تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
ﯤﯥ
ﰀ
قوله: ﴿ذَرْواً﴾ : منصوبٌ على المصدرِ المؤكِّد، العاملُ فيه فَرْعُه وهو اسمُ الفاعلِ. والمفعولُ محذوفٌ اقتصاراً؛ إذ لا نظيرَ لما يَذْرُوه هنا. وأدغم أبو عمروٍ وحمزةُ تاءَ «الذاريات» في ذال «ذَرْواً».
ﯧﯨ
ﰁ
قوله: ﴿وَقْراً﴾ : مفعولٌ به بالحاملات. والوِقْر بالكسر: اسمُ ما يُوْقَر أي: يُحْمَلُ. وقُرِىء «وَقْراً» بالفتح، وذلك على تسمية المفعول بالمصدر. ويجوز أن يكونَ مصدراً على حالِه، والعاملُ فيه معنى الفعلِ قبله؛ لأنَّ الحَمْلَ والوَقْرَ بمعنىً واحد، وإن كان بينهما عمومٌ وخصوصٌ/.
ﯪﯫ
ﰂ
قوله: ﴿يُسْراً﴾ : يجوزُ أن يكونَ مصدراً مِنْ معنى ما قبلَه أي: جَرْياً يُسْراً، وأَنْ تكونَ حالاً أي: ذات يُسْرٍ أو مَيْسَرة أو جُعِلَتْ نفسَ اليُسْرِ مبالغةً.
ﯭﯮ
ﰃ
قوله: ﴿أَمْراً﴾ : يجوزُ أن يكونَ مفعولاً به، وهو
39
الظاهر، وأَنْ يكون حالاً أي: مأمورَه، وعلى هذا فيحتاج إلى حَذْف مفعولِ «المُقَسِّمات». وقد يقال: لا غرضَ لتقديرِه كما في «الذَّارِيات». وهل هذه أشياءُ متختلفةٌ فتكونُ الواوُ على بابِها من عطفِ المتغايراتِ، فإنَّ الذارياتِ هي الرياحُ، والحاملاتِ الفلكُ، والجارياتِ الكواكبُ، والمُقَسِّماتِ الملائكةُ. وقال الزمخشري: «ويجوزُ أَنْ يُراد الريحُ وحدَها لأنها تُنْشِىءُ السحابَ وتُقِلُّه وتُصَرِّفُه، وتجري في الجوِّ جَرْياً سهلاً». قلت: فعلى هذا يكونُ مِنْ عطفِ الصفاتِ، والمرادُ واحدٌ كقولِه:
وقولِ الآخر:
وهذا قَسَمٌ جوابُه قولُه: «إنما تُوْعدون».
٤١٠٠ - يا لَهْفَ زَيَّابَةَ للحارثِ الصَّا | بِحِ فالغانِمِ فالآيِبِ |
٤١٠١ - إلى المَلِك القَرْمِ وابْنِ الهُمامِ | ولَيْثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ |
40
و «ما» يجوزُ أَنْ تكونَ اسميةً، وعائدُها محذوفٌ أي: تُوْعَدونه، ومصدريةً فلا عائدَ على المشهور، وحينئذٍ يُحتمل أَنْ يكونَ «تُوْعدون» مبنياً من الوَعْدِ، وأَنْ يكونَ مبنيَّاً من الوعيد لأنه صالحٌ أَنْ يُقال: أَوْعَدْتُه فهو يُوْعَد، ووَعَدْتُه فهو يُوعَد لا يختلفُ، فالتقدير: إنَّ
40
وَعْدَكم، أو إنَّ وَعيدكم. ولا حاجةَ إلى قولِ مَنْ قالَ: إن قولَه: «لَصادِقٌ» وقع فيه اسمُ الفاعلِ موقع المصدرِ أي: لصِدْقٌ؛ لأنَّ لفظَ اسمِ الفاعل أَبْلَغُ إذ جُعِل الوعدُ أو الوعيدُ صادقاً مبالغةً، وإن كان الوصفُ إنما يقوم بمَنْ يَعِدُ أو يُوْعِدُ.
41
قوله: ﴿ذَاتِ الحبك﴾ : العامَّةُ على «الحُبُك» بضمتين وهي الطرائقُ نحو: طرائق الرَّمْل والماءِ إذا صَفَقَتْه الريحُ، وحُبُك الشَّعْر: آثارُ تَثَنِّيه وتَكَسُّرِه. قال زهير:
والحُبُكُ: جمعٌ يُحتمل أَنْ يكونَ مفردُه «حَبيكة» كطريقةٍ وطُرُق أو حباكِ نحو: حِمار وحُمُر. قال الراجز:
وأصلُ الحَبْكِ: إحكامُ الشيءِ وإتقانُه، ومنه يقال للدِّرع: مَحْبوكة. وقيل: الحَبْكُ الشَّدُّ والتوثُّقُ. قال امرؤ القيس:
قال الشيخ:» ولا حاجةَ إلى إضمار «وجَعَلْنا» لأنه قد أمكن أَنْ يكونَ العامل في المجرور «وتَرَكْنا». قلت: والزمخشريُّ إنما أراد الوجهَ الأولَ بدليلِ قوله: «وفي موسى معطوفٌ على» وفي الأرض «أو على قوله:» وتركْنا فيها «. وإنما قال:» على معنى «من جهةِ تفسيرِ المعنى لا الإِعراب، وإنما أظهر الفعلَ تنبيهاً على مغايرة الفعلَيْن. يعني: أن هذا التركَ غيرُ ذاك التركِ، ولذلك أبرزَه بمادةِ الجَعْلِ دون مادة التركِ لتظهرَ المخالفةُ.
قوله: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَاهُ﴾ يجوز في هذا الظرفِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ منصوباً بآية على الوجهِ الأول أي: تركنا في قصة موسى علامةً في وقتِ إرْسالِنا إياه. والثاني: أنَّه متعلقٌ بمحذوفٍ لأنَّه نعتٌ لآية أي: آيةً كائنةً في وقتِ إرْسالِنا. الثالث: أنه منصوبٌ ب» تَرَكْنا «.
قوله: ﴿بِسُلْطَانٍ﴾ يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفس الإِرسال، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ: إمَّا مِنْ موسى، وإمَّا مِنْ ضميرِه أي: ملتبساً بسلطان، وهي الحُجَّةُ.
٤١٠٢ - مُكَلَِلٌ بأصولِ النجم تَنْسُجُه | ريحُ حَريقٍ لضاحي مائِه حُبُكُ |
٤١٠٣ - كأنَّما جَلَّلها الحُوَّاكُ | طِنْفِسَةٌ في وَشْيِها حِباكُ |
٤١٠٤ - قد غدا يَحْمِلُنِي في أَنْفِه | لاحِقُ الإِطْلَيْنِ مَحْبوكٌ مُمَرّْ |
٤١٠٥ - فتَداعَى مَنْخِراه بدَمٍ | مثلَ ما أثمرَ حَمَّاضُ الجَبَلْ |
٤١٠٦ - لم يَمْنَعِ الشُّرْبَ منها غيرَ أَن نَطَقَتْ | حمامةٌ في غُصونٍ ذاتِ أَوْقالِ |
الثاني: أنَّ «مثلَ» رُكِّب مع «ما» حتى صارا شيئاً واحداً. قال
47
المازني: «ومثلُه: وَيْحَما وهَيَّما وأَيْنَما» وأنشد لحميد بن ثور:
قال: فلولا البناءُ لكان منوَّناً. وأنشد أيضاً:
وهذا الذي ذكرَه ذهب إليه بعضُ النَّحْويين، وأَنْشد:
وأمَّا ما أنشدَه مِنْ قولِه: «وأكرِمْ بنا ابنَما» فليس هذا من الباب لأنَّ هذا «ابن» زِيْدَتْ عليه الميم. وإذا زِيْدَتْ عليه الميمُ جُعِلَتِ النونُ تابعةً للميم في الحركاتِ على الفصيح، فتقول: هذا ابنمٌ، ورأيت ابنَماً، ومررت بابنِم، فتُجْري حركاتِ الإِعراب على الميم وتَتْبَعُها النونُ. «وابنما» في البيت منصوبٌ على التمييز، فالفتحُ لأجلِ النصبِ لا للبناءِ، وليس هذه «ما» الزائدةَ، بل الميمُ وحدَها زائدةٌ، والألفُ بدلٌ من التنوين.
٤١٠٧ - ألا هَيَّما مِمَّا لَقِيْتُ وهَيَّما | ووَيْحاً لِمَنْ لم يَدْرِ ما هُنَّ وَيْحَما |
٤١٠٨ -............................ | فأكْرِمْ بنا أُمَّاً وأكْرِمْ بنا ابْنَما |
٤١٠٩ - أثورَ ما أَصِيْدُكم أم ثورَيْنْ | أم هذه الجَمَّاءَ ذاتَ القرنَيْنْ |
48
الثالث: أنَّه منصوبٌ على الظرفِ، وهو قولُ الكوفيين، ويجيزون «زيدٌ مثلَك» بالفتح. ونقله أبو البقاء عن أبي الحسن، ولكن بعبارةٍ مُشْكِلةٍ فقال: «ويُقْرَأ بالفتح، وفيه وجهان، أحدُهما: هو مُعْرَبٌ. ثم في نصبِه أوجهٌ». ثم قال: «أو على أنه مرفوعُ الموضعِ، ولكنَّه فُتحَ كما فُتح الظرفُ في قوله:
﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] على قولِ الأخفَشِ «. ثم قال:» والوجه الثاني هو مبنيٌّ «. وقال أبو عبيد:» بعضُ العربِ يَجْعَلُ «مثلَ» نصباً أبداً فيقولون: هذا رجلٌ مثلَك «.
الرابع: أنه منصوب على إسقاطِ الجارِّ، وهو كافُ التشبيهِ. وقال الفراء:» العربُ تَنْصِبُها إذا رُفِعَ بها الاسمُ، يعني المبتدأ، فيقولون: مثلَ مَنْ عبدُ الله؟ وعبدُ الله مثلَك، وأنت مثلَه؛ لأنَّ الكافَ قد تكونُ داخلةً عليها فتُنْصَبُ إذا أَلْقَيْتَ الكافَ «. قلت: وفي هذا نظرٌ، أيُّ حاجةٍ إلى تقدير دخولِ الكافِ و» مثْل «تفيدُ فائدتَها؟ وكأنه لمَّا رأى الكافَ قد دخلَتْ عليها في قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] قال ذلك.
الخامس: أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي: لحَقٌّ حقاً مثلَ نُطْقِكم. السادس: أنه حالٌ من الضميرِ في» لَحَقٌّ «لأنه قد كَثُرَ الوصفُ بهذا المصدرِ، حتى جَرَى مَجْرى الأوصافِ المشتقةِ، والعاملُ فيها» حَقٌّ «. السابع: أنه حالٌ من نفس» حقٌّ «وإن كان نكرةً. وقد نَصَّ سيبويه في مواضع من كتابه على جوازِه، وتابعه أبو عمرَ على ذلك.
﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] على قولِ الأخفَشِ «. ثم قال:» والوجه الثاني هو مبنيٌّ «. وقال أبو عبيد:» بعضُ العربِ يَجْعَلُ «مثلَ» نصباً أبداً فيقولون: هذا رجلٌ مثلَك «.
الرابع: أنه منصوب على إسقاطِ الجارِّ، وهو كافُ التشبيهِ. وقال الفراء:» العربُ تَنْصِبُها إذا رُفِعَ بها الاسمُ، يعني المبتدأ، فيقولون: مثلَ مَنْ عبدُ الله؟ وعبدُ الله مثلَك، وأنت مثلَه؛ لأنَّ الكافَ قد تكونُ داخلةً عليها فتُنْصَبُ إذا أَلْقَيْتَ الكافَ «. قلت: وفي هذا نظرٌ، أيُّ حاجةٍ إلى تقدير دخولِ الكافِ و» مثْل «تفيدُ فائدتَها؟ وكأنه لمَّا رأى الكافَ قد دخلَتْ عليها في قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] قال ذلك.
الخامس: أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي: لحَقٌّ حقاً مثلَ نُطْقِكم. السادس: أنه حالٌ من الضميرِ في» لَحَقٌّ «لأنه قد كَثُرَ الوصفُ بهذا المصدرِ، حتى جَرَى مَجْرى الأوصافِ المشتقةِ، والعاملُ فيها» حَقٌّ «. السابع: أنه حالٌ من نفس» حقٌّ «وإن كان نكرةً. وقد نَصَّ سيبويه في مواضع من كتابه على جوازِه، وتابعه أبو عمرَ على ذلك.
49
و» ما «هذه في مثلِ هذا التركيبِ نحو قولِهم:» هذا حَقٌّ كما أنَّك ههنا «لا يجوز حَذْفُها فلا يُقال:» هذا حَقٌّ كأنَّك هنا «. نَصَّ على ذلك الخليل رحمه الله تعالى فإذا جعلْتَ» مثلَ «معربةً كانت» ما «مزيدةً و» أنكم «في محلِّ خفضٍ بالإِضافةِ كما تقدَّم، وإذا جَعَلْتَها مبنيَّة: إمَّا للتركيب، وإمَّا لإِضافتِها إلى غيرِ متمكِّنٍ جاز في» ما «هذه وجهان الزيادةُ وأَنْ تكونَ نكرةً موصوفةً/ كذا قال أبو البقاء. وفيه نظرٌ لعدم الوصفِ هنا. فإنْ قال: هو محذوفٌ فالأصلُ عَدَمُه. وأيضاً فنصُّوا على أن هذه الصفةَ لا تُحْذَفُ لإِبهامِ موصوفِها، وأمَّا» أنَّكم تَنْطِقون «فيجوز أَنْ يكونَ مجروراً بالإِضافةِ إنْ كانَتْ» ما «مزيدةً، وإنْ كانت نكرةً كان في موضعِ نصبٍ بإِضمارِ أعني أو رفعٍ بإضمار مبتدأ.
50
قوله: ﴿إِذْ دَخَلُواْ﴾ : في العاملِ في «إذ» أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه «حديثُ» أي: هل أتاك حديثُهم الواقعُ في وقت دخولِهم عليه. الثاني: أنه منصوبٌ بما في «ضَيْف» من معنى الفعل؛ لأنه في الأصلِ مصدرٌ، ولذلك استوى فيه الواحدُ المذكرُ وغيره، كأنه قيل: الذي أضافهم في وقتِ دخولِهم عليه. الثالث: أنَّه منصوبٌ ب «المُكْرَمين» إنْ أريد بإِكرامهِم أنَّ إبراهيمَ أكرمَهم بخدمتِه لهم. الرابع: أنه منصوبٌ بإضمارِ اذْكُر، ولا يجوزُ نصبُه ب «أتاك» لاختلافِ الزمانَيْن.
وقرأ العامَّةُ «المُكْرَمين» بتخفيفِ الراءِ مِنْ أكرم. وعكرمة بالتشديد.
وقرأ العامَّةُ «المُكْرَمين» بتخفيفِ الراءِ مِنْ أكرم. وعكرمة بالتشديد.
50
قوله: ﴿سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ﴾ : قد تقدَّم تحريرُ هذا في هود. وقال ابن عطية: «ويتجهُ أن يعملَ في» سَلاماً «» قالوا «على أَنْ يُجعل» سلاماً «في معنى قولاً، ويكون المعنى حينئذٍ: أنهم قالوا تحية وقولاً معناه سلاماً. وهذا قولُ مجاهد». قلت: ولو جُعِل التقدير أنَّهم قالوا هذا اللفظَ بعينِه لكان أَوْلى، وتفسيرُ هذا اللفظِ هو التحيةُ المعهودةُ. وتقدَّم أيضاً خلافُ القرَّاءِ في «سلاماً» بالنسبة إلى فتحِ سِينه وكسرِها وإلى سكونِ لامِه وفتحِها.
والعامَّةُ على نصب «سلاماً» الأول ورفع الثاني، وقُرئا مرفوعَيْن، وقُرىء «سَلاماً قال: سِلْماً» بكسرِ سينِ الثاني ونصبِه، ولا يَخْفَى توجيهُ ذلك كلِّه مِمَّا تقدَّمَ في هود.
قوله: ﴿قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ خبرُ مبتدأ مضمرٍ فقدَّروه: أنتم قومٌ، ولم يَسْتحسِنْه بعضُهم؛ لأنَّ فيه عَدَمَ أُنْسٍ فمثلُه لا يقعُ من إبراهيم عليه السلام، فالأَوْلَى أَنْ يُقَدَّر: هؤلاء قومٌ أو هم قومٌ، وتكون مقالتُه هذه مع أهلِ بيتِه وخاصَّتِه لا لنفسِ الضيفِ؛ لأنَّ ذلك يُوْحِشُهم.
والعامَّةُ على نصب «سلاماً» الأول ورفع الثاني، وقُرئا مرفوعَيْن، وقُرىء «سَلاماً قال: سِلْماً» بكسرِ سينِ الثاني ونصبِه، ولا يَخْفَى توجيهُ ذلك كلِّه مِمَّا تقدَّمَ في هود.
قوله: ﴿قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ خبرُ مبتدأ مضمرٍ فقدَّروه: أنتم قومٌ، ولم يَسْتحسِنْه بعضُهم؛ لأنَّ فيه عَدَمَ أُنْسٍ فمثلُه لا يقعُ من إبراهيم عليه السلام، فالأَوْلَى أَنْ يُقَدَّر: هؤلاء قومٌ أو هم قومٌ، وتكون مقالتُه هذه مع أهلِ بيتِه وخاصَّتِه لا لنفسِ الضيفِ؛ لأنَّ ذلك يُوْحِشُهم.
51
وقوله: ﴿فَجَآءَ﴾ : عطفٌ على «فراغَ»، وتَسَبُّبُه عنه واضحٌ. والهمزةُ في «ألا تأكلون» للإِنكار عليهم في عَدَمِ أكلِهم، أو للعَرْضِ أو للتحضيضِ.
قوله: ﴿فِي صَرَّةٍ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل أي: كائنةً في صَرَّة. والصَّرَّة قيل: الصيحة. قال امرؤ القيس:
قال الزمخشري: «مِنْ صَرَّ الجُنْدُبُ والبابُ والقلمُ. ومحلُّه النصبُ على الحالِ أي: فجاءَتْ صارَّةً»، ويجوزُ أَنْ يكونَ متعلقاً ب «أَقْبَلَتْ» أي: أقبلَتْ في جماعةِ نسوةٍ كُنَّ معها. والصَّرَّةُ: الجماعةُ من النساء.
قوله: ﴿فَصَكَّتْ﴾ أي: لَطَمَتْ: واخْتُلف فيه، فقيل: هو الضَّرْبُ باليد مبسوطةً. وقيل: بل ضَرْبُ الوجهِ بأطرافِ الأصابعِ فِعْلَ المتعجِّبِ، وهي عادةُ النساءِ.
قوله: «عجوزٌ» : خبرٌ مبتدأ مضمرٍ أي: أنا عجوزٌ عقيمٌ فكيف أَلِدُ؟ تفسِّرها الآيةُ الأخرى.
٤١١٠ - فَأَلْحَقَنا بالهادياتِ ودونَه | جَواحِرُها في صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ |
قوله: ﴿فَصَكَّتْ﴾ أي: لَطَمَتْ: واخْتُلف فيه، فقيل: هو الضَّرْبُ باليد مبسوطةً. وقيل: بل ضَرْبُ الوجهِ بأطرافِ الأصابعِ فِعْلَ المتعجِّبِ، وهي عادةُ النساءِ.
قوله: «عجوزٌ» : خبرٌ مبتدأ مضمرٍ أي: أنا عجوزٌ عقيمٌ فكيف أَلِدُ؟ تفسِّرها الآيةُ الأخرى.
قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ : منصوبٌ على المصدرِ ب «قال» الثانية أي: مثلَ ذلك القولِ الذي أخبرناك به قال ربُّك أي: إنه من جهةِ اللَّهِ فلا تَتَعجَّبي منه.
قوله: ﴿مُّسَوَّمَةً﴾ : فيه ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنه منصوبٌ على النعتِ لحجارة. والثاني: أنَّه حالٌ من الضمير المستكنِّ في
52
الجارِّ قبله. الثالث: أنه حالٌ مِنْ «حجارة» وحَسَّن ذلك كونُ النكرةِ وُصِفَتْ بالجارِّ بعدها.
قوله: ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ ظرفٌ ل «مُسَوَّمةً» أي: مُعْلَمَةً عنده.
قوله: ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ ظرفٌ ل «مُسَوَّمةً» أي: مُعْلَمَةً عنده.
53
قوله: ﴿فِيهَآ آيَةً﴾ : يجوز أن يعود الضمير على القرية أي: تَرَكْنا في القرية علامةً كالحجارةِ أو الماء المُنْتِنِ، ويجوزُ أَنْ يعودَ على الإِهلاكةِ المفهومةِ/ من السِّياق.
قوله: ﴿وَفِي موسى﴾ : فيه أوجهٌ، أحدُها: وهو الظاهر أنه عطفٌ على قولِه: «فيها» بإعادةِ الجارِّ؛ لأن المعطوفَ عليه ضميرٌ مجرورٌ فيتعلَّقُ ب «تَرَكْنا» من حيث المعنى، ويكونُ التقديرُ: وتَرَكْنا في قصةِ موسى آيةً. هذا معنىً واضحٌ. والثاني: أنه معطوفٌ على قولِه: ﴿وَفِي الأرض آيَاتٌ﴾ [الذاريات: ٢٠] أي: وفي الأرضِ وفي موسى آياتٌ للموقِنين، قاله الزمخشري وابنُ عطية. قال الشيخُ: «وهذا بعيدٌ جداً يُنَزَّه القرآنُ عن مثلِه». قلت: ووجهُ استبعادِه له: بُعْدُ ما بينهما، وقد فعل أهلُ العلمِ هذا في أكثرَ من ذلك. الثالث: أنه متعلقٌ ب «جَعَلْنا» مقدرةً لدلالةِ «وتَرَكْنا». قال الزمخشري: «أو على قولِه يعني أو يُعْطَفُ على قولِ وترَكْنا فيها آيةً على معنى: وجَعَلْنا في موسى آيةً كقوله:
53
٤١١١ - فَعَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً | ............................ |
قوله: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَاهُ﴾ يجوز في هذا الظرفِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ منصوباً بآية على الوجهِ الأول أي: تركنا في قصة موسى علامةً في وقتِ إرْسالِنا إياه. والثاني: أنَّه متعلقٌ بمحذوفٍ لأنَّه نعتٌ لآية أي: آيةً كائنةً في وقتِ إرْسالِنا. الثالث: أنه منصوبٌ ب» تَرَكْنا «.
قوله: ﴿بِسُلْطَانٍ﴾ يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفس الإِرسال، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ: إمَّا مِنْ موسى، وإمَّا مِنْ ضميرِه أي: ملتبساً بسلطان، وهي الحُجَّةُ.
54
قوله: ﴿بِرُكْنِهِ﴾ : حالٌ من فاعل «تَوَلَّى».
قوله: ﴿سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ «أو» هنا على بابِها من الإِبهام على السامعِ أو للشكِّ، نَزَّل نفسَه مع أنَّه يَعْرِفُه نبياً حقاً منزلةَ الشَّاكِّ في أمرِه
قوله: ﴿سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ «أو» هنا على بابِها من الإِبهام على السامعِ أو للشكِّ، نَزَّل نفسَه مع أنَّه يَعْرِفُه نبياً حقاً منزلةَ الشَّاكِّ في أمرِه
54
تَمْويهاً على قومِه. وقال أبو عبيدة: «أو بمعنى الواو». قال: «لأنه قد قالهما، قال تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٠٩]. وقال في موضع آخرَ: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧]. وتجيْءُ» أو «بمعنى الواو كقولِه:
وردَّ الناسُ عليه هذا وقالوا: لا ضرورةَ تَدْعُو إلى ذلك، وأمَّا الآيتان فلا تَدُلاَّن على أنَّه قالهما معاً، وإنما تفيدان أنه قالهما أعَمَّ مِنْ أَنْ يكونا معاً، وهذه في وقت وهذه في آخرَ.
٤١١٢ - أثَعْلَبَةَ الفوارِسَ أو رِياحا | عَدَلْتَ بهم طُهَيَّةَ والخِشابا |
55
قوله: ﴿وَجُنُودَهُ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ معطوفاً على مفعول «أَخَذْناه» وهو الظاهرُ، وأَنْ يكونَ مفعولاً معه.
قوله: ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ جملةٌ حاليةٌ، فإن كانت حالاً من مفعول «نَبَذْناهم» فالواوُ لازمةٌ إذ ليسَ فيها ذِكْرٌ يعودُ على صاحب الحال، وإن كانت حالاً من مفعول «أَخَذْناه» فالواوُ ليسَتْ واجبةٍ؛ إذ في الجملة ذِكْرٌ يعودُ عليه. وقد يُقال: إنَّ الضمير في «نَبَذْناهم» يعود على فرعون وعلى جنودِه، فصار في الحال ذِكْرٌ يعودُ على بعض ما شَمَلَه الضميرُ الأول. وفيه نظرٌ؛ إذ يصيرُ نظيرَ قولِك: «جاء السلطانُ وجنوده فأكرمتُهم راكباً فرسَه» فتجعل «راكباً» حالاً من بعضِ ما اشتمل عليه ضميرُ «أكرمتُهم».
قوله: ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ جملةٌ حاليةٌ، فإن كانت حالاً من مفعول «نَبَذْناهم» فالواوُ لازمةٌ إذ ليسَ فيها ذِكْرٌ يعودُ على صاحب الحال، وإن كانت حالاً من مفعول «أَخَذْناه» فالواوُ ليسَتْ واجبةٍ؛ إذ في الجملة ذِكْرٌ يعودُ عليه. وقد يُقال: إنَّ الضمير في «نَبَذْناهم» يعود على فرعون وعلى جنودِه، فصار في الحال ذِكْرٌ يعودُ على بعض ما شَمَلَه الضميرُ الأول. وفيه نظرٌ؛ إذ يصيرُ نظيرَ قولِك: «جاء السلطانُ وجنوده فأكرمتُهم راكباً فرسَه» فتجعل «راكباً» حالاً من بعضِ ما اشتمل عليه ضميرُ «أكرمتُهم».
قوله: ﴿وَفِي عَادٍ، وَفِي ثَمُودَ، وَفِي موسى﴾ : تقدَّم مثلُه.
قوله: ﴿إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم﴾ : هذه الجملةُ في موضع المفعول الثاني ل «تَذَرُ» كأنه قيل: ما تَتْرك من شيءٍ إلاَّ مجعولاً نحو: ما تركتُ زيداً إلاَّ عالماً. وأعرَبها الشيخُ حالاً وليس بظاهرٍ.
قوله: ﴿الصاعقة﴾ : هذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ الكسائي «الصَّعْقَة»، والحسن «الصاقِعة». وتقدَّم ذِكْرُ هذا كلِّه في البقرة.
قوله: ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ جملةٌ حاليةٌ من المفعول. و «ينظرون» قيل: من النظر. وقيل: من الانتظار أي: ينتظرون ما وُعِدوه من العذاب.
قوله: ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ جملةٌ حاليةٌ من المفعول. و «ينظرون» قيل: من النظر. وقيل: من الانتظار أي: ينتظرون ما وُعِدوه من العذاب.
قوله: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ : قرأ الأخَوان وأبو عمرو بجرِّ الميم، والباقون/ بنصبها. وأبو السَّمَّال وابن مقسم وأبو عمرو في روايةِ الأصمعيِّ «وقومُ» بالرفع. فأمَّا الخفضُ ففيه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه معطوفٌ على «وفي الأرض». الثاني: أنه معطوفٌ على «وفي موسى» الثالث: أنه معطوفٌ على «وفي عاد». الرابع: أنه معطوفٌ على «وفي
56
ثمودَ»، وهذا هو الظاهرُ لقُرْبِه وبُعْدِ غيرِه. ولم يذكرْ الزمخشريُّ غيرَه فإنه قال: «وقُرِىء بالجرِّ على معنى» وفي قوم نوح «. ويُقَوِّيه قراءةُ عبد الله» وفي قوم نوح «. ولم يَذْكُرْ أبو البقاء غيرَ الوجهِ الأخيرِ لظهورِه.
وأمّا النصبُ ففيه ستةُ أوجهٍ، أحدها: أنه منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ أي: وأهلَكْنا قومَ نوح؛ لأنَّ ما قبلَه يَدُلُّ عليه. الثاني: أنه منصوبٌ ب اذْكُرْ مقدراً، ولم يَذْكُرْ الزمخشريُّ غيرَهما. الثالث: أنَّه منصوبٌ عطفاً على مفعول» فأَخَذْناه «. الرابع: أنه معطوفٌ على مفعول ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم﴾ وناسَبَ ذلك أنَّ قومَ نوح مُغْرقون من قبلُ. لكنْ يُشْكِلُ أنَّهم لم يَغْرَقوا في اليمِّ. وأصلُ العطفِ أَنْ يقتضيَ التشريكَ في المتعلَّقات. الخامس: أنَّه معطوفٌ على مفعولِ» فَأَخَذَتْهم الصاعقةُ «. وفيه إشكالٌ؛ لأنهم لم تأخُذْهم الصاعقةُ، وإنما أُهْلكوا بالغَرَقِ. إلاَّ أَنْ يُرادَ بالصاعقةِ الداهيةُ والنازلةُ العظيمة من أيِّ نوع كانت، فيَقْرُبُ ذلك. السادس: أنه معطوفٌ على محلِّ» وفي موسى «، نقله أبو البقاء وهو ضعيفٌ.
وأما الرفعُ على الابتداءِ والخبرُ مقدَّرٌ أي: أهلَكْناهم. وقال أبو البقاء:» والخبرُ ما بعدَه «يعني مِنْ قولِه: إنهم كانوا قوماً فاسقين. ولا يجوز أَنْ يكونَ مرادُه قولَه:» من قبلُ «؛ إذ الظرفُ ناقصٌ فلا يُخبَرُ به.
وأمّا النصبُ ففيه ستةُ أوجهٍ، أحدها: أنه منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ أي: وأهلَكْنا قومَ نوح؛ لأنَّ ما قبلَه يَدُلُّ عليه. الثاني: أنه منصوبٌ ب اذْكُرْ مقدراً، ولم يَذْكُرْ الزمخشريُّ غيرَهما. الثالث: أنَّه منصوبٌ عطفاً على مفعول» فأَخَذْناه «. الرابع: أنه معطوفٌ على مفعول ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم﴾ وناسَبَ ذلك أنَّ قومَ نوح مُغْرقون من قبلُ. لكنْ يُشْكِلُ أنَّهم لم يَغْرَقوا في اليمِّ. وأصلُ العطفِ أَنْ يقتضيَ التشريكَ في المتعلَّقات. الخامس: أنَّه معطوفٌ على مفعولِ» فَأَخَذَتْهم الصاعقةُ «. وفيه إشكالٌ؛ لأنهم لم تأخُذْهم الصاعقةُ، وإنما أُهْلكوا بالغَرَقِ. إلاَّ أَنْ يُرادَ بالصاعقةِ الداهيةُ والنازلةُ العظيمة من أيِّ نوع كانت، فيَقْرُبُ ذلك. السادس: أنه معطوفٌ على محلِّ» وفي موسى «، نقله أبو البقاء وهو ضعيفٌ.
وأما الرفعُ على الابتداءِ والخبرُ مقدَّرٌ أي: أهلَكْناهم. وقال أبو البقاء:» والخبرُ ما بعدَه «يعني مِنْ قولِه: إنهم كانوا قوماً فاسقين. ولا يجوز أَنْ يكونَ مرادُه قولَه:» من قبلُ «؛ إذ الظرفُ ناقصٌ فلا يُخبَرُ به.
57
قوله: ﴿والسمآء بَنَيْنَاهَا﴾ : العامة على النصب على الاشتغالِ، وكذلك قولُه: ﴿والأرضَ فَرَشْناها﴾ والتقديرُ: وبَنَيْنا السماءَ بَنَيْناها. وقال أبو البقاء: «أي: ورفَعْنا السماءَ» فقدَّر الناصبَ مِنْ غير لفظ الظاهر، وهذا إنما يُصار إليه عند تعذُّرِ التقديرِ الموافقِ لفظاً نحو: زيداً مررت به، وزيداً ضربْتُ غلامَه. وأمَّا في نحو «زيداً ضربتُه» فلا يُقَدَّر: إلاَّ ضربْتُ زيداً. وقرأ أبو السَّمَّال وابن مقسم برفعِهما على الابتداء، والخبرُ ما بعدهما. والنصبُ أرجحُ لعطفِ جملة الاشتغال على جملةٍ فعلية قبلَها.
قوله: ﴿بِأَيْدٍ﴾ يجوز أَنْ يتعلقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ. وفيها وجهان، أحدهما: أنَّها حالٌ من فاعل «بَنَيْناها» أي: ملتبسين بقوةٍ: والثاني: أنها حالٌ مِنْ مفعولِه أي: ملتبسةً بقوةٍ. ويجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ للسببِ أي: بسببِ قدرتِنا. ويجوزُ أَنْ تكون الباءُ مُعَدِّيَةً مجازاً، على أن تجعلَ الأَيْدَ كالآلةِ المبنيِّ بها كقولك: بَنَيْتُ بيتَك بالآجُرِّ.
قوله: ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ يجوز أَنْ تكونَ الجملةُ حالاً مِنْ فاعل «بَنَيْناها»، ويجوزُ أَنْ تكونَ حالاً من مفعوله، ومفعول «مُوْسِعون» محذوفٌ أي: موسِعون بناءَها. ويجوزُ أَنْ لا يُقَدَّر له مفعولٌ؛ لأنَّ معناه «لَقادِرون»، مِنْ قولك: ما في وُسْعي كذا أي: ما في طاقتي وقوتي.
قوله: ﴿بِأَيْدٍ﴾ يجوز أَنْ يتعلقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ. وفيها وجهان، أحدهما: أنَّها حالٌ من فاعل «بَنَيْناها» أي: ملتبسين بقوةٍ: والثاني: أنها حالٌ مِنْ مفعولِه أي: ملتبسةً بقوةٍ. ويجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ للسببِ أي: بسببِ قدرتِنا. ويجوزُ أَنْ تكون الباءُ مُعَدِّيَةً مجازاً، على أن تجعلَ الأَيْدَ كالآلةِ المبنيِّ بها كقولك: بَنَيْتُ بيتَك بالآجُرِّ.
قوله: ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ يجوز أَنْ تكونَ الجملةُ حالاً مِنْ فاعل «بَنَيْناها»، ويجوزُ أَنْ تكونَ حالاً من مفعوله، ومفعول «مُوْسِعون» محذوفٌ أي: موسِعون بناءَها. ويجوزُ أَنْ لا يُقَدَّر له مفعولٌ؛ لأنَّ معناه «لَقادِرون»، مِنْ قولك: ما في وُسْعي كذا أي: ما في طاقتي وقوتي.
قوله: ﴿فَنِعْمَ الماهدون﴾ : المخصوصُ بالمدحِ محذوفٌ لفهمِ المعنى أي: نحن كقوله: ﴿نِعْمَ العبد﴾ [ص: ٤٤].
قوله: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ : يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب «خَلَقْنا» أي: خَلَقْنا مِنْ كلِّ شيء زوجَيْن، وأَنْ يتعلَّق بمحذوف على أنه حالٌ مِنْ «زوجَيْن» ؛ لأنه في الأصل صفةٌ له؛ إذ التقديرُ: خَلَقْنا زوجَيْن كائنين من كلِّ شيءٍ، والأولُ أقوى في المعنى.
قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ : فيه وجهان، أظهرُهما: أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي: الأمرُ مثلُ ذلك. والإِشارةُ ب «ذلك» قال الزمخشريُّ: «إلى تكذيبهِم الرسولَ وتسميتِه ساحراً ومجنوناً» ثم فَسَّر ما أَجْمل بقولِه: «ما أَتى». والثاني: أن الكاف في محلِّ نصبٍ نعتاً لمصدر محذوف، قاله مكي، ولم يُبَيِّنْ تقديرَه/ ولا يَصِحُّ أَنْ ينتصِبَ بما بعده لأجل «ما» النافية. وأمَّا المعنى فلا يمتنعُ، ولذلك قال الزمخشري: «ولا يَصِحُّ أن تكون الكافُ منصوبةً ب» أتى «لأنَّ» ما «النافيةَ لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، ولو قيل: لم يأتِ لكان صحيحاً» يعني لو أتى في موضع «ما» ب «لم» لجازَ أن تنتصِبَ الكافُ ب «أتى» لأن المعنى يَسُوغ عليه. والتقدير: كَذَّبَتْ قريشٌ تكذيباً مثلَ تكذيب الأمم السابقة رسلَهم. ويَدُلُّ عليه قولُه: ﴿مَآ أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ الآية.
قوله: ﴿إِلاَّ قَالُواْ﴾ الجملةُ القوليةُ في محلِّ نصب على الحال من ﴿الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾، و «من رسولٍ» فاعلُ «أتى» كأنه قيل: ما أتى الأوَّلين رسولٌ إلاَّ في حالِ قولهم: هو ساحرٌ. والضميرُ في «به» يعودُ على القولِ المدلولِ عليه ب «قالوا» أي: أتواصَى الأوَّلُوْن والآخرِون بهذا القولِ المتضمِّنِ لساحرٍ أو مجنونٍ، والاستفهامُ للتعجب.
قوله: ﴿إِلاَّ قَالُواْ﴾ الجملةُ القوليةُ في محلِّ نصب على الحال من ﴿الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾، و «من رسولٍ» فاعلُ «أتى» كأنه قيل: ما أتى الأوَّلين رسولٌ إلاَّ في حالِ قولهم: هو ساحرٌ. والضميرُ في «به» يعودُ على القولِ المدلولِ عليه ب «قالوا» أي: أتواصَى الأوَّلُوْن والآخرِون بهذا القولِ المتضمِّنِ لساحرٍ أو مجنونٍ، والاستفهامُ للتعجب.
قوله: ﴿إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ : متعلقٌ ب «خَلَقْتُ». واخْتُلف في الجن والإِنس: هل المرادُ بهم العمومُ، والمعنى: إلاَّ لأمْرِهم بالعبادة، ولِيقِرُّوا بها؟ وهذا منقولٌ عن عليّ، أو يكون المعنى: ليطيعونِ وينقادوا لقضائي، فالمؤمنُ يفعل ذلك طَوْعاً والكافرُ كَرْهاً، أو يكون المعنى: إلاَّ مُعَدِّين للعبادة. ثم منهم منْ يتأتَّى منه ذلك، ومنهم مَنْ لا كقولك: هذا القلمُ بَرَيْتُه للكتابة، ثم قد تكتب به وقد لا تكتب، أو المرادُ بهم الخصوص. والمعنى: وما خلقتُ الجنَّ والإِنس المؤمنين. وقيل: الطائعين. والأولُ أحسن.
قوله: ﴿أَن يُطْعِمُونِ﴾ : قيل: فيه حَذْفُ مضافٍ، أي: يُطعموا خَلْقي. وقيل: المعنى أَنْ ينفعونِ، فعبَّر ببعضِ وجوه الانتفاعات؛ لأنَّ عادةَ السادة أَنْ ينتفعوا بعبيدِهم، واللَّهُ سبحانه وتعالى مُسْتَغْنٍ عن ذلك.
قوله: ﴿المتين﴾ : العامَّةُ على رفعِه. وفيه أوجهٌ: إمَّا النعتُ للرزَّاق، وإمَّا النعتُ ل «ذو»، وإمَّا النعتُ لاسم «إنَّ» على الموضع، وهو مذهبُ الجَرْميِّ والفراءِ وغيرِهما، وإمَّا خبرٌ بعد خبرٍ، وإمَّا خبرُ مبتدأ مضمرٍ. وعلى كل تقدير فهو تأكيدٌ لأن «ذو القوة» يُفيد فائدتَه. وقرأ ابن محيصن «الرازق» كما قرأ «وَفِي السمآء رازِقُكُمْ» كما تقدَّم. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش «المتينِ» بالجر فقيل: صفة
60
للقوة، وإنما ذَكَّر وصفَها لكونِ تأنيثها غيرَ حقيقي. وقيل: لأنها في معنى الأَيْد. وقال ابن جني: «هو خفضٌ على الجوارِ كقولِهم:» هذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ «يعني أنه صفةٌ للمرفوع، وإنما جُرَّ لَمَّا جاور مجروراً. وهذا مرجوحٌ لإِمكانِ غيرِه، والجِوارُ لا يُصار إليه إلاَّ عند الحاجة.
61
قوله: ﴿ذَنُوباً﴾ : الذَّنوبُ في الأصل: الدَّلْوُ المَلأَى ماءً. وفي الحديث: «فأتى بذَنوبٍ من ماءٍ» فإنْ لم تكن مَلأَى فهو دَلْوٌ، ثم عُبِّر به عن النصيب. قال علقمة:
ويُجْمع في القلةِ على: أَذْنِبة، وفي الكثرةِ على: ذَنائب. وقال المَلِكُ لَمَّا أُنْشد هذا البيتَ: نعم، وأَذْنِبَة. وقال الزمخشري: «الذَّنوبُ: الدَّلْوُ العظيمةُ. وهذا تمثيلٌ، أصلُه في السُّقاةِ يَقْتسمون الماءَ، فيكونُ لهذا ذَنُوب، ولهذا ذَنوب. قال الراجز:
٤١١٣ - وفي كلِّ حَيٍّ قد خبَطْتُ بنِعْمَةٍ | فحُقَّ لشاسٍ مِنْ نَداكَ ذَنوبُ |