ﰡ
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(ربِّ يسّر)القول في تأويل قوله تعالى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١) ﴾
قال أبو جعفر محمد بن جرير: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: (الر تلك آيات الكتاب)، والقول الذي نختاره في تأويل ذلك فيما مضى، بما أغنى عن إعادته ههنا. (٢)
* * *
وأما قوله: (تلك آيات الكتاب المبين) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: (تلك آيات الكتاب المبين) : بَيَّن حلاله وحرامه، ورشده وهُداه.
ذكر من قال ذلك:
١٨٧٦٨ حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: حدثنا الوليد بن سلمة الفلسطيني، قال: أخبرني عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، في قول الله تعالى: (الر تلك آيات الكتاب المبين)، قال: بيَّن حلاله وحرامه. (٣)
" يتلوه تفسير السورة التي يذكر فيها يوسف وهو آخر المجلَّد الثاني عشر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ".
(٢) انظر ما سلف ص: ٩ - ١٢.
(٣) الأثر: ١٨٧٦٨ -" الوليد بن سلمة الفلسطيني الأردني" قاضي الأردن، كذاب، يضع الأحاديث على الثقات. مترجم في ابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٦، وميزان الاعتدال ٣: ٢٧١، ولسان الميزان ٦: ٢٢٢. و" عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر"، ضعيف جدًا، وقال سفيان: كذاب، قال أحمد:" لم يسمع من أبيه، ليس بشيء". مضى برقم: ٦٣٦.
١٨٧٧٠ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (الر تلك آيات الكتاب المبين)، قال: بين الله رشده وهداه.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:
١٨٧٧١ حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: حدثنا الوليد بن سلمة، قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ أنه قال في قول الله عز وجل: (الكتاب المبين) قال بيَّن الحروف التي سقطت عن ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف. (٢)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معناه: هذه آيات الكتاب المبين، لمن تلاه وتدبَّر ما فيه من حلاله وحرامه ونهيه وسائر ما حواه من صنوف معانيه ; لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه"مبين"، ولم يخصَّ إبانته عن بعض ما فيه دون جميعه، فذلك على جميعه، إذ كان جميعه مبينًا عمَّا فيه.
* * *
(٢) الأثر: ١٨٧٧١ -" الوليد بن سلمة الفلسطيني"، كذاب، سلف برقم: ١٨٧٦٨. " وثور بن يزيد الكلاعي"، ثقة صحيح الحديث، مضى برقم: ٣١٩٦. " وخالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي"، تابعي ثقة، روى له الجماعة مضى برقم: ٢٠٧٠، ٩٢٢٤. وهذا خبر آفته الوليد بن سلمة.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين، قرآنًا عربيًّا على العرب، لأن لسانهم وكلامهم عربي، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه، وذلك قوله: (لعلكم تعقلون).
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"نحن نقص عليك" يا محمد،"أحسن القصص" بوحينا إليك هذا القرآن، فنخبرك فيه عن الأخبار الماضية، وأنباء الأمم السالفة والكتب التي أنزلناها في العصور الخالية (١) = (وإن كنت من قبله لمن الغافلين)، يقول تعالى ذكره: وإن كنت يا محمد من قبل أن نوحيه إليك لمن الغافلين عن ذلك، لا تعلمه ولا شيئا منه، (٢) كما:
١٨٧٧٢ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (نحن نقص عليك أحسن القصص) من الكتب الماضية وأمور الله السالفة
(٢) انظر تفسير" الغفلة" فيما سلف ص: ٥٤٥، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله ﷺ لمسألة أصحابه إياه أن يقصَّ عليهم.
*ذكر الرواية بذلك:
١٨٧٧٣ حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا حكام الرازي، عن أيوب، عن عمرو الملائي، عن ابن عباس، قال: قالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا؟ قال: فنزلت: (نحن نقص عليك أحسن القصص). (١)
١٨٧٧٤ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، قال: قالوا: يا نبي الله، فذكر مثله.
١٨٧٧٥ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن المسعودي، عن عون بن عبد الله، قال: ملَّ أصحاب رسول الله ﷺ ملّةً، فقالوا: يا رسول الله حدثنا! فأنزل الله عز وجل: (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [سورة الزمر: ٢٣]. ثم ملوا ملَّةً أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن! يعنون القصَص، فأنزل الله: (الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيًا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)، فأرادوا الحديث فدَّلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصصَ فدلهم على أحسن القصص. (٢)
(٢) الأثر: ١٨٧٧٥ -" عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود"، روى عن أبيه وعمه مرسلا. وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٣ من طريق عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، فهو مرسل. وذكره الواحدي في أسباب النزول: ٢٠٣.
* * *
وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٣، وزاد نسبته إلى إسحاق بن راهوية، والبزار، وأبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن كنت يا محمد، لمن الغافلين عن نبأ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم= إذ قال لأبيه يعقوب بن إسحاق: (يا أبت إني رأيت أحدَ عشر كوكبًا) ; يقول: إني رأيت في منامي أحد عشر كوكبًا.
* * *
وقيل: إن رؤيا الأنبياء كانت وحيًا.
١٨٧٧٨ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)، قال: كانت رؤيا الأنبياء وحيًا.
١٨٧٧٩ وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إني رأيت أحد عشر كوكبًا)، قال: كانت الرؤيا فيهم وحيًا.
* * *
١٨٧٨٠- حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، قال: أتى النبيَّ ﷺ رجلٌ من يهود يقال له"بستانة اليهودي"، فقال له: يا محمد، أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدةً له، ما أسماؤها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه بشيء، ونزل عليه جبرئيل وأخبره بأسمائها.
قال: فبعث رسول الله ﷺ إليه، فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم! فقال: جربان والطارق، والذيال، وذو الكنفات، (١) وقابس، ووثاب وعمودان، والفليق، والمصبح، والضَّروح، وذو الفرغ، والضياء، والنور". فقال اليهودي: والله إنها لأسماؤها! (٢)
* * *
(٢) الأثر: ١٨٧٨٠ -" الحكم بن ظهير الفزاي"، متروك، مضى مرارًا، برقم: ٢٤٩، ٥٥٢٣، ٥٧٩٢، ١١٣٣٥. و" عبد الرحمن بن سابط"، هو" عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط" تابعي ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١١٥٢٦. وهو يروي عن جابر مرسلا، قيل ليحيى بن معين:" سمع عبد الرحمن من سعد بن أبي وقاص؟ قال: لا. قيل: من أبي أمامة؟ قال: لا. قيل من جابر قال: لا، هو مرسل". وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٤، وقال:" أخرج سعيد بن منصور، والبزار، وأبو يعلي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والعقيلي، وابن حبان في الضعفاء، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم البيهقي معًا في دلائل النبوة، عن جابر". ولم أعرف مكان هذا الخبر من المستدرك للحاكم، ولكن العجب أنه صححه، فإن هذا الخبر قد تفرد به الحكم بن ظهير، وهو واهي الحديث متروك، وحتى قال الجوزجاني:" ساقط لميله وأعاجيب حديثه، وهو صاحب حديث نجوم يوسف"، وقد أنكر العقيلي حديثه في تسمية النجوم التي رآها يوسف عليه الصلاة والسلام. انظر تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال ١: ٢٦٨، وذكر الخبر من طريق ابن حبان بإسناده. وانظر الاختلاف في أسماء النجوم هناك، وراجع دلائل النبوة لأبي نعيم، فني لم أجده هناك.
* * *
وقال" ساجدين" والكواكب والشمس والقمر إنما يخبر عنها ب"فاعلة" و"فاعلات" لا بالواو والنون، [لأن الواو والنون] إنما هي علامة جمع أسماء ذكور بني آدم، أو الجن، أو الملائكة (١). وإنما قيل ذلك كذلك، لأن"السجود" من أفعال من يُجمع أسماء ذكورهم بالياء والنون، أو الواو والنون، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك، كما قيل: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)، [سورة النمل: ١٨].
* * *
وقال:"رأيتهم" وقد قيل": إني رأيت أحد عشر كوكبًا"، فكرر الفعل، وذلك على لغة من قال:"كلمت أخاك كلمته"، توكيدًا للفعل بالتكرير.
* * *
وقد قيل: إن الكواكب الأحد عشر كانت إخوته، والشمس والقمر أبويه.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٧٨١- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا) إخوته، أحد عشر كوكبًا=" والشمس والقمر"، يعني بذلك: أبويه
١٨٧٨٢ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شريك، عن السدي، في قوله:"إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر"... الآية، قال: رأى أبويه وإخوته سجودا له= فإذا قيل له: عمن؟ قال إن كان حقًّا، فإن ابن عباس فسرَّه.
١٨٧٨٤- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله:" إني رأيت أحد عشر كوكبًا" إخوته ="والشمس"، أمه"والقمر" أبوه.
١٨٧٨٥- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد، قال، قال سفيان: كان أبويه وإخوته
١٨٧٨٦- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، قوله:" إني رأيت أحد عشر كوكبًا" هم إخوة يوسف=" والشمس والقمر"، هما أبواه.
١٨٧٨٧- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله:"يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا" الآية، قال: أبواه وإخوته. قال: فنعاه إخوته، وكانوا أنبياء، (١) فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه! حين بلغهم.
* * *
وروي عن ابن عباس أنه قال": الكواكب" إخوته،"والشمس والقمر"، أبوه وخالته= من وجه غير محمودٍ، فكرهت ذكره.
* * *
قال أبو جعفر: يقول جل ذكره قال: يعقوب لابنه يوسف:" يا بنيّ لا تقصص رؤياك"، هذه،"على إخوتك"، فيحسدوك (١) ="فيكيدوا لك كيدًا"، يقول: فيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان (٢). (إن الشيطان للإنسان عدو مبين)، يقول: إن الشيطان لآدم وبنيه عدو، قد أبان لهم عداوته وأظهرها (٣). يقول: فاحذر الشيطان أن يغريَ إخوتك بك بالحسد منهم لك، إن أنت قصصت عليهم رؤياك.
* * *
وإنما قال يعقوب ذلك، لأنه قد كان تبين له من أخوته قبلَ ذلك حسدًا، (٤) كما:-
١٨٧٨٨- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي، قال: نزل يعقوب الشأم، فكان همُّه يوسف وأخاه، فحسده إخوته لما رأوا حبَّ أبيه له. ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم له ساجدين، فحدث بها أباه فقال: (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا)، الآية.
* * *
واختلف أهل العربية في وجه دخول"اللام" في قوله (فيكيدوا لك كيدا).
فقال بعض نحويي البصرة: معناه: فيتخذوا لك كيدا= وليست مثل:
(٢) انظر تفسير" الكيد" فيما سلف ص: ٣٦١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين).
(٤) في المطبوعة:" حسده" بالإضافة، وأثبت ما في المخطوطة، وهو جيد جدًا.
* * *
وقال بعضهم: أدخلت اللام في ذلك، كما تدخل في قولهم:"حمدت لك" و"شكرت لك"، و"حمدتك" و"شكرتك". وقال: هذه لام جلبها الفعل، (١) فكذلك قوله: (فيكيدوا لك كيدا) تقول: فيكيدوك=، أو: يكيدوا لك، فيقصدوك، ويقصدوا لك، قال:"وكيدًا": توكيدٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل يعقوب لابنه يوسف، لما قصّ عليه رؤياه: (وكذلك يجتبيك ربك) وهكذا يجتبيك ربك. يقول: كما أراك ربك الكواكب والشمسَ والقمرَ لك سجودًا، فكذلك يصطفيك ربك، (٢) كما:-
(٢) انظر تفسير" الاجتباء" فيما سلف ١٣: ٣٤١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
١٨٧٩٠ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث)، فاجتباه واصطفاه وعلّمه من عَبْر الأحاديث، وهو" تأويل الأحاديث".
* * *
وقوله: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) يقول: ويعلمك ربك من علم ما يؤول إليه أحاديثُ الناس، عما يرونه في منامهم. وذلك تعبير الرؤيا. (١)
* * *
١٨٦٩١- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
١٨٧٩٢- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (ويعلمك من تأويل الأحاديث)، قال: تأويل الكلام: العلم والكلام. (٢)
وكان يوسف أعبرَ الناس، وقرأ: (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما). [سورة يوسف: ٢٢].
* * *
وقوله: (ويتم نعمته عليك) باجتبائه إياك، واخيتاره، وتعليمه إياك تأويل الأحاديث = (وعلى آل يعقوب) يقول: وعلى أهل دين يعقوب، وملته من ذريته وغيرهم (٣) = (كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق)، باتخاذه هذا خليلا وتنجيته من النار، وفدية هذا بذبح عظيم، كالذي:-
(٢) في المطبوعة:" العلم والحلم"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو جائز.
(٣) انظر تفسير" الآل" فيما سلف ١٣: ٨٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
* * *
وقوله: (إن ربك عليم حكيم) يقول: (إن ربك عليم) بمواضع الفضل، ومَنْ هو أهلٌ للاجتباء والنعمة ="حكيم" في تدبيره خلقه (١).
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (لقد كان في يوسف وإخوته) الأحد عشر= (آيات) يعني عبر وذكر (٢) = (للسائلين) يعني السائلين عن أخبارهم وقصصهم. وإنما أراد جل ثناؤه بذلك نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم.
* * *
وذلك أنه يقال: إن الله تبارك وتعالى إنما أنزل هذه السورة على نبيه، يعلمه فيها ما لقي يوسف من أَدانيه وإخوته من الحسد، (٣) مع تكرمة الله إيَّاه، تسليةً له بذلك مما يلقى من أدانيه وأقاربه من مشركي قريش. (٤) كذلك كان ابن إسحاق يقول:
(٢) انظر تفسير" الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(٣) في المطبوعة:" من إخوته وأذايته من الحسد"، وفي المخطوطة:" من أدانيه وإخوته من الحسد"، ووضع فوق" أدانيه"" كذا"، كأنه شك في صحتها، وهي صواب لا شك فيه، يعني أقرب الناس إليه. وانظر ما سيلي، والتعليق عليه.
(٤) في المطبوعة:" من أذايته وأقاربه"، والصواب ما أثبت، وإنما حمله عليه ما ورط فيه نفسه قبل أسطر. انظر التعليق السالف.
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: (آيات للسائلين). فقرأته عامة قراء الأمصار"آياتٌ" على الجماع.
* * *
وروي عن مجاهد وابن كثير أنهما قرآ ذلك على التوحيد.
* * *
والذي هو أولى القراءتين بالصواب، قراءةُ من قرأ ذلك على الجماع، لإجماع الحجة من القراء عليه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قال إخوة يوسف (٢) (ليوسف وأخوه) من أمه= (أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة)، يقولون: ونحن جماعة ذوُو عدد، أحد عشر رجلا.
* * *
(٢) في المطبوعة:" قالوا إخوة يوسف"، وهو رديء، وإنما أخطأ قراءة المخطوطة، وكان الناسخ أراد أن يكتب" قالوا"، ثم جعلها" قال".
* * *
= (إن أبانا لفي ضلال مبين)، يعنون: إنّ أبانا يعقوب لفي خطأ من فعله، في إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة = ويعني ب"المبين": أنه خطأٌ يبينُ عن نفسه أنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه (١).
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٧٩٥- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا)، قال: يعنون بنيامين. قال: وكانوا عشرة.
١٨٧٩٦-.... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (إن أبانا لفي ضلال مبين)، قال: في ضلال من أمرنا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (ونحن عصبة)، قال:"العصبة"، الجماعة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: اقتلوا يوسف أو اطرحوه في أرض من الأرض، يعنون مكانا من الأرض= (يخلُ لكم
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٧٩٨- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومًا صالحين)، قال: تتوبون مما صنعتم، أو: من صنيعكم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (١٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قائل من إخوة يوسف: (لا تقتلوا يوسف).
* * *
وقيل: إن قائل ذلك"روبيل"، كان ابن خالة يوسف.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٧٩٩- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (لا تقتلوا يوسف) ذكر لنا أنه روبيل، كان أكبر القوم، وهو ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله.
١٨٨٠١- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: (لا تقتلوا يوسف) قال: كان أكبر إخوته، وكان ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قَتْله.
* * *
وقيل: كان قائل ذلك منهم"شمعون". (١)
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٠٢- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف) قال: هو شمعون.
* * *
وقوله: (وألقوه في غيابت الجب) يقول وألقوه في قَعْرِ الجبّ، حيث يَغيبُ خبره.
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء أهل المدينة:"غيَابَاتِ الجُبِّ" على الجماع.
* * *
وقرأ ذلك عامة قراء سائر الأمصار: (غَيابَةِ الجُبِّ) بتوحيد"الغيابة".
* * *
قال أبو جعفر: وقراءة ذلك بالتوحيد أحبُّ إليّ.
* * *
و"الجبّ": بئر.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٠٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: في: (غيابة الجب)، يقول: بئر ببيت المقدس.
١٨٨٠٤- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (غيابة الجب) قال: بئر ببيت المقدس.
* * *
والغيابة: كل شيء غيب شيئًا فهو"غيابة" = و"الجب"، البئر غير المطويَّة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٠٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في: (غيابة الجب)، في بعض نواحيها: في أسفلها.
١٨٨٠٦- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وألقوه في غيابة الجب)، يقول: في بعض نواحيها.
١٨٨٠٧ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، مثله (١)
١٨٨٠٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وألقوه في غيابة الجب) قال: قالها كبيرهم الذي تخلَّف. قال: و"الجب"، بئر بالشأم.
١٨٨١٠- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ، قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول:"الجبّ": البئر.
* * *
وقوله: (يلتقطه بعض السيارة) يقول: يأخذه بعض مارّة الطريق من المسافرين (١) = (إن كنتم فاعلين)، يقول: إن كنتم فاعلين ما أقول لكم. فذكر أنه التقطه بعض الأعراب.
١٨٨١١- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (يلتقطه بعض السيارة)، قال: التقطه ناس من الأعراب.
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ:" تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ" بالتاء.
١٨٨١٢- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال حدثنا القاسم، قال، حدثني حجاج، عن هارون، عن مطر الورّاق، عن الحسن.
* * *
وكانّ الحسن ذهب في تأنيثه"بعض السيارة" إلى أنَّ فعلَ بعضها فعلُها.
والعرب تفعل ذلك في خبر كان عن مُضافٍ إلى مؤنث، (٢) يكون الخبرُ عن بعضه خبرًا عن جميعه، وذلك كقول الشاعر: (٣)
أرَى مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي | كَمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ (٤) |
(٢) في المطبوعة:" عن المضاف إلى مؤنث"، فأساء بفعله غاية الإساءة.
(٣) هو جرير.
(٤) سلف البيت وتخريجه وشرحه ١١: ٨٦، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا" أرى"، والرواية هناك، وفي ديوانه" رأت".
إذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قَامَ سَيِّدٌ | فَدَانَتْ لَهُ أهْلُ القُرَى والكَنائِسِ (٢) |
وذلك أنه لو قيل": فدانت له القرى"، كان معلومًا أنه خبر عن أهلها. وكذلك"بعض السيارة"، لو ألقي البعض، فقيل: تلتقطه السيارة، علم أنه خبر عن البعض أو الكل، ودلّ عليه الخبر عن"السيارة".
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف، إذ تآمروا بينهم، وأجمعوا على الفرقة بينه وبين والده يعقوب، لوالدهم يعقوب: (يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف) فتتركه معنا إذا نحن خرجنا خارج المدينة إلى الصحراء= (وإنا له ناصحون)، نحوطه ونكلؤه (٣).
* * *
(٢) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية.
(٣) انظر تفسير: نصح له" فيما سلف ص: ٣٠٥، تعليق: ٢
قال أبو جعفر: واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء أهل المدينة:"يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ"، بكسر العين من"يرتع"، وبالياء في"يرتع ويلعب"، على معنى:"يفتعل"، من"الرعي":"ارتعيت فأنا أرتعي"، كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلي: أرسله معنا غدًا يرتَع الإبل ويلعب، (وإنّا له لحافظون).
وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة:" أرْسِلهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ"، بالياء في الحرفين جميعًا، وتسكين العين، من قولهم:"رتع فلانٌ في ماله"، إذا لَهَا فيه ونَعِم وأنفقه في شهواته. ومن ذلك قولهم في مثل من الأمثال:"القَيْدُ والرَّتَعَة"، (١) ومنه قول القطامي:
أكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي | وَبَعْدَ عَطَائِكَ المِئَةَ الرِّتَاعَا (٢) |
وقرأ بعض أهل البصرة:"نَرْتَعْ" بالنون"ونَلْعَبْ" بالنون فيهما جميعًا، وسكون العين من"نرتع".
١٨٨١٣- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن هارون، قال: كان أبو عمرو يقرأ:"نَرْتَعْ ونَلْعَبْ" بالنون، قال: فقلت
(٢) سلف البيت وتخريجه وشرحه ١: ١١٦، تعليق: ١.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءة في ذلك عندي بالصواب، قراءةُ من قرأه في الحرفين كليهما بالياء، وبجزم العين في"يرتع"، لأن القوم إنما سألوا أباهم إرسال يوسف معهم، وخدعوه بالخبر عن مسألتهم إياه ذلك، عما ليوسف في إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك، لا بالخبر عن أنفسهم.
* * *
وبذلك أيضا جاء تأويل أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨١٤- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب)، يقول: يسعى وينشطُ.
١٨٨١٥ - حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال، قال ابن عباس: (يرتع ويلعب) قال: يلهو، وينشط ويسعى.
١٨٨١٦- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب)، قال: ينشط ويلهو.
١٨٨١٧- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، بنحوه. (١)
١٨٨١٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يرتع ويلعب)، قال: يسعى ويلهو.
١٨٨١٩- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني هشيم، عن
١٨٨٢٠- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يرتع ويلعب)، قال: يتلهَّى ويلعب.
١٨٨٢١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يرتع ويلعب) قال: ينشط ويلعب.
١٨٨٢٢-... قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى: (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب،) يلهو.
١٨٨٢٣- قال، حدثنا حسين بن علي، عن شيبان، عن قتادة: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب)، قال: ينشط ويلعب.
١٨٨٢٤ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا نعيم بن ضمضم العامري، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، في قوله: (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب)، قال: يسعى وينشط. (١)
* * *
وكأن الذين يقرأون ذلك:"يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ" بكسر العين من يرتع، يتأوّلونه على الوجه الذي:-
١٨٨٢٥- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال، ابن زيد في
* * *
وكان مجاهد يقول في ذلك بما:-
١٨٨٢٦- حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:"نَرْتَعِ"، بحفظ بعضنا بعضًا، نتكالأ نتحارس. (١)
١٨٨٢٧- حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"نَرْتَعِ" قال: يحفظ بعضنا بعضًا، نتكالأ
١٨٨٢٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
١٨٨٢٩- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
١٨٨٣٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، بنحوه.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: أرسله معنَا غدًا نلهو ونلعب وننعم، وننشط في الصحراء، ونحن حافظُوه من أن يناله شيء يكرهه أو يؤذيه.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لهم: إني ليحزنني أن تذهبوا به معكم إلى الصحراء، (١) مخافة عليه من الذئب أن يأكله، وأنتم عنه غافلون لا تشعرون. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (١٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئبُ في الصحراء، ونحن أحد عشر رجلا معه نحفظه= وهم العصبة (٣) = (إنا إذًا لخاسرون)، يقول: إنا إذًا لعجزة هالكون. (٤)
* * *
(٢) انظر تفسير:" الغفلة" فيما سلف ص: ٥٥١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" العصبة" فيما سلف ص: ٥٦٢.
(٤) انظر تفسير" الخسران" فيما سلف من فهارس اللغة (خسر).
قال أبو جعفر: وفي الكلام متروكٌ حذف ذكره، اكتفاءً بما ظهر عما ترك، وهو": فأرسله معهم"، (فلما ذهبوا به وأجمعوا)، يقول: وأجمع رأيهم، (١) وعزموا على (أن يجعلوه في"غيابة الجب" (٢)). كما:-
(٢) انظر تفسير" غيابة الجب" فيما سلف ص: ٥٦٥، ٥٦٦.
فربطوا يديه، ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه! ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ! فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحد عشر كوكبًا تؤنسك! قال: إني لم أر شيئًا، فدلوه في البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادةَ أن يموت. وكان في البئر ماءٌ فسقط فيه، ثم أوَى إلى صخرة فيها فقام عليها. قال: فلما ألقوه في البئر، جعل يبكي، فنادوه، فظنّ أنها رحمة أدركتهم، فلبَّاهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه، فقام يهوذا فمنعهم، وقال: قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه! وكان يهوذا يأتيه بالطعام.
* * *
وقوله: (فلما ذهبوا به وأجمعوا) فأدخلت"الواو" في الجواب، كما قال امرؤ القيس:
(٢) انظر ما سلف ص: ٥٦٥، تعليق: ١ في اسم هذا القائل، وأنه" روبيل" أو" شمعون"، ولم يذكر هناك" يهوذا".
فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى | بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفاف عَقَنْقَل (١) |
* * *
وقوله: (وأوحينا إليه لتنبِّئنهم بأمرهم)، يقول: وأوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك= (بأمرهم هذا) يقول: بفعلهم هذا الذي فعلوه بك (وهم لا يشعرون) يقول: وهم لا. يعلمون ولا يدرُون (٢).
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عز وجل بقوله: (وهم لا يشعرون).
فقال بعضهم: عنى بذلك: أن الله أوحى إلى يوسف أنّ يوسف سينبئ إخوته بفعلهم به ما فعلوه: من إلقائه في الجب، وبيعهم إياه، وسائر ما صنعوا به من صنيعهم، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٣٢- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأوحينا إليه) إلى يوسف.
١٨٨٣٣- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا) قال: أوحينا إلى يوسف: لتنبئن إخوتك.
١٨٨٣٤-... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم
(٢) انظر تفسير" شعر" فيما سلف ١٢: ٥٧٦، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
١٨٨٣٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (وأوحينا إليه)، قال: إلى يوسف.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إيّاه بذلك.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٣٦- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون)، بما أطلع الله عليه يوسف من أمرهم، وهو في البئر.
١٨٨٣٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون)، قال: أوحى الله إلى يوسف وهو في الجب أن ينبئهم بما صنعوا به، وهم لا يشعرون بذلك الوحي.
١٨٨٣٨- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، بنحوه= إلا أنه قال: أن سينبئهم.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به، وهم لا يشعرون أنه يوسف.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٣٩-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (وهم لا يشعرون) يقول: وهم لا يشعرون أنه يوسف.
١٨٨٤٠- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما دخل إخوة
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وجاء إخوة يوسف أباهم، بعد ما ألقوا يوسف في غيابة الجبّ عشاء يبكون.
* * *
وقيل: إن معنى قوله: (نستبق) ننتضل من"السباق" (٢) كما:-
١٨٨٤١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا
(٢) انظر تفسير" الاستباق" فيما سلف ٣: ١٩٦ / ١٠: ٣٩١.
* * *
وقوله: (وما أنت بمؤمن لنا)، يقولون: وما أنت بمصدّقنا على قِيلنا: إن يوسف أكله الذئب، ولو كنا صادقين! كما:-
١٨٨٤٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وما أنت بمؤمن لنا) قال: بمصدق لنا!
....................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
* * *
[فإن قال قائل: (ولو كنا صادقين) وقوله] :(١) (ولو كنا صادقين)، إما خبرٌ عنهم أنهم غير صادقين، فذلك تكذيب منهم أنفسَهم = أو خبرٌ منهم عن أبيهم أنه لا يصدِّقهم لو صدَقوه، فقد علمت أنهم لو صَدَقوا أباهم الخبرَ صَدَّقهم؟
قيل: ليس معنى ذلك بواحد منهما، وإنما معنى ذلك: وما أنت بمصدِّق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يُتَّهمون، لسوء ظنك بنا، وتُهمَتك لنا.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب)، وسماه الله"كذبًا" لأن الذين جاؤوا بالقميص وهو فيه، كذَبوا، فقالوا ليعقوب:"هو دم يوسف"، ولم يكن دمه، وإنما كان دم سَخْلةٍ، (١) فيما قيل.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٤٣- حدثني أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: دم سخلة. (٢)
١٨٨٤٤- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: دم سخلة، شاة.
١٨٨٤٥- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (بدم كذب) قال: دم سخلة = يعني: شاة.
١٨٨٤٦- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (بدم كذب) قال: دم سخلةٍ، شاة.
(٢) الأثر: ١٨٨٤٣ -" أحمد بن عبد الصمد بن علي بن عيسى الأنصاري الزرقي"،" أبو أيوب"، شيخ الطبري، مشهور لا بأس به. مترجم في تاريخ بغداد ٤: ٢٧٠، ولسان الميزان ١: ٢١٤، وروى عنه الطبري في تاريخه ٥: ٢٢، في موضع واحد. وانظر ما سيأتي رقم: ١٨٨٥٥.
١٨٨٤٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (بدم كذب) قال: دم سخلة، شاة.
١٨٨٤٩- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (بدم كذب) قال: بدم سخلة.
١٨٨٥٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال: ذبحوا جديًا من الغنم، ثم لطَّخوا القميص بدمه، ثم أقبلوا إلى أبيهم، فقال يعقوب: إن كان هذا الذئبُ لرحيما! كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه؟ يا بني، يا يوسف ما فعل بك بنو الإماء!
١٨٨٥١- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لو أكله السبع لخرق القميص.
١٨٨٥٢- حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا أبو خالد، قال، حدثنا سفيان بإسناده عن ابن عباس، مثله= إلا أنه قال: لو أكله الذئب لخرَّق القميص.
١٨٨٥٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب)، قال: لو كان الذئب أكله لخرَّقه.
١٨٨٥٤- حدثني عبيد الله بن أبي زياد قال، حدثنا عثمان بن عمرو قال، حدثنا قرة، عن الحسن، قال: جيء بقميص يوسف إلى يعقوب، فجعل
١٨٨٥٥- حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري، قال، حدثنا أبو عامر العقدي، عن قرة، قال: سمعت الحسن يقول: لما جاؤوا بقميص يوسف، فلم ير يعقوب شقًّا، قال: يا بني، والله ما عهدت الذئب حليمًا؟ (١)
١٨٨٥٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا حماد بن مسعدة، عن عمران بن مسلم، عن الحسن، قال: لما جاء إخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم، قال: جعل يقلبه فيقول: ما عهدت الذئب حليمًا؟ أكل ابني، وأبقى على قميصه!
١٨٨٥٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لما أتوا نبيَّ الله يعقوب بقميصه، قال: ما أرى أثرَ سبع ولا طعْنٍ، ولا خرْق.
١٨٨٥٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بدم كذب) الدم الكذب، لم يكن دم يوسف.
١٨٨٥٩- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي قال: ذبحوا جديًا ولطخوه من دمه. فلما نظر يعقوب إلى القميص صحيحًا، عرف أن القوم كذبوه. فقال لهم: إن كان هذا الذئب لحليمًا، حيث رَحم القميص ولم يرحم ابني! فعرف أنهم قد كذبوه.
١٨٨٦٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سيفان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لما أتي يعقوب بقميص يوسف، فلم ير فيه خرقًا، قال: كذبتم، لو أكله السبع لخرق قميصه!
١٨٨٦٢- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد قال، حدثنا زكريا، عن سماك، عن عامر قال: إنه كان يقول: في قميص يوسف ثلاث آيات: حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرًا، وحين قُدَّ منْ دُبُر، وحين جاؤوا على قميصه بدم كذب.
١٨٨٦٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات: الشقُّ، والدم، وألقاه على وجه أبيه فارتدَّ بصيرًا.
١٨٨٦٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن الحسن، قال: لما جيء بقميص يوسف إلى يعقوب، فرأى الدم ولم ير الشق قال: ما عهدت الذئب حليمًا؟
١٨٨٦٥-..... قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا قرة، عن الحسن، بمثله.
* * *
فإن قال قائل: كيف قيل: (بدم كذب) وقد علمت أنه كان دمًا لا شك فيه، وإن لم يكن كان دم يوسف؟
قيل: في ذلك من القول وجهان:
أحدهما: أن يكون قيل (بدم كذب) لأنه كُذِب فيه كما يقال": الليلة الهلالُ"، وكما قيل: (فما ربحت تجارتهم) [سورة البقرة ١٦]. وذلك قولٌ كان بعض نحويي البصرة يقوله.
حَتَّى إذَا لم يَتْرُكُوا لِعِظَامِهِ | لَحْمًا وَلا لِفؤادِهِ مَعْقول (١) |
* * *
وقوله: (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرًا) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذبا لهم في خبرهم ذلك: ما الأمر كما تقولون، (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا) يقول: بل زيَّنت لكم أنفسكم أمرًا في يوسف وحسنته، ففعلتموه كما:-
١٨٨٦٦- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّا مَعْشَرٌ | حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وأصِيلاَ |
عَرَبٌ، نَرَى لِلهِ في أمْوالِنا | حَقَّ الزَّكاةِ مُنَزَّلاً تنزيلاَ |
إنَّ السُّعاةَ عَصَوْكَ يَوْمَ أمْرَتَهُمْ | وأتَوْا دَواهِيَ، لو عَلِمْتَ، وغُولا |
أخَذُوا العَرِيفَ فَقَطَّعُوا حَيْزُومَهُ | بِالأصْبَحِيَّةِ قائمًا مَغْلُولاً |
جَاءوا بِصَكِّهِمُ، وَأَحْدَبَ أَسْأَرَتْ | مِنْهُ السِّياطُ يَرَاعَةً إجْفِيلا |
(٢) هو الفراء في معاني القرآن، في تفسير هذه الآية.
* * *
وقوله: (فصبر جميل) يقول: فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف صبرٌ جميل= أو فهو صبر جميل.
* * *
وقوله (والله المستعان على ما تصفون) يقول: واللهَ أستعين على كفايتي شرّ ما تصفون من الكذب (١).
* * *
وقيل": إن الصبر الجميل"، هو الصبر الذي لا جزع فيه.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٦٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فصبر جميل) قال: ليس فيه جزع.
١٨٨٦٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٦٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٧٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (فصبر جميل) في غير جزع.
١٨٨٧١-.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٧٢-..... قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة، قال: سئل رسول الله صلى الله
١٨٨٧٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة: أن النبي ﷺ سئل عن قوله: (فصبر جميل) قال: صبر لا شكوى فيه. (٢)
١٨٨٧٤-... قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فصبر جميل) : ليس فيه جزع.
١٨٨٧٥- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٧٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد في قوله: (فصبر جميل) : قال: في غير جزع.
١٨٨٧٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٧٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن بعض أصحابه قال: يقال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدِّث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكّي نفسك=
قال أخبرنا الثوري، عن حبيب
(٢) الأثر: ١٨٨٧٣ -" عبد الرحمن بن يحيى"، انظر التعليق السابق.
* * *
وقوله: (والله المستعان على ما تصفون). (١)
١٨٨٧٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والله المستعان على ما تصفون،) أي على ما تكذبون.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وجاءت مارَّةُ الطريق من المسافرين (١) = (فأرسلوا واردهم) وهو الذي يرد المنهل والمنزل، و"وروده إياه"، مصيره إليه ودخوله (٢). (فأدلى دلوه) يقول: أرسل دلوه في البئر.
* * *
يقال:"أدليت الدلو في البئر" إذا أرسلتها فيه، فإذا استقيت فيها قلت:"دلوْتُ أدْلُو دلوًا".
* * *
وفي الكلام محذوف، استغنى بدلالة ما ذكر عليه، فترك، وذلك: (فأدلى دلوه) = فتعلق به يُوسف، فخرج، فقال المدلي: (يا بشرى هذا غلام).
* * *
وبالذي قلنا في ذلك، جاءت الأخبار عن أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٨٨٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه) فتعلق يوسف بالحبل،
(٢) انظر تفسير" الورود" فيما سلف ١٥: ٤٦٦.
١٨٨٨١ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه) فتشبث الغلام بالدلو، فلما خرج قال: (يا بشرى هذا غلام).
* * *
١٨٨٨٢ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فأرسلوا واردهم) يقول: أرسلوا رسولهم، فلما أدلى دلوه تشبث بها الغلام (= (قال يا بشرى هذا غلام).
* * *
واختلفوا في معنى قوله:: (يا بشرى هذا غلام).
فقال بعضهم: ذلك تبشير من المدلي دلوَه أصحابَه، في إصابته يوسف بأنه أصاب عبدًا (١).
* ذكر من قال ذلك:
١٨٨٨٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال يا بشرى هذا غلام) تباشروا به حين أخرجوه. وهي بئر بأرض بيت المقدس معلومٌ مكانها
١٨٨٨٤ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يا بشرى هذا غلام) قال: بشّرهم واردهم حين وجدَ يوسف.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك اسم رجل من السيَّارة بعينه، ناداه المدلي لما خرج يوسف من البئر متعلِّقًا بالحبل.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٨٨٦ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا خلف بن هشام، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس بن الربيع، عن السدي، في قوله: (يا بشرى هذا غلام) قال: كان اسم صاحبه"بشرى".
١٨٨٨٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، في قوله: (يا بشرى هذا غلام) قال: اسم الغلام"بشرى" ; قال:"يا بشرى"، كما تقول": يا زيد".
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك:
فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة:" يا بُشْرَيَّ" بإثبات ياء الإضافة، غير أنه أدغم الألف في الياء طلبا للكسرة التي تلزم ما قبل ياء الإضافة من المتكلم، في قولهم": غلامي" و"جاريتي"، في كل حال، وذلك من لغة طيئ، (١) كما قال أبو ذؤيب:
سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ | فَتُخِرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ (٢) |
(٢) ديوانه (في ديوان الهذليين) ١: ٢، وشرح المفضليات: ٨٥٤، وغيرهما، وهي إحدى عجائب أبي ذؤيب، يقولها في بنيه الذين ماتوا، سبقه بهم الطاعون في عام واحد، وكانوا خمسة: سَبَقوا هوَيَّ....................................
أَوْدَى بَنِيَّ، وأعْقَبُونِي غُصَّةً | بَعْدَ الرُّقادِ، وعَبْرةً لا تُقْلِعُ |
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ | وَإخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبِعُ |
وإذا قرئ ذلك كذلك احتمل وجهين من التأويل:
أحدهما ما قاله السدي، وهو أن يكون اسم رجل دعاه المستقي باسمه، كما يقال:"يا زيد"، و"يا عمرو"، فيكون"بشرى" في موضع رفع بالنداء.
والآخر: أن يكون أرادَ إضافة البشرى إلى نفسه، فحذف الياء وهو يريدها، فيكون مفردًا وفيه نيَّة الإضافة، كما تفعل العرب في النداء فتقول:"يا نفس اصبري"، و"يا نفسي اصبري"، و"يا بُنَيُّ لا تفعل"، و"يا بُنَيِّ لا تفعل"، فتفرد وترفع، وفيه نية الإضافة. وتضيف أحيانًا فتكسر، كما تقول:"يا غلامِ أقبل"، و"يا غلامي أقبل".
* * *
قال أبو جعفر: وأعجب القراءة في ذلك إليَّ قراءةُ من قرأه بإرسال الياء وتسكينها ; لأنه إن كان اسم رجل بعينِه كان معروفًا فيهم كما قال السدي، فتلك هي القراءة الصحيحة لا شك فيها (١). وإن كان من التبشير فإنه يحتمل ذلك إذا قرئ كذلك على ما بيَّنت.
وأما التشديد والإضافة في الياء، فقراءة شاذة، لا أرى القراءة بها، وإن كانت لغة معروفة ; لإجماع الحجة من القرأة على خلافها.
* * *
وأما قوله: (وأسروه بضاعة) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: وأسرَّه الوارد المستقي وأصحابُه من التجار الذين كانوا معهم، وقالوا لهم": هو بضاعة استبضعناها بعضَ أهل مصر" ; لأنهم خافوا إن علموا أنهم اشتروه بما اشتروه به أن يطلبوا منهم فيه الشركة.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٨٨٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه = غير أنه قال: خيفة أن يستشركوهم إن علموا به، واتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه: استوثقوا منه لا يأبق! حتى واقفوه بمصر (١) = وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو.
١٨٨٩٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
١٨٨٩١ -.... قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه = غير أنه قال: خيفة أن يشاركوهم فيه، إن علموا بثمنه.
١٨٨٩٢ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه = إلا أنه قال: خيفة أن يستشركوهم فيه إن علموا ثمنه. وقال أيضًا: حتى أوقفوه بمصر.
١٨٨٩٣ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وأسروه بضاعة) قال: لما اشتراه الرجلان فَرَقًا من الرفقة أن يقولوا:"اشتريناه" فيسألونهم الشركة، فقالا إن سألونا ما هذا؟ قلنا بضاعة استبضَعَناه أهل الماء. فذلك قوله: (وأسروه بضاعة) بينهم
* * *
* ذكر من قال ذلك:
١٨٨٩٤ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (وأسروه بضاعة) قال: أسرّه التجار بعضهم من بعض.
١٨٨٩٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم الفضل، قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (وأسروه بضاعة) قال: أسرّه التجار بعضهم من بعض.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أسرُّوا بيعَه.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٨٩٦ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: (وأسروه بضاعة) قال: أسروا بيعه.
١٨٨٩٧ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن جابر، عن مجاهد: (وأسروه بضاعة) قال: قالوا لأهل الماء: إنما هو بضاعة.
* * *
وقال آخرون: إنما عني بقوله: (وأسروه بضاعة) إخوة يوسف، أنهم أسرُّوا شأن يوسف أن يكون أخَاهم، قالوا: هو عبدٌ لنا.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٨٩٨ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وأسروه بضاعة) يعني: إخوة يوسف أسرُّوا شأنه وكتموا أن يكون أخاهم، فكتم يوسف شأنه مخافةَ أن تقتله إخوته، واختار البيع. فذكره إخوته لوارد القوم، فنادى أصحابه قال: يا بشرى! هذا غلامٌ يباع. فباعه إخوته.
* * *
وقوله: (والله عليم بما يعملون) يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بما يعمله باعَةُ يوسف ومشتروه في أمره، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولكنه ترك تغيير ذلك ليمضي فيه وفيهم حكمه السابق في علمه، وليري إخوة يوسف ويوسف وأباه قدرتَه فيه. (٢)
* * *
وهذا، وإن كان خبرًا من الله تعالى ذكره عن يوسف نبيّه صلى الله عليه وسلم، فإنه تذكير من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وتسلية منه له عما كان يلقى من أقربائه وأنسبائه المشركين من الأذى فيه، يقول: فاصبر، يا محمد، على ما نالك في الله، فإنّي قادرٌ على تغيير ما ينالك به هؤلاء المشركون، كما كنت قادرًا على تغيير ما لقي يوسف من إخوته في حال ما كانوا يفعلون به ما فعلوا، ولم يكن تركي ذلك لهوان يوسف عليّ، ولكن لماضي علمي فيه وفي إخوته، فكذلك تركي تغييرَ ما ينالك به هؤلاء المشركون لغير هوان بك عليّ، ولكن لسابق علمي فيك وفيهم، ثم يصير أمرُك وأمرهم إلى عُلوّك عليهم، وإذعانهم لك، كما صار أمر إخوة يوسف إلى الإذعان ليوسف بالسؤدد عليهم، وعلوِّ يوسف عليهم. (٣)
* * *
(٢) انظر تفسير" عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).
(٣) عند هذا الموضع انتهى الجزء الثاني عشر من مخطوطتنا، وفي آخرها ما نصه:" نجز الجزء الثاني عشر، بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم يتلوه في أول الجزء الثالث عشر إن شاء الله تعالى: القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين﴾ وكان الفراغ منه في شهر رمضان المعظم سنة خمس عشرة وسبعمئة".
يتلوه الجزء الثالث عشر، وأوله ما نصه:
" بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر"
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وشروه) به: وباع إخوة يوسف يوسف.
* * *
= فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه، قال:"اشتريته"، (١) ومنه قول ابن مفرّغ الحميري:
وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي | مِنْ قَبْلِ بُرْدٍ كنْتُ هَامَهْ (٢) |
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٨٩٩ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن
(٢) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف ٢: ٣٤١، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
١٨٩٠٠ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إخوة يوسف أحد عشر رجلا باعوه حين أخرجَه المدلي بدلوه.
١٨٩٠١ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله.
١٨٩٠٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن أبي نجيح، عن مجاهد
١٨٩٠٣ - وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٩٠٤ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
١٨٩٠٥ -.... قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج (وشروه) قال: قال ابن عباس: فبيع بينهم.
١٨٩٠٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (وشروه بثمن بخس) قال: باعوه.
١٨٩٠٧ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
١٨٩٠٨ - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فباعه إخوته بثمن بخس.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩٠٩ - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وشروه بثمن بخس) وهم السيارة الذين باعوه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: تأويل ذلك: وشَرى إخوةُ يوسف يوسف بثمن بخس (١) وذلك أن الله عز وجل قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرُّوا شراء يوسف من أصحابهم، خيفة أن يستشركوهم، بادّعائهم أنَّه بضاعة. ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلُص لهم دونهم، واسترخاصًا لثمنه الذي ابتاعوه به، لأنهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه (بثمن بخس). ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين، لم يكن لقيلهم لرفقائهم:"هو بضاعة"، معنى = ولا كان لشرائهم إياه، وهم فيه من الزاهدين وجهٌ، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبًا على عقولهم ; لأنه محال أن يشتري صحيح العقل ما هو فيه زاهدٌ من غير إكراهِ مكرِهٍ له عليه، ثم يكذب في أمرِه الناس بأن يقول:"هو بضاعة لم أشتره"، مع زهده فيه. بل هذا القولُ من قول من هو بسلعته ضنينٌ لنفاستها عنده، ولما يرجُو من نفيس الثَّمن لها وفضلِ الربح.
* * *
وأما قوله: (بخس) فإنه يعني: نَقْص.
* * *
وهو مصدر من قول القائل:"بخست فلانًا حقه": إذا ظلمته، يعني: ظلمه فنقصه عما يجبُ له من الوفاء:"أبخَسُه بَخْسًا"، ومنه قوله:
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: قيل (بثمن بخس) لأنه كان حرامًا عليهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩١٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر عن الضحاك: (وشروه بثمن بخس) قال:"البخس": الحرام.
١٨٩١٢ - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: كان ثمنه بخسًا، حرامًا، لم يحلّ لهم أن يأكلوه.
١٨٩١٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (وشروه بثمن بخس) قال: باعوه بثمن بخس، قال: كان بيعه حرامًا وشراؤه حرامًا.
١٨٩١٤ - حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (بثمن بخس) قال: حرام.
١٨٩١٥ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (بثمن بخس) يقول: لم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنَه.
* * *
وقال آخرون: معنى البخس هنا: الظلم.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩١٦ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وشروه بثمن بخس) قال": البخس": هو الظلم. وكان بيع يوسف وثمنه حرامًا عليهم
١٨٩١٧ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال قتادة: (وشروه بثمن بخس) قال: ظلم.
* * *
وقال آخرون: عني بالبخس في هذا الموضع: القليل (٢).
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩١٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن جابر، عن عكرمة، قال:"البخس": القليل.
١٨٩١٩ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن جابر، عن عكرمة، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا الصحيح من القول في ذلك.
* * *
وأما قوله (دراهم معدودة)، (٣) فإنه يعني عز وجل أنهم باعوه بدراهم غير
(٢) في المخطوطة أسقط" القليل"، والصواب إثباتها كما فعل ناشر المطبوعة.
(٣) انظر تفسير" معدودة" فيما سلف من فهارس اللغة (عدد).
* * *
وقيل: إنما قيل"معدودة" ليعلم بذلك أنها كانت أقلّ من الأربعين، لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهمًا، لأن أقل أوزانهم وأصغرها كان الأوقية، وكان وزن الأوقية أربعين درهمًا. قالوا: إنما دلَّ بقوله: (معدودة) على قلة الدراهم التي باعُوه بها.
* * *
فقال بعضهم: كان عشرين درهمًا.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩٢٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: إن ما اشتري به يوسف عشرون درهمًا.
١٨٩٢١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) قال: عشرون درهمًا.
١٨٩٢٢ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف البكالي، في قوله: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) قال: عشرون درهمًا.
١٨٩٢٣ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشاميّ:"بخس دراهم" قال: كانت عشرين درهمًا. (١)
١٨٩٢٥ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: (بثمن بخس دراهم معدودة) قال: عشرون درهمًا.
١٨٩٢٦ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (دراهم معدودة) قال: كانت عشرين درهمًا.
١٨٩٢٧ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنه بيع بعشرين درهمًا = (وكانوا فيه من الزاهدين).
١٨٩٢٨ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
١٨٩٢٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي إدريس، عن عطية، قال: كانت الدراهم عشرين درهمًا، اقتسموها درهمين درهمين.
* * *
وقال آخرون: بل كان عددها اثنين وعشرين درهمًا، أخذ كل واحد من إخوة يوسف، وهم أحد عشر رجلا درهمين درهمين منها.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩٣٠ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أسباط، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (دراهم معدودة) قال: اثنين وعشرين درهمًا.
١٨٩٣١ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (دراهم معدودة) قال:
١٨٩٣٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (دراهم معدودة) =
١٨٩٣٣ -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
١٨٩٣٤ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
* * *
وقال آخرون: بل كانت أربعين درهمًا.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩٣٥ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن جابر، عن عكرمة: (دراهم معدودة) قال: أربعين درهمًا.
١٨٩٣٦ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: باعوه ولم يبلغ ثمنه الذي باعوه به أوقية، وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمان بالأواقي، فما قصَّر عن الأوقية فهو عَدد ; يقول الله: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) أي لم يبلغ الأوقية.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعُوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولم يحدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحتمل أن يكون كان عشرين = ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين = وأن يكون كان أربعين، وأقل من ذلك وأكثر، وأيُّ ذلك كان، فإنها كانت معدودة
* * *
وقوله: (وكانوا فيه من الزاهدين) يقول تعالى ذكره: وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين، لا يعلمون كرامته على الله، ولا يعرفون منزلته عنده، فهم مع ذلك يحبّون أن يحولوا بينه وبين والده، ليخلو لهم وجهه منه، ويقطعوه عن القرب منه، لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم، مصروفةً إليهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩٣٧ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (وكانوا فيه من الزاهدين) قال: لم يعلموا بنبوّته ومنزلته من الله.
١٨٩٣٨ - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، في قوله: (وجاءت سيارة) فنزلت على الجب، (فأرسلوا واردهم) فاستقى من الماء فاستخرج يوسف، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلامًا لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه، فزهدوا فيه، فباعوه. وكان بيعه حرامًا، وباعوه بدراهم معدودة.
١٨٩٣٩ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني هشيم، قال:
وهي الحكم بينه وبين من يزعمونه ذهب في تفسيره مذهب الاعتقاد لكثير مما أورده، مما لم تأت به بينة صحيحة من خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حجة عقل يجب التسليم لها.
١٨٩٤٠ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: إخوته زهدوا فيه، لم يعلموا منزلته من الله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الذي اشترى يوسف من بائعه بمصر.
* * *
وذكر أن اسمه:"قطفير".
١٨٩٤١ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان اسم الذي اشتراه قطفير. (١)
* * *
وقيل: إن اسمه إطفير بن روحيب، وهو العزيز، وكان على خزائن مصر، وكان الملك يومئذ الريَّان بن الوليد، رجل من العماليق، كذلك: -
١٨٩٤٢ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق (٢).
* * *
(٢) الأثر: ١٨٩٤٢ - رواه الطبري في تاريخه ١: ١٧٢.
١٨٩٤٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس.
* * *
= (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته)، واسمها فيما ذكر ابن إسحاق: راعيل بنت رعائيل.
١٨٩٤٤ - حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
* * *
(أكرمي مثواه)، يقول: أكرمي موضع مقامه، وذلك حيث يَثوِي ويُقيم فيه.
* * *
يقال:"ثوى فلان بمكان كذا": إذا أقام فيه. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩٤٥ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أكرمي مثواه) منزلته، وهي امرأة العزيز.
١٨٩٤٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه)، قال: منزلته.
(٢) انظر تفسير" المثوى" فيما سلف ٧: ٢٧٩ ١٢: ١١٧.
* * *
وقوله: (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) ذكر أن مشتري يوسف قال هذا القول لامرأته، حين دفعه إليها، لأنه لم يكن له ولد، ولم يأت النساء، فقال لها: أكرميه عسَى أن يكفينا بعض ما نعاني من أمورنا إذا فهم الأمور التي يُكلَّفها وعرفها = (أو نتخذه ولدًا)، يقول: أو نتبنَّاه.
١٨٩٤٨ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان إطفير فيما ذكر لي رجلا لا يأتي النساء، وكانت امرأته راعيل امرأةً حسناء ناعمةً طاعمة، في مُلك ودُنْيا. (١)
١٨٩٤٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس في يوسف فقال لامرأته: (أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) = وأبو بكر حين تفرَّس في عمر = والتي قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [سورة القصص: ٢٦].
١٨٩٥٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: انطُلِق بيوسف إلى مصر، فاشتراه العزيز ملك مصر، فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته: (أكرمي مثْواه عسى أن ينفعنا أو نتخذهُ ولدًا).
١٨٩٥١ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: (أكرمي مثواه)، والقوم فيه زاهدون = وأبو بكر حين تفرَّس في عمر فاستخلفه = والمرأة التي قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه).
* * *
* * *
وقوله: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) يقول تعالى ذكره: وكي نعلم يوسف من عبارة الرؤيا، (٢) مكنا له في الأرض، كما: -
١٨٩٥٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
١٨٩٥٣ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٩٥٤- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) قال: تعبير الرؤيا.
١٨٩٥٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
* * *
وقوله: (والله غالب على أمره) يقول تعالى ذكره: والله مستولٍ على أمر يوسف، يسوسه ويدبّره ويحوطه.
* * *
و"الهاء" في قوله: (على أمره) عائدة على يوسف.
* * *
وروي عن سعيد بن جبير في معنى"غالب"، ما: -
(٢) انظر تفسير" التأويل" فيما سلف ١٥: ٥٦٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.
* * *
وقوله (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يقول: ولكن أكثر الناس الذين زهدوا في يوسف، فباعوه بثمن خسيس، والذين صَار بين أظهرهم من أهل مصر حين بيع فيهم، لا يعلمون ما الله بيوسف صانع، وإليه يوسف من أمره صائرٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لما بلغ يوسف أشده، يقول: ولما بلغ منتهى شدته وقوته في شبابه وحَدِّه، وذلك فيما بين ثماني عشرة إلى ستين سنة، وقيل إلى أربعين سنة. (٢)
* * *
يقال منه:"مضت أشُدُّ الرجل": أي شدته، وهو جمع مثل"الأضُرّ" و"الأشُرّ"، (٣) لم يسمع له بواحد من لفظه. ويجب في القياس أن يكون واحده"شدَّ"، كما واحد"الأضر""ضر"، وواحد"الأشُر""شر"، كما قال الشاعر
(٢) انظر تفسير" الأشد" فيما سلف ١٢: ٢٢٢.
(٣) هكذا جاءني المخطوطة والمطبوعة، إلا أنه كان في المخطوطة" الأسر"، و" سر"، وقد مضى هذان اللفظان أيضا فيما سلف ١٢: ٢٢٢، وظننت هناك أنهما محرفتان، ولكن عجيب أن يظل التحريف هو. هو على بعد المكانين وأخشى أن يكون صواب" الأضر" هو" الأضب" جمع" ضب" ومهما يكن من شيء، فهذا مما لم أتبينه ولا عرفته، وفوق كل ذي علم عليم.
هَلْ غَيْرُ أَنْ كَثُرَ الأشُرُّ وَأَهْلَكَتْ | حَرْبُ المُلُوكِ أَكَاثِرَ الأَمْوَالِ (٢) |
وَقَدْ أَتَى لَوْ تُعْتِبُ الْعَوَاذِلُ | بَعْدَ الأشُدّ أَرْبَعٌ كَوَامِلِ (٣) |
وقد اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله به في هذا الموضع من"مبلغ الأشد".
فقال بعضهم: عني به ثلاث وثلاثون سنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٩٥٧ - حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد، قالا حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولما بلغ أشده)، قال: ثلاثًا وثلاثين سنة.
١٨٩٥٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٩٥٩ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
١٨٩٦٠ - حدثت عن علي بن الهيثم، عن بشر بن المفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: (ولما بلغ أشده) قال: بضعًا وثلاثين سنة.
* * *
وقال آخرون: بل عني به عشرون سنة.
* ذكر من قال ذلك:
(٢) في المطبوعة:" كثر الأشد"، وفي المخطوطة بالراء، ولم أجد البيت في غير هذا المكان.
(٣) لم أجده في غير هذا المكان. ولا أدري أهي في الرجز" الأشد" أو" الأشر".
* * *
وروي عن ابن عباس من وجه غير مرضيّ أنه قال: ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين. وقد بينت معنى"الأشُدّ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى يوسف لما بلغ أشدهُ حكمًا وعلمًا = و"الأشُدّ": هو انتهاء قوته وشبابه = وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثماني عشرة سنة = وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة = وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة = ولا دلالة له في كتاب الله، ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في إجماع الأمة، على أيّ ذلك كان. وإذا لم يكن ذلك موجودًا من الوجه الذي ذكرت، فالصوابُ أن يقال فيه كما قال عز وجل، حتى تثبت حجة بصحة ما قيل في ذلك من الوجه الذي يجب التسليم له، فيسلم لها حينئذ.
* * *
وقوله: (آتيناه حكمًا وعلمًا) يقول تعالى ذكره: أعطيناه حينئذ الفهم والعلم، (١) كما: -
١٨٩٦٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حكمًا وعلمًا) قال: العقل والعلم قبل النبوة.
* * *
وقوله: (وكذلك نجزي المحسنين) يقول تعالى ذكره: وكما جزيت يوسف فآتيته بطاعته إيّاي الحكمَ والعلمَ، ومكنته في الأرض، واستنقذته من أيدي إخوته
* * *
وهذا، وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن، فإن المرادَ به محمدٌ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم. يقول له عز وجل: كما فعلت هذا بيوسف من بعد ما لقي من إخوته ما لقي، وقاسى من البلاء ما قاسى، فمكنته في الأرض، ووطَّأتُ له في البلاد، فكذلك أفعل بك فأنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأمكن لك في الأرض، وأوتيك الحكم والعلم، لأنّ ذلك جزائي أهلَ الإحسان في أمري ونهيي.
* * *
١٨٩٦٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وكذلك نجزي المحسنين) يقول: المهتدين.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وراودت امرأة العزيز، وهي التي كان يوسفُ في بيتها [يوسفَ] عن نفسه، (١) أن يواقعها، كما: -
١٨٩٦٤ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولما بلغ أشدَّه، راودته التي هو في بيتها عن نفسه، امرأة العزيز.
١٨٩٦٦ -.... قال: وحدثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: قالت: تعالَهْ.
* * *
وقوله: (وغلقت الأبواب)، يقول: وغلقت المرأة أبواب البيوت عليها وعلى يوسف، لما أرادت منه وراودته عليه، بابًا بعد باب.
* * *
وقوله: (وقالت هيت لك)، اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الكوفة والبصرة: (هَيْتَ لَكْ) بفتح، الهاء والتاء، بمعنى: هلمَّ لك، وادن وتقرَّب، كما قال الشاعر لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه: (١)
أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ... أَخَا العِرَاقِ إذَا أَتَيْنَا... أَنَّ العِرَاقَ وَأَهْلَهُ... عُنُقٌ إِلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا (٢)
يعني: تعال واقرب.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك تأوّله من قرأه كذلك:
١٨٩٦٧ - حدثني محمد بن عبد الله المخرمي، قال: حدثنا أبو الجواب، قال: حدثنا عمار بن رزيق، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (هيت لك) قال: هلمَّ لك. (٣)
(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٠٥، واللسان (هيت)، (عنق). وقوله:" عنق إليك" أي مائلون إليك، كأنهم لووا أعناقهم إليك شوقًا أو ترقبًا.
(٣) الأثر: ١٨٩٦٧ -" محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي"، شيخ الطبري سلف مرارًا.
" أبو الجواب"، هو" الأحوص بن جواب الضبي"، روى عن سفيان الثوري، وسعير ابن الخمس، وعمار بن رزيق، وغيرهم. كان ثقة، وربما وهم. مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ٢ / ٥٩، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٢٨.
" وعمار بن رزيق الضبي"،" أبو الأحوص"، ثقة مضى برقم: ١٠١٩١.
١٨٩٦٩ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: (هيت لك) تقول: هلمّ لك.
١٨٩٧٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، أنه كان يقرأ هذا الحرف: (هيتَ لك) نصبًا، أي: هلم لك.
١٨٩٧١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس، قوله: (هيت لك) قال: تقول: هلم لك.
١٨٩٧٢ - حدثني أحمد بن سهيل الواسطي، قال: حدثنا قرة بن عيسى، قال: حدثنا النضر بن عربيّ الجزري، عن عكرمة، مولى ابن عباس، في قوله: (هيت لك) قال: هلم لك = قال: هي بالحَوْرانية. (١)
١٨٩٧٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وقالت هيت لك) قال الحسن: يقول: هلم لك.
١٨٩٧٤ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن: (هيت لك) يقول بعضهم: هلم لك.
وأما" قرة بن عيسى" فلم أجد من يسمى بهذا الاسم. ولكن الذي يروي عن" النضر بن عربي" هو:" بشر بن عبيس بن مرحوم العطار"، مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٦٢.
وأما" النضر بن عربي الجزري الباهلي" ثقة لا بأس به، مضى برقم: ١٣٠٧، ٥٨٦٤، وكان في المطبوعة" النضر بن علي الجزري"، غير ما في المخطوطة وأساء.
١٨٩٧٦ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن عمرو، عن الحسن: (هيت لك) قال: كلمة بالسريانية، أي: عليك.
١٨٩٧٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن: (هيت لك) قال: هلمَّ لك.
١٨٩٧٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا خلف بن هشام، قال: حدثنا محبوب، عن قتادة، عن الحسن: (هيت لك) قال: هلم لك.
١٨٩٧٩ -... قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد، عن عاصم، عن زرّ: (هيت لك)، أي: هلم.
١٨٩٨٠ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الثوري، قال: بلغني في قوله: (هيت لك) قال: هلم لك.
١٨٩٨١ - حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قرأ: (هيت لك) وقال: تدعوه إلى نفسها.
١٨٩٨٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: (هيت لك) قال: لغة عربية، تدعُوه بها.
١٨٩٨٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله = إلا أنه قال: لغة بالعربية، تدعوه بها إلى نفسها.
١٨٩٨٤ - حدثنا الحسن، قال: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء.
١٨٩٨٦ - حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن: (هيت لك) بفتح الهاء والتاء، وقال: تقول: هلم لك.
١٨٩٨٧ - حدثني الحارث قال: قال أبو عبيد: كان الكسائي يحكيها = يعني: (هيت لك) قال: وقال: وهي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز، معناها:"تعال". قال: وقال أبو عبيدة: سألت شيخًا عالمًا من أهل حوران، فذكر أنها لغتُهم، يعرفها.
١٨٩٨٨ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (هيت لك) قال: تعال.
١٨٩٨٩ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وقالت هيت لك) قال: هلمَّ لك، إليَّ.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين:"وَقَالَتْ هِئْتُ لَكَ" بكسر الهاء، وضم التاء، والهمزة، بمعنى: تهيَّأت لك، من قول القائل:"هئت للأمر أهِيء هَيْئَةً".
وممن روي ذلك عنه ابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وجماعة غيرهما.
١٨٩٩٠ - حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحجاج، عن هارون، عن أبان العطار، عن قتادة: أن ابن عباس قرأها كذلك، مكسور الهاء، مضمومة التاء. قال أحمد: قال أبو عبيدة: لا أعلمها إلا مهموزة.
١٨٩٩١ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن أبان العطار، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن السلمي:"هِئْتُ لَكَ" أي: تهيأت لك.
١٨٩٩٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرمة يقول: تهيأت لك.
١٨٩٩٤ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال:"هِئْتُ لَكَ" قال عكرمة: تهيأت لك.
١٨٩٩٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، قال: كان أبو وائل يقول:"هِئْتُ لَكَ": أي تهيأت لك. وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة.
١٨٩٩٦ - حدثت عن علي بن المغيرة، قال: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: شهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد = أو أحمد = وكان عالما بالقرآن (١) [وكان لألاء، ثم كبر، فقعد في بيته، فكان يؤخذ عنه القرآن، ويكون مع القضاة، فسأله] عن قول من قال:"هِئْتُ لَكَ" بكسر الهاء، وهمز الياء. فقال: أبو عمرو: [سى] (٢) إي: باطل، جعلها،"فعلت" من"تهيأت"، فهذا الخندق، (٣) فاستعرض العربَ حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحدًا يقول:"هئت لك"؟ (٤)
١٨٩٩٧ - حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: لم يكن الكسائي يحكي
(٢) هكذا رسم الكلمة في المخطوطة، وف المطبوعة" ينسى"، وفي مجاز القرآن" بنسى"، (بكسر النون، وسكون الباء، وكسر السين، بعدها ياء)، وأنا في شك من ذلك كله، وأخشى أن تكون" بسبس" (بفتح فسكون ففتح) و" البسبس"، الباطل، و" البسابس" مثله.
(٣) " الخندق"، هو خندق سابور، حفره من مدينة" هيت"، يشق طف البادية إلى كاظمة، مما يلي البصرة، وجعل عليه المسالح. وشرحه أبو عبيدة في المجاز شرحًا وافيًا، فراجعه هناك.
(٤) الأثر: ١٨٩٩٦ - هو نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٣٠٥ - ٣٠٦.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة:"هِيْتَ لَكَ" بكسر الهاء، وتسكين الياء، وفتح التاء.
* * *
وقرأه بعض المكيين:"هَيْتُ لَكَ" بفتح الهاء، وتسكين الياء، وضم التاء.
* * *
وقرأه بعض البصريين، وهو عبد الله بن إسحاق:"هَيْتِ لَكَ" بفتح الهاء، وكسر التاء.
* * *
وقد أنشد بعض الرواة بيتًا لطرفة بن العبد في"هيت" بفتح الهاء، وضم التاء، وذلك:
لَيْسَ قَومِي بِالأبْعَدِينَ إذَا مَا | قَالَ دَاعٍ مِنَ الْعَشِيرَةِ هَيْتُ (١) |
قال أبو جعفر: وأولى القراءة في ذلك، قراءة من قرأه: (هَيْتَ لَكَ) بفتح الهاء والتاء، وتسكين الياء، لأنها اللغة المعروفة في العرب دون غيرها، وأنها فيما ذُكِر قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
١٨٩٩٨ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال ابن مسعود: قد سمعت القرأة، فسمعتهم متقاربين، فاقرءوا كما عُلِّمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدكم:"هلم" و"تعال". ثم قرأ عبد الله: (هَيْتَ لَكَ) فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إن ناسًا يقرءونها:"هَيْتُ لَكَ" فقال عبد الله: إني أقرؤها كما عُلِّمْت، أحبُّ إليَّ. (٢)
(٢) الأثر: ١٨٩٩٨ - هذا إسناد صحيح، مر تفسير مثله مرارًا، وسيأتي من طرق مختصرًا. وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ٢٧٤، ٢٧٥،)، مختصرا. ورواه أبو داود أيضًا مختصرا في سننه ٤: ٥٢، ٥٣ برقم: ٤٠٠٤، ٤٠٠٥. ورواه أبو جعفر فيما سلف من طرق أخرى، مختصرًا، ليس فيه" هيت لك"، برقم: ٤٨، في أول الكتاب. وفصل الحافظ ابن حجر في الفتح، الكلام فيه بما لا مزيد عليه.
١٩٠٠٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن منصور، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: (هَيْتَ لَكَ) فقال له مسروق: إن ناسًا يقرءونها:"هَيْتُ لَكَ" فقال: دعوني، فإني أقرأ كما أقرئت أحبُّ إليّ. (٢)
١٩٠٠١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود قال: (هَيْتَ لَكَ) بنصب الهاء، والتاء، وبلا همز. (٣)
* * *
وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى: أنَّ العرب لا تثني"هيت" ولا تجمع ولا تؤنث، (٤) وأنها تصوره في كل حال، ، وإنّما يتبين العدد بما بعد، وكذلك التأنيث والتذكير. وقال: تقول للواحد:"هيت لك"، وللإثنين:"هيت لكما"، وللجمع:"هيت لكم"، وللنساء:"هيت لكن". (٥)
* * *
وقوله: (قال معاذ الله) يقول جل ثناؤه: قال يوسف إذ دعته المرأة
(٢) الأثر: - ١٩٠٠٠ - مكرر الأثرين السالفين، من طريق أخرى صحيحة، مختصر.
(٣) الأثر: ١٩٠٠١ - مختصر الآثار السالفة، من طريق صحيحة.
(٤) في المطبوعة:" هيت لك"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٥) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٠٥.
* * *
وقوله: (إنه ربي أحسن مثواي) يقول: إن صاحبك وزوجك سيدي، (٢) كما: -
١٩٠٠٢ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (معاذ الله إنه ربي) قال: سيدي.
١٩٠٠٣ -.... قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح: (إنه ربي) قال: سيدي.
١٩٠٠٤ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٠٠٥ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٠٠٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٠٠٧ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) قال: سيدي = يعني: زوج المرأة.
١٩٠٠٨ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال معاذ الله إنه ربي) يعني: إطفير. يقول: إنه سيدي.
* * *
وقوله: (أحسن مثواي) يقول: أحسن منزلتي، وأكرمني وائتمنني، فلا أخونه، (٣) كما:-
(٢) انظر تفسير" الرب" فيما سلف ١: ١٤١، ١٤٢ / ١٢: ٣٨٥، ٣٨٦، وغيرهما في فهارس اللغة (ربب).
(٣) انظر تفسير" المثوى" فيما سلف ص: ١٨، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
١٩٠١٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (أحسن مثواي) فلا أخونه في أهله.
١٩٠١١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (أحسن مثواي) قال: يريد يوسف سيدَه زوجَ المرأة.
* * *
وقوله: (إنه لا يفلح الظالمون) يقول: إنه لا يدرك البقاء، ولا ينجح من ظلم، (١) ففعل ما ليس له فعله. وهذا الذي تدعوني إليه من الفجور، ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منزله، كما:-
١٩٠١٢ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إنه لا يفلح الظالمون) قال: هذا الذي تدعوني إليه ظلم، ولا يفلح من عمل به.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) ﴾
قال أبو جعفر: ذكر أنَّ امرأة العزيز لما هَمَّت بيوسف وأرادت مُراودته، جعلت تذكر له محاسنَ نفسه، وتشوّقه إلى نفسها، كما:-
١٩٠١٣ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (ولقد همت به وهم بها) قال: قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك!
١٩٠١٤ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أكبَّت عليه - يعني المرأة - تُطمعه مرة وتخيفه أخرى، وتدعوه إلى لذّة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها، وهو شاب مستقبل يجد من شَبق الرجال ما يجد الرجل ; حتى رَقَّ لها مما يرى من كَلَفها به، ولم يتخوَّف منها حتى همَّ بها وهمَّت به، حتى خلوا في بعض بُيوته.
* * *
ومعنى"الهم بالشيء"، في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعتِه، ما لم يُواقِع
(٢) " اشتد"، أسرع العدو.
(٣) الأثر: ١٩٠١٣ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٧٣.
* * *
فأما ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره، وذلك ما:-
١٩٠١٥ - حدثنا أبو كريب وسفيان بن وكيع، وسهل بن موسى الرازي، قالوا: حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حَلّ الهِمْيان، وجلس منها مجلس الخاتن (٢) = لفظ الحديث لأبي كريب. (٣)
١٩٠١٦ - حدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا حدثنا ابن عيينة، قال: سمع عبيد الله بن أبي يزيد ابن عباس في (ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الخاتن، وحلّ الهميان.
١٩٠١٧ - حدثنا زياد بن عبد الله الحسَّاني، وعمرو بن علي، والحسن بن محمد، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس سئل: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهميان، وجلس منها مجلس الخاتن.
١٩٠١٨ - حدثني زياد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها.
١٩٠١٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة: (ولقد همت به وهم بها) قال: استلقت له، وحلّ ثيابه.
١٩٠٢٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (ولقد همت به وهم بها)،
(٢) قوله:" مجلس الخاتن"، هو الذي يختن الفتى أو الفتاة وفي مطبوعة تاريخ الطبري:" مجلس الحائز"، ولكن ستأتي في مخطوطة التفسير" الخاتن" في كل مكان وسيأتي تفسير" الهميان" في رقم: ١٩٠٢٢، وفي اللسان أنه" تكة السراويل".
(٣) الأثر: ١٩٠١٥ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٧٣، بهذا الإسناد نفسه.
١٩٠٢١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت على قفاها، وقعد بين رجليها لينزعَ ثيابه.
١٩٠٢٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: سئل ابن عباس، عن قوله: (ولقد همت به وهم بها) ما بلغ من هم يوسف؟ قال: حل الهميان = يعني السَّراويل.
١٩٠٢٣ - حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت الأعمش، عن مجاهد، في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حلَّ السراويل حتى أَلْيَتيه (١) واستلقت له.
١٩٠٢٤ - حدثنا زياد بن عبد الله الحساني، قال: حدثنا مالك بن سعير، قال: حدثنا الأعمش، عن مجاهد، في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حلّ سراويله، حتى وقع على أَلْيَتيه. (٢)
١٩٠٢٥ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته.
(٢) انظر التعليق السالف، وكان في المطبوعة:" على التبان".
١٩٠٢٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثني حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، قال: قلت لابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها ينزع ثيابه.
١٩٠٢٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا يحيى بن اليمان، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير وعكرمة، قالا حلّ السراويل، وجلس منها مجلس الخاتن.
١٩٠٢٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد: (ولقد همت به وهم بها) قال: استلقت، وحلّ ثيابه حتى بلغ ألياته. (١)
١٩٠٣٠ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (ولقد همت به وهم بها) قال: أطلق تِكَّة سراويله.
١٩٠٣١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، قال: شهدت ابن عباس سئل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال: حلّ الهِميان، وجلس منها مجلس الخاتن.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا، وهو لله نبيّ؟
قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك.
* * *
وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك، ليعرّفهم موضع نعمته عليهم، بصفحه عنهم، وتركه عقوبتَه عليه في الآخرة.
* * *
وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رَجاء رحمة الله، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا.
* * *
وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة.
فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه، لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه، وكفَّه ذلك عما همّ به من أذاها = لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها. قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها، وهو غير"الفحشاء".
* * *
وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف، فقيل:"وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه". كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها، وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا)، [النساء: ٨٣].
* * *
* * *
وقال آخرون منهم: بل قد همَّت المرأة بيوسف، وهم يوسف بالمرأة، غير أن همَّهما كان تميِيلا منهما بين الفعل والترك، (١) لا عزمًا ولا إرادة. قالوا: ولا حرج في حديث النفس، ولا في ذكر القلب، إذا لم يكن معهما عزْمٌ ولا فعلٌ.
* * *
وأما"البرهان" الذي رآه يوسف، فترك من أجله مواقعة الخطيئة، فإن أهل العلم مختلفون فيه.
فقال بعضهم: نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٠٣٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: نودي: يا يوسف، أتزني، فتكون كالطير وَقَع ريشه، فذهب يطير فلا ريش له؟
١٩٠٣٣ -.... قال: حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: لم يُعْطِ على النداء، (٢) حتى رأى برهان
(٢) في المطبوعة:" لم يتعظ"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صحيح المعنى، يعني لم يعط المقادة والطاعة وهو كقوله في رقم: ١٩٠٣٧،" فلم يطع على النداء"، ثم قوله في رقم ١٩٠٣٨" فلم يعط على النداء شيئا"، فجاء بها في المطبوعة على الصواب.
١٩٠٣٤ - حدثني زياد بن عبد الله الحساني، قال: حدثني محمد بن أبي عدي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: نُودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطائر له ريش، فإذا زنى ذهب ريشه، أو قعد لا ريش له. قال: فلم يُعْطِ على النداء، (١) فلم يزد على هذا = قال ابن جريج: وحدثني غير واحد، أنه رأى أباه عاضًّا على إصبعه.
١٩٠٣٥ - حدثني أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي =، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: نودي فلم يسمع، فقيل له: يا ابن يعقوب، تريد أن تزني، فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟
١٩٠٣٦ - حدثنا ابن حميد. قال: حدثنا سلمة، عن طلحة، عن عمرو الحضرمي، عن ابن أبي مليكة، قال: بلغني أنّ يوسف لما جلس بين رجلي المرأة فهو يحلّ هميانه، نودي: يا يوسف بن يعقوب، لا تزن، فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه. فأعرض، ثم نودي فأعرض، فتمثل له يعقوب عاضًّا على إصبعه، فقام.
١٩٠٣٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: نودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه، وبقي لا ريش له! فلم يطع على النداء، ففُزِّع.
١٩٠٣٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن
١٩٠٣٩ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب، أتزني، فتكون كالطير وقع ريشه، فذهب يطيرُ فلا ريش له؟
١٩٠٤٠ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن همام بن يحيى، عن قتادة قال: نودي يوسف فقيل: أنت مكتوب في الأنبياء، تعمل عمل السفهاء؟
١٩٠٤١ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يمان. عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: نودي: يُوسفَ بن يعقوب، تزني، فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟
* * *
وقال آخرون:"البرهان" الذي رأى يوسف فكفّ عن مواقعة الخطيئة من أجله، صورة يعقوب عليهما السلام يتوعّده.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٠٤٢ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورةَ = أو: تمثالَ = وجهِ يعقوب عاضًّا على إصبعه، فخرجت شهوته من أنامله.
١٩٠٤٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بشر، عن مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثال وجه أبيه، قائلا بكفه هكذا = وبسط كفه = فخرجت شهوته من أنامله.
١٩٠٤٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب عاضًّا على أصابعه، فضرب صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
١٩٠٤٦ - حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورة يعقوب واضعًا أنملته على فيه، يتوعَّده، ففرَّ.
١٩٠٤٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن عباد، قال: حدثنا جرير بن حازم، قال سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث، عن ابن عباس، في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حين رأى يعقوبَ في سقف البيْت، قال: فنزعت شهوته التي كان يجدها، حتى خرج يسعى إلى باب البيت، فتبعته المرأة.
١٩٠٤٨ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي = عن قرة بن خالد السدوسي، عن الحسن، قال: زعموا، والله
١٩٠٤٩ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثالَ يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف!
١٩٠٥٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، نحوه.
١٩٠٥١ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عمرو العنقزي، قال: أخبرنا سفيان الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثال وجه يعقوب، فخرجت شهوته من أنامله.
١٩٠٥٢ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، قال: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من أنامله. فكلُّ ولد يعقوب وُلِدَ له اثنا عشر رجلا إلا يوسف، فإنه نقص بتلك الشهوة، ولم يولد له غير أحد عشر.
١٩٠٥٣ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره: أن البرهان الذي رأى يوسف، يعقوبُ.
١٩٠٥٤ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عيسى بن المنذر، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا يونس بن يزيد الإيلي، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، مثله.
١٩٠٥٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب.
١٩٠٥٧ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: يعقوب.
١٩٠٥٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٠٥٩ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٠٦٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: مَثَل له يعقوب.
١٩٠٦١ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته، حتى رأى صورةَ يعقوب في الجدُر (١).
١٩٠٦٢ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مثل له يعقوب.
١٩٠٦٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن القاسم بن أبي بزة، قال: نودي: يا ابن يعقوب، لا تكونن كالطير له ريش، فإذا زنى قَعَد ليس له ريش. فلم يُعْرِض للنداء وقعد، فرفع رأسه، فرأى وجهَ يعقوب عاضًّا على إصبعه، فقام مرعوبًا استحياء من الله، فذلك قول الله: (لولا أن رأى برهان ربه)، وجهَ يعقوب.
١٩٠٦٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، مثله.
١٩٠٦٦ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: مثل له يعقوب، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
١٩٠٦٧ -.... قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، قال: كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر ابنًا، إلا يوسف، ولد له أحد عشر، من أجل ما خرج من شهوته.
١٩٠٦٨ - حدثني يونس، قال: أخبرنا: ابن وهب، قال: قال أبو شريح: سمعت عبيد الله بن أبي جعفر يقول: بلغ من شهوة يوسف أن خرجت من بَنَانه.
١٩٠٦٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، عن محمد الخراساني، قال: سألت محمد بن سيرين، عن قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب عاضًّا على أصابعه يقول: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، اسمك في الأنبياء، وتعمل عمل السفهاء؟
١٩٠٧٠ - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن الحسن، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف!
١٩٠٧١ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال، قال قتادة: رأى صورة يعقوب، فقال: يا يوسف، تعمل عمل الفجَّار، وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فاستحيى منه.
١٩٠٧٣ -.... قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أنه مَثَل له يعقوب وهو عاضٌّ على إصبع من أصابعه.
١٩٠٧٤ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت عاضًّا على إصبعه يقول: يا يوسف! يا يوسف! يعني قوله: (لولا أن رأى برهان ربه).
١٩٠٧٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور ويونس عن الحسن، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه)، قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت، عاضًّا على إصبعه.
١٩٠٧٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح مثله، وقال عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف!
١٩٠٧٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يا يوسف! فذاك حيث كفَّ، وقام فاندفع.
١٩٠٧٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن سالم وأبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من بين أنامله.
١٩٠٨٠ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى= يعني ابن عباد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: (لولا أن رأى برهان ربه)، قال: تمثال صورة يعقوب في سقف البيت.
١٩٠٨١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: رأى يعقوب عاضًّا على يده.
١٩٠٨٢ -.... قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه)، قال: يعقوب، ضرب بيده على صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
١٩٠٨٣ - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه)، آية من ربه ; يزعمون أنه مَثَلَ له يعقوب، فاستحيىمنه.
* * *
وقال آخرون: بل البرهان الذي رأى يوسف، ما أوعد الله عز وجل على الزنا أهله.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٠٨٤ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن أبي مودود، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال: رفع رأسَه إلى سقف البيت، فإذا كتاب في حائط البيت: (لا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا)، (١) [سورة الإسراء: ٣٢].
١٩٠٨٦ -.... قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: لولا ما رأى في القرآن من تعظيم الزنا.
١٩٠٨٧ - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن أبي صخر، قال: سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رأى يوسف: ثلاث آيات من كتاب الله: (إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ) الآية، [سورة الانفطار: ١٠]، وقوله: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ) الآية، [سورة يونس: ٦١]، وقوله: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) [سورة الرعد: ٣٣]. قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي، وزاد آية رابعة: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا).
١٩٠٨٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: (لولا أن رأى برهان ربه) فقال: ما حرَّم الله عليه من الزنا.
* * *
وقال آخرون: بل رأى تمثال الملك.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٠٨٩ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) يقول: آيات ربه، أُرِيَ تمثالَ الملك.
١٩٠٩٠ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آيةٌ من الله، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة = وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب = وجائز أن تكون صورة الملك - وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا = ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك [كان] من أيٍّ. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه.
* * *
وقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء)، يقول تعالى ذكره: كما أرينَا يوسف برهاننا على الزجر عمَّا همّ به من الفاحشة، كذلك نسبّب له في كلِّ ما عرض له من همٍّ يهمُّ به فيما لا يرضاه، ما يزجره ويدفعه عنه ; كي نصرف عنه ركوب ما حرَّمنا عليه، وإتيان الزنا، لنطهره من دنس ذلك. (١)
* * *
وقوله: (إنه من عبادنا المخلصين) اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة المدينة والكوفة (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) بفتح اللام من"المخلصين"، بتأويل: إن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا، واخترناهم لنبوّتنا ورسالتنا.
* * *
= وتفسير" الفحشاء" فيما سلف ١٢: ٥٤٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من القرأة، وهما متفقتا المعنى. وذلك أن من أخلصه الله لنفسه فاختاره، فهو مُخْلِصٌ لله التوحيدَ والعبادة، ومن أخلص توحيدَ الله وعبادته فلم يشرك بالله شيئًا، فهو ممن أخلصه الله، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصوابِ مصيبٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: واستبق يوسف وامرأة العزيز بابَ البيت، (١) أما يوسف ففرارًا من ركوب الفاحشة لما رأى برهان ربه فزجره عنها، وأما المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها منه التي راودته عليها، فأدركته فتعلقت بقميصه، فجذبته إليها مانعةً له من الخروج من الباب، ، فقدَّته من دبر = يعني: شقته من خلف لا من قدام، (٢) لأن يوسف كان هو الهارب، وكانت هي الطالبة، كما: -
١٩٠٩١ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
(٢) انظر تفسير" الدبر" فيما سلف ١٤: ١٥، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
١٩٠٩٢ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رأى برهان ربه، انكشفَ عنها هاربًا، واتبعته، فأخذت قميصه من دبر، فشقَّته عليه.
* * *
وقوله: (وألفيا سيدها لدى الباب)، يقول جل ثناؤه: وصادفا سيدها (١) = وهو زوج المرأة (٢) ="لدى الباب"، يعني: عند الباب (٣). كالذي: -
١٩٠٩٣ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد: (وألفيا سيدها)، قال: سيدها: زوجها =، (لدى الباب)، قال: عند الباب.
١٩٠٩٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن الحسن، عن زيد بن ثابت، قال": السيد"، الزوج.
١٩٠٩٥ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وألفيا سيدها لدى الباب)، أي: عند الباب.
١٩٠٩٦ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وألفيا سيدها لدى الباب)، قال: جالسًا عند الباب وابن عمّها معه، فلما رأته قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا؟ إنه راودني عن نفسي، فدفعته عن نفسي، فشققت قميصه. قال يوسف: بل هي راودتني عن نفسي، وفررت منها فأدركتني، فشقت قميصي. فقال ابن عمها: تِبْيان هذا في القميص،
(٢) انظر تفسير" السيد" فيما سلف ٦: ٣٧٤.
(٣) انظر تفسير" لدى فيما سلف ٦: ٤٠٧.
١٩٠٩٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وألفيا سيدها لدى الباب)، إطفير، قائمًا على باب البيت، فقالت وهابَتْه: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) ولطخته مكانها بالسيئة، فَرَقًا من أن يتهمها صاحبُها على القبيح. فقال هو، وصَدقه الحديث: (هي راودتني عن نفسي).
* * *
وقوله: (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا) يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز لزوجها لما ألفياه عند الباب، فخافت أن يتهمها بالفجور: ما ثواب رجل أرادَ بامرأتك الزنا إلا أن يسجن في السجن، (١) أو إلا عذاب أليم = يقول: موجع.
* * *
وإنما قال: (إلا أن يسجن أو عذاب أليم)، لأن قوله: (إلا أن يسجن)، بمعنى إلا السجن، فعطف"العذاب" عليه ; وذلك أن"أن" وما عملت فيه بمنزلة الاسم.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لما قذفته امرأة العزيز بما قذفته من إرادته الفاحشة منها، مكذِّبًا لها فيما قذفته به ودفعًا لما نسب إليه: ما أنا راودتها عن نفسها، بل هي راودتني عن نفسي. (١)
* * *
وقد قيل: إن يوسف لم يرد ذكر ذلك، لو لم تقذفه عند سيدها بما قذفته به.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٠٩٨ - حدثني محمد بن عمارة، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا شيبان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي، قال: ما كان يوسف يريد أن يذكره، حتى قالت: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا)، الآية، قال: فغضب فقال: (هي راودتني عن نفسي). (٢)
* * *
وأما قوله: (وشهد شاهد من أهلها) فإن أهل العلم اختلفوا في صفة الشاهد.
فقال بعضهم: كان صبيًّا في المهد.
(٢) الأثر: ١٩٠٩٨ - في المطبوعة:" نوف الشيباني"، وهو خطأ محض، مأتاه من سوء كتابة المخطوطة، وإن كانت واضحة بعض الوضوح، والصواب" نوف الشامي"، وهو:" نوف ابن فضالة البكالي الحميري، الشامي"، انظر ما سلف رقم: ١٨٩٢٣، والتعليق عليه.
١٩٠٩٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا العلاء بن عبد الجبار، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: تكلم أربعة في المهد وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم عليه السلام. (١)
١٩١٠٠ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: عيسى، وصاحب يوسف، وصاحب جريج = يعني: تكلموا في المهد. (٢)
١٩١٠١ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زائدة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وشهد شاهد من أهلها)، قال: صبي.
١٩١٠٢ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وشهد شاهد من أهلها)، قال: كان في المهد صبيًّا.
١٩١٠٣ - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا أيوب بن جابر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: صبي. (٣)
(٢) الأثر: ١٩١٠٠ -" أبو بكر الهذلي"، كلن يكذب، متروك الحديث. مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٧٦١٦، ١٨٤٣٩، ولكن حديث أبي هريرة مطولا رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٦: ٣٤٤ - ٣٤٨)، ومسلم في صحيحه ١٦: ١٠٦، ورواه أحمد في المسند: ٨٠٥٧، ٨٠٥٨ بإسناد صحيح، وانظر شرح أخي رحمه الله.
(٣) الأثر: ١٩١٠٣ -" أيوب بن جابر بن سيار اليمامي"، ضعيف. مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ١ / ٤١٠، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٢٤٢، وميزان الاعتدال ١: ١٣٢.
١٩١٠٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: كان صبيًّا في مهده.
١٩١٠٦ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن هلال بن يساف: (وشهد شاهد من أهلها) قال: صبي في المهد.
١٩١٠٧ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (وشهد شاهد من أهلها)، قال: صبي أنطقه الله. ويقال: ذو رأي برأيه. (١)
١٩١٠٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا عفان، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرني عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال:"تكلم أربعة وهم صغار"، فذكر فيهم شاهد يوسف (٢).
١٩١٠٩ - حدثت عن الحسين بن الفرج. قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وشهد شاهد من أهلها) يزعمون أنه كان صبيًّا في الدار.
١٩١١٠ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عمي
(٢) الأثر: ١٩١٠٨ - حديث حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، حديث طويل، رواه أحمد في مسنده رقم: ٢٨٢٢، ٢٨٢٣، ٢٨٢٤، ٢٨٢٥، وفي آخره: قال" قال ابن عباس: تكلم أربعة صغار، عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة فرعون"، ولم يرفع هذا القول الأخير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسناده إسناد صحيح.
* * *
وقال آخرون: كان رجلا ذا لحية.
* ذكر من قال ذلك:
١٩١١١ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي =، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان ذا لحية.
١٩١١٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي =، عن سفيان، عن جابر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (وشهد شاهد من أهلها)، قال: كان من خاصّة الملك.
١٩١١٣ -.... وبه قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، سمع عكرمة يقول: (وشهد شاهد من أهلها) قال: ما كان بصبيّ، ولكن كان رجلا حكيمًا.
١٩١١٤ - حدثنا سوّار بن عبد الله، قال، حدثنا عبد الملك بن الصباح، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، وذكره عنده: (وشهد شاهد من أهلها) فقالوا: كان صبيًّا. فقال: إنه ليس بصبي، ولكنه رجل حكيم (١).
١٩١١٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (وشهد شاهد من أهلها) قال: كان رجلا.
١٩١١٦ - حدثنا ابن بشار، قال، حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان،
١٩١١٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل.
١٩١١٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل.
١٩١١٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وشهد شاهد من أهلها) قال: ذو لحية.
١٩١٢٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: ابن عمها كان الشاهدَ من أهلها.
١٩١٢١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وشهد شاهد من أهلها) قال: ذو لحية.
١٩١٢٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ذو لحية.
١٩١٢٣ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن جابر، عن ابن أبي مليكة: (وشهد شاهد من أهلها) قال: كان من خاصة الملك.
١٩١٢٤ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل حكيم كان من أهلها.
١٩١٢٥ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل حكيم من أهلها.
١٩١٢٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن الحسن، في قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل له رأي أشارَ برأيه.
١٩١٢٨ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وشهد شاهد من أهلها) قال: يقال: إنما كان الشاهد مشيرًا، رجلا من أهل إطفير، وكان يستعين برأيه = إلا أنه قال: أشهد إن كان قميصه قدّ من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبين.
* * *
وقيل: معنى قوله: (وشهد شاهد) : حكم حاكم.
١٩١٢٩ - حدثت بذلك عن الفراء، عن معلي بن هلال، عن أبي يحيى، عن مجاهد.
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بالشاهد، القميصَ المقدودَ.
* ذكر من قال ذلك:
١٩١٣٠ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: قميصُه مشقوق من دبر، فتلك الشهادة.
١٩١٣١ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وشهد شاهد من أهلها)، قميصُه مشقوق من دبر، فتلك الشهادة.
١٩١٣٢ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد: (وشهد شاهد من أهلها) لم يكن من الإنس.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، قول من قال: كان صبيًّا في المهد = للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنه ذكر من تكلم في المهد. فذكر أنَّ أحدهم صاحب يوسف.
* * *
فأمّا ما قاله مجاهد من أنه القميص المقدود، فما لا معنى له ; لأن الله تعالى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل المرأة فقال: (وشهد شاهد من أهلها)، ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا المرأة.
* * *
وقوله: (إن كان قميصه قُدّ من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين)، لأن المطلوب إذا كان هاربًا فإنما يؤتى من قِبل دبره، فكان معلومًا أن الشق لو كان من قُبُل لم يكن هاربًا مطلوبًا. ولكن كان يكون طالبًا مدفوعًا، وكان يكون ذلك شهادة على كذبه.
١٩١٣٤ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال: أشهد إن كان قميصه قُدّ من قُبُل لقد صدقت وهو من الكاذبين. وذلك أن الرجل إنما يريد المرأة مقبلا = (وإن كان قميصه قُدّ مِن دُبر فكذبت وهو من الصادقين) وذلك أن الرجل لا يأتي المرأة من دُبر. وقال: إنه لا ينبغي أن يكون في الحقّ إلا ذاك. فلما رأى إطفير قميصَه قدَّ من دُبر عرف أنه من كيدها، فقال: (إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم).
١٩١٣٥ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قال = يعني: الشاهدُ من أهلها =: القميصُ يقضي بينهما، (إن كان قميصه قدّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُدّ من دُبر فكذبت
* * *
قال أبو جعفر: وإنما حذفت"أنَّ" التي تتلقَّى بها"الشهادة" لأنه ذهب بالشهادة إلى معنى"القول"، كأنه قال: وقال قائل من أهلها: إن كان قميصه = كما قيل: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ) [سورة النساء: ١١]، لأنه ذهب بالوصية إلى"القول".
* * *
وقوله: (فلما رأى قميصه قدّ من دبر)، خبر عن زوج المرأة، وهو القائل لها: إن هذا الفعل من كيدكن = أي: صنيعكن، يعني من صنيع النساء (١) = (إن كيدكن عظيم).
* * *
وقيل: إنه خبر عن الشاهد أنه القائلُ ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا فيما ذكر عن ابن عباس، خبرٌ من الله تعالى ذكره عن قِيل الشاهد أنه قال للمرأة وليوسف.
* * *
يعني بقوله: (يوسف) يا يوسف = (أعرض عن هذا)، يقول: أعرض عن ذكر ما كان منها إليك فيما راودتك عليه، فلا تذكره لأحد، (٢) كما:-
(٢) انظر تفسير" الإعراض" فيما سلف ١٥: ٤٠٧، تعليق: ١، والمراجع.
* * *
= (إنك كنت من الخاطئين)، يقول: إنك كنت من المذنبين في مراودة يوسف عن نفسه.
* * *
يقال منه:"خَطِئ" في الخطيئة"يخطَأ خِطْأً وخَطَأً" (١) كما قال جل ثناؤه: (إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) [سورة الإسراء: ٣١]، و"الخطأ" في الأمر.
وحكي في"الصواب" أيضًا"الصوابُ"، و"الصَّوْبُ"، (٢) كما قال: الشاعر: (٣)
لَعَمْرُكَ إِنَّمَا خَطَئِي وَصَوْبِي... عَلَيَّ وَإِنَّ مَا أَهْلَكْتُ مَالُ (٤)
وينشد بيت أمية:
عِبَادُكَ يُخْطِئُونَ وَأَنْتَ رَبٌّ... بِكَفَّيْكَ الْمَنَايَا وَالْحُتُومُ (٥)
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" أيضًا الصواب، والصوب"، وكأن الصواب ما أثبت. وأخشى أن يكون:" والخطأ" و" الخطاء" في الأمر، وحكي في" الصواب... "، يعني المقصور والممدود.
(٣) هو أوس بن غلفاء.
(٤) نوادر أبي زيد: ٤٧، طبقات فحول الشعراء: ١٤٠، مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٤١، اللسان (صوب)، من أبيات يقولها لامرأته: أَلا قالَتْ أُمَامَةُ يَوْمَ غُوْلٍ:... تَقَطَّعَ بِابنِ غَلْفاء الحِبالُ
ذَرِيني إنَّما خَطَئِي وصَوْبي......................
فَإِنْ تَرَنِي أُمَامَة قَلَّ مالِي... وَأْلَهانِي عَنِ الغَزْوِ ابْتِذَالُ
فَقَدْ ألْهُو مَعَ النَّفَرِ النَّشَاوَى... لِيَ النَّسَبُ المُوَاصَلُ والخِلالُ
(٥) ديوانه: ٤، واللسان (خطأ)، (حتم)، وقبل البيت: سَلامَكَ رَبَّنا فِي كُلِّ فَجْرٍ... بَرِيئًا ما تَلِيقُ بِكَ الذًّمُومُ
وبعده: غَدَاةَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ... ألاَ يَاليْتَ أُمَّكُمُ عَقِيمُ
.
* * *
وقيل: (إنك كنت من الخاطئين)، لم يقل: من الخاطئات، لأنه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء، وإنما قصد به الخبر عمَّن يفعل ذلك فيخطَأ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وتحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز في مدينة مصر، وشاع من أمرهما فيها ما كان، فلم ينكتم، وقلن: (امرأة العزيز تراود فتاها)، (١) عبدها (٢) = (عن نفسه)، كما:-
١٩١٣٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وشاع الحديث في القرية، وتحدث النساء بأمره وأمرها، وقلن: (امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه)، أي: عبدها.
* * *
وأما"العزيز" فإنه:"الملك" في كلام العرب، (٣) ومنه قول أبي دؤاد:
دُرَّةٌ غَاصَ عَلَيْهَا تَاجِرٌ | جُلِيَتْ عِنْدَ عَزِيزٍ يَوْمَ طَلِّ (٤) |
* * *
(٢) انظر تفسير" الفتى" فيما سلف ٨: ١٨٨.
(٣) هذا التفسير من عزيز اللغة، وليس في المعاجم، فليقيد في مكانه.
(٤) لم أجد البيت في مكان آخر.
(٥) انظر تفسير" العزة" فيما سلف من فهارس اللغة (عزز).
* * *
و"شَغَاف القلب": حجابه وغلافه الذي هو فيه، وإياه عنى النابغة الذبياني بقوله:
وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُونَ ذَلِكَ دَاخِلٌ | دُخُولَ شَغَافٍ تَبْتَغِيهِ الأصَابِعُ (١) |
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩١٣٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة يقول في قوله: (شغفها حبًّا) قال: دخل حبه تحت الشَّغاف.
١٩١٣٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (قد شغفها حبًّا)، قال: دخل حبه في شَغافها.
١٩١٤٠ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قد شغفها حبًّا)، قال: دخل حبه في شَغافها.
و"الأصابع" يعني أصابع الأطباء. وجعله الطبري من" الشغاف" بالفتح، واللغويون يجعلونه من" الشغاف" (بضم الشين"، وهو داء يأخذ تحت الشراسيف من الشق الأيمن. وإذا اتصل بالطحال قتل صاحبه. وهذا أجود الكلاميين.
١٩١٤٢ -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث الحسن بن محمد، عن شبابة.
١٩١٤٣ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قد شغفها حبًّا)، يقول: عَلَّقها حبًّا.
١٩١٤٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (قد شغفها حبًّا)، قال: غَلَبها.
١٩١٤٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن أبيه عن أيوب بن عائذ الطائي عن الشعبي: (قد شغفها حبًّا)، قال:"المشغوف": المحب، و"المشعوف"، (١) المجنون. (٢)
١٩١٤٦ -.... وبه قال، حدثنا أبي، عن أبي الأشهب، عن أبي رجاء والحسن: (قد شغفها حبًّا)، قال أحدهما: قد بَطَنَها حبًّا. وقال الآخر: قد صَدَقها حبًّا.
١٩١٤٧ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (قد شغفها حبا)، قال: قد بطنَها حبًّا = قال يعقوب: قال أبو بشر: أهل المدينة يقولون:"قد بَطَنها حبًّا".
١٩١٤٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن
(٢) الأثر: ١٩١٤٥ -" أيوب بن عائذ المدلجي الطائي"، ثقة، مضى برقم: ١٠٣٣٨، ١٠٣٣٩
١٩١٤٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن قرة، عن الحسن: (قد شغفها حبًّا)، قال: قد بَطَن بها حبًّا. (١)
١٩١٥٠ - حدثنا الحسن، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن: (قد شغفها حبًّا)، قال: بَطَنها حبه.
١٩١٥١ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. عن الحسن: (قد شغفها حبًّا)، قال: بطَن بها.
١٩١٥٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (قد شغفها حبًّا)، قال: استبطنها حبها إياه.
١٩١٥٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قد شغفها حبًّا)، أي: قد عَلَّقها.
١٩١٥٤ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: (قد شغفها حبًّا)، قال: قد عَلَّقَها حبًّا.
١٩١٥٥ - حدثنا بن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: هو الحب اللازق بالقلب.
١٩١٥٦ - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، في قوله: (قد شغفها حبًّا)، يقول: هلكت عليه حبًّا، و"الشَّغَاف": شَغَاف القلب.
١٩١٥٧ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الأمصار بالغين: (قَدْ شَغَفَهَا)، على معنى ما وصفت من التأويل.
* * *
وقرأ ذلك أبو رجاء:"قَدْ شَعَفَهَا" بالعين. (٢)
١٩١٥٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن أبي رجاء:"قَدْ شَعَفَهَا".
١٩١٥٩ -.... قال: حدثنا خلف، قال: حدثنا هشيم، عن أبي الأشهب، أو عوف عن أبي رجاء:"قَدْ شَعَفَهَا حُبًّا"، بالعين.
١٩١٦٠ -.... قال: حدثنا خلف، قال: حدثنا محبوب، قال: قرأه عوف:"قَدْ شَعَفَهَا".
١٩١٦١ -.... قال: حدثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن أسيد، عن الأعرج:"قَدْ شَعَفَهَا حُبًّا"، وقال: شَعَفَهَا إذا كان هو يحبها.
* * *
ووجَّه هؤلاء معنى الكلام إلى أنَّ الحبَّ قد عمَّها.
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: هو من قول القائل:
(٢) هكذا في المخطوطة:" شعفها"، وظني أن الصواب:" شغف بها، إذا كان هو يحبها"، وذلك بالبناء للمجهول، أما هذا الذي قاله، فمما لا يعرف.
* * *
وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال:"الشغف"، شغف الحب = و"الشعف"، شعف الدابة حين تذعر.
١٩١٦٢ - حدثني بذلك الحارث، عن القاسم، أنه قال: يروى ذلك عن أبي عوانة، عن مغيرة عنه.
= قال الحارث: قال القاسم، يذهب إبراهيم إلى أن أصل"الشَّعَف"، هو الذعر. قال: وكذلك هو كما قال إبراهيم في الأصل، إلا أن العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها ; قال امرؤ القيس:
أَتَقْتُلُنِي وَقَدْ شَعَفْتُ فُؤَادَهَا | كَمَا شَعَفَ المَهْنُوءَة الرَّجُلُ الطَّالِي (١) |
* * *
وقال ابن زيد في ذلك ما: -
١٩١٦٣ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قد شغفها حبًّا) قال: إن"الشغف" و"الشعف"، مختلفان،
* * *
وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له، لأن"الشعف" في كلام العرب بمعنى عموم الحب، أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندنا من القراءة: (قَدْ شَغَفَهَا)، بالغين، لإجماع الحجة من القرأة عليه.
* * *
وقوله: (إنا لنراها في ضلال مبين)، قلن: إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه، وغلبة حبه عليها، لفي خطأ من الفعل، وجَوْر عن قصد السبيل ="مبين"، لمن تأمله وعلمه أنه ضلال، وخطأ غير صواب ولا سداد. (١) وإنما كان قيلهنّ ما قلن من ذلك، وتحدُّثهن بما تحدَّثن به من شأنها وشأن يوسف، مكرًا منهن، فيما ذكر، لتريَهُنَّ يوسف.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عز وجل عنهن =
* * *
وكان مكرهنَّ ما: -
١٩١٦٥ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما أظهر النساء ذلك، من قولهن": تراود عبدها! " مكرًا بها لتريهن يوسف، وكان يوصف لهن بحُسنه وجماله ; (فلما سمعت بمكرهن (١) أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ).
١٩١٦٦ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فلما سمعت بمكرهن) : ، أي بحديثهن، (= أرسلت إليهن)، يقول: أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف.
* * *
(وأعتدت)، "أفعلت" من العتاد، وهو العدَّة، (٢) ومعناه: أعدّت لهن ="متكأ"، يعني: مجلسًا للطعام، وما يتكئن عليه من النمارق والوَسائد:
* * *
= وهو"مفتعل" من قول القائل:"اتَّكأت"، يقال:"ألق له مُتَّكأ"، يعني: ما يتكئ عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩١٦٧ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن اليمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد: (وأعتدت لهن متكأ) قال: طعامًا وشرابًا ومتكأ.
١٩١٦٨ -.... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: يتكئن عليه.
(٢) انظر تفسير" أعتد" فيما سلف ٨: ١٠٣، ٣٥٥ / ٩: ٣٥٣، ٣٩٢.
١٩١٧٠ -.... قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي الأشهب، عن الحسن أنه كان يقرأ: (مُتَّكَآءً)، ويقول: هو المجلس والطعام. (١)
١٩١٧١ -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد: من قرأ:"مُتْكَأً"، خفيفة، يعني طعامًا. ومن قرأ (مُتَّكَأً)، يعني المتكأ.
* * *
فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه تأويل هذه الكلمة، هو معنى الكلمة، وتأويل"المتكأ"، وأنها أعدّت للنسوة مجلسًا فيه متكأ وطعام وشراب وأترج. ثم فسر بعضهم"المتكأ" بأنه الطعام على وجه الخبر عن الذي أعدّ من أجله المتكأ = وبعضهم عن الخبر عن الأترج. إذ كان في الكلام: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، لأن السكين إنما تعد للأترج وما أشبهه مما يقطع به = وبعضهم على البزماورد.
١٩١٧٢ - حدثني هارون بن حاتم المقرئ، قال: حدثنا هشيم بن الزبرقان، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: البزماورد.
* * *
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى:"المتكأ": هو النُّمْرُق يتكأ عليه. وقال: زعم قوم أنه الأترج. قال: وهذا أبطل باطل في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع"المتكأ" أترج يأكلونه. (٢)
* * *
فَأَصْبحْتُ مَعْشُوقًا وَأَصْبَحَ بَعْلُها | عَلَيْه القَتامُ سَيِّءَ الظَّنِّ وَالبالِ |
يَغِط غَطِيطَ البَكْرِ شُدَّ خِناقُهُ | لِيَقْتُلَنِي، والمرْءُ لَيْسَ بقَتَّالِ |
أَيَقْتُلَني والمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي | وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيابِ أَغْوَالِ |
ولَيْسَ بذي رُمْحٍ فَيَطْعُنُني بهِ | وَلَيْسَ بِذي سَيْفٍ، ولَيْسَ بِنَبَّالِ |
أيقتُلَني أنِّي شعفتُ فُؤَادها | ................... |
وَقَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى، وإنْ كانَ بَعلَها | بِأَنَّ الفَتَى يَهْذِي ولَيْسَ بفَعَّال |
وَأَنْتَ مِنَ الغَوَائِل حَيْثُ تُرْمَى | ومِنْ ذَمِّ الرِّجالِ بِمُنْتَزَاحِ |
(٢) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٠٩.
* * *
قال أبو جعفر: والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة، كما قال أبو عبيد لا شك فيه، غير أن أبا عبيدة لم يُبْعد من الصواب في هذا القول، بل القول كما قال: مِن أن مَن قال للمتكأ: هو الأترج، إنما بيَّن المعدَّ في المجلس الذي فيه المتكأ، والذي من أجله أعطين السكاكين، لأن السكاكين معلومٌ أنها لا تعدُّ للمتكأ إلا لتخريقه! (١) ولم يعطين السكاكين لذلك.
* * *
ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، من أن"المتكأ" هو المجلس.
ثم رُوي عن مجاهد عنه، ما: -
١٩١٧٣ - حدثني به سليمان بن عبد الجبار، قال، حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، قال: أعطتهن أترجًّا، وأعطت كل واحدة منهن سكّينًا.
* * *
فبيّن ابن عباس في رواية مجاهد هذه، ما أعطت النسوة، وأعرض عن ذكر بيان معنى"المتكأ"، إذ كان معلومًا معناه.
* * *
* ذكر من قال في تأويل"المتكأ" ما ذكرنا:
١٩١٧٤ - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: التُّرُنْج.
١٩١٧٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم،
١٩١٧٦ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية:"وأعتدت لهن متكأ"، قال الطعام.
١٩١٧٧ - حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: طعامًا.
١٩١٧٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.
١٩١٧٩ - حدثنا ابن بشار وابن وكيع، قالا حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وأعتدت لهن مُتَّكأ)، قال: طعامًا.
١٩١٨٠ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، نحوه.
١٩١٨١ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: من قرأ (مُتَّكَأ) فهو الطعام، ومن قرأها"مُتْكًأ" فخففها، فهو الأترجّ.
١٩١٨٢- حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (متكأ)، قال: طعامًا
١٩١٨٣- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩١٨٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
١٩١٨٦ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو خالد القرشي، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: من قرأ:"مُتْكًا"، خفيفة، فهو الأترجّ.
١٩١٨٧ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، بنحوه.
١٩١٨٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن ليث، قال سمعت بعضهم يقول: الأترج.
١٩١٨٩ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وأعتدت لهن متكأ) : ، أي طعامًا.
١٩١٩٠ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
١٩١٩١ -.... قال: حدثنا يزيد، عن أبي رجاء، عن عكرمة، في قوله: (متكأ)، قال: طعامًا.
١٩١٩٢ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكًا)، يعني الأترج.
١٩١٩٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وأعتدت لهن متكأ)، والمتكأ، الطعام.
١٩١٩٤ -.... قال: حدثنا جرير عن ليث، عن مجاهد: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: الطعام.
١٩١٩٦ - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مُتَّكَأً)، فهو كل شيء يجزّ بالسكين.
* * *
قال أبو جعفر: قال الله تعالى ذكره، مخبرًا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدَّثن بشأنها في المدينة: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، يعني بذلك جل ثناؤه: وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها، سكينًا لتقطع به من الطعام ما تقطع به. وذلك ما ذكرت أنَّها آتتهن إما من الأترج، وإما من البزماورد، أو غير ذلك مما يقطع بالسكين، كما:-
١٩١٩٧ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، وأترجًّا يأكلنه.
١٩١٩٨ - حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، قال: أعطتهن أترجًّا، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا.
١٩١٩٩ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، ليحتززن به من طعامهنّ.
١٩٢٠٠ - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وآتت كل واحدة منهن سكينا)، وأعطتهن تُرنجًا وعسلا فكن يحززن الترنج بالسكين، ويأكلن بالعسل.
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذه الكلمة بيانُ صحة ما قلنا واخترنا في قوله
* * *
وقوله: (وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه)، يقول تعالى ذكره: وقالت امرأة العزيز ليوسف: (اخرج عليهن)، فخرج عليهن يوسف = (فلما رأينه أكبرنه)، يقول جل ثناؤه: فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللْنه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٠١ - حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أكبرنه)، أعظمنه.
١٩٢٠٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
١٩٢٠٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٢٠٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وقالت اخرج عليهن)، ليوسف = (فلما رأينه أكبرنه) : ، عظَّمنه.
١٩٢٠٦ - حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي، قال: حدثنا علي بن عابس، قال: سمعت السدي يقول في قوله: (فلما رأينه أكبرنه)، قال: أعظمنه. (١)
١٩٢٠٧ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (اخرج عليهن)، فخرج، فلما رأينه أعظمنه وبُهِتن.
١٩٢٠٨ - حدثنا إسماعيل بن سيف. قال: حدثنا عبد الصمد بن علي الهاشمي، عن أبيه، عن جده، في قوله: (فلما رأينه أكبرنه)، قال: حِضْن. (٢)
١٩٢٠٩ - حدثنا علي بن داود، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: (فلما رأينه أكبرنه)، يقول: أعظمنه.
١٩٢١٠ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول = أعني القول الذي روي عن عبد الصمد، عن أبيه، عن جده، في معنى (أكبرنه)، أنه حِضْن = إن لم يكن عَنَى به أنهن حضن من إجلالهن يوسف وإعظامهن لما كان الله قسم له من البهاء والجمال، ولما يجد من مثل ذلك النساءُ عند معاينتهن إياه = فقولٌ لا معنى له. لأن
و" علي بن عابس الأسدي"، ضعيف، مضى برقم: ١١٢٣٣.
(٢) الأثر: ١٩٢٠٨ -" إسماعيل بن سيف العجلي"، انظر رقم: ١٩٢٠٦
و" عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي"، كان أميرًا بمكة، وذكره العقيلي في الضعفاء. مترجم في ميزان الاعتدال ٢: ١٣٢، ولسان الميزان ٤: ٢١.
* * *
وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في"أكبرن" بمعنى حضن، بيتًا لا أحسب أنَّ له أصلا لأنه ليس بالمعروف عند الرواة، وذلك:
نَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلا | نَأْتِي النِّسَاءَ إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارَا (١) |
* * *
وقوله: (وقطعن أيديهن)، اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: أنهن حَززن بالسكين في أيديهن، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترُجّ.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢١١ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وقطعن أيديهن)، حزًّا حزًّا بالسكين.
١٩٢١٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقطعن أيديهن)، قال: حزًّا حزًّا بالسكاكين.
(٢) ذكر أبو منصور الأزهري، عن أبي الهيثم أنه قال:" سألت رجلا من طيئ فقلت: يا أخا طيئ، ألك زوجة؟ قال: لا والله ما تزوجت، وقد وعدت في ابنة عم لي. قلت: ما سنها؟ قال: قد أكبرت = أو: كبرت = قلت: ما أكبرت؟ قال: حاضت". قال: الأزهري:" وإن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى الحيض، فلها مخرج حسن. وذلك أن المرأة أول ما تحيض فقد خرجت من حد الصغر إلى حد الكبر، فقيل لها: أكبرت، أي: حاضت فدخلت في حد الكبر الموجب عليها الأمر والنهي.
١٩٢١٤ -.... قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقطعن أيديهن)، قال: حزًّا حزًّا بالسكين.
١٩٢١٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وقطعن أيديهن) قال: جعل النسوة يحززن أيديهن، يحسبن أنهن يقطعن الأترج.
١٩٢١٦ - حدثنا إسماعيل بن سيف، قال: حدثنا علي بن عابس، قال: سمعت السدي يقول: كانت في أيديهن سكاكين مع الأترج، فقطعن أيديهنّ، وسالت الدماء، فقلن: نحن نلومك على حبّ هذا الرجل، ونحن قد قطعنا أيدينا وسالت الدماء!
١٩٢١٧ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: جعلن يحززن أيديهن بالسكين، ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج، قد ذهبت عقولهن مما رأين!
١٩٢١٨ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقطعن أيديهن)، وحززن أيديهن.
١٩٢١٩ - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: جعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج.
١٩٢٢٠ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وقطعن أيديهن)، قال: جعلن يحززن أيديهن، ولا يشعرن بذلك.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهن قطعن أيديهن حتى أبنَّها، وهن لا يشعرن.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٢٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينَها.
١٩٢٢٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (وقطعن أيديهن)، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عنهن أنهن قطَّعن أيديهن وهن لا يشعرن لإعظام يوسف، وجائز أن يكون ذلك قطعًا بإبانة = وجائز أن يكون كان قطع حزّ وخدش = ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنزيل.
* * *
١٩٢٢٤ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. (١)
١٩٢٢٦ -.... وبه عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قسم ليوسف وأمه ثلث الحسن.
١٩٢٢٧ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الخلق.
١٩٢٢٨ - حدثني أحمد بن ثابت، وعبد الله بن محمد الرازيّان، قالا حدثنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطي يوسف وأمه شَطْرَ الحسن (١).
١٩٢٢٩ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبي معاذ، عن يونس، عن الحسن، أن النبي ﷺ قال: أعطي يوسف وأمه ثلث
و" عبد الله بن محمد الرازي"، شيخ الطبري، لم أعرفه، وفي التاريخ:" حدثني عبد الله بن محمد، وأحمد بن ثابت الشيان.."، ولا أدري ما هذا؟
و" عفان"، هو" عفان بن مسلم الصفار"، ثقة من شيوخ أحمد والبخاري، مضى برقم: ٥٣٩٢، أخرج له الجماعة.
و" حماد بن سلمة"، ثقة، مضى مرارًا.
و" ثابت" هو" ثابت بن أسلم الناني" تابعي ثقة، مضى مرارًا.
وهذا خبر صحيح الإسناد، ولا يضره كذب" أحمد بن ثابت"، فالثقات قد رووه، رواه أحمد في مسنده ٣: ٢٨٦، عن عفان نفسه، بهذا اللفظ.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٥٧٠، من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، ومحمد بن غالب بن حرب، وإسحاق بن الحسن بن ميمون، جميعًا عن عفان بن مسلم. بمثله، وقال:" هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
ورواه الطبري في تاريخه من هذا الطريق نفسه ١: ١٧٣.
١٩٢٣٠ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي =، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن، والنصف الآخر بين سائر الخلق.
١٩٢٣١ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين: فقسم ليوسف وأمه النصف، والنصف لسائر الناس.
١٩٢٣٢ - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين، فجعل ليوسف وسارَة النصف، وجعل لسائر الخلق نصف. (١)
١٩٢٣٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الحسن: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا، وأعطي الناس الثلثين.
* * *
وقوله: (وقلن حاش لله)، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الكوفيين: (حَاشَ لِلّهِ) بفتح الشين وحذف الياء.
* * *
وقرأه بعض البصريين بإثبات الياء"حَاشَى لله".
* * *
حَاشَى أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ | ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ وَالشَّتْمِ (٢) |
وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة:"حَشَى اللهَ"، و"حاشْ اللهَ"، (٣) بتسكين الشين والألف، يجمع بين الساكنين.
* * *
وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الأوليين، فمن قرأ: (حَاشَ لله) بفتح الشين وإسقاط الياء، فإنه أراد لغة من قال:"حاشى لله"، بإثبات الياء، ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب، كما حذفت العرب الألف من قولهم:"لا أب لغيرك"، و"لا أب لشانيك"، وهم يعنون:"لا أبا لغيرك". و"لا أبا لشانيك".
* * *
(٢) المفضليات ٧١٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣١٠، والخزانة ٢: ١٥٠، والعيني (بهامش الخزانة) ٤: ١٢٩، واللسان (حشى) في موضعين، بروايتين، وهو من شعر له هجا فيه بني رواحه بن قطيعة بن عبس، ويستثنى منهم عمرو بن عبد الله أبا ثوبان، يقول:
وَبَنُو رَوَاحَةَ يَنْظُرُونَ إذَا | نَظَرَ النَّدِيُّ بِآنُفٍ خُثْمِ |
حَاشَا أبِي ثَوْبَانَ إنّ أبَا | ثَوْبَان لَيْسَ بِبُكْمَةٍ فَدْمِ |
عَمْرُو بنَ عَبْدِ اللهِ إنَّ بِهِ | ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ والشَّتْمِ |
و" الندى" المجلس، واراد أهله. و" الآنف" جمع" أنف"،" الخثم" جمع" أخثم"، وهو الأنف العظيم الكثير اللحم، ليس برقيق ولا أشم، وهو ذم.
و" البكمة"، الأبكم، و" الفدم" العيي الثقيل الفهم. و" الملحاة" مصدر ميمي من" لحوت الرجل ولحيته"، إذا ألححت عليه باللائمة، وكأنه يعني المشاغبة.
(٣) في المطبوعة، أسقط" حشى الله"، وأثبتها منها.
أحدهما: التنزيه.
والآخر: الاستثناء. وهو في هذا الموضع عندنا بمعنى التنزيه لله، كأنه قيل: معاذ الله.
* * *
قال أبو جعفر: وأما القول في قراءة ذلك. فإنه يقال: للقارئ الخيار في قراءته بأي القراءتين شاء، إن شاء بقراءة الكوفيين، وإن شاء بقراءة البصريين، وهو: (حَاشَ لله) و"حَاشَى لله"، لأنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنى واحد، وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها، لأنا لا نعلم قارئًا قرأ بها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٣٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقلن حاش لله)، قال: معاذ الله.
١٩٢٣٥ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (حاش لله)، معاذ الله.
١٩٢٣٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقلن حاش لله) : معاذ الله.
١٩٢٣٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (حاش لله) : معاذ الله.
١٩٢٣٨ -.... قال: حدثنا عبد الوهاب، عن عمرو، عن الحسن: (حاش لله) : معاذ الله.
* * *
وقوله: (ما هذا بشرًا)، يقول: قلن ما هذا بشرًا، لأنهن لم يرين في حسن صورته من البشر أحدًا، فقلن: لو كان من البشر، لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر، ولكنه من الملائكة لا من البشر، كما:-
١٩٢٤٠ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وقلن حاش لله ما هذا بشرا) : ما هكذا تكون البشر!
* * *
وبهذه القراءة قرأ عامة قرأة الأمصار. وقد: -
١٩٢٤١ - حدثت عن يحيى بن زياد الفراء، قال: حدثني دعامة بن رجاء التيمي = وكان غَزَّاءً (١) = عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأ:"ما هذا بِشِرًى"، أي ما هذا بمشتري. (٢)
* * *
= يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثلُه مستعبدًا يشترى ويُبَاع.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها، لإجماع قرأة الأمصار على خلافها. وقد بينا أن ما أجمعت عليه، فغير جائز خلافُها فيه.
* * *
وأما"نصب" البشر، فمن لغة أهل الحجاز إذا أسقطوا"الباء" من الخبر نصبوه، فقالوا:"ما عمرو قائمًا". وأما أهل نجد، فإن من لغتهم رفعه، يقولون:"ما عمرو قائم" ; ومنه قول بعضهم حيث يقول:
(٢) الأثر: ١٩٢٤١ - هو في معاني القرآن للفراء في تفسير الآية.
لَشَتَّانَ مَا أَنْوِي وَيَنْوِي بَنُو أَبِي... جَمِيعًا، فَمَا هَذَانِ مُسْتَوِيَانِ... تَمَنَّوْا لِيَ المَوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى... وَكُلُّ فَتًى وَالمَوْتُ يَلْتَقِيَانِ (٢)
وأما القرآن، فجاء بالنصب في كل ذلك، لأنه نزل بلغة أهل الحجاز.
* * *
وقوله: (إن هذا إلا مَلَك كريمٌ)، يقول: قلن ما هذا إلا ملك من الملائكة، كما: -
١٩٢٤٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (إن هذا إلا ملك كريم)، قال: قلن: ملك من الملائكة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن، فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه، وفي نظرة منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وعُزوب الفهم وَلَهًا، ألِهتُنّ حتى قطعتن أيديكن، (٣) هو الذي لمتنني في حبي إياه، وشغف فؤادي به، فقلتنّ: قد شغف امرأة العزيز فتاها حُبًّا، إنا لنراها في ضلال مبين! ثم أقرّت لهن بأنها قد راودته عن نفسه،
(٢) رواهما الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية.
(٣) في المطبوعة:" وغروب الفهم ولها إليه حتى قطعتن.."، وأثبت الصواب من المخطوطة. و" عزوب الفهم"، ذهابه. يقال:" عزب عنه حلمه يعزب عزوبًا"، ذهب. وقوله:" ألهتن" من" أله يأله ألهًا"، إذا تحير، وأصله" وله، يوله، ولهًا"، بمعنى واحد، وإنما قلبت الواو همزة.
١٩٢٤٣ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قالت: (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) : ، تقول: بعد ما حلّ السراويل استعصى، لا أدري ما بَدَا له.
١٩٢٤٤ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فاستعصم)، أي: فاستعصى.
١٩٢٤٥ - حدثني علي بن داود، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (فاستعصم)، يقول: فامتنع.
* * *
وقوله: (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونًا من الصاغرين)، تقول: ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه = (ليسجنن)، تقول: ليحبسن (٣) = وليكونًا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن، ولأهينَنَّه (٤)
* * *
والوقف على قوله:"ليسجنن"، بالنون، لأنها مشددة، كما قيل: (لَيُبَطِّئَنَّ)، [سورة النساء: ٧٢]
* * *
وأما قوله: (وليكونًا) فإن الوقف عليه بالألف، لأنها النون الخفيفة، وهي شبيهةُ نون الإعراب في الأسماء في قول القائل:"رأيت رجلا عندك"، فإذا وقف على"الرجل" قيل:"رأيتُ رجلا"، فصارت النون ألفًا. فكذلك ذلك في:"وليكونًا"، ومثله قوله: (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ)، [سورة العلق: ١٥، ١٦] الوقف عليه بالألف لما ذكرت ; ومنه قول الأعشي:
(٢) انظر تفسير" العصمة" فيما سلف ١٥: ٣٣١، تعليق ٢: ، ولمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" السجن" فما سلف ص: ٥٢."
(٤) انظر تفسير" الصغار" فيما سلف ١٤: ٢٠٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
وَصَلِّ عَلَى حَينِ العَشَيَّاتِ والضُّحَى | وَلا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا (١) |
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله يدلُّ على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه، وتوعَّدته بالسّجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ; لأنها لو لم تكن عاودته وتوعَّدته بذلك، كان محالا أن يقول: (ربّ السجن أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه)، وهو لا يدعَى إلى شيء، ولا يخوَّف بحبس.
* * *
و"السجن" هو الحبس نفسه، وهو بيت الحَبْس.
* * *
وبكسر السين قرأه قرأة الأمصار كلها. والعرب تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال (٢). فتقول:"طلعت الشمس مطلعًا، وغربت مغربًا"،
وَذَا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ | وَلا تَعْبُدِ الأَوْثَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا |
وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ والضُّحَى | وَلا تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فاحْمَدا |
(٢) " الأفعال" يعني" المصادر"، وانظر ما سلف من فهارس المصطلحات.
* * *
وقد ذكر عن بعض المتقدمين أنه يقرأه:"السَّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ"، بفتح السين. ولا أستجيز القراءة بذلك، لإجماع الحجة من القرأة على خلافها.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: قال يوسف: يا رب، الحبس في السجن أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه من معصيتك، ويراودنني عليه من الفاحشة، كما: -
١٩٢٤٦ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه) : من الزنا.
١٩٢٤٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف، وأضاف إلى ربه، واستغاثه على ما نزل به (١) (رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه)، أي: السجن أحبّ إليّ من أن آتي ما تكره.
* * *
وقوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن)، يقول: وإن لم تدفع عني، يا رب، فعلهن الذي يفعلن بي، في مراودتهن إياي على أنفسهن (٢) ="أصب إليهن"، يقول: أمِلْ إليهن، وأتابعهن على ما يُرِدن مني ويهوَيْن.
* * *
= من قول القائل:"صَبا فلان إلى كذا"، ومنه قول الشاعر:
(٢) انظر تفسير" الصرف" فيما سلف ص: ٤٩، تعليق ١: ، والمراجع هناك.
= وتفسير" الكيد" فيما سلف ص: ٦٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.
إِلَى هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي | وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي (٢) |
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٤٨ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (أصب إليهن)، يقول: أتابعهن.
١٩٢٤٩ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإلا تصرف عني كيدهن)، أي: ما أتخوَّف منهن = (أصب إليهن).
١٩٢٥٠ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)، قال: إلا يكن منك أنت العون والمنعة، لا يكن منّي ولا عندي.
* * *
وقوله: (وأكن من الجاهلين)، يقول: وأكن بصبوتي إليهن، من الذين جهلوا حقك، وخالفوا أمرك ونهيك، (٣) كما: -
١٩٢٥١ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وأكن من الجاهلين)، أي: جاهلا إذا ركبت معصيتك.
* * *
(٢) الأغاني ٧: ١٠٢ (دار الكتب)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣١١، من أبيات له هو مطلعها، وبعده:
وهِنْدٌ غَادَةٌ غَيْدَا | ءُ مِنْ جُرْثُومَةٍ غُلْبِ |
وَمَا إنْ وَجَدَ النَّاسُ | مِنَ الأدْوَاءِ كالحُبِّ. |
قال أبو جعفر: إن قال قائل: وما وجه قوله: (فاستجاب له ربه)، ولا مسألةَ تقدَّمت من يوسف لربّه، ولا دعا بصَرْف كيدهنَّ عنه، وإنما أخبر ربه أن السجن أحب إليه من معصيته؟
قيل: إن في إخباره بذلك شكايةً منه إلى ربه مما لقي منهنَّ، وفي قوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن)، معنى دعاءٍ ومسألةٍ منه ربَّه صرفَ كيدهِنَّ، ولذلك قال الله تعالى ذكره: (فاستجاب له ربه)، وذلك كقول القائل لآخر:"إن لا تزرني أهنك"، فيجيبه الآخر:"إذن أزورَك"، لأن في قوله:"إن لا تزرني أهنك"، معنى الأمر بالزيارة.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فاستجاب الله ليوسف دعاءه، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله، كما: -
١٩٢٥٢ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم)، أي: نجاه من أن يركب المعصية فيهن، وقد نزل به بعض ما حَذر منهنَّ.
* * *
وقوله: (إنه هو السميع)، دعاءَ يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه، ودعاءَ كل داع من خلقه = (العليم)، بمطلبه وحاجته، وما يصلحه، وبحاجة جميع خلقه وما يُصْلحهم. (١)
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بدا للعزيز، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه.
* * *
وقيل:"بدا لهم"، ، وهو واحد، لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه، وذلك نظير قوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، [سورة آل عمران: ١٧٣]، وقيل: إن قائل ذلك كان واحدًا.
* * *
وقيل: معنى قوله: (ثم بدا لهم) في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقًا، ورأوا أن يسجنوه (من بعد ما رأوا الآيات) ببراءته مما قذفته به امرأة العزيز.
* * *
وتلك"الآيات"، كانت قدَّ القميص من دُبُر، وخمشًا في الوجه، وقَطْعَ أيديهن، كما:-
١٩٢٥٣ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن نصر بن عوف، عن عكرمة، عن ابن عباس: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات)، قال: كان من الآيات: قدٌّ في القميص، وخمشٌ في الوجه. (١)
١٩٢٥٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي وابن نمير، عن [نصر]، عن عكرمة، مثله. (٢)
(٢) الأثر: ١٩٢٥٤ -" نصر بن عوف"، انظر التعليق السالف، هو" نضر بن عربي".
١٩٢٥٦ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (من بعد ما رأوا الآيات)، قال: قدُّ القميص من دبر.
١٩٢٥٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
١٩٢٥٨ -.... قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٢٥٩ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (من بعد ما رأوا الآيات)، قال:"الآيات": حزُّهن أيديهن، وقدُّ القميص.
١٩٢٦٠ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قدُّ القميص من دبر.
١٩٢٦١ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه)، ببراءته مما اتهم به، من شق قميصه من دُبر = (ليسجننه حتى حين).
١٩٢٦٢ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (من بعد ما رأوا الآيات)، القميصُ، وقطع الأيدي.
* * *
وقوله: (ليسجننه حتى حين)، يقول: ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم. (١)
* * *
١٩٢٦٣ - حدثت عن يحيى بن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: (ليسجننه حتى حين)، عثر يوسف عليه السلام ثلاثَ عثرات: حين همَّ بها فسجن. وحين قال: (اذكرني عند ربك)، فلبث في السجن بضع سنين، وأنساه الشيطان ذكر ربه. وقال لهم: (إنكم لسارقون)، فقالوا: (إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل).
* * *
وذكر أن سبب حبسه في السجن، كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمرَه وأمرَها، كما: -
١٩٢٦٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)، قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبدَ العبرانيَّ قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم، ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستَني. فذلك قول الله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين).
* * *
وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه"اللام" في: (ليسجننه).
فقال بعض البصريين: دخلت ههنا، لأنه موضع يقع فيه"أيّ"، فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون، لأن النون تكون في الاستفهام، تقول:"بدا لهم أيّهم يأخذنّ"، أي: استبان لهم.
* * *
وأنكر ذلك بعض أهل العربية فقال: هذا يمين، وليس قوله:"هل تقومن" بيمين، و"لتقومن"، لا يكون إلا يمينًا.
* * *
* * *
وقيل: إن"الحين" في هذا الموضع معنِيٌّ به سبع سنين.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٦٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن داود، عن عكرمة: (ليسجننه حتى حين)، قال: سبع سنين.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ودخل مع يوسف السجن فتيان = فدل بذلك على متروكٍ قد ترك من الكلام، وهو: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)، فسجنوه وأدخلوه السجن = ودخل معه فتيان، فاستغنَى بدليل قوله: (ودخل معه السجن فتيان)، على إدخالهم يوسف السجن، من ذكره.
* * *
وكان الفتيان، فيما ذكر، (١) غلامين من غلمان ملك مصر الأكبر، أحدهما صاحبُ شرابه، والآخر صاحبُ طعامه، كما: -
١٩٢٦٧ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ودخل معه السجن فتيان)، قال: كان أحدهما خبازًا للملك على طعامه، وكان الآخر ساقيه على شرابِه.
* * *
وكان سبب حبس الملك الفتيين فيما ذكر، ما: -
١٩٢٦٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: إن الملك غضب على خبَّازه، بلغه أنه يريد أن يسمّه، فحبسه وحبس صاحب شرابه، ظنَّ أنه مالأه على ذلك. فحبسهما جميعًا ; فذلك قول الله: (ودخل معه السجن فتيان).
* * *
وقوله: (قال أحدهما إني أراني أعصر خمرًا)، ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما أدخل السجن، قال لمن فيه من المحبَّسين، وسألوه عن عمله: إني أعبُرُ الرؤيا: فقال أحد الفتيين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه: تعال فلنجربه، كما: -
١٩٢٦٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال: لما دخل يوسف السجن قال: أنا أعبُرُ الأحلام. فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلمَّ نجرّب هذا العبد العبرانيّ فتراءَيَا له! فسألاه، (١) من غير أن يكونا رأيا شيئًا. فقال الخباز: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير
١٩٢٧٠ - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا، وإنما كانا تحالما ليجرِّبا علمه.
* * *
وقال قوم: إنما سأله الفَتَيان عن رؤيا كانا رأياها على صحةٍ وحقيقةٍ، وعلى تصديق منهما ليوسف لعلمه بتعبيرها.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٧١ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رأى الفتيان يوسف، قالا والله، يا فتى لقد أحببناك حين رأيناك.
١٩٢٧٢ -.... قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن يوسف قال لهم حين قالا له ذلك: أنشدكما الله أن لا تحباني، فوالله ما أحبني أحدٌ قط إلا دخل عليَّ من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء، ثم لقد أحبني أبي فدخل عليّ بحبه بلاء، ثم لقد أحبتني زوجةُ صاحبي هذا فدخل عليَّ بحبها إياي بلاء، فلا تحباني بارك الله فيكما! قال: فأبيا إلا حبه وإلفه حيث كان، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله. وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا، فرأى"مجلث" أنه يحمل فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه، ورأى"نبو" أنه يعصر خمرًا، فاستفتياه فيها، وقالا له: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)، إن فعلت.
* * *
وعني بقوله: (أعصر خمرًا)، أي: إني أرى في نومي أني أعصر عنبًا. وكذلك ذلك في قراءة ابن مسعود فيما ذكر عنه.
١٩٢٧٣ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن أبي سلمة الصائغ، عن
* * *
وذكر أن ذلك من لغة أهل عمان، وأنهم يسمون العنب خمرًا.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٧٤ - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إني أراني أعصر خمرًا)، يقول: أعصر عنبًا، وهو بلغة أهل عمان، يسمون العنب خمرًا.
١٩٢٧٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: (إني أراني أعصر خمرًا)، قال: عنبًا، أرضُ كذا وكذا يدعُون العنب"خمرًا".
١٩٢٧٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: (إني أراني أعصر خمرًا)، قال: عنبًا.
١٩٢٧٧ - حدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي حمزة، عن عكرمة، قال: أتاه فقال: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حَبَلة من عنب، (٢) فنبتت، فخرج فيه عناقيد فعصرتهنّ، ثم سقيتهن الملك، فقال: تمكث في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتسقيه خمرًا.
* * *
وقوله: (وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه نبئنا
و" إبراهيم بن بشير الأنصاري"، روى عن ابن الحنفية، مترجم في الكبير ١ / ١ / ٢٧٤ زابن أبي حاتم ١ / ١ / ٨٩.
وهذا الخبر، ذكره البخاري في ترجمة" إبراهيم بن بشير".
(٢) " الحبلة" (بفتح الحاء والباء)، القضيب من شجر الأعناب، يغرس فينبت.
* * *
وقوله: (نبئنا بتأويله)، يقول: أخبرنا بما يؤول إليه ما أخبرناك أنَّا رأيناه في منامنا، ويرجع إليه، (٢) كما: -
١٩٢٧٨ - حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا يزيد، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (نبئنا بتأويله)، قال: به = قال الحارث، قال أبو عبيد: يعني مجاهد أن"تأويل الشيء"، هو الشيء. قال: ومنه:"تأويل الرؤيا"، إنما هو الشيء الذي تؤول إليه.
* * *
وقوله: (إنا نراك من المحسنين) اختلف أهل التأويل في معنى"الإحسان" الذي وصف به الفتيان يوسف. (٣)
فقال بعضهم: هو أنه كان يعود مريضهم، ويعزي حزينهم، وإذا احتاج منهم إنسان جَمَع له.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٧٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم، قال: كنت جالسًا معه ببلخ، فسئل عن قوله: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)، قال: قيل له: ما كان إحسان يوسف؟ قال: كان إذا مرض إنسان قام عليه، وإذا احتاج جمع له، وإذا ضاق أوْسَع له.
(٢) انظر تفسير" النبأ" فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ).
= وتفسير" التأويل" فيما سلف ص: ٢٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (حسن).
١٩٢٨١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن قتادة، قوله: (إنا نراك من المحسنين)، قال: بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم، ويعزِّي حزينهم، ويجتهد لربه. وقال: لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قومًا قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم، فطال حزنهم، فجعل يقول: أبشروا واصبروا تؤجَروا، إن لهذا أجرًا، إن لهذا ثوابًا. فقالوا: يا فتى، بارك الله فيك، ما أحسن وجهك، وأحسن خلقك، لقد بورك لنا في جوارك، ما نحبُّ أنَّا كنا في غير هذا منذ حبسنا، لما تخبرنا من الأجر والكفَّارة والطَّهارة، فمن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف، ابن صفي الله يعقوب، ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وكانت عليه محبَّة. وقال له عامل السجن: يا فتى، والله لو استطعت لخلَّيت سبيلك، ولكن سأحسن جِوارك، وأحسن إسارك، فكن في أيِّ بيوت السجن شئت.
١٩٢٨٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن خلف الأشجعي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك في: (إنا نراك من المحسنين)، قال: كان يوسع للرجل في مجلسه، ويتعاهد المرضى.
* * *
وقال آخرون: معناه: (إنا نراك من المحسنين)، إذا نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٨٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: استفتياه في رؤياهما، وقالا له: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)، إن فعلت.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة.
* * *
فإن قال قائل: وما وجهُ الكلام إن كان الأمر إذن كما قلت، وقد علمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما، ليست من الخبَر عن صفته بأنه يعود المريض ويقوم عليه، ويحسن إلى من احتاج في شيء، وإنما يقال للرجل:"نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم"، وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم، لا بغيره؟
قيل: إن وجه ذلك أنهما قالا له: نبئنا بتأويل رؤيانا محسنًا إلينا في إخبارك إيانا بذلك، كما نراك تحسن في سائر أفعالك: (إنا نراك من المحسنين).
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قال) يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا: (لا يأتيكما)، أيها الفتيان في منامكما = (طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله)، في يقظتكما = (قبل أن يأتيكما).
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٨٥ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف لهما: (لا يأتيكما طعام ترزقانه)، يقول: في نومكما = (إلا نبأتكما بتأويله).
* * *
ويعنى بقوله (بتأويله) : ما يؤول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه.
* * *
وقوله: (ذلكما مما علمني ربي)، يقول: هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا، مما علمني ربى فعلمته = (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) = وجاء الخبر مبتدأ، أي: تركت ملة قوم، والمعنى: ما ملت، وإنما ابتدأ بذلك، لأن في الابتداء الدليل على معناه.
* * *
وقوله: (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله)، يقول: إني برئت من ملة من لا يصدق بالله، ويقرّ بوحدانيته (١) = (وهم بالآخرة هم كافرون)، يقول: وهم مع تركهم الإيمان بوحدانية الله، لا يقرّون بالمعاد والبعث، ولا بثواب ولا عقاب.
* * *
= وكُررت"هم" مرتين، فقيل: (وهم بالآخرة هم كافرون)، لما دخل بينهما قوله: (بالآخرة)، فصارت"هم" الأولى كالملغاة، وصار الاعتماد على الثانية، كما قيل: (وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [سورة النمل: ٢/ سورة لقمان: ٤]، وكما قيل: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [سورة المؤمنون: ٣٥]
* * *
قيل له: إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما، لما علم من مكروه ذلك على أحدهما، فأعرض عن ذكره، وأخذ في غيره، ليعرضا عن مسألته الجوابَ عما سألاه من ذلك.
* * *
وبنحو ذلك قال أهل العلم.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٨٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: (إني أراني أعصر خمرًا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله). ، قال: فكره العبارة لهما، وأخبرهما بشيء لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علمًا. وكان الملك إذا أراد قتل إنسان، صنع له طعامًا معلومًا، فأرسل به إليه، فقال يوسف: (لا يأتيكما طعام ترزقانه)، إلى قوله: (تشكرون). ، فلم يدَعَاه، فعدل بهما، وكره العبارة لهما. فلم يدعاه حتى يعبر لهما، فعدل بهما وقال: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)، إلى قوله: (يعلمون)، فلم يدعاه حتى عبر لهما، فقال: (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه). قالا ما رأينا شيئًا، إنما كنا نلعب! قال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان).
* * *
قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج، فقوله: (لا يأتيكما طعام ترزقانه)، في اليقظة لا في النوم،. وإنما أعلمهما على هذا القول أنَّ عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره، لأنه قد علم النوعَ الذي إذا أتاهما كان علامةً لقتل من أتاه ذلك منهما، والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك، فأخبرهما أنه عنده علم ذلك.
* * *
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب)، واتبعت دينهم لا دين أهل الشرك= (ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء)، يقول: ما جاز لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته وطاعته، بل الذي علينا إفراده بالألُوهة والعبادة= (ذلك من فضل الله علينا)، يقول: اتباعي ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب على الإسلام، وتركي ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون، من فضل الله الذي تفضّلَ به علينا، فأنعم إذ أكرمنا به = (وعلى الناس)، يقول: وذلك أيضًا من فضل الله على الناس، إذ أرسلنا إليهم دعاةً إلى توحيده وطاعته= (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، يقول: ولكن من يكفر بالله لا يشكر ذلك من فضله عليه، لأنه لا يعلم من أنعم به عليه ولا يعرف المتفضِّل به.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٢٨٧ - حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (ذلك من فضل الله علينا)، أن جعلنا أنبياء= (وعلى الناس)، يقول: أن بعثنا إليهم رسلا.
١٩٢٨٨ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ﴾
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلوات الله عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن، لأن أحدهما كان مشركًا، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الآلهة والأوثان، فقال: (يا صاحبي السجن)، يعني: يا من هو في السجن، وجعلهما"صاحبيه" لكونهما فيه، كما قال الله تعالى لسكان الجنة: فَـ (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وكذلك قال لأهل النار، وسماهم"أصحابها" لكونهم فيها. (١)
* * *
وقوله: (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)، يقول: أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر، خيرٌ أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه، الذي قهر كل شي فذلله وسخره، فأطاعه طوعًا وكرهًا. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٢٨٩ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
(٢) انظر تفسير" القهار" فيما سلف ١٣: ٤٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
١٩٢٩٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا صاحبي السجن) يوسفُ يقوله.
١٩٢٩١-... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٢٩٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام، فقال: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)، أي: خيرٌ أن تعبدوا إلهًا واحدًا، أو آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئا؟
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) ﴾
قال أبو جعفر: يعنى بقوله: (ما تعبدون من دونه)، ما تعبدون من دون الله.
وقال: (ما تعبدون) وقد ابتدأ الخطاب بخطاب اثنين فقال: (يا صاحبي السجن) لأنه قصد المخاطب به، ومن هو على الشرك بالله مقيمٌ من أهل مصر، فقال للمخاطَب بذلك: ما تعبد أنتَ ومن هو على مثل ما أنت عليه من عبادة الأوثان= (إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم)، وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة أربابًا،
* * *
وقوله: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)، يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتم وجميعُ خلقه، إلا الله الذي له الألوهة والعبادة خالصةً دون كل ما سواه من الأشياء، كما:-
١٩٢٩٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا أياه)، قال: أسَّسَ الدين على الإخلاص لله وحده لا شريك له.
* * *
وقوله: (ذلك الدين القيم)، يقول: هذا الذي دعوتكما إليه من البراءة من عبادة ما سوى الله من الأوثان، وأن تخلصا العبادة لله الواحد القهار، هو الدِّين القويم الذي لا اعوجاج فيه، والحقُّ الذي لا شك فيه (٢) (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، يقول: ولكن أهل الشرك بالله يجهلون ذلك، فلا يعلمون حقيقته.
* * *
(٢) انظر تفسير" القيم" فيما سلف ١٤: ٢٣٧.
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه، مخبرًا عن قِيل يوسف للذين دخلا معه السجن: (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا)، هو الذي رأى أنه يعصر خمرًا، فيسقي ربَّه= يعني سيده، وهو ملكهم (١) ="خمرا"، يقول: يكون صاحب شرابه.
* * *
١٩٢٩٤ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (فيسقي ربه خمرًا)، قال: سيده.
* * *
=وأما الآخر، وهو الذي رأى أن على رأسه خبزًا تأكل الطير منه "فيصلب فتأكل الطير من رأسه"، فذكر أنه لما عبَر ما أخبراه به أنهما رأياه في منامهما، قالا له: ما رأينا شيئًا! فقال لهما: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) يقول: فُرغ من الأمر الذي فيه استفتيتما، (٢) ووجب حُكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به. (٣)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل العلم.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٢٩٥ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عمارة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: قال اللذان دخلا السجن
(٢) انظر تفسير" قضى" فيما سلف ١٥: ١٥١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" الاستفتاء" فيما سلف ٩: ٢٥٣، ٤٣٠.
١٩٢٩٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد الله: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، قال: لما قالا ما قالا أخبرهما، فقالا ما رأينا شيئا! فقال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان).
١٩٢٩٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن عمارة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، في الفتيين اللذين أتيا يوسف والرؤيا، إنما كانا تحالما ليجرّباه، فلما أوَّل رؤياهما قالا إنما كنا نلعب! قال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان).
١٩٢٩٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عمارة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا، إنما كانا تحالما ليجرّبا علمه، فقال أحدهما: إني أراني أعصر عنبًا! وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه؟ (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ! قال: (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه). فلما عبَّر، قالا ما رأينا شيئًا! قال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، على ما عبَّر يوسف.
١٩٢٩٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال: لمجلث: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك. وقال لنبو: أما أنت فتردُّ على عملك، فيرضى عنك صاحبك، (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) = أو كما قال.
١٩٣٠٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج........... فيه تستفتيان. (١)
١٩٣٠٢- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (الذي فيه تستفتيان)، فذكر مثله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا: (١) (اذكرني عند ربك) يقول: اذكرني عند سيدك، (٢) وأخبره بمظلمتي، وأني محبوس بغير جُرْم، كما:-
١٩٣٠٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، قال= يعني لنبو= (اذكرني عند ربك) : أي اذكر للملك الأعظم مظلمتي وحبسي في غير شيء، قال: أفعل.
١٩٣٠٤ - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (اذكرني عند ربك) قال للذي نجا من صاحبي السجن، يوسف يقول: اذكرني عند الملك.
(٢) انظر تفسير" الرب" فيما سلف ص: ١٠٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.
١٩٣٠٦ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن أسباط: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك)، قال: عند ملك الأرض.
١٩٣٠٧ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (اذكرني عند ربك)، يعني بذلك الملك.
١٩٣٠٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك)، الذي نجا من صاحبي السجن، يقول يوسف: اذكرني للملك.
١٩٣٠٩ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال أخبرنا العوّام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي: أنه لما انتهى به إلى باب السجن، قال له صاحبٌ له: حاجتَك أوصني بحاجتك! قال: حاجتي أن تذكرني عند ربك= سوى الربِّ، قال يوسف. (١)
* * *
وكان قتادة يوجِّه معنى"الظن" في هذا الموضع، إلى"الظنِّ"، الذي هو خلاف اليقين.
١٩٣١٠ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك)، وإنما عبارة الرؤيا بالظن، فيحقُّ الله ما يشاءُ ويُبْطِل ما يشاء.
* * *
* * *
وقوله: (فأنساه الشيطان ذكر ربه) وهذا خبرٌ من الله جل ثناؤه عن غفلة عَرَضت ليوسف من قبل الشيطان، نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصه، ولكنه زلَّ بها فأطال من أجلها في السجن حبسَه، وأوجع لها عقوبته، كما:-
١٩٣١١ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن بسطام بن مسلم، عن مالك بن دينار قال: لما قال يوسف للساقي: (اذكرني عند ربك)، قال: قيل: يا يوسف، اتخذت من دوني وكيلا؟ لأطيلن حبسك! فبكى يوسف وقال: يا ربّ، أنسى قلبي كثرة البلوى، فقلت كلمة، فويل لإخوتي.
١٩٣١٣ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال، حدثنا يونس، عن الحسن قال: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم:"رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في السجن طولَ ما لبث= يعني قوله: (اذكرني عند ربك)، قال: ثم يبكي الحسن فيقول: نحن إذا نزل بنا أمرٌ فزعنا إلى الناس.
١٩٣١٤- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن في قوله: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك)، قال: ذكر لنا أن نبي الله ﷺ قال: لولا كلمة يوسُف، ما لبث في السجن طولَ ما لبث.
١٩٣١٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم يقل يوسف= يعني الكلمة التي قال = ما لبث في السجن طول ما لبث= يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله. (١)
١٩٣١٦ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: بلغني أن النبي ﷺ قال: لو لم يستعن يوسف على ربّه، ما لبث في السجن طول ما لبث..
فهذا خبر ضعيف الإسناد جدًا، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ٣٩، مطولا، قال:" رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن يزيد القرشي المكي، وهو متروك". ورواه الطبري في تاريخه ١: ١٧٧.
أما سائر الأخبار قبله وبعده، فهي مرسلة لا حجة في شيء منها.
١٩٣١٨ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قال له: (اذكرني عند ربك)، قال: فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا، وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكرَ ربه، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده، فلبث في السجن بضع سنين) بقوله: (اذكرني عند ربك).
١٩٣١٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه = غير أنه قال: فلبث في السجن بضع سنين، عقوبةً لقوله: (اذكرني عند ربك).
١٩٣٢٠-... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو، سواء.
١٩٣٢١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث المثنى، عن أبي حذيفة.
* * *
وكان محمد بن إسحاق يقول: إنما أنسى الشيطانُ الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم.
١٩٣٢٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما خرج = يعني الذي ظنّ أنه ناج منهما= رُدّ على ما كان عليه، ورضي عنه صاحبه، فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين. يقول جل ثناؤه: فلبث يوسف في السجن، لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل:"اذكرني عند سيدك"، بضع سنين، عقوبةً له من الله بذلك.
* * *
فقال بعضهم: هو سبع سنين.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٣٢٣ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد أبو عثمة قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: لبث يوسف في السجن سبعَ سنين. (١)
١٩٣٢٤- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلبث في السجن بضع سنين)، قال: سبع سنين.
١٩٣٢٥ - حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا عمران أبو الهذيل الصنعاني قال: سمعت وهبًا يقول: أصاب أيُّوب البلاء سبع سنين، وترك في السجن يوسف سبع سنين، وعذب بختنصر، فحُوِّل في السباع سبع سنين. (٢)
١٩٣٢٦- حدثني المثنى قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: زعموا أنها= يعني"البضع"= سبع سنين، كما لبث يوسف.
* * *
وقال آخرون:"البضع"، ما بين الثلاث إلى التسع.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٣٢٧ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال
(٢) الأثر: ١٩٣٢٥ -" عمران أبو الهذيل الصنعاني"، هو:" عمران بن عبد الرحمن بن مرثد"،" أبو الهذيل" ثقة سمع وهب بن منبه، وزياد بن فيروز، والقاسم بن تنخسره. مترجم في ابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٣٠١.
وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٧٧، وكان في المطبوعة والمخطوطة:" يجول في السباع" والمخطوطة غير منقوطة. والصواب من التاريخ، وعنى بقوله" حول في السباع". أي: مسخ سبعًا من السباع.
١٩٣٢٨ - حدثنا وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد: (بضع سنين)، قال: ما بين الثلاث إلى التسع.
* * *
وقال آخرون: بل هو ما دون العشر.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٣٢٩ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: (بضع سنين)، دون العشرة.
* * *
وزعم الفراء أن"البضع" لا يذكر إلا مع"عشر"، ومع"العشرين" إلى التسعين، وهو"نَيِّفٌ" ما بين الثلاثة إلى التسعة. (١) وقال: كذلك رأيت العرب تفعل. ولا يقولون:"بضع ومئة" (٢) ولا"بضع وألف"، وإذا كانت للذكران قيل:"بضع".
* * *
قال أبو جعفر:-
والصواب في"البضع" من الثلاث إلى التسع، إلى العشر، ولا يكون دون الثلاث. وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة، وما زاد على المئة فلا يكون فيه"بضع".
* * *
و" أبو هلال" هو" محمد بن سليم الراسبي"، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٥٣٥١.
وكان في المطبوعة والمخطوطة" سمعت أبا قتادة"، وهو خطأ، فإن أبا هلال الراسبي، يروي عن" قتادة".
(٢) هذه عبارة غير واضحة. وقد نقل صاحب اللسان عن ابن بري قال:" وحكى عن الفراء في قوله:" بضع سنين"، أن" البضع" لا يذكر إلا مع العشر والعشرين إلى التسعين. ولا يقال فيما بعد ذلك = يعني أنه يقال: مئة ونيف". اللسان (بضع).
قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: وقال ملك مصر: إني أرى في المنام سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبعٌ من البقر عجاف. (١) وقال:"إني أرى"، ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره، لتعارف العرب بينها في كلامها إذا قال القائل منهم:"أرى أني أفعل كذا وكذا"، أنه خبر عن رؤيته ذلك في منامه، وإن لم يذكر النوم. وأخرج الخبر جلّ ثناؤه على ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بينهم.
* * *
= (وسبع سنبلات خضر)، يقول: وأرى سبع سُنْبلات خضر في منامي = (وأخر) يقول: وسبعًا أخر من السنبل= (يابسات يا أيها الملأ)، (٢) يقول: يا أيها الأشراف من رجالي وأصحابي (٣) = (أفتوني في رؤياي)، فاعبروها، (إن كنتم للرؤيا) عَبَرَةً. (٤)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(٢) انظر تفسير" السنبلة" فيما سلف ٥: ٥١٢ - ٥١٥.
(٣) انظر تفسير" الملأ" فيما سلف ١٥: ٤٦٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) " عبرة" جمع" عابر"، وهو الذي يعبر الرؤيا، ويفسرها.
١٩٣٣١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم إن الملك الريان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى فهالته، وعرف أنها رؤيا واقعة، ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته: (إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) إلى قوله: (بعالمين).
* * *
و" القافة" جمع" قائف"، وهو الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه.
(٢) الأثر: ١٩٣٣٠ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٧٧، مطولا.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبير رؤياه: رؤياك هذه"أضغاث أحلام"، يعنون أنها أخلاطٌ، رؤيا كاذبةٌ لا حقيقة لها.
* * *
= وهي جمع"ضغث"، و"الضغث" أصله الحزمة من الحشيش، يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها = و"الأحلام"، جمع حلم، وهو ما لم
خَوْدٌ كَأَنَّ فِرَاشَهَا وُضِعَتْ بِهِ | أضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالٍ (١) |
يَحْمِي ذِمَارَ جَنِينٍ قَلَّ مَانِعُهُ | طَاوٍ كَضِغْثِ الخَلا فِي البَطْنِ مُكْتَمِن (٣) |
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٣٣٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (أضغاث أحلام) يقول: مشتبهة.
١٩٣٣٣ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أضغاث أحلام)، كاذبة.
١٩٣٣٤ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، لما قصّ الملك رؤياه التي رأى على أصحابه، قالوا: (أضغاث أحلام)، أي فعل الأحلام.
١٩٣٣٥ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أضغاث أحلام)، قال: أخلاط أحلام= (وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين).
١٩٣٣٦ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك قال،"أضغاث أحلام"، كاذبة.
(٢) لم أعرف قائله.
(٣) هذا بيت لم أجده، ولا أحسن تفسيره مفردًا.
١٩٣٣٨- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أضغاث أحلام)، هي الأحلام الكاذبة.
* * *
وقوله: (وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)، يقول: وما نحن بما تئول إليه الأحلام الكاذبة بعالمين. (١)
* * *
والباء الأولى التي في"التأويل" من صلة"العالمين"، والتي في"العالمين""الباء" التي تدخل في الخبر مع"ما" التي بمعنى الجحد= ورفع"أضغاث أحلام"، لأن معنى الكلام: ليس هذه الرؤيا بشيء، إنما هي أضغاث أحلام.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال الذي نجا من القتل من صاحبي السجن اللذين استعبرا يوسف الرؤيا= (وادّكر)، يقول: وتذكر ما كان نسي من أمر يوسف، وذِكْرَ حاجته للملك التي كان سأله عند تعبيره رؤياه أن يذكرها
١٩٣٣٩- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس: (وادّكر بعد أمة)، قال: بعد حين (١).
١٩٣٤٠- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، مثله.
١٩٣٤١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، مثله.
١٩٣٤٢ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش: (وادّكر بعد أمة)، بعد حين.
١٩٣٤٣ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، أخبرنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين قال: (وادّكر بعد أمة)، قال: بعد حين.
١٩٣٤٤- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس مثله.
١٩٣٤٥-.... قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وادّكر بعد أمة)، يقول: بعد حين.
١٩٣٤٦- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وادّكر بعد أمة)، قال: ذكر بعد حين.
١٩٣٤٧ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: (وادكر بعد أمة) بعد حين.
١٩٣٤٩- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، مثله.
١٩٣٥٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وادّكر بعد أمة)، بعد حين.
١٩٣٥١ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن كثير: (بعد أمة) : بعد حين= قال ابن جريج: وقال ابن عباس: (بعد أمة)، بعد سنين.
١٩٣٥٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وادّكر بعد أمة)، قال: بعد حين.
١٩٣٥٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة: (وادّكر بعد أمة)، أي: بعد حقبة من الدهر.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا التأويل على قراءة من قرأ: (بَعْدَ أُمَّةٍ) بضم الألف وتشديد الميم، وهي قراءة القرأة في أمصار الإسلام.
* * *
وقد روي عن جماعة من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك:" بَعْدَ أَمَةٍ" بفتح الألف، وتخفيف الميم وفتحها بمعنى: بعد نسيان.
* * *
وذكر بعضهم أن العرب تقول من ذلك:"أمِهَ الرجل يأمَهُ أمَهًا"، إذا نسي.
* * *
وكذلك تأوّله من قرأ ذلك كذلك.
١٩٣٥٤ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال، حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ:"بَعْدَ أمَهٍ" ويفسّرها، بعد نسيان.
١٩٣٥٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا بهز بن أسد، عن همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قرأ:"بَعْدَ أَمَهٍ" يقول: بعد نسيان.
١٩٣٥٦ - حدثني أبو غسان مالك بن الخليل اليحمدي قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة أنه قرأ:"بَعْدَ أَمَهٍ"، و"الأمه": النسيان. (١)
١٩٣٥٧- حدثني يعقوب، وابن وكيع، قالا حدثنا ابن علية، قال، حدثنا أبو هارون الغنوي، عن عكرمة، مثله.
١٩٣٥٨ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب قال، قال هارون، وحدثني أبو هارون الغنوي، عن عكرمة:"بَعْدَ أَمَهٍ"، بعد نسيان.
١٩٣٥٩-... قال، حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة:"وَادَّكَرَ بَعْدَ أًمًهٍ": بعد نسيان.
١٩٣٦٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس: أي بعد نسيان.
١٩٣٦١ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:"وادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ" قال: من بعد نسيانه.
١٩٣٦٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد
١٩٣٦٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَةٍ) قال: بعد نسيان.
١٩٣٦٤- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ" يقول: بعد نسيان.
* * *
وقد ذكر فيها قراءة ثالثة، وهي ما:-
١٩٣٦٥- حدثني به المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن حميد قال، قرأ مجاهد:"وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمْهٍ"، مجزومة الميم مخففة.
* * *
وكأنّ قارئ ذلك كذلك أراد به المصدرَ من قولهم:"أمه يأمَهُ أمْهًا"، وتأويل هذه القراءة، نظير تأويل من فتح الألف والميم.
* * *
وقوله: (أنا أنبئكم بتأويله) يقول: أنا أخبركم بتأويله (١) = (فأرسلون)، يقول: فأطلقوني، أمضي لآتيكم بتأويله من عند العالم به.
* * *
وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره استغناء بما ظهر عما ترك، وذلك:"فأرسلوه، فأتى يوسف، فقال له": يا يوسف، يا أيها الصديق، (٢) كما:-
١٩٣٦٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال الملك للملأ حوله: (إني أرى سبع بقرات سمان)، الآية، وقالوا له ما قال،
= وتفسيره" التأويل" فيما سلف ص: ١١٩، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير" الصديق" فيما سلف ٨: ٥٣٠ - ٥٣٢ / ١٠: ٤٨٥.
* * *
وقيل: إن الذي نجا منهما إنما قال:"أرسلوني"، لأن السجن لم يكن في المدينة.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٣٦٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وقال الذي نجا منهما وادّكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون)، قال ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة، فانطلق الساقي إلى يوسف، فقال: (أفتنا في سبع بقرات سمان) الآيات.
* * *
قوله: (أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات)، فإن معناه: أفتنا في سبع بقرات سمان رُئين في المنام، يأكلهن سبعٌ منها عجاف= وفي سبع سنبلات خضر رئين أيضًا، وسبع أخر منهن يابسات. فأما"السمان من البقر"، فإنها السنون المخصبة، كما:-
١٩٣٦٨ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف)، قال: أما السمان فسنون منها مخصبة، وأما السبع العجاف، فسنون مجدبة لا تنبت شيئًا.
١٩٣٦٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
* * *
قوله: (وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات)، أما (الخضر) فهن السنون المخاصيب وأما (اليابسات) فهن الجدوب المحول.
و"العِجاف" جمع"عَجِف" وهي المهازيل.
* * *
وقوله: (لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون)، يقول: كي أرجع إلى الناس فأخبرهم = (لعلهم يعلمون) يقول: ليعلموا تأويل ما سألتك عنه من الرؤيا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لسائله عن رؤيا الملك: (تزرعون سبع سنين دأبًا) يقول: تزرعون هذه السبع السنين، كما كنتم تزرعون سائر السنين قبلها على عادتكم فيما مضى.
* * *
و"الدأب"، العادة، (١) ومن ذلك قول امرئ القيس:
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا | وَجَارَتِها أُمِّ الرَّبَابِ بِمأْسَلِ (٢) |
* * *
(٢) مضى البيت وتخريجه فيما سلف ٦: ٢٢٥.
١٩٣٧٠ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: قال لهم نبيّ الله يوسف: (تزرعون سبع سنين دأبًا) الآية، فإنما أراد نبيُّ الله ﷺ البقاء.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول: ثم يجيء من بعد السنين السبع التي تزرعون فيها دأبًا، سنون سبع شداد، يقول: جدوب قحطة= (يأكلن ما قدمتم لهن)، يقول: يؤكل فيهنّ ما قدمتم في إعداد ما أعددتم لهن في السنين السبعة الخصبة من الطعام والأقوات.
* * *
وقال جل ثناؤه: (يأكلن)، فوصف السنين بأنهن (يأكلهن)، وإنما المعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فيهن، كما قيل: (١)
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ | وَلَيْلُكَ نَوْمٌ والرَّدَى لَكَ لازِمُ (٢) |
(٢) الأخبار الطوال: ٣٣٣، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي: ٢٢٥، تاريخ ابن كثير ٩: ٢٠٦، وغيرها، يقول:
أَيَقْظَانُ أَنْتَ اليَوْمَ أَمْ أَنْتَ حَالِمُ | وكيف يطيق النَّوْمَ حَيْرَانُ هَائِمُ |
فَلَوْ كُنْتَ يَقْظَانَ الغَدَاةَ لَحَرَّقَتْ | مَحَاجِرَ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعُ السَّوَاجِمُ |
بَلَ أَصْبَحْتَ فِي النَّوْمِ الطَّوِيلِ وَقَدْ دَنَتْ | إلَيْكَ أُمُورٌ مُفْظِعَاتٌ عَظَائمُ |
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ | ولَيْلُكَ نَوْمٌ، وَالرَّدَى لك لاَزِمُ |
تُسَرُّ بِمَا يَبْلَى، وَتُشْغَلُ بِالمُنَى | كَمَا سُرَّ بِالأَحْلامِ فِي النَّوْم نَائِمُ |
وَسَعْيُكَ فِيما سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ | كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ البَهَائِمُ |
فَلا أَنْتَ فِي النُّوَّامِ يَوْمًا بِسَالِمٍ | وَلا أَنْتَ فِي الأيْقَاظِ يَقْظَانُ حَازِمُ |
* * *
= (إلا قليلا مما تحصنون)، يقول: إلا يسيرًا مما تحرزونه.
* * *
والإحصان: التصيير في الحصن، وإنما المراد منه الإحراز.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٣٧١ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (يأكلن ما قدمتم لهن)، يقول: يأكلن ما كنتم اتخذتم فيهن من القوت = (إلا قليلا مما تحصنون).
١٩٣٧٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد)، وهنّ الجدوب المحُول = (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون).
١٩٣٧٣- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد)، وهن الجدوب، (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون)، مما تدَّخرون.
١٩٣٧٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (تحصنون)، تحرزون.
١٩٣٧٦ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون)، قال: مما تَرْفَعون.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال في قوله: (تحصنون)، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيه، فإن معانيها متقاربة، وأصل الكلمة وتأويلها على ما بيَّنت.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من يوسف عليه السلام للقوم عما لم يكن في رؤيا ملكهم، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله دلالةً على نبوته وحجة على صدقة، كما:-
١٩٣٧٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: ثم زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها، فقال: (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون).
* * *
ويعني بقوله: (فيه يغاث الناس)، بالمطر والغيث.
* * *
وبنحو ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٣٧٩ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (فيه يغاث الناس)، قال: بالمطر.
١٩٣٨٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (ثم يأتي من بعد ذلك عام)، قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه، وكان الله قد علمه إياه، (عام فيه يغاث الناس)، بالمطر.
١٩٣٨١ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فيه يغاث الناس)، بالمطر.
* * *
وأما قوله: (وفيه يعصرون)، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: وفيه يعصرون العنب والسمسم وما أشبه ذلك.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٣٨٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وفيه يعصرون)، قال: الأعناب والدُّهْن.
١٩٣٨٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وفيه يعصرون)، السمسم دهنًا، والعنب خمرًا، والزيتون زيتًا.
١٩٣٨٤- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)، يقول: يصيبهم غيث، فيعصرون فيه العنب، ويعصرون فيه الزيت، ويعصرون من كل الثمرات.
١٩٣٨٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
١٩٣٨٦ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وفيه يعصرون)، قال: العنب.
١٩٣٨٧ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (وفيه يعصرون)، قال: الزيت.
١٩٣٨٨ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة: "وفيه يعصرون" قال: كانوا يعصرون الأعناب والثمرات.
١٩٣٨٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وفيه يعصرون)، قال: يعصرون الأعناب والزيتون والثمار من الخصب. هذا علم آتاه الله يوسف لم يُسْأل عنه.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (وفيه يعصرون)، وفيه يَحْلِبون.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٣٩٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني فضالة، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وفيه يعصرون)، قال: فيه يحلبون.
١٩٣٩١ - حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثنا الفرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة قال: كان ابن عباس يقرأ:"وَفِيهِ تَعْصرُونَ" بالتاء، يعني: تحتلبون.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعض قرأة أهل المدينة والبصرة والكوفة: (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)، بالياء، بمعنى ما وصفت، من قول من قال: عصر الأعناب والأدهان.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين:"وَفِيهِ تَعْصِرُونَ"، بالتاء.
وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، لخلافها ما عليه قرأة الأمصار.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك أن لقارئه الخيارَ في قراءته بأي القراءتين الأخريين شاء، إن شاء بالياء، ردًّا على الخبر به عن"الناس"، على معنى: فيه يُغاث الناس وفيه يَعْصرون أعنابهم وأدهانهم= وإن شاء بالتاء، ردًّا على قوله: (إلا قليلا مما تحصنون)، وخطابًا به لمن خاطبه بقوله: (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون) =لأنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار باتفاق المعنى، وإن اختلفت الألفاظ بهما. وذلك أن المخاطبين بذلك كان لا شك أنهم إذا أغيثوا وعَصَروا، أغيث الناس الذين كانوا بناحيتهم وعصروا. وكذلك كانوا إذا أغيث الناس بناحيتهم وعصروا، أغيث المخاطبون وعَصَروا، فهما متفقتا المعنى، وإن اختلفت الألفاظ بقراءة ذلك.
* * *
وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل، ممن يفسر القرآن برأيه على مَذهب كلام العرب، (١) يوجه معنى قوله: (وفيه يعصرون) إلى: وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث، ويزعم أنه من"العَصَر" و"العُصْرَة" التي بمعنى المنجاة، (٢) من قول أبي زبيد الطائي:
صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ | وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ (٣) |
(٢) في المطبوعة والمخطوطة (من العصر والعصر) التي بمعنى المناجاة، والصواب من مجاز القرآن لأبي عبيدة.
(٣) أمالي اليزيدي: ٨، وجمهرة أشعار العرب: ١٣٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣١٣ واللسان (نجد) و (عصر)، وغيرها، من قصيدة رثى بها أخاه اللجلاج، وكان مات عطشًا في طريق مكة. يقول قبله، وهو من جيد الشعر:
كُلَّ مَيْتٍ قَدِ اغْتَفَرَتُ فَلاَ أَجْـ | ـزَعُ مِنْ وَالِدٍ وَلاَ مَوْلُودِ |
غَيْرَ أَنَّ اللّجْلاجَ هَدَّ جَنَاحِي | يَوْمَ فَارَقْتُهُ بِأَعْلَى الصَّعِيدِ |
فِي ضَرِيحٍ عَلَيْهِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ | مِنْ تُرَابٍ وَجَنْدَلٍ مَنْضودِ |
عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ صَدٍ حَرَّ | انَ يَدْعُو باللَّيْلِ غَيْرَ مَعُودِ |
فَبَاتَ وَأَسْرَى الْقَوْمُ آخِرَ لَيْلِهِمْ | وَمَا كَانَ وقافًا بِغَيْرِ مُعَصَّرِ (١) |
* * *
وأما القول الذي رَوَى الفرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة، (٢) فقولٌ لا معنى له، لأنه خلاف المعروف من كلام العرب، وخلاف ما يعرف من قول ابن عباس.
* * *
وقيسُ بن جَزْءٍ يَوْمَ نَادَى صِحَابَهُ | فَعَاجُوا عَلَيْهِ مِنْ سَوَاهِمَ ضمَّرِ |
طَوَتْهُ المَنَايَا فَوْقَ جَرْدَاءَ شَطْبَةٍ | تَدِفُّ دَفِيفَ الطَّائحِ المُتَمَطِّرِ |
يقول: فبات عليها هلكًا، وسار أصحابه، ولم يتأخر عنهم إلا لأمر أصابه. ورواية الديوان:" بدار معصر"، وذكر الرواية الأخرى.
(٢) انظر رقم: ١٩٣٩١.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع الرسول الذي أرسلوه إلى يوسف، الذي قال: (أنا أنبئكم بتأويله فارسلون) فأخبرهم بتأويل رؤيا الملك عن يوسف = علم الملك حقيقة ما أفتاه به من تأويل رؤياه وصحة ذلك، وقال الملك: ائتوني بالذي عبَر رؤياي هذه. كالذي:-
١٩٣٩٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: فخرج نبو من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك حتى أتى الملك، فأخبره بما قال، فلما أخبره بما في نفسه كمثل النهار، (١) وعرف أن الذي قال كائن كما قال، قال:"ائتوني به".
١٩٣٩٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما أتى الملك رسوله قال:"ائتوني به".
* * *
وقوله: (فلما جاءه الرسول)، يقول: فلما جاءه رسول الملك يدعوه إلى الملك = (قال ارجع إلى ربك)، يقول: قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك (٢) (فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ؟ وأبى أن يخرج مع الرسول وإجابةَ الملك، حتى يعرف صحّة أمره عندهم مما كانوا قرفوه به من شأن النساء، (٣) فقال للرسول: سل الملك ما شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن، والمرأة التي سجنت بسببها؟ كما:-
(٢) انظر تفسير" الرب" فيما سلف ص: ١٠٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) في المطبوعة:" قذفوه"، وأثبت الصواب من المخطوطة." قرفه بالشيء"، اتهمه به.
١٩٣٩٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما أتى الملك رسوله فأخبره، قال: (ائتوني به)، فلما أتاه الرسول ودعاه إلى الملك، أبى يوسف الخروجَ معه = (وقال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) الآية. قال السدي، قال ابن عباس: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلمَ الملك بشأنه، ما زالت في نفس العزيز منه حاجَةٌ! يقول: هذا الذي راود امرأته.
١٩٣٩٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجل، عن أبي الزناد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله يوسف إن كان ذا أناة! لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليَّ لخرجت سريعًا، إن كان لحليمًا ذا أناة! (١)
١٩٣٩٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم جاءني الداعي لأجبته، إذ جاءه الرسول فقال: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) الآية. (٢)
(٢) الأثر: ١٩٣٩٧ - حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، رواه أبو جعفر من ثلاث طرق، هذا، والذي يليه، ورقم: ١٩٤٠١، ١٩٤٠٢.
و" محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ١٢٨٢٢، وغيرها قبله وبعده.
ومن طريق محمد بن عمرو، ورواه أحمد في مسند أبي هريرة، ونقله بإسناده ولفظه ابن كثير في تفسيره ٤: ٤٤٨، قال:" حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة". ولم أوفق لاستخراجه من المسند، لطول مسند أبي هريرة.
وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ٤٠، وقال:" قلت: له حديث في الصحيح غير هذا - رواه أحمد، وفيه محمد بن عمرو، وهو حسن الحديث".
١٩٣٩٩- حدثنا زكريا بن أبان المصريّ قال، حدثنا سعيد بن تليد قال، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال، حدثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي. (٢)
١٩٤٠٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله (٣).
١٩٤٠١- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان بن مسلم قال، حدثنا
" سليمان بن بلال التيمي"، ثقة روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١١٥٠٣.
(٢) الأثر: ١٩٣٩٩ -: زكريا بن أبان المصري"، هو" زكريا بن يحيى بن أبان المصري"، شيخ الطبري، وسلف برقم: ٥٩٧٣، ١٢٨٠٣، وانظر ما كتبته عن الشك في أمره هناك. وكان في المطبوعة:" المقرئ"، فكان" المصري"، لم يحسن قراءة المخطوطة.
وهذا الخبر صحيح الإسناد، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ٢٧٧)، عن سعيد بن تليد، بمثله مطولا، وانظر التعليق التالي.
(٣) الأثر: ١٩٤٠٠ - هذه طريق أخرى للأثر السالف.
ومن هذه الطريق رواه البخاري في صحيحه مطولا (الفتح ٦: ٢٩٣ - ٢٩٥)، واستقصى الحافظ شرحه وتخريجه هناك.
ورواه مسلم في صحيحه مطولا ٢: ١٨٣ / ١٥: ١٢٢، ١٢٣.
١٩٤٠٢- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن النبي ﷺ = ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن)، الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو بعث إليَّ لأسرعت في الإجابة، وما ابتغيت العذر. (٢)
١٩٤٠٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم بشيء حتى أشترط أن يخرجُوني.
ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم البابَ، ولكنه أراد أن يكون له العذر. (٣)
١٩٤٠٤- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة)، أراد نبيُّ الله عليه السلام أن لا يخرج حتى يكون له العذر.
١٩٤٠٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
(٢) الأثر: ١٩٠٤٢ - هو حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، كما بينته في رقم: ١٩٣٩٧.
(٣) الأثر: ١٩٤٠٣ - هذا حديث مرسل.
* * *
وقوله: (إن ربي بكيدهن عليم)، يقول: إن الله تعالى ذكره ذو علم بصنيعهن وأفعالهن التي فعلن، بي ويفعلن بغيري من الناس، لا يخفى عليه ذلك كله، وهو من ورَاء جزائهن على ذلك. (١)
* * *
وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدي إطفير العزيز، زوج المرأة التي راودتني عن نفسي، ذو علم ببراءتي مما قرفتني به من السوء. (٢)
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ﴾
قال أبو جعفر: وفي هذا الكلام متروك، قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عنه، وهو:"فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته، فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز" فقال لهن: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه)، كالذي:-
١٩٤٠٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما
= وتفسير" عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).
(٢) في المطبوعة:" قذفتني به"، والصواب من المخطوطة: أي: اتهمتني به.
* * *
ويعني بقوله: (ما خطبكن)، ما كان أمركن، وما كان شأنكن= (إذ راودتن يوسف عن نفسه) (١) = فأجبنه فقلن: (حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق)، (٢) تقول: الآن تبين الحق وانكشف فظهر، (أنا راودته عن نفسه) = وإن يوسف لمن الصادقين في قوله: (هي راودتني عن نفسي).
* * *
وبمثل ما قلنا في معنى: (الآن حصحص الحق)، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٤٠٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (الآن حصحص الحق)، قال: تبيّن.
١٩٤٠٨ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (الآن حصحص الحق)، تبيّن.
١٩٤٠٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٤١٠- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٤١١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
(٢) انظر تفسير" حاش الله" فيما سلف ص: ٨١ - ٨٤.
١٩٤١٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
١٩٤١٤- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: (الآن حصحص الحق)، قال: تبيّن.
١٩٤١٥- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (الآن حصحص الحق) قال: تبين.
١٩٤١٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، مثله.
١٩٤١٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله.
١٩٤١٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قالت راعيل امرأة إطفير العزيز: (الآن حصحص الحق)، أي: الآن برز الحق وتبيَّن = (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين)، فيما كان قال يوسف مما ادّعَت عليه.
١٩٤١٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: قال الملك: ائتوني بهن! فقال: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء)، ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه، ودخل معها البيت وحلّ سراويله، ثم شدَّه بعد ذلك، ، فلا تدري ما بدا له.
فقالت امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق).
١٩٤٢٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (الآن حصحص الحق)، تبين.
* * *
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، هذا الفعل الذي فعلتُه، من ردّي رسول الملك إليه، وتركي إجابته والخروج إليه، ومسألتي إيّاه أن يسأل النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن عن شأنهن إذ قطعن أيديهن، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته="بالغيب"، يقول: لم أركب منها فاحشةً في حال غيبته عني. (٣) وإذا لم يركب ذلك بمغيبه، فهو في حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدًا من ركوبه، كما:-
١٩٤٢١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، يقول يوسف: (ذلك ليعلم)، إطفير سيده = (أني لم أخنه بالغيب)، أني لم أكن لأخالفه إلى أهله من حيث لا يعلمه.
(٢) في المطبوعة: أسقط قوله:" بقوله".
(٣) انظر تفسير" الغيب" فيما سلف من فهارس اللغة (غيب).
١٩٤٢٣- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) يوسف يقوله: لم أخن سيِّدي.
١٩٤٢٤-.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال يوسف يقوله.
١٩٤٢٥ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال: هذا قول يوسف.
١٩٤٢٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال هو يوسف، لم يخن العزيز في امرأته.
١٩٤٢٧- حدِثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:" ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب"، هو يوسف يقول: لم أخن الملك بالغيب.
* * *
وقوله: (وأنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين)، يقول: فعلت ذلك ليعلم سيدي أني لم أخنه بالغيب = (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين)، يقول: وأن الله لا يسدّد صنيع من خان الأمانات، ولا يرشد فعالهم في خيانتهموها. (١)
* * *
= وتفسير" الكيد" فيما سلف ص: ١٣٧، تعليق ١، والمراجع هناك.
* * *
قال أبو جعفر: يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها= (إن النفس لأمارة بالسوء)، يقول: إن النفوسَ نفوسَ العباد، تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله= (إلا ما رحم ربي) يقول: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمرُه به من السوء = (إن ربي غفور رحيم).
* * *
و"ما"في قوله: (إلا ما رحم ربي)، في موضع نصب، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله، كقوله: (ولا هُمْ يُنْقَذُونَ إلا رَحْمَةً مِنَّا) [سورة يس: ٤٣، ٤٤] بمعنى: إلا أن يرحموا. و"أن"، إذا كانت في معنى المصدر، تضارع"ما".
* * *
* * *
وذُكر أن يوسف قال هذا القول، من أجل أن يوسف لما قال: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال ملك من الملائكة: ولا يومَ هممت بها! فقال يوسفُ حينئذ: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
* * *
وقد قيل: إن القائل ليوسف:"ولا يومَ هممت بها، فحللت سراويلك"! هو امرأة العزيز، فأجابها يوسف بهذا الجواب.
* * *
وقيل: إن يوسف قال ذلك ابتداءً من قبل نفسه.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
١٩٤٢٨ - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة فسألهن: هل راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن حَاشَ لله، ما علمنا عليه من سوء! قالت امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق) الآية. قال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال فقال له جبريل: ولا يوم هممت بما هممت! فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
١٩٤٢٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة، قال لهن: أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ = ثم ذكر سائر الحديث، مثل حديث أبي كريب، عن وكيع.
١٩٤٣٠- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا إسرائيل
١٩٤٣١ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير قال: لما قال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب). قال جبريل، أو مَلَك: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
١٩٤٣٢- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، بنحوه= إلا أنه قال: قال له المَلَك: ولا حين هممت بها؟ ولم يقل:"أو جبريل"، ثم ذكر سائر الحديث مثله.
١٩٤٣٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، وأحمد بن بشير، عن مسعر، عن أبى حصين، عن سعيد بن جبير: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال فقال له الملك= أو: جبريل=: ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
١٩٤٣٤ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل قال: لما قال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال له جبريل: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
١٩٤٣٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، بمثله.
١٩٤٣٦- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا مسعر،
١٩٤٣٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا العلاء بن عبد الجبار، وزيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال له جبريل: اذكر همَّك! فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
١٩٤٣٨ - حدثنا الحسن قال، حدثنا عفان قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن الحسن: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) قال جبريل: يا يوسف اذكر همك! قال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
١٩٤٣٩ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال: هذا قول يوسف قال: فقال له جبريل: ولا حين حللت سراويلك؟ قال فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء)، الآية.
١٩٤٤٠- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، بنحوه.
١٩٤٤١ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ذُكر لنا أن الملك الذي كان مع يوسف، قال له: اذكر ما هممت به. قال نبي الله: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
١٩٤٤٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: بلغني أن الملك قال له حين قال ما قال: أتذكر همك؟ فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي).
١٩٤٤٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال الملك،
* * *
*ذكر من قال: قائل ذلك له المرأة.
١٩٤٤٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)، قال: قاله يوسف حين جيء به، ليعلم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. فقالت امرأة العزيز: يا يوسف، ولا يوم حللت سراويلك؟ فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء).
* * *
* ذكر من قال: قائل ذلك يوسف لنفسه، من غير تذكير مذكّر ذكره ولكنه تذكّر ما كان سلف منه في ذلك.
١٩٤٤٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين)، هو قول يوسف لمليكه، حين أراه الله عذره، فذكر أنه قد همَّ بها وهمت به، فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء)، الآية.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) ﴾
١٩٤٤٦ - حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عنه.
* * *
= حين تبين عذر يوسف، وعرف أمانته وعلمه، قال لأصحابه: (ائتوني به أستخلصه لنفسي)، يقول: أجعله من خُلصائي دون غيري.
* * *
وقوله: (فلما كلمه)، يقول: فلما كلم الملك يوسفَ، وعرف براءته وعِظَم أمانته قال له: إنك يا يوسف،"لدينا مكين أمين"، أي: متمكن مما أردت، وعرض لك من حاجة قبلنا، لرفعة مكانك ومنزلتك، لدينا = أمين على ما أؤتمنت عليه من شيء.
١٩٤٤٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما وجد الملك له عذرًا قال: (ائتوني به أستخلصه لنفسي).
١٩٤٤٨ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أستخلصه لنفسي)، يقول: أتخذه لنفسي.
١٩٤٤٩- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل قال الملك: (ائتوني به أستخلصه لنفسي) قال: قال له الملك: إني أريد أن أخلصك لنفسي، غير أني آنَفُ أن تأكُل معي.
فقال يوسف: أنا أحق أن آنفَ، أنا ابن إسحاق= أو: أنا ابن إسماعيل= أبو جعفر شكَّ، وفي كتابي: ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله.
١٩٤٥٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل بنحوه= غير أنه قال: أنا ابن إبراهيم خليل الله، ابن إسماعيل ذبيح الله.
١٩٤٥١- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
١٩٤٥٢ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا سفيان بن عقبة، عن حمزة الزيات، عن ابن إسحاق، عن أبي ميسرة قال: لما رأى العزيز لَبَقَ يوسف وكيسه وظَرْفه، دعاه فكان يتغدى ويتعشى معه دون غلمانه. فلما كان بينه وبين المرأة ما كان، قالت له: تُدْنِي هذا! مُرْهُ فليتغدَّ مع الغلمان. قال له: اذهب فتغدَّ مع الغلمان. فقال له يوسف في وجهه: ترغب أن تأكل معي = أو تَنْكَف (١) = أنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال يوسف للملك: اجعلني على خزائن أرضك.
* * *
وهي جمع"خِزَانة".
* * *
و"الألف واللام" دخلتا في"الأرض" خلفًا من الإضافة، كما قال الشاعر:
والأَحْلامُ غَيْرُ عَوَازِبِ (٢)
* * *
وهذا من يوسف صلوات الله عليه، مسألة منه للملك أن يولّيه أمر طعام بلده وخراجها، والقيام بأسباب بلده، ففعل ذلك الملك به، فيما بلغني، كما:-
١٩٤٥٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اجعلني على خزائن الأرض)، قال: كان لفرعون خزائن كثيرة غير الطعام قال: فأسلم سلطانه كُلَّه إليه، وجعل القضاء إليه، أمرُه وقضاؤه نافذٌ.
١٩٤٥٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا إبراهيم بن المختار، عن شيبة الضبي، في قوله: (اجعلني على خزائن الأرض)، قال: على حفظ الطعام (٣).
* * *
وقوله: (إني حفيظ عليم) اختلف أهل التأويل في تأويله.
فقال بعضهم: معنى ذلك: إني حفيظ لما استودعتني، عليم بما وليتني.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٤٥٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إني حفيظ عليم)، إني حافظ لما استودعتني، عالم بما وليتني. قال: قد فعلت.
١٩٤٥٦ - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إني حفيظ عليم)، يقول: حفيظ لما وليت، عليم بأمره.
(٢) سلف البيت وتخريجه وشرحه ٥: ١٦٠ /١٣: ١٠٦، وهو:
لَهُمْ شِيمَةٌ لَمْ يُعْطِهَا الدَّهُرْ غَيْرَهُم | مِنَ النَّاسِ، والأَحْلامُ غيْرُ عَوَازِبِ |
و"شيبة الضبي"، هو" شيبة بن نعامة الضبي"،" أبو نعامة"، ضعيف الحديث لا يحتج به، مترجم في الكبير ٢ / ٢ / ١٤٣، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٣٥، وميزان الاعتدال ١: ٤٥٢، ولسان الميزان ٣: ١٥٩.
وانظر الإسناد الآتي رقم: ١٩٤٥٧.
* * *
وقال آخرون: إني حافظ للحساب، عليم بالألسن.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٤٥٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن الأشجعي: (إني حفيظ عليم)، حافظ للحساب، عليم بالألسن.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك:" إني حافظ لما استودعتني، عالم بما أوليتني"، لأن ذلك عقيب قوله: (اجعلني على خزائن الأرض)، ومسألته الملك استكفاءه خزائن الأرض، فكان إعلامه بأن عنده خبرةً في ذلك وكفايته إياه، أشبه من إعلامه حفظه الحساب، ومعرفته بالألسن. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) ﴾
(٢) انظر تفسير" حفيظ" فيما سلف ١٥: ٤٤٩، تعليق: ١، والمراجع هناك
= وتفسير" عليم" في فهارس اللغة (علم).
* * *
وكان تمكين الله ليوسف في الأرض كما:-
١٩٤٥٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما قال يوسف للملك: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) قال الملك: قد فعلت! فولاه فيما يذكرون عمل إطفير وعزل إطفير عما كان عليه، يقول الله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء)، الآية. قال: فذكر لي، والله أعلم أن إطفير هَلَك في تلك الليالي، وأن الملك الرَّيان بن الوليد، زوَّج يوسف امرأة إطفير راعيل، وأنها حين دخلت عليه قال: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيُّها الصديق، لا تلمني، فإني كنت امرأة كما ترى حسنًا وجمالا ناعمةً في ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنتَ كما جعلك الله في حسنك وهيئتك، فغلبتني نفسي على ما رأيت. فيزعمون أنه وجدَها عذراء، فأصابها، فولدت له رجلين: أفرائيم بن يوسف، وميشا بن يوسف.
١٩٤٦٠ - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
(٢) انظر تفسير" تبوأ" فيما سلف ١٥: ١٩٨، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" الأجر" و" الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر)، (حسن)
١٩٤٦١ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (يتبوأ منها حيث يشاء) قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا، يصنع فيها ما يشاء، فُوِّضَتْ إليه. قال: ولو شاء أن يجعَل فرعون من تحت يديه، ويجعله فوقه لفعل.
١٩٤٦٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن مجاهد قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة= (خير للذين آمنوا) يقول: للذين صدقوا الله ورسوله، مما أعطى يوسف في الدنيا من تمكينه له في أرض مصر = (وكانوا يتقون)، يقول: وكانوا يتقون الله، فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال محارمه، فيطيعونه في أمره ونهيه.
* * *
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم)، يوسف، (وهم) ليوسف (منكرون) لا يعرفونه.
* * *
وكان سبب مجيئهم يوسفَ، فيما ذكر لي، كما:-
١٩٤٦٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما اطمأن يوسف في ملكه، وخرج من البلاء الذي كان فيه، وخلت السنون المخصبة التي كان أمرهم بالإعداد فيها للسنين التي أخبرهم بها أنها كائنة، جُهد الناس في كل وجه، وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلدة. وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الجهد، قد آسى بينهم، (١) وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا، ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين، تقسيطًا بين الناس، وتوسيعًا عليهم، (٢) فقدم إخوته فيمن قدم عليه من الناس، يلتمسون الميرة من مصر، فعرفهم وهم له منكرون، لما أراد الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام فيما أراد. (٣)
١٩٤٦٤- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: أصاب الناس الجوعُ، حتى أصاب بلادَ يعقوب التي هو بها، فبعث بنيه إلى مصر، وأمسك أخا يوسف بنيامين ; فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون ; فلما نظر إليهم، قال: أخبروني ما أمركم، فإني أنكر شأنكم! قالوا: نحن قوم من أرض الشأم. قال: فما جاء بكم قالوا: جئنا نمتار طعامًا. قال:
(٢) " التقسيط" التفريق، أعطى لكل امرئ قسطًا، وهو من العدل بينهم.
(٣) في المطبوعة:" ما أراد"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.
١٩٤٦٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وهم له منكرون) قال: لا يعرفونه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ (٥٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول: ولما حمَّل يوسف لإخوته أبا عرهم من الطعام، فأوقر لكل رجل منهم بعيرَه، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) كيما أحمل لكم بعيرًا آخر، فتزدادوا به حمل بعير آخر، (ألا ترون أني أوفي الكيل)، (١) فلا أبخسه
= وتفسير" الكيل" فيما سلف ١٥: ٤٤٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.
١٩٤٦٦- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأنا خير المنزلين)، يوسف يقوله: (١) أنا خيرُ من يُضيف بمصر.
١٩٤٦٧- حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جهز يوسف فيمن جهَّز من الناس، حَمَل لكل رجل منهم بعيرًا بعدّتهم، ثم قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم)، أجعل لكم بعيرًا آخر، أو كما قال= (ألا ترون أني أوفي الكيل)، أي: لا أبخس الناس شيئًا= (وأنا خير المنزلين) : ، أي خير لكم من غيري، فإنكم إن أتيتم به أكرمت منزلتكم وأحسنت إليكم، وازددتم به بعيرًا مع عدّتكم، فإني لا أعطي كلّ رجل منكم إلا بعيرًا (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون)، لا تقربوا بلدي.
١٩٤٦٨- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم)، يعني بنيامين، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل يوسف لإخوته: (فإن لم تأتوني به)، بأخيكم من أبيكم= (فلا كيل لكم عندي)، يقول: فليس لكم عندي طعام أكيله لكم= (ولا تقربون)، يقول: ولا تقربوا بلادي.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) :(قالوا سنراود عنه أباه)، ونسأله أن يخليّه معنا حتى نجيء به إليك (١) = (وإنا لفاعلون) يعنون بذلك: وإنا لفاعلون ما قلنا لك إنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ولنجتهدنَّ كما:-
١٩٤٦٩- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإنا لفاعلون)، لنجتهدنّ.
* * *
وقوله: (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم)، يقول تعالى ذكره: وقال يوسف="لفتيانه"، وهم غلمانه، (٢) كما:-
١٩٤٧٠- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وقال لفتيانه)، أي: لغلمانه.
* * *
(اجعلوا بضاعتهم في رحالهم)، يقول: اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم (٣) ="في رحالهم".
(٢) انظر تفسير" الفتى" فيما سلف ص: ٩٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" البضاعة" فيما سلف ص ٤ - ٧
* * *
وبنحو الذي قلنا في معنى"البضاعة"، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٤٧١- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) : أي: أوراقهم (١)
١٩٤٧٢- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام، فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون.
١٩٤٧٣- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: وقال لفتيته وهو يكيل لهم:"اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون" إليّ.
* * *
فإن قال قائل: ولأيّةِ علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم؟
قيل: يحتمل ذلك أوجهًا:
أحدها: أن يكون خَشي أن لا يكون عند أبيه دراهم، إذ كانت السَّنة سنة جَدْب وقَحْط، فيُضِرُّ أخذ ذلك منهم به، وأحبّ أن يرجع إليه.
= أو: أرادَ أن يتسع بها أبوه وإخوته، مع [قلّة] حاجتهم إليه، (٢) فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب ردّه، تكرمًا وتفضُّلا.
(٢) في المخطوطة:" وأراد"، والصواب" أو" كما في المطبوعة. والذي بين القوسين ليس في المخطوطة أيضًا، فزدته استظهارًا، لحاجة المعنى إليه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم= (قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل)، يقول: منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا، ولم يكل لكل رجُلٍ منّا إلا كيل بعير- (فأرسل معنا أخانا)، بنيامين يكتلَ لنفسه كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا= (وإنا له لحافظون)، من أن يناله مكروه في سفره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٤٧٤- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامةَ ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، وإنه ارتهن شمعون، وقال: ائتوني بأخيكم هذا
وهو كلام بلا شك خفي المعنى، ومعناه: أن هذا الثمن قد ملكه غيرهم، وغلبهم على ملكه من أعطاهم هذا الطعام عوضًا عن الثمن.
١٩٤٧٥-حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: خرجوا حتى قدموا على أبيهم، وكان منزلهم، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعرَبات من أرض فلسطين بِغَوْرِ الشأم= وبعض يقول: بالأولاج من ناحية الشّعب، أسفل من حِسْمى (١) = وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل، فقالوا: يا أبانا، قدمنا على خير رجُلٍ، أنزلنا فأكرم منزلنا، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا، وقد أمرنا أن نأتِيَه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا، فلا تقربُنِّي ولا تدخلُنّ بلدي. فقال لهم يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) ؟
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (نكتل).
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة، وبعض أهل مكة والكوفة (نَكْتَلْ)، بالنون، بمعنى: نكتل نحن وهو.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة:"يَكْتَلْ"، بالياء؛ بمعنى يكتل هو لنفسه، كما نكتال لأنفسنا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ. وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادةَ الكيل على عدد رءوسهم، فقالوا: (يا أبانا مُنع منا الكيل) = ثم
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قَبْلِه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (فالله خير حافظا).
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا)، بمعنى: والله خيركم حفظًا.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض أهل مكة: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا) بالألف على توجيه"الحافظ" إلى أنه تفسير للخير، كما يقال:"هو خير رجلا"، والمعنى: فالله خيركم حافظًا، ثم حذفت"الكاف والميم".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علمٍ بالقرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا، ومن
* * *
= (وهو أرحم الراحمين)، يقول: والله أرحم راحمٍ بخلقه، يرحم ضعفي على كبر سنِّي، ووحدتي بفقد ولدي، فلا يضيعه، ولكنه يحفظه حتى يردَّه عليَّ لرحمته.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنزدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعَهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف= (وجدوا بضاعتهم)، وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه= رُدّت إليهم، (قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا) يعني أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا! تطييبًا منهم لنفسه بما صُنع بهم في ردِّ بضاعتهم إليهم. (١)
* * *
وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت" ما" استفهامًا في موضع نصب بقوله: (نبغي).
* * *
وإلى هذا التأويل كان يوجِّهه قتادة.
١٩٤٧٦-حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
* * *
وقوله: (ونمير أهلنا)، يقول: ونطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم.
* * *
يقال منه:"مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا"، ومنه قول الشاعر: (١)
بَعَثْتُكَ مَائِرًا فَمَكَثْتَ حَوْلا | مَتَى يَأْتِي غِيَاثُكَ مَنْ تُغِيثُ |
(ونحفظ أخانا)، الذي ترسله معنا (ونزداد كيل بعير)، يقول: ونزداد على أحمالنا [من] الطعام حمل بعير (٢) يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا= (ذلك كيل يسير)، يقول: هذا حمل يسير. كما:-
١٩٤٧٧-حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج: (ونزداد كيل بعير) قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير، فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير= وقال ابن جريج: قال مجاهد: (كيل بعير) حمل حمار. قال: وهي لغة= قال القاسم: يعني مجاهد: أن"الحمار" يقال له في بعض اللغات:"بعير".
١٩٤٧٨- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ونزداد كيل بعير)، يقول: حمل بعير.
١٩٤٧٩- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ونزداد كيل بعير) نَعُدّ به بعيرًا مع إبلنا= (ذلك كيل يسير).
* * *
(٢) الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر= (حتى تؤتون موثقًا من الله)، يقول: حتى تعطون موثقًا من الله= بمعنى"الميثاق"، وهو ما يوثق به من يمينٍ وعهد (١) (لتأتنني به) يقول لتأتنني بأخيكم= (إلا أن يحاط بكم)، يقول: إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به. (٢)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٤٨٠- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فلما آتوه موثقهم)، قال: عهدهم.
١٩٤٨١- حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
١٩٤٨٢- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إلا أن يحاط بكم) : ، إلا أن تهلكوا جميعًا.
١٩٤٨٣- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
(٢) انظر تفسير" الإحاطة" فيما سلف ١٥: ٤٦٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.
١٩٤٨٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: (إلا أن يحاط بكم)، قال: إلا أن تغلَبوا حتى لا تطيقوا ذلك.
١٩٤٨٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قوله: (إلا أن يحاط بكم) : ، إلا أن يصيبكم أمرٌ يذهب بكم جميعًا، فيكون ذلك عذرًا لكم عندي.
* * *
وقوله: (فلما آتوه موثقهم)، يقول: فلما أعطوه عهودهم="قال"، يعقوب: (الله على ما نقول)، أنا وأنتم= (وكيل)، يقول: هو شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعًا. (١)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادُوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد، وادخلوا من أبواب متفرقة.
وذكر أنه قال ذلك لهم، لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة، (١) فخاف عليهم العينَ إذا دخلوا جماعة من طريق واحدٍ، وهم ولد رجل واحد، فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها. كما:-
١٩٤٨٧- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة)، قال: خاف عليهم العينَ.
١٩٤٨٨- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد) خشي نبيُّ الله ﷺ العينَ على بنيه، كانوا ذوي صُورة وجَمال.
١٩٤٨٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وادخلوا من أبواب متفرقة)، قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالا فخشي عليهم أنفُسَ الناس.
١٩٤٩٠- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة)، قال: رهب يعقوب عليه السلام عليهم العينَ.
١٩٤٩١- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لا تدخلوا من باب واحد)، خشي يعقوب على ولده العينَ.
١٩٤٩٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: (لا تدخلوا من باب واحد)، قال: خشي عليهم العين.
١٩٤٩٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما أجمعوا الخروجَ= يعني ولد يعقوب= قال يعقوب: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة)، خشي عليهم أعين الناس، لهيأتهم، وأنهم لرجل واحدٍ.
* * *
وقوله: (وما أغني عنكم من الله من شيء)، يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير، لأن قضاءه نافذ في خلقه (١) = (إن الحكم إلا لله)، يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء، فإنه يحكم في خلقه بما يشاء، فينفذ فيهم حكمه، ويقضي فيهم، ولا يُرَدّ قضاؤه= (عليه توكلت)، يقول: على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم عليّ، حتى يردكم إليّ وأنتم سالمون معافون، لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة= (وعليه فليتوكل المتوكلون)، يقول: وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون. (٢)
* * *
(٢) انظر تفسير" التوكل" فيما سلف ١٥: ٥٤٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب (من حيث أمرهم أبوهم، وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة= (ما كان يغني)، دخولهم إياها كذلك= (عنهم) من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه، (من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها)، إلا أنهم قضوا وطرًا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفًا من العين عليهم، فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه. كما:-
١٩٤٩٥- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها)، خيفة العين على بنيه.
١٩٤٩٦- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٤٩٧-... قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٤٩٨- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها)، قال: خشية العين عليهم.
* * *
وقوله: (وإنه لذو علم لما علمناه)، يقولُ تعالى ذكره: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه.
* * *
وقيل: معناه وإنه لذو حفظٍ لما استودعنا صدره من العلم.
* * *
واختلف عن قتادة في ذلك:
١٩٥٠٠- فحدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) : أي: مما علمناه.
١٩٥٠١- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة عن قتادة: (وإنه لذو علم لما علمناه)، قال: إنه لعامل بما عَلم.
١٩٥٠٢-... قال: المثنى قال إسحاق قال عبد الله قال سفيان: (إنه لذو علم)، مما علمناه. وقال: من لا يعمل لا يكون عالمًا.
* * *
= (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، يقول جل ثناؤه: ولكن كثيرًا من الناس غير يعقوب، لا يعلمون ما يعلمه، لأنَّا حَرَمناه ذلك فلم يعلمه.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف= (آوى إليه أخاه)، يقول: ضم إليه أخاه لأبيه وأمه. (١)
* * *
وكان إيواؤه إياه، (٢) كما:-
١٩٥٠٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه)، قال: عرف أخاه، فأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم بِمُثُل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال. (٣) فلما بقي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي. فبات معه، فجعل يوسف يشمُّ ريحه، ويضمه إليه حتى أصبح، وجعل روبيل يقول: ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه!
١٩٥٠٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما دخلوا= يعني ولد يعقوب= على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به، قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي= أو كما قال. ثم قال: إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [صاحب]
(٢) كان الكلام في المطبوعة هكذا:" وكل أخوه لأبيه"، فلم يحسن قراءة المخطوطة، فجاء بكلام لا معنى له، وكان فيها:" وكل إيواوه إياه" غير منقوطة، وهذا صواب قراءته.
(٣) " المثال" (بكسر الميم)، وجمعه" مثل" (بضمتين)، وهو الفراش، وفي الحديث أنه دخل على سعد بن أبي وقاص، وفي البيت متاع رث ومثال رث أي: فراش خلق بال. ويقال: هو النمط الذي يفترش من مفارش الصوف الملونة.
١٩٥٠٥- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه)، ضمه إليه، وأنزله، وهو بنيامين.
١٩٥٠٦- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول= وسئل عن قول يوسف: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) =: كيف أصابه حين أخذ بالصُّواع، وقد كان أخبره [أنه] أخوه، (٢) وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا؟ فقال: إنه لم يعترف له بالنسبة، ولكنه قال: (أنا أخوك) مكانَ أخيك الهالك= (فلا تبتئس بما كانوا يعملون)، يقول: لا يحزنك مكانهُ.
* * *
وقوله: (فلا تبتئس)، يقول: فلا تستكِنْ ولا تحزن.
* * *
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" كيف أجابه حين أخذ بالصواع، وقد كان أخبره أخوه"، ولعل الصواب ما أثبت، مع هذه الزيادة بين القوسين.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٠٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلا تبتئس)، يقول: فلا تحزن ولا تيأس.
١٩٥٠٨- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: (فلا تبتئس)، يقول: لا يحزنك مكانه.
١٩٥٠٩- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلا تبتئس بما كانوا يعملون)، يقول: لا تحزن على ما كانوا يعملون.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك، وفي أخيك من أمك، وما كانوا يفعلون قبلَ اليوم بك.
* * *
قال أبو جعفر: يقول: ولما حمّل يوسف إبل إخوته ما حمّلها من الميرة وقضى حاجتهم، (١) كما:-
١٩٥١٠- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
* * *
وقوله: (جعل السقاية في رحل أخيه)، يقول: جعل الإناء الذي يكيلُ به الطعام في رَحْل أخيه.
* * *
و"السقاية": هي المشربة، وهي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك ويكيلُ به الطعام.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥١١- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال: حدثنا عبد الواحد، عن يونس، عن الحسن: أنه كان يقول:"الصواع" و"السقاية"، سواء، هو الإناء الذي يشرب فيه.
١٩٥١٢-... قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"السقاية" و"الصواع"، شيء واحد، ، كان يشرب فيه يوسف.
١٩٥١٣-... قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال"السقاية": "الصواع"، الذي يشرب فيه يوسف.
١٩٥١٤- حدثنا محمد بن الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (جعل السقاية)، قال: مشربة الملك.
١٩٥١٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (السقاية في رحل أخيه)، وهو إناء الملك الذي كان يشرب فيه.
١٩٥١٦- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير) وهي"السقاية" التي كان يشرب فيها الملك= يعني مَكُّوكه.
١٩٥١٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
١٩٥١٨- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (جعل السقاية في رحل أخيه)، هو الإناء الذي كان يشرب فيه الملك.
١٩٥١٩- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (جعل السقاية في رحل أخيه)، قال:"السقاية" هو"الصواع"، وكان كأسًا من ذهب، فيما يذكرون.
* * *
قوله: (في رحل أخيه)، فإنه يعني: في متاع أخيه ابن أمه وأبيه (١) وهو بنيامين.
وكذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٢٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (في رحل أخيه) أي: في متاع أخيه.
* * *
وقوله: (ثم أذّن مؤذن)، يقول: ثم نادى منادٍ. (٢)
* * *
وقيل: أعلم معلم.
* * *
= (أيتها العير)، وهي القافلة فيها الأحمال= (إنكم لسارقون).
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(٢) انظر تفسير" أذن" فيما سلف من فهارس اللغة (أذن).
١٩٥٢١- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه)، والأخ لا يشعر. فلما ارتحلوا أذّن مؤذن قبل أن ترتحل العير: (إنكم لسارقون).
١٩٥٢٢- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ثم جهزهم بجهازهم، وأكرمهم وأعطاهم وأوفاهم، وحمَّل لهم بعيرًا بعيرًا، وحمل لأخيه بعيرًا باسمه كما حمل لهم. ثم أمر بسقاية الملك= وهو"الصواع"، وزعموا أنها كانت من فضة= فجعلت في رحل أخيه بنيامين. ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية، أمر بهم فأدركوا، فاحتبسوا، ثم نادى مناد: (أيتها العير إنكم لسارقون)، قفوا. وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم، ونوفِّكم كيلكم، ونحسن منزلتكم، ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم، وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا؟ = أو كما قال لهم قالوا: بلى، وما ذاك؟ قال: سقاية الملك فقدناها، ولا نتَّهم عليها غيركم. (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين).
* * *
وقوله: (أيتها العير)، قد بينا فيما مضى معنى"العير"، وهو جمع لا واحد له من لفظه. (١)
* * *
وحكي عن مجاهد أن عير بني يعقوب كانت حميرًا.
١٩٥٢٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريح، عن مجاهد: (أيتها العير)، قال: كانت حميرًا.
١٩٥٢٤- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال بنو يعقوب لما نودوا: (أيتها العير إنكم لسارقون)، وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: (ماذا تفقدون)، ما الذي تفقدون؟ = (قالوا نفقد صواع الملك)، يقول: فقال لهم القوم: نفقد مشربة الملك.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فذكر عن أبي هريرة أنه قرأه:"صَاعَ المَلِكِ"، بغير واوٍ، كأنه وجَّهه إلى"الصاع" الذي يكال به الطعام.
* * *
وروي عن أبي رجاء أنه قرأه:"صَوْعَ المَلِكِ".
* * *
وروي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه:"صَوْغَ المَلِكِ"، بالغين، كأنه وجَّهه إلى أنه مصدر من قولهم:"صاغ يَصُوغ صوغًا".
* * *
وأما الذي عليه قرأة الأمصار: فَـ (صُوَاعَ المَلِكِ)، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها.
و"الصواع"، هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام. وكذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٢٥- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذا الحرف: (صواع الملك) قال: كهيئة المكُّوك. قال: وكان للعباس مثله في الجاهلية يَشْرَبُ فيه
١٩٥٢٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (صواع الملك)، قال، كان من فضة مثل المكوك. وكان للعباس منها واحدٌ في الجاهلية.
١٩٥٢٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (قالوا نفقد صواع الملك)، قال: كان من فضة.
١٩٥٢٨- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأ: (صواع الملك)، قال وكان إناءه الذي يشرب فيه، وكان إلى الطول ما هو.
١٩٥٢٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: (صواع الملك)، قال، المكوك الفارسي.
١٩٥٣٠- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال، (صواع الملك)، قال، هو المكوك الفارسيّ الذي يلتقي طرفاه، كانت تشرب فيه الأعاجم.
١٩٥٣٢- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا يحيى= يعني ابن عباد= قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (صواع الملك)، مكّوك من فضة يشربون فيه. وكان للعباس واحدٌ في الجاهلية.
١٩٥٣٣- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (صواع الملك)، إناء الملك الذي يشرب فيه.
١٩٥٣٤- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (صواع الملك)، قال: هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه.
١٩٥٣٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال،"الصواع"، كان يشرب فيه يوسف.
١٩٥٣٦- حدثنا محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا صدقة بن عباد، عن أبيه عن ابن عباس: (صواع الملك)، قال، كان من نحاس.
* * *
وقوله: (ولمن جاء له حمل بعير)، يقول: ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام، كما:-
١٩٥٣٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولمن جاء به حمل بعير)، يقول: وقر بعير.
١٩٥٣٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: (حمل بعير)، قال:
١٩٥٣٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال=
١٩٥٤٠- وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (حمل بعير) قال: حمل حمار= وهي لغة.
١٩٥٤١- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٥٤٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، قوله: (حمل بعير) قال، حمل حمار.
* * *
وقوله، (وأنا به زعيم)، يقول: وأنا بأن أوفيّه حملَ بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيلٌ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٤٣- حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وأنا به زعيم)، يقول: كفيل.
١٩٥٤٤- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وأنا به زعيم)، "الزعيم"، هو المؤذّن الذي قال: (أيتها العير).
١٩٥٤٥- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
١٩٥٤٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
١٩٥٤٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، وأبو خالد الأحمر، عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد، ثم ذكر نحوه.
١٩٥٤٨- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن ورقاء بن إياس، عن سعيد بن جبير: (وأنا به زعيم)، قال: كفيل.
١٩٥٤٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وأنا به زعيم) : أي: وأنا به كفيلٌ.
١٩٥٥٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأنا به زعيم)، قال: كفيل.
١٩٥٥١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (وأنا به زعيم)، قال: كفيل.
١٩٥٥٢- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، فذكر مثله.
١٩٥٥٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (وأنا به زعيم)، قال: كفيل.
١٩٥٥٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال لهم الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير، وأنا به كفيلٌ بذلك حتى أؤدّيه إليه.
* * *
ومن"الزعيم" الذي بمعنى الكفيل، قول الشاعر:
فَلَسْتُ بِآمِرٍ فِيهَا بِسَلْمٍ | وَلَكِنِّي عَلَى نَفْسِي زَعِيمُ (٢) |
حَتَّى إذَا بَرَزَ اللِّوَاءُ رَأَيْتَهُ | تَحْتَ اللِّوَاءِ عَلَى الخَمِيسِ زَعِيمَا (٤) |
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (٧٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف: (تالله) يعني: والله.
* * *
وهذه التاء في (تالله)، إنما هي"واو" قلبت"تاء" كما فعل ذلك في"التوراة" وهي من"ورّيت"، (٥) و"التُّراث"، وهي من"ورثت"، و"التخمة"
(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣١٥، وبعد البيت، وفيه تمام معناه:
بِغَزْوٍ مِثْلِ وَلْغِ الذِّئْبِ حَتَّى | يَنُوءَ بِصَاحِبي ثَأْرٌ مُنِيمُ |
(٣) قوله:" وزعامًا"، هذا المصدر مما أغفلته معاجم اللغة، فليقيد في مكانه.
(٤) اللسان (زعم) وأمالي القالي ١: ٢٤٨، وسمط اللآلئ ٥٦١، وتمام تخريجها هناك، من قصيدة لها تعرض فيها بابن الزبير، وقبل البيت:
وَمُخَرَّقِ عَنْهُ القَمِيصُ تَخَالُه | وَسْطَ البُيُوتِ مِنَ الحَياء سَقِيمَا. |
* * *
وقوله: (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض)، يقول: لقد علمتم ما جئنا لنعصى الله في أرضكم. (١)
* * *
كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٥٥- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض)، نقول: ما جئنا لنعصى في الأرض.
* * *
فإن قال قائل: وما كان عِلْمُ من قيل له (٢) (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض)، بأنهم لم يجيئوا لذلك، حتى استجاز قائلو ذلك أن يقولوه؟
قيل: استجازوا أن يقولوا ذلك لأنهم فيما ذكر ردُّوا البضاعة التي وجدوها
(٢) في المطبوعة:" وما كان أعلم من قيل له"، وهو عبث وفساد، صوابه ما في المخطوطة.
وقيل: إنهم كانوا قد عُرِفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدًا ولا يتناولون ما ليس لهم، فقالوا ذلك حين قيل لهم: (إنكم لسارقون).
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السَّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم (١) (ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) ؟ = (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه). ، يقول جل ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السرق من وجد في متاعه السرق (فهو جزاؤه)، (٢) يقول: فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يسلم بسَرِقته إلى من سرق منه حتى يستَرِقّه= (كذلك نجزي الظالمين)، يقول: كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٥٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فهو
(٢) " السرق" (بفتحتين)، ومصدره فعل السارق. وسوف يسمى" المسروق"" سرقًا"، بعد قليل، وهو صحيح في العربية جيد. وهكذا كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء.
١٩٥٥٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال، بلغنا في قوله: (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين)، أخبروا يوسف بما يحكم في بلادهم أنه من سرق أخذ عبدًا، فقالوا: (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه).
١٩٥٥٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه)، تأخذونه فهو لكم.
* * *
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: قالوا: ثوابُ السَّرَق الموجودُ في رحله= كأنه قيل: ثوابه استرقاق الموجود في رحله"، ثم حذف"استرقاق"، إذ كان معروفًا معناه. ثم ابتدئ الكلام فقيل: (هو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين).
* * *
وقد يحتمل وجهًا آخر: أن يكون معناه: قالوا ثوابُ السَّرق، الذي يوجدُ السَّرق في رحله، فالسارق جزاؤه= فيكون"جزاؤه"الأول مرفوعًا بجملة الخبر بعده، ويكون مرفوعًا بالعائد من ذكره في"هو"، و"هو" مرافع" جزاؤه" الثاني. (١)
* * *
ويحتمل وجهًا ثالثًا: وهو أن تكون"مَنْ" جزاءً (٢) وتكون مرفوعة بالعائد من ذكره في"الهاء" التي في"رحله"، و"الجزاء" الأول مرفوعًا بالعائد من
(٢) في المطبوعة:" جزائية"، وهو تصرف معيب.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم، طالبًا بذلك صواعَ الملك، فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه، فجعل يفتشها وعاء وِعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه، فإنه أخّر تفتيشه، ثم فتش آخرها وعاء أخيه، فاستخرج الصُّواع من وعاء أخيه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٥٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه)، ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به، حتى بقي أخوه، وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى فاستبْرِهِ! (٢) ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم
(٢) " بلى"، انظر استعمالها في غير جواب الجحد فيما سلف، في التعليق على رقم: ١٦٩٨٧، والمراجع هناك. وقوله" استبره" من" الاستبراء" سهلت همزتها، وأصله: واستبرئه، و" الاستبراء" طلب البراءة من الشيء، ما كان تهمة أو عيبًا أو قادحًا.
١٩٥٦٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: (فاستخرجها من وعاء أخيه)، قال: كان كلما فتح متاعًا استغفر تائبًا مما صنع، حتى بلغ متاعَ الغلام، فقال: ما أظن هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى، فاستَبْره!
١٩٥٦١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي قال، (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه)، فلما بقي رحل الغلام قال: ما كان هذا الغلام ليأخذه! قالوا: والله لا يترك حتى تنظر في رحله، لنذهب وقد طابت نفسك. فأدخلَ يده فاستخرجه من رحله. (١)
١٩٥٦٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما قال الرسول لهم: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم)، قالوا: ما نعلمه فينَا ولا معنَا. قال: لستم ببارحين حتى أفتّش أمتعتكم، وأعْذِر في طلبها منكم! فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاءً يفتشها وينظر ما فيها، حتى مرّ على وعاء أخيه ففتشه، فاستخرجها منه، فأخذ برقبته، فانصرف به إلى يوسف. يقول الله: (كذلك كدنا ليوسف).
١٩٥٦٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: ذُكر لنا أنه كان كلما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثمًا، قد علم أين موضع الذي يَطْلُب! حتى إذا بقي أخوه، وعلم أن بغيته فيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه، ولا أبالي أن لا أبحث متاعه! قال إخوته: إنه أطيبُ لنفسك وأنفسنا أن تستبرئ متاعه أيضًا. فلما فتح متاعه استخرج بغيته منه، قال الله: (كذلك كدنا ليوسف).
* * *
فقال بعض نحويي البصرة: هي من ذكر"الصواع"، قال: وأنّث وقد قال: (ولمن جاء به حمل بعير)، لأنه عنى"الصواع". قال، و"الصواع"، مذكر، ومنهم من يؤنث"الصواع"، وعني ههنا"السقاية"، وهي مؤنثة. قال: وهما اسمان لواحد، مثل"الثوب" و"الملحفة"، مذكر ومؤنث لشيءٍ واحدٍ.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه)، ذهب إلى تأنيث"السرقة". قال: وإن يكن"الصواع" في معنى"الصاع (١) فلعل هذا التأنيث من ذلك. قال، وإن شئت جعلته لتأنيث السقاية. قال: و"الصواع" ذكر، و"الصاع" يؤنث ويذكر، فمن أنثه قال، ثلاث أصوُع، مثل ثلاث أدور، ومن ذكره قال"أصواع"، مثل أبواب.
* * *
وقال آخر منهم: إنما أنّث"الصواع" حين أنث لأنه أريدت به"السقاية"، وذكّر حين ذكّر، لأنه أريد به"الصواع". قال: وذلك مثل"الخوان" و"المائدة"، و"سنان الرمح" و"عاليته"، وما أشبه ذلك من الشيء الذي يجتمع فيه اسمان: أحدهما مذكر، والآخر مؤنث.
* * *
وقوله: (كذلك كدنا ليوسف)، يقول: هكذا صنعنا ليوسف، (٢) حتى يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه، بإقرارٍ منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه، ويحول بينه وبينهم. وذلك أنهم قالوا، إذ قيل لهم: (ما جزاؤه إن كنتم
(٢) انظر تفسير" الكيد" فيما سلف ص: ١٤١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
* * *
وقوله: (ما كان ليأخذ أخا في دين الملك إلا أن يشاء الله)، يقول: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم، لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترقّ أحد بالسَّرَق، فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه، إلا أن يشاء الله بكيده الذي كاده له، حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم عليه، وطابت أنفسهم بالتسليم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٦٤- حدثنا الحسن قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)، إلا فعلة كادها الله له، فاعتلّ بها يوسف.
١٩٥٦٥- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٥٦٦- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كذلك كدنا ليوسف) كادها الله له، فكانت علَّةً ليوسف.
١٩٥٦٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله)، قال: إلا فعلة كادها الله، فاعتلّ بها يوسف= قال حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (كذلك كدنا ليوسف)، قال، صنعنا.
١٩٥٦٩- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (كذلك كدنا ليوسف)، يقول: صنعنا ليوسف
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك).
فقال بعضهم: ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٧٠- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)، يقول: في سلطان الملك.
١٩٥٧١- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ، يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)، يقول: في سلطان الملك.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: في حكمه وقضائه.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٧٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله)، يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة.
١٩٥٧٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
١٩٥٧٤- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي، عن رجل قد سماه، عن عبد الله بن المبارك، عن أبي مودود المديني قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) = (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)، قال: دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا ولكن الله كاد لأخيه، حتى تكلموا ما تكلموا به، فأخذهم بقولهم، وليس في قضاء الملك. (١)
١٩٥٧٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر قال: بلغه في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)، قال: كان حكم الملك أن من سَرَق ضوعف عليه الغُرْم.
١٩٥٧٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)، يقول: في حكم الملك.
١٩٥٧٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) : ، أي: بظلم، ولكن الله كاد ليوسف ليضمّ إليه أخاه.
١٩٥٧٨- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)، قال: ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته. قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه، أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا يسترقّ.
* * *
و" أبو مودود المديني" هو" عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي"، كان قاصًا لأهل المدينة، كان من أهل النسك والفضل، وكان متكلمًا يعظ، ورأى أبا سعيد الخدري وغيره من الصحابة. ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٣٨٤.
* * *
وأصل"الدين"، الطاعة. وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٢)
* * *
وقوله: (إلا أن يشاء الله) كما:-
١٩٥٧٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (إلا أن يشاء الله)، ولكن صنعنا له، بأنهم قالوا: (فهو جزاؤه).
١٩٥٨٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا أن يشاء الله) إلا بعلة كادَها الله، فاعتلَّ بها يوسف.
* * *
وقوله: (نرفع درجات من نشاء)، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم:"نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ" بإضافة"الدرجات" إلى"من" بمعنى: نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره، كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم. (٣)
* * *
وقرأ ذلك آخرون: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) بتنوين"الدرجات"، بمعني: نرفع
(٢) انظر تفسير" الدين" فيما سلف ٣: ٥٧١ / ٦: ٢٧٣، ٢٧٤، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة (دين).
(٣) انظر تفسير" الدرجة" فيما سلف ١٤: ١٧٣، تعليق: ٦، والمراجع هناك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٨١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريح قوله: (نرفع درجات من نشاء)، يوسف وإخوته، أوتوا علمًا، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.
* * *
وقوله: (وفوق كل ذي علم عليم)، يقول تعالى ذكره: وفوق كل عالم من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله. وإنما عنى بذلك أنّ يوسف أعلم إخوته، وأنّ فوق يوسف من هو أعلم من يوسف، حتى ينتهي ذلك إلى الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٨٢- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر العقدي قال، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه حدّث بحديث، فقال رجل عنده: (وفوق كل ذي علم عليم)، فقال ابن عباس: بئسما قلت! إن الله هو عليم، وهو فوق كل عالم.
١٩٥٨٣- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير قال: حدَّث ابن عباس بحديث، فقال رجل عنده: الحمد لله، (وفوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: العالم الله، وهو فوق كل عالم.
١٩٥٨٥- حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع قالا حدثنا عمرو بن محمد قال، أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم)، قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوق كل عالم.
١٩٥٨٦- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، أخبرنا أبو الأحوص، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم)، قال، الله الخبير العليم، فوق كل عالم.
١٩٥٨٧- حدثني المثنى قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم)، قال: الله فوق كل عالم.
١٩٥٨٨- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال، سأل رجل عليًّا عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا. قال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ، (وفوق كل ذي علم عليم).
١٩٥٨٩- حدثني يعقوب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم)، قال: علم الله فوق كل أحد.
١٩٥٩٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم)، قال، الله عز وجل.
١٩٥٩٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن، في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم)، قال: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
١٩٥٩٣- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا جويرية، عن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية يومًا: (وفوق كل ذي علم عليم)، ثم وقف فقال: إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه، حتى يعود العلم إلى الذي علَّمه.
١٩٥٩٤- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا علي، عن جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن: (وفوق كل ذي علم عليم)، قال: فوق كل عالم عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
١٩٥٩٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وفوق كل ذي علم عليم)، حتى ينتهي العلم إلى الله، منه بدئ، وتعلَّمت العلماء، وإليه يعود. في قراءة عبد الله:"وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ".
* * *
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق (١) ويقول: (أيتها العير إنكم لسارقون) ؟
قيل: إن قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون)، إنما هو خبَرٌ من الله عن مؤذِّن أذَّن به، لا خبر عن يوسف. وجائز أن يكون المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)، يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف، كما:-
١٩٥٩٦- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)، ليوسف.
١٩٥٩٧- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٥٩٨- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن
(٢) انظر ما سلف رقم: ١٩٥٥٩ - ١٩٥٦٣، وذلك أنه كان يستغفر كلما فتش وعاء من أوعيتهم، تأثمًا مما فعل. وعنى أبو جعفر أن يوسف كان يعلم أنه مخطئ في فعله. أما جواب إخوته له، فلم يمض له ذكر فيما سلف.
١٩٥٩٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فقد سرق أخ له من قبل)، قال: يوسف.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في"السَّرَق" الذي وصفُوا به يوسف.
فقال بعضهم: كان صنمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاء على الطريق.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٠٠- حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا الفيض بن الفضل قال، حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)، قال: سرق يوسف صَنَمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاه في الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك. (١)
١٩٦٠١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فقد سرق أخ له من قبل) ذكر أنه سرق صنمًا لجده أبي أمه، فعيَّروه بذلك.
١٩٦٠٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) : أرادوا بذلك عيبَ نبيّ الله يوسف. وسرقته التي عابوه بها، صنم كان لجده أبي أمه، فأخذه، إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخير، فعابوه.
١٩٦٠٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
و" الفيض بن الفضل البجلي الكوفي"، مترجم في الكبير ٤ / ١ / ١٤٠، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٨٨، ولم يذكرا فيه جرحًا. وكان في المطبوعة:" العيص" وأخطأ لأن المخطوطة واضحة هناك كما أثبتها. وهذا الخبر، رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٨٢.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:-
١٩٦٠٤- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي قال: كان بنو يعقوب على طعام، إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق فخبأه، (١) فعيّروه بذلك (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل). (٢)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
١٩٦٠٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد أبي الحجاج قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها [صارت] منطقة إسحاق (٣) وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختانها ممن وليها (٤) كان له سَلَمًا لا ينازع فيه، (٥) يصنع فيه ما شاء. وكان يعقوب حين وُلِد له يوسف، كان قد حضَنه عَمَّتَهُ (٦) فكان معها وإليها، فلم يحبَّ أحدٌ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه. حتى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ، ووقعت نفس
(٢) الأثر: ١٩٦٠٤ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٨٢، مطولا.
(٣) الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري.
(٤) في المطبوعة:" فكان من اختص بها"، غير ما في المخطوطة، فأفسد الكلام وأسقطه. والصواب منها ومن التاريخ." اختانها"، سرقها.
(٥) " السلم" (بفتحتين) انقياد المذعن المستخذى، كالأسير الذي لا يمتنع ممن أسره، يقال:" أخذه سلمًا"، إذا أسره من غير حرب، فجاء به منقادًا لا يمتنع.
(٦) في المطبوعة:" قد كان حضنته عمته"، وأثبت ما في التاريخ. وأما المخطوطة، فهي غير منقوطة.
وقوله:" حضنه عمته" فهو هنا فعل متعد إلى مفعولين، وليس هذا المتعدي مما ذكرته كتب اللغة. وإنما ذكر" حضنت المرأة الصبي"، إذا وكلت به تحفظه وتربيه، وهي" الحاضنة"، تضم إليها الطفل فتكفله. وهذا المتعدي إلى مفعولين، صحيح عريق في قياس العربية، بمعنى: أعطاها إياه لتحضنه. وهذا مما يزاد عليها إن شاء الله.
= قال ابن حميد. قال ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوب ما صنع إخْوة يوسف، ولم يشكُّوا أنه سرق، قالوا= أسفًا عليه، لما دخل عليهم في أنفسهم (٦) تأنيبًا له: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل). فلما سمعها يوسف قال: (أنتم شر مكانًا)،
(٢) في المطبوعة:" فقالت: والله... " غير ما في المخطوطة، وهو الموافق لما في تاريخ الطبري أيضًا.
(٣) قولها:" والله ما أقدر... "، ليست في تاريخ الطبري، فهي زيادة في المخطوطة.
(٤) في المطبوعة:" اكشفوا"، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.
(٥) الأثر: ١٩٦٠٥ - إلى هذا الموضع، رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٧٠.
(٦) في المطبوعة والمخطوطة:" أسفًا عليهم"، وهو لا يكاد يستقيم، وكان في المخطوطة أيضًا:" في أنفسنا"، فصححها في المطبوعة، وأصاب.
* * *
وقوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون)، يعني بقوله: (فأسرها)، فأضمرها. (١)
* * *
وقال: (فأسرها) فأنث، لأنه عنى بها"الكلمة"، وهي:" (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون. ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا، كما قيل: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) [سورة هود: ٤٩]، و (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى)، [سورة هود: ١٠٠]
* * *
وكنى عن"الكلمة". ولم يجر لها ذكر متقدِّم. والعرب تفعل ذلك كثيرًا، إذا كان مفهومًا المعنى المرادُ عند سامعي الكلام. وذلك نظير قول حاتم الطائي:
أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى | إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (٢) |
(٢) ديوانه: ٣٩، وغيره، من قصيدته المشهورة، يقول بعده، وهو من رائع الشعر: وَرَاحُوا عِجَالاً ينفُضُونَ أكُفَّهُمْ... يَقُولُونَ: قَدْ دَمَّى أَنَامِلَنَا الحفْرُ!.
إذَا أنَا دَلاَّني الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ | بِمَلْحُودةٍ زَلْخٍ، جَوَانِبُهَا غُبْرُ |
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٠٦- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم)، أما الذي أسرَّ في نفسه فقوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون).
١٩٦٠٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون)، قال هذا القول.
١٩٦٠٨- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم)، يقول: أسرَّ في نفسه قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون).
* * *
وقوله: (والله أعلم بما تصفون)، يقول: والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين. (١)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦١٠- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٦١١- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٦١٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والله أعلم بما تصفون)، أي: بما تكذبون.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، قال: أنتم شرّ عند الله منزلا ممن وصفتموه بأنه سرق، وأخبث مكانًا بما سلف من أفعالكم، والله عالم بكذبكم، وإن جهله كثيرٌ ممن حضرَ من الناس.
* * *
وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم، كما:-
١٩٦١٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم، وقالوا: يا بني راحيل، ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصوع؟ (١) فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقرَ فيه، ثم أدناه من أذنه، ثم قال، إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا وأنكم انطلقتم
* * *
(٢) في المطبوعة:" عن صاحبي"، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(٣) في المطبوعة وحدها:" وقد رؤيت".
(٤) " البزر" (بفتح فسكون)، الولد. يقال:" ما أكثر بزره"، أي: ولده.
(٥) في التاريخ:" إسرائيل الله"، وكأن الذي في التفسير هو الصواب، لأن" إيل" بمعنى" الله"، و" إسرا"، يضاف إليه، وكأن" إسرا"، بمعنى" سرى"، وهو بمعنى المختار، كأنه:" صفي الله" الذي اصطفاه. وفي تفسير ذلك اختلاف كثير.
(٦) في المطبوعة، حذف" إن" من قوله:" إن كنت صادقًا".
(٧) الأثر: ١٩٦١٣ - رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا ١: ١٨٢، ١٨٣.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت إخوه يوسف ليوسف: (يأيها العزيز)، يا أيها الملك (١) (إن له أبًا شيخًا كبيرًا) كلفًا بحبه، يعنون يعقوب= (فخذ أحدنا مكانه)، يعنون فخذ أحدًا منّا بدلا من بنيامين، وخلِّ عنه = (إنا نراك من المحسنين)، يقول: إنا نراك من المحسنين في أفعالك.
* * *
وقال محمد بن إسحاق في ذلك ما:-
١٩٦١٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إنا نراك من المحسنين)، إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلتَ.
* * *
يقول تعالى ذكره: قال يوسف لإخوته: (معاذ الله)، أعوذ بالله.
* * *
وكذلك تفعل العرب في كل مصدر وضعته موضع"يفعل" و"تفعل"، فإنها تنصب، كقولهم:"حمدًا لله، وشكرًا له" بمعنى: أحمد الله وأشكره.
* * *
والعرب تقول في ذلك:"معاذَ الله"، و"معاذةَ الله" فتدخل فيه هاء
* * *
= (أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) يقول: أستجير بالله من أن نأخذ بريئًا بسقيم، (١) كما:-
١٩٦١٥ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون)، يقول: إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده إنَّا إذًا نفعل ما ليس لنا فعله ونجور على الناس.
١٩٦١٦ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون)، قال يوسف: إذا أتيتم أباكم فأقرئوه السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف، حتى يعلمَ أنّ في أرض مصر صدِّيقين مثلَه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٠) ﴾
قال أبو جعفر يعني تعالى ذكره: (فلما استيأسوا منه) فلما يئسوا منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين، ويأخذ منهم واحدًا مكانه، وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك.
* * *
١٩٦١٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما استيأسوا منه) يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره.
* * *
وقوله: (خلصوا نجيًّا)، يقول بعضهم لبعض يتناجون، لا يختلط بهم غيرهم.
* * *
و"النجيّ"، جماعة القوم المنتجين، يسمى به الواحد والجماعة، كما يقال:"رجل عدل، ورجال عدل"، و"قوم زَوْر، وفِطْر". وهو مصدر من قول القائل:"نجوت فلانا أنجوه نجيًّا"، جعل صفة ونعتًا. ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا، قول الله تعالى (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) [سورة مريم: ٥٢] فوصف به الواحد، وقال في هذا الموضع: (خلصوا نجيًّا) فوصف به الجماعة، ويجمع"النجيّ" أنجية، كما قال لبيد:
وَشَهِدْتُ أنْجِيَةَ الأفَاقَةِ عَاليًا | كَعْبي وَأَرْدَافُ المُلُوكِ شُهُودُ (١) |
وَغَنِيتُ سَبْتًا قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ | لَوْ كَانَ للنِّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ |
و" الأفاقة" اسم موضع، حيث كان اليوم المشهور بين لبيد، والربيع بن زياد العبسي. و" أرداف الملوك"، من" الردف"، وهو الذي يكون مع الملك، وينوب عنه إذا قام من مجلسه.
بُنَيَّ بَدَا خِبُّ نَجْوَى الرِّجَالِ | فَكُنْ عِنْدَ سرّكَ خَبَّ النَّجِيّ (٢) |
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (خلصوا نجيًّا) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦١٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) وأخلص لهم شمعون، وقد كان ارتهنه، خَلَوْا بينهم نجيًّا، يتناجون بينهم.
١٩٦١٩ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (خلصوا نجيًّا) خلصوا وحدهم نجيًّا.
١٩٦٢٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (خلصوا نجيًّا) : أي خلا بعضهم ببعض، ثم قالوا: ماذا ترون؟
* * *
وقوله: (قال كبيرهم) اختلف أهل العلم في المعنيِّ بذلك.
(٢) شرح الحماسة ٣: ١١٢، والشعر والشعراء: ٤٧٩، والخزانة ١: ٣٠٨، وغيرها، وهو من وصيته المشهورة التي أوصى بها ولده التي يقول فيها:ثم يقول له بعد البيت الشاهد:
أَشَابَ الصّغيرَ وَأَفْنَى الكَبيرَ | كَرُّ الغَدَاةِ وَمَرُّ العَشِي |
وَسِرُّكَ مَا كَانَ عِنْدَ امْريٍ | وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الخَفِي |
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٢١ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (قال كبيرهم) قال: هو شمعون الذي تخلّف، وأكبر منه=أو: أكبر منهم= في الميلاد، روبيل.
١٩٦٢٢- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قال كبيرهم) : ، شمعون الذي تخلّف، وأكبر منه في الميلاد روبيل.
١٩٦٢٣- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٦٢٤- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: (قال كبيرهم)، قال: شمعون الذي تخلف، وأكبرهم في الميلاد روبيل.
* * *
وقال آخرون: بل عنى به كبيرهم في السن، وهو روبيل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٢٥ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال كبيرهم)، وهو روبيل، أخو يوسف، وهو ابن خالته، وهو الذي نهاهم عن قتله.
١٩٦٢٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (قال كبيرهم)، قال: روبيل، وهو الذي أشار عليهم أن لا يقتلوه.
١٩٦٢٨ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) قال: ماذا ترون؟ فقال روبيل كما ذكر لي، وكان كبير القوم: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف)، الآية.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: عنى بقوله: (قال كبيرهم) روبيل، لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنًّا. ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم:"فلان كبير القوم"، مطلقا بغير وصل، إلا أحد معنيين: إما في الرياسة عليهم والسؤدد، وإما في السن. فأما في العقل، فإنهم إذا أرادوا ذلك وصَلوه، فقالوا:"هو كبيرهم في العقل". فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك، فلا يفهم إلا ما ذكرت.
وقد قال أهل التأويل: لم يكن لشمعون= وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الذي جعله الله به= على إخوته رياسةٌ وسؤدد، فيعلم بذلك أنه عنى بقوله: (قال كبيرهم) فإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلا الوجه الآخر، وهو الكبر
* * *
وقوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله،) يقول: ألم تعلموا، أيها القوم؛ أنَّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهودَ الله ومواثيقه: (١) لنأتينه به جميعا، إلا أن يحاط بكم= (ومن قبل ما فرطتم في يوسف)، (٢) ومن قبل فعلتكم هذه، تفريطكم في يوسف. يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف؟ = وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه، كانت"ما"حينئذ في موضع نصب.
وقد يجوز أن يكون قوله: (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) خبرا مبتدأ، ويكون قوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله) خبرًا متناهيًا فتكون"ما"حينئذ في موضع رفع، كأنه قيل:"ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف"= فتكون"ما" مرفوعة بـ"من"قبلُ.
هذا ويجوز أن تكون"ما"التي هي صلة في الكلام، (٣) فيكون تأويل الكلام: ومن قبل هذا فرطتم في يوسف. (٤)
* * *
وقوله: (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها، وهي مصر فأفارقها= (حتى يأذن لي أبي) بالخروج منها، كما:-
١٩٦٢٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها اليوم= (حتى يأذن لي أبي)، بالخروج منها.
١٩٦٣٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(٢) زدت نص الآية، وإن لم يكن ثابتًا في المخطوطة أو المطبوعة.
(٣) في المطبوعة:" التي تكون صلة"، ، وفي المخطوطة:" التي صلة"، ورجحت ما أثبت
= و" الصلة"، الزيادة، انظر ما سلف من فهارس المصطلحات.
(٤) في المطبوعة" تفريطكم في يوسف"، والصواب ما أثبت، لأن" ما" زائدة هنا.
* * *
وقوله: (أو يحكم الله لي)، أو يقضي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين، وإلا فإني غير خارج= (وهو خير الحاكمين)، يقول: والله خير من حكم، وأعدل من فصل بين الناس. (١)
* * *
وكان أبو صالح يقول في ذلك بما:-
١٩٦٣١ - حدثني الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: (حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي،) قال: بالسيف.
* * *
=وكأنَّ أبا صالح وجّه تأويل قوله: (أو يحكم الله لي)، إلى: أو يقضي الله لي بحرب من مَنَعَني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب، فأحاربه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (٨١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل روبيل لإخوته، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه: ارجعوا، إخوتي، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق).
والقرأة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف: (إن ابنك سرق).
* * *
ورُوي عن ابن عباس:"إنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ"بضم السين وتشديد الراء، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، بمعنى: أنه سَرَق= (وما شهدنا إلا بما علمنا).
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٣٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ارجعوا إلى أبيكم) فإني ما كنت راجعًا حتى يأتيني أمرُه= (فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا)، أي: قد وجدت السرقة في رحله، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب= (وما كنا للغيب حافظين).
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٣٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال لهم يعقوب عليه السلام: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم! فقالوا: (ما شهدنا إلا بما علمنا)، لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا. قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا فيسترقّ.
* * *
وقوله: (وما كنا للغيب حافظين)، يقول: وما كنا نرى أن ابنك يسرق
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٣٤ - حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي. قال، حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: (وما كنا للغيب حافظين). قال: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق. (١)
١٩٦٣٥ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما كنا للغيب حافظين)، لم نشعر أنه سيسرق.
١٩٦٣٦- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال: لم نشعر أنه سيسرق.
١٩٦٣٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال: لم نشعر أنه سيسرق.
١٩٦٣٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد= وأبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: (وما كنا للغيب
" الفضل بن موسى السيتاني"، مضى أيضًا برقم: ١١٧٧١.
" الحسين بن واقد المروزي"، مضى أيضًا برقم: ٤٨١٠، ٦٣١١، ١١٧٧١، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا" الحسن بن واقد"، وهو خطأ بين، كما أشرت إليه قبل.
١٩٦٣٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وما كنا للغيب حافظين) قال: ما كنا نرى أنه سيسرق.
١٩٦٤٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وما كنا للغيب حافظين)، قال: ما كنا نظن أن ابنك يسرق.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله: (وما شهدنا إلا بما علمنا) قولُ من قال: وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه= لأنه عَقيِب قوله: (إن ابنك سرق) ؛ فهو بأن يكون خبرًا عن شهادتهم بذلك، أولى من أن يكون خبرًا عما هو منفصل.
* * *
وذكر أن"الغيب"، في لغة حمير، هو الليل بعينه. (١)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٨٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول: وإن كنتَ مُتَّهمًا لنا، لا تصدقنا على ما نقول من أن ابنك سرق: (فاسأل القرية التي كنا فيها)، وهي مصر، يقول: سل من فيها من أهلها= (والعير التي أقبلنا فيها)، وهي القافلة التي كنا فيها، (٢) التي أقبلنا منها معها، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سَرَقِهِ، (٣) فإنك تَخْبُر
(٢) انظر تفسير:" العير" فيما سلف ص: ١٧٣، ١٧٤.
(٣) سرق الشيء يسرقه سرقًا (بفتحتين)، وسرقًا (بفتح السين وكسر الراء)، وسرقة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٤١ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (واسأل القرية التي كنا فيها)، وهي مصر.
١٩٦٤٢ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (واسأل القرية التي كنا فيها) قال: يعنون مصر.
١٩٦٤٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قد عرف رُوبيل في رَجْع قوله لإخوته، أنهم أهلُ تُهمةٍ عند أبيهم، لما كانوا صنعوا في يوسف. وقولهم له: (اسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها)، فقد علموا ما علمنا وشهدوا ما شهدنا، إن كنت لا تصدقنا= (وإنا لصادقون).
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) ﴾
قال أبو جعفر: في الكلام متروك، وهو: فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم، وتخلف روبيل، فأخبروه خبره، فلما أخبروه أنه سرق قال= (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا)، يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا هممتم به وأردتموه (١) (فصبر جميل)، يقول: فصبري على ما نالني من فقد ولدي، صبرٌ جميل لا جزع فيه
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٤٤ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل)، يقول: زينت = وقوله: (عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا) يقول: بيوسف وأخيه وروبيل.
١٩٦٤٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما جاءوا بذلك إلى يعقوب، يعني بقول روبيل لهم، اتَّهمهم وظن أن ذلك كفعلتهم بيوسف، ثم قال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) أي: بيوسف وأخيه وروبيل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره، بقوله: (وتولى عنهم)، وأعرض عنهم يعقوب (٣) = (وقال يا أسفا على يوسف)، يعني: يا حَزَنا عليه.
(٢) انظر تفسير:" العليم" و" الحكيم" فيما سلف عن فهارس اللغة (علم)، (حكم).
(٣) انظر تفسير:" التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى).
يقال: إن"الأسف" هو أشدُّ الحزن والتندم. يقال منه": أسِفْتُ على كذا آسَفُ عليه أسَفًا".
* * *
يقول الله جل ثناؤه: وابيضَّت عينا يعقوب من الحزن= (فهو كظيم)، يقول: فهو مكظوم على الحزن، يعني أنه مملوء منه، مُمْسِك عليه لا يُبينه.
* * *
= صُرِف"المفعول" منه إلى"فعيل"، ومنه قوله: (والكَاظِمِينَ الغَيْظَ) [سورة آل عمران: ١٣٤]، وقد بينا معناه بشواهده فيما مضى. (١)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: (وقال يا أسفا على يوسف) :
١٩٦٤٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وتولى عنهم)، أعرض عنهم، وتتَامَّ حزنه، وبلغ مجهودَه، حين لحق بيوسف أخوه، وهيَّج عليه حزنه على يوسف، فقال: (يا أسَفَا على يوسف وابيضَّت عيناه من الحزن فهو كظيم).
١٩٦٤٧ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وتولى عنهم وقال يا أسفَا على يوسف)، يقول: يا حزني على يوسف.
١٩٦٤٨ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء=، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يا أسفا على يوسف)، يا حَزَنَا.
١٩٦٤٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف)، يا جزعاه.
١٩٦٥٠- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف)، يا جَزَعَا.
١٩٦٥١ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يا أسفا على يوسف) أي: حَزَناه.
١٩٦٥٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يا أسفَا على يوسف)، قال: يا حزناه على يوسف. (١)
١٩٦٥٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن قتادة، نحوه.
١٩٦٥٤ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وقال يا أسفا على يوسف)..... (٢)
١٩٦٥٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن أبي حجيرة، عن الضحاك: (يا أسفا على يوسف)، قال: يا حَزَنَا على يوسف.
١٩٦٥٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (يا أسفَا)، يا حَزَنَاه. (٣)
(٢) لم يذكر مقالة ابن عباس في تفسير الآية، سقط من النساخ.
(٣) الأثر: ١٩٦٥٦ -" عمرو"، لعله" عمرو بن حماد بن طلحة القناد"، وهو الذي يروي عنه" سفيان بن وكيع" = أو" عمرو بن عون"، وقد أكثر الرواية عنه.
وأما" أبو مرزوق" هذا، فلم أستطع أن أجد له ذكرًا، و" أبو مرزوق التجيبي"، و" أبو مرزوق" الذي روى عن أبي غالب عن أبي أمامة، أقدم من هذا الذي يروي عن" جوبير".
فهذا إسناد في النفس منه شيء، وأخشى أن يكون سقط منه بعض رواته، فاستبهم على بيانه.
١٩٦٥٨ - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن سفيان العصفري، عن سعيد بن جبير قال: لم يُعْطَ أحدٌ غيرَ هذه الأمة الاسترجاع، (١) ألا تسمعون إلى قول يعقوب: (يا أسفَا على يوسف) ؟
١٩٦٥٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن سعيد بن جبير، نحوه.
* * *
*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم).
١٩٦٦٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم)، قال: كظيم الحزن.
١٩٦٦١- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم)، قال: كظيم الحزن.
١٩٦٦٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
١٩٦٦٣- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم)، قال: الحزن.
١٩٦٦٤- حدثني المثنى قال، أخبرنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
١٩٦٦٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فهو كظيم)، قال: كظيمٌ على الحزن.
١٩٦٦٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (فهو كظيم)، قال:"الكظيم"، الكميد.
١٩٦٦٧- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (فهو كظيم)، قال: كميد.
١٩٦٦٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: (كظيم)، قال: كميد.
١٩٦٦٩ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وابيضت عيناه من الحرن فهو كظيم)، يقول: تردَّدَ حُزْنُه في جوفه، ولم يتكلّم بسوء.
١٩٦٧٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (فهو كظيم)، قال: كظيم على الحزن، فلم يقل بأسًا.
١٩٦٧١- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا الحسين بن الحسن قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) قال: كظيم على الحزن فلم يقل إلا خيرًا.
١٩٦٧٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن يزيد بن زريع، عن عطاء الخراساني: (فهو كظيم،) قال: مكروب.
١٩٦٧٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى: (فهو كظيم) قال: من الغيظ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٨٥) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: قال ولد يعقوب= الذين انصرفوا إليه من مصر له، حين قال: (يا أسفا على يوسف) =: تالله لا تزال تذكر يوسف.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٧٥ - حدثني محمد بن عمرو، قال حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفتأ) تفتر من حبه.
١٩٦٧٦ - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تفتأ)، تفتر من حبه. (١)
قال أبو جعفر:
هكذا قال الحسن في حديثه، (٢) وهو غلط، إنما هو: تفتر من حبه، تزال تذكر يوسف. (٣)
١٩٦٧٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف) قال: لا تفتر من حبه.
(٢) في المطبوعة:" كذا قال"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٣) اعتراض الطبري على خبر الحسن بن محمد، يدل على أن الذي في أصله شيء آخر قوله غير:" تفتر من حبه"، كما وردت في الخبر، ولم أستطع أن أتبين كيف هذا الحرف في رواية الحسن.
١٩٦٧٩....- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (تالله تفتأ تذكر يوسف)، قال: لا تزال تذكر يوسف.
١٩٦٨٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف،) قال: لا تزال تذكر يوسف. قال، لا تفتر من حبه.
١٩٦٨١ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تفتأ تذكر يوسف) قال: لا تزال تذكر يوسف.
١٩٦٨٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (تفتأ تذكر يوسف،) قال: لا تزال تذكر يوسف. (١)
* * *
يقال منه:"ما فَتِئت أقول ذاك"،"وما فَتَأت" لغة،"أفْتِئُ وأفْتَأ فَتأً وفُتوُءًا" (٢). وحكي أيضًا:"ما أفتأت به"، ومنه قول أوس بن حجر:
فَمَا فَتِئَتْ حَتَّى كأَنَّ غُبَارَهَا | سُرَادِقُ يَوْمٍ ذِي رِيَاحٍ تَرَفَّعُ (٣) |
(٢) قوله:" أفتئ"، هكذا جاءت في المخطوطة والمطبوعة، وليس في كتب اللغة ما يؤيد هذا الذي قاله أبو جعفر، وهو غريب جدًا.
(٣) ديوانه، البيت: ١٧، القصيدة: ١٢، اللسان (شرم)، وروايته فيهما:" فما فتئت خيل كأن غبارها".
فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي | وَيَلْحَقُ مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ (٢) |
وحذفت"لا" من قوله: (تفتأ) وهي مرادة في الكلام، لأن اليمين إذا كان ما بعدها خبرًا لم يصحبها الجحد، ولم تسقط"اللام" التي يجاب بها الأيْمان، وذلك كقول القائل:"والله لآتينَّك"، وإذا كان ما بعدها مجحودًا تُلُقِّيت بـ"ما" أو بـ"لا". فلما عرف موقعها حُذِفت من الكلام، لمعرفة السامع بمعنى الكلام، (٣) ومنه قول امرئ القيس:
فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ أبْرَحُ قَاعِدًا | وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وأوْصَالِي (٤) |
فَلا وأَبِي دَهْمَاءَ زَالَتْ عَزِيزَةً | عَلَى قَوْمِهَا مَا فَتَّلَ الزَّنْدَ قَادِحُ (٥) |
* * *
وقوله: (حتى تكون حرضًا،) يقول: حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ العقل.
* * *
وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق، ومنه قول العَرْجيّ:
(٢) ديوانه القصيدة: ١٧، البيت: ١٠، الجمهرة ٣: ٢٨٧، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣١٦، والمعاني الكبير: ١٠٠٢.
(٣) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير الآية.
(٤) مضى البيت وتخريجه فيما سلف ٤: ٤٢٥، ويزاد عليه معاني القرآن للفراء.
(٥) معاني القرآن للفراء، في تفسير الآية، ومشكل القرآن: ١٧٤، والخزانة ٤: ٤٥، ٤٦، وشرح شواهد المغني: ٢٧٨، وكان في المطبوعة والمخطوطة:" ما قبل الزند"، وهو خطأ صرف.
إنِّي امْرُؤٌ لَجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني | حَتَّى بَلِيتُ وحَتّى شَفَّني السَّقَمُ (١) |
طَلَبَتْهُ الخَيْلُ يَوْمًا كَامِلا | وَلَوَ الْفَتْهُ لأضْحَى مُحْرَضَا (٢) |
أَرَى المَرْءَ ذَا الأذْوَادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا | كَإِحْرَاضِ بَكْرٍ في الدِّيَارِ مَريضِ (٣) |
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٦٨٣ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حتى تكون حرضًا) يعني: الجَهْدَ في المرض، البالي.
١٩٦٨٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حتى تكون حرضًا) قال: دون الموت.
(٢) لم أجد البيت، ولم أعرف قائله.
(٣) ديوانه: ٧٧، واللسان (حرض).
١٩٦٨٦- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٦٨٧ -... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٦٨٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
١٩٦٨٩- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٦٩٠- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٦٩١ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (حتى تكون حرضًا) حتى تبلى أو تهرم.
١٩٦٩٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (حتى تكون حرضًا) حتى تكون هَرِمًا.
١٩٦٩٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (حتى تكون حرضًا) قال: هرمًا.
١٩٦٩٤ -... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال:"الحرض"، الشيء البالي.
١٩٦٩٥- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (حتى تكون حرضًا) قال: الحرض: الشيء البالي الفاني.
١٩٦٩٦....- قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك
١٩٦٩٧- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك يقول في قوله: (حتى تكون حرضًا) : هو البالي المُدْبر. (١)
١٩٦٩٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (حتى تكون حرضًا) باليًا.
١٩٦٩٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما ذكر يعقوبُ يوسفَ قالوا= يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت، جهلا وظلمًا=: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا،) أي: تكون فاسدًا لا عقل لك= (أو تكون من الهالكين.)
١٩٧٠٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين)، قال:"الحرض": الذي قد رُدَّ إلى أرذل العمر حتى لا يعقل، أو يهلك، فيكون هالكًا قبل ذلك.
* * *
وقوله: (أو تكون من الهالكين)، يقول: أو تكون ممن هلك بالموت.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٧٠١ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد: (أو تكون من الهالكين،) قال: الموت.
١٩٧٠٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو تكون من الهالكين،) من الميتين.
١٩٧٠٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن
١٩٧٠٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
١٩٧٠٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن عون، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (أو تكون من الهالكين)، قال: الميتين.
١٩٧٠٦ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو تكون من الهالكين)، قال: أو تموت.
١٩٧٠٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أو تكون من الهالكين،) قال: من الميتين.
١٩٧٠٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (أو تكون من الهالكين،) قال: الميتين. (١)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (٨٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب للقائلين له من ولده: (تالله تفتأ تذكر يوسفَ حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين) := لست إليكم أشكو بثي وحزني، وإنما أشكو ذلك إلى الله.
* * *
ويعني بقوله: (إنما أشكو بثي)، ما أشكو هَمِّي وحزني إلا إلى الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
١٩٧٠٩ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (إنما أشكو بثي)، قال ابن عباس:"بثي"، همي.
١٩٧١٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال يعقوب عَنْ عِلْمٍ بالله: (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون)، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لَفْظهم له: (١) لم أشك ذلك إليكم= (وأعلم من الله ما لا تعلمون).
١٩٧١١ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) قال: حاجتي وحزني إلى الله.
١٩٧١٢- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال، حدثنا عوف، عن الحسن، مثله.
* * *
وقيل: إن"البثّ"، أشد الحزن، (٢) وهو عندي من:"بَثّ الحديث"، وإنما يراد منه: إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهمِّ، وأبثُّ حديثي وحزني إلى الله.
* * *
١٩٧١٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن، (إنما أشكو بثي)، قال: حزني.
١٩٧١٤ - حدثنا ابن بشار قال، حدثني يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن: (إنما أشكو بثي وحزني)، قال: حاجتي.
(٢) هو لفظ أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٣١٧.
وأما قوله (وأعلم من الله ما لا تعلمون) فإن ابن عباس كان يقول في ذلك فيما ذكر عنه ما:-
١٩٧١٥ - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وأعلم من الله ما لا تعلمون،) يقول: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني سأسجد له.
١٩٧١٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون)، قال: لما أخبروه بدعاء الملك، أحسَّت نفسُ يعقوب وقال: ما يكون في الأرض صِدِّيق إلا نبيّ! فطمع قال: لعله يوسف. (١)
١٩٧١٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) الآية، ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينزل به بلاءٌ قط إلا أتى حُسْنَ ظنّه بالله من ورائه.
١٩٧١٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الحسن قال، قيل: ما بلغ وجدُ يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين ثكلى!. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيدٍ. قال: وما ساء ظنه بالله ساعةً من ليل ولا نهارٍ.
١٩٧١٩- حدثنا به ابن حميد مرة أخرى قال، حدثنا حكام، عن أبي معاذ، عن يونس، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
١٩٧٢٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن المبارك بن مجاهد، عن رجل من الأزد، عن طلحة بن مصرِّف الإيامي قال، ثلاثة لا تذْكُرْهنّ واجتنب ذكرهُنّ: لا تشك مَرَضَك، ولا تَشكُّ مصيبتك، ولا تزكِّ نفسك. قال:
١٩٧٢١- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثني مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال، بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجبَاه على وجنتيه، فكان يرفعهما بخِرْقَة، فقال له رجل: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه: يا يعقوب تشكوني؟ قال: خطيئة فاغفرها.
١٩٧٢٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا ثور بن يزيد قال: دخل يعقوب على فرعون وقد سقط حاجبَاه على عينيه، فقال: ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا: إنّه يعقوب، فقال: ما بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فقال الله: يا يعقوب أتشكوني؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها لي.
١٩٧٢٣- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا هشام، عن ليث بن أبي سليم قال، دخل جبريل على يوسف السجنَ، فعرفه، فقال: أيها المَلَكُ الحسن وجهه، الطيبة ريحُه، الكريمُ على ربه، ألا تخبرني عن يعقوب أحيٌّ هو؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الحسنُ وجههُ، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فهل في ذلك من أجر؟ قال: أجر مئة شهيد.
١٩٧٢٥- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال أبو شريح: سمعت من يحدث أن يوسف سأل جبريل: ما بلغ من حزن يعقوب؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره؟ قال: أجر سبعين شهيدًا.
١٩٧٢٦-... قال: أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني نافع بن يزيد، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال، دخل جبريل على يوسف في البئر أو في السجن، فقال له يوسف: يا جبريل، ما بلغ حزن أبي؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره من الله؟ قال: أجر مئة شهيدٍ.
١٩٧٢٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل قال، سمعت وهب بن منبه يقول: أتى جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن. فقال: هل تعرفني أيها الصِّدِّيق؟ قال: أرى صورة طاهرة ورُوحًا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين. قال: فإني رسول رب العالمين، وأنا الروح الأمين. قال: فما الذي أدخلك على مُدْخَل المذنبين، وأنت أطيب الطيبين، ورأس المقربين، وأمين رب العالمين؟ قال: ألم تعلم يا يوسف أن الله يطّهر البيوت بطُهْر النبيين، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرَضِين،
١٩٧٢٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن ثابت البناني قال، دخل جبريل على يوسف في السجن، فعرفه يوسف قال، فأتاه فسلم عليه، فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل تدري ما فعل؟ قال: ابيضَّت عيناه. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، ممّ ذاك؟ قال: من الحزن عليك. (٣) قال، أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل له على ذلك من أجر؟ قال: نعم أجر مئة شهيدٍ.
١٩٧٢٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال، أتى جبرئيل يوسف وهو في السجن فسلّم عليه، وجاءه في صورة رجلٍ حسن
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" وسميت بالضالين المفسدين"، وهو لا يستقيم، صوابه ما أثبت. وانظر بعد قوله:" وسماك الله في الصديقين".
(٣) في المخطوطة:" قال: قد ابيضت عيناه من الحزن عليك"، وحذف ما بين الكلامين من سؤال وجواب.
١٩٧٣٠-... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال، أتى جبريل يوسف وهو في السجن، فسلم عليه، فقال له يوسف، أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم ما أشد حزنه! قال: أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، ماذا لَه من الأجر؟ قال: أجر سبعين شهيدًا. قال: أفتراني لاقيه؟ قال: نعم. قال: فطابت نفس يوسف.
١٩٧٣١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن سعيد بن جبير قال: لما دخل يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه، قال الملك: ما هذا؟ قال: السنون والأحزان، أو: الهموم والأحزان، فقال ربه: يا يعقوب لم تشكوني إلى خلقي، ألم أفعل بك وأفعل؟
١٩٧٣٢- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي ﷺ قال: من بثَّ لم يصبر (١) ثم قرأ: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله).
١٩٧٣٣- حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال، حدثنا أبو أسامة،
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حين طمع يعقوب في يوسف، قال لبنيه: (يا بني اذهبوا) إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم أخويكم به= (فتحسَّسوا من يوسف)، يقول: التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره.
* * *
وأصل"التحسُّس"،"التفعل" من"الحِسِّ".
* * *
= (وأخيه) يعني بنيامين= (ولا تيأسوا من روح الله)، يقول: ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما= (إنه لا ييأس من روح الله) يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه (١) (إلا القوم الكافرون)، يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٧٣٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله)، أي من رحمة الله.
١٩٧٣٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة نحوه.
١٩٧٣٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ثم إن يعقوب قال لبنيه، وهو على حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من الحزن: (يا بني اذهبوا) إلى البلاد التي منها جئتم= (فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله) : أي من فرجه= (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)
١٩٧٣٨- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله)، يقول: من رحمة الله.
١٩٧٣٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله)، قال: من فرج الله، يفرِّج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه
* * *
قال أبو جعفر: وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف، وذلك: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها، فدَخلوا على يوسف= (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر)، أي الشدة من الجدب والقحط (١) = (وجئنا ببضاعة مزجاة). كما:-
١٩٧٤٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، وخرجوا إلى مصر راجعين إليها= (ببضاعة مزجاة) : أي قليلة، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به، إلا أن يتجاوز لهم فيها، وقد رأوا ما نزل بأبيهم، وتتابعَ البلاء عليه في ولده وبصره، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا: (يا أيها العزيز)، رَجَاةَ أن يرحمهم في شأن أخيهم (٢) = (مسنا وأهلنا الضر).
* * *
وعنى بقوله: (وجئنا ببضاعة مُزْجاة) بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها.
* * *
وأصل"الإزجاء": السوق بالدفع، كما قال النابغة الذبياني:
وَهَبّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ ذِي أُرُلٍ | تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ مِنْ صَرَّادِهَا صِرَمَا (٣) |
(٢) في المطبوعة:" رجاء"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو بمثل معناه.
(٣) ديوانه: ٥٢، و" ذو أرل"، جبل بديار غطفان. و" الصراد"، سحاب بارد رقيق تسفره الريح وتسوقه. و" الصرم" جمع صرمة، وهي قطع السحاب. وقبل البيت:
هَلاَّ سَأَلْتَ بَني ذُبْيَانَ ما حَسَبي | إذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأشْمَطَ البَرَمَا |
الوَاهِبُ المِئةَ الهِجَانَ وعَبْدَهَا | عُوذًا تُزَجِّي خَلْفَها أطْفَالَها (١) |
لِبَيْكِ عَلَى مِلْحَانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ | وَأَرْمَلَةٌ تُزْجِى مَعَ اللَّيلِ أَرْمَلا (٢) |
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة.
*ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك:
١٩٧٤١- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (ببضاعة مزجاة) قال: رديَّةٍ زُيُوفٍ لا تنفق حتى يُوضَع منها.
١٩٧٤٢- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قال: الردِيّة التي لا تنفق حتى يُوضَع منها.
(٢) ليس في ديوانه، وأنشده ابن بري غير منسوب (اللسان: رمل)، وظاهر أن الشعر لحاتم، لأن" ملحان"، هو ابن عمه" ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج الطائي"، وكنت وقفت على أبيات من هذا الشعر، ثم أضعتها اليوم.
(٣) في المخطوطة والمطبوعة:" على نفع من آخذيها"، والصواب ما أثبتناه، إن شاء الله، تدل عليه الآثار الآتية بعد. ولو قرئت" على دفع"، فلا بأس بذلك.
١٩٧٤٤- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة قال، سمعت ابن عباس، وسئل عن قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قال: رِثَّةُ المتاع، (٢) الحبلُ والغرارةُ والشيء.
١٩٧٤٥- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، مثله.
١٩٧٤٦- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قال:"البضاعة"، الدراهم، (٣) و"المزجاة": غير طائل.
١٩٧٤٧- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن ابن أبي زياد، عمن حدثه، عن ابن عباس قال، كاسدة غير طائل.
١٩٧٤٨- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو حصين، عن سعيد بن جبير، وعكرمة،: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قال سعيد: ناقصة= وقال عكرمة: دراهم فُسُول. (٤)
(٢) الرث (بفتح الراء)، والرثة (بكسرها)، والرثيث: الخلق الخسيس البالي من كل شيء.
(٣) انظر تفسير" البضاعة" فيما سلف: ص: ٤، ١٥٦.
(٤) " فسول" جمع" فسل" (بفتح فسكون) : وهو الردئ الرذل من كل شيء. يقال:" دراهم فسول"، أي: زيوف.
١٩٧٥٠- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قال أحدهما: ناقصة. وقال الآخر: رديَّةٌ.
١٩٧٥١-... وبه قال، حدثنا أبي عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال، كان سَمْنًا وصُوفًا.
١٩٧٥٢- حدثنا الحسن قال، حدثنا علي بن عاصم، عن يزيد بن أبي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قال: قليلةٌ، متاعُ الأعراب: الصوفُ والسَّمن.
١٩٧٥٣- حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري، قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي، قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن مروان بن عمرو العذري، عن أبي إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قالالصنوبر والحبة الخضراء. (١)
١٩٧٥٤- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن يزيد بن الوليد، عن إبراهيم، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قال: قليلة، ألا تسمع إلى قوله:"فَأَوْقِرْ رِكَابَنَا"، وهم يقرءون كذلك. (٢)
و" محمد بن إسحاق البلخي: مضى برقم: ١٤١٤٦، روى عنه هناك" إسحاق بن زياد" أيضًا.
و" مروان بن معاوية الفزاري"، مضى مرارًا آخرها: ١٥٤٤٦.
أما" مروان بن عمرو العذري"، فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم، وأخشى أن كون فيه تحريف وأما" أبو إسماعيل". فلم أتبين من يكون، لما في هذا الإسناد من الظلمة.
(٢) يعني أصحاب عبد الله بن مسعود، كما سترى في الأثر التالي.
١٩٧٥٦- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن القعقاع بن يزيد، عن إبراهيم قال، قليلة، ألم تسمع إلى قوله:"وَأَوْقِرْ رِكَابنَا"؟
١٩٧٥٧- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي بكر الهذلي، عن سعيد بن جبير والحسن: بضاعة مزجاة قال سعيد: الرديّة= وقال الحسن: القليلة.
١٩٧٥٨- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث قال، متاع الأعراب سمنٌ وصوف.
١٩٧٥٩- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية قال، دراهم ليست بطائل. (١)
١٩٧٦٠- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مزجاة)، قال: قليلة.
١٩٧٦١- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة.
١٩٧٦٢- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٧٦٣-... قال، حدثنا قبيصة بن عقبة، قال، حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: (وجئنا ببضاعة مزجاة) قال: شيء من صوف، وشيء من سمن.
١٩٧٦٥- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن حدثه، عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة.
١٩٧٦٦- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
١٩٧٦٧-... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن عكرمة قال: ناقصة= وقال سعيد بن جبير: فُسُولٌ.
١٩٧٦٨-... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قال: رديّة.
١٩٧٦٩- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة لا تنفق.
١٩٧٧٠- حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قالأخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة.
١٩٧٧١- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة غير طائل.
١٩٧٧٢- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ببضاعة مزجاة)، يقول: كاسدة غير نافقة.
١٩٧٧٣- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وجئنا ببضاعة مزجاة)، قالالناقصة= وقال عكرمة: فيها تجوُّزٌ.
١٩٧٧٥-... قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: الدراهم الرُّذَال، (١) التي لا تجوز إلا بنقصان. (٢)
١٩٧٧٦- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: دراهم فيها جَوازٌ.
١٩٧٧٧- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) : ، أي: يسيرة.
١٩٧٧٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
١٩٧٧٩- حدثنا يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) قال:"المزجاة"، القليلة.
١٩٧٨٠- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وجئنا ببضاعة مزجاة) : ، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك، إلا أن تتجاوز لنا فيها.
* * *
وقوله: (فأوف لنا الكيل)..... بها (٣) وأعطنا بها ما كنت تعطينا
(٢) الأثر (١٩٧٧٥) في المطبوعة (إسرائيل عن ابن أبي نجيح) غير ما في المخطوطة، فإنه كان فيها:" عن أبي يحيى" كأنه أراد أن يكتب" نجيح"، ثم صيرها:" يحيى"، غير منقوطة. و" أبو يحيى"، هو:" أبو يحيى القتات الكوفي"، وهو الذي يروي عن مجاهد، وقد سلف برقم: ١٢١٣٩، ١٥٦٩٧.
(٣) لا شك عندي أنه قد سقط من كلام أبي جعفر شيء في تفسير" أوف لنا"، لم يبق منه إلا قوله:" بها"، فلذلك وضعت هذه النقط. والمراد من ذلك ظاهر، كأنه كتب:" فأتم لنا حقوقنا في الكيل بها، وأعطنا... "، وانظر تفسير" الإيفاء" فيما سلف ١٢: ٢٢٤، ٥٥٤.
١٩٧٨١- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فأوف لنا الكيل) : ، أي أعطنا ما كنت تعطينا قَبْلُ، فإن بضاعتنا مزجاة.
١٩٧٨٢- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فأوف لنا الكيل) قال: كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد.
* * *
وقوله: (وتصدق علينا) يقول تعالى ذكره: قالوا: وتفضل علينا بما بَيْنَ سعر الجياد والرديّة، فلا تنقصنا من سعر طَعامك لرديِّ بضاعتنا= (إن الله يجزي المتصدقين)، يقول: إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم. (١)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٧٨٣- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (وتصدق علينا)، قال: تفضل بما بين الجياد والرديّة.
١٩٧٨٤- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير: (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا)، لا تنقصنا من السعر من أجل رديّ دراهمنا.
* * *
واختلفوا في الصدقة، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو كانت حرامًا؟
فقال بعضهم: لم تكن حلالا لأحدٍ من الأنبياء عليهم السلام.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٧٨٥- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير قال، ما سأل نبيٌّ قطٌّ الصَّدقَة، ولكنهم قالوا:
* * *
وروي عن ابن عيينة ما:-
١٩٧٨٦- حدثني به الحارث، قال: حدثنا القاسم قال: يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل: هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع قوله: (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين).
= قال الحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلالٌ، وهم أنبياء، فإن الصدقة إنما حُرِّمت على محمد صلى الله عليه وسلم، وعليهم. (١)
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بقوله: (وتصدق علينا) وتصدق علينا بردّ أخينا إلينا.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٧٨٧- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (وتصدق علينا) قال: رُدَّ إلينا أخانا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج، وإن كان قولا له وجه، فليس بالقول المختار في تأويل قوله: (وتصدَّق علينا) لأن"الصدقة" في متعارف [العرب]، (٢) إنما هي إعطاء الرجل ذا حاجةٍ بعض أملاكه ابتغاءَ ثواب الله
(٢) في المطبوعة:" في المتعارف"، وفي المخطوطة:" في متعارف إنما هي"، وفي الكلام سقط لا شك فيه، وإنما سقط منه لأن" متعارف" هي آخر كلمة في الصفحة، و" إنما" في أول الصفحة الأخرى، فسها الناسخ، فاستظهرت هذه الزيادة التي بين القوسين.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد.
١٩٧٨٨- حدثني الحارث، قال، حدثنا القاسم، قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن عثمان بن الأسود، قال: سمعت مجاهدًا، وسئل: هل يُكْرَهُ أن يقول الرجل في دعائه: اللهم تصدّق عليّ؟ فقال: نعم، إنما الصَّدقة لمن يبغي الثوابَ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (٨٩) ﴾
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما قال له إخوته: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين)، أدركته الرقّة وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه، كما:-
١٩٧٨٩- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام غلبته نفسه، فارفضَّ دمعه باكيًا، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم، فقال: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) ؟ ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه، ولكن للتفريق بينه وبين أخيه، إذ صنعوا بيوسف ما صنعوا.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه، إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم إذ أنتم جاهلون؟ يعني في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف، وما إليه صائر أمره وأمركم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: (إنك لأنت يوسف) ؟، فقال: نعم أنا يوسف= (وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا) بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا= (إنه من يتق ويصبر)، يقولإنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه= (ويصبر)، يقول: ويكفّ نفسه، فيحبسها عما حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نزلتْ به من الله (١) = (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)، يقول: فإن الله لا يُبْطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه.
* * *
وقد اختلف القرأة في قراءة قوله: (أإنك لأنت يوسف).
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (أَإِنّكَ)، على الاستفهام.
وذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب:"أَوَأَنْتَ يُوسُفُ.
* * *
وروي عن ابن محيصن أنه قرأ:"إِنَّكَ لأَنْتَ يُوُسُفُ"، على الخبر، لا على الاستفهام.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءةُ من قرأه بالاستفهام، لإجماع الحجّة من القرأة عليه.
* * *
١٩٧٩١- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، لما قال لهم ذلك= يعني قوله: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) = كشف الغِطاء فعرفوه، فقالوا: (أإنك لأنت يوسف)، الآية.
١٩٧٩٢- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني من سمع عبد الله بن إدريس يذكر، عن ليث، عن مجاهد، قوله: (إنه من يتق ويصبر)، يقول: من يتق معصية الله، ويصبر على السِّجن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل= (وإن كنا لخاطئين)، يقول: وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك، إلا خاطئين= يعنون: مخطئين.
* * *
يقال منه:"خَطِئَ فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً، وأخطأ يُخْطِئُ إِخْطاءً"، (١)
وَإنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ | لَعَمْرُ اللهِ قَدْ خَطِئا وحَابَا (١) |
*ذكر من قال ذلك:
١٩٧٩٣- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما قال لهم يوسف: (أنا يوسف وهذا أخي) اعتذروا إليه وقالوا: (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) فيما كنا صنعنا بك.
١٩٧٩٤- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تالله لقد آثرك الله علينا) وذلك بعد ما عرَّفهم أنفسهم، يقول: جعلك الله رجلا حليمًا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لإخوته: (لا تثريب) يقول: لا تعيير عليكم (١) ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوة، ولكن لكم عندي الصفح والعفو.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٧٩٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لا تثريب عليكم)، لم يثرِّب عليهم أعمالهم.
١٩٧٩٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، قوله: (لا تثريب عليكم اليوم)، قال: قال سفيان: لا تعيير عليكم.
١٩٧٩٧- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال لا تثريب عليكم اليوم) : ، أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم.
١٩٧٩٨- وحدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال، اعتذروا إلى يوسف فقال: (لا تثريب عليكم اليوم،) يقول: لا أذكر لكم ذنبكم.
* * *
وقوله: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)، وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم، يقول: عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم، فستره عليكم= (وهو أرحم الراحمين)، يقول: والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه، (٢) وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته. كما:-
١٩٧٩٩- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (يغفر الله وهو أرحم الراحمين) حين اعترفوا بذنبهم.
* * *
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" ممن تاب"، وصواب الكلام ما أثبت.
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف ﷺ لما عرّف نفسه إخوته، سألهم عن أبيهم، فقالوا: ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم: (اذهبوا بقميصي هذا).
* * *
*ذكر من قال ذلك:
١٩٨٠٠- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: قال لهم يوسف: ما فعل أبي بعدي؟ قالوا: لما فاته بنيامين عمي من الحزن. قال: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوا على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين).
* * *
وقوله: (يأت بصيرًا) يقول: يَعُدْ بصيرًا (١) = (وأتوني بأهلكم أجمعين)، يقول: وجيئوني بجميع أهلكم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب، (٢) قال أبوهم يعقوب: (إني لأجد ريح يوسف).
(٢) انظر تفسير" فصل" فيما سلف ٥: ٣٣٨.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
١٩٨٠١- حدثني يونس، قالأخبرنا ابن وهب، قال: حدثني أبو شريح، عن أبي أيوب الهوزني حَدّثه قال، استأذنت الريح أن تأتي يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير، ففعل. قال يعقوب: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون). (١)
١٩٨٠٢- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون)، قال: هاجت ريح، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ، فقال: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون). (٢)
١٩٨٠٣- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (ولما فصلت العير) قال: هاجت ريح، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال.
١٩٨٠٤- حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن ابن أبي الهذيل قال، سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح يوسف، وهو منه على مسيرة ثمان ليال.
وأما" أبو أيوب الهوزني"، فلم أستطع أن أعرف من هو، وقد ذكره الطبري بكنيته هنا، وفي تاريخه ١: ١٨٥، وساق هذا الخبر بنصه.
(٢) الأثر: ١٩٨٠١ -" أبو سنان"، هو الشيباني الأكبر:"ضرار بن مرة"، ثقة، مضى برقم: ١٧٣٣٦، ١٧٣٣٧، وسيأتي الخبر بعد رقم: ١٩٨٠٤ وما بعده.
و" ابن أبي الهذيل"، هو" عبد الله ابن أبي الهذيل العنزي"، ثقة، مضى برقم: ١٣٩٣٢.
١٩٨٠٦- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل قال: قال لي أصحابي: إنك تأتي ابن عباس، فسله لنا. قال: فقلت: ما أسأله عن شيء، ولكن أجلس خلف السرير، فيأتيه الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي، فسمعته يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال، قال ابن أبي الهذيل: فقلت: ذاك كمكان البصرة من الكوفة.
١٩٨٠٧- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن ضرار بن مرة، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال. قال: فقلت في نفسي: هذا كمكان البصرة من الكوفة
١٩٨٠٨- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال. قال: قلت له: ذاك كما بين البصرة إلى الكوفة. واللفظ لحديث أبي كريب.
١٩٨٠٩- حدثنا الحسين بن محمد، قال، حدثنا عاصم وعلي، قالا أخبرنا شعبة قال، أخبرني أبو سنان، قال، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس في هذه الآية: (إني لأجد ريح يوسف)، قال: وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة إلى الكوفة.
١٩٨١٠- حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال، حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو سنان، قال: سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن ابن عباس، مثله.
١٩٨١٢- حدثنا الحسن بن يحيى، قالأخبرنا عبد الرزاق، قالأخبرنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: (ولما فصلت العير) قال: لما خرجت العير، هاجت ريح فجاءت يعقوبَ بريح قميص يوسف، فقال: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) قال: فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال.
١٩٨١٣- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: ذكر لنا أنه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخًا، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان، وقد أتى لذلك زمان طويل. (١)
١٩٨١٤- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: بلغنا أنه كان بينهم يومئذ ثمانون فرسخًا، وقال: (إني لأجد ريح يوسف) وكان قد فارقه قبل ذلك سبعًا وسبعين سنة.
١٩٨١٥- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: وجد ريح القميص من مسيرة ثمانية أيام.
١٩٨١٦-... قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس، قوله: (ولما فصلت العير) قال: فلما خرجت العير هبت ريح، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب،
١٩٨١٧- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما فصلت العير من مصر استروَح يعقوب ريح يوسف، فقال لمن عنده من ولده: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون).
* * *
وأما قوله: (لولا أن تفندون)، فإنه يعني: لولا أن تعنّفوني، وتعجّزوني، وتلوموني، وتكذبوني.
ومنه قول الشاعر: (١)
يَا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي | فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بمَرْدُودِ (٢) |
دَعِ الدَّهْرَ يَفْعَلْ مَا أَرَادَ فإنَّهُ | إِذا كُلِّفَ الإفْنَاد بالنِّاسِ أَفْنَدا (٣) |
واختلف أهل التأويل في معناه.
فقال بعضهم: معناه: لولا أن تسفهوني.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٨١٨- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا ابن عيينة، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (لولا أن تفندون) قال: تسفّهون.
١٩٨١٩- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، مثله.
(٢) مجاز القرآن ١: ٣١٨، وروايته هناك:" عن أمر"، بغير إضافة.
(٣) لم أجد البيت فيما بين يدي من المراجع.
١٩٨٢١- حدثني المثنى وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (لولا أن تفندون) يقول: تجهِّلون.
١٩٨٢٢- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (لولا أن تفندون)، قال: لولا أن تسفهون.
١٩٨٢٣- حدثنا أحمد، قال، حدثنا أبو أحمد= وحدثني المثنى، قال، حدثنا أبو نعيم= قالا جميعًا: حدثنا سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: (لولا أن تفندون)، قال: لولا أن تسفهون.
١٩٨٢٤- حدثني المثنى، قال، حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وسالم عن سعيد=: (لولا أن تفندون)، قال أحدهما: تسفهون= وقال الآخر: تكذبون.
١٩٨٢٥- حدثني يعقوب، قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء: (لولا أن تفندون)، قال: لولا أن تكذبون، لولا أن تسفّهون.
١٩٨٢٦- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن عبد الملك، عن عطاء قال، تسفهون.
١٩٨٢٧- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (لولا أن تفندون)، يقول: لولا أن تسفهون.
١٩٨٢٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (لولا أن تفندون)، يقول: لولا أن تسفهون.
١٩٨٢٩- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا
١٩٨٣٠- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لولا أن تفندون)، قال: ذهبَ عقله!
١٩٨٣١- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم، قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفندون)، قال: قد ذهبَ عقله!
١٩٨٣٢- حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
١٩٨٣٣- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا أن تفندون)، قال: قد ذهب عقله!
١٩٨٣٤- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) قال: لولا أن تقولوا: ذهب عقلك!
١٩٨٣٥- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (لولا أن تفندون)، يقول: لولا أن تضعِّفوني.
١٩٨٣٦- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (لولا أن تفندون)، قالالذي ليس له عقل ذلك"المفنّد"، يقول: لا يعقل. (١)
* * *
وقال آخرون: معناه: لولا أن تكذبون.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٨٣٧- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن شريك، عن سالم عن سعيد: (لولا أن تفندون) قال: تكذبون.
١٩٨٣٩-... قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني عن مجاهد قال: تكذبون.
١٩٨٤٠-... قال: حدثنا عبدة، وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك قال: لولا أن تكذبون.
١٩٨٤١- حدثت عن الحسين، قال، سمعت أبا معاذ، يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا أن تفندون) تكذبون.
١٩٨٤٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: (لولا أن تفندون) قال: تسفهون أو تكذبون.
١٩٨٤٣- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لولا أن تفندون)، يقول: تكذبون.
* * *
وقال آخرون: معناه تهرِّمون.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٨٤٤- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا أن تفندون)، قال: لولا أن تهرِّمون.
١٩٨٤٥- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، مثله.
١٩٨٤٦- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: تهرِّمون.
١٩٨٤٧- حدثني يعقوب، قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا أبو الأشهب،
١٩٨٤٨- حدثني المثنى، قال، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن أبي الأشهب وغيره، عن الحسن، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا أن أصل"التفنيد": الإفساد. وإذا كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الإفساد تدخل في التفنيد، لأن أصل ذلك كله الفساد والفساد في الجسم: الهرمُ وذهاب العقل والضعف= وفي الفعل: الكذب واللوم بالباطل، ولذلك قال جرير بن عطية:
يا عَاذِليَّ دَعَا المَلامَ وأَقْصِرَا | طَالَ الهَوَى وأَطَلْتُما التَّفْنيدا (١) |
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) : تالله، أيها الرجل، إنك من حبّ يوسف وذكره لفي خطئك وزللك القديم (٢) لا تنساه، ولا تتسلى عنه.
(٢) في المخطوطة:" لفي حطامك في ذلك القديم" غير منقوطة، والصواب ما في المطبوعة. ولكنه كتب هناك:" خطئك" مكان" خطائك"، وهما بمعنى واحد. وسيأتي في مواضع أخرى، سأصححها على رسم المخطوطة.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٨٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (إنك لفي ضلالك القديم)، يقول: خطائك القديم.
١٩٨٥٠- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) أي: من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظة، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
١٩٨٥١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم)، قال: في شأن يوسف.
١٩٨٥٢- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد، قال، قال سفيان: (تالله إنك لفي ضلالك القديم)، قال: من حبك ليوسف.
١٩٨٥٣- حدثنا ابن وكيع. قال، حدثنا عمرو، عن سفيان، نحوه.
١٩٨٥٤- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم)، قال: في حبك القديم.
١٩٨٥٥- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم)، أي إنك لمن ذكر يوسف في الباطل الذي أنت عليه.
١٩٨٥٦- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (تالله إنك لفي ضلالك القديم)، قال: يعنون: حزنه القديم على يوسف="وفي ضلالك القديم": لفي خطائك القديم.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف، وهو المبشّر برسالة يوسف، وذلك بريدٌ، فيما ذكر، كان يوسف أبردَهُ إليه. (١)
* * *
وكان البريد فيما ذكر، والبشير: يهوذا بن يعقوب، أخا يوسف لأبيه.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٨٥٧- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه)، يقول:"البشير": البريدُ.
١٩٨٥٨- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير) قالالبريد.
١٩٨٥٩- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير)، قالالبريد.
١٩٨٦٠-... قال، حدثنا شبابة، قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فلما أن جاء البشير)، قال: يهوذا بن يعقوب.
١٩٨٦١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (البشير) قال: يهوذا بن يعقوب.
١٩٨٦٣-... قال: حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: هو يهوذا بن يعقوب.
١٩٨٦٤- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (فلما أن جاء البشير)، قال: يهوذا بن يعقوب، كان البشير.
١٩٨٦٥- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فلما أن جاء البشير)، قال: هو يهوذا بن يعقوب.
= قال سفيان: وكان ابن مسعود يقرأ:" وَجَاءَ البَشِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَي العِيرِ" (١).
١٩٨٦٦- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير)، قالالبريد، هو يهوذا بن يعقوب.
١٩٨٦٧-... قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال، قال يوسف: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين)، قال يهوذا: أنا ذهبتُ بالقميص، ملطخًا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حيٌّ فأفرحه كما أحزنته. فهو كان البشير.
١٩٨٦٨- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير)، قالالبريد.
* * *
* * *
وقوله: (ألقاه على وجهه)، يقولألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب، كما:-
١٩٨٦٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه.
* * *
وقوله: (فارتد بصيرًا)، يقول: رجع وعادَ مبصرًا بعينيه، (٢) بعد ما قد عمي= (قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون)، يقول جل وعز وجل: قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده: ألم أقل لكم يا بني إني أعلم من الله أنه سيردّ عليَّ يوسف، ويجمع بيني وبينه، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت أعلمه، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ أنا وأنتم له سجودًا، فكنت مُوقنًا بقضائه.
* * *
(٢) انظر تفسير" ارتد" فيما سلف ٣: ١٦٣ / ٤: ٣١٦ / ١٠: ١٧٠، ٤٠٩، ٤١٠.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال ولد يعقوبَ الذين كانوا فرَّقوا بينه وبين يوسف: يا أبانا سل لنا ربك يعفُ عنَّا، ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف، فلا يعاقبنا بها في القيامة = (إنا كنا خاطئين)، فيما فعلنا به، فقد اعترفنا بذنوبنا = (قال سوف أستغفر لكم ربي)، يقول جل ثناؤه: قال يعقوب: سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها فيّ وفى يوسف.
* * *
ثم اختلف أهل العلم، (١) في الوقت الذي أخَّر الدعاء إليه يعقوبُ لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم.
فقال بعضهم: أخَّر ذلك إلى السَّحَر.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٨٧٠ - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الرحمن بن إسحاق، يذكر، عن محارب بن دثار، قال: كان عمٌّ لي يأتي المسجدَ، فسمع إنسانًا يقول": اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت، وهذا سَحَرٌ، فاغفر لي" قال: فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود. فسأل عبد الله عن ذلك، فقال: إن يعقوب أخَّر بنيه إلى السحر بقوله: (سوف أستغفر لكم ربي). (٢)
(٢) الأثر: ١٩٨٧٠ -" عبد الرحمن بن إسحاق بن سعد الواسطي"،" أبو شيبة"، قال أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث، وضعفه الباقون. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٢١٣.
و" محارب بن دثار السدوسي"،" أبو مطرف"، ثقة، مضى برقم: ١١٣٣١.
١٩٨٧٢ -.... قال: حدثنا أبو سفيان الحميري، عن العوام، عن إبراهيم التيميّ في قول يعقوب لبنيه: (سوف أستغفر لكم ربي)، قال: أخّرهم إلى السحر. (١)
١٩٨٧٣ -.... قال: حدثنا عمرو، عن خلاد الصفار، عن عمرو بن قيس: (سوف أستغفر لكم ربي)، قال: في صلاة الليل.
١٩٨٧٤ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (سوف أستغفر لكم ربي)، قال: أخَّر ذلك إلى السَّحر.
* * *
وقال آخرون: أخَّر ذلك إلى ليلة الجمعة.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٨٧٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي، قال: حدثنا الوليد، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سوف أستغفر لكم ربي)، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة. وهو قول، أخي يعقوب لبنيه. (٢)
(٢) الأثر: ١٩٨٧٥ -"سليمان بن عبد الرحمن التميمي"،"أبو أيوب الدمشقي"، ثقة، ولكنه حدث بالمناكير، متكلم في روايته عن غير الثقات، مضى برقم: ١٤٢١٢.
و"الوليد بن مسلم الدمشقي القرشي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها: ١٣٤٦١.
وسائر رجال الخبر ثقات، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره ٤: ٤٧٧، ثم قال:"وهذا غريب من هذا الوجه، وفي رفعه نظر، والله أعلم".
وهذا الحديث، من حديث الوليد بن مسلم، رواه الترمذي من طريق أحمد بن الحسن، عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن الوليد بن مسلم، في باب (أحاديث شتى من أبواب الدعوات)، وهو حديث طويل جدًا، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم".
ورواه الحاكم في المستدرك ١: ٣١٦. من هذه الطريق نفسها ثم قال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
وقد علق الذهبي فقال:" هذا حديث منكر شاذ، أخاف لا يكون موضوعًا، وقد حيرني والله جودة سنده، فإن الحاكم قال فيه: حدثنا أبو النضر محمد بن محمد الفقيه، وأحمد بن محمد العنزي قالا حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي (ح) وحدثني أبو بكر بن محمد بن جعفر المزكي، حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي، قالا حدثنا أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، فذكره مصرحًا بقوله:"حدثنا ابن جريج"، فقد حدث به سليمان قطعًا وهو ثبت، فالله أعلم".
وهذا الإشكال الذي حير الذهبي، ربما فسره ما قال يعقوب بن سفيان، في سليمان بن عبد الرحمن:"كان صحيح الكتاب، إلا أنه كان يحول، فإن وقع فيه شيء فمن النقل، وسليمان ثقة". فإن صح هذا فربما كان هذا الحديث مما وهم في تحويله، لأن أسانيد هذا الخبر تدور كلها على"سليمان بن عبد الرحمن"، ولم نجد أحدًا رواه عن الوليد بن مسلم: غير سليمان. والله أعلم.
وسيأتي بإسناد آخر يليه.
* * *
وقوله: (إنه هو الغفور الرحيم)، يقول: إن ربي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم ="الرحيم"، بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها.
* * *
و"أحمد بن الحسن الترمذي"، شيخ الطبري، كان أحد أوعية الحديث، مضى برقم: ٧٤٨٩، ١٤٢١٢.
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسف = (آوى إليه أبويه)، يقول: ضم إليه أبويه (١) فقال لهم: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين).
* * *
فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، بعد ما دخلوها، وقد أخبر الله عز وجل عنهم أنهم لما دخلوها على يوسف وضَمّ إليه أبويه، قال لهم هذا القول؟
قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم: إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده، وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر. قالوا: وذلك أن يوسف تلقَّى أباه تكرمةً له قبل أن يدخل مصر، فآواه إليه، ثم قال له ولمن معه: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، بها قبل الدخول.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٨٧٨ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن فرقد السبخي، قال: لما ألقي القميص على وجهه ارتد بصيرًا، وقال: (ائتوني بأهلكم أجمعين)، فحمل يعقوب وإخوة يوسف، فلما دنا أخبر يوسف أنه قد دنا منه، فخرج يتلقاه. قال: وركب معه أهلُ مصر، وكانوا يعظمونه. فلما دنا أحدهما من صاحبه، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له يهوذا. قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس، فقال: يا يهوذا، هذا فرعون مصر؟ قال: لا هذا ابنك! قال: فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه، فذهب يوسف يبدؤه بالسلام، فمنع من ذلك، وكان يعقوب أحقّ بذلك منه وأفضل، فقال: السلام عليك يا ذاهب الأحزان عني = هكذا قال:"يا ذاهب الأحزان عني". (١)
١٩٨٧٩ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: قال حجاج: بلغني أن يوسف والملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنيه.
= قال: وحدثني من سمع جعفر بن سليمان يحكي، عن فرقد السبخي، قال: خرج يوسف يتلقى يعقوب، وركب أهل مصر مع يوسف = ثم ذكر بقية الحديث، نحو حديث الحارث، عن عبد العزيز.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
١٩٨٨٠ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (قال سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله آمنين = وبَيْن ذلك ما بينه من تقديم القرآن.
* * *
قال أبو جعفر: يعني ابن جريج:"وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآن"، أنه قد دخل بين قوله: (سوف أستغفر لكم ربي)، وبين قوله: (إن شاء الله)، من الكلام ما قد دخل، وموضعه عنده أن يكون عَقِيب قوله: (سوف أستغفر لكم ربي).
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السدي، وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقَّاهم، لأن ذلك في ظاهر التنزيل كذلك، فلا دلالة تدل على صحة ما قال ابن جريج، ولا وجه لتقديم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجّة واضحةٍ.
* * *
وقيل: عُنِي بقوله: (آوى إليه أبويه) : ، أبوه وخالتُه. وقال الذين قالوا هذا القول: كانت أم يوسف قد ماتت قبلُ، وإنما كانت عند يعقوب يومئذ خالتُه أخت أمه، كان نكحها بعد أمِّه.
* ذكر من قال ذلك:
* * *
وقال آخرون: بل كان أباه وأمه.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٨٨٢ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه)، قال: أباه وأمه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق ; لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم في"أبوين"، إلا أن يصح ما يقال من أنّ أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحُجة يجب التسليم لها، فيسلّم حينئذ لها.
* * *
وقوله: (وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط.
* * *
وقوله: (ورفع أبويه على العرش)، يعني: على السرير، كما: -
١٩٨٨٣ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (ورفع أبويه على العرش)، قال: السرير.
١٩٨٨٤ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك، قال:"العرش"، السرير.
١٩٨٨٥ -.... قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ورفع أبويه على العرش)، قال: السرير.
١٩٨٨٦ - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
١٩٨٨٧ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد =
١٩٨٨٨ - وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
١٩٨٨٩ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
١٩٨٩٠ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
١٩٨٩١ - وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٨٩٢ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
١٩٨٩٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ورفع أبويه على العرش)، قال: سريره.
١٩٨٩٤ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (على العرش)، قال: على السرير.
١٩٨٩٥ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ورفع أبويه على العرش)، يقول: رفع أبويه على السرير.
١٩٨٩٦ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: قال سفيان: (ورفع أبويه على العرش)، قال: على السرير.
١٩٨٩٨ - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت زيد بن أسلم، عن قول الله تعالى: (ورفع أبويه على العرش)، فقلت: أبلغك أنها خالته؟ قال: قال ذلك بعض أهل العلم، يقولون: إن أمّه ماتت قبل ذلك، وإن هذه خالته.
* * *
وقوله: (وخرّوا له سجدًا)، يقول: وخرّ يعقوب وولده وأمّه ليوسف سجّدًا.
* * *
١٩٨٩٩ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وخرُّوا له سجدًا)، يقول: رفع أبويه على السرير، وسجدا له، وسجد له إخوته.
١٩٩٠٠ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: تحمّل = يعني يعقوب = بأهله حتى قدموا على يوسف، فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه، دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودًا، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان = أبوه وأمه وإخوته.
١٩٩٠١ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وخروا له سجّدًا) وكانت تحية من قبلكم، كان بها يحيِّي بعضهم بعضًا، فأعطى الله هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة، كرامةً من الله تبارك وتعالى عجّلها لهم، ونعمة منه.
١٩٩٠٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وخروا له سجدًا)، قال: وكانت تحية الناس يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض.
١٩٩٠٤ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وخروا له سجدًا)، أبواه وإخوته، كانت تلك تحيّتهم، كما تصنع ناسٌ اليومَ.
١٩٩٠٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (وخروا له سجدًا) قال: تحيةٌ بينهم.
١٩٩٠٦ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وخرُّوا له سجدًا)، قال: قال: ذلك السجود لشرَفه، كما سجدت الملائكة لآدم لشرفه، ليس بسجود عبادةٍ.
* * *
وإنما عنى من ذكر بقوله:"إن السجود كان تحية بينهم"، أن ذلك كان منهم على الخُلُق، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديمًا قبل الإسلام على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بني ثعلبة:
فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الكَرَى | سَجَدْنَا لَهُ وَرَفَعْنَا عَمَارَا (١) |
فَيَا لَيْلَةً لِيَ فِي لَعْلَعٍ | كَطَوْفِ الغَرِيبِ يَخَافُ الإسَارَا |
وفي المطبوعة:" ورفعنا العمارا"، واثبت ما في المخطوطة، وهو الموافق لرواية الديوان وغيره من المراجع.
* * *
وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها.
فقال بعضهم: كانت مدّةُ ذلك أربعين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٠٧ - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو عثمان، عن سلمان الفارسي، قال: كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة.
١٩٩٠٨ - حدثني يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا ابن علية قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، قال: قال عثمان: كانت بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويله. قال: فذكر أربعين سنة. (٢)
١٩٩٠٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.
(٢) الأثر: ١٩٩٠٨ -" يعقوب بن برهان"، شيخ الطبري، لم أجد له ذكرًا في شيء من دواوين الرجال.
وأنا أخشى أن يكون هو:" يعقوب بن ماهان"، شيخ الطبري أيضًا، روى عنه فيما سلف رقم: ٤٩٠١، وقال:
١٩٩١١ -.... قال: حدثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، مثله.
١٩٩١٢ - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن عبد الله بن شداد أنه سمع قومًا يتنازعون في رؤيا رآها بعضهم وهو يصلي، فلما انصرف سألهم عنها، فكتموه، فقال: أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عامًا.
١٩٩١٣ - حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن إسرائيل، عن ضرار بن مرة أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.
١٩٩١٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيل وجرير، عن أبي سنان، قال: سمع عبد الله بن شداد قومًا يتنازعون في رؤيا =، فذكر نحو حديث أبي السائب، عن ابن فضيل.
١٩٩١٥ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.
١٩٩١٦ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة، وإليها ينتهي أقصى الرؤيا. (١)
١٩٩١٧ -.... قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا سليمان
١٩٩١٨ -.... قال، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين عبارتها أربعون سنة.
١٩٩١٩ -.... قال، حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
١٩٩٢٠ -.... قال، حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
١٩٩٢١ -.... قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة.
* * *
وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٢٢ - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا هشام، عن الحسن، قال: كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا، ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه، ودموعه تجري على خديه، وما على وجه الأرض يومئذ عبدٌ أحبَّ إلى الله من يعقوب.
١٩٩٢٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن أبي جعفر جسر بن فرقد، قال: كان بين أن فقد يعقوب يوسف إلى يوم رد عليه ثمانون سنة. (١)
١٩٩٢٥ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا داود بن مهران، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
١٩٩٢٦ -.... قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، نحوه = غير أنه قال: ثلاث وثمانون سنة.
١٩٩٢٧ - قال: حدثنا داود بن مهران، قال: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبوديّة وفي السجن وفي الملك ثمانين سنة، ثم جمع الله عز وجل شمله، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة.
١٩٩٢٨ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة، فغاب عن أبيه ثمانين سنة، ثم عاش بعدما جمع الله له شمله ورأى تأويل رؤياه ثلاثًا وعشرين سنة، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
١٩٩٢٩ - حدثنا مجاهد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا هشيم، عن الحسن، قال: غاب يوسف عن أبيه في الجب وفي السجن حتى التقيا ثمانين عامًا، فما
* * *
وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٣٠ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر لي، والله أعلم، أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة. قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها، وأنّ يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة، ثم قبضه الله إليه.
* * *
وقوله: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو)، يقول جل ثناؤه، مخبرًا عن قيل يوسف: وقد أحسن الله بي في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوسًا، وفي مجيئه بكم من البدو. وذلك أن مسكن يعقوب وولده، فيما ذكر، كان ببادية فلسطين، كذلك: -
* * *
١٩٩٣١ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان منزل يعقوب وولده، فيما ذكر لي بعض أهل العلم، بالعَرَبات من أرض فلسطين، ثغور الشأم. وبعضٌ يقول بالأولاج من ناحية الشِّعْب، وكان صاحب بادية، له إبلٌّ وشاء.
١٩٩٣٢ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدنا عمرو، قال: أخبرنا شيخ لنا أن يعقوب كان ببادية فلسطين.
١٩٩٣٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو)، وكان يعقوب وبنوه بأرض كنعان، أهل مواشٍ وبرّية.
* * *
و"الَبْدوُ" مصدر من قول القائل:"بدا فلان": إذا صار بالبادية،"يَبْدُو بَدْوًا".
* * *
وذكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يوم دخلوها، وهم أقلّ من مائة. وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة على ست مائة ألف.
* ذكر الرواية بذلك:
١٩٩٣٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن الحباب وعمرو بن محمد، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن شداد، قال: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنسانًا، صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم. وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون وهم ست مائة ألف ونَيّف.
١٩٩٣٦ -.... قال: حدثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: خرج أهل يوسف من مصر وهم ست مائة ألف وسبعون ألفًا، فقال فرعون: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [سورة الشعراء: ٥٤].
١٩٩٣٧ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن إسرائيل والمسعودي، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، قال: دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاث وستون إنسانًا، وخرجوا منها وهم ست مائة ألف = قال إسرائيل في حديثه: ست مائة ألف وسبعون ألفًا.
١٩٩٣٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال: دخل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مائة وتسعون من بين رجل وامرأة.
* * *
* * *
يقال منه": نزغ الشيطان بين فلان وفلان، يَنزغ نزغًا ونزوغًا. (١)
* * *
وقوله: (إن ربي لطيف لما يشاء)، يقول: إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء، (٢) ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن، وجاء بأهلي من البَدْوِ بعد الذي كان بيني وبينهم من بُعد الدار، وبعد ما كنت فيه من العُبُودة والرِّق والإسار، كالذي: -
١٩٩٣٩ -حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إن ربي لطيف لما يشاء)، لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان، وتحريشه على إخوته.
* * *
وقوله:: (إنه هو العليم)، بمصالح خلقه وغير ذلك، لا يخفى عليه مبادي الأمور وعواقبها = (الحكيم)، في تدبيره.
* * *
(٢) انظر تفسير" اللطيف" فيما سلف ١٢: ٢٢.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكنه في الأرض، متشوِّقًا إلى لقاء آبائه الصالحين: (رب قد آتيتني من الملك)، يعني: من ملك مصر = (وعلمتني من تأويل الأحاديث)، يعني من عبارة الرؤيا، (١) تعديدًا لنعم الله عليه، وشكرًا له عليها = (فاطر السموات والأرض)، يقول: يا فاطر السموات والأرض، يا خالقها وبارئها (٢) = (أنت وليي في الدنيا والآخرة)، يقول: أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك، وتغذوني فيها بنعمتك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك. ((٣) توفني مسلمًا)، يقول: اقبضني إليك مسلمًا (٤). (وألحقني بالصالحين)، يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك.
* * *
وقيل: إنه لم يتمن أحدٌ من الأنبياء الموتَ قبل يوسف.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٤٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث)، الآية،
(٢) انظر تفسير" فاطر" فيما سلف ١٥: ٣٥٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي).
(٤) انظر تفسير" التوفي" فيما سلف ١٥: ٢١٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
١٩٩٤١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: (رب قد آتيتني من الملك)... ، الآية، قال: اشتاق إلى لقاء ربه، وأحبَّ أن يلحق به وبآبائه، فدعا الله أن يتوفَّاه ويُلْحِقه بهم. ولم يسأل نبيّ قطّ الموتَ غير يوسف، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني
١٩٩٤٢ -حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين)، لما جَمَع شمله، وأقرَّ عينه، وهو يومئذ مغموس في نَبْت الدنيا وملكها وغَضَارتها، (٣) فاشتاق إلى الصالحين قبله. وكان ابن عباس يقول: ما تمنى نبي قطّ الموت قبل يوسف.
١٩٩٤٣ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: لما جمع ليوسف شمله، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربّه فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين) = قال قتادة: ولم يتمنَّ الموت أحد قطُّ، نبي ولا غيره إلا يوسف.
١٩٩٤٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني غير واحد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن يوسف النبي صلى الله عليه وسلم، لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته، وهو يومئذ ملك مصر، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين.)
١٩٩٤٥ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وعلمتني من تأويل الأحاديث)، قال: العِبَارة.
١٩٩٤٦ - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين)، يقول: توفني على طاعتك، واغفر لي إذا توفَّيتني.
١٩٩٤٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله، وردَّه على والده، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا)، إلى قوله: (إنه هو العليم الحكيم). ثم ارعوى يوسف، وذكر أنّ ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب، فقال: (رب قد قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين).
* * *
(٢) لم أجد للذي قاله ابن جريج دليلا في القرآن! فلعله وهم، فإن النهي عن تمني الموت صريح في السنة.
(٣) في المطبوعة:" مغموس في نعيم الدنيا"، وفي المخطوطة:" مغموس في نعيم الدنيا" غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. وعنى بالنبت هنا: المال الكثير الوفير، والنعمة النامية، وقد جاء في الحديث أن رسول الله ﷺ قال لقوم من العرب: أنتم أهل بيت أو نبت؟ فقالوا نحن أهل بيت وأهل نبت. وقالوا في تفسيره: أي نحن في الشرف نهاية، وفي النبت نهاية، أي: ينبت المال على أيدينا
وهذا الذي قلته أصح في تأويل الحديث، وفي تأويل هذا الخبر.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٤٨ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن صالح المريّ، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: إن الله تبارك وتعالى لما جمع ليعقوب شمله، وأقر عينه، خَلا ولده نَجِيًّا، فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقي منكم الشيخ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى! قال: فيغرُّكم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعدٌ، قالوا: يا أبانا، أتيناك في أمر لم نأتك في أمرٍ مثله قط، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله! حتى حرّكوه، والأنبياء أرحم البرية، فقال: مالكم يا بَني؟ قالوا: ألستَ قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى! قالوا: أفلستما قد عفوتُما؟ قالا بلى! قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنّا شيئًا إن كان الله لم يعفُ عنا! قال: فما تريدون يا بني؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عمّا صنعنا، قرّت أعيننا، واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرّةَ عَين في الدنيا لنا أبدًا. قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين. قال: فدعا وأمَّن يوسف، ، فلم يُجَبْ فيهم عشرين سنة = قال صالح المرِّي: يخيفهم. قال: حتى إذا كان رأس العشرين، نزل جبريل ﷺ على يعقوب عليه السلام، فقال: إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك، وأنه قد عفا عما صنعوا، وأنه قد اعتَقَد مواثيقهم من بعدك على النبوّة. (١)
و" يزيد الرقاشي"، هو" يزيد بن أبان الرقاشي"، قاص، متروك الحديث، مضى قبل مرارًا، آخرها: ١١٤٠٨.
وهذا خبر هالك، من جراء هذين القاصين المتروكين، صالح المري، ويزيد الرقاشي.
* * *
وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف، وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٥٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما حضر الموتُ يعقوبَ، أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق، فلما مات، نُفِخ فيه المُرّ وحمل إلى الشأم. قال: فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيصا أخو يعقوب (١) فقال: غلبني على الدعوة، فوالله لا يغلبني على القبر! فأبى أن يتركهم أن يدفنوه. فلما احتبسوا، قال هشام بن دان بن يعقوب (٢) = وكان هشامٌ أصمَّ لبعض إخوته: ما لجدّي لا يدفن! قالوا: هذا عمك يمنعه! قال: أرونيه أين هو؟ فلما رآه، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وَجْأَةً سقطت عيناه على فخذ يعقوب، فدفنا في قبر واحد.
* * *
(٢) في المطبوعة:" هشام بن دار"، لم يحسن قراءة المخطوطة، وولد يعقوب في كتاب القوم هو" دان" كما أثبته.
و" هشام" هذا، هو في كتاب القوم" حوشيم".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا الخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما في هذه السورة = (من أنباء الغيب)، يقول: من أخبار الغيب الذي لم تشاهده، ولم تعاينه، (١) ولكنا نوحيه إليك ونعرّفكه، لنثبِّت به فؤادك، ونشجع به قلبك، وتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات الله، وتعلم أن من قبلك من رسل الله = إذ صبروا على ما نالهم فيه، وأخذوا بالعفو، وأمروا بالعُرف، وأعرضوا عن الجاهلين = فازوا بالظفر، وأيِّدوا بالنصر، ومُكِّنوا في البلاد، وغلبوا من قَصَدوا من أعدائهم وأعداء دين الله. يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فبهم، يا محمد، فتأسَّ، وآثارهم فقُصَّ = (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون)، يقول: وما كنت حاضرًا عند إخوة يوسف، إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم، (٢) وصحت عزائمهم، على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب. وذلك كان مكرهم الذي قال الله عز وجل: (وهم يمكرون)، كما:-
١٩٩٥١ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وما كنت لديهم)، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب = (وهم يمكرون)، أي: بيوسف.
١٩٩٥٢ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون)، الآية، قال: هم بنو يعقوب.
* * *
(٢) انظر تفسير" الإجماع" فيما سلف ١٥: ١٤٧، ١٤٨، ٥٧٣.
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك، يا محمد، ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك، ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك، بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك.
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: وما تسأل، يا محمد، هؤلاء الذين ينكرون نبوتك، ويمتنعون من تصديقك والإقرار بما جئتهم به من عند ربك، على ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لربك، وهجر عبادة الأوثان وطاعةِ الرحمن = (من أجر)، يعني: من ثواب وجزاء منهم، (١) بل إنما ثوابك وأجر عملك على الله. يقول: ما تسألهم على ذلك ثوابًا، فيقولوا لك: إنما تريد بدعائك إيّانا إلى اتباعك لننزلَ لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك. وإذ كنت لا تسألهم ذلك، فقد كان حقًّا عليهم أن يعلموا أنك إنما تدعوهم إلى ما تدعوهم إليه، اتباعًا منك لأمر ربك، ونصيحةً منك لهم، وأن لا يستغشُّوك.
* * *
وقوله: (إن هو إلا ذكر للعالمين)، يقول تعالى ذكره: ما هذا الذي أرسلك
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (١٠٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل وعز: وكم من آية في السموات والأرض لله، وعبرةٍ وحجةٍ، (٢) وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السموات، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار وغير ذلك من آيات الأرض = (يمرُّون عليها)، يقول: يعاينونها فيمرُّون بها معرضين عنها، لا يعتبرون بها، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربِّها، وأن الألوهةَ لا تنبغي إلا للواحد القهَّار الذي خلقها وخلق كلَّ شيء، فدبَّرها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٥٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها)، وهي في مصحف عبد الله::"يَمْشُونَ عَلَيْهَا"، السماء والأرض آيتان عظيمتان.
* * *
(٢) انظر تفسير" كأين" فيما سلف ٧: ٢٦٣.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء = الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرُّون عليها وهم عنها معرضون) = بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء = (إلا وهم مشركون)، في عبادتهم الأوثان والأصنام، واتخاذهم من دونه أربابًا، وزعمهم أنَّ له ولدًا، تعالى الله عما يقولون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٥٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون.
١٩٩٥٥ - حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، قال: تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض، فيقولون: الله. فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره.
١٩٩٥٦ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، وعكرمة: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قالا يعلمون أنه ربُّهم، وأنه خلقهم، وهم يشركون به. (١)
١٩٩٥٨ -.... قال: حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات؟ قالوا: الله. وإذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: الله. وهم يشركون به بَعْدُ.
١٩٩٥٩ -.... قال: حدثنا أبو نعيم، عن الفضل بن يزيد الثمالي، عن عكرمة، قال: هو قول الله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [سورة لقمان: ٢٥/ سورة الزمر: ٣٨]. فإذا سئلوا عن الله وعن صفته، وصفوه بغير صفته، وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به. (١)
١٩٩٦٠ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، إيمانهم قولهم: الله خالقُنا، ويرزقنا ويميتنا.
١٩٩٦١ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، فإيمانهم قولُهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.
١٩٩٦٢ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، إيمانُهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. ، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيرَه.
١٩٩٦٣ -.... قال، حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
وكان في المخطوطة والمطبوعة:" الفضيل" بالتصغير، وهو خطأ صرف.
١٩٩٦٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هانئ بن سعيد وأبو معاوية، عن حجاج، عن القاسم، عن مجاهد، قال: يقولون:"الله ربنا، وهو يرزقنا"، وهم يشركون به بعدُ.
١٩٩٦٥ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: إيمانهم قولُهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتنا.
١٩٩٦٦ -.... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة، ومجاهد، وعامر: أنهم قالوا في هذه الآية: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، قال: ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والأرض، فهذا إيمانهم، ويكفرون بما سوى ذلك.
١٩٩٦٧ - حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، في إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه، وهو الذي خلقه ورزقه، وهو مشرك في عبادته.
١٩٩٦٨ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قال: لا تسأل أحدًا من المشركين: مَنْ رَبُّك؟ إلا قال: ربِّيَ الله! وهو يشرك في ذلك.
١٩٩٦٩ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، يعني النصارى، يقول: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، [سورة لقمان: ٢٥/ سورة الزمر: ٣٨]، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [سورة الزخرف: ٨٧]، ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ ليقولن: الله.
١٩٩٧٠ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كانوا يشركون به في تلبيتهم.
١٩٩٧١ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء: (وما يؤمن أكثرهم بالله)، الآية، قال: يعلمون أن الله ربهم، وهم يشركون به بعدُ.
١٩٩٧٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، في قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، قال: يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم، وهم يشركون به.
١٩٩٧٣ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: (وما يؤمن أكثرهم بالله)، الآية، قال: ليس أحدٌ يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله، ويعرف أن الله ربه، وأن الله خالقه ورازقه، وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) [سورة الشعراء: ٧٥-٧٧] ؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبِّي تقول:"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"؟ المشركون كانوا يقولون هذا.
* * *
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرُّون بأن الله ربَّهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيرَه = (أن تأتيهم غاشية من عذاب الله)، تغشاهم من عقوبة الله وعذابه، على شركهم بالله (١) = أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربِّهم (٢) فيخلدهم الله عز وجل في ناره، وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٧٤ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أن تأتيهم غاشية من عذاب الله)، قال: تغشاهم.
١٩٩٧٥ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (غاشية من عذاب الله)، قال: تغشاهم.
١٩٩٧٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٩٧٧ -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
(٢) انظر تفسير" الساعة" فيما سلف ١١: ٣٢٤.
= وتفسير" البغتة" فيما سلف ١١: ٣٢٥، ٣٦٠، ٣٦٨ / ١٢: ٥٧٦ / ١٣: ٢٩٧.
١٩٩٧٩ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله)، أي: عقوبة من عذاب الله.
١٩٩٨٠ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (غاشية من عذاب الله)، قال:"غاشية"، وقيعة تغشاهم من عذاب الله. (١)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل، يا محمد، هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته = (سبيلي)، وطريقتي ودعوتي، (٢) (أدعو إلى الله وحده لا شريك له = (على بصيرة)، بذلك، ويقينِ عليمٍ منّي به أنا، ويدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي (٣) = (وسبحان الله)، يقول له تعالى ذكره: وقل، تنزيهًا لله، وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه، (٤) أو معبود سواه في سلطانه: (وما أنا من المشركين)، يقول: وأنا بريءٌ من أهل الشرك به، لست منهم ولا هم منّي.
* * *
(٢) انظر تفسير: السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل).
(٣) انظر تفسير" البصيرة" فيما سلف ١٢: ٢٣، ٢٤ / ١٣: ٣٤٣، ٣٤٤.
(٤) انظر تفسير" سبحان" فيما سلف من فهارس اللغة (سبح).
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٨١ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة)، يقول: هذه دعوتي.
١٩٩٨٢ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة)، قال:"هذه سبيلي"، هذا أمري وسنّتي ومنهاجي = (أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)، قال: وحقٌّ والله على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكِّر بالقرآن والموعظة، ويَنْهَى عن معاصي الله.
١٩٩٨٣ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قوله: (قل هذه سبيلي) : ، هذه دعوتي.
١٩٩٨٤ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: (قل هذه سبيلي)، قال: هذه دعوتي.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا، يا محمد، من قبلك إلا رجالا لا نساءً ولا ملائكة = (نوحي إليهم) آياتنا، بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا = (من أهل القرى)، يعني: من أهل الأمصار، دون أهل البوادي، (١) كما:-
١٩٩٨٥ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى)، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العَمُود (٢).
* * *
وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض)، يقول تعالى ذكره: أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك، يا محمد، ويجحدون نبوّتك، وينكرون ما جئتهم به
(٢) قوله" أهل العمود"، العمود (بفتح العين) : وهو الخشبة القائمة في وسط الخباء، والأخبية بيوت أهل البادية، فقوله" أهل العمود"، يعني أهل البادية، كما يدل عليه السياق هنا، وكما بينه ابن زيد في تفسير هذه الآية إذ قال:" أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية" (تفسير أبي حيان ٥: ٣٥٣). وقال الزمخشري في الأساس" ويقال لأصحاب الأخبية: هم أهل عمود، وأهل عماد، وأهل عمد"، وروى صاحب اللسان بيتًا، وهو:
" حدثني يعقوب بن إبراهيم، يعقوب بن ماهان، قالا، حدثنا هشيم | "، وهو شبيه بهذا الإسناد كما ترى، وكأن الناسخ أساء القراءة، فنقل مكان" ماهان"" برهان". |
ومَا أهْلُ العَمُود لنَا بأَهْلٍ | ولاَ النَّعَمُ المُسَامُ لَنا بمَالٍ |
* * *
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٨٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم)، قال: إنهم قالوا: (مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام: ٩١] )، قال: وقوله: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [سورة يوسف: ١٠٣، ١٠٤]، وقوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا) [سورة يوسف: ١٠٥]، وقوله: (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ) [سورة يوسف: ١٠٧]، وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا)، من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا في آثارهم، فيعتبروا ويتفكروا؟
* * *
وقوله: (ولدار الآخرة خير)، يقول تعالى ذكره: هذا فِعْلُنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا، أَنّ عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا، أنجيناهم منها، وما في الدار الآخرة لهم خير.
* * *
= وترك ذكر ما ذكرنا، اكتفاء بدلالة قوله: (ولدار الآخرة خير للذين اتقوا)، عليه، وأضيفت"الدار" إلى"الآخرة"، وهي"الآخرة"، لاختلاف لفظهما، كما قيل: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ)، [سورة الواقعة: ٩٥]، وكما قيل:
أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وَتَذُمُّ عَبْسًا... أَلا للهِ أُمُّكَ مِنْ هَجِينِ... وَلَوْ أَقْوَتْ عَلَيْكَ دِيَارُ عَبْسٍ... عَرَفْتَ الذُّلَّ عِرْفَانَ اليَقِينِ (٣)
يعني: عرفانًا له يقينًا. (٤)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
* * *
وقوله: (أفلا تعقلون)، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقةَ ما نقول لهم ونخبرهم به، من سوء عاقبة الكفر، وغِبّ ما يصير إليه حال أهله، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حلّ بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبةِ رسلَ ربّها؟ (٥)
* * *
(٢) لم أعرف قائله.
(٣) رواهما الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية. وكان في المطبوعة:" ولو أفزت"، وهو خطل محض، وفي المخطوطة" ولو أفرت"، غير منقوطة، وهو تصحيف.
و" الهجين"، ولد العربي لغير العربية. و" أقوت الدار": أقفرت وخلت من سكانها. وظاهر هذا الشعر، أن قائله يقوله في رجل من بني عبس، كان هجينًا، فمدح فقعسًا وذم قومه لخذلانهم إياه. فهو يقول له: لو فارقت عبس مكانها وأفردتك فيه، لعرفت الذل عرفانًا يقينًا.
(٤) في المطبوعة والمخطوطة:" عرفانا به"، وكأن الصواب ما أثبت. وفي الفراء:" عرفانًا يقينًا"، بغير" له"، وهو أجود.
(٥) في المطبوعة:" بما قبلهم من الأمم"، والصواب من المخطوطة.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القُرَى)، فدعوْا من أرسلنا إليهم، فكذبوهم، وردُّوا ما أتوا به من عند الله = (حتى إذا استيأسَ الرسل)، الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، (١) ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله = وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم = (جاءهم نصرنا).
* * *
وذلك قول جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٨٧ - حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا)، قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومُهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذَبَوهم، جاءهم النصر على ذلك، فننجّي من نشاء.
١٩٩٨٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير، قال: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، بنحوه = غير أنه قال في حديثه، قال:"أيست الرسل"، ولم يقل:"لما أيست". (٢)
(٢) مرة أخرى، أوقفك على هذه الدقة البليغة في رواية أخبارنا، فضلاً عن رواية حديث نبينا صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك كله فالسفهاء يقولون، متبعين أهواء أصحاب الضلالة من المستشرقين وأشباههم. فليت قومي يعلمون أي تراث يضيعون، وأي سخف يتبعون. انظر ما سلف ص: ٢٦٥، تعليق: ١.
١٩٩٩٠ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، مثله.
١٩٩٩١ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا)، قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا، (جاءهم نصرنا).
١٩٩٩٢ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن حصين، عن عمران السلمي، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا)، أيس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. (١)
١٩٩٩٣ - حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدثنا جرير، عن حصين، عن عمران بن الحارث السلمي، عن عبد الله بن عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل)، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا)، قال: ظن قومهم أنهم جاؤوهم بالكذب.
١٩٩٩٤ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصينًا، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم، وظنَّ قومهم أن قد كذبوهم = (جاءهم نصرنا).
وستأتي روايته هذه في الأخبار التالية إلى رقم: ١٩٩٩٨.
١٩٩٩٦ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، قال: (حتى إذا استيأس الرسل)، من نصر قومهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا)، ظن قومهم أنهم قد كَذَبوهم.
١٩٩٩٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل)، قال: من قومهم أن يؤمنوا بهم، وأن يستجيبوا لهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم (جاءهم نصرنا)، يعني الرسلَ.
١٩٩٩٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، بمثله سواء.
١٩٩٩٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هارون، عن عباد القرشي، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عباس: (وظنوا أنهم قد كُذِبوا) خفيفة، وتأويلها عنده: وظن القومُ أن الرسل قد كذبوا. (٢)
و" عبثر"، هو" عبثر بن القاسم الزبيدي"، ثقة، مضى برقم: ١٢٣٣٦، ١٢٤٠٢، ١٧١٠٦.
(٢) الأثر: ١٩٩٩٩ -" عبد الوهاب بن عطاء"، هو الخفاف، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٦٨٤٢
و" هرون"، كأنه" هرون بن سفيان بن بشير"،" أبو سفيان"، المعروف بالديك، مستملي يزيد بن هارون، روى عن معاذ بن فضالة، وأبي زيد النحوي، ومطرف بن عبد الله المديني، ومحمد بن عمر الواقدي. مترجم في تاريخ بغداد ١٤: ٢٥، رقم: ٧٣٥٧.
و" عباد القرسي"، هو" عباد بن موسى القرشي البصري"، ثقة، روى عن إسرائيل بن يونس، وإبراهيم بن طهمان، وسفيان الثوري، وروى عنه هرون بن سفيان المستملي، مترجم في التهذيب.
و" عبد الرحمن بن معاوية"، هو" عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري، الزرقي"،" أبو الحويرث"، روى عن ابن عباس، وغيره، مضى برقم: ١٥٧٥٦.
٢٠٠٠١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا)، يعني: أيس الرسل من أن يتّبعهم قومهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا، فينصر الله الرسل، ويبعثُ العذابَ.
٢٠٠٠٢ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا)، حتى إذا استيأس الرسلُ من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم، وظنَّ قومُهم أن رسلهم كذبوهم = (جاءهم نصرنا).
٢٠٠٠٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل)، من قومهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا)، قال: فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كَذَبوا.
٢٠٠٠٤ -.... قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا شعبة، قال:
و" طلق بن غنام بن طلق بن معاوية النخعي" ثقة، لم يكن بالمتبحر في العلم، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ٢ / ٣٦١، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٤٩١.
٢٠٠٠٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل)، من قومهم، وظنّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
٢٠٠٠٦ -.... قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن خصيف، قال: سألت سعيد بن جبير، عن قوله: (حتى إذا استيأس الرسل)، من قومهم، وظن الكفار أنهم هم كَذَبوا.
٢٠٠٠٧ - حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا حدثنا إسماعيل بن علية. قال: حدثنا كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، قوله: (حتى إذا استيأس الرسل)، من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبتهم.
٢٠٠٠٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عارم أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري، قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير، فقال له: يا أبا عبد الله، كيف تقرأ هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنَّيت أن لا أقرأ هذه السورة: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ؟ قال: نعم، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن المرسَلُ إليهم أن الرُّسُل كَذَبوا. قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكَّأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا! (١)
و" إبراهيم بن أبي حرة الجزري"، وثقه ابن معين، وأحمد، وقال ابن أبي حاتم: ثقة، لا بأس به وضعفه الساجي، وذكره ابن حبان في الثقات. كان قليل الحديث. مترجم في لسان الميزان ١: ٤٦، والكبير ١ / ١ / ٢٨١، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٩٦، وابن سعد ٧ / ٢ / ١٧٩.
وكان في المطبوعة:" ابن أبي حمزة"، لم يحسن قراءة المخطوطة، ولأن الناسخ وضع أمام هذا السطر علامة الشك.
والفتى المذكور هنا، هو" مسلم بن يسار: كما يظهر من الأثر التالي.
وأما كلمة الضحاك بن مزاحم، فهي كلمة رجل قد ملأ حب العلم قلبه، وقل من الناس من يمتلئ قلبه بحب العلم حتى يقول مثل هذه المقالة، إلا ما كان من أسلافنا هؤلاء، فإن الله قد نشأهم أحسن تنشئة في حجور الأنبياء والصالحين من صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
٢٠٠١٠ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن عباد، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أبو المعلى العطار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم ; وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوهم، ما كانوا يخبرونهم ويبلِّغونهم. (٣)
(٢) الأثر: ٢٠٠٠٩ -" ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري"، ثقة، مضى برقم ٦٢٤٠، ١٢٥٢٢.
وأبوه:" كلثوم بن جبر البصري"، ثقة، مضى أيضًا برقم: ٦٢٤٠، ١٢٥٢٢. و" مسلم بن يسار البصري"، أبو عبد الله الفقيه، روى عن أبيه، وابن عباس، وابن عمر تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ١ / ٢٧٥، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ١٩٨.
وانظر الخبر الآتي رقم: ٢٠٠١٤.
(٣) الأثر: ٢٠٠١٠ -" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني"، شيخ الطبري، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٨٨٠٧، ١٨٨١٧.
و" يحيى بن عباد الضبعي"،" أبو عباد البصري"، ثقة، حدث عنه أهل بغداد، وقال الخطيب: أحاديثه مستقيمة، لا نعلمه روى منكرًا. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٢٩٢، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٧٣، وتاريخ بغداد ١٤: ١٤٤ -١٤٦.
و"وهيب" هو" وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٤٣٤٥، ١٢٤٤٤.
و" أبو المعلى العطار"، هو" يحيى بن ميمون"، ثقة ليس به بأس، مضى برقم: ٨٣٤٦، ٨٣٤٧، ١١١٦٢.
٢٠٠١٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٠١٣ - حدثني المثنى: قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبت.
٢٠٠١٤ -.... قال: حدثنا حماد، عن كلثوم بن جبر، قال: قال لي سعيد بن جبير: سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت: استيأس الرسل من قومهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذبت. (١)
٢٠٠١٥ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا)، قال: استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم، وظنَّ قومهم المشركون أن الرسل قد كَذَبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم، وأخْلِفُوا، وقرأ: (جاءهم نصرنا)، قال: جاء الرسلَ النصرُ حينئذ. قال: وكان أبيّ يقرؤها:"كُذِبُوا".
٢٠٠١٦ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن أبي المتوكل، عن أيوب ابن أبي صفوان، عن عبد الله بن الحارث،
٢٠٠١٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ظن قومهم أن رسلهم قد كَذَبوهم فيما وعدوهم به.
٢٠٠١٨ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن جحش بن زياد الضبي، عن تميم بن حذلم، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية:"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا"، قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كَذَبوا بالتخفيف. (٢)
٢٠٠١٩ - حدثنا أبو المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة،
وأما" أبو المتوكل" فلا أدري ما هو، وسيأتي أنه عند البخاري وابن أبي حاتم:" المتوكل"، ومع ذلك، فلست أدري من يكون على التحقيق.
و" أيوب بن أبي صفوان"، هكذا جاء في ترجمة" أيوب بن صفوان" في التاريخ الكبير للبخاري، أي هكذا يقال فيه أيضًا، وأما ابن أبي حاتم فاقتصر على أنه:" أيوب بن صفوان"، مولى عبد الله بن الحارث، وفي ترجمة أبي حاتم تخليط كثير.
قال البخاري في ترجمته:" قال عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن متوكل، عن أيوب بن صفوان، مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ، عن النبي صلى الله عليه وسلم"، يعني في صلاة الضحى". ثم ذكره في إسناد آخر هكذا" أيوب بن أبي صفوان"، كالذي هنا.
وأما ابن أبي حاتم فقال:" أيوب بن صفوان، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، روى عن المتوكل، عن عبد الله بن الحارث، روى عنه سعيد بن أبي عروبة"، وهو خلط أرجح أن صوابه:" روى عنه المتوكل، عن عبد الله بن الحارث، وروى عن المتوكل سعيد بن أبي عروبة".
وهذا خبر مشكل إسناده كما ترى، ولا حيلة لنا فيه، حتى نجد شيئًا يهدي إلى الصواب فيه.
(٢) الأثر: ٢٠٠١٨ -" جحش بن زياد الضبي"، روى عن تميم بن حذلم، روى عنه سفيان الثوري، وجرير، ومحمد بن فضيل، وأبو بكر بن عياش. لم يذكروا فيه جرحًا، مترجم في الكبير ١ / ٢ / ٢٥١، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٥٥٠.
و" تميم بن حذلم الضبي"، من أصحاب ابن مسعود، ثقة، قليل الحديث، روى له الجماعة، مضى برقم: ١٣٦٢٣. في ترجمة ولده.
٢٠٠٢٠ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدِّقوهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كذبوهم. (٢)
٢٠٠٢١ -.... قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدّقهم قومهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
٢٠٠٢٢ - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل)، يقول: استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم، ويؤمنوا بهم ="وظنوا"، يقول: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم الموعد.
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: (كُذِبُوا) بضم الكاف وتخفيف الذال. وذلك أيضًا قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة.
وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة، لأن ذلك عقيب قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف
(٢) الأثر: ٢٠٠٢٠ -" عمرو بن ثابت بن هرمز البكري"، روى عن أبيه، ضعيف جدًا ليس بثقة، مضى برقم: ٦٤١، ٦٨٠، ٥٩٦٩.
وأبوه" ثابت بن هرمز"، الحداد،" أبو المقدام"، ثقة، مضى برقم: ٦٤١، ٦٨٠، ٥٩٦٩، ١٦٦٤٥.
* * *
وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة، إلى غير التأويل الذي اخترنا، ووجّهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنَّتِ الرسل أنهم قد كُذِبوا فيما وُعِدُوا من النصر.
* ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٢٣ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا)، قال: كانوا بشرًا ضَعفُوا ويَئِسوا.
٢٠٠٢٤ -.... قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قرأ: (وظنوا أنهم قد كُذِبوا)، خفيفة، قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخْلِفوا. قال عبد الله: قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا. وتلا ابن عباس: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [سورة البقرة: ٢١٤] = قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا فظنوا أنهم أخْلِفوا.
٢٠٠٢٥ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، أنه قرأ: (حتى إذا
٢٠٠٢٦ -.... قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا)، قال: هو الذي تكره = مخففةً.
٢٠٠٢٧ -.... قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، أنه قال في هذه الآية: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا)، قلت:"كُذِبوا"! قال: نعم ألم يكونوا بشرًا؟
٢٠٠٢٨ - حدثنا الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا)، قال: كانوا بشرًا، قد ظنُّوا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا تأويلٌ وقولٌ، غيرُه من التأويل أولى عندي بالصواب، (١) وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء، والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعدِ الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسَل إليهم فيعذروا في ذلك، فإن المرسَلَ إليهم لأوْلى في ذلك منهم بالعذر. (٢) وذلك قول إن قاله قائلٌ لا يخفى أمره.
* * *
وقد ذُكِر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرًا عن ابن عباس لعائشة، فأنكرته أشد النُكرة فيما ذكر لنا.
* ذكر الرواية بذلك عنها، رضوانُ الله عليها:
٢٠٠٢٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" أن المرسل إليهم" بغير الفاء، وهي واجبة في جواب الشرط من قوله:" والرسل إن جاز أن يرتابوا... فإن المرسل إليهم... ".
٢٠٠٣٠ -.... قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن ابن عباس قرأ: (وظنوا أنهم قد كُذِبوا)، خفيفة، قال عبد الله: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا وتلا ابن عباس: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [سورة البقرة: ٢١٤] = قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: يذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا، فظنوا أنهم أُخْلِفوا. قال ابن جريج: قال أبن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة، أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد الله محمدًا ﷺ من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أنَّ من معهم من المؤمنين قد كذَّبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها:"وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا" مثقَّله، للتكذيب. (٢)
٢٠٠٣١ -.... قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة،
و" ابن أبي مليكة"، هو" عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة"، روى له الجماعة، مضى مرارًا كثيرة.
وهذا إسناد صحيح، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ١٤٠)، من طريق إبراهيم بن موسى، عن هشام، عن ابن جريج.
(٢) الأثر: ٢٠٠٣٠ - مكرر الذي قبله، وهو إسناد صحيح.
٢٠٠٣٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: حتى إذا استيأس الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم، وظنَّت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كَذَّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. (٣)
* * *
قال أبو جعفر: فهذا ما روي في ذلك عن عائشة، غير أنها كانت تقرأ:"كُذِّبُوا"، بالتشديد وضم الكاف، بمعنى ما ذكرنا عنها: من أن الرسل ظنَّت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم، أنهم قد كذَّبوهم، فارتدُّوا عن دينهم، استبطاءً منهم للنصر.
وقد بيّنا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيرَه في هذا الحرف خاصّةً.
* * *
وقال آخرون ممن قرأ قوله:"كُذِّبُوا" بضم الكاف وتشديد الذال، معنى ذلك: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدِّقوهم، وظنَّت الرسل، بمعنى: واستيقنت، أنهم قد كذّبهم أممهم، جاءَتِ الرُّسل نُصْرَتنا. وقالوا:
(٢) الأثر: ٢٠٠٣١ - بهذا الإسناد، عن" عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان"، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ٢٧٧ - ٢٧٩) = مطولا.
ولفظ أبي جعفر مختصر أشد الاختصار. وكتب ابن حجر فصلاً جيدًا مستوفى في شرح هذا الحديث.
(٣) الأثر: ٢٠٠٣٢ - وهذا إسناد صحيح إلى عائشة.
فَظُنُّوا بِأَلْفَيْ فَارِسٍ مُتَلَبِّبٍ | سَرَاتُهُمْ فِي الفَارِسِيّ المُسَرَّدِ (٣) |
* ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٣٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن = وهو قول قتادة =: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنوا أنهم قد كُذِّبوا"، أي: استيقنوا أنه لا خير عند قومهم، ولا إيمان = (جاءهم نصرنا).
* * *
٢٠٠٣٤ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (حتى إذا استيأس الرسل)، قال: من قومهم = (وظنوا أنهم قد كذِّبوا)، قال: وعلموا أنهم قد كذبوا = (جاءهم نصرنا).
* * *
قال أبو جعفر: وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم، أعني بتشديد الذال من"كُذِّبُوا" وضم كافها.
* * *
وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك، إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف، خلافٌ لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة، لأنه لم يوجه"الظن" في هذا الموضع منهم أحدٌ إلى معنى العلم واليقين، مع أن"الظنّ" إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهده والمعاينة. فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة، فإنها لا تستعمل فيه"الظن"، لا تكاد تقول:"أظنني حيًّا، وأظنني إنسانًا"، بمعنى: أعلمني إنسانًا، وأعلمني حيًا. والرسل الذين كذبتهم أممهم، لا شك أنها كانت لأممها شاهدة، ولتكذيبها إياها منها سامعة، فيقال فيها: ظنّت بأممها أنها كَذَّبتها.
* * *
وروي عن مجاهد في ذلك قولٌ هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سَمَّينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم، وتأويلٌ خلاف تأويلهم، وقراءةٌ غير قراءة
(٢) هو دريد بن الصمة.
(٣) مضى البيت بغير هذه الرواية ٢: ١٨، تعليق: ١، وبينت ذلك هناك.
* ذكر الرواية عنه بذلك:
٢٠٠٣٥ - حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه قرأها:"كَذَبُوا" بفتح الكاف بالتخفيف.
* * *
=وكان يتأوّله كما: -
٢٠٠٣٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: استيأس الرجل أن يُعَذَّبَ قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا = (جاءهم نصرنا)، قال: جاء الرسلَ نصرنا. قال مجاهد: قال في"المؤمن" (١) (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)، قال: قولهم:"نحن أعلم منهم ولن نعذّب". وقوله: (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)، [سورة غافر: ٨٣]، قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، (٢) لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها. ولو جازت القراءة بذلك، لاحتمل وجهًا من التأويل، وهو أحسن مما تأوله مجاهد، وهو: حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومَها المكَذِّبة بها، وظنَّت الرسل أن قومها قد كَذَبوا وافتروا على الله بكفرهم بها = ويكون"الظن" موجِّهًا حينئذ إلى معنى العلم، على ما تأوَّله الحسن وقتادة.
* * *
وأما قوله: (فنجي من نشاء) فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق:"فَنُنْجِى مَنْ نَشَاء"، مخفّفة بنونين، (٣)
(٢) في المطبوعة وحدها:" وهذه القراءة"، غير الكلام بلا معنى.
(٣) في المطبوعة أسقط" مخففة"، وكان في المخطوطة:" فننجي مخففة من نشاء بنونين"، والذي أثبته أولى وأجود.
* * *
واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين، لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة، من:"أنجى ينجي"، والأخرى"النون" التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال، من فعل جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسها، لأنهما حرفان، أعني النونين، من جنس واحدٍ يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام، فحذفت من الخط، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يُدْغم أحدهما في صاحبه.
* * *
وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى، غير أنه أدغم النون الثانية وشدّد الجيم.
* * *
وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء، على معنى فعل ذلك به من:"نجَّيته أنجّيه".
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين:"فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ" بفتح النون والتخفيف، من:"نجا ينجو". (١)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأه:"فَنُنْجِى مَنْ نَشَاءُ" بنونين، لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة. وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قرأة الأمصار.
* * *
٢٠٠٣٧ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال حدثني عمي: قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"فننجى من نشاء"، فننجي الرسل ومن نشاء = (ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين)، وذلك أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل، فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى.
* * *
وقوله (ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين)، يقول: ولا تردُّ عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا، فكفروا بالله، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها، وموعظة يتّعظون بها. (١) وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ليهلك، ثم بِيع بَيْع العبيد بالخسيس من الثمن، وبعد الإسار والحبس الطويل، ملّكه مصر، ومكّن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه سوءًا من إخوته، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته، بعد المدة الطويلة، وجاء بهم إليه من الشُّقّة النائية البعيدة، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من
= وتفسير" العبرة" فيما سلف ٦: ٢٤٢، ٢٤٣.
* * *
وكان مجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته.
* ذكر الرواية بذلك:
٢٠٠٣٨ - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (لقد كان في قصصهم عبرة)، ليوسف وإخوته.
٢٠٠٣٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: عبرة ليوسف وإخوته.
٢٠٠٤٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٠٤١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب)، قال: يوسف وإخوته.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله مجاهد، وإن كان له وجه يحتمله التأويل، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به ; لأنّ ذلك عَقِيب الخبر عن نبينا ﷺ وعن قومه من المشركين، وعَقِيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته، ومع ذلك
* * *
وقوله: (ما كان حديثًا يفترى)، يقول تعالى ذكره: ما كان هذا القول حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص، (٣) كما:-
٢٠٠٤٢ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ما كان حديثًا يفترى)، و"الفرية": الكذب.
* * *
(= ولكن تصديق الذي بين يديه)، يقول: ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه، كالتوراة والإنجيل والزبور، يصدِّق ذلك كله ويشهد عليه أنّ جميعه حق من عند الله، كما:-
٢٠٠٤٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولكن تصديق الذي بين يديه)، والفرقان تصديق الكتب التي قبله، ويشهد عليها.
* * *
وقوله: (وتفصيل كل شيء)، يقول تعالى ذكره: وهو أيضًا تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. (٤)
* * *
وقوله: (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)، يقول تعالى ذكره: وهو بيان أمره،
(٢) زدت" من" بين القوسين ليستقيم الكلام، وليست في المطبوعة ولا المخطوطة.
(٣) انظر تفسير" الافتراء" فيما سلف من فهارس اللغة (فرى).
(٤) انظر تفسير" التفصيل" فيما سلف من فهرس اللغة (فصل).
* * *
آخر تفسير سورة يوسف
صلَّى الله عليه وسلم (٢)
(٢) في المخطوطة هنا، بعد هذا، ما نصه
" يتلوه: تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد
وصلي الله على محمد وآله وسلم كثيرًا".