشدوا :
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ والحاكم العَدْلُ، الجوادُ المُنْصِفُ
وفي بعض الأخبار المرويةِ : أن عَبْداً شهدت أعضاؤه عليه بالزَّلَّة، فتطير شَعرة من جفن عينه، فتشهد له بالشهادة. فيقول الحق تعالى : يا شعرة جَفْنِ عبدي احتَجّي عن عبدي، فتشهد له بالبكاء من خوفه، فيغفر له، وينادي منادٍ : هذا عتيقُ الله بشَعْرَة. هـ

﴿ وأن اعبدوني ﴾ : عطف على ﴿ ألاَّ تعبدوا ﴾، أي : عهدنا إليكم ألاَّ تُطيعوا الشيطان ووحّدوني، وأطيعوني، ﴿ هذا صراطٌ مستقيم ﴾ إشارة إلى ما عهد إليهم فيه من معصية الشيطان، وطاعة الرحمان، أي : هذا طريق بليغ في الاستقامة، لا طريق أقوم منه. وفيه إشارة إلى جنايتهم على أنفسهم بعد النصح التام، فلا حجة بعد الإعذار، ولا ظلم بعد التذكير والإنذار.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن آثر حظوظه ومُناه، ولم يقدر على مجاهدة هواه، حتى مات محجوباً عن الله، يلحقه شيء من هذا التقريع. والصراط المستقيم : هو طريق التربية، التي توصِّل إلى الحضرة، التي قام ببيانها الأولياء العارفون بالله. ولقد أضلَّ الشيطانُ عنها خلقاً كثيراً، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه، فلم يقدروا على التفرُّغ لذكر الله، ولم يحُطوا رؤوسهم لمَن يُعَرِّفهم بالله، فيُقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم تُوعدون، إن بقيتم مع حظوظكم ورئاستكم، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية، اليوم نختم على أفواههم، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم، وتُكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم ـ بلسان الحال أو المقال ـ بما كانوا يكسبون من التقصير.
قال القشيري : قوله :﴿ وتُكلمنا أيديهم... ﴾ إلخ، فأمَّا الكفار فشهادةُ أعضائِهم عليهم مؤبدة، وأما العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان، وأنشدوا :
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ والحاكم العَدْلُ، الجوادُ المُنْصِفُ
وفي بعض الأخبار المرويةِ : أن عَبْداً شهدت أعضاؤه عليه بالزَّلَّة، فتطير شَعرة من جفن عينه، فتشهد له بالشهادة. فيقول الحق تعالى : يا شعرة جَفْنِ عبدي احتَجّي عن عبدي، فتشهد له بالبكاء من خوفه، فيغفر له، وينادي منادٍ : هذا عتيقُ الله بشَعْرَة. هـ

﴿ ولقد أضلَّ منكم جبلاً ﴾ أي : خلقاً ﴿ كثيراً ﴾ وفيه لغات مذكورة في كتب القراءات أي : ولقد أتلف الشيطان عن طريقي المستقيم خلقاً كثيراً، بأن أشركوا معي غيري، ﴿ أفلم تكونوا تعقِلون ﴾ قرّعهم على تركهم الانتفاع بالعقل، الذي ركّبه فيهم، حيث استعملوه فيما يضرهم، من تدبير حظوظهم وهواهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن آثر حظوظه ومُناه، ولم يقدر على مجاهدة هواه، حتى مات محجوباً عن الله، يلحقه شيء من هذا التقريع. والصراط المستقيم : هو طريق التربية، التي توصِّل إلى الحضرة، التي قام ببيانها الأولياء العارفون بالله. ولقد أضلَّ الشيطانُ عنها خلقاً كثيراً، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه، فلم يقدروا على التفرُّغ لذكر الله، ولم يحُطوا رؤوسهم لمَن يُعَرِّفهم بالله، فيُقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم تُوعدون، إن بقيتم مع حظوظكم ورئاستكم، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية، اليوم نختم على أفواههم، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم، وتُكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم ـ بلسان الحال أو المقال ـ بما كانوا يكسبون من التقصير.
قال القشيري : قوله :﴿ وتُكلمنا أيديهم... ﴾ إلخ، فأمَّا الكفار فشهادةُ أعضائِهم عليهم مؤبدة، وأما العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان، وأنشدوا :
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ والحاكم العَدْلُ، الجوادُ المُنْصِفُ
وفي بعض الأخبار المرويةِ : أن عَبْداً شهدت أعضاؤه عليه بالزَّلَّة، فتطير شَعرة من جفن عينه، فتشهد له بالشهادة. فيقول الحق تعالى : يا شعرة جَفْنِ عبدي احتَجّي عن عبدي، فتشهد له بالبكاء من خوفه، فيغفر له، وينادي منادٍ : هذا عتيقُ الله بشَعْرَة. هـ

﴿ هذه جهنم التي كنتم تُوعدون ﴾ بها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن آثر حظوظه ومُناه، ولم يقدر على مجاهدة هواه، حتى مات محجوباً عن الله، يلحقه شيء من هذا التقريع. والصراط المستقيم : هو طريق التربية، التي توصِّل إلى الحضرة، التي قام ببيانها الأولياء العارفون بالله. ولقد أضلَّ الشيطانُ عنها خلقاً كثيراً، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه، فلم يقدروا على التفرُّغ لذكر الله، ولم يحُطوا رؤوسهم لمَن يُعَرِّفهم بالله، فيُقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم تُوعدون، إن بقيتم مع حظوظكم ورئاستكم، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية، اليوم نختم على أفواههم، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم، وتُكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم ـ بلسان الحال أو المقال ـ بما كانوا يكسبون من التقصير.
قال القشيري : قوله :﴿ وتُكلمنا أيديهم... ﴾ إلخ، فأمَّا الكفار فشهادةُ أعضائِهم عليهم مؤبدة، وأما العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان، وأنشدوا :
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ والحاكم العَدْلُ، الجوادُ المُنْصِفُ
وفي بعض الأخبار المرويةِ : أن عَبْداً شهدت أعضاؤه عليه بالزَّلَّة، فتطير شَعرة من جفن عينه، فتشهد له بالشهادة. فيقول الحق تعالى : يا شعرة جَفْنِ عبدي احتَجّي عن عبدي، فتشهد له بالبكاء من خوفه، فيغفر له، وينادي منادٍ : هذا عتيقُ الله بشَعْرَة. هـ

﴿ اصْلَوْها اليومَ بما كنتم تكفرون ﴾ أي : ادخلوا واحترقوا فيها، بكفركم وإنكاركم لها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن آثر حظوظه ومُناه، ولم يقدر على مجاهدة هواه، حتى مات محجوباً عن الله، يلحقه شيء من هذا التقريع. والصراط المستقيم : هو طريق التربية، التي توصِّل إلى الحضرة، التي قام ببيانها الأولياء العارفون بالله. ولقد أضلَّ الشيطانُ عنها خلقاً كثيراً، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه، فلم يقدروا على التفرُّغ لذكر الله، ولم يحُطوا رؤوسهم لمَن يُعَرِّفهم بالله، فيُقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم تُوعدون، إن بقيتم مع حظوظكم ورئاستكم، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية، اليوم نختم على أفواههم، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم، وتُكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم ـ بلسان الحال أو المقال ـ بما كانوا يكسبون من التقصير.
قال القشيري : قوله :﴿ وتُكلمنا أيديهم... ﴾ إلخ، فأمَّا الكفار فشهادةُ أعضائِهم عليهم مؤبدة، وأما العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان، وأنشدوا :
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ والحاكم العَدْلُ، الجوادُ المُنْصِفُ
وفي بعض الأخبار المرويةِ : أن عَبْداً شهدت أعضاؤه عليه بالزَّلَّة، فتطير شَعرة من جفن عينه، فتشهد له بالشهادة. فيقول الحق تعالى : يا شعرة جَفْنِ عبدي احتَجّي عن عبدي، فتشهد له بالبكاء من خوفه، فيغفر له، وينادي منادٍ : هذا عتيقُ الله بشَعْرَة. هـ

﴿ اليوم نَخْتِمُ على أفواهِهِم ﴾ أي : نمنعهم من الكلام، ﴿ وتُكلِّمُنا أيديهم وتشهدُ أرجُلُهم بما كانوا يكسِبُون ﴾ يُروى : أنهم يجحدون، ويُخاصمون، فتشهد عليهم جيرانهم، وأهاليهم، وعشائرهم، فيحلفون : ما كانوا مشركين، فحينئذ يُختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وأرجلهم. وفي الحديث :" يقول العبد يوم القيامة : إني لا أُجيزُ عليّ إلا شاهداً من نفسي، فيُخْتم على فِيهِ، ويُقال لأركانه : انْطِقي، فتنطِقُ بأعماله، ثم يُخَلِّي بينه وبين الكلام، فيقول : بُعداً لكُنَّ، وسُحْقاً، فعنكُنّ كنت أُناضِلُ١ ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن آثر حظوظه ومُناه، ولم يقدر على مجاهدة هواه، حتى مات محجوباً عن الله، يلحقه شيء من هذا التقريع. والصراط المستقيم : هو طريق التربية، التي توصِّل إلى الحضرة، التي قام ببيانها الأولياء العارفون بالله. ولقد أضلَّ الشيطانُ عنها خلقاً كثيراً، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه، فلم يقدروا على التفرُّغ لذكر الله، ولم يحُطوا رؤوسهم لمَن يُعَرِّفهم بالله، فيُقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم تُوعدون، إن بقيتم مع حظوظكم ورئاستكم، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية، اليوم نختم على أفواههم، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم، وتُكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم ـ بلسان الحال أو المقال ـ بما كانوا يكسبون من التقصير.
قال القشيري : قوله :﴿ وتُكلمنا أيديهم... ﴾ إلخ، فأمَّا الكفار فشهادةُ أعضائِهم عليهم مؤبدة، وأما العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان، وأنشدوا :
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ والحاكم العَدْلُ، الجوادُ المُنْصِفُ
وفي بعض الأخبار المرويةِ : أن عَبْداً شهدت أعضاؤه عليه بالزَّلَّة، فتطير شَعرة من جفن عينه، فتشهد له بالشهادة. فيقول الحق تعالى : يا شعرة جَفْنِ عبدي احتَجّي عن عبدي، فتشهد له بالبكاء من خوفه، فيغفر له، وينادي منادٍ : هذا عتيقُ الله بشَعْرَة. هـ


١ أخرجه مسلم في الزهد حديث ١٧..
ثم هددهم في دار الدنيا، فقال :
﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُواْ الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ﴾ * ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ ﴾ * ﴿ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولم نشاءُ لطَمَسْنَا على أعيُنِهِم ﴾ اليوم، أي : أعميناهم وأذهبنا أبصارهم. والطمس : سد شق العين حتى تعود ممسوخة. ﴿ فاستَبَقُوا الصِّرَاطَ ﴾ على حذف الجار، وإيصال الفعل، أي : فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه، وبادَروا إليه ؛ لِما يلحقهم من الخوف، ﴿ فأنَّى يُبصرون ﴾ فكيف يُبصرون حينئذ من جهة سلوكهم، فيضلون في طريقهم عن بلوغ أملهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولو نشاء لطمسنا على أعينهم، فلا يهتدون إلى طريق السلوك، ولا يسلكونها، فيبقوا في الحجاب على الدوام. ولو نشاء لمسخنا قلوبهم على مكانتهم، من رجاحة العقل والفهم، فلا يتدبّرون إلا في الأمور الحسية، فلا يستطيعون مُضيًّا في بلاد المعاني، ولا رجوعاً عن الحسيّات. ومَن نُعَمّره من هؤلاء نُنكّسْهُ في الخلق، فيلحقه الخرف والضعف، وأما مَن اهتدى إلى طريق السير، وسلك بلاد المعاني، فلا يزيده طول العمر إلا رجاحةً في العقل، وقوةً في العلم، وتمكيناً في المعاني والمعرفة.
قال القشيري : ومَن نُعَمِّرْهُ ننكِّسْه في الخلق : نرده إلى العكس، فكما كان يزداد في القوة، يأخذ في النقصان، إلى أن يبلغَ أرذلَ العُمر، فيصير إلى مثل حال الطفولية من الضعف، ثم لا يبقى بعد النقصان شيءٌ، كما أنشدوا١ :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشرٌ وطي
أراني كلَّ يومٍ في انتقاصٍ ولا يبقى مع النقصان شي
وهذا في الجثة والمباني، دون الأحوال والمعاني، فإن الأحوال ـ في حق الجثة ـ في الزيادة إلى بلوغ حَد الخَرَفِ، فيَخْتَلُّ رأيُه وعَقْلُه. وأصحاب الحقائق تشيب ذوائبُهم، ولكنَّ محابَّهم ومعانيَهم في عنفوان شبابها، وطراوة جدَّتها. هـ

﴿ ولو نشاء لَمَسَخْناهم ﴾ قردة، وخنازير، أو حجارة، ﴿ على مكانتهم ﴾ : على منازلهم، وفي ديارهم، حيث يأمنون من المكاره. والمكانة والمكان واحد، كالمقامة والمقام. ﴿ فما استطاعوا مُضيًّا ولا يرجِعُون ﴾ فلم يقدروا على ذهاب ومجيء، أو : مُضِياً أمامهم، ولا يرجعون خلفهم. والمعنى : أنهم لكفرهم ونقضهم ما عهد إليهم أحقاء بأن نفعل بهم ذلك، لكنا لم نفعل ؛ لشمول الرحمة لهم، واقتضاء الحكمة إمهالهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولو نشاء لطمسنا على أعينهم، فلا يهتدون إلى طريق السلوك، ولا يسلكونها، فيبقوا في الحجاب على الدوام. ولو نشاء لمسخنا قلوبهم على مكانتهم، من رجاحة العقل والفهم، فلا يتدبّرون إلا في الأمور الحسية، فلا يستطيعون مُضيًّا في بلاد المعاني، ولا رجوعاً عن الحسيّات. ومَن نُعَمّره من هؤلاء نُنكّسْهُ في الخلق، فيلحقه الخرف والضعف، وأما مَن اهتدى إلى طريق السير، وسلك بلاد المعاني، فلا يزيده طول العمر إلا رجاحةً في العقل، وقوةً في العلم، وتمكيناً في المعاني والمعرفة.
قال القشيري : ومَن نُعَمِّرْهُ ننكِّسْه في الخلق : نرده إلى العكس، فكما كان يزداد في القوة، يأخذ في النقصان، إلى أن يبلغَ أرذلَ العُمر، فيصير إلى مثل حال الطفولية من الضعف، ثم لا يبقى بعد النقصان شيءٌ، كما أنشدوا١ :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشرٌ وطي
أراني كلَّ يومٍ في انتقاصٍ ولا يبقى مع النقصان شي
وهذا في الجثة والمباني، دون الأحوال والمعاني، فإن الأحوال ـ في حق الجثة ـ في الزيادة إلى بلوغ حَد الخَرَفِ، فيَخْتَلُّ رأيُه وعَقْلُه. وأصحاب الحقائق تشيب ذوائبُهم، ولكنَّ محابَّهم ومعانيَهم في عنفوان شبابها، وطراوة جدَّتها. هـ

﴿ ومن نُعَمِّرْهُ ﴾ نُطِل عمره ﴿ نُنكِّسْهُ في الخلقِ ﴾ نقلبه فيه. وقرأ عاصم وحمزة بالتشديد. والنكس والتنكيس : جعل الشيء أعلاه أسفله. والمعنى : مَن أطلنا عمره نكَسنا خلقه، وهو نوع من المسخ، فصار بدل القوة ضعفاً، وبدل الشباب هرماً، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايدُ إلى أن يبلغ أشده، ويستكمل قوته، ويعْقل، ويعلم ما له وعليه، فإذا انتهى نكّسناه في الخلق، فجعلناه يتناقصُ حتى يرجع إلى حال شبيهة بحال الصبيّ، في ضعف جسده، وقلّة عقله، وخلوّه من العلم، كما ينكس السهم، فيجعل أعلاه أسفله. قال تعالى :﴿ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَي لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [ النحل : ٧٠ ]. قال ابن عباس :" مَن قرأ القرآن أي وعمل به لم يرد إلى أرذل العمر ". ﴿ أفلا يعقلون ﴾ أنّ مَن قدر أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم، ومن القوة إلى الضعف، ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز، قادرٌ على أن يطمسَ على أعينهم، ويمسخهم على مكانتهم، ويبعثهم بعد الموت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ولو نشاء لطمسنا على أعينهم، فلا يهتدون إلى طريق السلوك، ولا يسلكونها، فيبقوا في الحجاب على الدوام. ولو نشاء لمسخنا قلوبهم على مكانتهم، من رجاحة العقل والفهم، فلا يتدبّرون إلا في الأمور الحسية، فلا يستطيعون مُضيًّا في بلاد المعاني، ولا رجوعاً عن الحسيّات. ومَن نُعَمّره من هؤلاء نُنكّسْهُ في الخلق، فيلحقه الخرف والضعف، وأما مَن اهتدى إلى طريق السير، وسلك بلاد المعاني، فلا يزيده طول العمر إلا رجاحةً في العقل، وقوةً في العلم، وتمكيناً في المعاني والمعرفة.
قال القشيري : ومَن نُعَمِّرْهُ ننكِّسْه في الخلق : نرده إلى العكس، فكما كان يزداد في القوة، يأخذ في النقصان، إلى أن يبلغَ أرذلَ العُمر، فيصير إلى مثل حال الطفولية من الضعف، ثم لا يبقى بعد النقصان شيءٌ، كما أنشدوا١ :
طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشرٌ وطي
أراني كلَّ يومٍ في انتقاصٍ ولا يبقى مع النقصان شي
وهذا في الجثة والمباني، دون الأحوال والمعاني، فإن الأحوال ـ في حق الجثة ـ في الزيادة إلى بلوغ حَد الخَرَفِ، فيَخْتَلُّ رأيُه وعَقْلُه. وأصحاب الحقائق تشيب ذوائبُهم، ولكنَّ محابَّهم ومعانيَهم في عنفوان شبابها، وطراوة جدَّتها. هـ

ثم أنكر على من رمى القرآن بكونه شعرا، فقال :
﴿ وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ﴾*﴿ لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وما علَّمناه الشِّعْرَ ﴾ أي : وما علّمنا نبينا محمداً الشعر، حتى يقدر أن يقول شعراً، فيُتهم على القرآن، أو : وما علّمناه بتعلُّم القرآن الشعر، على معنى : أن القرآن ليس بشعر، فإنه غير مقفّى ولا موزون، وليس معناه ما يتوقاه الشعراء من التخييلات المرغبة والمنفرة ونحوها. فأين الوزن فيه ؟ وأين التقفية ؟ فلا مناسبة بينه وبين كلام الشعراء، ﴿ وما ينبغي له ﴾ أي : وما يليق بحاله، ولا يتأتى له لو طلبه، أي : جعلناه بحيث لو أراد قَرْضَ الشعر لم يتأتّ له، ولم يسهل، كما جعلناه أُميًّا لم يهتدِ إلى الخط ؛ لتكون الحجة أثبت، والشبهة أدحض.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام :" أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ١ "، وقوله :" هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصبعٌ دَمِيتِ، وفِي سَبِيلِ الله ما لَقِيتِ٢ "، فهو مما اتفق وزنه من غير قصد، كما يتفق في خطاب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم، ولا يسمى شعراً إلا ما قصد وزنه.
ولَمَّا نفى القرآن أن يكون من جنس الشعر، قال :﴿ إِن هو إِلا ذِكْرٌ ﴾ أي : ما الذي يُعلِّم ويقوله إلا ذكر من الله، يُوعظ به الإنس والجن، ﴿ وقرآنٌ ﴾ أي : كتاب سماوي، يُقرأ في المحاريب، ويُتلى في المتعبّدات، ويُنال بتلاوته والعملِ به أعلا الدرجات. فكم بينه وبين الشعر، الذي هو من همزات الشيطان ؟ !.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أما النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فنفى الله عنه صنعة الشِّعر، والقوة عليه، لئلا يُتهم فيما يقوله، وأما الأولياء فكثير منهم تكون له القوة عليه، ويصرف ذلك في أمداح الخمرة الأزلية، والحضرة القدسية، أو في الحضرة النبوية، وينالون بذلك تقريباً، ورتبة كبيرة، وأما قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" لأنْ يمتَلئَ جَوْفُ أحدِكم قَيْحاً يَرِيهُ خَيرٌ من أن يمتَلئ شِعْراً١ " فالمراد به شعر الهوى، الذي يشغل عن ذكر الله، أو يصرف القلب عن حضرة الله. قيل لعائشة رضي الله عنها : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثّل بشيء من الشعر ؟ فقالت : لم يتمثّل بشيء من الشعر إلا بيت طرفة، أخي بني قيس٢ :
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ ما كُنتَ جاهلاً وَيَأتِيكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوَّدِ
وربما عكسه فقال :" ويأتيك مَن لم تزود بالأخبار٣ ". وبالله التوفيق.


١ أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٨٦٤، ومسلم في الجهاد حديث ٧٨..
٢ أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٨٠٢، ومسلم في الجهاد حديث ١١٢..
أنزلناه إليك ﴿ لتُنذر به ﴾ يا محمد، أو : لينذر القرآن ﴿ من كان حَيًّا ﴾ بالإيمان، أو عاقلاً متأملاً ؛ فإن الغافل كالميت، أو : مَن سبق في علم الله أن يحيى ؛ فإن الحياة الأبدية بالإيمان، وتخصيص الإنذار به ؛ لأنه المنتفع به، ﴿ ويَحِقَّ القولُ ﴾ أي : تجب كلمة العذاب ﴿ على الكافرين ﴾ المُصرِّين على الكفر، وجعلهم في مقابلة مَن كان حَيًّا إشعار بأنهم بكفرهم في حكم الأموات، كقوله :﴿ ومَآ أَنتَ بِمُسْمَعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ﴾ [ فاطر : ٢٢ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أما النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فنفى الله عنه صنعة الشِّعر، والقوة عليه، لئلا يُتهم فيما يقوله، وأما الأولياء فكثير منهم تكون له القوة عليه، ويصرف ذلك في أمداح الخمرة الأزلية، والحضرة القدسية، أو في الحضرة النبوية، وينالون بذلك تقريباً، ورتبة كبيرة، وأما قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" لأنْ يمتَلئَ جَوْفُ أحدِكم قَيْحاً يَرِيهُ خَيرٌ من أن يمتَلئ شِعْراً١ " فالمراد به شعر الهوى، الذي يشغل عن ذكر الله، أو يصرف القلب عن حضرة الله. قيل لعائشة رضي الله عنها : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثّل بشيء من الشعر ؟ فقالت : لم يتمثّل بشيء من الشعر إلا بيت طرفة، أخي بني قيس٢ :
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ ما كُنتَ جاهلاً وَيَأتِيكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوَّدِ
وربما عكسه فقال :" ويأتيك مَن لم تزود بالأخبار٣ ". وبالله التوفيق.

ثم ذكرهم بالنعم، علهم ينقادوا بملاطفة الإحسان، فقال :
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴾ * ﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴾ * ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ أَوَ لَم يَرَوا ﴾ أي : أعموا ولم يعلموا ﴿ أَنا خلقْنا لهم مما عَمِلَت أيدينا ﴾ أي : أظهرته قدرتنا، ولم يقدر على إحداثه غيرُنا. وذِكْر الأيدي، وإسناد العمل إليها، استعارة، تُفيد مبالغة في الاختصاص والتفرُّد بالإيجاد، ﴿ أنعاماً ﴾ خصَّها بالذكر ؛ لِمَا فيها من بدائع الحكمة والمنافع الجمة. ﴿ فهم لها مالكون ﴾ أي : خلقناها لأجلهم، فملكناها إياهم، فهم يتصرفون فيها تصرُّف المالك، مختصُّون بالانتفاع بها. أو : فهم لها حافظون قاهرون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أَوَلَمْ ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم : ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له : وما هو ؟ قال :( قلت لشيء كان : ليته لم يكن ). فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شؤونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى : أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية !.
وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشؤون. قال القشيري : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء ـ قلَّ أو كثر ـ إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
قال النسفي : قال صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلَم.

﴿ وذَلَّلناها لهم ﴾ وصيَّرناها منقادة لهم. وإلا فمَن كان يقدر عليها لولا تذليلُه وتسخيره لها. وبهذا أمر الراكب أن يشكر هذه النعمة، ويسبح بقوله :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ [ الزخرف : ١٣ ] ﴿ فمنها رَكوبهم ﴾ أي : مركوبهم، وهو ما يُركب منها، وقرئ بضم الراء، أي : ذو ركوبهم. أو : فمن منافعها ركوبهم. ﴿ ومنها يأكلون ﴾ ما يأكلون لحمه، أي : سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوم نظروا إلى ما منَّ الله إليهم من المبرة والإكرام، فانقادوا إليه بملاطفة الإحسان، فعرفوا المنعِّم، وشكروا الواحد المنّان، فسخّر لهم الكون وما فيه، وقوم لم ينجع فيهم سوابغ النعم، فسلّط عليهم المصائب والنقم، فانقادوا إليه قهراً بسلاسل الامتحان، " عَجِبَ ربك من قوم يُساقون إلى الجنة بالسلاسل١ "، وكل هؤلاء سبقت لهم من الله العناية.
﴿ ولهم فيها منافعُ ﴾ من الجلود، والأوبار، والأصواف، وغير ذلك، ﴿ ومشَارِبُ ﴾ من اللبن، على تلوُّنه من المضروب وغيره، وهو جمع : مشرب، بمعنى : موضع الشرب. أو : المصدر، أي : الشرب. ﴿ أفلا يشكرون ﴾ نِعَم الله في ذلك ؟ إذ لولا إيجاده لها ما أمكن الانتفاع بها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوم نظروا إلى ما منَّ الله إليهم من المبرة والإكرام، فانقادوا إليه بملاطفة الإحسان، فعرفوا المنعِّم، وشكروا الواحد المنّان، فسخّر لهم الكون وما فيه، وقوم لم ينجع فيهم سوابغ النعم، فسلّط عليهم المصائب والنقم، فانقادوا إليه قهراً بسلاسل الامتحان، " عَجِبَ ربك من قوم يُساقون إلى الجنة بالسلاسل١ "، وكل هؤلاء سبقت لهم من الله العناية.
وقوم لم ينجح فيهم نِعَمٌ ولا نِقَم، قد سبق لهم الخذلان، فأصرُّوا على العصيان، ولم يشكروا الله على ما أسدى من سوابغ الإحسان، وإلى هؤلاء توجه الخطاب بقوله :
﴿ وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾ * ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ﴾ * ﴿ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ واتخذوا من دون الله آلهةٌ ﴾ أشركوها معه في العبادة، بعدما رأوا منه تلك القدرة الباهرة، والنعم المتظاهرة، وتحقّقوا أنه المنفرد بها، فعبدوا الأصنام، ﴿ لعلهم يُنصَرُون ﴾ بها إذا حزبهم أمْرٌ. والأمر بالعكس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن ركن إلى شيء دون الله، فهو في حقه صنم، كائناً ما كان، عِلماً، أو عملاً، أو حالاً، أو غير ذلك. ولذلك قال القطب ابن مشيش لأبي حسن الشاذلي رضي الله عنهما لَمَّا قال : بِمَ تلقى الله يا أبا الحسن ؟ فقال له : بفقري، قال : إذاً تلقاه بالصنم الأعظم، أي : وإنما يلقى الله بالله، ويغيب عما سواه. وقوله تعالى :﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ فيه تسلية لمَن أُوذي في جانب الله. قال القشيري : إذا عَلِمَ العبدُ أنه بمرأىً من الحق، هان عليه ما يقاسيه، لاسيما إذا كان في الله. هـ.
﴿ لا يستطيعون نَصْرَهم ﴾ أبداً، ﴿ وهم لهم ﴾ أي : الكفار للأصنام ﴿ جُندٌ ﴾ أي : أعوان وشيعة ﴿ مُحْضَرُونَ ﴾ يخدمونهم، ويذبّون عنهم، ويعكفون على عبادتهم، أو : اتخذوهم لينصروهم عند الله، ويشفعوا لهم، والأمر على خلاف ما توهّموا، فهم يوم القيامة جند معدّون لهم، محضرون لعذابهم ؛ لأنهم يجعلون وقوداً للنار، التي يحترقون بها.
سورة يس
مكية، وقيل إلا قوله :﴿ ونكتب ما قدموا وآثارهم ﴾ [ يس : ١٢ ] نزلت في بني سلمة، حين أرادوا الانتقال إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم١. وآيها : ثلاث وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله :﴿ فلما جاءهم نذير ﴾ [ فاطر : ٤٢ ] مع قوله :﴿ إنك لمن المرسلين ﴾ فقد حقق هنا نذارته ورسالته بالقسم. وعنه صلى الله عليه وسلم :" يس تدعى المعمة، تعم صاحبها بخير الدارين، والدافعة والقاضية – تدفع عنه كل شر، وتقضي له كل حاجة٢ ". وفي خبر آخر :" يس لما قرئ له " وفي حديث آخر :" ما قرأها خائف إلا أمن، ولا جائع إلا شبع، ولا عطشان إلا روي، ولا عريان إلا كسي، ولا مسجون إلا سرح، ولا عازب إلا تزوج، ولا مسافر إلا أعين، ولا ذو ضالة إلا وجدها ". وقال صلى الله عليه وسلم :" من قرأ يس عند الموت، أو قرئ عليه، أنزل الله بعدد كل حرف منها عشرة من الملائكة، يقفون بين يديه، ويصلون عليه، ويستغفرون له، ويشهدون جنازته ".
١ أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٣٦، حديث ٣٢٢٦..
٢ أخرجه القرطبي في تفسيره ٦/٥٦٠٢..
ثم سلّى نبيه مما يسمع بقوله :﴿ فلا يَحْزُنك قَولُهم ﴾ فلا يُهمنَّك تكذيبهم، وأذاهم وما تسمع منهم من الإشراك والإلحاد. ﴿ إِنا نعلم ما يُسِرُّون ﴾ من عداوتهم وكفرهم، ﴿ وما يُعلِنُون ﴾ فيجازيهم عليه، فحقّ مثلك أن يتسلّى بهذا الوعيد، ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة، حتى ينقشع عنهم الهمّ، ولا يرهقه حزن. وهو تعليل للنهي على طريق الاستئناف، ولذلك لو قُرئ " أنّا " بالفتح، على حذف لام التعليل، لجاز، خلافاً لمَن أنكره وأبطل صلاة مَن قرأ به. انظر النسفي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن ركن إلى شيء دون الله، فهو في حقه صنم، كائناً ما كان، عِلماً، أو عملاً، أو حالاً، أو غير ذلك. ولذلك قال القطب ابن مشيش لأبي حسن الشاذلي رضي الله عنهما لَمَّا قال : بِمَ تلقى الله يا أبا الحسن ؟ فقال له : بفقري، قال : إذاً تلقاه بالصنم الأعظم، أي : وإنما يلقى الله بالله، ويغيب عما سواه. وقوله تعالى :﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ فيه تسلية لمَن أُوذي في جانب الله. قال القشيري : إذا عَلِمَ العبدُ أنه بمرأىً من الحق، هان عليه ما يقاسيه، لاسيما إذا كان في الله. هـ.
ثم أبطل دعوى من أنكر البعث، وهو من جملة قولهم، الذي أمر نبيه بالتسلي عنه، فقال :
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ﴾ * ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ * ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ * ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ ﴾ * ﴿ أَوَلَيْسَ الَذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ﴾ * ﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ * ﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ أَوَلَمْ يَرَ الإِنسانُ أَنَّا خَلقناه من نُطفةٍ ﴾ مَذِرة، خارجة من الإحليل، الذي هو قناة النجاسة، ﴿ فإِذا هو خَصِيم مبين ﴾ بيّن الخصومة، أي : فهو على مهانة أصله، ودناءة أوله، يتصدّى لمخاصمة ربه، ويُنكر قدرته على إحياء الميت بعدما رمّت عظامه. وهي تسلية ثانية له صلى الله عليه وسلم، وتهوين ما يقولونه في جانب الحشر، وهو توبيخ بليغ ؛ حيث عجّب منه، وجعله إفراطاً في الخصومة بيّناً فيها.
رُوي أن أَبيّ بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم بالٍ، ففتَّه بيده، وقال : يا محمد ؛ أتُرى الله يحيي هذا بعدما رمّ ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :" نعم ويبعثك ويدخلك جهنم١ " فنزلت الآية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أَوَلَمْ ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم : ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له : وما هو ؟ قال :( قلت لشيء كان : ليته لم يكن ). فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شؤونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى : أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية !.
وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشؤون. قال القشيري : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء ـ قلَّ أو كثر ـ إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
قال النسفي : قال صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلَم.


١ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥/٥٠٨ والحاكم في المستدرك ٢/٤٢٩..
﴿ وضَرَبَ لنا مثلاً ﴾ أمراً عجيباً، بأن جَعَلنا مثل الخلق العاجزين، فنعجز عما عجزوا عنه ؛ من إحياء الموتى، ﴿ ونَسِيَ خَلْقَه ﴾ من المنيّ المهين، فهو أغرب من إحياء العظم الرميم. و " خلقه " : مصدر مضاف للمفعول، أي : خلقنا إياه، ﴿ قال مَن يحيي العظامَ وهي رميمٌ ﴾ بالٍ مفتت، وهو اسم لما بَلِيَ من العظام، لا صفة، ولذلك لم يؤنّث. وقد وقع خبراً لمؤنث، وقيل : صفة بمعنى مفعول، من : رممته، فيكون كقتيل وجريح. وفيه دليل على أن العظم تحله الحياة، فإذا مات صار نجساً، وهو مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة : لا تحلّه الحياة، فهو طاهر كالشعر والعصب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أَوَلَمْ ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم : ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له : وما هو ؟ قال :( قلت لشيء كان : ليته لم يكن ). فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شؤونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى : أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية !.
وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشؤون. قال القشيري : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء ـ قلَّ أو كثر ـ إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
قال النسفي : قال صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلَم.

﴿ قُل يُحْييها الذي أنشأها ﴾ خلقها ﴿ أولَ مرة ﴾ أي : ابتداء، ﴿ وهو بكل خَلْقٍ ﴾ مخلوق ﴿ عليمٌ ﴾ لا يخفى عليه أجزاؤه، وإن تفرقت في البر أو البحر، فيجمعه، ويُعيده كما كان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أَوَلَمْ ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم : ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له : وما هو ؟ قال :( قلت لشيء كان : ليته لم يكن ). فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شؤونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى : أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية !.
وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشؤون. قال القشيري : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء ـ قلَّ أو كثر ـ إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
قال النسفي : قال صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلَم.

ثم ذكر برهان إحيائه الموتى بقوله :﴿ الذي جعل لكم من الشَّجَرِ الأخضر ﴾ كالمَرْخ والعَفَار، ﴿ ناراً فإِذا أنتم منه تُوقِدُون ﴾ تقدحون، ولا تشكون أنها نار خرجت منه، فمَن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر، مع ما فيه من المائية، المضادة للنار، كان أقدر على إيجاد الحياة والغضاضة فيما غضا ويبس، وهي الزناد عند العرب، وأكثرها من المَرْخ والعَفار، وفي أمثالهم :" في كلّ شجر نار، واستمجد المرخُ والعفار " أي : استكثر في هذين الصنفين. وكان الرجل يقطع منهما غصنين مثل السوَاكين، وهما خضراوان، يقطر منهما الماء، فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهي أنثى فينقدح النار بإذن الله تعالى. وعن ابن عباس رضي الله عنه : ليس من الشجر شجرة إلا وفيها نار، إلا العناب ؛ لمصلحة الدقّ للثياب.
والمرخُ ككتف : شجر سريع الورى. قاله في الصحاح. وهو المسمى عندنا بالكُلخ. وفي القاموس : عَفار كسحاب : شجر يتخذ منه الزناد. قال ابن عطية : النار موجودة في كل عود، غير أنها في المتحلحَل، المفتوح المسام، أوجد، وكذلك هو المَرْخ والعَفار. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أَوَلَمْ ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم : ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له : وما هو ؟ قال :( قلت لشيء كان : ليته لم يكن ). فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شؤونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى : أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية !.
وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشؤون. قال القشيري : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء ـ قلَّ أو كثر ـ إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
قال النسفي : قال صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلَم.

﴿ أَوَليس الذي خلق السماواتِ والأرضَ ﴾ مع كبر جرمهما، وعظم شأنهما ﴿ بقادرٍ على أن يَخْلُقَ مِثْلَهم ﴾ مثل أجسامهم في الصِّغر والحقارة، بالإضافة إلى السماوات والأرض، أو : أن يعيدهم مثل ما كانوا عليه في الذات والصفات ؛ لأن المعاد مثل المبْدأ، بل أسهل، ﴿ بَلى ﴾ أي : قُل : بَلى هو قادر على ذلك، ﴿ وهو الخلاَّقُ ﴾ كثير الخلق والاختراع، ﴿ العليمُ ﴾ بأحوال خلقه، أو : كثير المخلوقات والمعلومات.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أَوَلَمْ ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم : ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له : وما هو ؟ قال :( قلت لشيء كان : ليته لم يكن ). فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شؤونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى : أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية !.
وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشؤون. قال القشيري : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء ـ قلَّ أو كثر ـ إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
قال النسفي : قال صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلَم.

﴿ إِنما أمْرُهُ ﴾ شأنه ﴿ إِذا أراد شيئاً ﴾ بكونه ﴿ أن يقولَ له كُن فيكون ﴾ فيحدث، أي : فهو كائن موجود، لا محالة. وهو تمثيل لتأثير قدرته في الأشياء، بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور، من غير امتناع وتوقف، من غير أن يحتاج إلى كاف ولا نون، وإنما هو بيان لسرعة الإيجاد، كأنه يقول : كما لا يثقل عليكم قول " كن "، فكذلك لا يصعب على الله إنشاؤكم وإعادتكم. قال الكواشي : ثم أومأ إلى كيفية خلقه الأشياء المختلفة في الزمان المتحد، وذلك ممتنع على غيره، فقال :﴿ إِنما أمره. . . ﴾ الآية، فيحدث من غير توقف، فمَن رفع " فيكونُ "، فلأنه جملة من مبتدأ وخبر، أي : فهو يكون. ومَن نصب فللعطف على " يقول ". والمعنى : أنه ليس ممن يلحقه نصَب ولا مشقة، ولا يتعاظمه أمر، بل إيجاد المعدومات، وإعدام الموجودات، عليه أسرع من لمح البصر. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أَوَلَمْ ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم : ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له : وما هو ؟ قال :( قلت لشيء كان : ليته لم يكن ). فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شؤونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى : أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية !.
وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشؤون. قال القشيري : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء ـ قلَّ أو كثر ـ إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
قال النسفي : قال صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلَم.

﴿ فسبحان ﴾ تنزيهاً له مما وصفه به المشركون، وتعجيب مما قالوا، ﴿ الذي بيده ملكوتُ ﴾ أي : ملك ﴿ كُلِّ شيءٍ ﴾ والتصرُّف فيه على الإطلاق. وزيادة الواو والتاء ؛ للمبالغة، أي : مالك كلّ شيء، ﴿ وإِليه تُرجَعُون ﴾ بالبعث للجزاء والحساب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أَوَلَمْ ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم : ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له : وما هو ؟ قال :( قلت لشيء كان : ليته لم يكن ). فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شؤونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى : أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية !.
وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشؤون. قال القشيري : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء ـ قلَّ أو كثر ـ إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
قال النسفي : قال صلى الله عليه وسلم :" مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلَم.

Icon