ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ تَعَالَى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١)).قَوْلُهُ تَعَالَى: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) : قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ يُونُسَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُرْآنًا) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِلْحَالِ الَّتِي هِيَ «عَرَبِيًّا» وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَالٌ، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ ; أَيْ مَجْمُوعًا أَوْ مُجْتَمَعًا، وَ «عَرَبِيًّا» صِفَةٌ لَهُ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَصِفُ الصِّفَةَ، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي الْمَصْدَرِ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ: يَحْتَمِلُ الضَّمِيرَ إِذَا وَقَعَ مَوْقِعَ مَا يَحْتَمِلُ الضَّمِيرَ.
قَالَ تَعَالَى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَحْسَنَ) : يَنْتَصِبُ انْتِصَابَ الْمَصْدَرِ.
(بِمَا أَوْحَيْنَا) :«مَا» مَصْدَرِيَّةٌ، وَ «هَذَا» مَفْعُولُ (أَوْحَيْنَا)، وَ (الْقُرْآنَ) : نَعْتٌ لَهُ أَوْ بَيَانٌ.
وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ جَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ «مَا» وَرَفْعُهُ عَلَى إِضْمَارِ هُوَ. وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِنَقُصُّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ أَحْسَنَ.
وَالْهَاءُ فِي «قَبْلِهِ» تَرْجِعُ عَلَى الْقُرْآنِ ; أَوْ عَلَى هَذَا، أَوْ عَلَى الْإِيحَاءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ) : أَيِ اذْكُرْ إِذْ. وَفِي (يُوسُفُ) سِتُّ لُغَاتٍ: ضَمُّ السِّينِ، وَفَتْحُهَا، وَكَسْرُهَا بِغَيْرِ هَمْزٍ فِيهِنَّ، وَبِالْهَمْزِ فِيهِنَّ، وَمِثْلُهُ يُونُسُ.
(يَا أَبَتِ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ التَّاءِ، وَالتَّاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ عِوَضًا مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهَذَا فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً، وَكُسِرَتِ التَّاءُ لِتَدُلَّ عَلَى الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ ; وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِهَا، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَذَفَ التَّاءَ الَّتِي هِيَ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ، كَمَا تُحْذَفُ تَاءُ طَلْحَةَ فِي التَّرْخِيمِ، وَزِيدَتْ بَدَلَهَا تَاءٌ أُخْرَى وَحُرِّكَتْ بِحَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا، كَمَا قَالُوا: يَا طَلْحَةَ أَقْبِلْ، بِالْفَتْحِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَبْدَلَ مِنَ الْكَسْرَةِ فَتْحَةً كَمَا يُبْدَلُ مِنَ الْيَاءِ أَلِفٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَرَادَ يَا «أَبَتَا» كَمَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ:
يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَوْ عَسَاكَا
فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ تَخْفِيفًا.
وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ ضَمَّ التَّاءِ لِشَبَهِهَا بِتَاءِ التَّأْنِيثِ.
فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى هَذَا الِاسْمِ فَبِالتَّاءِ عِنْدَ قَوْمٍ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ، فَيَبْقَى لَفْظُهَا دَلِيلًا عَلَى الْمَحْذُوفِ. وَبِالْهَاءِ عِنْدَ آخَرِينَ شَبَّهُوهَا بِهَاءِ التَّأْنِيثِ. وَقِيلَ: الْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ الْيَاءِ. وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ.
وَكَرَّرَ «رَأَيْتُ» تَفْخِيمًا لِطُولِ الْكَلَامِ ; وَجَعَلَ الضَّمِيرَ عَلَى لَفْظِ الْمُذَكَّرِ ; لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، مِنَ السُّجُودِ وَالطَّاعَةِ ; وَلِذَلِكَ جَمَعَ الصِّفَةَ جَمْعَ السَّلَامَةِ.
وَ (سَاجِدِينَ) حَالٌ ; لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رُؤْيَاكَ) : الْأَصْلُ الْهَمْزُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقُرِئَ بِوَاوٍ مَكَانَ الْهَمْزِ، لِانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُدْغِمُ، فَيَقُولُ رُيَّاكَ، فَأَجْرَى الْمُخَفَّفَةَ مَجْرَى الْأَصْلِيَّةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ الرَّاءَ لِتُنَاسِبَ الْيَاءَ. (فَيَكِيدُوا) : جَوَابُ النَّهْيِ. (كَيْدًا) فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَالْمَعْنَى: فَيَضَعُونَ لَكَ أَمْرًا يَكِيدُكَ، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الِاسْمِ ; وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) :[طه: ٦٤] أَيْ مَا تَكِيدُونَ بِهِ ; فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي اللَّامِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِكَ. وَالثَّانِي: هِيَ صِفَةٌ قُدِّمَتْ فَصَارَتْ حَالًا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُؤَكَّدًا ; وَعَلَى هَذَا فِي اللَّامِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
مِنْهَا الِاثْنَانِ الْمَاضِيَانِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً ; لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، وَمِنْهُ: ﴿فَإِن كَانَ لكم كيد فكيدون﴾
وَنَظِير زيادتها هُنَا (رَدِفَ لَكُمْ) [النَّمْلِ: ٧٢].
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)).
وَكَرَّرَ «رَأَيْتُ» تَفْخِيمًا لِطُولِ الْكَلَامِ ; وَجَعَلَ الضَّمِيرَ عَلَى لَفْظِ الْمُذَكَّرِ ; لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، مِنَ السُّجُودِ وَالطَّاعَةِ ; وَلِذَلِكَ جَمَعَ الصِّفَةَ جَمْعَ السَّلَامَةِ.
وَ (سَاجِدِينَ) حَالٌ ; لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رُؤْيَاكَ) : الْأَصْلُ الْهَمْزُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقُرِئَ بِوَاوٍ مَكَانَ الْهَمْزِ، لِانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُدْغِمُ، فَيَقُولُ رُيَّاكَ، فَأَجْرَى الْمُخَفَّفَةَ مَجْرَى الْأَصْلِيَّةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ الرَّاءَ لِتُنَاسِبَ الْيَاءَ. (فَيَكِيدُوا) : جَوَابُ النَّهْيِ. (كَيْدًا) فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَالْمَعْنَى: فَيَضَعُونَ لَكَ أَمْرًا يَكِيدُكَ، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الِاسْمِ ; وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) :[طه: ٦٤] أَيْ مَا تَكِيدُونَ بِهِ ; فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي اللَّامِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِكَ. وَالثَّانِي: هِيَ صِفَةٌ قُدِّمَتْ فَصَارَتْ حَالًا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُؤَكَّدًا ; وَعَلَى هَذَا فِي اللَّامِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
مِنْهَا الِاثْنَانِ الْمَاضِيَانِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً ; لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، وَمِنْهُ: ﴿فَإِن كَانَ لكم كيد فكيدون﴾
وَنَظِير زيادتها هُنَا (رَدِفَ لَكُمْ) [النَّمْلِ: ٧٢].
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)).
(إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ) : بَدَلَانِ مِنْ أَبَوَيْكَ.
قَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (آيَاتٌ) : يُقْرَأُ عَلَى الْجَمْعِ ; لِأَنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِمَّا جَرَى آيَةٌ.
وَيُقْرَأُ عَلَى الْإِفْرَادِ ; لِأَنَّ جَمِيعَهَا يَجْرِي مَجْرَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ.
وَقِيلَ: وُضِعَ الْوَاحِدُ مَوْضِعَ الْجَمْعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَصْلَ الْآيَةِ فِي الْبَقَرَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَرْضًا) : ظَرْفٌ لِاطْرَحُوهُ ; وَلَيْسَ بِمَفْعُولٍ بِهِ ; لِأَنَّ طَرَحَ لَا يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ. وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ ; لِأَنَّ اطْرَحُوهُ بِمَعْنَى أَنْزِلُوهُ، وَأَنْتَ تَقُولُ: أَنْزَلْتُ زَيْدًا الدَّارَ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (غَيَابَةِ الْجُبِّ) : يُقْرَأُ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَخْفَى مَنْ فِيهِ.
يَزِلُّ الْغُلَامُ الْخِفُّ عَنْ صَهَوَاتِهِ أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي الْجُبِّ مَوَاضِعُ عَلَى ذَلِكَ. وَفِيهِ قِرَاءَاتٌ أُخَرُ ظَاهِرَةٌ لَمْ نُطِلْ بِذِكْرِهَا.
(يَلْتَقِطْهُ) : الْجُمْهُورُ عَلَى الْيَاءِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ بَعْضٍ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى ; إِذْ بَعْضُ السَّيَّارَةِ سَيَّارَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَأْمَنَّا) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْإِشَارَةِ إِلَى ضَمَّةِ النُّونِ الْأُولَى ; فَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَلِسُ الضَّمَّةَ بِحَيْثُ يُدْرِكُهَا السَّمْعُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِضَمِّ الشَّفَةِ فَلَا يُدْرِكُهَا السَّمْعُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْغِمُهَا مِنْ غَيْرِ إِضْمَامٍ، وَفِي الشَّاذِّ مَنْ يُظْهِرُ النُّونَ ; وَهُوَ الْقِيَاسُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَرْتَعْ) : الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ آخِرُ الْفِعْلِ، وَمَاضِيهِ رَتَعَ ; فَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُهَا عَلَى الْجَوَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَضُمُّهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ حَالًا مُقَدَّرَةً. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرَؤُهَا بِالنُّونِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرَؤُهَا بِالْيَاءِ.
وَيُقْرَأُ نَرْتَعِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَهُوَ يَفْتَعِلُ مِنْ رَعَى ; أَيْ تَرْعَى مَاشِيَتُنَا، أَوْ نَأْكُلُ نَحْنُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) : الْأَصْلُ فِي الذِّئْبِ الْهَمْزُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَذَأَّبَتِ الرِّيحُ ; إِذَا جَاءَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ; كَمَا أَنَّ الذِّئْبَ كَذَلِكَ.
وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ عَلَى التَّخْفِيفِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ «عُصْبَةً» بِالنَّصْبِ ; وَهُوَ بَعِيدٌ. وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ حَذَفَ الْخَبَرَ وَنَصَبَ هَذَا عَلَى الْحَالِ ; أَيْ: وَنَحْنُ نَتَعَصَّبُ، أَوْ نَجْتَمِعُ عُصْبَةً.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا ذَهَبُوا) : جَوَابُ «لَمَّا» مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: عَرَّفْنَاهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ; وَعَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ الْجَوَابُ: «أَوْحَيْنَا» وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ.
وَ (أَجْمَعُوا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مَعَهُ «قَدْ» مُرَادَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عِشَاءً) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ ظَرْفٌ ; أَيْ وَقْتَ الْعِشَاءِ، وَ «يَبْكُونَ» حَالٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جَمْعَ عَاشٍ، كَقَائِمٍ وَقِيَامٍ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْعَيْنِ ; وَالْأَصْلُ عُشَاةٌ، مِثْلَ غَازٍ وَغُزَاةٍ، فَحُذِفَتِ الْهَاءُ وَزِيدَتِ الْأَلِفُ عِوَضًا مِنْهَا، ثُمَّ قُلِبَتِ الْأَلِفُ هَمْزَةً.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ فَاعِلًا عَلَى فِعَالٍ، كَمَا جُمِعَ فَعِيلٌ عَلَى فِعَالٍ لِقُرْبِ مَا بَيْنَ الْكَسْرِ وَالضَّمِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَتُؤَامٍ وَرُبَابٍ، وَهُوَ شَاذٌّ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلَى قَمِيصِهِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ حَالًا مِنَ الدَّمِ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: جَاءُوا بِدَمٍ كَذِبٍ عَلَى قَمِيصِهِ. وَ (كَذِبٍ) : بِمَعْنَى ذِي كَذِبٍ. وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ بِالدَّالِ، وَالْكَدَبُ: النُّقَطُ الْخَارِجَةُ عَلَى أَطْرَافِ الْأَحْدَاثِ، فَشَبَّهَ الدَّمَ اللَّاصِقَ عَلَى الْقَمِيصِ بِهَا.
وَقِيلَ: الْكَدَبُ: الطَّرِيُّ.
(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) : أَيْ فَشَأْنِي، فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ ; وَإِنْ شِئْتَ كَانَ الْمَحْذُوفُ الْخَبَرَ ; أَيْ فَلِي، أَوْ عِنْدِي.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بُشْرَايَ) : يُقْرَأُ بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ، مِثْلَ: عَصَايَ ; وَإِنَّمَا فُتِحَتِ الْيَاءُ مِنْ أَجْلِ الْأَلِفِ.
وَيُقْرَأُ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَعَلَى الْأَلِفِ ضَمَّةٌ مُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّهُ مُنَادًى مَقْصُودٌ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا مِثْلَ قَوْلِهِ: (يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) [يس: ٣٠].
(أَسَرُّوهُ) : الْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْإِخْوَةِ. وَقِيلَ: السَّيَّارَةُ. وَ «بِضَاعَةً» حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَخْسٍ) : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ ; أَيْ مَبْخُوسٍ ; أَوْ ذِي بَخْسٍ. وَ (دَرَاهِمَ) بَدَلٌ مِنْ ثَمَنٍ.
وَ (وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) : قَدْ ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [الْبَقَرَةِ: ١٣٠] (وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ) [الْمَائِدَةِ: ١١٣].
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ مِصْرَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْفِعْلِ ; كَقَوْلِكَ: اشْتَرَيْتُ مِنْ بَغْدَادَ ; أَيْ فِيهَا، أَوْ بِهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ «الَّذِي» أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «اشْتَرَى» فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ.
(وَلِنُعَلِّمَهُ) : اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ; أَيْ وَلِنُعَلِّمَهُ مَكَّنَّاهُ. وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) [الْبَقَرَةِ: ١٨٥] وَغَيْرِهِ. وَالْهَاءُ فِي (أَمْرِهِ) : يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ تَعُودَ عَلَى يُوسُفَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَوْلَا أَنْ رَأَى) : جَوَابُ «لَوْلَا» مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَهَمَّ بِهَا، وَالْوَقْفُ عَلَى هَذَا: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمْ يَهِمَّ بِهَا.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لَوْلَا أَنْ رَأَى الْبُرْهَانَ لَوَاقَعَ الْمَعْصِيَةَ.
(كَذَلِكَ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ; أَيْ الْأَمر كَذَلِك
وَقيل فِي مَوضِع نصب أَي رُؤْيَةٌ كَذَلِكَ.
وَاللَّامُ فِي «لِنَصْرِفَ» مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَحْذُوفِ.
وَ (الْمُخْلَصِينَ) بِكَسْرِ اللَّامِ ; أَيِ الْمُخْلِصِينَ أَعْمَالَهُمْ. وَبِفَتْحِهَا ; أَيْ أَخْلَصَهُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ دُبُرٍ) : الْجُمْهُورُ عَلَى الْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ.
وَقُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ بِثَلَاثِ ضَمَّاتٍ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ ; وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ ; لِأَنَّهُ قُطِعَ عَنِ الْإِضَافَةِ ; وَالْأَصْلُ مِنْ دُبُرِهِ وَقُبُلِهِ، ثُمَّ فُعِلَ فِيهِ مَا فُعِلَ فِي قَبْلُ وَبَعْدُ ; وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَا تَلْزَمُهُ كَمَا تَلْزَمُ الظُّرُوفُ الْمَبْنِيَّةُ لِقَطْعِهَا عَنِ الْإِضَافَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُوسُفُ أَعْرِضْ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الْفَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: يَا يُوسُفُ.
وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ بِالْفَتْحِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَخْرَجَهُ عَلَى أَصْلِ الْمُنَادَى، كَمَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ: يَا عَدِيًّا لَقَدْ وَقَتْكَ الْأَوَاقِي
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ أَيْضًا بِضَمِّ الْفَاءِ، وَأَعْرِضْ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي ; وَفِيهِ ضَعْفٌ، لِقَوْلِهِ: «وَاسْتَغْفِرِي» وَكَانَ الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ بِالْفَاءِ فَاسْتَغْفِرِي.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نِسْوَةٌ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ النُّونِ، وَضَمِّهَا ; وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَأَلِفُ «الْفَتَى» مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ، لِقَوْلِهِمْ فَتَيَانِ، وَالْفُتُوَّةُ شَاذٌّ.
(قَدْ شَغَفَهَا) : يُقْرَأُ بِالْغَيْنِ، وَهُوَ مِنْ شَغَافِ الْقَلْبِ، وَهُوَ غِلَافُهُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَصَابَ شَغَافَ قَلْبِهَا، وَأَنَّ حُبَّهُ صَارَ مُحْتَوِيًا عَلَى قَلْبِهَا كَاحْتِوَاءِ الشَّغَافِ عَلَيْهِ.
وَيُقْرَأُ بِالْعَيْنِ ; وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: فُلَانٌ مَشْعُوفٌ بِكَذَا ; أَيْ مُغْرَمٌ بِهِ وَمُولَعٌ.
وَ (حُبًّا) تَمْيِيزٌ، وَالْأَصْلُ قَدْ شَغَفَهَا حُبُّهُ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «تُرَاوِدُ» أَوْ مِنَ «الْفَتَى».
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَعْتَدَتْ) : هُوَ مِنَ الْعَتَادِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُهَيَّأُ لِلْأَمْرِ.
(مُتَّكَأً) : الْجُمْهُورُ عَلَى تَشْدِيدِ التَّاءِ وَالْهَمْزِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مُوتَكَأً ; مِنْ تَوَكَّأْتُ، وَيُرَادُ بِهِ الْمَجْلِسُ الَّذِي يُتَّكَأُ فِيهِ ; فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ تَاءً وَأُدْغِمَتْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَبِّ السِّجْنُ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّ النُّونِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَ «أَحَبُّ» : خَبَرُهُ. وَالْمُرَادُ الْمَحْبِسُ ; وَالتَّقْدِيرُ: سُكْنَى السِّجْنِ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ.
وَيُقْرَأُ «رَبُّ» بِضَمِّ الْبَاءِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ، «وَالسِّجْنُ» بِكَسْرِ السِّينِ، وَالْجَرِّ عَلَى الْإِضَافَةِ ; أَيْ صَاحِبُ السِّجْنِ. وَالتَّقْدِيرُ: لِقَاؤُهُ أَوْ مُقَاسَاتُهُ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَدَا لَهُمْ) : فِي فَاعِلِ «بَدَا» ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هُوَ مَحْذُوفٌ، وَ (لَيَسْجُنُنَّهُ) : قَائِمٌ مَقَامَهُ ; أَيْ بَدَا لَهُمُ السِّجْنُ، فَحُذِفَ وَأُقِيمَتِ الْجُمْلَةُ مَقَامَهُ، وَلَيْسَتِ الْجُمْلَةُ فَاعِلًا ; لِأَنَّ الْجُمَلَ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاعِلَ مُضْمَرٌ، وَهُوَ مَصْدَرُ بَدَا ; أَيْ بَدَا لَهُمْ بِدَاءٌ، فَأُضْمِرَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْفَاعِلَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ; أَيْ بَدَا لَهُمْ رَأَىٌ ; أَيْ فَأُضْمِرَ أَيْضًا. وَ (حَتَّى) : مُتَعَلِّقَةٌ بِيَسْجُنُنَّهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ السِّينِ، وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا ; وَالتَّقْدِيرُ: مَوْضِعَ السِّجْنِ، أَوْ فِي السِّجْنِ.
وَ (قَالَ) : مُسْتَأْنَفٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْمَنَامَ حَالَ دُخُولِهِ، وَلَا هُوَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْمَنَامِ.
(فَوْقَ رَأْسِي) : ظَرْفٌ لِأَحْمِلُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْخُبْزِ. وَ «تَأْكُلُ» : صِفَةٌ لَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ) :«أَمْ» هُنَا مُتَّصِلَةٌ.
(سَمَّيْتُمُوهَا) : يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ حُذِفَ الثَّانِي ; أَيْ سَمَّيْتُمُوهَا آلِهَةً.
وَ «أَسْمَاءً» هُنَا بِمَعْنَى مُسَمَّيَاتٍ، أَوْ ذَوِي أَسْمَاءٍ ; لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يُعْبَدُ.
(أَمَرَ أَلَّا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا، وَ (قَدْ) مَعَهُ مُرَادَةٌ ; وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ الْعَامِلِ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْهُمَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِنَاجٍ ; وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الَّذِي ; وَلَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِنَاجٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (٤٣))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سِمَانٍ) : صِفَةٌ لِبَقَرَاتٍ. وَيَجُوزُ فِي الْكَلَامِ نَصْبُهُ نَعْتًا لِسَبْعٍ.
وَ (يَأْكُلُهُنَّ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ، أَوْ نَصْبٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَمِثْلُهُ «خُضْرٍ».
(لِلرُّؤْيَا) : اللَّامُ فِيهِ زَائِدَةٌ تَقْوِيَةً لِلْفِعْلِ لَمَّا تَقَدَّمَ مَفْعُولُهُ عَلَيْهِ ; وَيَجُوزُ حَذْفُهَا فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: عَبَّرْتُ الرُّؤْيَا.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ) : أَيْ هَذِهِ.
(بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ) : أَيْ بِتَأْوِيلِ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ ; لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوا الْجَهْلَ بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَجَا مِنْهُمَا) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ ; وَلَيْسَ بِمَفْعُولٍ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ «الَّذِي».
وَ (ادَّكَرَ) : أَصْلُهُ اذْتَكَرَ، فَأُبْدِلَتِ الذَّالُ دَالًا وَالتَّاءُ دَالًا، وَأُدْغِمَتِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ، لِيَتَقَارَبَ الْحَرْفَانِ.
وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ ; وَوَجْهُهَا أَنَّهُ قَلَبَ التَّاءَ ذَالًا وَأَدْغَمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَعْدَ أُمَّةٍ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِكَسْرِهَا ; أَيْ نِعْمَةٍ، وَهِيَ خَلَاصُهُ مِنَ السِّجْنِ ; وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى حِينٍ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَهَاءٍ مُنَوَّنَةٍ ; وَهُوَ النِّسْيَانُ، يُقَالُ: أَمِهَ يَأْمَهُ أَمَهًا.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (دَأَبًا) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ; أَيْ تَدْأَبُونَ ; وَدَلَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَيُقْرَأُ بِإِسْكَانِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا ; وَالْفِعْلُ مِنْهُ دَأَبَ دَأْبًا، وَدَئِبَ دَأْبًا.
وَيُقْرَأُ بِأَلِفٍ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ عَلَى التَّخْفِيفِ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَعْصِرُونَ) : يُقْرَأُ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ وَالْفَتْحِ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ يَعْصِرُونَ الْعِنَبَ لِكَثْرَةِ الْخِصْبِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ رَاوَدْتُنَّ) : الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ: خَطْبُكُنَّ ; وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ، وَيَعْمَلُ بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ: مَا أَرَدْتُنَّ، أَوْ مَا فَعَلْتُنَّ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ) : أَيِ الْأَمْرُ ذَلِكَ، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أَظْهَرَ اللَّهُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) : فِي «مَا» وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، وَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ ; وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا وَقْتَ رَحْمَةِ رَبِّي ; وَنَظِيرُهُ: وَ (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النِّسَاءِ: ٢] وَقَدْ ذَكَرُوا انْتِصَابَهُ عَلَى الظَّرْفِ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ: مَا قُمْتُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمْعَةِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ تَكُونَ «مَا» بِمَعْنَى مَنْ ; وَالتَّقْدِيرُ إِنَّ النَّفْسَ لَتَأْمُرُ بِالسُّوءِ إِلَّا لِمَنْ رَحِمَ رَبِّي ; أَوْ إِلَّا نَفْسًا رَحِمَهَا رَبِّي فَإِنَّهَا لَا تَأْمُرُ بِالسُّوءِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ) : حَيْثُ: ظَرْفٌ لِيَتَبَوَّأُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا
وَ (يَشَاءُ) بِالْيَاءِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ يُوسُفَ. وَبِالنُّونِ ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَى التَّعْظِيمِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ ضَمِيرَ يُوسُفَ ; لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ.
وَاللَّامُ فِي «لِيُوسُفَ» زَائِدَةٌ ; أَيْ مَكَّنَا يُوسُفَ.
وَيَجُوزُ أَنْ لَا تَكُونَ زَائِدَةً، وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا ; أَيْ مَكَّنَا لِيُوسُفَ الْأُمُورَ.
وَ (يَتَبَوَّأُ) : حَالٌ مِنْ يُوسُفَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِفِتْيَتِهِ) : يُقْرَأُ بِالتَّاءِ عَلَى فِعْلَةٍ، وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ مِثْلَ صِبْيَةٍ. وَبِالنُّونِ مِثْلَ غِلْمَانٍ، وَهُوَ مِنْ جُمُوعِ الْكَثْرَةِ ; وَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَاقِعًا مَوْقِعَ جَمْعِ الْقِلَّةِ.
(إِذَا انْقَلَبُوا) : الْعَامِلُ فِي إِذَا: «يَعْرِفُونَهَا».
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَكْتَلْ) : يُقْرَأُ بِالنُّونِ ; لِأَنَّ إِرْسَالَهُ سَبَبٌ فِي الْكَيْلِ لِلْجَمَاعَةِ. وَبِالْيَاءِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الْأَخُ ; وَلَمَا كَانَ هُوَ السَّبَبَ نُسِبَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ ; فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكِيلُ لِلْجَمَاعَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)).
(خَيْرٌ حَافِظًا) : يُقْرَأُ بِالْأَلِفِ، وَهُوَ تَمْيِيزٌ ; وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ، وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ.
وَيُقْرَأُ «حِفْظًا» وَهُوَ تَمْيِيزٌ لَا غَيْرَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رُدَّتْ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الرَّاءِ، وَهُوَ الْأَصْلُ.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِهَا ; وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَقَلَ كَسْرَةَ الْعَيْنِ إِلَى الْفَاءِ، كَمَا فَعَلَ فِي قِيلَ وَبِيعَ، وَالْمُضَاعَفُ يُشْبِهُ الْمُعْتَلَّ.
(مَا نَبْغِي) :«مَا» : اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِنَبْغِي. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً ; وَيَكُونُ فِي (نَبْغِي) وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى نَطْلُبُ ; فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا ; أَيْ مَا نَطْلُبُ الظُّلْمَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَازِمًا بِمَعْنَى: مَا نَتَعَدَّى.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) : هُوَ جَوَابُ قَسَمٍ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمِيثَاقَ بِمَعْنَى الْيَمِينِ.
(إِلَّا أَنْ يُحَاطَ) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجِنْسِ ; وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ) فِي جَوَابِ «لَمَّا» وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ آوَى، وَهُوَ جَوَابُ «لَمَّا» الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ ; كَقَوْلِكَ: لَمَّا جِئْتُكَ وَلَمَّا كَلَّمْتُكَ أَجَبْتَنِي، وَحَسَّنَ ذَلِكَ أَنَّ دُخُولَهُمْ عَلَى يُوسُفَ يَعْقُبُ دُخُولَهُمْ مِنَ الْأَبْوَابِ.
وَالثَّانِي: هُوَ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: امْتَثَلُوا أَوْ قَضَوْا حَاجَةَ أَبِيهِمْ وَنَحْوُهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مَعْنَى «مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ».
وَ (حَاجَةً) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَفَاعِلُ يُغْنِي «التَّفَرُّقُ».
قَالَ تَعَالَى: (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَالَ إِنِّي أَنَا) : هُوَ مُسْتَأْنَفٌ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا اقْتَضَى جَوَابًا وَذُكِرَ جَوَابُهُ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدَهُ «قَالَ» فَهِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (٧٣) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (صُوَاعَ الْمَلِكِ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الصَّادِ، وَأَلِفٍ بَعْدِ الْوَاوِ.
وَيُقْرَأُ بِغَيْرِ أَلِفٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَضُمُّ الصَّادَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُهَا.
وَيُقْرَأُ «صَاعَ الْمَلِكِ». وَكُلُّ ذَلِكَ لُغَاتٌ فِيهِ، وَهُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُشْرَبُ بِهِ.
(قَالُوا جَزَاؤُهُ) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; تَقْدِيرُهُ: جَزَاؤُهُ عِنْدَنَا كَجَزَائِهِ عِنْدَكُمْ، وَالْهَاءُ تَعُودُ عَلَى السَّارِقِ، أَوْ عَلَى السَّرَقِ. وَفِي الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ دَلِيلٌ عَلَيْهِمَا ; فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: (مَنْ وُجِدَ) : مُبْتَدَأً، وَ «فَهُوَ» مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَ (جَزَاؤُهُ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي، وَالْمُبْتَدَأُ الثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ الْأَوَّلِ.
وَ (مَنْ) شَرْطِيَّةٌ، وَالْفَاءُ جَوَابُهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي خَبَرِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِبْهَامِ، وَالتَّقْدِيرُ: اسْتِعْبَادُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ - أَيِ الِاسْتِعْبَادُ - جَزَاءُ السَّارِقِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي جَزَائِهِ لِلسَّرَقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ «جَزَاؤُهُ» مُبْتَدَأً، وَ «مَنْ وُجِدَ» خَبَرُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: اسْتِعْبَادُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ، وَ «فَهُوَ جَزَاؤُهُ» مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَعْنَى الْأَوَّلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ جَزَاؤُهُ مُبْتَدَأً، وَمَنْ وُجِدَ: مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَ «فَهُوَ» مُبْتَدَأٌ ثَالِثٌ، وَ «جَزَاؤُهُ» خَبَرُ الثَّالِثِ، وَالْعَائِدُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ الْهَاءُ الْأَخِيرَةُ، وَعَلَى الثَّانِي هُوَ.
(كَذَلِكَ نَجْزِي) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; أَيْ جَزَاءً مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وِعَاءِ أَخِيهِ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ الْوَاوِ، وَهُوَ الْأَصْلُ ; لِأَنَّهُ مِنْ: وَعَى يَعِي.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: فَاسْتَخْرَجَهَا مِنْهُ، لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ؟. قِيلَ: لَمْ يُصَرِّحْ بِتَفْتِيشِ وِعَاءِ أَخِيهِ حَتَّى يُعِيدَ ذِكْرَهُ مُضْمَرًا، فَأَظْهَرَهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى الْمَحْذُوفِ، فَتَقْدِيرُهُ: ثُمَّ فَتَّشَ وِعَاءَ أَخِيهِ، فَاسْتَخْرَجَهَا مِنْهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ كِدْنَا)، وَ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ)، وَ (دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) : كُلُّ ذَلِكَ قَدْ ذُكِرَ.
(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) : يُقْرَأُ شَاذًّا «ذِي عَالِمٍ» وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: هُوَ مَصْدَرٌ كَالْبَاطِلِ. وَالثَّانِي: ذِي زَائِدَةٌ، وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ، كَقَوْلِ الْكُمَيْتِ:
إِلَيْكُمْ ذَوِي آلِ النَّبِيِّ
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَضَافَ الِاسْمَ إِلَى الْمُسَمَّى ; وَهُوَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ذِي مُسَمَّى عَالِمٍ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَسَرَّهَا) : الضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى نِسْبَتِهِمْ إِيَّاهُ إِلَى السَّرَقِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: فَاسْتَخْرَجَهَا مِنْهُ، لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ؟. قِيلَ: لَمْ يُصَرِّحْ بِتَفْتِيشِ وِعَاءِ أَخِيهِ حَتَّى يُعِيدَ ذِكْرَهُ مُضْمَرًا، فَأَظْهَرَهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى الْمَحْذُوفِ، فَتَقْدِيرُهُ: ثُمَّ فَتَّشَ وِعَاءَ أَخِيهِ، فَاسْتَخْرَجَهَا مِنْهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ كِدْنَا)، وَ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ)، وَ (دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) : كُلُّ ذَلِكَ قَدْ ذُكِرَ.
(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) : يُقْرَأُ شَاذًّا «ذِي عَالِمٍ» وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: هُوَ مَصْدَرٌ كَالْبَاطِلِ. وَالثَّانِي: ذِي زَائِدَةٌ، وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ، كَقَوْلِ الْكُمَيْتِ:
إِلَيْكُمْ ذَوِي آلِ النَّبِيِّ
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَضَافَ الِاسْمَ إِلَى الْمُسَمَّى ; وَهُوَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ذِي مُسَمَّى عَالِمٍ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَسَرَّهَا) : الضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى نِسْبَتِهِمْ إِيَّاهُ إِلَى السَّرَقِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ.
وَ (مَكَانًا) : تَمْيِيزٌ ; أَيْ شَرٌّ مِنْهُ، أَوْ مِنْهُمَا.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ) : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ خُذْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى ; أَيِ اجْعَلْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (٧٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَعَاذَ اللَّهِ) : هُوَ مَصْدَرٌ ; وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ أَنْ نَأْخُذَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (اسْتَيْأَسُوا) : يُقْرَأُ بِيَاءٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ، وَهُوَ مِنْ يَئِسَ.
وَيُقْرَأُ اسْتَيْأَسُوا - بِأَلِفٍ بَعْدَ التَّاءِ وَقَبْلَ الْيَاءِ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ ; يُقَالُ: يَئِسَ وَأَيِسَ، وَالْأَصْلُ تَقْدِيمُ الْيَاءِ، وَعَلَيْهِ تَصَرُّفُ الْكَلِمَةِ ; فَأَمَّا «إِيَاسٌ» اسْمُ رَجُلٍ فَلَيْسَ مَصْدَرَ هَذَا الْفِعْلِ ; بَلْ مَصْدَرُ أَسْتُهُ ; أَيْ أَعْطَيْتُهُ إِلَّا أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي الْآيَةِ قُلِبَتْ أَلِفًا تَخْفِيفًا.
(نَجِيًّا) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي «خَلَصُوا»، وَهُوَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ ; أَيْ أَنْجِيَةٌ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) [الْحَجُّ: ٥].
وَ (مِنْ قَبْلُ) : أَيْ وَمِنْ قَبْلِ ذَلِكَ.
(مَا فَرَّطْتُمْ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ ;
وَ (مَكَانًا) : تَمْيِيزٌ ; أَيْ شَرٌّ مِنْهُ، أَوْ مِنْهُمَا.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ) : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ خُذْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى ; أَيِ اجْعَلْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (٧٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَعَاذَ اللَّهِ) : هُوَ مَصْدَرٌ ; وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ أَنْ نَأْخُذَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (اسْتَيْأَسُوا) : يُقْرَأُ بِيَاءٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ، وَهُوَ مِنْ يَئِسَ.
وَيُقْرَأُ اسْتَيْأَسُوا - بِأَلِفٍ بَعْدَ التَّاءِ وَقَبْلَ الْيَاءِ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ ; يُقَالُ: يَئِسَ وَأَيِسَ، وَالْأَصْلُ تَقْدِيمُ الْيَاءِ، وَعَلَيْهِ تَصَرُّفُ الْكَلِمَةِ ; فَأَمَّا «إِيَاسٌ» اسْمُ رَجُلٍ فَلَيْسَ مَصْدَرَ هَذَا الْفِعْلِ ; بَلْ مَصْدَرُ أَسْتُهُ ; أَيْ أَعْطَيْتُهُ إِلَّا أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي الْآيَةِ قُلِبَتْ أَلِفًا تَخْفِيفًا.
(نَجِيًّا) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي «خَلَصُوا»، وَهُوَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ ; أَيْ أَنْجِيَةٌ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) [الْحَجُّ: ٥].
وَ (مِنْ قَبْلُ) : أَيْ وَمِنْ قَبْلِ ذَلِكَ.
(مَا فَرَّطْتُمْ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ ;
وَقِيلَ: هُوَ ضَعِيفٌ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّ فِيهِمَا فَصْلًا بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.
فَأَمَّا خَبَرُ إِنَّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي يُوسُفَ ; وَهُوَ الْأَوْلَى لِئَلَّا يُجْعَلَ «مِنْ قَبْلُ» خَبَرًا.
(فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) : هُوَ مَفْعُولُ أَبْرَحَ ; أَيْ لَنْ أُفَارِقَ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا.
قَالَ تَعَالَى: (ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (٨١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَرَقَ) : يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ ; أَيْ فِيمَا ظَهَرَ لَنَا.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا ; أَيْ نُسِبَ إِلَى السَّرَقِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٨٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) : أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ ; وَجَازَ حَذْفُ الْمُضَافِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَلْتَبِسُ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْعِيرَ الَّتِي... (٨٢)) فَيُرَادُ بِهَا الْإِبِلُ ; فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُضَافُ مَحْذُوفًا أَيْضًا ; أَيْ أَصْحَابَ الْعِيرِ ; وَقِيلَ: الْعِيرُ: الْقَافِلَةُ، وَهُمُ النَّاسُ الرَّاجِعُونَ مِنَ السَّفَرِ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ فِيهِ حَذْفٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَسَفَى) : الْأَلِفُ مُبْدَلَةٌ مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْأَصْلُ أَسَفِي فَفُتِحَتِ الْفَاءُ وَصُيِّرَتِ الْيَاءُ أَلِفًا لِيَكُونَ الصَّوْتُ بِهَا أَتَمَّ.
وَ (عَلَى) : مُتَعَلِّقَةٌ بِأَسَفَى.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٨٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَفْتَأُ) : أَيْ لَا تَفْتَأُ، فَحُذِفَتْ «لَا» لِلْعِلْمِ بِهَا.
وَ (تَذْكُرُ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرِ تَفْتَأُ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (٨٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) : الْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الرَّاءِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ، إِلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْفِعْلِ مِنْهُ قَلِيلٌ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِالزِّيَادَةِ مِثْلَ أَرَاحَ، وَرَوَّحَ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ فِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، مِثْلَ الشَّرْبِ وَالشُّرْبِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُزْجَاةٍ) : أَلِفُهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ، أَوْ عَنْ وَاوٍ، لِقَوْلِهِمْ زَجَا الْأَمْرُ يَزْجُو.
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) : أَيِ الْمَكِيلَ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)).
(مَنْ يَتَّقِ) : الْجُمْهُورُ عَلَى حَذْفِ الْيَاءِ. وَ «مَنْ» شَرْطٌ، وَالْفَاءُ جَوَابُهُ.
وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَشْبَعَ كَسْرَةَ الْقَافِ، فَنَشَأَتِ الْيَاءُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدَّرَ الْحَرَكَةَ عَلَى الْيَاءِ، وَحَذَفَهَا بِالْجَزْمِ، وَجَعَلَ حَرْفَ الْعِلَّةِ كَالصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ جَعَلَ «مَنْ» بِمَعْنَى الَّذِي فَالْفِعْلُ عَلَى هَذَا مَرْفُوعٌ.
وَ (يَصْبِرْ) - بِالسُّكُونِ - فِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَذَفَ الضَّمَّةَ لِئَلَّا تَتَوَالَى الْحَرَكَاتُ، أَوْ نَوَى الْوَقْفَ عَلَيْهِ، وَأَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ. وَالثَّانِي: هُوَ مَجْزُومٌ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ «مَنْ» هُنَا وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الَّذِي، وَلَكِنَّهَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْعُمُومِ وَالْإِبْهَامِ وَمِنْ هُنَا دَخَلَتِ الْفَاءُ فِي خَبَرِهَا، وَنَظِيرُهُ «فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ» - فِي قِرَاءَةِ مَنْ جَزَمَ.
وَالْعَائِدُ مِنَ الْخَبَرِ مَحْذُوفٌ ; تَقْدِيرُهُ: الْمُحْسِنِينَ مِنْهُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ ; أَيْ لَا نُضِيعُ أَجْرَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَثْرِيبَ) : فِي خَبَرِ «لَا» وَجْهَانِ ;
وَقِيلَ: هِيَ لِلتَّبْيِينِ كَاللَّامِ فِي قَوْلِهِمْ سَقْيًا لَكَ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ «عَلَى» بِتَثْرِيبٍ، وَلَا نَصْبُ «الْيَوْمَ» بِهِ، لِأَنَّ اسْمَ «لَا» إِذَا عَمِلَ يُنَوَّنُ.
قَالَ تَعَالَى: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِقَمِيصِي) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ ; أَيِ احْمِلُوا قَمِيصِي. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا ; أَيِ اذْهَبُوا وَقَمِيصِي مَعَكُمْ.
وَ (بَصِيرًا) حَالٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سُجَّدًا) : حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّ السُّجُودَ يَكُونُ بَعْدَ الْخُرُورِ.
(رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ) : الظَّرْفُ حَالٌ مِنْ «رُؤْيَايَ» لِأَنَّ الْمَعْنَى رُؤْيَايَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ قَبْلُ ; وَالْعَامِلُ فِيهَا هَذَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلرُّؤْيَا ; أَيْ تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهَا «تَأْوِيلُ» لِأَنَّ التَّأْوِيلَ كَانَ مِنْ حِينِ وُقُوعِهَا هَكَذَا، وَالْآنَ ظَهَرَ لَهُ.
وَ (قَدْ جَعَلَهَا) : حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً.
وَ (حَقًّا) : صِفَةُ مَصْدَرٍ ; أَيْ جَعْلًا حَقًّا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثَانِيًا ; وَجَعَلَ بِمَعْنَى صَيَّرَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا ; أَيْ وَضَعَهَا صَحِيحَةً.
وَ
(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) : قِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى إِلَى. وَقِيلَ: هِيَ عَلَى بَابِهَا، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: وَقَدْ أَحْسَنَ صُنْعَهُ بِي.
وَ (إِذْ) : ظَرْفٌ لِأَحْسَنَ، أَوْ لِصُنْعِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْمُلْكِ) : وَ «مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ» قِيلَ: الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ عَظِيمًا مِنَ الْمُلْكِ، وَحَظًّا مِنَ التَّأْوِيلِ.
وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ. وَقِيلَ: «مِنْ» لِبَيَانِ الْجِنْسِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٠٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى الْجَرِّ عَطْفًا عَلَى السَّمَاوَاتِ، وَالضَّمِيرُ فِي «عَلَيْهَا» لِلْآيَةِ. وَقِيلَ: لِلْأَرْضِ ; فَيَكُونُ «يَمُرُّونَ» حَالًا مِنْهَا ; وَقِيلَ: مِنْهَا وَمِنَ السَّمَاوَاتِ.
وَمَعْنَى يَمُرُّونَ: يُشَاهِدُونَ، أَوْ يَعْلَمُونَ، وَيُقْرَأُ وَ «الْأَرْضَ» بِالنَّصْبِ ; أَيْ وَيَسْلُكُونَ الْأَرْضَ، وَفَسَّرَهُ «يَمُرُّونَ».
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ.
وَ (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) : مُسْتَأْنَفٌ. وَقِيلَ: حَالٌ مِنَ الْيَاءِ.
وَ (عَلَى بَصِيرَةٍ) : حَالٌ ; أَيْ مُسْتَيْقِنًا.
وَ (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) : مَعْطُوفٌ عَلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي أَدْعُوا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً ; أَيْ: وَمَنِ اتَّبَعَنِي كَذَلِكَ.
وَ (مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) : صِفَةٌ لِرِجَالٍ، أَوْ حَالٌ مِنَ الْمَجْرُورِ.
قَالَ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ كُذِبُوا) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ وَكَسْرِهَا ; أَيْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى التَّكْذِيبِ.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ ; أَيْ عَلِمَ الْأُمَمُ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَّبُوهُمْ.
وَيُقْرَأُ بِتَخْفِيفِ الذَّالِ، وَالْمُرَادُ - عَلَى هَذَا - الْأُمَمُ لَا غَيْرَ.
وَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ ; أَيْ: وَظَنَّ الرُّسُلُ أَنَّ الْأُمَمَ كَذَّبُوهُمْ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ ; أَيْ عَلِمَ الرُّسُلُ أَنَّ الْأُمَمَ كَذَبُوا فِيمَا ادَّعَوْا.
(فَنُنْجِي) : يُقْرَأُ بِنُونَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ.
وَيُقْرَأُ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ مَاضٍ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِسُكُونِ الْيَاءِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَبْدَلَ النُّونَ الثَّانِيَةَ جِيمًا وَأَدْغَمَهَا ; وَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ عَلَى هَذَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا وَسَكَّنَ الْيَاءَ لِثِقَلِهَا بِحَرَكَتِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا كَانَ حَدِيثًا) ; أَيْ مَا كَانَ حَدِيثَ يُوسُفَ، أَوْ مَا كَانَ الْمَتْلُوَّ عَلَيْهِمْ.
(وَلَكِنْ تَصْدِيقَ) : قَدْ ذُكِرَ فِي يُونُسَ.
(وَهُدًى وَرَحْمَةً) : مَعْطُوفَانِ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.