تفسير سورة هود

المصحف المفسّر
تفسير سورة سورة هود من كتاب المصحف المفسّر .
لمؤلفه فريد وجدي . المتوفي سنة 1373 هـ
سورة هود مكية وآياتها ثلاث وعشرون ومائة

تفسير الألفاظ :
﴿ الر ﴾ الأحرف التي تبدأ بها بعض السور قيل إنها أسرار محجوبة، وقيل أسماء لله تعالى، وقيل علامة انتهاء كلام وابتداء كلام، وقيل إقسام من الله تعالى، وقيل هي أسماء لبعض السور. ﴿ كتاب ﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا كتاب. ﴿ أحكمت آياته ﴾ أي نظمت نظما محكما. ﴿ ثم فصلت ﴾ بالعقائد والأحكام والمواعظ والأخبار. ﴿ من لدن ﴾ أي من عند.
تفسير المعاني :
الر، هذا كتاب نظمت آياته نظما محكما ثم فصلت بالعقائد والأحكام والمواعظ والأخبار من عند حكيم خبير.
تفسير المعاني :
لأن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم من قبله نذير للكافرين وبشير للمؤمنين.
تفسير الألفاظ :
﴿ ألا تعبدوا إلا الله ﴾ أي لأن لا تعبدوا إلا الله. ﴿ نذير ﴾ النذير المخبر مع تخويف من العاقبة. ﴿ وبشير ﴾ البشير المخبر يخبر فيه سرور.
تفسير الألفاظ :
﴿ إلى أجل مسمى ﴾ أي إلى مدة مقدرة هي آخر أعماركم. ﴿ ويؤت كل ذي فضل فضله ﴾ أي ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا والآخرة.
تفسير المعاني :
وأن استغفروا ربكم من الشرك، ثم توبوا إليه بالطاعة يمتعكم تمتيعا جميلا في الدنيا بتوسعة أرزاقكم إلى أمد مقدر، ويعط كل ذي فضل جزاء فضله لا يبخسه حقه، فإن تتولوا فإني أخشى عليكم عذاب يوم كبير الشأن هو يوم القيامة.
تفسير المعاني :
إلى الله رجوعكم وهو على كل شيء قدير.
تفسير الألفاظ :
﴿ يثنون صدورهم ﴾ أي يثنون صدورهم عن الحق وينحرفون عنه. ﴿ يستغشون ثيابهم ﴾ أي يتغطون بثيابهم. يقال استغشى ثوبه أي تغطى به. ﴿ يسرون ﴾ أي يخفون. ﴿ بذات الصدور ﴾ بأسرار الصدور.
تفسير المعاني :
إلا أن الكافرين ينحرفون بصدورهم ليستخفوا من الله بسرهم فلا يطلع عليه رسوله ولا المؤمنون. ألا إنهم حين يتغطون بثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون، فيستوي في علمه سرهم وعلنهم إنه عليم بأسرار الصدور.
تفسير الألفاظ :
﴿ دابة ﴾ الدابة كل ما يدب على سطح الأرض حتى الإنسان. ﴿ مستقرها ﴾ أي مكان استقرارها. ﴿ ومستودعها ﴾ أي المحل الذي تودع فيه. ﴿ في كتاب مبين ﴾ أي في اللوح المحفوظ.
تفسير المعاني :
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مكان استقرارها في الحياة والمحل الذي تودع فيه بعد الممات، كل ذلك مثبت في اللوح المحفوظ.
تفسير الألفاظ :
﴿ عرشه ﴾ العرش كل شيء له سقف، وكرسي الملك. ﴿ ليبلوكم ﴾ أي ليختبركم. ﴿ إلا سحر مبين ﴾ هو كالسحر في البطلان.
تفسير المعاني :
وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء قبل خلق الأجرام السماوية، أي لم يكن غير الماء من الكائنات، ولئن قلت لهم : إنكم مبعوثون للحساب بعد الموت ليقولن الذين كفروا : ما هذا إلا سحر مبين. أي عريق في البطلان مثله.
تفسير الألفاظ :
﴿ إلى أمة معدودة ﴾ أي إلى جماعة من الأوقات مقدرة. ﴿ ليقولن ما يحبسه ﴾ أي ليقولن استهزاء : ما يمنعه ؟ ﴿ وحاق بهم ﴾ أي وأحاط بهم، وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا ومبالغة في التهديد. يقال حاق به يحيق حيقا وحيوقا، وأحاق يحيق به.
تفسير المعاني :
ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى جماعة من الوقت ليقولن مستهزئين ما يمنع هذا العذاب أن يأتينا ؟ ألا فليعلموا أنه يوم يأتيهم لا ينصرف عنهم حتى يبيدهم ويحيط بهم ما كانوا به يستهزئون.
تفسير الألفاظ :
﴿ ليئوس ﴾ أي كثير اليأس. ﴿ كفور ﴾ أي مبالغ في كفران النعمة.
تفسير المعاني :
ولئن أذقنا الإنسان منا ورحمة، أي نعمة، ثم سلبناها منه صار كثير اليأس مبالغا في كفران الإحسان.
﴿ نعماء ﴾ أي نعمة. ﴿ ضراء ﴾ الضراء : الضيق والمرض.
تفسير المعاني :
ولئن أذقنا الإنسان نعمة بعد ضيق ومرض ألما به، ليقولن قد ذهبت المكدرات عني، فيبطر بما ناله، ويفتخر على الناس به.
تفسير المعاني :
إلا الذين صبروا على الضراء رضاء بقضاء الله وعملوا الصالحات شكرا لله، أولئك لهم مغفرة وأجر كبير.
تفسير الألفاظ :
﴿ وضائق به صدرك ﴾ أي وعارض لك ضيق صدر. ﴿ أن يقولوا ﴾ أي كراهة أن يقولوا. ﴿ لولا ﴾ أي هلا. ﴿ نذير ﴾ أي مخبر بتخويف من العاقبة.
تفسير المعاني :
فلعلك يا محمد تارك تبليغ بعض ما أوحي إليك مما يخالف رأي المشركين ومنقبض صدرك منه كراهة أن يقولوا : هلا أنزل عليه كنز من السماء ينفق منه إنفاق الملوك، أو جاء معه ملك يؤيده فيما يقول ؟ فلا تهتم بهذه السخافات إنما أنت نذير لهم والله على كل شيء وكيل.
تفسير الألفاظ :
﴿ وادعوا من استطعتم ﴾ أي نادوهم ليعينوكم.
تفسير المعاني :
أم يقولون اختلق هذا القرآن ؟ قل : فأتوا بعشر سور مختلقات، ونادوا من شئتم ليعينوكم على تأليفها إن كنتم صادقين في أنه ليس من الله.
تفسير المعاني :
فإن لم يجيبوكم إلى هذا فاعلموا أن هذا الكتاب نزل ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله، وأنه لا إله غيره فهل أنتم مستسلمون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ لا يبخسون ﴾ أي لا ينقصون من حقهم. يقال بخسه حقه يبخسه بخسا أي نقصه حقه.
تفسير المعاني :
من كان يريد الحياة الدنيا وزخرفها، وسلك الطرق المؤدية إلى رغباته منها من النظام والاقتصاد والأخذ بالأسباب، وفينا إليهم جزاء جهودهم هذه ولم نبخسهم ذرة مما يعملون.
تفسير الألفاظ :
﴿ وحبط ﴾ أي بطل. يقال حبط عمله يحبط حبوطا أي بطل.
تفسير المعاني :
ولكنهم لا يكون لهم في الآخرة إلا النار لأنهم قصروا همهم على الدنيا، وبطل ما صنعوا فيها لأنهم لم يقصدوا به الثواب، وباطل في نفسه ما كانوا يعملون.
تفسير الألفاظ :
﴿ بينة ﴾ أي برهان. ﴿ ويتلوه ﴾ أي ويتبع ذلك البرهان. ﴿ شاهد منه ﴾ أي شاهد من الله وهو القرآن. ﴿ ومن قبله ﴾ أي ومن قبل القرآن. ﴿ إماما ﴾ أي مؤتما به في الدين. ﴿ يؤمنون به ﴾ أي بالقرآن. ﴿ من الأحزاب ﴾ من أهل مكة ومن تحزب معهم. ﴿ في مرية ﴾ أي في شك، ومنه امترى يمتري امتراء أي شك.
تفسير المعاني :
أفمن كان مؤسسا دينه على دليل من ربه، ويتبع هذا الدليل شاهد منه، أي القرآن، ومن قبله شاهد آخر يؤيده، وهو التوراة إماما لطائفة كبيرة من الناس ورحمة لهم أولئك " إشارة إلى من كان على بينة من ربه " يؤمنون بالقرآن، ومن يكفر به من الأحزاب بمكة فالنار موعده، فلا تك في شك من هذا القرآن، إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون لقصر نظرهم وقصور إدراكهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ الأشهاد ﴾ جمع شاهد أو شهيد.
تفسير المعاني :
ومن أظلم ممن اختلق الكذب على الله فادعى أنه أوحى إليه ولم يوح إليه ؟ أولئك يعرضون على ربهم يوم القيامة، ويقول الشهود من الملائكة وغيرهم : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين.
تفسير الألفاظ :
﴿ يصدون ﴾ يمنعون. يقال صده يصده صدا منعه. ﴿ ويبغونها ﴾ أي ويطلبونها. يقال بغي الشيء يبغيه بغية طلبه.
تفسير المعاني :
الذين يمنعون الناس عن سلوك سبيل الله القويمة، ويطلبون لها العوج وهم بالآخرة كافرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ أولياء ﴾ أي معينين وأنصارا.
تفسير المعاني :
أولئك لا يعجزون الله في الأرض، فهو قادر أن يخسفها بهم، وليس لهم من دونه من معين ولا نصير. يضاعف لهم العذاب، إنهم ما كانوا يستطيعون في حياتهم الدنيا السمع لتفانيهم في الشهوات، وما كانوا يبصرون لطمس الأضاليل لبصيرتهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ خسروا ﴾ ضيعوا. يقال خسر يخسر خسرا وخسارا وخسارة ضد ربح. ﴿ وضل عنهم ﴾ أي وتاه عنهم.
تفسير المعاني :
أولئك " المفترون على الله " الذين أضاعوا أنفسهم وعزب عنهم ما كانوا يختلقون.
تفسير الألفاظ :
﴿ لا جرم ﴾ أي حقا، وهي كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة فتولت إلى معنى القسم وصارت بمعنى حقا.
تفسير المعاني :
حقا إنهم في الآخرة هم الأخسرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ وأخبتوا ﴾ أي اطمأنوا إليه وخشعوا له، مأخوذ من الخبت وهو الأرض المطمئنة.
تفسير المعاني :
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات وخشعوا لربهم فأولئك في الجنة خالدون. مثل المؤمن والكافر كمثل رجلين أحدهما أعمى أصم والآخر بصير سميع، هل هما سيان ؟ أفلا تعتبرون ؟
تفسيرا الألفاظ :
﴿ مثل الفريقين ﴾ أي المؤمن والكافر. ﴿ الأصم ﴾ الأطرش. يقال صم يصم صمما أي طرش. ﴿ هل يستويان مثلا ﴾ أي هل يستويان تمثيلا وحالا. ﴿ أفلا تذكرون ﴾ أي أفلا تتذكرون حذفت إحدى التاءين تخفيفا.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه، فكانت حجة أشرافهم في إبطال نبوته قولهم : إنك بشر مثلنا لا مزية لك علينا، وما اتبعك إلا أراذلنا وأخساؤنا دون تدبر ولا تفكير، قال : يا قوم أخبروني هل لو كنت على برهان من ربي ومنحني رحمة من عنده، وهي النبوة، فخفيت عليكم أنكرهكم على الاهتداء بها وأنتم لها كارهون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ نذير ﴾ النذير هو المخبر مع تخويف من العاقبة، جمعه نذر.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه، فكانت حجة أشرافهم في إبطال نبوته قولهم : إنك بشر مثلنا لا مزية لك علينا، وما اتبعك إلا أراذلنا وأخساؤنا دون تدبر ولا تفكير، قال : يا قوم أخبروني هل لو كنت على برهان من ربي ومنحني رحمة من عنده، وهي النبوة، فخفيت عليكم أنكرهكم على الاهتداء بها وأنتم لها كارهون ؟
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه، فكانت حجة أشرافهم في إبطال نبوته قولهم : إنك بشر مثلنا لا مزية لك علينا، وما اتبعك إلا أراذلنا وأخساؤنا دون تدبر ولا تفكير، قال : يا قوم أخبروني هل لو كنت على برهان من ربي ومنحني رحمة من عنده، وهي النبوة، فخفيت عليكم أنكرهكم على الاهتداء بها وأنتم لها كارهون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ الملأ ﴾ الأشراف يملئون العيون مهابة. ﴿ أراذلنا ﴾ أخساؤنا جمع أرذل، وهو بمعنى الرذل والرذيل أي الرديء الدون. يقال رذل يرذل، ورذل يرذل رذالة كان رذيلا. ﴿ بادي الرأي ﴾ أي ابتداء من غير تفكير، من البدو وهو أول الرأي.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه، فكانت حجة أشرافهم في إبطال نبوته قولهم : إنك بشر مثلنا لا مزية لك علينا، وما اتبعك إلا أراذلنا وأخساؤنا دون تدبر ولا تفكير، قال : يا قوم أخبروني هل لو كنت على برهان من ربي ومنحني رحمة من عنده، وهي النبوة، فخفيت عليكم أنكرهكم على الاهتداء بها وأنتم لها كارهون ؟
﴿ على بينة ﴾ أي على برهان. ﴿ فعميت عليكم ﴾ أي فأخفيت عليكم. يقال عمي عليه الأمر يعمى عمي أي خفي عليه، وعمي عليه أي أخفى عليه.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه، فكانت حجة أشرافهم في إبطال نبوته قولهم : إنك بشر مثلنا لا مزية لك علينا، وما اتبعك إلا أراذلنا وأخساؤنا دون تدبر ولا تفكير، قال : يا قوم أخبروني هل لو كنت على برهان من ربي ومنحني رحمة من عنده، وهي النبوة، فخفيت عليكم أنكرهكم على الاهتداء بها وأنتم لها كارهون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ إن أجري ﴾ إن هنا بمعنى ما، أي ما أجري. ﴿ تجهلون ﴾ أي تجهلون أقدارهم المعنوية، فإن الفقر لا يعيب الرجال وإنما يعيبهم الكفر وعمى القلب.
تفسير المعاني :
ويا قوم لا أسألكم على تبليغ رسالتي جعلا، ما أجري إلا على الله، وما أنا بطارد الذين آمنوا بي إنهم ملاقو ربهم يوم القيامة ففائزون بقربه فكيف أطردهم ؟ ولكني أراكم تجهلون أقدارهم ولا تنصفون.
تفسير الألفاظ :
﴿ أفلا تذكرون ﴾ أي أفلا تتذكرون، حذفت إحدى التاءين تخفيفا.
تفسير المعاني :
ويا قوم من ينصرني من الله فيدفع عني انتقامه إن طردتهم أفلا تعتبرون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ تزدري أعينكم ﴾ أي تحتقر أعينكم.
تفسير المعاني :
وإني لا أقول لكم عندي خزائن رزق الله أغدق النعم على من أشاء، ولا أقول إني أعلم الغيب، ولا إني ملك، ولا أقول للذين تزدريهم أعينكم لن يمنحهم الله خيرا، الله أعلم بما في أنفسهم، إني إذن لمن الظالمين.
تفسير المعاني :
قالوا : يا نوح قد جادلتنا فأطلت في مجادلتنا فأتنا بما توعدنا به من العذاب إن كنت صادقا فيما تدعيه، أما جدالك هذا فلا نرفع به رأسا، ولا نعيره اهتماما.
تفسير المعاني :
قال نوح : إنما يأتيكم به الله إن شاء أن يجعله لكم وما أنتم بمعجزيه ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يضلكم، هو خالقكم والمتصرف وإليه ترجعون، فيجازيكم على أعمالكم.
نقول : انظر كيف لما عجزوا عن الجدال طلبوا أن يأتيهم بالعذاب، وهذا ديدن الأمم في عدم الخضوع لحكم العقل إذا خالف ما ألفوه وورثوه عن آبائهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ إن كان الله يريد أن يغويكم ﴾ أي إن أراد أن يوقعكم في الغواية أي الضلال.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:تفسير المعاني :
قال نوح : إنما يأتيكم به الله إن شاء أن يجعله لكم وما أنتم بمعجزيه ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يضلكم، هو خالقكم والمتصرف وإليه ترجعون، فيجازيكم على أعمالكم.
نقول : انظر كيف لما عجزوا عن الجدال طلبوا أن يأتيهم بالعذاب، وهذا ديدن الأمم في عدم الخضوع لحكم العقل إذا خالف ما ألفوه وورثوه عن آبائهم.

تفسير المعاني :
أم يقولون : افترى القرآن ؟ قل : إن افتريته فعلي يقع ذنبي، وأنا بريء من ذنبكم الذي ترتكبونه في إسناد الافتراء إلي.
تفسير الألفاظ :
﴿ فلا تبتئس ﴾ أي فلا تحزن، مشتق من اليأس وهو الشدة. يقال بئس يبأس بؤسا اشتدت حاجته فهو بائس. أما بؤس يبؤس فهو بئس فمعناه اشتد في الحرب.
تفسير المعاني :
وأوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك غير الذين آمنوا فلا تحزن على ما كانوا يعملون.
تفسير الألفاظ :
﴿ الفلك ﴾ السفينة هي مفرد وجمع. ﴿ بأعيننا ﴾ أي تحت رعايتنا. ﴿ ووحينا ﴾ وبإرشاد وحينا.
تفسير المعاني :
واصنع السفينة تحت رعايتنا وبوحي منا، ولا تشفع في الذين ظلموا إنهم محكوم عليهم بالغرق.
تفسير المعاني :
فأخذ يصنع السفينة، فكان كلما مرت به طائفة هزئوا منه، فيقول لهم : إن تهزءوا منا فإنا نهزأ منكم كما تهزءون.
تفسير المعاني :
فسوف تعلمون من ينزل به عذاب يخزيه ويقع عليه عقاب مقيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ وفار التنور ﴾ فار أي نبع، والتنور ما يعمل فيه الخبز، ويعبر عنه اليوم بالفرن. والمعنى ونبع الماء من الفرن على طريق الإعجاز.
تفسير المعاني :
حتى إذا صدر أمرنا وفاض الإناء، قلنا : احمل في السفينة من كل شيء زوجين وأهلك إلا من سبق عليه القول بأنه من المغرقين، وخذ معك من آمن بك، وما آمن به إلا القليل.
تفسير الألفاظ :
﴿ بسم الله مجراها ومرساها ﴾ أي باسم الله وقت جريها ووقت إرسالها أو مكان جريها وإرسائها، وقرئ باسم الله مجريها ومرسيها على أنهما صفتان لله.
تفسير المعاني :
نقول : فار التنور معناه الحرفي نبع التنور. قال المفسرون : ومعناه أنه نبع الماء من التنور إعجازا. وأنا أرى أن فار التنور من الكنايات الكثير أمثالها في لغتنا، مثل طفح الكيل، وطف الصاع، وحمى الوطيس، وفاض الإناء، وكلها تدل على بلوغ الأمر غاية شدته وقرب انفجاره.
وقال نوح : اركبوا في السفينة باسم الله مكان جريها ومكان إرسائها إن ربي لغفور رحيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ في معزل ﴾ أي مكان عزل نفسه فيه عن أبيه. معزل اسم مكان من عزله يعزله عزلا أي أبعده.
تفسير المعاني :
فركبوا ذاكري اسم الله كما أمروا، فطفقت تجري بهم في أمواج كالجبال، ونادي نوح ابنه، وكان معتزلا إياه في ناحية، وقال : يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين.
تفسير الألفاظ :
﴿ يعصمني ﴾ أي يحمينى.
تفسير المعاني :
قال : يا أبت سآوي إلى جبل يحميني من طغيان الماء، قال له أبوه : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المهلكين غرقا.
تفسير الألفاظ :
﴿ أقلعي ﴾ أي أمسكي وكفي. ﴿ وغيض ﴾ غاض الماء يغيض نقص أو تسرب تحت الأرض. ﴿ واستوت على الجودي ﴾ أي واستقرت على جبل الجودي بالموصل.
تفسير المعاني :
وبعد ذلك قيل : يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء كفي عن المطر، ونضب الماء وتم إهلاك الكافرين، وأرست السفينة على جبل الجودي بالموصل، وقال الملائكة : بعدا للقوم الظالمين.
تفسير المعاني :
ونادى نوح ربه قائلا : رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق، فقد وعدت أن تنجي أهلي وأنت أحكم الحاكمين.
تفسير المعاني :
قال : يا نوح إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح، فلا تطلب إلي ما ليس لك به علم، إني أعظك أتكون من الجاهلين.
تفسير المعاني :
قال نوح : رب إني أعوذ بك أن أسألك بعد اليوم ما لا علم لي بحقيقته وإن لا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين.
نقول : إن قوله تعالى : إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، أدل دليل على أن الأنبياء أنفسهم لا يغنون عن أهليهم شيئا، فما ظنك بغيرهم ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ اهبط بسلام ﴾ أي وقلنا : يا نوح انزل من السفينة بسلام منا، أو مسلما عليك منا ﴿ وبركات ﴾ أي وزيادات في رزقك ونسلك.. إلخ. إلخ
تفسير المعاني :
قال الله : يا نوح انزل من السفينة بسلام منا وبزيادات في الرزق والنسل عليك وعلى أمم ممن معك. وممن معك أمم سنمتعهم في الحياة الدنيا ثم يمسهم منا عذاب أليم.
تفسير الألفاظ :
﴿ تلك ﴾ إشارة إلى قصة نوح. ﴿ أنباء ﴾ أخبار، جمع نبأ.
تفسير المعاني :
تلك قصة نوح من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعرفها أنت ولا قومك من قبل هذا، فاصبر إن العاقبة للذين يخافون الله.
تفسير المعاني :
وأرسلنا إلى بني عاد أخاهم هودا، فقال لهم : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولستم في ادعائكم كثرة الآلهة إلا مفترين.
تفسير الألفاظ :
﴿ فطرني ﴾ أي خلقني. يقال فطره يفطره فطرا أي خلقه، ومنه الفطرة للخلقة.
تفسير المعاني :
يا قوم لا أسألكم على تبليغ رسالة ربي إليكم أجرا، ما أجرى إلا على الله الذي خلقني أفلا تعقلون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ مدرارا ﴾ أي كثيرة الدر. يقال درت السماء تدر درا أي أمطرت.
تفسير المعاني :
ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل المطر عليكم مدرارا، ويزدكم قوة إلى قوتكم، ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه وأنتم مجرمون.
تفسير الألفاظ :
﴿ ببينة ﴾ أي بشاهد أو دليل. ﴿ عن قولك ﴾ أي صادرين عن قولك.
تفسير المعاني :
قالوا : يا هود ما جئتنا بحجة تدل على صحة دعواك، ولسنا بتاركي آلهتنا، صادرين في ذلك عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين.
تفسير الألفاظ :
﴿ إن نقول ﴾ أي ما نقول. ﴿ اعتراك ﴾ أي أصابك ثلاثيه عراه يعروه عروا أي أصابه. ﴿ بسوء ﴾ أي بأذى، والمقصود هنا بجنون.
تفسير المعاني :
ما نقول إلا أن بعض آلهتنا قد أصابك بجنون. فقال هود : إني أشهد الله واشهدوا أنتم أني أبرأ إلى الله مما تشركون من دونه.
تفسير الألفاظ :
﴿ فكيدوني جميعا ﴾ أي فدبروا لي مال شئتم من المكايد لإهلاكي إن استطعتم. ﴿ ثم لا تنظرون ﴾ أي ثم لا تمهلوني. يقال أنظره ينظره إنظارا أي أمهله.
تفسير المعاني :
فدبروا لي حيلة لإهلاكي ولا تمهلوني، حتى إذا عجزتم جميعا وأنتم أولو بأس وقوة لم يبق لكم شبهة في أن آلهتكم جمادات لا تضر ولا تنفع.
تفسير الألفاظ :
﴿ دابة ﴾ كل ما يدب على وجه الأرض. ﴿ آخذ بناصيتها ﴾ أي مالك لها. والناصية مقدم شعر الرأس. ﴿ صراط ﴾ طريق، جمعه صرط، وأصله سراط.
تفسير المعاني :
إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو مالك لها، يصرفها على ما يريد، إن ربي عادل لا يضيع عنده مظلوم.
تفسير الألفاظ :
﴿ فإن تولوا ﴾ أي فإن تتولوا، حذفت إحدى التاءين تخفيفا. ﴿ ويستخلف ربي قوما غيركم ﴾ أي ويجعل غيركم خلفاء لكم بعد إبادتكم.
تفسير المعاني :
فإن تعرضوا فقد أبلغتكم رسالة ربي، وقد يبيدكم ويستخلف قوما غيركم ولا تضرونه بإعراضكم شيئا، إن ربي على كل شيء رقيب.
تفسير المعاني :
ولما جاء عذابنا فجينا هودا والذين آمنوا معه من عذاب غليظ.
تفسير الألفاظ :
﴿ وتلك عاد ﴾ أي وتلك قبيلة عاد.
تفسير المعاني :
وتلك قبيلة عاد كفروا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا من كبرائهم أمر كل جبار عنيد.
تفسير الألفاظ :
﴿ وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ﴾ أي جعلت اللعنة تابعة لهم.
تفسير المعاني :
فجعلت اللعنة تابعة لهم في هذه الدنيا ويوم القيامة ألا إن عادا جحدوا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود.
تفسير الألفاظ :
﴿ واستعمركم فيها ﴾ أي عمركم فيها واستبقاكم، مشتقة من العمر، أو أقدركم على عمارتها.
تفسير المعاني :
وأرسلنا إلى بني ثمود أخاهم صالحا قال لهم : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، هو خلقكم من الأرض ومنحكم من القوى الجسدية والعقلية ما يمكنكم من عمارتها، فاستغفروه من ذنوبكم ثم توبوا إليه، إن ربي قريب الرحمة مجيب لداعيه.
تفسير الألفاظ :
﴿ مرجوا ﴾ أي مؤملا. ﴿ مريب ﴾ أي موقع في الريبة وهي الشك أيضا. يقال أرابني هذا الأمر، أي أوقعني في الريبة.
تفسير المعاني :
قالوا : يا صالح لقد كنت فينا قبل هذا محل رجائنا لما نرى فيك من مخايل الحكمة وأصالة الرأي، أتنهانا أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا، إننا لفي شك مما تدعونا إليه موقع في الارتياب.
تفسير الألفاظ :
﴿ وآتاني منه رحمة ﴾ يراد بالرحمة هنا النبوة. ﴿ تخسير ﴾ أي تضييع من خسره تخسيرا ضد ربحه.
تفسير المعاني :
قال : يا قوم خبروني هل لو كنت على حجة من ربي، ومنحني النبوة تفضلا منه فمن ينصرني إن عصيته ؟ إنكم ما تزيدونني بدعوتكم إياي لدينكم غير تضييع.
تفسير الألفاظ :
﴿ ناقة الله ﴾ هي ناقة امتحن الله بها طاعتهم، إذ أمرهم أن لا يمسوها بسوء، وأن يدعوها تأكل من حيث أرادت، فلم يأبهوا بهذا الأمر وعقروها، فأنزل الله بهم العذاب الموعود به على لسان نبيهم. ﴿ عذاب قريب ﴾ أي عاجل.
تفسير المعاني :
ويا قوم هذه ناقة الله آية لكم فاتركوها تأكل في الأرض ولا تمسوها بأذى فينزل بكم عذاب قريب.
تفسير المعاني :
فعقروها، فقال لهم صالح : عيشوا في دياركم ثلاثة أيام ثم تهلكون، ذلك وعد غير مكذوب.
تفسير المعاني :
فلما جاء عذابنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، وخلصناهم من خزي ذلك اليوم، إن ربك هو القوي العزيز.
تفسير الألفاظ :
﴿ الصيحة ﴾ الصوت الشديد. ﴿ جاثمين ﴾ أي باركين على ركبهم ميتين. يقال جثم يجثم جثوما أي برك على ركبته.
تفسير المعاني :
وأخذت الذين ظلموا من قوم صالح الصيحة، وهي صوت هائل انبعث من السماء قطع قلوبهم، فأصبحوا في ديارهم باركين على ركبهم ميتين، فصارت خاوية كأن لم يقيموا فيها، ألا أن ثمود جحدوا ربهم، ألا بعدا لثمود.
تفسير الألفاظ :
﴿ كأن لم يغنوا فيها ﴾ أي كأن لم يسكنوا فيها. يقال غني يغني بالمكان أي سكنه، ومنه المغني أي المنزل.
تفسير المعاني :
وأخذت الذين ظلموا من قوم صالح الصيحة، وهي صوت هائل انبعث من السماء قطع قلوبهم، فأصبحوا في ديارهم باركين على ركبهم ميتين، فصارت خاوية كأن لم يقيموا فيها، ألا أن ثمود جحدوا ربهم، ألا بعدا لثمود.
تفسير الألفاظ :
﴿ حنيذ ﴾ أي مشوي فوق الحجارة.
تفسير المعاني :
وجاءت رسلنا من الملائكة إبراهيم تبشره بالولد، فقالوا : سلاما فقال : سلام. وما أبطأ أن جاءهم بعجل مشوي.
تفسير الألفاظ :
﴿ نكرهم ﴾ أي أنكرهم. يقال نكره ينكره نكرا، وأنكره واستنكره بمعنى واحد. ﴿ وأوجس منهم خيفة ﴾ أي وأضمر منهم خوفا.
تفسير المعاني :
فلما رأى أيديهم لا تصل إليه أنكرهم وأضمر منهم خوفا، فقالوا له : لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط.
تفسير الألفاظ :
﴿ فضحكت ﴾ ضحكت سرورا بزوال الخوف، وقيل بمعنى حاضت.
تفسير المعاني :
كانت امرأة إبراهيم قائمة بجوارهم فضحكت سرورا مما سمعت، فبشرها بإسحق ومن ورائه يعقوب.
تفسير الألفاظ :
﴿ يا ويلتا ﴾ أي يا عجبا، وأصله في الشر فأطلق في كل أمر فظيع. والويل لغة حلول الشر.
تفسير المعاني :
قالت : واعجبا ! أألد وأنا عجوز وهذا زوجي شيخ كبير ؟ إن هذا لشيء عجيب.
تفسير الألفاظ :
﴿ حميد ﴾ فاعل ما يستوجب عليه الحمد. ﴿ مجيد ﴾ كثير الخير والإحسان.
تفسير المعاني :
قالوا : أتعجبين من أمر الله وله خرق العادات ؟ إن رحمة الله وبركاته عليكم أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات، إن الله حميد مجيد.
تفسير الألفاظ :
﴿ الروع ﴾ أي الذعر. يقال راعه الأمر يروعه روعا، أي أخافه.
تفسير المعاني :
فلما ذهب عن إبراهيم الخوف وجاءته البشرى، أبدل بالروع جدال رسلنا في أمر قوم لوط لتخفيف عذابهم أو رفعه عنهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ منيب ﴾ أي راجع إلى الله. يقال أناب ينيب إنابة أي رجع إلى الله. يقال أناب ينيب إنابة أي رجع وتاب.
تفسير المعاني :
إنه لحليم أواه منيب.
تفسير الألفاظ :
﴿ أعرض عن هذا ﴾ أي أعرض عن هذا الجدال.
تفسير المعاني :
يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال لمصلحة قوم لوط، فقد صدر أمر ربك بأن ينزل بهم عذاب لا يمكن رده.
تفسير الألفاظ :
﴿ سيء بهم ﴾ أي ساءه مجيئهم. ﴿ وضاق بهم ذرعا ﴾ أي ضاقت به طاقته. والذرع بسط اليد. ﴿ عصيب ﴾ أي شديد، من عصبه يعصبه عصبا أي شده.
تفسير المعاني :
ولما جاءت رسلنا لوطا ساءه مجيئهم وضاق بهم صدرا.
تفسير الألفاظ :
﴿ يهرعون إليه ﴾ يساقون إليه كأنهم يدفعون دفعا. يقال هرع يهرع هرعا،
وأهرع أي ساقه سوقا عنيفا.
تفسير المعاني :
وأسرع إليه قومه، وهم قد اعتادوا إتيان الذكور دون الإناث، فعرض عليهم لوط بناته ليحمي ضيوفه فلم يقبلوا منه.
تفسير المعاني :
وأسرع إليه قومه، وهم قد اعتادوا إتيان الذكور دون الإناث، فعرض عليهم لوط بناته ليحمي ضيوفه فلم يقبلوا منه.
تفسير الألفاظ :
﴿ قال لو أن لي بكم قوة ﴾ أي لو قويت بنفسي على دفعكم. ﴿ أو آوي إلى ركن شديد ﴾ أي أو ألتجئ إلى قوي أتمنع به منكم، شبهه بركن الجبل في شدته.
تفسير المعاني :
فقال : لو أن لي قوة لدفعكم أو ألتجئ إلى رجل شديد لدفعكم عني، وأدركه كرب عظيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ فأسر بأهلك ﴾ أي فسر بأهلك ليلا. يقال أسرى ليلا يسري إسراء، وسار نهارا يسير سيرا. ﴿ بقطع من الليل ﴾ بقطعة منه أي في بعض ساعاته. ﴿ ولا يلتفت منكم أحد ﴾ أي ولا ينظر خلفه.
تفسير المعاني :
فقال له رسل الله : يا لوط، إنا رسل ربك، لا تحزن فلن يصلوا إليك، فأسر بأهلك ببعض ساعات الليل ولا يلتفت أحد منكم خلقه فإنكم ناجون إلا امرأتك إنه واقع بها مثل ما سيقع بهم، وإن موعدهم الصبح. أليس الصبح بقريب ؟ نقول : إن لوطا عرض عليهم بناته ليخجلوا فيما يظهر فيدعوا له ضيوفه آمنين، وهذا هو الذي حصل، فإنهم رجعوا عنه حتى إنه تمكن من المهاجرة بأهله ليلا.
تفسير الألفاظ :
﴿ من سجيل ﴾ أي من طين متحجر، وقيل أصله من سجين أي جهنم فأبدلت نونه لاما. ﴿ منضود ﴾ أي منتظم متتابع بعضه يتبع بعضا. يقال نضد الدر ينضده نضدا، نضده أي نظمه.
تفسير المعاني :
فلما جاء عذابنا قلبنا مدينتهم بهم، وأمطرنا عليهم حجارة من طين متحجر منتظمة متتابعة ومعلمة من خزائن ربك، وهي ليست من الظالمين ببعيد
تفسير الألفاظ :
﴿ مسومة ﴾ أي معلمة للعذاب، مشتق من السومة وهي العلامة. ﴿ عند ربك ﴾ أي في خزائنه.
تفسير المعاني :
فلما جاء عذابنا قلبنا مدينتهم بهم، وأمطرنا عليهم حجارة من طين متحجر منتظمة متتابعة ومعلمة من خزائن ربك، وهي ليست من الظالمين ببعيد
تفسير الألفاظ :
﴿ وإلى مدين ﴾ أراد أولاد مدين بن إبراهيم. ﴿ عذاب يوم محيط ﴾ أي لا يشذ منه أحد.
تفسير المعاني :
وأرسلنا إلى أولاد مدين أخاهم شعيبا فدعاهم إلى الله وإلى توفية المكيال والميزان وحفظ حقوق الناس ونهاهم عن الفساد
تفسير الألفاظ :
﴿ بالقسط ﴾ أي بالعدل. يقال قسط يقسط، ويقسط قسطا عدل. ﴿ ولا تبخسوا ﴾ أي ولا تنقصوا. يقال بخسه حقه يبخسه بخسا نقصه. ﴿ ولا تعثوا ﴾ أي ولا تفسدوا. وقال عثى يعثى عثيا أفسد.
تفسير المعاني :
وأرسلنا إلى أولاد مدين أخاهم شعيبا فدعاهم إلى الله وإلى توفية المكيال والميزان وحفظ حقوق الناس ونهاهم عن الفساد
تفسير الألفاظ :
﴿ بقية الله ﴾ أي ما أبقاه الله لكم من الحلال.
تفسير المعاني :
وقال شعيب لقومه أيضا : إن ما أبقاه الله لكم من المباحات خير لكم من المحظورات التي نهاكم عنها.
تفسير المعاني :
قالوا متهكمين به : أصلاتك يا شعيب تأمرك أن نترك ما كان يعبد آباؤنا وأن نتصرف في أموالنا على ما نشاء ؟ إنك لأنت الحليم الرشيد !
تفسير الألفاظ :
﴿ على بينة ﴾ أي على حجة ظاهرة. ﴿ إن أريد ﴾ أي ما أريد. ﴿ ما استطعت ﴾ أي ما دمت أستطيع الإصلاح. ﴿ وإليه أنيب ﴾ أي وإليه أرجع. يقال أناب ينيب إنابة أي رجع وتاب.
تفسير المعاني :
قال : يا قوم أرأيتم إن كنت على حجة واضحة من ربي، وهي النبوة، ورزقني منه رزقا حلالا، فهل يسوغ لي مع هذه النعم الجزيلة أن أتقاعس عن تنفيذ أمره وتبليغ وحيه ؟ ولست أريد أن آتي ما أنهاكم عنه لأستبد به دونكم. ما أريد إلا الإصلاح جهد استطاعتي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
تفسير الألفاظ :
﴿ لا يجرمنكم ﴾ أي لا يكسبنكم، وأصل الجرم قطع الثمرة عن الشجرة، وجرم وأجرم صار ذا جرم، واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه. ﴿ شقاقي ﴾ أي معاداتكم لي.
تفسير المعاني :
ويا قوم لا تكسبنكم معاداتي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح من الغرق، أو قوم هود من الريح، أو قوم صالح من الرجفة، وما قوم لوط ببعيدين عنكم، فإن فيما آلوا إليه عبرة لكم.
تفسير الألفاظ :
﴿ ودود ﴾ أي كثير المودة وهي المحبة، أي أن الله يفعل بالطائع ما يفعله الودود لصاحبه من الإحسان والأفضال.
تفسير المعاني :
فاستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم بعباده محب لهم.
تفسير الألفاظ :
﴿ ما نفقه ﴾ أي ما نفهم. ﴿ رهطك ﴾ أي قومك وعشيرتك. والرهط من الثلاثة إلى العشرة، وقيل إلى التسعة. ﴿ وما أنت علينا بعزيز ﴾ أي وما أنت علينا بمنيع الجانب.
تفسير الألفاظ :
قالوا : يا شعيب إنا لا نفهم كثيرا مما تقول، وإنا لنراك فينا ضعيفا، ولولا أن عشيرتك عزيزة علينا لما تجمعنا وإياها لحمة الدين لرجمناك، فلست علينا بمنيع الحوزة.
تفسير الألفاظ :
﴿ ظهريا ﴾ أي منبوذا وراء الظهر. وهو منسوب إلى الظهر. والكسر من تغييرات النسب.
تفسير المعاني :
قال : يا قوم أعشيرتي أعز عليكم من الله الذي أرسلني إليكم وقد جعلتم أوامره منبوذة وراء ظهوركم ؟ إن ربي محيط بما تعملون.
تفسير الألفاظ :
﴿ على مكانتكم ﴾ أي على غاية تمكنكم. يقال مكن يمكن مكانة أي صار مكينا ﴿ وارتقبوا ﴾ أي وانتظروا.
تفسير المعاني :
يا قوم اعملوا كل ما تستطيعون عمله ضدي وأنتم على غاية تمكنكم، إني عامل من جهتي على الثبات والدعوة إلى الله، فسوف تعلمون من ينزل به عذاب يخزيه ومن هو كاذب، فانتظروا إني معكم من المنتظرين.
تفسير الألفاظ :
﴿ الصيحة ﴾ الصوت المرتفع، وهي النقمة التي هلك بها قوم شعيب. قيل صاح بهم جبريل فهلكوا. ﴿ جاثمين ﴾ أي باركين على ركبهم ميتين.
تفسير المعاني :
ولما جاء عذابنا نجينا شعيبا ومن آمن معه برحمة منا، وأخذت الظالمين الصيحة فأصبحوا ميتين وهم باركون على ركبهم، فصارت ديارهم خاوية كأن لم يقيموا فيها، فهلاكا لهم كما هلكت بثمود
تفسير الألفاظ :
﴿ كأن لم يغنوا فيها ﴾ أي كأن لم يقيموا فيها. يقال غني بالمكان يغني غني أقام به.
تفسير المعاني :
ولما جاء عذابنا نجينا شعيبا ومن آمن معه برحمة منا، وأخذت الظالمين الصيحة فأصبحوا ميتين وهم باركون على ركبهم، فصارت ديارهم خاوية كأن لم يقيموا فيها، فهلاكا لهم كما هلكت بثمود
تفسير الألفاظ :
﴿ وسلطان مبين ﴾ أي وحجة بينة وهي معجزاته التي أرسل بها.
تفسير المعاني :
وقد أرسلنا موسى إلى فرعون وملئه بآياتنا وحجة باهرة من المعجزات فاتبعوا أمر فرعون وليس أمره برشيد
تفسير الألفاظ :
﴿ وملئه ﴾ وأشراف قومه الذين يملئون العين مهابة.
تفسير المعاني :
وقد أرسلنا موسى إلى فرعون وملئه بآياتنا وحجة باهرة من المعجزات فاتبعوا أمر فرعون وليس أمره برشيد
تفسير الألفاظ :
﴿ يقدم قومه ﴾ أي يتقدمهم ويسير أمامهم. يقال قدمه يقدمه قدما أي سار أمامه. ﴿ الورد ﴾ أي المورد الذي يستقي منه.
تفسير المعاني :
إنه يأتي يوم القيامة يتقدم قومه كما كان يتقدمهم في الدنيا فيوردهم النار فبئس المورد المقصود.
تفسير الألفاظ :
﴿ وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ﴾ أي وجعلت اللعنة تتبعهم. ﴿ بئس الرفد المرفود ﴾ أي بئس العون المعان، أو بئس العطاء المعطى. يقال رفده يرفده رفدا أعانه أو أعطاه.
تفسير المعاني :
واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة، فبئس العطاء الممنوح.
تفسير الألفاظ :
﴿ منها قائم وحصيد ﴾ أي منها باق كالزرع القائم، ومنها محصود كالزرع متى قطع.
تفسير المعاني :
ذلك النبأ من أخبار القرى نرويها لك، منها ما لا يزال باقيا ومنها ما أبيد.
تفسير الألفاظ :
﴿ تتبيب ﴾ أي إهلاك وتخسير. يقال تب يتب تبا هلك، وتببه تتبيبا أهلكه.
تفسير المعاني :
وما ظلمناهم ولكنهم ظلموا أنفسهم باتباع الأضاليل فما نفعتهم آلهتهم بشيء لما جاءهم عذاب ربك، وما زادوهم غير تخسير.
تفسير المعاني :
ومثل ذلك الأخذ أخذ ربك إذا انتقم من القرى وهي ظالمة، إن انتقامه أليم شديد.
تفسير الألفاظ :
﴿ يوم مشهود ﴾ أي كثير شاهدوه.
تفسير المعاني :
إن في ذلك، أي فيما نزل بالأمم الهالكة، لآية أي لعبرة لمن خاف عذاب الآخرة، ذلك يوم يجمع له الناس، وذلك يوم يكثر حاضروه.
تفسير الألفاظ :
﴿ إلا لأجل معدود ﴾ أي إلا لمدة مقدرة.
تفسير المعاني :
وما نؤخره إلا إلى نهاية وقت معلوم.
تفسير الألفاظ :
﴿ لا تكلم ﴾ أي لا تتكلم حذفت إحدى التاءين تخفيفا.
تفسير المعاني :
يوم يأتي لا تتكلم نفس إلا بإذن الله فمن الناس يومئذ شقي بكفره وسوء سيرته ومنهم سعيد بإيمانه وجميل أعماله.
تفسر الألفاظ :
﴿ زفير وشهيق ﴾ الزفير إخراج النفس من الرئتين، والشهيق رد هواء جديد بدله.
تفسير المعاني :
فأما الأشقياء فيلقون في النار لهم فيها زفير مكرب وشهيق.
تفسير الألفاظ :
﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ استثناء من الخلود في النار، لأن بعضهم، كفساق الموحدين، يخرجون منها.
تفسير المعاني :
خالدين فيها مدة دوام السموات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج بعضهم منها إنه فعال لما يريد.
تفسير الألفاظ :
﴿ غير مجذوذ ﴾ غير مقطوع. يقال جذه جذا أي قطعه.
تفسير المعاني :
وأما السعداء فيدخلون إلى الجنة يخلدون فيها مدة دوام السموات والأرض عطاء غير مقطوع. وقوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾، ليس الغرض منه الاستثناء في الثواب بدليل أنه قال :﴿ عطاء غير مجذوذ ﴾.
تفسير الألفاظ :
﴿ في مرية ﴾ أي في شك. يقال امترى يمتري امتراء أي في شك.
تفسير المعاني :
فلا تك في شك مما يعبد هؤلاء الكافرون بعد الذي جاءك من العلم، إنهم ما يعبدون إلا كما كان يعبد آباؤهم قبلهم آلهة خيالية لا حقيقة لها، وإنا لموفوهم نصيبهم من العذاب غير منقوص.
تفسير الألفاظ :
﴿ مريب ﴾ أي موقع في الريبة وهي الشك. يقال ورابني هذا الأمر يريبني، وأرابني يريبني أي حدث لي منه شك.
تفسير المعاني :
ولقد آتينا موسى التوراة فاختلف بنو إسرائيل فيها ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لفصل بينهم بإهلاك المبطلين، وإن كفار قومك لفي شك من القرآن موقع في الارتياب.
تفسير المعاني :
وإن كلا من المختلفين، المؤمنين منهم والكافرين، لما ليوفينهم ربك جزاء أعمالهم إنه خبير بما يعملون. " لما ليوفينهم : اللام الأولى موطئة للقسم وما زائدة واللام الثانية للتأكيد ". ،
تفسير الألفاظ :
﴿ ولا تطغوا ﴾ أي ولا تتجاوزوا الحد. يقال طغا يطغو طغوا أي تجاوزا الحد.
تفسير المعاني :
فاستقم يا محمد كما أمرت أنت ومن تاب معك ولا تتجاوزوا حدود ما أوحيناه إليكم، إنه بما تعملون بصير.
تفسير الألفاظ :
﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾ أي ولا تميلوا أدنى ميل إليهم. ركن إليه يركن ركونا مال إليه ميلا يسيرا. ﴿ من أولياء ﴾ أي من نصراء جمع ولي.
تفسير المعاني :
ولا تميلوا أقل ميل إلى الذين ظلموا.
تفسير الألفاظ :
﴿ طرفي النهار ﴾ صباحا ومساء. ﴿ وزلفا من الليل ﴾ أي وساعات منه قريبا من النهار وهو جمع زلفة، وهو مشتق من أزلفه أي قربه. ﴿ ذكرى ﴾ أي تذكرة.
تفسير المعاني :
وأقم الصلاة كل غداة وعشية وفي ساعات قريبة من النهار، إن الحسنات تمحوا السيئات، تلك عظة للمتعظين.
تفسير المعاني :
واصبر على الطاعات فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
تفسير الألفاظ :
﴿ فلولا ﴾ أي فهلا. ﴿ من القرون من قبلكم أولو بقية ﴾ أي من أهل القرون التي كانت قبلكم أصحاب بقية من العقل والرأي. ﴿ إلا قليلا ممن أنجينا ﴾ أي لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض. ﴿ ما أترفوا فيه ﴾ أي ما أنعموا فيه من الشهوات، والمترف المتنعم. يقال ترف يترف ترفا أي نعم.
تفسير المعاني :
فهلا كان من أهل القرون التي كانت قبلكم رجال أصحاب بقية من الرأي والعقل ينهون عن الفساد في الأرض، لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم كانوا كذلك، واتبع الظالمون ما أنعموا فيه وكانوا مجرمين.
تفسير المعاني :
وما كان ربك ليهلك أهل القرى ظلما وهم مصلحون.
تفسير المعاني :
ولو أراد الله لجعل الناس كلهم على دين واحد هو الفطرة، الدين القيم، ولكنهم اختلفوا ولا يزالون مختلفين.
تفسير المعاني :
إلا من رحم ربك فإنهم اتفقوا واجتمعت كلمتهم على أصول الدين الحق، ولأجل الاختلاف خلقهم ليتم الإبداع المنتظر لهذا العالم، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين.
تفسير الألفاظ :
﴿ نقص ﴾ أي نحكي. يقال قص حديثا يقصه قصا رواه.
﴿ أنباء ﴾ أخبار جمع نبأ. ﴿ وجاءك في هذه ﴾ أي في هذه السورة، أو في الأنباء المقصوصة عليك.
تفسير المعاني :
وكلا، أي وكل نبأ، نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك، ولقد جاءك في هذه القصص الأخيرة ما هو حق وموعظة وعبرة للمؤمنين.
تفسير الألفاظ :
﴿ اعملوا على مكانتكم ﴾ أي على غاية تمكنكم. يقال مكن يمكن مكانة أي صار مكينا.
تفسير المعاني :
وقل يا محمد للذين لا يؤمنون : اعملوا على غاية تمكنكم إنا عاملون على غاية تمكننا.
تفسير المعاني :
وانتظروا إننا منتظرون.
تفسير المعاني :
ولله غيب السموات والأرض لا تخفى عليه خافية فيهما وإليه يرجع أمر الخلق كله، فيرجع لا محالة أمرهم وأمرك إليه، فاعبده وتوكل عليه، وما ربك بغافل عما تعملون.
قوله تعالى :﴿ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ﴾، يشير إلى ناموس اجتماعي كبير وهو ضرورة الخلاف بين الناس في عقائدهم وعوائدهم وميولهم ليجري كل منهم على شاكلته فيبلغ من ناحيتها أبعد الغايات، فيصل العالم يسيرا يسيرا إلى كماله المنتظر بالجمع بين هذه المحصولات المادية والمعنوية المتباينة. وهذا من المعجزات العلمية لهذا القرآن نضيفها إلى الكثير مما عرف منها اليوم.
Icon