تفسير سورة يوسف

القطان
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

الف. لام. را. سبقت الاشارة الى تلك الحروف وأمثالها في القرآن الكريم. المبين: الواضح المرشد الى مصالح الدنيا وسبيل الوصول الى سعادة الآخرة.
﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
لقد انزلنا هذا الكتاب على النبي العربي ليبّين لكم بلُغتكم نفسِها ما لم تكونوا تعلمونه، فعلنا ذكل تسهيلاً عليكم في أن تعقلوا معانيه وتفهموا ما ترشد اليه آياته من مطالب الروح، ومدارك العقل.
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين﴾.
نحن نروي لك يا محمد أحسنَ الأخبار التي تتضمن العِبر والحِكَم، بإيحائنا اليك هذا القرآن، وكنتَ قبل نزوله عليك لا تعلم شيئا عنها، وبخاصة أنك في مجتمع أميّ جاهل لا يعرف شيئاً من أمور الماضين ولاِأخبار الأنبياء واقوامهم.
أحد عشر كوكبا: هم اخوة يوسف. والشمس والقمر: ابوه وامه الرؤيا: ما يراه النائم في المنام. يجتبيك ربك: يختارك ويصطفيك. تأويل الاحاديث: تعبير الرؤيا.
قال يوسف لأبيه يعقوب: لقد رأيتُ في منامي أحد عشر كوكبا ساجدة لي، ومعها الشمس والقمر ساجدين أيضاً. (وهذا السجود سجودُ تعظيم لا سجودَ عبادة) وقد عِلَمَ أبوه ان هذه الرؤيا سيكونُ لها شأنٌ عظيم، وان يوسفَ سيكون له مستقبل وسلطان يسود به أهلَه والناس، فقال لولده: يا بنيّ، لا تقصَّ على إخوتك هذه الرؤيا، فإنها تثير في نوسهم الحسدَ ويكيدون لك كيداً عظيما، فالشيطان بالمرصاد للانسان وهو عدوه الظاهر على الدوام.
لقد اصطفاك ربك يا يوسف فأراك هذه الرؤيا التي تبشّر بخير عظيم، وسختارك أيضاً للنبوة والملك، ويعلّمك الرؤيا، فيعظُم قدرُك وذكرك. وتتم نعمة الله عليك بالنبوّة، كما أتمّها من قبلُ على أبويك: ابرهيم واسحاق إنه عليم بمن يصطفيه حكيم في تدبيره.
ان بعض الرؤى حقّ، ويتحقق كثير منها في المستقبل، وما ورد في هذه السورة من وقوع مصداق رؤيا يوسف وصاحبيه في السجن، ورؤيا ملك مصر - يجعلنا نؤمن بها. وقد حصل معنا الكثير من الرؤى ومع اشخاص عرفناهم، وتحقق بعضا في حالات متكررة.
قراءات:
قرأ ابن عامر: «يا ابت» بفتح التاء والباقون: «يا ابت» بكسر التاء.
آيات: عبر. عصبة: جماعة اقوياء. الجب: البئر غيابه الجب: قعرها بعض السيارة: بعض المسافرين من القوافل يرتع: يلهو ينعم. واوحينا اليه: ألهمناه. لتنَبَّئهم: سوف تخبرهم فيما بعد.
لقد كان في قصة يوسفَ وإخوته عِبَرٌ للسائلين عنها والراغبين في معرفتها، اذا قال إخوة يوسف لبعضهم: إن يوسفَ وأخاه أحبُّ على أبينا منا، فهو يفضّلهما علينا على صغرهما. ونحن أكبرُ منهما وأنفعُ لكن أبانا بإيثاره يوسف وأخاه بنيامين يقع في الخطأ ويتعمد البعد عن الحق والصواب.
وتشاوروا فيما بينهم، فقال بعضهم: اقتلوا يوسف حتى لا يكون لأبيه أمل في لقائه، او أبعدوه الى أرضٍِ بعيدة عن العمران حتى يلا يهتدي الى العودة منها. بذلك يخلُص لكم حبُّ أبيكم، وتصيرون قوماً يرضى عنكم، اذ يقبل الله توبتكم، ويقبل ابوكم اعتذاركم.
فقال: واحد منهم: لا تقتلوا يوسف، ان ذلك ذنبٌ عظيم، ويكفي ان تُلقوه في قعر بئر يلتقطه منها بعض المسافرين من القوافل... وبذا يتم لكم ما تريدون.
قراءات:
قرأ نافع: «في غيابات» بالجمع والباقون «غيابه بالمفرد.
فأعجبهم هذا الرأي وأقرّوه، وذهبوا الى أبيهم يخادعونه، ويمركون به وبيوسف، فقولوا له: يا أبانا، لماذا تخاف على يوسف منّا فلا تأمنّا عليه؟ نحن نحبه ونُشفق عليه، فأرسلْه معا غداً الى المراعي. ؟ هناك يتمتع بالأكل الطّيب، ويلغب ويمرح شأن بقية الصبيان، ونحن نحرص عليه من كل مكروه.
قراءات:
قرأ ابن كثير:»
نرتع ونلعب «بالنون فيها، وقرأ أبو عمرو وابن عامر:» نرتع ونلعب «بالنون وجزم العين. وقرأ نافع:» يرتع ويلعب «.
قال ابرايهم: إنني لأشعر بالحزْن إذا ذهبتم به بعيدا عني، وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه لاهون.
قراءات:
قرأ الكسائي وخلف:»
الذيب «بدون همز. والباقون:» الذئب «بالهمز.
قالوا: كيف يأكله الذئب ونحن جماعة قوية! لا خير فينا لأنفسنا في تلك الحال.
وذهبوا به لينفذوا المؤامرة، واتفقوا على إلقائه في غور البئر وفي تلك اللحظات ألهمناه الاطمئنان والثقة بالله، وانه سيعيش ويذكر إخوتَه بموقفهم هذا منه فيما بعد.
بعد ان بيّن الله تعالى أن كلّ من في السموات والأرض خاضعٌ لقدرته عاد الى المشركين يسألُهم عدة أسئلةٍ ليُلزمهم الحجّةَ ويقنعهم بالدليل.
قُل لهم ايها النبي: من خَلَقَ السماواتِ والأرضَ؟ فإن لم يجيبوا فقُل لهم: إن الذي خلق هذا الكونَ وما فيه هو الله، ثم اسألهم وقل لهم: كيف اتّخذتم مِن دونِ الله أرباباً مع انهم لا يملكون لأنفسهم ولا لكم نفعا ولا ضرا!؟
ثم ضرب مثلاً للمشركين الذي يعبُدون الأصنامَ وغيرها من دون الله، والمؤمنين المصدِّقين بالله، فقال:
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير؟﴾.
هل يستوي الأعمى الذي لا يُبصر شيئاً ولا يهتدي، مع البصير الذي يُبصر الحقّ فيتّبعه.
ثم ضربَ مثلاً للكفر والايمان فقال:
﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور؟﴾.
لا يستوي الكُفر والإيمان، فالظلماتُ التي تحجُب الرؤيةَ هي التي تلفُّهم وتكفُّهم عن إدراك الحق الظاهر المبين.
ام جعلوا لله شركاءَ خلقوا كخلقه فاشتبه الأمرُ عليهم فلم يعرِفوا من خَلَقَ هذا ومن خلق ذاك، قل لم أيّها النبي: اللهُ وحده هو الخالقُ لكلّ ما في الوجود، وهو الواحد القهار الغالب على كل شيء.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي وابو بكر: «هل يستوي الظلمات والنور» بالياء، والباقون «تستوي» بالتاء كما هي في المصحف.
اكرمي مثواه: أحسني معاملته. المثوى: مكان الاقامة مكنا ليوسف: جعلنا له مكانه رفيعة. والله غالبٌ على امره: قادر عليه من غير مانع حتى يقع ما أراد، او غالب على امر يوسف يدبره ويحوطه. بلغ اشده: استكمل قوته وبلغ رشده. آتيناه حكماًوعلما: وهبناه حكما صحيحا صائبا، وعلما بحقائق الاشياء.
انتهت محنة يوسف الاولى، وبدأ عهداً جديداً في بلدٍ جديد عليه، ومجتمع غريب مختلف عن بيئته واهله. هناك بيع يوسف لرئيس الشرطة في المدينة وقال رئيس الشرطة لزوجته: خذي هذا الغلام، اشتريتُه من أصحابه أكرمي مقامه عندنا لعلّه ينفعُنا او نتهذه ولدا لنا. وأحبه سيَدُه كثيراً، فجعله رئيس خَدَمه، حتى لم يكن لأحد في الدار كلمة اعلى من كلمة يوسف سوى سيده وسيدته، كما قال تعالى: ﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض﴾ الآية.
﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾.
ألهمناه قدراً من تعبير الرؤيا، ومعرفة حقائق الامور، والله غالبٌ على كل أمرٍ يريده، ولكنّ اكثرَ الناسِ لا يعلمون خفايا حِكمته ولطف تدبيره. ذلك أنا ما حدث ليوسف من اخوته، وما فعله الذي أخذوه حراً وباعوه عبدا، ثم ما وقع له من امرأة العزيز ودخوله السجن- كل ذلك كان من الاسباب التي أراد الله تعالى بها المكين ليوسف في الأرض.
ولما بلغ يوسف أشُدّه واستلكم قوته، اعطيناه حُكماً صائبا وعلماً نافعا، ومثلُ ذلك الجزاء العظيم نجازي بها المحسنين على احسانهم.
وراودته: طلبت منه برفق ولين ومخادعة. هيت لك: هلم اقبل وأسرع. قال معاذ الله: قال اعوذ بالله. انه ربي: انه سيدي. احسن مثواي: احسن معاملتي فلا اخونه.
وراودته امرأة سيِّده عن نفسه، (وانه لتعبير لطيف محتشَم) وغلّقت أبواب قصرها وقالت: هلمّ، عليّ يا يوسف، فقد هيأت لك نفسي فقال يوسف: معاذ الله اخون ربّي وسيّدي ومالك نفسي... لقد أحسنَ إليّ غاية الاحسان، فكيف أخونه بعد كل هذا الاكرام!!
﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون﴾.
الذين يخونون من أحسن اليهم بالتعدي على اعراض الناس.
قراءات:
قرأ ابو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: «هَيْتَ لك» كما هي في المصحف. وقرأ ابن كثير: «هيت» بفتح الهاء وضم التاء مثل حَيْتُ. وقرأ نافع وابن عامر: «هيت» بكسر الهاء وفتح التاء. وروى هشام ابن عامر: «هِيئْتُ» يعني تهيأت لك.
وهذه محنة يوسف الثانية: لقد افتتنت امرأة العزيز بجماله، فأَشعل ذلك في نفسها جذوة الحب، فراودته عن نفسه، فأبى، وحاولت اغراءه بشتّى الطرق، حتى همت عن المعصية والخيانة، وثبت على طُهره وعفافه. بذلك صرف الله عنه سوء الخيانة والمعصية وظل هو من عباد الله الذين أخلصوا دينهم له.
وهرب منها.. فلحقت به عند الباب، وتعلقت بقميصه فشقته من خَلف. وفي تلك الأثناء جاء سيّدها. وصادف الحادث وهو يهمُّ بالدخول ومعه ابن عمها. فملا رأت زوجها ارادت ان تشفيَ غُلَّ صدرها وحنقها على يوسف لما فاتها من التمتع به، فقالت لزوجها:
﴿مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
لقد أرادت ان توهم زوجَها أن يوسف قد اعتدى علهيا، وطلبت منه ان يسجنه أو يعذّبه عذابا اليما. وهنا وقف يوسف وجهر بالحقيقة في وجه الاتهام الباطل، فقال: «هِيَ روادتْني عن نفسِي» لا أنا الذي فعلت. لقد حاولتْ ان تخدعني وتوقعني في المعصية. فقال ابن عمها: ان كان قميصه شُقّ من أمام، فقد صدقت وهو من الكاذبين، وان كان فميصه شُقّ من الخلف، فقد كذبت في قولها، وهو من الصادقين.
فلما رأى الزوج قميص يوسف تمزّقَ من خلْفٍ، قال لزوجته: ان اتهامك له باطل، وما الأمر الا من كيدكن معشر النساء، إن كيدَكن عظيم.
ثم التفت الى يوسف، وقال له: يا يوسف، أعرِض عن هذا الأمر، اكتمه ولا تذكره أبداً. وقال لزوجته: اما انتِ فاستغفري لذنبك من هذا العمل الخطأ.
وانتهى الامر الى هنا، ولم يوقع العزيزُ أية عقوبة على يوسف، لتأكده من براءته.
قراءات:
قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر ويعقوب: «المخلصين» بكسر اللام والباقون: «المخلَصين» بفتح اللام كما هو في المصحف.
فتاها: عبدها قد شغفها حبا: شغاف قلبها، والشغاف: حجاب القلب الذي يغشّيه. وأعتدت لهن متكأ: وهيأت لهن مجلسا مريحا فاخرا. وأكبرنه: أعظمنه ودُهِشْنَ من جماله. وقطّعن ايديهنّ: جرحن أيديهن من فرط الدهش. حاش لله: تنزيها له استعصم: عفّ وامتنع عن المعصية. أصبُ اليهن: أمِلْ اليهن.
شاع نبأ حادثة امرأة العزيز وفتاها في ارجاء المدينة، ولاكته افواه النساء، وشرعن يَلُمْنها على فعلتها. وبلغ ذلك امرأة العزيز فأخذت تكيد لهن حتى يَعْذُرنها. وهكذا ارسلت الدعوة الى طائفة من نساء عليه الوقم، وأعدّت لهن مجلساً من الوسائد والنمارق وقدّمت اليهن طعاماً، وأعطت كلاً منهن سكّينا تقشر بها الفاكهة. وحين اتخذْن مجالسهم قالت ليوسف: اخرج عليهن. فلما رأينه بهرنّ جماله، وألهاهن عن تقطيع الطعام والفاكهة، وجرحن أيديهن من فرط الدهشة والذهول، واعلنَّ لذلك الجمال، حتى قلن «حاش الله، ما هذا بشراً إن هذا الا مَلَك كريم».
حنيئذ باحت لهن امرأة العزيز بحبها ليوسف، وقالت: إن هذا التفى الذي بهركنّ حُسنه، هو الذي لمنَّني في شأنه، ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ﴾ وحاولت إغراءه، لكنه امتنع وعف، ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن الصاغرين﴾ وان لم يقبل فانه سيُسجن ويكون من الاذلة المقهورين. ولما سمع يوسف هذا التهديد والوعيد قال: يا رب، السجنُ احبُّ الى نفسي مما يطلبنه مني، وان لم تُبعِدْ عنّي شرَّهن، أمِلْ الى موافقتِهن، وأقعْ في شباك مكرهنّ، «وأكنْ من الجاهلين» الذين تستخفُّهم الاهواء والشهوات.
فاستجاب له ربه، فصرف عنه شرّ مكرهن، انه هو السميع لدعاء من تضرّع اليه، العليم بصدق إيمانه.
﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينٍ﴾.
ولما فشت الفضحية في الناس، رأى العزيز ان يصدّع أمر زوجته ويسجنه، وبذلك كيفّ ألسنة الناس عنه وعن زوجته ويخلصُ من العار. كانت الدلائل كلها تشير الى براءة يوسف وعفته وطهارته، ولكن امرأة العزيز المتغطرسة أمرت بالسجن، وزوجها نفّذ ذلك.
قراءات:
قرأ ابو عمرو ونافع: «حاشا» بالالف. والباقون: «حاش» بدون الف.
وهكذا، دخل يوسف السجنَ ظلماً، وهذه هي المحنة الثالثة والأخيرة من محن الشدة في حياة يوسف، فكل ما بعدها رخاء.
ودخل معه السجنَ فَتَيان، كان أحدهما رئيس الخبازين عند الملك، والثاني رئيسَ السقاة. وقد سُجنا لخيانة نُسبت اليهما كانت ستودي بحياة الملك.
وبعد ان استقر يوسف في السجن ظهر أمره للناس، وانه يختلف عن السجناء الآخرين. وفي ذات يوم جاءه صاحب شراب الملك واخبرنه انه رأى في منامه انه يعصر خمراً للملك، وجاءه الخباز وقال له: إني رأيتُ فوق رأسي طبقاً من الخبز تأكل منه الطيور، وطلبا اليه ان يفسر لكل واحد منهما ما رأى في منامه.
فانتهز يوسف هذه الفرصةَ ليُعلنَ لهم دِينَه ويدعوهم اليه، وقال لأهل السجن ينبئهم بمقدرته على تأويل الرؤيا: لن يأتيكما طعام الا نبأتكما بشأنه.
كل ذلك مما علّمني ربّي. ثم أضاف:
﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ﴾.
إني برئت من ملّة مَن لا يصدّق بالله ولا يقر بوحدانيته، ويعبد عدداً من الآلهة لا تضرّ ولا تنفع، لأن هؤلاء الناس يكفرون بالآخرة والحساب والجزاء. وبدلاً من ذلك، أجدُني اتبعتُ ملّة آبائي الذين دعوا الى التوحيد الخالص وهم: إبراهيم وإسحق ويعقوب.
ثم بيّن أساس الملّة التي ورثها عن آبائه الكرام بقوله:
﴿مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ﴾ ؟
وذلك كلّه من فضل الله علينا أهل بيت النبوة، ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾.
واسترسل يوسف يبيّن دينَه القويم... وبعد ان بين بُطلانَ الشِرك اتّجه الى السائلَين وقال لهما: يا رفيقيَّ في السجن، هل عبادة أرابٍ كثيرين متفرّقين لا ينفعون ولا يضرون خيرٌ لكما ولغيرٍ كما، ام عبادةُ الله الواحدِ القهّار الذي له ملك السماوات والارض وبيده كل شيء؟.
ثم بيّن لهما ان ما يعبدونه ويسمّونه آلهةً انما هي من اختراعهم، وتسميةٌ من تلقاء انفسِهم توارثَها خَلَفٌ من سلف، ليس لها مستنَدٌ من عقلٍ ولا وحي سماوي. فقال:
﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾.
وان هذه الأربابَ، سواءً كانت من البشرَ أم من غيرهم، ليستْ من الربوبية في شيء... انظروا، ليس لها قوّة ولا إرادة. اما الربوبية الحقّة فلا تكون إلا لله الواحِد القهار، لقد أمر ان لا تعبدوا سواه.
﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾. لا يدركون ماهم عليه من جهل وضلالة.
بعد ذلك شرع يوسف يفسّر لهما الرؤيا فقال: يا صاحبي السجن، ما أحدُكما فسيعود الى ما كان عليه، ساقيَ الملك وصاحبَ شرابه، واما الثاني فيُصْلَب ويُترك مصلوباً، فتقع عليه الطير وتأكل من رأسه، إن الأمر الذي يهُّمكما ويُشكل عليكما وتستفتيانني فيه قد اتّضح وانتهى حكمه.
ثم التفت يوسف الى الذي اعتقدَ انه ناجٍ منهما، وهو ساقي الملك، فقال له: اذكر حالي عند سيدك يا هذا، عساه يُنصفني وينقذني مما أنا فيه.
فشغل الشيطان ذلك الرجلَ بعد أن خرج من السجن وأنساه ان يذكر للملك قصة يوسف. وهكذا مكث يوسف في السجن بضع سنين والبِضعُ من ثلاثٍ الى تسع، ولا ندري كم المدة التي امضاها على التحديد.
سمان: جمع سمينة. عجاف: هزيلة مفردها اعجف وعجفاء. تعبرون: تفسرون. اضعاف احلام: احلام مضطربة يصعب تأويلها، والضغثُ وجمعه اضغاث: الحزمة من النبات او من كل شيء. واذّكر: تذكّر بعد امة: بعد حين. تزرعون سبع سنين دأبا: دواما. سبع شداد: سبع سنين صاعب، تشتد على الناس تحصنون: تدخرون. يغاث الناس: من الغيث، وهو المطر والرحمة يعصرون: يستخرجون العصير مما يعصر كالزيت والعنب والتمر والقصب.
بعد أن أمضى يوسف عداً من السنين في السجن أراد الله ان يبعثَ بالفَرَج فهيَّأ الاسباب لذلك. اذ رأى الملك رؤيا أفزعته. لقد رأى سبع بقرات سمان ترعى في روضة، ثم جاءت سبع بقرات اخرى هزيلات قبيحات المنظر خرجت من النهر وأكلت البقرات الاولى السمان. كذلك رأيى سبع سنابل خُضْر حَسَنة طالعةً في ساق واحدة، واذا سبع سنابل يابسات خلفها قد فلحتْهن الريح تهجم على السنابل الخضر فتأكلها.
اسيتقظ الملك منزعجا لهذين المنامين، وفي الصباح دعا اليه بالسحرة وكبراء دولته، وقص عليهم الرؤيا وسألهم عن تأويلها فلم يجد عند احد جوابا. قالوا:
﴿قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ﴾.
هذه أحلام مضطربة ايها الملك.
وفي ذلك الوقت انتبه رئيس سقاة الملك، رفيق يوسف في السجن الذي فسر الرؤيا، وتذكّره، فقال للملك: إن في السجن شاباً ذكياً له علم في تعبير الرؤيا، فأرسِلوني اليه لأسأله عن تفسير هذهين المنامين. وأرسله الملك اليه فلما التقى بيوسف قال له:
﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
قال يوسف: سيأتي على مصر سبعُ سنين مخصبات تجود الأرض فيها بالغلاّت الوافرة، ثم يأتي ذلك سبع مُجْدِبة تأتي على المخزون من السِّنين السبع التي تقدمتها.
نصحهم أن يقتصدوا في السنين ويخزِنوا ما فضلَ عن القوت في سنبله، حتى اذا حلّ الجدبُ وجدوا ما يسدّ الرمق الى أن يأتي الخصب من جديد.
ما بال النسوة: ما شأنهن. ما خطبكن: ما شأنكن: حَصْحَص الحق: ثبت واستقر.
ولما عاد رئيس السقاة الى الملك وأخبره بتأويل رؤياه سُرَّ الملك بذلك، وعَلِمَ أنه تأويلٌ مناسب مع الرؤيا فقال: ائتوني بيوسف، فلما جاؤوا ليوسف وطلبوا منه ان يخرج من السجن أبى حتى يعرف أمره على حقيقته. كذلك طلب الى الرسول ان يعود ويسأل عن النسوة اللاتي قطعّن أيديَهن، فلما سألوهن قلن: حاشَ الله ما علمنا عليه من سوء، وأنكرن ان يكنّ سمعن شيئا عن شأنه امرأة العزيز.
ولما سمعت امرأةُ العزيز بشهادة النسوة، وان الأمر قد استبان على حقيته ببراءة يوسف، ورأت انه اصبح من هَمِّ ان يأتي بيوسف من السجن ليستخلصه لنفسه - أقّرت بجرميتها وباحت بما كتمته عن زوجها عدة سنين. فقالت:
﴿الآن حَصْحَصَ الحق أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾.
الحق أنني لم أنلْ من امانته أو أطعن في شرفه وعقته، بل صرّحتُ للنسوة بأني قد راودته عن نفسه لكنه تعفّف، وها أنذار أقرّ بهذا أمامَ الملِك ورجال دولته.
﴿وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
وبهذا الاقرار من امرأة العزيز انتهت تلك المحنة التي وقع فيها يوسف، وجاءت خاتمتُها خيرا.
أستخلصه لنفسي: أجعله خالصا لي. مكين أمين: ذو مكانة عالية وامانة. يتبوأ منها حيث يشاء: ينزل في اي مكان يشاء.
ولما ظهرت براءة يوسف للملك طلب إحضاره من السجن بعد أن وفّى له بما اشترط لمجيئه. فجاء يوسف، وكلّمه الملك فأُعجب بكلامه لما رأى من حسن تعبير يوسف ووفرة عقله وحكمته وقال له: «إنّك اليومَ لدينا مَكِينق أمين» وسأله أي عمل يرضاه لنفسه ويكون فيه سروره؟ فقال يوسف: «اجعلّني على خزائنِ الأرض» وما يخرُجُ منها من الغلاّت والخيرات «غني حَفيظٌ عليم».
وقبل الملك عرضَه، فاستوزره، وبذلك انعم الله على يوسف نعمة جليلة، فجعل له سلطانا وقدرة في أرض مصر، يتبوأ منها حيث يشاء.
وهذا شأن الله في عباده، يهب نعمته لمن يختاره منهم، ولا يُضيع أجر المحسنين. وان ثوابه في الآخرة لأفضلِ واوفى لمن صدقوا به وبرسهل، وكانوا يتقون الشرك، ويخافون يوم الحساب.
قراءات:
قرأ ابن كثير: «يتبوأ منها حيث نشاء» بالنون والباقون «حيث يشاء».
منكرون: لم يعرفوه. جهزهم بجهازهم: امر ان يعطوا من الطعام ما يريدون. خير المنزلين: خير من يضيف. سنراود عنه أباه: نخادع ونستميل برفق. لفتيانه: لغلمانه من الخدم. اجعلوا بضاعتهم في رحالهم: اجعوا ما جاؤا من البضاعة او اوعيتهم.
مرت السنينُ السبع المخصِبة وأعدّ يوسف عُدَّته فيها، واتخذّ المخازنَ وملأها وخزو الغلاّتِ في غُلُفِها. ثم جاءت السني السبع المجدبة، واشتدَّ المحلُ والجفاف في جيمع أمحاء الأرض. وجاء المصريون الى فرعون يطلبون القوتَ، فأحالهم الجدبُ بلاد الشام وأحسَّ أهلُ فلسطين الجوع وعِلِموا أن الطعام بصر موفور. فأرسل يعقوب أولاده ومعهم الجمال والبهائم الى مصر لشراء القوت لأهلهم من هناك، ولما دخلوا على يوسف عرفهم ولم يعرفوه.. وذلك طبيعي، فقد فارقهم وهو غلام أضمرد، وها هو الآن قاربَ الأربعين، وقد كسته أبهة الملك مهابة، اما هم فانهم على حالتهم في مَلْبَسهم ولغُتِهم ومنظرهم لم يتغير منهم شي.
وأمرَ يوسف ان يكرَّموا في ضيافته، واعطاهم من المؤونة ما طلبوا، واخذ يحدّثهم ويسأل عن احوالهم سؤالَ الجاهلِ بها وهو بها عليم. فأخبروه ان لهم اباً شيخاً كبيرا ولهم أخر صغير يحبه أبوهم حبا جما ولا يريد ان يفارقه. وهو بنيامين شقيق يوسف. فقال لهم بعد ان جهزهم الجهاز الكامل: احضِروا اخاكم الصغير في المرة القادمة ولا تخافوا شيئا، وإلاّ فلا كيل لكم عندي ولا تأتوا الي، فقال له اخوته: سنراود عنه أباه.
وقد اكرمهم يوسف غاية الإكرم، وقال لفتيانه: ردوا اليهم بضاعتَهم التي دفعوها ثمناً للطعام، واجعلوها في أوعيتهم، فإنهم يعودون الينا.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي وحفص: «لفتيانه» كما هو في المصحف والباقون: «لفتيته».
متاعهم: اوعيتهم. يضاعتهم درت اليهم: هي ثمن ما كانوا أعطوه من الطعام. ما نبغي: ماذا نطلب وراء ما وصفنا لك من احسان الملك الينا؟ ونمِير أهلنا: نجلب لهم الطعام والمؤونة. عهدا. الا ان يحاط بكم: الا ان تغلبوا على امركم.
عاد إخوةٌ يوسف الى أبيهم وأخبروه ان الوزير المسئول اكرمهم غاية الاكرام وأخبرهم انه سيمنعهم من شراء الطعام في المرة الآتية حتى يأتوه بأخيهم بنيامين، فتذكّر يعقوب امر يوسفَ، وكيف فرطوا به فقال لهم: «له آمنكم عليه (بنيامين) الا كما أمِنْتُكم على أخيه من قبلُ» ؟! وفتح إخوة يوسف متاعهم لاستخراج الطعام الذي أتوا به من مصر، فوجدوا نقودهم بحالِها، وعرفوا ان ما جاؤا به من الطعام كان مجّاناً. فكان ذلك مما شدّد عزائمهم في الكلام مع أبيهم، حين قالوا له: يا أبانا، ماذا نطلب اكثر من ذلك! هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا، فاذا سمحتَ بأخينا يذهبُ معنا فاننا نشتري الميرةَ (الطعام) لأهلنا، ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير، وهو شيء يسير عند الملك الكريم.
والظاهر ان القحط كان شديدا جعل يعقوب يسمح بسفر ابنه تحت شروط اشتراطها على اولاده، فقال لهم: لن ارسله حتى تؤتوني عهداً بالله لتعودون به إليّ الا إن عجزتم عن ذلك. فأعطوه عهدهم، وحينئذ قال: اللهُ على ما نقول وكيل.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: «يكتل» بالياء، والباقون: «نكتل» بالنون.
اطمأنّ يعقوبُ الى عهد أبنائه، ثم دفعتءه الشفقة والحرص عليهم الى ان يوصيهم بدخول مصر من ابواب متفرقة، لكي يلفتوا الأنظار عنهم عند دخولهم، ولا تترقّبهم أعين الطامعين. ثم قال: ﴿وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ﴾ وليس في قدرتي ان ادفع عنكم أذى، فالحكم في تدبير العالم ونَظْم الاسباب لله وحده، ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون﴾.
ولقد استجابوا لوصية ابيهم، فدخلوا من أبوابٍ متفرقة، وما كان ذلك ليدفع عنهم أذًى كتبه الله لهم، ولكنها حاجةٌ في نفس يعقوب، وكان من باب شفقة الأب على أبنائه.
آوى اليه اخاه: ضمه اليه. لا تبتئس: لا تحزن السقاية: وعاء يسقى به ويُكال به الطعام، وهو المراد الملك. العير: القافلة من الابل والبغال والحمير. زعيم: كفيل.
ولما دخل اخوة يوسف عليه انزلهم منزلا كريما، واختص أخاه بنيامين بأن ضمّه إليه وأسرّ له قائلا: إني اخوك يوسف، فلا تحزنْ بما كانوا يصنعون معك، وما صنعوه معي.
ثم إنه أكرم وفادتهم، وكال لهم الطعام، وزادهم حِمْلَ بعير لأخيه وجهّزهم للسفر، لكنّه أمر أعوانه ان يدسّوا كأس شراب الملك في أمتعة أخيه بنيامين. وغادر القومُ، فنادى مناد: أيها الركْب القافلون بأحمالهم، قِفوا إنكم لسارقون.
ارتاع إخوة يوسف للنداء، واتجهوا الى المنادين يسألونهم: ما الذي ضاع منكم، أي شيء تفقدون؟ فأجابهم هؤلاء: لقد سرقتم سقاية الملك يوسف، ونحن نعطي لمن جاء به حِمل بعير من المؤونة.
فقال اخوة يوسف وقد فوجئوا بهذا الاتهام: إن اتهامكم ايّنا بالسرقة أمر عجيب. ﴿مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾.
فقال فتيان يوسف وقد فوجئوا بهذا الاتهام: إن اتهامكم ايّانا بالسرقة أمر عجيب.
فقال فتيان يوسف وأعوانه لإخوته: فما جزاء من سرق صواع الملك ان ظهر انه عند احدكم؟ قالوا: من وجدتم ذلك في رحله فجزاؤه ان يؤخذ عبدا للملك، ﴿كذلك نَجْزِي الظالمين﴾.
فتش كبير الأعوان وأحمالهم، مبتدئاً بالكبير منتهيا بالصغير، فوجد السقايةَ في عِدْل بنيامين. ﴿كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ وبذلك نجحت حيلته، وحق له ان يحتجز أخاه. ورجع بقية الإخوة الى مصر ودخلوا على يوسف مستعطِفين مسترحِمين. عند ذاك لامهم يوسف على ما صنعوا بعد ان اكرمهم وأحسن اليهم.
ثم علّل الله ما صنعه من التدبير ليوسف بقوله: ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك إِلاَّ أَن يَشَآءَ﴾ ولولا هذا التدبير على يوسف ان يضم أخاه اليه. فنحن ﴿الله نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ﴾ بالعلم والنبوة، ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾.
استيأسوا: يئسوا. خلصوا نجيا: انفردوا يتناجون ويتشارورن. موثقا: عهدا فرطتم: قصرتم. فلن ابرح الارض: فلن افارق مصر.
قال إخوة يوسف وقد ملئوا غيظا على بنيامين لما أوقعهم فيه من الورطة: إن يشرقْ فقد سرقَ* أخ له من قبل. يقصدون بذلك يوسف.
وفطن يوسف الى طعنِهم الخفيّ بقولهم: ﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ ساءه ذلك، لكنّه أسرّها، وقال في نفسه: ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ﴾ لانه العليم بحقائق الاشياء.
ثم أرادوا ان يستطعطفوه ليُطلقَ لهم بنيامين فيرِجعوا به الى أبيهم، لأنه قد أخذ عليهم ميثاقاً بان يردوه اليه، ﴿قَالُواْ ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً﴾ طاعنا في السن لا يكاد يستطيع فِراقه، ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ إلينا في ضيافتنا وتجهيزنا. قال: حاش لله ان نأخذ إلاّ م وجدْنا عندَه السقايةَ المسروقة. ولقد حكمتم بذلك حين قلتم: ﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾.
فلما انقطع منهم الأمل، ويئسوا من قبول الرجاء، اختَلَوا بأنفُسهم يتشاورون في موقفهم من ابيهم. فقال كبيرهم: لقد أخذ أبوكم عليكم عهداً من الله بِردِّ أخيكم. وقد سبق ان فرّطتم في يوسف، وعلى ذلك فإنني لي أبرح أرض مصر حتى يأذن لي أبي في القدوم عليه، او يحكم اللهُ في شأني وهو خير الحاكمين.
سولت لكم: زينت. تولى: اعرض. ابيضّت عيناه: صار عليهما غشاوة بيضاء من كثرة البكاء، او ما يسمى المياه الزرقاء. كظيم: مملوء غيظا. تفتأ تذكر: لا تفتأ تذكر، لا تزال. حرضا: مشرفا على الهلاك. بثّي: همّي. تحسّسوا: ابحثوا بكل حواسكم.
بعد ان تشاور إخوةُ يوسف في أمرهم اشار عليهم أكبرُهم أن يعودوا الى أبيهم ويخبروه بالأمر على حقيقته، فيقولوا له: ان ابنك سرق صواع الملك، وعوقب على ذلك باسترقاقه، ﴿وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ وحدَث تحت سمعنا وبصرنا. فإذا كنا يا أبانا في شك مما بلّغناك، فأرسل من يأتيك بشهادِة أهل مصر، او اسأل رفاقنا في القافلة لتظهر لك براءتنا.
فلما سمع يعقوب مقالتهم لم يصدّقهم، وقال في نفسه: هذا امر دبّروه لبنيامين كما دبروا أسوأ منه لأخيه يوسف من قبل. وزاد به الحزن حتى ابيضّت عيناه، وعاوده من الوجد انقضى امره، وقالوا: ألا تزال تذكر يوسف حتى تشرِف على الهلاك؟! فقال لهم: انما أشكوا ما بي من الحزن والحسرة الى الله، وأعلم منه ما لا تعملون. يا بَنيّ، ارجعوا الى مصر فانضموا الى أخيكم الكبير، وابحثوا جميعا عن يوسف وأخيه، ولا تقنطوا من رحمة الله أن يردَّهما، فلا يقنط من رحمة الله الا الكافرون.
الضر: المجاعة. ببضاعة مزجاة: قليلة آثرك: فضلك واختارك. لا تثريب عليكم: لا لوم ولا تأنيب.
واستجاب أبناء يعقوب لطلب أبيهم فذهبوا الى مصر، ودخلوا على يوسف مسترحمين، وقالوا: يا ايها العزيز، مسّنا وأهلَنا الضرُّ والجوع، وجئنا ببضاعة قليلة فأوف لنا الكيلَ وتصدَّق علينا، ان الله تعالى يكافئ المتصدّقين بأحسن الثواب.
فاخذت يوسف الشفقة الأخوية، وابتدأ يكشف امره لهم قائلا في عتب: هل أدركتُم قبح ما فعلتموه بيوسف من إلقائه في الجُبّ، وبأخيه من أذى؟!
نبهتهم تلك المفاجأة السارّة الى إدراك ان هذا يوسف، فقولوا مؤكدين: إنك لأنتَ يوسف حقا! فقال يوسف مصدّقا لهم: أنا يوسف، وهذا أخي، قد منّ الله علينا بالسلامة من المهالِك، وبالكرامة والسطان ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾.
فقولوا: صدقت فيما قلت... إن الله فضَّلك علينا بالتقوى والصبر وحُسن السيرة، وأثابَك بالمُلك وعلوّ المكانة، وكنّا نحن آثمين.
فرد عليهم النبيّ الكريم قائلا: لا لومَ عليكم اليوم، ولكم عندي الصفح الجميل، وليغفر الله لكم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين﴾.
ثم سألهم يوسف عن ابيه، فلما أخبروه عن حاله وسوءِ بصره، أعطاهم قميصَه وقال لهم: عودوا به الى أبي فاطرحوه على وجهِه، فسيفَرَح بسلامتي ويعودُ إليه بصرُه، وحنيئذ تعالوا به وبأهلِكم أجمعين.
قراءات:
قرأ ابن كثير: «انك» بهمزة واحدة. والباقون «أإنك» بهمزتين.
ولما توجهت القافلة نحو ديار الشام، وكان يعقوب مسغرِقا في ترقُّب ما تأتي به رحلةُ بنيه، قال: إني لأَشَمّ رائحة يوسف، ولولا خشيةُ أن تتهموني في قولي لأنبأتُكم عن يوسف بأكثر من الشعورِ والوجدان.
فقال من حضر وسمع مقاله: ﴿قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم﴾ يا يعقوب، من حبِّ يوسف لا تسلوه. ولم يطل الانتظار حتى جاء البشير الى يعقوب بسلامة يوسف وأخيه، والقى قميص يوسف على وجه يعقوب بصيراً وقرّت عينه وبشرّ نفسه باللقاء، فقال لمن لاموه وفنّدوا رأيه: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
فأقبلوا عليه معتذرِين عما كان منهم، وطلبوا منه ان يستغفر لهم ذنوبهم، واعترفوا بخطأهم، فقال لهم: سأظلّ أطلب لكم العفو من الله عن سيئاتكم، ﴿إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم﴾.
وتيهأ يعقوب وبنوه وأهله للسفر وشدّوا رحالَهم الى مصر، فلما بلغوها دخلوا على يوسف، فآوى إليه أبويه: يعقوب وزوجته، خالة يوسف، لان أمه ماتت وهو غصير، ورفعهما على العرش. وسجد له ابوه وزوجته واخوته الاحد عشر، وقال لابيه: يا أبت، هذا تأويل رؤياي من قبلُ، قد جعلها ربّي تتحقق، وقد أكرمني وأحسنَ إليّ، فأظهر براءتي وخلّصني من السجْن، وأتى بكم من البادية لنلتقي بعد ان افسد الشيطان بيني وبين إخوتي، وهذا كله من لطف الله بي وبكم، إن ربي لطيفٌ لمن يشاء انه هو العليم الحكيم.
واتجه يوسف الى الله بشكره قائلا: ربِّ ما أكثر عليَّ، وما أعظَمها! لقد منحتني المُلك ووهبتَني من العمل الكثير. يا خالق السماوات والأرض، أنت مالكُ أمري ومتولي نعمتي في محيايَ وبعد مماتي ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾ من آبائي ابراهيم واسحق ومن قبلهم، واحشُرني في زمرتهم.
ذلك الذي قَصصنا عليك ايها النبيّ (الرسول الكريم) من أخبار الماضي البعيد، لم يأتك الا عن طري الوحي منها، وما كنتَ حاضراً إخوةَ يوسف وهم يدبّرون له المكائد، وما علمتَ بكيدِهم الا عن طريقنا.
انتهت قصة يوسف اكبر قصة في القرآن الكريم كما تقدم.
غاشية: عقوبة شاملة. الساعة: القيامة. بغتة: فجأة.
﴿وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾.
انتهت قصة يوسف وبدأت بعد ذلك التعقيبات عليها، ومعها لفتات متنوعة، وجولات موحية في صفحة الكون وفي أغوار النفس، وفي الغيب المجهور، وكل هذا لولا وحيُ الله تعالى لما وصل الى علم النبيّ الكريم ﷺ.
لقد كان رسولُ الله حريصاً على إيمان قومه، رغبة في إيصيال الخير الذي جاء به إليهم، ورحمة لهم مما ينتظرُ المشركين من نكد الدنيا وعذاب الآخرة.
وما اكثرُ مشكركي قومك يا محمد- ولو حَرَصت على ان يؤمنوا بك ويتبعوا ما جئتهم به من عندك ربك - بمؤمنين.
﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾.
أنت غنيّ عن ايمانهم يا محمد، فلستَ تطلب منهم أجرا على الهداية ولا مالا ولا منفعة. انك انما تدعوهم ان يتبعوا أمر ربك، وفي ما تعدوهم اليه تذكير وموعظة لارشاد العالمين كافة الا لهم خاصة.
﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾.
ما اكثر الدلائل المبثوثة في تضاعيف الكون على وجود الخالق ووحدانيته وكماله. انها معروضة للابصار والبصائر، في السموات والارض، وهم يمرون عليها صباح مساء، ولكنهم لا يروْنها ولا يسمعون دعاءها ولا يحسون ايقاعها العميق.
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾.
قال ابن عباس: هم اهل مكّة آمنوا وأشركوا وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك، الا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. وهذا هو الشِرك الاعظم.
فايمان اكثرهم لا يقوم على اساس سليم من التوحيد، لأنهم لا يعترفون بوحدانية اله اعترافا خالصا، ولكنه مقترن في نفوسهم بشوائب تسلكهم في مسلك المشركين.
والشرك انواع، روى الامام احمد ان رسول الله قال: «انّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الاصغر، قالوا: وما الشِرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة اذا جاء الناس بأعمالهم: اذهبوا الى الّذين كنتم تراءون في الدّنيا فانظُروا هل تجشدون عندَهم من جزاء».
وبعد، فما الذي ينتظره أولئك المعرِضون عن آياتِ الله الناطقة في صفحات الوجود بعد اعراضهم عن آيات القرآن التي لا يُطلب منهم عليها أجر.
﴿أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾.
افأمِنَ هؤلاء الذين يؤمنون بالله لكنهم يشركون به غيره في العبادة، ان تاتيهم عقوبة شاملة تغشاهم، او تأتيهم الساعة فجأة حيث لا يتوقعون!!
هذا سبيلي: السبيل يذكر ويؤنث، هذا طريقي. على بصيرة: على حجة واضحة بأسنا: عقابنا عبرة: موعظة.
بعد ان بين الله تعالى ان اكثر الناس لايفكرون فيما في السموات والارض من آيات، تدل على ان الله هو الخالق المدبر- امر رسوله ان يخبر الناس ان طريقه هي الدعوة إلى اخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، يدعو بها هو ومن ابتعه على بصيرة واضحة وبرهان.
﴿قُلْ هذه سبيلي أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني وَسُبْحَانَ الله وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين﴾.
قل ايها الرسول: ان هذه الدعوة التي أدعو اليها هي سنتي ومنهاجي، وهي الطريق الى الله، وانا على يقين مما أدعو اليه ولديّ الحجّةُ والبرهان، وكذلك يفعل كل من تبعني وآمن بشريعتي، ونزه الله وعظمه عما لا يليق به، ﴿وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين﴾ وأبرأ من أهل الشِرك لست منهم.
وكان المشركون في مكةَ يقولون: لو أراد الله بإرسال لبعث مَلَكا، كما حكى عنهم سبحانه بقوله: ﴿لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: ١٤] فرد عليهم بقوله: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتقوا أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.
نحن لم نرسل الى الأمم السابقة إلا رجالاً نُنزل عليهم الوحي ونرسلهم مبشّرين ومنذِرين، فلم يكونوا ملائكة ولا خلقا آخر، بل بشرا مثلك.
ثم أتبعَ ذلك بتأنيبهم على تكذيب الرسول بتوجيه نظرهم الى آثار الغابرين كيف تركوا ديارهم خاوية على عروشها، فقال:
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض..... الخ﴾.
افلم يسِرء هؤلاء المشرِكون المكذّبون في الارض فينظروا كيف أهلكْنا الّذين كفروا قبلَهم كقومِ لوطٍ وصالحٍ وسائرِ من عذبهم الله من الأمم!!
﴿وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتقوا أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.
ان ثواب الآخرة أفضلُ، لأن نعيمها دائم، أفلا تفكرون في هذا الفرق أيّها لمكذبون بالآخرة!!
ثم ذرك سبحانه، تثبيتاً لفؤاد رسوله ﷺ، أن العاقبةَ دائما لرسُله، وان نصرهُ تعالى ينزل علهيم حين يضيق الحال فقال:
﴿حتى إِذَا استيأس الرسل وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين﴾.
لا تبتئس ايها الرسول، فان نصري قريبٌ اكيد، لكنه لا بدّ من الشدائد، حتى إذا يئس الرسلُ من إيمان من يدعونهم، وتيقنوا انهم جاءَهم نصرُنا، أنعمنا بالنجاةِ والسلامة على المؤمنين، ونَزَلَ عقابُنا بالمجرِمين المكذِّبين.
قراءات:
قرأ أهل الكوفة: كُذِبوا «بضم الكاف وكسر الذال بدون تشديد. وقرأ الباقون» كذّبوا «بتشديد الذال. وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب:» فَنُنْجِي «بضم النون وكسر الجيم وتشديدها.
268
وقرأ الباقون: «فنُجْى» بنونين على صغية الاستقبال.
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
إن في أخبار الانبياء واقوامهم عبرة وموعظة يستنير بها أصحاب العقول، وليس هذا القرآن حديثا مختلقا ولا أساطير مفتراة، وانما هو وحي يؤكد صدق ما سبق من كتب السماء ومن جاء بها من الرسل، ويبين كل ما يُحتاج الى تفصيله من أمور الدين، انه هدى لمن تدبّره وامعنَ النظرَ فيه ورحمةٌ عامة للمؤمنين الصادقين.
وهكذا تختتم سورة يوسف بمثل ما بدئت، وتجيء التعقيبات في أول القصة وآخرها وبين ثناياها متناسقةً مع موضوع القصة، وطريقة أدائها. وكما قدمنأ، بدأت القصةُ وانتهت في سورة واحدة، فيها مشاهدُ وألوان م الشدائد، ثم كانت العقابة خيراً للذين اتقَوا ربهم، وهذا هو وعد الله الصادق الذي لا يخيب.
ولقد بدأت السورة بقوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين﴾ وخُتمت بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
269
Icon