سورة الحجر سورة مكية، ومحور هذه السورة الأول هو : إبراز المصير المخيف الذي ينتظر الكافرين المكذبين.
وحول هذا المحور يدور السياق في عدة جولات متنوعة الموضوع والمجال، ترجع كلها إلى ذلك المحور الأصيل، سواء في ذلك القصة، ومشاهد الكون، ومشاهد القيامة، والتوجيهات والتعقيبات التي تسبق القصص وتتخلله وتعقب عليه.
وإذا كان جو سورة الرعد يذكر بجو سورة الأنعام، فإن جو هذه السورة سورة الحجر يذكر بجو سورة الأعراف.
لقد كان ابتداء سورة الأعراف بالإنذار، ثم ورد فيها آدم وإبليس، ويلي القصة عرض لبعض مشاهد الكون، في السماوات والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، والنجوم، والرياح، والسحاب، ويلي ذلك قصص : قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى.
وهنا في سورة الحجر يجيء الإنذار كذلك في مطلعها، ولكن ملفعا بظل من التهويل حين يقول :﴿ فسوف يعلمون*وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم*ما تسبق من أمّة أجلها وما يستأخرون ﴾( الحجر٣ ٥ ).
ثم يعرض السياق بعض مشاهد الكون : السماء، وما فيها من بروج، والأرض الممدودة، والرواسي الراسخة، والنبت الموزون، والرياح اللواقح، والماء والسقيا، والحياة والموت، والحشر للجميع، يلي ذلك : قصة آدم وإبليس، منتهية بمصير أتباعه، ومصير المؤمنين. ومن ثم لمحات من قصة إبراهيم، ولوط، وشعيب، وصالح، منظور فيها إلى مصائر المكذبين.
ويمكن تقسيم سياق السورة هنا إلى عدة جولات أو عدة مقاطع يتضمن كل منها موضوعا أو مجالا :
تتضمن الجولة الأولى : بيان : سنة الله التي لا تتخلف في الرسالة والإيمان بها والتكذيب، مبدوءة بذلك الإنذار الضمني الملفع بالتهويل :﴿ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ﴾( الحجر : ٣ ).
ومنتهية بأن المكذبين إنما يكذبون عن عناد لا عن نقص في دلائل الإيمان، وأنهم جميعا من طراز واحد.
﴿ لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين ﴾( الحجر : ١٣ ).
وتعرض الجولة الثانية : بعض آيات الله في الكون، في السماء وفي الأرض، وما بينهما، وقد قدرت بحكمة، وأنزلت بقدر، وإلى الله مرجع كل شيء وكل أحد في الوقت المقدر المعلوم حيث يقول سبحانه :﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾( الحجر : ٢١ ).
وتعرض الجولة الثالثة : قصة البشرية وأصل الهدى والغواية في تركيبها وأسبابها الأصلية، ومصير الغاوين في النهاية والمهتدين، وذلك في خلق آدم من صلصال من حمإ مسنون، والنفخ من روح الله في هذا الطين، ثم غرور إبليس واستكباره وتوليه الغاوين دون المخلصين.
والجولة الرابعة : في مصارع الغابرين من قوم لوط وشعيب وصالح مبدوءة بقول الله تعالى :﴿ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم* وأن عذابي هو العذاب الأليم ﴾( الحجر : ٤٩، ٥٠ ).
ثم يتتابع القصص يجلو رحمة الله مع إبراهيم ولوط، وعذابه لأقوام لوط وشعيب وصالح.
أما الجولة الخامسة والأخيرة : فتكشف عن الحق الكامن في خلق السماوات والأرض الملتبس بالساعة وما بعدها من ثواب وعقاب، المتصل بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فهو الحق الأكبر الشامل للكون كله وللبدء والمصير.
الآيات الكونية في سورة الحجر
عرضت سورة الحجر لألوان المكابرة والعناد التي يلجأ إليها الكافرون ثم انتقلت إلى معرض الآيات الكونية مبدوءا بمشهد السماء فمشهد الأرض، فمشهد الرياح اللواقح بالماء، فمشهد الحياة والموت فمشهد البعث والحشر... كل أولئك آيات يكابر فيها المعاندون. قال تعالى :﴿ ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين*وحفظناها من كل شيطان رجيم*إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ﴾( الحجر : ١٦ ١٨ ).
إنه الخط الأول في اللوحة العريضة، لوحة الكون العجيب الذي ينطق بآثار اليد المبدعة، ويشهد بالإعجاز، ويكشف عن دقة التنظيم والتقدير، كما يكشف عن عظمة القدرة على هذا الخلق الكبير. والبروج قد تكون هي النجوم والكواكب بضخامتها، وقد تكون هي منازل النجوم والكواكب التي تنتقل فيها في مدارها. وهي في كلتا الحالتين شاهدة بالقدرة وشاهدة بالدقة، وشاهدة بالإبداع الجميل. قال تعالى :﴿ وزيناها للناظرين ﴾.
وهي لفتة إلى جمال الكون، وبخاصة أن تلك السماء، تشي بأن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون، فليست الضخامة وحدها، وليست الدقة وحدها ؛ إنما هو الجمال الذي ينظم المظاهر جميعا، وينشأ من تناسقها جميعا.
وإن نظرة مبصرة إلى السماء في الليلة الحالكة، وقد انتثرت فيها الكواكب والنجوم توصوص بنورها ثم تبدو كأنما تخبو، ريثما تنتقل العين لتلبي دعوة من نجم بعيد.. ونظرة مثلها في الليلة القمرية والبدر حالم، والكون من حوله مهموم كأنما يمسك أنفاسه ؛ حتى لا يوقظ الحالم السعيد.
إن نظرة واحدة شاعرة لكفيلة بإدراك الحقيقة في الجمال الكوني، وعمق هذا الجمال في تكوينه، ولإدراك معنى هذه اللفتة العجيبة.. ﴿ وزيناها للناظرين ﴾.
والخط الثاني في اللوحة العريضة الهائلة هو : خط الأرض الممدودة أمام النظر المبسوطة للخطو والسير، وما فيها من رواس وما فيها من نبت وأرزاق للناس ولغيرهم من الأحياء. قال تعالى :﴿ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ﴾ ( الحجر : ١٩ ).
إن ظل الضخامة واضح في السياق، فالإشارة في الأرض إلى الرواسي، ويتجسم ثقلها في التعبير بقوله :﴿ وألقينا فيها رواسي ﴾.
وإلى النبات موصوفا بأنه :﴿ موزون ﴾، وهي كلمة ذات ثقل، وإن كان معناها : أن كل نبت في هذه الأرض في خلقه دقة وإحكام وتقدير.
والآية الكونية هنا تتجاوز الآفاق إلى الأنفس، فهذه الأرض الممدودة للنظر والخطو، وهذه الرواسي الملقاة على الأرض تصاحبها الإشارة إلى النبت الموزون، ومنه إلى المعايش التي جعلها الله للناس في هذه الأرض، وهي الأرزاق المؤهلة للعيش والحياة فيها، وهي كثيرة شتى.
وهذه الأرزاق ككل شيء مقدرة في علم الله تابعة لأمره ومشيئته، يصرفها حيث يشاء، كما يريد، في الوقت الذي يريده، حسب سنته التي ارتضاها وأجراها في الناس والأرزاق. قال تعالى :﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾( الحجر : ٢١ ).
فما من مخلوق يقدر على شيء أو يملك شيئا، إنما خزائن كل شيء مصادره وموارده عند الله في علاه ينزله على الخلق في عوالمهم :﴿ بقدر معلوم ﴾.
فليس من شيء ينزل جزافا وليس من شيء يتم اعتباطا، بل كل شيء يتم بحكمة العليم الخبير وتقدير السميع البصير :﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾( القمر : ٤٩ ).
قصة آدم في سورة البقرة والأعراف والحجر
ذكرت قصة آدم في القرآن مرتين من قبل، في سورة البقرة، وفي سورة الأعراف، ولكن مساقها في كل مرة كان لأداء غرض خاص في معرض خاص وفي جو خاص، ومن ثم اختلفت الحلقات التي تعرض منها في كل موضع واختلفت طريقة الأداء.
في سورة البقرة كانت نقطة التركيز هي استخلاف آدم في الأرض التي خلقها الله للناس جميعا :﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ﴾( البقرة : ٣٠ )، ومن ثم عرض الأسرار في هذا الاستخلاف، وبين قدرة الإنسان على الاستنباط والاستنتاج وتمتعه بالإرادة والاختيار، ثم عرض حكاية سجود الملائكة وإباء إبليس واستكباره، وسكنى آدم وزوجه الجنة وإزلال الشيطان لهما عنها وإخراجهما منها، ثم الهبوط إلى الأرض للخلافة فيها بعد تزويده بهذه التجربة القاسية، واستغفاره وتوبة الله عليه.
وفي سورة الأعراف، كانت نقطة التركيز في السياق هي الرحلة الطويلة من الجنة وإليها، وإبراز عداوة إبليس للإنسان منذ بدء الرحلة إلى نهايتها، حتى يعود الناس مرة أخرى إلى ساحة العرض الأولى، ففريق منهم يعود إلى الجنة التي أخرج الشيطان أبويهم منها ؛ لأنهم عادوه وخالفوه، وفريق ينتكس إلى النار ؛ لأنه اتبع خطوات الشيطان العدو اللدود.. ومن ثم عرض السياق حكاية سجود الملائكة، وإباء إبليس واستكباره، ثم إسكان آدم وزوجه الجنة يأكلان من ثمرها كله إلا شجرة واحدة، وهي رمز المحظور الذي تبتلى به الإرادة والطاعة، ثم وسوسة الشيطان لهما بتوسع وتفصيل، وأكلهما من الشجرة وظهور سوآتهما لهما، وعتاب الله لآدم وزوجه وإهباطهما إلى الأرض جميعا للعمل في أرض المعركة الكبرى.
فأما هنا في سورة الحجر فإن نقطة التركيز في السياق هي سر التكوين في آدم، وسر الهدى والضلال، وعواملهما الأصلية في كيان الإنسان.. ومن ثم نص ابتداء على خلق الله آدم من صلصال من حمإ مسنون، ونفخه فيه من روحه المشرق الكريم، وخلق الشيطان من قبل من نار السموم، ثم عرض حكاية سجود الملائكة وإباء إبليس استنكافا من السجود لبشر من صلصال من حمإ مسنون، وطرد إبليس ولعنته وطلبه الانتظار إلى يوم البعث وإجابته، وزاد أن إبليس قرر على نفسه أن ليس له سلطان على عباد الله المخلصين، إنما سلطانه على من يدينون له، ولا يدينون لله، وانتهى بمصير هؤلاء وهؤلاء في غير حوار ولا عرض ولا تفصيل تبعا لنقطة التركيز في السياق وقد استوفت ببيان عنصري الإنسان، وبيان مجال سلطة الشيطان.
خلق الإنسان
تفيد الآيات الواردة في سورة الحجر : أن الإنسان قد خلق من﴿ صلصال من حمإ مسنون ﴾( الحجر : ٢٦ ).
والصلصال : هو الطين اليابس الذي يصلصل أي : يصوت إذا نقر.
والحمأ : هو الطين الذي تغير واسود من طول مجاورة الماء.
والمسنون : هو المصور أو المصبوب لييبس من سنه إذا صبه، أي : أن الإنسان مخلوق من طين يابس قد اختلط بالماء وصور على هيئة الإنسان، ثم نفخ الله فيه من روحه فصار بشرا سويا.
وتفيد آيات القرآن الأخرى : أن الله خلق آدم من تراب ومن طين، ومن حمإ مسنون، ومن طين لازب، ومن صلصال كالفخار، ومن عجل ؛ ومن ماء مهين.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره الكبير :
ويجمع بين هذه الآيات على أنها دليل على تدرج الخلقة، فقد بدأ خلق آدم من أديم الأرض، وهو : التراب، ثم تحول التراب إلى طين، وتحول الطين إلى سلالة، ثم تغيرت رائحة الطين فتحول إلى حمإ مسنون، ثم لصق فتحول إلى طين لازب، ثم صار له صوت كصوت الفخار، ثم نفخ فيه الروح، فأراد أن ينهض قبل أن تتم الروح فيه فذاك قوله :﴿ خلق الإنسان من عجل ﴾، ثم جعل ذريته من النطفة التي تنسل من الإنسان ومن الماء المهين وهو الضعيفi.
الربع الأخير من سورة الحجر
يتضمن الربع الأخير من سورة الحجر نماذج من رحمة الله وعذابه ممثلة في قصص إبراهيم وبشارته على الكبر بغلام عليم، ولوط ونجاته وأهله إلا امرأته من القوم الظالمين، وأصحاب الأيكة وأصحاب الحجر وما حل بهم من عذاب أليم.
هذا القصص يساق بعد مقدمة هي :﴿ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم* وأن عذابي هو العذاب الأليم ﴾( الحجر : ٥٠، ٤٩ ).
فيجيء بعضه مصداقا لنبأ الرحمة، ويجيء بعضه مصداقا لنبأ العذاب، كذلك هو يرجع إلى مطالع السورة فيصدق ماجاء فيها من نذير.
﴿ ذرهم يأكلون ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون*وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم*ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ﴾( الحجر : ٣ ٥ ). فهذه نماذج من القرى المهلكة بعد النذر، حل بها جزاؤها بعد انقضاء الأجل.
الحجر
سميت هذه السورة بسورة ال
ﰡ
﴿ الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين١ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين٢ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون٣ وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم٤ ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ٥ ﴾.
التفسير :
١ ﴿ الر... ﴾.
تقدم في سورة البقرة وآل عمران والأعراف حديث عن الحروف المقطعة في فواتح السور.
وخلاصته : أن للعلماء في هذه الأحرف رأيان رئيسان :
الأول : أنها مما استأثر الله تعالى بعلمه، وهذا معنى ما نراه في تفسير الجلالين وغيره، الله أعلم بمراده في ذلك.
الرأي الثاني : أن لهذه الأحرف معان، وقد اختلف العلماء في معاني هذه الأحرف :
١ فمنهم من قال : إنها أسماء للسورة.
٢ ومنهم من قال : إنها إشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته.
٣ ومنهم من قال : إنها مثل أدوات التنبيه، كالجرس الذي يقرع ؛ فينتبه التلاميذ لدخول المدرسة ؛ فقد كان الكفار يتواصون : بالإعراض عن استماع القرآن، فلما طرقت أذهانهم هذه الأحرف ؛ تنبهوا أمام هذا الأمر العجيب.
٤ ومنهم من قال : هي حروف للتحدي والإعجاز، وبيان : أن الخلق عاجزون عن الإتيان بمثل القرآن، مع أنه مكون من حروف عربية، ينطقون بها ويتكلمون بها، وقد عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن، فدل ذلك على أن القرآن ليس من صنع بشر، ولكنه تنزيل من حكيم حميد.
٥ ومنهم من ذهب إلى أن من إعجاز هذه الأحرف ؛ اشتمالها على جميع المعاني التي ذكرها العلماء في تفسيرها، فهي أسماء للسورة، وهي تشير إلى أسماء الله أو صفاته.
وهي في نفس الوقت أدوات للتنبيه.
وهي حروف للتحدي والإعجاز.
وهي مما استأثر الله تعالى بعلمه، والله أعلم.
﴿ تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ﴾.
أي : هذه الآيات التي اشتملت عليها هذه السورة ؛ من آيات ذلك الكتاب الكامل، ومن آيات القرآن المبين الواضح، وقد جمع الله للكتاب صفتان : فهو الكتاب الكامل من بين الكتب المنزلة، وهو القرآن الواضح في بيانه وإحكامه، وقد تميز القرآن من بين سائر الكتب بصفتين :
الأولى : حفظه وقراءته عن ظهر قلب، والكتب السابقة تقرأ ولا تحفظ، كما يحفظ القرآن.
الثانية : كتابة القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجميع كتابته في مصحف واحد في حياة أبي بكر، ثم كتابته بالفصحى وبلغة واحدة في حياة عثمان بن عفان، وظل المصحف العثماني، بالخط العثماني محفوظا إلى يومنا هذا، لا يختلف مصحف عن آخر ؛ تصديقا لقوله تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾( الحجر : ٩ ).
والأناجيل كتبت بعد وفاة المسيح عليه السلام بعشرات السنين، وقد جمعها تلاميذه على ما غلب على ظنهم أن المسيح قاله، وقد اختلفت الأناجيل عن بعضها، وغلب على كل إنجيل صفة كاتبه ومعلوماته.
فإن كان فيلسوفا ؛ ظهرت الفلسفة في إنجيله، وإن كان طبيبا ؛ غلب عليه العناية بالأمور الطبية. ولا يوجد في العالم كتاب يشبه القرآن، في دقته ونقائه وسلامته من الأخطاء.
ربما : بضم الراء وتخفيف الباء وتشديدها، كلمة تدل على أن ما بعدها قليل الحصول.
التفسير :
﴿ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾.
هذا إخبار من الله تعالى عن الكفار، بأنهم سيندمون على كفرهم حين يرون العذاب في الآخرة، ويتمنون أن لو كانوا مسلمين.
وقد ورد في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ ! قالوا : بلى، قالوا : فما أغنى عنكم الإسلام، وقد صرتم معنا في النار ! قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا ؛ فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين، فنخرج كما خرجواiii.
قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿ الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين*ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾( الحجر : ٢، ١ ).
وقد جاءت ﴿ ربما ﴾ للتقليل على سنة العرب في نحو قولهم : ربما تندم على ما فعلت، ولعلك تندم على ما فعلت، لا يقصدون التقليل في نحو ذلك، وإنما يريدون أن الندم لو كان مشكوكا فيه، أو لو كان قليلا لحق عليك ألا تفعل هذا الفعل، إذ العاقل يتحرز من التعرض للغم المظنون، كما يتعرض للغم المتيقن ويبتعد عن القليل منه، كما يبتعد عن الكثير.
والكافر يتمنى أن لو كان مسلما في مواقف عديدة :
١ إذا رأى الإسلام ينتصر والكفر ينهزم.
٢ إذا رأى ملك الموت وتيقن بسوء الخاتمة.
٣ إذا رأى هول الموقف، وشاهد المسلمين يساقون إلى الجنة، ويساق الكفار إلى النار.
٤ إذا خرج المسلمون المعذبون بذنوبهم من عذاب النار وبقي الكافرون في جهنم.
قال الزجاج : إن الكافر كلما رأى حالا من أحوال العذاب، ورأى حالا من أحوال المسلم ؛ ود أن لو كان مسلما.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ﴾ ( الأنعام : ٢٧ ).
يلههم : يشغلهم.
التفسير :
﴿ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ﴾.
أي : اتركهم أيها الرسول الكريم في غفلاتهم، يأكلون كما تأكل الأنعام، ويتمتعون بلذات الدنيا وشهواتها، ويأخذون حظوظهم من دنياهم، وتلك أخلاقهم ولا خلاق لهم في الآخرة.
﴿ ويلههم الأمل ﴾. أي : تشغلهم الآمال عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة.
﴿ فسوف يعلمون ﴾. سوء صنيعهم إذا هم عاينوا سوء جزائهم، وسوء عاقبتهم، وفي هذا وعيد وتهديد.
من تفسير الفخر الرازي
دلت الآية على : أن إيثار التلذذ والتنعم، وما يؤدي إليه طول الأمد، ليس من أخلاق المؤمنين، وعن بعضهم : التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين، والأخبار في ذم الأمل كثيرة، فمنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( يهرم ابن آدم ويشيب معه اثنان : الحرص على المال وطول الأمل )iv.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه نقط ثلاث نقط، وقال :( هذا ابن آدم، وهذا الأمل، وهذا الأجل، ودون الأمل تسع وتسعون منية فإن أخذته إحداهن، وإلا فالهرم من ورائه )v.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال : إنما أخشى عليكم اثنين : طول الأمل، وإتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسي الله والآخرة، وإتباع الهوى ؛ يصد عن الحق، والله أعلمvi.
كان أهل مكة يستبطئون العذاب، ويقولون : متى يجيء ما تعدنا به يا محمد من نزول العذاب ؟ ! فأخبر الله تعالى : بأن كل قرية من القرى الظالمة، كان هلاكها وقت مقدر، فقد هلك قوم نوح بالطوفان، وهلك فرعون في ماء النيل، وهلكت عاد وثمود بعذاب شديد، قال تعالى :﴿ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها*ولا يخاف عقباها ﴾ ( الشمس : ١٥، ١٤ ).
ومعنى الآية : ما أهلكنا أهل قرية من القرى الظالمة، التي كذبت رسل الله تعالى، إلا ولها أجل مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ، لا ينسى ولا يغفل عنه.
ما تسبق : ما يتقدم زمان أجلها.
التفسر :
﴿ ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ﴾.
أي : لا يتقدم هلاك أمة قبل مجيء أوانه، ولا يتأخر الهلاك متى حل الأجل.
قال ابن كثير : وهذا تنبيه لأهل مكة وإرشادهم لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من العناد والإلحاد، الذي يستحقون به الهلاك.
المفردات :
الذكر : القرآن.
التفسير :
٦﴿ وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ﴾.
يخبر الله سبحانه وتعالى عن كفرهم وعنادهم، في قولهم :﴿ يا أيها الذي نزل عليه الذكر ﴾. أي : الذي تدعي ذلك.
﴿ إنك لمجنون ﴾. أي : في دعائك إيانا إلى إتباعك، وترك ما وجدنا عليه آباءنا.
لوما : مثل هلا كلمة تفيد : الحث والحض على فعل ما يقع بعدها.
﴿ لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ﴾.
أي : هلاّ جئتنا بالملائكة يشهدون لك، بصدق ما جئت به من الرسالة، ﴿ إن كنت من الصادقين ﴾، في دعواك، فإن قدرة الله تعالى ذلك مما لا ريب فيه، وكذا احتياجك إليه.
وفي معنى هاتين الآيتين وردت آيات في القرآن الكريم على لسان الكافرين، تتهم الرسل بالجنون، وتطلب منهم إحضار الملائكة لتصديقهم، من ذلك قول فرعون :﴿ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ﴾. ( الزخرف : ٥٣ ).
وقول كفار مكة وأشباههم وما حكاه القرآن عنهم بقوله :﴿ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتوا كبيرا*يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ﴾. ( الفرقان : ٢٢، ٢١ ).
منظرين : مهملين.
التفسير :
﴿ ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين ﴾.
أي : من شأن الحق سبحانه وتعالى أن يجري أعماله لحكمة إلهية، فهو سبحانه حكيم في عمله وصنعه، ومن هذه الحكمة : أن يرسل الملائكة ؛ لتنزل بالوحي والرسالة على المرسلين، أو ينزل الملائكة بالعذاب على المكذبين.
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
﴿ ما ننزل الملائكة إلا بالحق ﴾. أي : إلا تنزلا متلبسا بالحكمة والمصلحة، ولا حكمة في أن تأتيكم عيانا تشاهدونهم، ويشهدون لكم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم حينئذ مصدقون عن اضطرار، ومثله قوله تعالى :﴿ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ﴾. ( الحجر : ٨٥ ).
وقيل : الحق : الوحي، أو العذابvii.
﴿ وما كانوا إذا منظرين ﴾. أي : لو نزلنا الملائكة فلم يؤمنوا ؛ لعاجلناهم بالعذاب ولم نمهلهم، وذلك مخالف لسنة الله تعالى في إمهال الناس دون إهمالهم، أو لسنته تعالى في إمهال الناس ؛ رجاء إيمانهم.
وجملة :﴿ وما كانوا منظرين ﴾. جواب وجزاء لجملة شرطية محذوفة، والتقدير : ولو أنزلنا الملائكة لعوجلوا بالعقوبة، وما كانوا إذا منظرين، فالجملة جزاء للجملة الشرطية المحذوفةviii.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ﴾. ( الأنعام : ٨ ).
تأتي هذه الآية في مقام الرد على هؤلاء المستهزئين، الذين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون، فترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبين : أن الله وحده هو الذي أنزل القرآن، وهو سبحانه المتكفل بحفظه، وقد تميز القرآن عن غيره من الكتب، بأن أعدادا غفيرة من المسلمين، تحفظه عن ظهر قلب، وتتوارث حفظه خلفا عن سلف، وقد ألهم الله المسلمين بكتابته في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكرر جمعه في مصحف في عهد أبي بكر، وكتابته على لهجة واحدة في عهد عثمان، ومن حفظ الله تعالى لكتابته : مرور عصور طويلة من الظلام، ضعف فيها شأن المسلمين، وانحسر سلطانهم، وظلّ القرآن الكريم محفوظا في الصدور، مكتوبا في السطور، متلوّا على الألسنة، مسجلا على الأشرطة، مذاعا في إذاعات العالم المسموعة والمرئية ؛ تأكيدا لتعهده سبحانه بحفظ هذا الكتاب.
ونلاحظ أن الله استحفظ الأحبار والرهبان الكتب السابقة، وتكفل هو بحفظ كتابه، قال تعالى :﴿ والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله ﴾. ( المائدة : ٤٤ ).
وقال سبحانه :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾. ( الحجر : ٩ ).
شيع : جمع شيعة، وهي الجماعة المتفقة على مبدأ واحد في الدين والمعتقدات، أو في المذاهب والآراء.
التفسير :
﴿ ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين ﴾.
يقول تعالى مسليا رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث يبين له، أن تكذيب كفار مكة له ليس بدعا، وإنما سبق أن أرسلت رسل قبله فكذبوا.
﴿ في شيع الأولين ﴾. أي : فرقهم وأحزابهم، جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريقة ومذهب.
نسلكه : أي : ندخله، يقال : سلكت الخيط في الإبرة، أي : أدخلته فيها.
التفسير :
﴿ كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ﴾. أي : كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين، بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك، الذين أجرموا بسبب الكفر بالله، ويجوز أن يعود الضمير في ﴿ نسلكه ﴾. على القرآن الكريم.
والمعنى : كما سلكنا القرآن في قلوب المؤمنين، بالمحافظة عليه وتلاوته وإتباع أوامره وهديه، نسلكه في قلوب المجرمين، وندخله في سويدائها فكذب به المجرمون وكفروا عنادا وكبرا.
وقد خلت سنة الأولين : أي : وقد مضت سنة الله في الأقوام الأولين، بإهلاك من كذبوا الرسل منهم، وهذا وعيد لأهل مكة.
التفسير :
﴿ لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين ﴾.
إن هؤلاء المشركين قد تمكن الشرك من قلوبهم، وسلك الكفر طريقه إلى نفوسهم، فلا يؤمنون بالقرآن الكريم، ولا يصدقون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الكفار سيصيبهم العذاب ؛ جزاء تكذيبهم، فإن لله سننا لا تتخلف ولا تتبدل، ومن هذه السنن : نجاة المرسلين، وهلاك المشركين، وفي هذا تهديد لأهل مكة ووعيد لهم : بأن يصيبهم ما أصاب المكذبين من الأمم قبلهم، قال تعالى :﴿ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ﴾ ( سبأ : ١٧ ).
وقال سبحانه :﴿ ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾. ( العنكبوت : ٤٠ ).
يعرجون : يصعدون.
التفسير :
﴿ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ﴾.
عندما طلب كفار مكة، نزول الملائكة ؛ حتى يؤيدوا محمدا في دعواه الرسالة إن كان من الصادقين ردّ عليهم القرآن فيما سبق.
وهنا يقول : لو سلمنا جدلا قبول اقتراحهم، وأصعدناهم إلى السماء، وفتحنا لهم بابا من أبوابها، فظلوا فيه يصعدون ؛ حتى شاهدوا الملائكة والملكوت.
سكرت : سدت، ومنعت من الإبصار.
مسحورون : سحرنا محمد بظهور ما أبداه من الآيات.
التفسير :
-﴿ لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ﴾. أي : قالوا : لفرط مكابرتهم وعنادهم، إنما سدّت أبصارنا وخدعت بهذا الارتقاء والصعود.
﴿ بل نحن قوم مسحورون ﴾، أي : سحرنا محمد وخيّل إلينا ذلك، وما هو إلا سحر مبين. وقد سبق أن اتهم قوم فرعون سيدنا موسى بالسحر، ﴿ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك.. ﴾. ( الزخرف : ٤٩ ).
قال الفخر الرازي في تفسيره :
اعلم أن هذا الكلام هو المذكور في سورة الأنعام في قوله :﴿ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ﴾( الأنعام : ٧ ).
ثم نقل الفخر الرازي عن ابن عباس أنه قال :" لو ظل المشركون يصعدون في تلك المعارج وينظرون إلى ملكوت الله تعالى، وقدرته وسلطانه، وإلى عبادة الملائكة، الذين هم من خشيته مشفقون ؛ لشكّوا في تلك الرؤية، وبقوا مصرين على كفرهم وجهلهم، كما جحدوا سائر المعجزات، من انشقاق القمر، وما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن المعجز، الذي لا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثلهix.
ملحق بالآية
( أ )﴿ فظلوا فيه يعرجون ﴾.
يقال : ظل فلان نهاره يفعل كذا إذا فعله بالنهار، ولا تقول العرب : ظل يظل إلا لكل عمل بالنهار، كما لا يقولون بات، يبيت إلا بالليل، والمصدر : الظلولx.
أي : إن صعودهم لو كان في وضح النهار، وشاهدوا ذلك عيانا مع وضوع- الرؤية، لأنكروا وعاندوا.
﴿ يعرجون ﴾. يقال : عرج، يعرج، عروجا، ومنه المعارج وهي المصاعد التي يصعد فيها، ومن إعجاز القرآن، نجد أن السماء لا تعرف الخط المستقيم، وإنما يذكر الصعود إلى السماء بالعروج، قال تعالى :﴿ من الله ذي المعارج* تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ﴾. ( المعارج : ٤، ٣ ).
وهنا قال :﴿ فظلوا فيه يعرجون ﴾.
وقد أيد ذلك العلم الحديث، والقرآن غني عن هذا التأييد، ولكنا نقول : أنّى لمحمد النبي الأمّي أن يعرف دقة هذا التعبير، الذي يصدقه العلم بعد أكثر من ألف عام.
( ب ) معنى :﴿ سكرت أبصارنا ﴾.
أي : غيرت أبصارنا عما كانت عليه، فهي لا تعطينا حقائق الأشياء كما كانت تفعل، ومنه سكران أي : توقف عقله عن اتخاذ القرار، سكرت الريح، أي : توقفت عن الهبوب، وسكّرت الباب : أغلقته.
وعبر بعض المفسرين عن هذه اللفظة بقوله : غشي على أبصارنا، وقال بعضهم : عميت أبصارنا، وهذا ونحوه تفسير بالمعنى لا يرتبط باللفظ، ويقال أيضا : هؤلاء المبصرون عروج الملائكة، أو عروج أنفسهم، بعد قولهم :﴿ سكرت أبصارنا ﴾، بل سحرنا حتى لا نعقل الأشياء كما يجب، أي : صرف فينا السحرxi.
المفردات :
بروجا : من الكواكب، أي هي : منازل الشمس والقمر.
وزيناها للناظرين : لمن نظر إليها.
التفسير :
١٦﴿ ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين ﴾.
تأتي هذه الآيات للدلالة على قدرة الخالق وبديع صفته، فهو سبحانه رافع السماء ومكمل خلقها وهو الذي زينها بالنجوم، وأتم حفظها، وهو سبحانه باسط الأرض، وخالق الجبال، ومسخر السحاب والأمطار ومنبت النبات، وكأن القرآن يقول لهم : إن أردتم دليلا على وحدانية الخالق، وصدق الرسالة فانظروا إلى ما حولكم، من السماء والأرض والجبال وستجدون التكامل والإبداع في هذا لكون.
﴿ ولقد جعلنا في السماء بروجا ﴾.
تطلق البروج على النجوم، وأصل البروج : الظهور، ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها، وقيل : البروج : الكواكب العظام، وحقيقة البرج : البناء الكبير المتخذ للسكنى، أو للتحصن، وهو يراد في القصر، قال تعالى :﴿ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ﴾. ( النساء : ٧٨ ).
وقال سبحانه :﴿ ذات البروج ﴾. ( البروج : ١ ).
جاء في تفسير القرطبي :
والبروج : القصور والمنازل، قال ابن عباس : أي : جعلنا في السماء بروج الشمس والقمر، أي : منازلهما، وأسماء هذه البروج : الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت.
والعرب تعد المعرفة بمواقع النجوم وأبوابها، من أجلّ العلوم، ويستدلون بها على الطرقات، والأوقات والخصب والجدب، وقالوا : الفلك : اثنا عشر برجاxii.
ومعنى الآية : ولقد خلقنا في السماء نجوما عظاما، من الكواكب الثوابت والسيارات، وجعلنا السماء والكواكب بهجة لمن تأمل وكرر النظر في عجائبها الظاهرة، وآياتها الباهرة.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ﴾. ( الصافات : ٦ )، وقوله سبحانه :﴿ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ﴾. ( الفرقان : ٦١ ).
كانت الشياطين تسترق أخبار السماء، وتخبر بها الكهان، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم ؛ شددت الحراسة على السماء، فكانت الجن إذا أرادت استراق أخبار السماء ؛ ترص بعضها فوق بعض، كل جني يضع قدميه فوق أكتاف الأول، وهكذا، ثم يتسمّع الأخير إخبار الملائكة عن أمور الغيب، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم منعت الجن من استراق السمع، ومن أراد استراق السمع ؛ رمي بالشهب فتقتله أو تخبله.
وقد ورد هذا المعنى في صحيح البخاري عن ابن عباس :xiiiثم إن الشياطين انصرفوا باحثين عن السبب، فتوجهوا نحو تهامة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر بأصحابه، فلما سمعوا القرآن، استمعوا له، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم، وبين خبر السماء، فلما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما سمعوا، فأنزل الله تعالى على نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم سورة الجن وفي أولها :﴿ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ﴾. ( الجن : ١ ).
وفيها :﴿ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا* وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ﴾. ( الجن : ٩، ٨ ).
﴿ وحفظناها من كل شيطان رجيم ﴾.
أي : حفظنا السماء وحرسناها، ومنعنا كل شيطان مرجوم مطرود من الوصول إليها، قال تعالى في آية أخرى :﴿ وحفظا من كل مارد*لا يسمّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب*دحورا ولهم عذاب واصب*إلا من خطف الخطفة فأتبعه شعاب ثاقب ﴾. ( الصافات : ٧ ١٠ ).
إن المثال في خلق السماء، وإحكام البناء، وتزيينها بالنجوم، وحركة النجوم ومواقعها، وعدم اضطرابها أو اصطدامها ثم إن هذا الاصطدام وارد، وهو لحكمة عليا، هي نزول شهب تخبل الجني أو تقتله يستقين أن كل ذلك يشير إلى قدرة عليا تمسك بزمام هذا الكون.
إلا من استرق السمع : لكن من يسترق السمع من الشياطين ؛ ليستمع ما يتحدث به في السماء.
فأتبعه شهاب : فيتبعه شهاب من النار.
مبين : بين أثره فيه، إما أن يحرق النجم الجني أو يفسده ويخبله.
التفسير :
﴿ إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ﴾.
أي : لكن من أراد اختطاف شيء من عالم الغيب، مما يتحدث به الملائكة في الملأ الأعلى، تبعه كوكب مشتعل نارا ظاهرا ؛ فأحرقه، ولم يصل إلى معرفة شيء مما يدبر في ملكوت السماوات.
وبعد أن ذكر عظمة الخالق، وقدرته في خلق السماوات وإبداع نظامها وحفظها، أتبع ذلك ببيان قدرته ونعمته في خلق الأرض،
والأرض مددناها : بسطناها.
وألقينا فيها رواسي : أثبتنا فيها جبالا ثابتة.
من كل شيء موزون : معلوم مقدور.
التفسير :
﴿ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ﴾.
إن يد القدرة المبدعة التي زينت السماء وحفظتها، قد بسطت الأرض وحفظت توازنها بالجبال الراسيات الثوابت، وأرسلت الماء إلى الأرض فتمت حياة الأرض بالنبات الموزون بميزان الحكمة بلا زيادة ولا نقصان.
أو بمعنى مستحسن متناسب من قولهم : كلام موزون، وقد ذكر الشريف الرضيxiv أن العرب استعملته بهذا المعنى كقول عمر بن أبي ربيعة :
وحديث ألذه هو مما تشتهيه النفوس يوزن وزناxv
وجاء في تفسير المراغي :
أن كل نبات قد وزنت عناصره، وقدرت تقديرا، فترى العنصر الواحد يختلف في نبات عنه في آخر، بواسطة امتصاص الغذاء من العروق الضاربة في الأرض، ومنها يرفع إلى الساق والأغصان والأوراق والأزاهير.
وهناك عنصر البوتاس تراه يدخل في حب الذرة الذي تأكله بمقدار٣٢% وفي القصب٣٤. ٣% وفي البرسيم بمقدار٣٤. ٦% وفي البطاطس بمقدار ٦١. ٥% وبهذا التفاوت صلح القصب لأن يكون سكرا، والبرسيم لأن يكون قوتا للبهائم، والذرة والبطاطس لأن تكون قوتا للإنسانxvi.
فسبحانك اللهم أبدعت نظام الكون وجعلت كل شيء في الحياة موزونا بقدر معلوم : لنتدبر نظم الحياة، ونعرف قدرة المنشئ الذي لم يخلق شيئا جزافا بل أبدع ودبر، وخلق كل شيء فقدره تقديرا.
وجعلنا لكم فيها معايش : جمع معيشة.
ومن لستم له برازقين : قيل : العبيد والإماء، والدواب والأنعام، وقيل : الوحش.
التفسير :
﴿ وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ﴾.
أي : جعلنا لكم في الأرض أرزاقا مؤهلة للعيش والحياة فيها، وأنواع معايشكم من غذاء وماء ولباس ودواء وقد سخرناها لكم في الأرض، فلا السمك في البحر غذيتموه، ولا الطير في الجو ربيتموه، ولا غيرها من أشجار الجبال والغابات وحيوان البر والبحر خلقتموه.
﴿ ومن لستم له برازقين ﴾. أنتم تعيشون على أرزاق الله التي جعلها لكم في الأرض، وما أنتم إلا أمة من هذه الأمم التي لا تحصى، أمة لا ترزق سواها، إنما الله يرزقها ويرزق سواها، ثم يتفضل عليها فيجعل لمنفعتها، ومتاعها وخدماتها أمما أخرى تعيش من رزق الله ولا تكلفها شيئا.
وإن من شيء : يعني : من الأمطار.
إلا بقدر معلوم : حده ومبلغه.
التفسير :
﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾.
وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده، وتكوين أضعاف ما وجد منه، شبه اقتداره على كل شيء وإيجاده، بالخزائن المودعة فيها الأشياء، المعدة لإخراج ما يشاء منها وما يخرجه إلا بقدر معلوم، استعارة تمثيليةxvii فقد ضرب الخزائن مثلا لاقتداره على كل مقدور.
قال في ظلال القرآن :
هذه الأرزاق ككل شيء مقدرة في علم الله تابعة لأمره ومشيئته، يصرفها حيث يشاء، وكما يريد في الوقت الذي يريده حسب سنته التي ارتضاها وأجراها في الناس والأرزاق.
﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾.
فما من مخلوق يقدر على شيء أو يملك شيئا، إنما خزائن كل شيء مصادره وموارده عند الله في علاه ينزله على الخلق في عوالمهم ﴿ بقدر معلوم ﴾. فليس من شيء ينزل جزافا، وليس من شيء اعتباطا، ومدلول هذا النص المحكم :
﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾. يتجلى بوضوح أكثر كلما تقدم الإنسان في المعرفة، وكلما اهتدى إلى أسرار تركيب هذا الكون وتكوينه، ومداول ﴿ خزائنه ﴾ يتجلى في صورة أقرب بعدما كشف الإنسان عن طبيعة العناصر، التي يتألف منها الكون المادي، وطبيعة تركيبها وتحليلها إلى حد ما وعرف مثلا أن خزائن الماء الأساسية هي ذرات الأيدروجين والأكسجين وأن من خزائن الرزق المتمثل في النبات الأخضر كله ذلك الآزوت الذي في الهواء، وذلك الكربون وذلك الأكسجين المركب في ثاني أكسيد الكربون، وتلك الأشعة التي ترسل بها الشمس أيضا، ومثل هذا كثير يوضع دلالة خزائن الله التي توصل الإنسان إلى معرفة شيء منها.. وهو شيء على كثرته قليل قليل... xviii.
وأرسلنا الرياح : جمع ريح.
لواقح : تلقح الشجر، وتمرى السحاب، أي : تستخرج منه المطر.
فأسقيناكموه : لشرب أرضكم.
التفسير :
﴿ وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ﴾.
من قدرة الإله الخالق أنه أبدع نظام السماء، وأبدع نظام الأرض، وأبدع نظاما متكاملا في هذا الكون، وعنده خزائن الأرزاق ومواعيدها المناسبة ومن هذه الأرزاق :
أنه سخر الرياح حوامل بالسحاب لأنها تحمل السحاب ؛ في جوفها، والرياح تنطلق وفق نواميس كونية، وتحمل الماء وفقا لهذه النواميس، وتسقط الماء كذلك بحسبها، ولكن من الذي قدر هذا كله من الأساس ؟ ! لقد قدره الخالق، ووضع الناموس الكلي الذي تنشأ عنه كل الظواهر.
فهو سبحانه خالق الإنسان، وخالق الكون، وبيده الخلق والأمر، قال تعالى :﴿ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ﴾. ( الروم : ٤٨ ).
وقال عز شأنه :﴿ أفرأيتم الماء الذي تشربون*أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون*لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ﴾. ( الواقعة : ٦٨ ٧٠ ).
قال المهايمي :
﴿ وأرسلنا الرياح لواقح ﴾. أي : تلقح السحاب أي : تجعلها حوامل بالماء ؛ وذلك أن السحاب بخار تصير بإصابته الهواء البارد حوامل للماءxix ﴿ فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ﴾. أي : فأنزلنا من السحاب مطرا فأسقيناكم ذلك المطر ؛ لشرب زرعكم ومواشيكم وفي ذلك استقامة أمور معايشكم وتدبير شؤون حياتكم كما قال سبحانه :﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي ﴾. ( الأنبياء : ٣٠ ).
﴿ وما أنتم بخازنين ﴾. أي : بقادرين على إيجاده وإنزاله، والخزن : اتخاذ الخزائن يستعار للقدرة كما مر، أو بحافظين له في أمكنة ينابيعه، من سهول وجبال وعيون وآبار، بل هو تعالى وحده الذي حفظه وسلكه ينابيع في الأرض وجعلنه عذبا ورحم العباد بسقياه.
التفسير :
٢٣﴿ وإنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون ﴾.
تأتي هذه الآيات في سياق الحديث عن جوانب القدرة الإلهية، فهو سبحانه القادر وحده على إيجاد الحياة في المخلوقات، والقادر على سلبها عنها.
جاء في تفسير ابن عطية :
وإنا نحن نحيي من نشاء بإخراجه من العدم إلى وجود الحياة، ونرده عند البعث من مرقده ميتا، ونميت بإزالة الحياة عمن كان حياxx.
﴿ ونحن الوارثون ﴾. أي : ونحن الباقون بعد فناء الخلق، نرث الأرض ومن عليها، وإلينا يرجعون، وشبه سبحانه بقاءه بعد زوال كل شيء بالوارث ؛ لأن الوارث، هو الذي يرث غيره بعد موته، قال تعالى :﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ﴾. ( مريم : ٤٠ ).
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ كل من عليها فان*ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ﴾. ( الرحمن : ٢٧، ٢٦ ).
جاء في كتاب تيسير التفسير :
﴿ ونحن الوارثون ﴾.
الباقون بعد فناء الخلق، فالإرث مجاز مستعار، من إرث الميت بمعنى : القيام على تركته، أو الوارثون مالهم بعد أن ملكوه، وهذا مجاز أيضا، لا مالك للعالم سواه، ومن الأول قوله صلى الله عليه وسلم :( اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا )xxi.
أي : اجعل ما ذكر، أو الإمتاع باقيا إلى الموت، أو اجعلها كأنها تبقى بعدناxxii.
ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين : أي : من تقدم ميلادا وموتا ومن تأخر، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد، أو من تقدم في الإسلام ومن تأخر.
التفسير :
﴿ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ﴾.
أحصى سبحانه كل شيء علما، فهو سبحانه عالم بالمستقدمين، أي : كل من مات من لدن آدم عليه السلام، وهو محيط علما بالمستأخرين، أي : الأحياء ومن سيأتي بعدهم إلى يوم القيامة.
وقيل : المراد : علمه سبحانه بالمتقدمين للجهاد، والمتأخرين عنه، وقيل : المراد : المتقدمين في صفوف الصلاة والمتأخرين فيها.
ونلاحظ أن هذه كلها أمثلة تحمل على التمثيل لا على الحصر، والغرض : أنه تعالى محيط علمه بمن تقدم وبمن تأخر، لا يخفى عليه شيء من أحوال العباد، وهو بيان لكمال علمه، بعد الاحتجاج على كمال قدرته.
يحشرهم : أي : يجمعهم، والحشر لغة : جمع الناس للحرب، والحشر هنا يراد به : إحياء الله الموتى وإخراجهم من قبورهم، بعد جمع ما تفرق من أجزائهم الأصلية، ثم جمعهم في يوم الحشر ويسمى : يوم الجمع.
التفسير :
﴿ وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم ﴾.
يجمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة للحساب والجزاء.
﴿ إنه حكيم عليم ﴾. باهر الحكمة، واسع العلم بجميع خلقه، عادل في جزائه.
المفردات :
صلصال : طين يابس يسمع له صلصلة، أي : صوت إذا نقر.
حمإ : طين تغيّر واسودّ من طول مجاورة الماء.
مسنون : مصور مفرغ على هيئة الإنسان.
التفسير :
٢٦﴿ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون ﴾.
أي : خلقنا الإنسان من طين يابس، يسمع له صلصلة، أي : صوت إذا نقر، والمراد بالإنسان : آدم عليه السلام، وقد ذكرت آيات أخرى : أن الإنسان خلق من تراب، وفي آيات أنه خلق من طين، وهنا ذكر : أنه خلق من صلصال من حمإ مسنون.
وقد ذكر مقاتل بن سليمان في تفسير خمسمائة آية من القرآن الكريم، وفيها بيان للمتشابه من آيات القرآن : أن هذه الآيات في مجموعها تشير إلى مراحل الخلق التي مر بها خلق الإنسان، فالمراحل الأولى لخلق الإنسان كانت من التراب، ثم أضيف الماء إلى التراب فصار طينا، وهذه هي المراحل السابقة، قال تعالى :﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ﴾. ( آل عمران : ٥٩ ).
وقال عز شانه :﴿ إني خالق بشرا من طين ﴾. ( ص : ٧١ ).
والآية التي معنا تشير إلى المراحل الأخيرة في خلق الإنسان، وهي مرحلة الخلق﴿ من صلصال ﴾، أي : طين يصلصل ويصوت ؛ إذا نقر أو حرك، وإذا ترك الطين في الماء حتى أنتن واسودّ، وتغير فهو الحمأ المسنون، وإنما خلقه على ذلك الوضع ؛ ليكون خلقه أعجب، وأتم في الدلالة على القدرة.
جاء في زبدة التفسير من فتح القدير :
﴿ ولقد خلقنا الإنسان ﴾.
هو : آدم، والصلصال هو : الطين اليابس، يتصلصل إذا حرك، فإذا طبخ في النار فهو الفخار.
والحمأ : الطين الأسود المتغير.
والمسنون : هو المتغير، فالتراب لما بلّ ؛ صار طينا، فلما أنتن ؛ صار حمأ مسنونا، فلما يبس ؛ صار صلصالا. اه.
وجاء في التفسير الوسيط :
والمقصود من هذه الآيات الكريمة : التنبيه على عجيب صنع الله تعالى، وعظيم قدرته، حيث أخرج سبحانه، من هذه المواد بشرا سويّا في أحسن تقويمxxiii.
وقال النسفي : وفي الأول كان ترابا، فعجن بالماء طينا، فمكث ؛ فصار حمأ، فخلص ؛ فصار سلالة، فصور ويبس ؛ فصار صلصالا.
الجان : هو أبو الجن، وقيل : هو إبليس، ويصح أن يراد به : جنس الجن، وإذا أريد بالإنسان : آدم، أريد بالجان : أبو الجنّ.
نار السموم : هي النار الشديدة الحرارة، التي تنفذ في المسام، فتقتل بحرّها.
التفسير :
﴿ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ﴾.
الجان للجن كآدم للناس، أي : خلقنا أبا الجن من قبل آدم، أو خلقنا جنس الجن، من قبل الإنسان.
﴿ من نار السموم ﴾. أي : نار الريح الحارة التي لها لفح وتقتل من أصابته.
روى مسلم في صحيحه٤/٢٢٩٤ : عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ).
وجاء في زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي :
قال ابن مسعود : من نار الريح الحارة، وهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم.
والسموم في اللغة : الريح الحارة وفيها نار، قال ابن السائب : وهي نار لا دخان لها.
وروى البخاري ٦/٢٣٨، ومسلم٤/٢١٨٤، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم )xxiv.
حمإ : طين تغيّر واسودّ من طول مجاورة الماء.
مسنون : مصور مفرغ على هيئة الإنسان.
بشرا : أي : إنسانا، وسمى بذلك ؛ لظهور بشرته أي : ظاهر جلده.
التفسير :
﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون ﴾.
تشير الآية إلى تكريم الإنسان، وتشريف الملائكة بإخبار الله لهم عن خلق آدم، وتكليفه لهم بالسجود للإنسان عند اكتمال خلقته، أي : واذكر أيها الرسول لقومك، حين نوّه ربكم بذكر أبيكم آدم، في ملائكته قبل خلقه.
سويته : أتممت خلقه، وهيأته لنفخ الروح فيه.
ونفخت فيه من روحي : أفضت عليه من الروح، التي هي خلق من خلقي فصار بشرا حيا.
التفسير :
﴿ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ﴾.
أي : إذا عدّلت خلقته وأكملتها.
﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾. أي : وضعت فيه قوة لطيفة السريان، قوية التأثير، بها تتم الحياة، وإضافة الروح إلى الله تعالى، إضافة تشريف وتكريم، مثل : بيت الله، وناقة الله.
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾. وأحييته، وليس ثمة نفخ ولا منفوخ، وإنما هو تمثيل ؛ لتحصيل ما يحيا به فيه.
﴿ فقعوا له ساجدين ﴾.
أي : اسقطوا له ساجدين بقصد التعظيم، وفيه تكريم الله للأصل الإنساني، حيث أمر الله الملائكة بالسجود للإنسان، سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة، وفيه بيان سمو الإنسان بهذه اللطيفة الربانية، التي أودعها الله فيه، فإن هو تسامى بروحه وغرائزه، وامتنع عن الشهوات والمعاصي ؛ صار من الفالحين، وإن هو سار في طريق المعاصي، واستسلم لغرائزه وشهواته ؛ صار من الخاسرين.
قال تعالى :﴿ ونفس وما سواها*فألهمها فجورها وتقواها*قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها ﴾. ( الشمس : ٧ ١٠ ).
والله تعالى حكيم عليم بخلقه، وهو سبحانه يصطفي من يشاء ويختار، فقد فضل سبحانه الأنبياء على الملائكة، وامتحن الله الملائكة بالسجود لآدم، تعريضا لهم للثواب الجزيل، وبيان لما أودع الله في هذا الإنسان من التكريم، قال تعالى :﴿ ولقد كرمنا بني آدم... ﴾( الإسراء : ٧٠ ).
استجاب الملائكة لأمر الله، ونجحوا في طاعتهم لأمر خالقهم، وهم أيضا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وقد سجد الملائكة جميعا من أولهم إلى آخرهم في وقت واحد، لآدم عليه السلام كما أمرهم الله.
لكن إبليس لم يسجد فقد تكبر وامتنع عن السجود، زاعما :
أنه أفضل من آدم عليه السلام.
استجاب الملائكة لأمر الله، ونجحوا في طاعتهم لأمر خالقهم، وهم أيضا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وقد سجد الملائكة جميعا من أولهم إلى آخرهم في وقت واحد، لآدم عليه السلام كما أمرهم الله.
لكن إبليس لم يسجد فقد تكبر وامتنع عن السجود، زاعما :
أنه أفضل من آدم عليه السلام.
نادى الخالق سبحانه على إبليس : لماذا لم تسجد كما سجدت الملائكة ؟ !. فأجاب إبليس مبينا أسباب عناده وتكبره ؛ بأنه خلق من نار، وآدم خلق من طين، والنار أفضل من الطين في رأيه فلا يجوز أن يسجد المفضول للفاضل في رأيه.
وفي آية أخرى يقول القرآن الكريم :﴿ قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾. ( الأعراف : ١٢ ).
وفي هذا ضلال من إبليس ؛ لأن الله هو الذي خلقه من نار، وهو الذي أمره بالسجود لآدم، ولله أن يكرم من يشاء من مخلوقاته كيف يشاء بما يشاء.
وقال بعض العلماء :
هذا من غرور إبليس، فالنار خائنة، والطين أمين، إذا وضعت النبات في الأرض ؛ أنبتته، وإذا وضعت الحب في النار ؛ أحرقته ؟، ثم إن الملائكة خلقت من نور، وإبليس خلق من نار، والنور أفضل من النار، وقد استجابت الملائكة لأمر الله تعالى.
وجاء في فتح القدير :
قيل : كان من جنس الملائكة، ولكنه أبى ذلك استكبارا وحسدا لآدم ؛ فحقت عليه كلمة الله. وقيل : إنه لم يكن من الملائكة، ولكنه كان معهم، فغلب اسم الملائكة عليه، وأمر بما أمروا به، فترك السجود على وجه الرفض. ا. ه.
والرأي الراجح : أن إبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان موجودا بينهم، وقد أمروا جميعا بالسجود، فسجد الملائكة ولم يسجد إبليس، ثم أصر على معصيته، وادعى : أنه أفضل من آدم، أي : أنه لم يمتثل لأمر الله، ولم يستجب لما أمر به، ثم ركبه الغرور، فادعى : أنه أفضل من آدم.
وقد صرّح القرآن الكريم : بأن إبليس من الجن، قال تعالى :﴿ إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ﴾. ( الكهف : ٥٠ ).
وفي صحيح مسلم ٤/٢٢٩٤ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصفت لكم )xxv.
وقال الحسن البصري :" والله ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين ".
نادى الخالق سبحانه على إبليس : لماذا لم تسجد كما سجدت الملائكة ؟ !. فأجاب إبليس مبينا أسباب عناده وتكبره ؛ بأنه خلق من نار، وآدم خلق من طين، والنار أفضل من الطين في رأيه فلا يجوز أن يسجد المفضول للفاضل في رأيه.
وفي آية أخرى يقول القرآن الكريم :﴿ قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾. ( الأعراف : ١٢ ).
وفي هذا ضلال من إبليس ؛ لأن الله هو الذي خلقه من نار، وهو الذي أمره بالسجود لآدم، ولله أن يكرم من يشاء من مخلوقاته كيف يشاء بما يشاء.
وقال بعض العلماء :
هذا من غرور إبليس، فالنار خائنة، والطين أمين، إذا وضعت النبات في الأرض ؛ أنبتته، وإذا وضعت الحب في النار ؛ أحرقته ؟، ثم إن الملائكة خلقت من نور، وإبليس خلق من نار، والنور أفضل من النار، وقد استجابت الملائكة لأمر الله تعالى.
وجاء في فتح القدير :
قيل : كان من جنس الملائكة، ولكنه أبى ذلك استكبارا وحسدا لآدم ؛ فحقت عليه كلمة الله. وقيل : إنه لم يكن من الملائكة، ولكنه كان معهم، فغلب اسم الملائكة عليه، وأمر بما أمروا به، فترك السجود على وجه الرفض. ا. ه.
والرأي الراجح : أن إبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان موجودا بينهم، وقد أمروا جميعا بالسجود، فسجد الملائكة ولم يسجد إبليس، ثم أصر على معصيته، وادعى : أنه أفضل من آدم، أي : أنه لم يمتثل لأمر الله، ولم يستجب لما أمر به، ثم ركبه الغرور، فادعى : أنه أفضل من آدم.
وقد صرّح القرآن الكريم : بأن إبليس من الجن، قال تعالى :﴿ إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ﴾. ( الكهف : ٥٠ ).
وفي صحيح مسلم ٤/٢٢٩٤ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصفت لكم )xxv.
وقال الحسن البصري :" والله ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين ".
رجيم : أي : مرجوم بالحجارة، والمراد هنا : مطرود.
اللعنة : الإبعاد على سبيل السخط.
يوم الدين : يوم الجزاء.
التفسير
﴿ قال فاخرج منها فإنك رجيم*وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ﴾.
أي : أخرج من الجنة، أو من السماء ؛ ﴿ فإنك رجيم ﴾. أي : مرجوم وملعون ومطرود ؛ لأن من يطرد يرجم بالحجارة، وهذا الطرد واللعن مستمر عليك إلى يوم القيامة.
رجيم : أي : مرجوم بالحجارة، والمراد هنا : مطرود.
اللعنة : الإبعاد على سبيل السخط.
يوم الدين : يوم الجزاء.
التفسير
﴿ قال فاخرج منها فإنك رجيم*وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ﴾.
أي : أخرج من الجنة، أو من السماء ؛ ﴿ فإنك رجيم ﴾. أي : مرجوم وملعون ومطرود ؛ لأن من يطرد يرجم بالحجارة، وهذا الطرد واللعن مستمر عليك إلى يوم القيامة.
أنظرني : أمهلني وأخرني ولا تمتني.
التفسير :
﴿ قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ﴾.
طلب إبليس من ربه أن يمهله، وأن يؤخر موته إلى يوم يبعث آدم وذريته، كأنه طلب ألا يموت أبدا ؛ لأنه إذا أخر موته إلى البعث، فهو يوم لا موت فيه.
المنظرين : الممهلين، المؤجلين.
يوم الوقت المعلوم : وقت النفخة الأولى حين تموت الخلائق.
التفسير :
﴿ قال فإنك من المنظرين* إلى يوم الوقت المعلوم ﴾.
أي : استجاب الله لإبليس ؛ فأمهله، وأخبره : بأنه من جملة من أخر آجالهم من مخلوقاته.
﴿ إلى يوم الوقت المعلوم ﴾. وهو وقت نفخ إسرافيل في الصور، فيموت إبليس كغيره، ويبعثون جميعا بعد أربعين سنة، قال تعالى :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾. ( الزمر : ٦٨ ).
قال ابن كثير :
( أجابه الله تعالى إلى ما سأل ؛ لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف )، ولعل من هذه الحكم : الإشارة إلى أن ناموس الشر، لا ينقضي من عالم الحياة الدنيا، وأن نظامها قائم على التصارع بين الخير والشر، وبين الأخيار والأشرار، قال تعالى :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾. ( الأنبياء : ١٨ ).
المنظرين : الممهلين، المؤجلين.
يوم الوقت المعلوم : وقت النفخة الأولى حين تموت الخلائق.
التفسير :
﴿ قال فإنك من المنظرين* إلى يوم الوقت المعلوم ﴾.
أي : استجاب الله لإبليس ؛ فأمهله، وأخبره : بأنه من جملة من أخر آجالهم من مخلوقاته.
﴿ إلى يوم الوقت المعلوم ﴾. وهو وقت نفخ إسرافيل في الصور، فيموت إبليس كغيره، ويبعثون جميعا بعد أربعين سنة، قال تعالى :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾. ( الزمر : ٦٨ ).
قال ابن كثير :
( أجابه الله تعالى إلى ما سأل ؛ لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف )، ولعل من هذه الحكم : الإشارة إلى أن ناموس الشر، لا ينقضي من عالم الحياة الدنيا، وأن نظامها قائم على التصارع بين الخير والشر، وبين الأخيار والأشرار، قال تعالى :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾. ( الأنبياء : ١٨ ).
الإغواء : الإضلال.
قال رب بما أغويتني : أي : بسبب إغوائك لي، وإضلالك لي.
لأزينن لهم في الأرض : لأزينن لذرية آدم المعاصي والآثام.
التفسير :
﴿ قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ﴾.
أي : أقسم بإغوائك إياي ؛ لأزينن للناس المعاصي والسيئات، والمنكر والشهوات ؛ حتى يميلوا عن الحق إلى الهوى، وعن الرشاد إلى الضلال.
﴿ ولأغوينهم أجمعين ﴾. أي : والله لأضلنهم جميعا، ما دمت قادرا على ذلك ولأعملن على إضلالهم بدون فتور أو يأس.
وفي معنى هذه الآية، قوله سبحانه :﴿ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ﴾. ( الأعراف : ١٧ ).
والآية تصور أمل إبليس في إضلال الناس، ورغبته في تزيين المعاصي لهم، وفي مقابل ذلك وعد الله سبحانه بالتوبة على التائبين، وقبول رجوع النادمين، إلى باب الله التواب الرحيم.
المخلصين : من استخلصته من عبادك لطاعتك ومرضاتك، فلا قدرة لي على إغوائه.
التفسير :
﴿ إلا عبادك منهم المخلصين ﴾.
أي : إلا من أخلص منهم لطاعتك، ووفقته لمرضاتك، فلا قدرة لي على إغوائه.
وقد قرأ نافع وحمزة وعاصم والكسائي بفتح اللام في﴿ المخلصين ﴾.
أي : الذين استخلصتهم واصطفيتهم، واخترتهم من الناس لعبادتك، وقرأ ابن كثير :﴿ المخلصين ﴾بكسر اللام، أي : الذين أخلصوا قلوبهم لله، فهؤلاء يمدهم الله بعونه ومدده.
قال تعالى :﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ﴾. ( الأعراف : ٢٠١ ).
هذا صراط علي : أي : حق لابد أن أراعيه.
مستقيم : واضح، وسنة أزلية لا تتخلف وهي : تخليص المخلصين من إغواء الشيطان.
التفسير :
﴿ قال هذا صراط علي مستقيم ﴾.
أي : قال الله : هذا طريق مستقيم واضح، وسنة أزلية لا تتخلف وهي :
﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ﴾.
السلطان : التسلط والتصرف بالإغواء.
التفسير :
﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ﴾.
أي : ليس لك يا إبليس تصرف أو تسلط على عبادي المخلصين ؛ فهم في حصن من إيمانهم، وإخلاصهم لربهم، وهم في يقين وقوة تحفظهم من وسوستك، لكن من اتبعك واختار طريقك ؛ صار أهلا لغوايتك.
ونلاحظ أن هذه سنة إلهية، وقاعدة ربانية محكمة، التزم بها الخالق سبحانه، وهي : حفظ المتقين، ورعاية المخلصين، وتوفيق المؤمنين، فشيطانهم ضعيف هزيل، عاجز عن استمالتهم ؛ بسبب قوة إيمانهم، أما ضعاف الإيمان، وعبيد الشهوات، ومرضى القلوب، فهؤلاء أسرى للشيطان، وفي هذا المعنى يقول الحق سبحانه :﴿ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون *إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ﴾. ( النحل : ٩٩، ١٠٠ ).
ونحو الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس :﴿ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ﴾. ( إبراهيم : ٢٢ ).
لقد خلق الله الإنسان، وزوده بالإرادة والعزيمة، ويسر له طريق الخير، وأرشده إلى الاستعانة بالله، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فمن لجأ إلى الله، واحتمى بحصنه ؛ فذلك هو المؤمن المخلص، ومن ضعف عن الحق ؛ سقط في طريق الرذيلة، وصار من أتباع الشيطان وقد علمنا القرآن أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى :﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾. ( النحل : ٩٨ ).
أي : اطلب من الله أن يعيذك منه، وأن يحفظك من وسوسته وإغوائه، وفي آخر سورة من القرآن الكريم، نجد قوله تعالى :﴿ قل أعوذ برب الناس*ملك الناس* إله الناس*من شر الوسواس الخناس*الذي يوسوس في صدور الناس*من الجنة والناس ﴾. ( الناس : ١ ٦ ).
أي : إن جهنم موعد جميع من اتبع إبليس، جزاء فسادهم، وكفاء ما دنسوا به أنفسهم من قبح المعاصي.
سبعة أبواب : أي : لجهنم سبعة أبواب يدخلون منها، وروى : أن جهنم سبع طبقات، طبق فوق طبق، وأنها دركات بعضها أشد من بعض.
جزء مقسوم : أي : فريق معين مفروز من غيره.
التفسير :
﴿ لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾.
أي : لجهنم سبعة أبواب يدخلون منها لكثرتهم، وروى : أن النار دركات طبق فوق طبق، وبعضها أشد من بعض.
﴿ لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾. أي : لكل جماعة من أتباع إبليس، باب معين معلوم.
قال ابن كثير : كل يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في درك بقدر عمله. ا. ه.
وجاء في تفسير ابن عطية :
قيل : إن النار بجملتها سبعة أطباق، أعلاها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم وفيه أبو جهل ثم الهاوية، وإن في كل طبق منها بابا، فالأبواب على هذا بعضها فوق بعض، وعبر في هذه الآية عن النار جملة : بجهنم ؛ إذ هي أشهر منازلها وأولها، وهي موضع عصاة المؤمنين الذين لا يخلدون، ولهذا ورد : أن جهنم تخرب وتبلى، وقيل : إن النار أطباق كما ذكرنا، لكن الأبواب السبعة كلها في جهنم على خط استواء، ثم ينزل من كل باب إلى طبقه الذي يفضي إليه، واختصرت ما ذكر المفسرون في المسافات بين الأبواب، وفي هواء النار، وفي كيفية الحال ؛ إذ هي أقوال كثيرة، أكثرها لا يستند، وهي في حيز الجائز، والقدرة أعظم منها، عافانا الله من ناره، وتغمدنا برحمته وفضلهxxvii.
المفردات :
المتقون : هم الذين اتقوا الكفر والفواحش، ولهم ذنوب من الصغائر، تكفرها الصلوات وغيرها.
جنات : جمع جنة، وهي : كل بستان ذي شجر متكاثف، والمراد بها هنا : الدار التي أعدها الله تعالى ؛ لتكريم عباده المؤمنين في الآخرة.
عيون : أنهار جارية، والمقصود بها هنا : المياه المنتشرة في الجنات.
التفسير :
٤٥ ﴿ إن المتقين في جنات وعيون ﴾.
تحدثت الآيتان السابقتان عن جهنم وعذابها، ومن شأن القرآن أن يقابل بين عذاب الضالين، ونعيم المتقين، فبين هنا : أن المتقين في جنات وعيون.
والتقوى : هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل.
وقيل : التقوى هي : ذوبان الحشا، لما سبق من الخطى.
وقيل : التقوى هي : ألا يراك حيث نهاك، وألا يفقدك حيث أمرك.
ونخلص من ذلك : إلى أن التقوى هي : طاعة الله والتزام أوامره، وترك ما نهى عنه.
والجنات : هي البساتين والحدائق، والمنازل الكريمة، والعيون هي : عيون الماء والخمر والسلسبيل والتسنيم، وغير ذلك مما ذكر أنه من شراب الجنةxxviii.
قال تعالى :﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات... ﴾. ( محمد : ١٥ ).
بسلام : أي : سلامة من الآفات، وأمن من المخافات.
التفسير :
﴿ ادخلوها بسلام آمنين ﴾.
أي : يقال لهم : ادخلوها سالمين من الآفات، مسلما عليكم، آمنين من كل خوف وفزع، لا تخافون إخراجا ولا فناء ولا زوالا.
الغل : الحقد والضغينة.
السرر : جمع سرير وهو المكان المهيأ لراحة الجالس عليه، وإدخال السرور على قلبه.
متقابلين : لا يرى بعضهم قفا بعض، بل يقابل وجهه وجه أخيه.
التفسير :
﴿ ونزعنا ما في صدروهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ﴾.
أي : أخرج الله ما كان في صدورهم في الدنيا من الشحناء، أو العداوة والبغضاء فصاروا إخوانا متحابين، جالسين على سرر متقابلين، لا ينظر الواحد منهم إلى ظهر أخيه، وإنما ينظر إلى وجهه فهم في رفعة وكرامة.
لقد كرم الله المتقين في الدنيا بالمحبة والطهارة والنقاء، وأخلص قلوبهم من الحسد والبغضاء، فهم في الآخرة إخوانا متحابين، لا تشوب أخوتهم ضغينة أو بغضاء، وهذا التآخي هو تآخي المصافاة والإخلاص، وقد منحهم الله التكريم والقبول، فهم جالسون على أسرة متقابلين يرى كل واحد منهم وجه أخيه.
جاء في الصحيح :
عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا ؛ أذن لهم في دخول الجنة )xxix.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر : عن عليّ كرم الله وجهه أنه قال لابن طلحة : إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى فيهم :﴿ ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ﴾.
لقد اجتهد هؤلاء الكرام، ومرت بهم إحن وقتال، والله مطلع على نياتهم، فإذا دخلوا الجنة ؛ طهر الله قلوبهم من التحاسد على الدرجات في الجنة، ونزع منها كل غل، وألقى فيها التواد والتحاب والتصافي، وقد روى : أن الأسرة تدور بهم حيثما داروا ؛ فهم في جميع أحوالهم متقابلين، لا ينظر بعضهم إلى أقفية بعض، وهم يجتمعون ويتنادمون ويتزاورون ويتواصلون.
النصب : الإعياء والتعب.
التفسير :
﴿ لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ﴾.
لا ينالهم التعب ولا المشقة والأذى ؛ لأنهم ليسوا في حاجة إلى ما يوجب ذلك من السعي والتحصيل، فجميع ما يشتهونه يجدونه أمامهم، قال تعالى :﴿ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ﴾. ( الزخرف : ٧١ ).
والخلود في الجنة خلود أبدي سرمدي دائم، لا تنغيص فيه ولا زوال، فهم في عيشة راضية متمتعين بالنعيم الأبدي السرمدي، لا يخافون، ولا ينزل بهم البؤس، ولا زوال النعمة، قال تعالى :﴿ أكلها دائم وظلها ﴾. ( الرعد : ٣٥ )، وقال سبحانه :﴿ إن هذا لرزقنا ماله من نفاذ ﴾. ( ص : ٥٤ )، وقال سبحانه :﴿ أفما نحن بميتين*إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين*إن هذا لهو الفوز العظيم*لمثل هذا فليعمل العاملون ﴾. ( الصافات : ٥٨ ٦١ ).
المفردات :
نبئ : أخبر.
تمهيد :
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
التفسير :
٤٩ ﴿ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ﴾.
أي : أخبر عبادي خبرا مؤكدا : بأن الله تعالى هو ﴿ الغفور ﴾لمن استغفر وتاب، و﴿ الرحيم ﴾بعباده ؛ حيث قسم رحمته مائة جزء، وأنزل جزءا واحدا في الدنيا يتراحم به الناس، وادخر تسعا وتسعين جزءا، يرحم بها عباده في الآخرة، كما رواه الشيخان.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
﴿ وأن عذابي هو العذاب الأليم ﴾.
وأخبرهم أيضا : بأن عذابي لمن أصر على المعاصي وأقام عليها، ولم يتب منها، هو العذاب الشديد المؤلم، ونلاحظ أن الله تعالى جمع في هاتين الآيتين بين التبشير والتحذير ؛ ليظل العبد على قدمي الرجاء والخوف ؟، والأمل والعمل، وقد تحدث القرآن الكريم عن التوبة والاستغفار، وعن فتح أبواب الرجاء أمام التائبين، وحارب اليأس والقنوط من رحمة الله.
وبهذا يأخذ القرآن بيد الناس إلى طريق العمل والأمل، ويحذرهم من المعصية والجحود، وقد غلّب القرآن هنا جانب الرحمة، حيث بدا بجانب المغفرة والرحمة، وأكد ذلك بعدد من المؤكدات، وتكلم عن العذاب بتأكيد أقل، مما يدل على أن رحمة الله تعالى سبقت غضبه، وأننا ينبغي أن نعتمد في التربية على التبشير والتشجيع، وفتح أبواب الرجاء، ولنا أن نلجأ للعقاب عند الضرورة.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
ضيف إبراهيم : يطلق على الواحد والجمع، والأفصح في كلمة الضيف ألا تثنى ولا تجمع حين تستعمل للمثنى والجمع.
التفسير :
﴿ ونبئهم عن ضيف إبراهيم ﴾.
وأخبرهم يا محمد عن ضيوف إبراهيم المكرمين، وهم الملائكة الذين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
وجلون : أي : خائفون، يقال : وجل، يوجل، وجلا، أي : خاف.
التفسير :
﴿ إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون ﴾.
دخل الملائكة على إبراهيم، فقالوا : سلاما، أي سلمت من الآفات والآلام، سلاما، وكان إبراهيم يكنى : أبا الضيفان، فقال إبراهيم للضيوف : إنا خائفون منكم ؛ لأنهم دخلوا بلا إذن، أو لما رأى أيديهم لا تمتد إلى ما قربه إليهم من الضيافة، وهو العجل الحنيذ، المشوي بالحجارة المحماة.
قال تعالى :﴿ فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم وأوجس منهم خيفة ﴾. ( هود : ٧٠ ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
﴿ قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم ﴾.
أي : قالت الملائكة لإبراهيم : لا تخف ؛ لقد جئنا إليك من أجل البشرى بغلام ذي علم وفطنة، وفهم لدين الله، وسيكون له شأن ؛ لأنه سيصير نبيا، ونحو الآية قوله تعالى :﴿ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ﴾. ( الصافات : ١١٢ ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
فبم تبشرون : أي : فبأي أعجوبة تبشروني ؟ ! وهو تعجب من كبره وكبر امرأته.
التفسير :
﴿ قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون ﴾.
تعجب إبراهيم من هذه البشارة مع كبر سنه، فقال مستفهما في معنى التعجب : أبشرتموني بالولد مع كبر سني، فبأي شيء تبشرون، وكلمة ﴿ على ﴾ هنا بمعنى : مع، و﴿ مسني ﴾ بمعنى : أصابني.
﴿ فبم تبشرون ﴾. أي : بأي أعجوبة تبشرونني ؟ ! إذ لا سبيل في العادة إلى مثل ذلك، فالعادة أن الشباب والرجال الأقوياء هم الذين ينجبون.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
القانطين : اليائسين، يقال : قنط، يقنط، قنطا، وقنوطا : يئس.
التفسير :
﴿ قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين ﴾.
أي : قالت الملائكة لإبراهيم : بشرناك بما هو حق ثابت، وإنا لنعلم أن الله قد وهب لك غلاما.
﴿ فلا تكن من القانطين ﴾، اليائسين، الذين يقنطون وييأسون من فضل الله ورحمته، وهو سبحانه على كل شيء قدير، فقد أوجد الإنسان من تراب، وهو قادر على إيجاد الإنسان من أي شيء كأبوين عجوزين.
والخلاصة : أنه عليه السلام استعظم نعمة الله عليه، فاستفهم هذا الاستفهام التعجبي، المبني على السنن التي أجراها الله بين عباده، لا أنه استبعد ذلك على قدرة الله ؛ فهو أجلّ من ذلك قدرا.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
الضالون : الكفار الذين لا يدركون كمال قدرته وسعة رحمته.
التفسير :
﴿ قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ﴾.
أي : لا ييأس من رحمة الله ؛ إلا من أخطأ سبيل الصواب، وغفل عن رجاء الله، الذي لا يخيّب من رجاه.
قال القاسمي في تفسيره :
يعني : لم أستنكر ذلك قنوطا من رحمته، ولكن استبعادا له في العادة التي أجراها الله تعالى، والتصريح برحمة الله في أحسن مواقعه اه.
وقريب من الآية قوله تعالى على لسان يعقوب :﴿ إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ﴾. ( يوسف : ٨٧ ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
فما خطبكم : أي : ما شأنكم وأمركم الذي لأجله أرسلتم، والخطب هو : الأمر الهام الذي يخاطب فيه الإنسان.
التفسير :
﴿ قال فما خطبكم أيها المرسلون ﴾.
أي : ما شأنكم وما هو الأمر الجليل الذي جئتم من أجله، فقد علم إبراهيم عليه السلام، من سياق حديثهم معه، أن لهم مهمة جليلة أخرى غير البشرى، فالبشرى لا تحتاج إلى هذا العدد من الملائكة، فقد اكتفى بملك واحد، في بشارة زكريا ومريم عليهما السلام.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
﴿ قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ﴾.
أي : قالت الملائكة : إن الله أرسلنا إلى قوم مجرمين، أي : كافرين مكذبين من قوم لوط، واكتفوا بهذا القدر من الجواب ؛ لأن إبراهيم يعلم أن الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين، كان ذلك لهلاكهم وإبادتهم.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
﴿ إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ﴾.
لقد أمرهم الله بإهلاك المجرمين، الذين يرتكبون المنكر واللواط والشذوذ علنا، دون تأسف أو ندم. وأمر سبحانه وتعالى بنجاة المؤمنين جميعا، الذين آمنوا بلوط عليهم السلام، فهم أهله.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
قدرنا : أي : قضينا وكتبنا.
الغابرين : أي : الباقين مع الكفرة ؛ للهلاك. يقال : غبر، يغبر، غبورا، أي : بقي ومضى، وهو من الأفعال التي لها معنيان متضادان، وأصله من الغبرة، وهي بقية اللبن في الضرع.
التفسير :
﴿ إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ﴾.
هذا استثناء من الاستثناء، أي : استثنى المؤمنين، أتباع لوط من الهلاك ؛ فهم ناجون بإذن الله، واستثنى من الناجين زوجته، التي كانت متواطئة مع قومها، ﴿ إنها لمن الغابرين ﴾. أي : الباقين مع الكفرة الهالكين، وقد أضاف الملائكة التقدير في قولهم :﴿ قدرنا ﴾. إلى أنفسهم، مع أنه لله تعالى ؛ لما لهم من القرب والاختصاص بالله تعالى، كما يقول خاصة الملك : دبرنا كذا، وأمرنا بكذا، أي : دبرنا بأمر الملك، وأمرنا بتنفيذ أمر الملك.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
منكرون : ننكركم ولا نعرفكم.
التفسير :
﴿ فلما جاء آل لوط المرسلون*قال إنكم قوم منكرون ﴾.
تبدأ من هنا قصة الملائكة مع لوط عليه السلام، أي : لما انتهت مهمة الملائكة مع إبراهيم عليه السلام وبشروه بالولد، ذهبوا إلى لوط عليه السلام في قرية سدوم، فأنكرهم لوط ولم يعرفهم، وقال لهم : من أي الأقوام أنتم ؟ ! ولأي غرض جئتم ؟ !.
﴿ قال إنكم قوم منكرون ﴾.
أي : إنكم قوم غير معروفين لدي، تنكركم نفسي، قيل : أنكر حالتهم، وخاف عليهم من إساءة قومه ؛ لما رآهم شبانا مردا حسان الوجوه، ونحو الآية قوله تعالى :﴿ ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ﴾. ( هود : ٧٧ ).
﴿ فلما جاء آل لوط المرسلون*قال إنكم قوم منكرون ﴾.
تبدأ من هنا قصة الملائكة مع لوط عليه السلام، أي : لما انتهت مهمة الملائكة مع إبراهيم عليه السلام وبشروه بالولد، ذهبوا إلى لوط عليه السلام في قرية سدوم، فأنكرهم لوط ولم يعرفهم، وقال لهم : من أي الأقوام أنتم ؟ ! ولأي غرض جئتم ؟ !.
﴿ قال إنكم قوم منكرون ﴾.
أي : إنكم قوم غير معروفين لدي، تنكركم نفسي، قيل : أنكر حالتهم، وخاف عليهم من إساءة قومه ؛ لما رآهم شبانا مردا حسان الوجوه، ونحو الآية قوله تعالى :﴿ ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ﴾. ( هود : ٧٧ ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
منكرون : ننكركم ولا نعرفكم.
التفسير :
﴿ فلما جاء آل لوط المرسلون*قال إنكم قوم منكرون ﴾.
تبدأ من هنا قصة الملائكة مع لوط عليه السلام، أي : لما انتهت مهمة الملائكة مع إبراهيم عليه السلام وبشروه بالولد، ذهبوا إلى لوط عليه السلام في قرية سدوم، فأنكرهم لوط ولم يعرفهم، وقال لهم : من أي الأقوام أنتم ؟ ! ولأي غرض جئتم ؟ !.
﴿ قال إنكم قوم منكرون ﴾.
أي : إنكم قوم غير معروفين لدي، تنكركم نفسي، قيل : أنكر حالتهم، وخاف عليهم من إساءة قومه ؛ لما رآهم شبانا مردا حسان الوجوه، ونحو الآية قوله تعالى :﴿ ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ﴾. ( هود : ٧٧ ).
﴿ فلما جاء آل لوط المرسلون*قال إنكم قوم منكرون ﴾.
تبدأ من هنا قصة الملائكة مع لوط عليه السلام، أي : لما انتهت مهمة الملائكة مع إبراهيم عليه السلام وبشروه بالولد، ذهبوا إلى لوط عليه السلام في قرية سدوم، فأنكرهم لوط ولم يعرفهم، وقال لهم : من أي الأقوام أنتم ؟ ! ولأي غرض جئتم ؟ !.
﴿ قال إنكم قوم منكرون ﴾.
أي : إنكم قوم غير معروفين لدي، تنكركم نفسي، قيل : أنكر حالتهم، وخاف عليهم من إساءة قومه ؛ لما رآهم شبانا مردا حسان الوجوه، ونحو الآية قوله تعالى :﴿ ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ﴾. ( هود : ٧٧ ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
بما كانوا فيه يمترون : يشكون من عذاب الله أنه نازل بهم.
التفسير :
﴿ قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون ﴾.
أي : قالت الملائكة لنبي الله لوط : لقد جئناك بما يسرك، وهو عذابهم وهلاكهم ودمارهم، الذي كانوا يشكون في وقوعه بهم.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
-﴿ وأتيناك بالحق وإنا لصادقون ﴾.
أي : جئناك باليقين والحق الثابت المتيقن.
﴿ وإنا لصادقون ﴾. فيما أخبرناك به.
وفي معنى الآية قوله تعالى :﴿ ما ننزل الملائكة إلا بالحق ﴾. ( الحجر : ٨ ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
فأسر بأهلك : أي : فسر ليلا، يقال : سرى، يسري نهارا، أما أسرى يسري إسراء فليلا.
بقطع من الليل : ببقية منه، أو بقطعة منه، أو بطائفة منه.
واتبع أدبارهم : سر خلف أهلك، وهم أمامك، وأدبار : جمع دبر أو دبر، وهو مؤخر الإنسان.
ولا يلتفت منكم أحد : وراءه.
وامضوا حيث تؤمرون : حيث أمرهم الله عز وجل.
التفسير :
﴿ فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون ﴾.
أي : سر بأهلك المؤمنين بعد مضي جزء من الليل، أو في آخر الليل، ﴿ واتبع أدبارهم ﴾. أي : كن على أثرهم تذودهم، وتسرع بهم وتطلّع على حالهم.
﴿ ولا يلتفت منكم أحد ﴾. أي : لا ينظر أحد منكم إلى خلفه ؛ ليرى ما وراءه، فيرى من الهول مالا يطيقه، أو حتى لا يرق لحالهم، في موضع لا تجوز فيه الرقة.
﴿ وامضوا حيث تؤمرون ﴾. أي : حيث أمركم الله.
لقد أمروا بمواصلة السير، ونهوا عن التواني والتوقف ؛ ليكون ذلك أقطع للعلائق، وأحق بالإسراع للوصول إلى المقصد الحقيقي، وهو بلاد الشام.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
وقضينا إليه ذلك الأمر : وأوحينا إليه : أن هؤلاء سيستأصلون، وهم داخلون في وقت الصباح.
دابر : آخر.
مقطوع : مهلك مستأصل، وقطع الدابر كناية عن الاستئصال.
مصبحين : صباح ليلتهم.
التفسير :
﴿ وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ﴾.
أي : أوحينا إليه وحيا مبتوتا مقضيا، ﴿ ذلك الأمر ﴾، ثم فصل ذلك الأمر فقال : أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين.
أي : أن آخر هؤلاء وأولهم مستأصل وقت الصباح، كقوله تعالى :﴿ إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ﴾. ( هود : ٨١ ).
وتفيد الآية : أنهم يستأصلون عن آخرهم، فلا يبقى منهم أحد.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
وجاء أهل المدينة : مدينة سدوم، وهم قوم لوط.
يستبشرون : الاستبشار : إظهار السرور، أي : يمنون أنفسهم بأضياف لوط ؛ طمعا ورغبة في إتيان المنكر، وهو اللواط بهؤلاء الأضياف.
التفسير :
﴿ وجاء أهل المدينة يستبشرون ﴾.
أي : جاء أهل مدينة سدوم، قوم لوط حين علموا أن ضيوفه صباح الوجوه ؛ مسرورين مستبشرين، آملين في ارتكاب المنكر وهو اللواط بهم، وهذا دليل على فساد ذوقهم وشدة جرمهم، فإنهم بلغوا درجة كبيرة من الفجور والتبجح، والإعلان الجماعي عن رغبتهم في هذا العمل القبيح، وبدلا من إكرام الضيف والدفاع عنه، نجد عندهم الرغبة في اللواط بهم.
قيل : إن الملائكة كانوا في غاية الحسن، واشتهر حالهم حتى وصل إلى قوم لوط، وكأن الله سبحانه وتعالى أراد اختبار قوم لوط وامتحانهم، بإرسال ملائكة في صورة شبان مرد صباح الوجوه ؛ ليظهر مكنون أسرارهم، وخبايا نفوسهم، وما يضمرونه من الرغبة الجامحة في اللواط بهؤلاء الأضياف ليكون ذلك علة كافية لهلاكهم، حال كونهم متلبسين بجريمتهم، أو راغبين في ارتكاب الفعلة الشنعاء.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
ضيفي : يستعمل في المفرد والجمع.
فلا تفضحون : الفضيحة : إظهار ما يوجب العار.
التفسير :
﴿ قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ﴾.
أي : قال لوط لقومه : إن هؤلاء ضيوفي، فلا تفضحوني بارتكاب ما يؤدي إلى العار معهم والضيف يجب إكرامه، فإذا قصدتموه بالسوء ؛ كان ذلك إهانة لي.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
ولا تخزون : لا تهينوني وتذلوني بالتعرض لضيفي.
التفسير :
﴿ واتقوا الله ولا تخزون ﴾.
أي : وخافوا عقاب الله واحذروا غضبه وعذابه.
﴿ ولا تخزون ﴾. ولا تذلوني بإذلال ضيفي، ولا توقعوني في الخزي والهوان والعار بالإساءة لهم.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
أولم ننهك : أن تضيف أحدا من العالمين.
التفسير :
﴿ قالوا أو لم ننهك عن العالمين ﴾.
أي : ألسنا قد نهيناك أن تكلمنا في أحد من الناس، إذا قصدناه بالفاحشة، ونهيناك أن تضيف أحدا، وتوعدوه بالشر، وعلى لسانهم، قال تعالى :﴿ لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين ﴾. ( الشعراء : ١٦٧ ).
﴿ قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ﴾.
أي : إن رغبتم قضاء الشهوة، فاذهبوا إلى زوجاتكم ؛ فالنبي أب لقومه، أو عرض عليهم الزواج من بنتيه.
وفي سورة الأحزاب :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم... ﴾. ( الأحزاب : ٦ ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
لعمرك : وحياتك.
يعمهون : يتحيرون، والعمه للبصيرة ؛ كالعمى للبصر.
التفسير :
﴿ لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ﴾.
أي : قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : وحياتك إن قوم لوط في غوايتهم يتحيرون، وفي خضوعهم لشهواتهم يعمهون عن الهدى، ويسيرون في الضلال، ويجوز أن تكون هذه الآية خطاب من الملائكة لنبي الله لوط، تخبره : أنهم غلبت عليهم الشهوة والهوى والضلال، فهم أسرى للغواية، وهم أهل للعقوبة.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
الصيحة : صوت مزعج انبعث من السماء فأهلكهم، وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير : أن الصيحة : الصاعقة، وكل شيء أهلك به قوم فهو صيحة وصاعقة. اه.
مشرقين : داخلين في وقت شروق الشمس.
التفسير :
﴿ فأخذتهم الصيحة مشرقين ﴾.
أي : أسمعهم الله صيحة العذاب المهلكة.
﴿ مشرقين ﴾. أي : داخلين في وقت شروق الشمس.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
سجيل : طين متحجر.
التفسير :
﴿ فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ﴾.
أي : جعلنا عالي المدينة سافلها، أي : في أعماقها فانقلبت عليهم، وأنزل الله عليهم حجارة من طين متحجر طبخ بالنار.
لقد مر عذابهم بثلاثة أنواع :
١ الصيحة الهائلة المنكرة.
٢ أنه جعل عاليها سافلها.
٣ أنه أمطر عليهم حجارة من سجيل.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
للمتوسمين : أي المتفكرين المتفرسين، الذين يعرفون حقيقة الشيء بسمته، أي : بعلامته.
التفسير :
﴿ إن في ذلك لآيات للمتوسمين ﴾.
أي : إن في ما فعلناه بقوم لوط من الهلاك والعذاب، لدلالات للمفكرين، الذين يعتبرون بما يحدث في الكون من عظات وعبر، ويستدلون بذلك على ما يكون لأهل الكفر والمعاصي من عذاب بئيس بما كانوا يفعلون.
وقد روى البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( اتقوا فراسة المؤمن ؛ فإنه ينظر بنور الله )، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إن في ذلك لآيات للمتوسمين ﴾xxx.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
وإنها : أي : المدينة.
لبسبيل مقيم : أي : بطريق ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها.
التفسير :
﴿ وإنها لبسبيل مقيم ﴾.
أي : وإن هذه المدينة مدينة سدوم التي أصابها هذا العذاب لبطريق واضح، لا تخفى على المسافرين المارين بها، فآثارها ما تزال باقية إلى اليوم، في الطريق من الحجاز إلى الشام، كما قال تعالى :﴿ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين*وبالليل أفلا تعقلون ﴾. ( الصافات : ١٣٨، ١٣٧ ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
﴿ إن في ذلك لآية للمؤمنين ﴾.
إن في هذه القصة، أي : فيما فعلناه بقوم لوط من الهلاك والدمار، وإنجائنا لوطا وأهله ؛ لدلالة وعبرة للمؤمنين المتعظين ؛ إذ هم يعرفون أن ذلك كان انتقاما من الله تعالى لقوم لوط، ومعجزته ونجاة لنبي الله لوط، أما الذين لا يؤمنون بالله فيجعلون ذلك حوادث كونية، وشؤون أرضيه، جعلت الأرض تنهار لحدوث فراغ من بعض أجزائها والمؤمنون يرون أن هذا سبب ظاهر، وأن مسبب الأسباب هو الله تعالى، وهو على كل شيء قدير.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
الأيكة : غيضة شجر بقرب مدين، وأصحاب الأيكة : هم قوم شعيب، وقد كانوا في مكان كثير الأشجار، كثيف الغبار.
التفسير :
﴿ وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين ﴾.
أي : إن أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب ظالمون، بسبب شركهم بالله وقطعهم الطريق، ونقصهم المكيال والميزان ؛ فانتقم الله منهم بالصيحة والرجفة، وعذاب يوم الظلة، جزاء تكذيبهم لنبيهم، وارتكابهم الموبقات، والأيكة : الشجر الكثير الملتف.
جاء في تفسير المراغي :
أخرج ابن مردويه وابن عساكر : عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم :( إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا ).
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
وإنهما : أي : مدينة قوم لوط، ومدينة أصحاب الأيكة.
لبإمام مبين : لبطريق واضح يراهما الناس.
التفسير :
﴿ فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين ﴾.
أي : انتقم الله من أصحاب الأيكة جزاء ظلمهم وكفرهم، حيث أصابهم عذاب يوم الظلة، وهو إصابتهم بحر شديد سبعة أيام، لا ظل فيه، ثم أرسلت عليهم سحابة فجلسوا تحتها، فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم، وأما أهل مدين فقد أخذتهم الصيحة.
﴿ وإنهما لبإمام مبين ﴾.
أي : وإن كلا من قرى قوم لوط، وبقعة أصحاب الأيكة ؛ لبطريق واضح يسلكه الناس في سفرهم، ويهتدون به في سفرهم، وجعل الطريق إماما ؛ لأنه يؤم ويتبع ؛ حتى يصل السائر فيه إلى الموضع الذي يريده.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
الحجر : واد بين المدينة والشام كانوا يسكنونه، ويسمى كل مكان أحيط بالحجارة : حجرا، ومنه حجر الكعبة.
التفسير :
﴿ ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ﴾.
يعني : ثمود، كذبوا صالحا عليه السلام، ومن كذب واحدا من الأنبياء عليهم السلام ؛ فقد كذب الجميع ؛ لاتفاقهم على التوحيد والأصول التي لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار.
والحجر : واد بين المدينة والشام كانوا يسكنونه، معروف يجتازه ركب الحج الشامي.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
آياتنا : هي الناقة، وفيها آيات كثيرة كعظم خلقها، وكثرة لبنها، وكثرة شربها.
التفسير :
﴿ وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين ﴾.
وأريناهم آياتنا الدالة على نبوة صالح عليه السلام، مثل : الناقة التي أخرجها الله من صخرة صماء ؛ بدعاء صالح عليه السلام، فأعرضوا عنها، وعقروا الناقة، وخرجوا عن طاعة الله، ولم يعتبروا بهذه الآيات البينات.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين : قيل : آمنين من عذاب الله.
الصيحة : صوت هائل أعقبه هلاكهم.
التفسير :
﴿ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ﴾.
وكانوا لقوتهم وغناهم ؛ يتخذون لأنفسهم بيوتا في بطون الجبال، وهم آمنون مطمئنون، أو يقطعون الصخر منها ؛ ليتخذوه بيوتا لهم.
وفي جاء هذا المعنى في الآية٧٤ من سورة الأعراف قال تعالى :﴿ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا ﴾.
لقد كانوا في نعمة ورفاهية ؛ فبنوا القصور الفارهة في السهل، والبيوت المنيعة الحصينة، الآمنة من سطو اللصوص، أو نقب الناقبين في الجبال ؛ فوجب عليهم أن يشكروا نعم الله عليهم، قانعين بهذا الفضل، وأن يمتنعوا عن الفساد والعدوان.
وقد مر عليه الصلاة والسلام بهذه البيوت، وهو ذاهب إلى غزوة تبوك، فغطى رأسه بثوبه، وأسرع بدابته، وقال لأصحابه :( لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تبكوا فتباكوا ؛ خشية أن يصيبكم ما أصابهم ! )xxxi.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير، وجاء في صفوة التفاسير أيضا :
﴿ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ﴾. أي : كانوا ينقبون الجبال فيبنون فيها بيوتا، آمنين يحسبون أنها تحميهم من عذاب الله، وقال الفراء :﴿ آمنين ﴾أن يقع سقفهم عليهم.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
مصبحين : حين أصبحوا من اليوم الرابع.
التفسير :
﴿ فأخذتهم الصيحة مصبحين ﴾.
أي : أهلكهم الله صباحا في وضح النهار، عيانا جهارا، حيث أخذتهم صيحة الهلاك، حين كانوا في ضحوة اليوم الرابع من اليوم الذي أوعدوا فيه بالعذاب، كما جاء في قوله تعالى :﴿ فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ﴾. ( هود : ٦٥ ).
فهلكوا في ديارهم جاثمين على ركبهم من الهول، دون أن يغني عنهم شيئا، ما كانوا يكسبونه من جمع الأموال، وما كانوا يصنعونه من نحت البيوت في الجبال، وهكذا ضاع تحصنهم في الجبال وأمانهم المزيف، ومنعتهم بالسهول والجبال، حين أعرضوا عن هدي السماء ؛ فاستحقوا عقاب الله.
تتحدث الآيات على رحمة الله الواسعة، ومغفرته للتائبين، وعن عذابه المؤلم للعصاة المذنبين، ثم فصلت ذلك الوعد والوعيد ؛ فتحدثت عن قصة إبراهيم، والبشارة له بغلام عليم، وقصة إهلاك قوم لوط، بما ارتكبوا من فاحشة اللواط، حتى صاروا كأمس الدابر، وأصبحوا أثرا بعد عين، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم، وإهلاك أصحاب الحجر قوم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوي حول وطول، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا، حين جاء أمره.
المفردات :
ما كانوا يكسبون : يرتكبون من الأعمال الخبيثة.
التفسير :
﴿ فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ﴾.
أي : فما دفع عنهم ما نزل بهم ﴿ ما كانوا يكسبون ﴾. من نحت البيوت، وجمع الأموال، وكثرة العَدد، وجمع العُدد، بل خرّوا جاثمين هلكى، حين حل بهم عذاب الله.
المفردات :
بالحق : بالعدل والإنصاف، والحكمة والمصلحة.
الساعة : يوم القيامة.
الصفح : ترك التثريب واللوم.
الصفح الجميل : ما خلا من العتب.
التفسير :
٨٥ ﴿ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل ﴾.
تأتي هذه الآية كأنها تعقيب على هلاك السابقين من الأمم السابقة، فالله تعالى له نواميس كونية، وقوانين إلهية، ومن هذه النواميس : خلق الكون كله بالعدل والحكمة والإنصاف والحق، ومن هذه النواميس : نصر المؤمنين والمرسلين، وإهلاك المكذبين، وفي الآية تنبيه إلى التأمل في هذا الكون بكل ما فيه من السماء والأرض، ﴿ وما بينهما ﴾، من الفضاء والهواء والإنسان، فقد خلق الله هذا الخلق بالحكمة والعدل، ومن الحكمة والعدل : إثابة الطائع وتعذيب العاصي، فما أصاب المرسلين من النصر، وما أصاب المكذبين من الهلاك، متسق مع قوانين الله العادلة.
﴿ وإن الساعة لآتية ﴾. أي : لا تأس يا محمد من تكذيب قومك ؛ فالقيامة حق ثابت، وسوف ينالون جزاءهم العادل في الآخرة، فاصفح عنهم، بلا عتاب ولا لوم، قال تعالى :﴿ فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ﴾. ( الزخرف : ٨٩ ).
وقال تعالى :﴿ فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ﴾. ( البقرة : ١٠٩ ).
أي : إن ربك هو الذي رعاك وآواك، ونصرك وأيدك، وهو كثير الخلق، كثير العلم ؛ ففوض الأمور إليه، وتذرع بالصفح الجميل والحلم، فهو سبحانه خالق الكون، وخالق النفوس، وهو العليم بطباعها، فالصفح والعفو من شأنه أن يستميل الآخرين، إلى دعوتك ورسالتك، وقد أثمرت هذه التوجيهات الحكيمة ثمرتها، ففُتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، واستجاب الله دعاء رسوله الأمين حين قال :( اللهم، اهد قومي ؛ فإنهم لا يعلمون ).
المفردات :
سبعا من المثاني : أي : سبع آيات وهي : الفاتحة، وقيل : سبع سور، وهي الطوال، وسابعها الأنفال والتوبة، والمثاني من التثنية، فإن كل ذلك تثنّى وتكرر قراءته.
التفسير :
٨٧ ﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ﴾.
أي : ولقد أعطيناك وأكرمناك بسبع آيات، هي : الفاتحة التي تثنى وتكرر في كل صلاة، وأكرمناك أيضا بالقرآن العظيم. وتسمى الفاتحة : أم القرآن، وأم الشيء أعلاه وأهمه، ومنه : أم القرى، وتسمى : السبع المثاني ؛ لأنها سبع آيات تكرر في الصلاة، وقيل : سميت مثاني ؛ لأنها قسمان، قسم ثناء على الله، وقسم دعاء له.
وأيضا النصف الأول منها : حق الربوبية، وهو الثناء.
والنصف الثاني : حق العبودية، وهو الدعاء.
وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يقول الله تعالى : قسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد :﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ ؛ قال الله تعالى : حمدني عبدي، وإذا قال العبد :﴿ الرحمن الرحيم ﴾ ؛ قال الله تعالى : أثنى علي عبدي، وإذا قال العبد :﴿ مالك يوم الدين ﴾ ؛ قال الله تعالى : مجدني عبدي، فإذا قال :﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ ؛ قال الله تعالى : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال :﴿ اهدنا الصراط المستقيم*صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾ ؛ قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )xxxii، أخرجه مسلم.
وقال ابن عباس : السبع المثاني هي : السبع الطوال : البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال والتوبة معا..
وعطف القرآن على السبع المثاني، من باب عطف العام على الخاص، وتخصيص الفاتحة بالذكر من بين القرآن الكريم ؛ لمزيد فضلها، على نحو ما جاء في قوله تعالى :﴿ وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل ﴾. ( البقرة : ٩٨ ).
أزواجا منهم : أي أشباها، وأقرانا من الكفار.
واخفض جناحك للمؤمنين : يراد به : التواضع واللين، وأصل ذلك أن الطائر إذا أراد أن يضم فرخه إليه، بسط جناحه له، والجناحان من الإنسان : جانباه.
التفسير :
﴿ لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ﴾.
لا تنظر أيها الرسول الكريم إلى ما يتمتع به الأغنياء، من اليهود والنصارى والمشركين، من زينة الدنيا وزخرفها ؛ فإن الله قد أعطاك الفاتحة والقرآن العظيم وهما خير عطاء، والخطاب في الآية للرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد : أمته، أي : لا تنظروا إلى نعيم الدنيا الذي يتمتع به المشركون واعتزوا بإسلامكم وما معكم من القرآن والإيمان. قال أبو بكر رضي الله عنه : من أوتي القرآن، فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي ؛ فقد صغّر عظيما، وعظّم صغيرا.
جاء في تفسير القاسمي :
﴿ أزواجا منهم ﴾. أي : أصنافا من الكفار متمنيا أن تكون مثلهم، فإنه مستحقر بالنسبة لما أوتيته.
﴿ ولا تحزن عليهم ﴾. أي : لا تتأسف على المشركين إذا لم يؤمنوا. اه.
قال تعالى :﴿ ليس عليك هداهم ﴾( البقرة : ٢٧٢ )، وقال سبحانه :﴿ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ﴾. ( الشعراء : ٣ ).
﴿ واخفض جناحك للمؤمنين ﴾. أي : تواضع لمن معك من فقراء المؤمنين، وألن جانبك لمن آمن بك، واستغن بهم عن إيمان الأغنياء الأقوياء، فهذا هو قدرك ومهمتك، قال تعالى :﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر... ﴾. ( آل عمران : ١٥٩ )، وقال سبحانه في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ أشداء على الكفار رحماء بينهم ﴾. ( الفتح : ٢٩ )، وقال تعالى :﴿ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ﴾. ( المائدة : ٥٤ ).
النذير : المخوف بعقاب الله من لا يؤمن به.
التفسير :
﴿ وقل إني أنا النذير المبين ﴾.
أي : اجهر برسالتك، وبلغ دعوتك، وأدّ مهمتك قائلا :﴿ إني أنا النذير المبين ﴾. إني منذر الكافرين بالعذاب، وأنا أحذر من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر. قال تعالى :﴿ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا*وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ﴾. ( الأحزاب : ٤٦، ٤٥ ).
ويتضمن المعنى أيضا : إني أحذر الكافرين من أهل مكة، أن يصيبهم ما حلّ بالأمم المتقدمة المكذبة لرسلها، وما أحاط بهم من انتقام وعذاب.
جاء في الصحيحين :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومه، فقال : يا قوم، إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم، فنجوا. وكذبه طائفة منهم ؛ فأصبحوا مكانهم، فصبّحهم الجيش، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق )xxxiii.
كما أنزلنا على المقتسمين : أي : مثل العذاب الذي أنزلناه على المقتسمين، وهم رجال اقتسموا مداخل مكة أيام الحج ؛ لينفّروا الناس من الإسلام، وقال الطبري : المقتسمين : اليهود والنصارى، وكان اقتسامهم : أنهم اقتسموا الكتاب فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
التفسير :
﴿ كما أنزلنا على المقتسمين ﴾.
تحتمل هذه الآية المعاني الآتية :
١﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ﴾، كما آتينا من قبلك من اليهود والنصارى : التوراة والإنجيل، وهم الذين اقتسموا القرآن وجزّءوه أجزاء، فآمنوا ببعضه الذي وافق كتابيهما، وكفروا ببعضه وهو ما خالفهما، أخرج ذلك البخاري وغيره.
٢ المعنى الثاني :
أن يتعلق :﴿ كما أنزلنا على المقتسمين ﴾. بقوله تعالى :﴿ وقل إني أنا النذير المبين ﴾. أي : وأنذر قريشا بالعذاب مثل ما أنزلنا على المقتسمين - يعني : اليهود وهو ما جرى على قريظة والنضير، فجعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز ؛ لأنه إخبار بما سيكون، وقد كانxxxiv.
٣ المعنى الثالث :
أي : أنذر الكافرين بالعذاب ؛ ﴿ كما أنزلنا على المقتسمين ﴾. أي : مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين، وهم أصحاب صالح عليه السلام، الذين تقاسموا بالله : لنبيتنه وأهله، أي : نقتلنهم ليلا، فأخذتهم الصيحة، فالاقتسام من القسم لا من القسمةxxxv.
٤ المعنى الرابع :
أنذر قريشا بعذاب مثل ما أنزلنا على المقتسمين، وهم : الاثنا عشر، اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم، فتعدوا في كل مدخل متفرقين ؛ لينفّروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يقول بعضهم : لا تغتروا بالخارج منا ؛ فإنه ساحر، ويقول الآخر : كذاب، والآخر : شاعر، فأهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات، كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب وغيرهمxxxvi.
الذين جعلوا القرآن عضين : فرقا متفرقة مأخوذة من قولك : عضيت الشيء إذا فرقته، فقال بعضهم : سحر، وقال بعضهم : شعر، وقال بعضهم : كهانة، وعنى ب﴿ الذين جعلوا القرآن عضين ﴾ : كفار قريش.
التفسير :
﴿ الذين جعلوا القرآن عضين ﴾.
أي : أجزاء جمع عضه يعني : كفار مكة، قالوا : سحر، وقالوا : كهانة، وقالوا : أساطير الأولين. أو المعنى : الذين جعلوا القرآن أصنافا، صنف منه سحر، وصنف منه شعر، وصنف منه كهانة، أو آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، وعملوا ببعض وتركوا بعضا، بتواطؤ العلماء والزعماء.
أي : فلنسألن الكفار جميعا، سؤال توبيخ لهم، على ما كانوا يقولون ويفعلون، وسنجازيهم عليهما الجزاء الأوفى، وعن أبي العالية : يسأل العباد عن خلتين : عما كانوا يعبدون، وعما ذا أجابوا المرسلينxxxvii.
ويمكن أن تكون الآية عامة، في سؤال جميع الخلائق عن أعمالهم كبيرها وصغيرها، جليلها وعظيمها.
روى ابن أبي حاتم : عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يا معاذ، إن المرء يسأل يوم القيامة، عن جميع سعيه ؛ حتى كحل عينيه، وعن فتات الطينة بأصبعه، فلا ألفينك يوم القيامة، وأحد غيرك أسعد بما آتاك الله منك ).
وعن ابن عباس قال : لا يسألهم الله هل عملتم كذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا ؟ ! xxxviii.
جاء في تفسير ابن عطية :
وقوله تعالى :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين*عما كانوا يعملون ﴾. ضمير عام، ووعيد محض يأخذ كل أحد منه بحسب جرمه وعصيانه ؛ فالكافر يسأل عن : لا إله إلا الله، وعن الرسل، وعن كفره وقصده، والمؤمن العاصي يسأل عن تضييعه، والإمام عن رعيته، وكل مكلف عما كلف به، وفي هذا أحاديثxxxix.
أي : فلنسألن الكفار جميعا، سؤال توبيخ لهم، على ما كانوا يقولون ويفعلون، وسنجازيهم عليهما الجزاء الأوفى، وعن أبي العالية : يسأل العباد عن خلتين : عما كانوا يعبدون، وعما ذا أجابوا المرسلينxxxvii.
ويمكن أن تكون الآية عامة، في سؤال جميع الخلائق عن أعمالهم كبيرها وصغيرها، جليلها وعظيمها.
روى ابن أبي حاتم : عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يا معاذ، إن المرء يسأل يوم القيامة، عن جميع سعيه ؛ حتى كحل عينيه، وعن فتات الطينة بأصبعه، فلا ألفينك يوم القيامة، وأحد غيرك أسعد بما آتاك الله منك ).
وعن ابن عباس قال : لا يسألهم الله هل عملتم كذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا ؟ ! xxxviii.
جاء في تفسير ابن عطية :
وقوله تعالى :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين*عما كانوا يعملون ﴾. ضمير عام، ووعيد محض يأخذ كل أحد منه بحسب جرمه وعصيانه ؛ فالكافر يسأل عن : لا إله إلا الله، وعن الرسل، وعن كفره وقصده، والمؤمن العاصي يسأل عن تضييعه، والإمام عن رعيته، وكل مكلف عما كلف به، وفي هذا أحاديثxxxix.
فاصدع بما تؤمر : أي : اجهر بما تؤمر من : صدع بالحجة ؛ إذا تكلم بها جهارا.
إنا كفيناك المستهزئين : الذين كانوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويسخرون، فأهلكهم الله كلهم يوم بدر.
التفسير :
﴿ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين*إنا كفيناك المستهزئين ﴾.
أي : اجهر بدعوتك يا محمد، وبلغ رسالتك علنا، أو اجهر بصلاتك، وأعرض عن سفاهات المشركين وسوء أدبهم.
وجاء في تيسير التفسير :
﴿ وأعرض عن المشركين ﴾. لا تبال بما يقولون ولا يهمنك قولهم. اه.
قال عبد الله بن مسعود : مازال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا بدعوته، حتى نزلت هذه الآية، فخرج هو وأصحابه. ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾. وهذه الآية كالتعليل لما سبقها، أي : إن الله هو حارسك وولي أمرك، وحافظك حين تجهر بالدعوة، وتعلن على الملإ : إنك رسول الله حقا، تدعو إلى توحيد الله والتصديق برسوله وباليوم الآخر، وقد تحقق وعد الله لنبيه، فأهلك أعداءه من كبار المشركين، ببوائق من الله أصابتهم، لم يسع بها محمد ولا تكلّف فيها مشقة.
( وقال عروة بن الزبير، وسعيد بن جبير : المستهزئون خمسة نفر، الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب أبو زمعة، والأسود بن يغوث، والحارث بن قيس )xliii.
وقد ماتوا جميعا بأهون الأسباب، وقال قوم : هم سبعة من أشراف قريش ومشركيها، كانت لهم قوة وشوكة، وكانوا كثيري السفاهة والأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرونه، أو يمر بهم، أفناهم الله وأبادهم وأزال كيدهم.
وقد اختلف المفسرون في عدد هؤلاء المستهزئين وفي أسمائهم، ولا حاجة إلى شيء منها، والقدر المعلوم : أنهم طبقة لهم قوة وشوكة ورياسة، دبروا الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأفناهم الله وأبادهم، وجعلهم عبرة لكل من يجرؤ على الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه سلمxliv.
فاصدع بما تؤمر : أي : اجهر بما تؤمر من : صدع بالحجة ؛ إذا تكلم بها جهارا.
إنا كفيناك المستهزئين : الذين كانوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويسخرون، فأهلكهم الله كلهم يوم بدر.
التفسير :
﴿ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين*إنا كفيناك المستهزئين ﴾.
أي : اجهر بدعوتك يا محمد، وبلغ رسالتك علنا، أو اجهر بصلاتك، وأعرض عن سفاهات المشركين وسوء أدبهم.
وجاء في تيسير التفسير :
﴿ وأعرض عن المشركين ﴾. لا تبال بما يقولون ولا يهمنك قولهم. اه.
قال عبد الله بن مسعود : مازال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا بدعوته، حتى نزلت هذه الآية، فخرج هو وأصحابه. ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾. وهذه الآية كالتعليل لما سبقها، أي : إن الله هو حارسك وولي أمرك، وحافظك حين تجهر بالدعوة، وتعلن على الملإ : إنك رسول الله حقا، تدعو إلى توحيد الله والتصديق برسوله وباليوم الآخر، وقد تحقق وعد الله لنبيه، فأهلك أعداءه من كبار المشركين، ببوائق من الله أصابتهم، لم يسع بها محمد ولا تكلّف فيها مشقة.
( وقال عروة بن الزبير، وسعيد بن جبير : المستهزئون خمسة نفر، الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب أبو زمعة، والأسود بن يغوث، والحارث بن قيس )xliii.
وقد ماتوا جميعا بأهون الأسباب، وقال قوم : هم سبعة من أشراف قريش ومشركيها، كانت لهم قوة وشوكة، وكانوا كثيري السفاهة والأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرونه، أو يمر بهم، أفناهم الله وأبادهم وأزال كيدهم.
وقد اختلف المفسرون في عدد هؤلاء المستهزئين وفي أسمائهم، ولا حاجة إلى شيء منها، والقدر المعلوم : أنهم طبقة لهم قوة وشوكة ورياسة، دبروا الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأفناهم الله وأبادهم، وجعلهم عبرة لكل من يجرؤ على الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه سلمxliv.
يروى : أن جبريل أومأ وأشار إلى كل واحد من هؤلاء المستهزئين ؛ فهلكوا بقدرة الله القدير، وقد وصفهم الله بأنهم اتخذوا آلهة أخرى، من دون الله يعبدونها، فهم لم يقتصروا على الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل تعدّوا ذلك إلى عبادة آلهة أخرى غير الله.
﴿ فسوف يعلمون ﴾.
توعدهم الله بعذاب الدنيا، كما توعدهم بعذاب الآخرة، أي : فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، حين يحل بهم عذاب ربهم الدنيوي والأخروي.
يضيق صدرك : ينقبض من الحسرة والحزن.
فسبح بحمد ربك : أي : فافزع إلى ربك بالتسبيح والتحميد.
الساجدين : المصلين.
التفسير :
﴿ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون*فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين*واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾.
تأتي هذه الآيات في ختام السورة تصف حال الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، وهو بشر، يحيط به هؤلاء المستهزئون، من أشراف مكة يتهمونه بالسحر والجنون، والكهانة والكذب ؛ فيضيق صدره حزنا وألما من كلمات المشركين واستهزائهم، كما هو دأب الطبيعة البشرية حين ينوب الإنسان ما يؤلمه ويحزنه، ويجد في نفسه انقباضا وضيقا في الصدر، وأسى وحسرة على ما حل به، ثم أرشده الله تعالى، إلى أسباب دفع الهم والحزن فقال :
﴿ فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ﴾. أي : نزه الله تعالى عما لا يليق به، وأكثر من ذكره وشكره وحمده وعبادته، والصلاة له والسجود له سبحانه.
وقد يتساءل الإنسان، عن العلاقة بين ضيق الصدر وذكر الله والسجود له ؟ !.
والجواب : أن المؤمن إذا لجأ إلى الله بالذكر والعبادة والثناء عليه والصلاة والسجود له ؛ فإن الله تعالى يشرح صدره وييسر له أمره ويلهمه رشدهxlvii.
قال تعالى :﴿ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ﴾. ( الطلاق : ٤ ).
وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر ؛ فزع إلى الصلاة، روى الإمام أحمد عن ابن عمار : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( قال الله تعالى : يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار ؛ أكفك آخره ).
يضيق صدرك : ينقبض من الحسرة والحزن.
فسبح بحمد ربك : أي : فافزع إلى ربك بالتسبيح والتحميد.
الساجدين : المصلين.
التفسير :
﴿ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون*فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين*واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾.
تأتي هذه الآيات في ختام السورة تصف حال الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، وهو بشر، يحيط به هؤلاء المستهزئون، من أشراف مكة يتهمونه بالسحر والجنون، والكهانة والكذب ؛ فيضيق صدره حزنا وألما من كلمات المشركين واستهزائهم، كما هو دأب الطبيعة البشرية حين ينوب الإنسان ما يؤلمه ويحزنه، ويجد في نفسه انقباضا وضيقا في الصدر، وأسى وحسرة على ما حل به، ثم أرشده الله تعالى، إلى أسباب دفع الهم والحزن فقال :
﴿ فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ﴾. أي : نزه الله تعالى عما لا يليق به، وأكثر من ذكره وشكره وحمده وعبادته، والصلاة له والسجود له سبحانه.
وقد يتساءل الإنسان، عن العلاقة بين ضيق الصدر وذكر الله والسجود له ؟ !.
والجواب : أن المؤمن إذا لجأ إلى الله بالذكر والعبادة والثناء عليه والصلاة والسجود له ؛ فإن الله تعالى يشرح صدره وييسر له أمره ويلهمه رشدهxlvii.
قال تعالى :﴿ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ﴾. ( الطلاق : ٤ ).
وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر ؛ فزع إلى الصلاة، روى الإمام أحمد عن ابن عمار : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( قال الله تعالى : يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار ؛ أكفك آخره ).
اليقين : الموت، وسمي به ؛ لأنه أمر متيقن لاشك فيه.
التفسير :
﴿ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾. أي : أخلص في العبادة والتبتل والطاعة طول عمرك، حتى يأتيك الموت، وتلقى الله مؤمنا به متيقنا بوجوده.
وأكثر المفسرين : على أن المراد باليقين هنا : الموت، أي : أعبد ربك طوال حياتك إلى نهاية عمرك، وفي هذا دليل على أن العبادة كالصلاة ونحوها، واجبة على المرء مادام ثابت العقل.
روى البخاري : عن عمران بن حصين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( صل قائما، فإن لم تستطع ؛ فقاعدا، فإن لم تستطع ؛ فعلى جنب )liv.
وجاء في تفسير ابن عطية ما يأتي :
واليقين : الموت، بذلك فسّره هنا ابن عمر ومجاهد وقتادة والحسن وابن زيد، وليس اليقين من أسماء الموت، وإنما العلم به يقين لا يمتري فيه عاقل فسماه هنا يقينا تجوّزا، أي : يأتيك الأمر اليقين علمه ووقوعه، وهذه الغاية معناها : مدة حياتك، ويحتمل أن يكون المعنى : حتى يأتيك اليقين في النصر الذي وعدتهlv.