تفسير سورة سورة يوسف من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
والسلطنةَ، فآل أمره إلى الصفاء بعد أنواع الجفاءِ، فمنْ حَافَظَ على تلاوة سورة يوسف، وتدبَّر في معانيها.. وَصَلَ إلى ما وصل يوسف إليه من أنواع السرور، كما قال عطاء رحمه الله تعالى: لا يسمع سورة يوسف محزونٌ إلَّا استراحَ، كما في "تفسير الكواشي": نسأل الله الراحةَ من جميع الحواشي. وقال خالد بن مَعْدان: سورةُ يوسفَ، وسورةُ مريم تَتَفكَّهُ بهما أَهْلُ الجنةِ في الجنة.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الر﴾؛ أي: أنا الله أرَى، وأسمع سؤالَهُم إيَّاك يا محمدُ عن هذه القصة، ويقال: أَنَا الله أرى صنيعَ إخوة يوسف، ومعاملتهم معه، ويقال: أنا الله أرى ما يَرَى الخَلْقُ، وما لا يَرى الخَلْقُ، ويقال: ﴿الر﴾ تعديد للحروف على سبيل التحدي، فلا محل له من الإعراب، أو خبر مبدأ محذوف؛ أي: هذه السورة ﴿الر﴾؛ أي: مسماة بهذا الاسم. والقول بأنَّ هذه الحروف المقطعة في أوائل السور من المتشابهات القرآنية التي لا يعلم معانِيهَا إلا الله تعالى، هو الطريق الأَسْلَمُ. والقول الأعلم لما فيه من تفويض الأمر إلى أهله. ﴿تِلْكَ﴾؛ أي: هذه الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة المسمَّاة ﴿الر﴾ أشار إليها بإشارة البعيد تنزيلًا للبعد الرتبيّ، منزلةَ البعد الحِسِّيِّ، وهو مبتدأ خبره ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ﴾؛ أي: آياتٌ من القرآن الكريم ﴿الْمُبِينِ﴾؛ أي: المظهر للحق من الباطل، فهو منْ أَبَانَ المتعدي. وَفِي "الخازن" المبين: أي: البين حلاله وحرامُه، وحدودُه وأحكامُه. وقال الزجَّاجُ: المبين للحق من الباطل، والحلال من الحرام، فهو من أبان بمعنى أظهر. وفي "بحر العلوم": الكتاب المبين هو اللوحُ المحفوظ، وإبانَتهُ أنه قد كتب وبيِّنَ فيه كل ما هو كائن. والمعنى: أيْ آيات هذه السورة هي آيات الكتاب البين الظاهر بنفسه، والمظهر لما شاء الله تعالى من حقائق الدين، وأحكام التشريع، وخَفَايَا المُلْك، والملكوت، وأسرار النشأتين، والمرشد إلى مصالح الدنيا، وسبيل الوُصُولِ إلى سعادة الآخرة.
٢ - ﴿إِنَّا﴾ نحن ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ بعظمتنا وجلالتنا؛ أي: إنَّا أنزلنا هذا الكتاب المتضمِّنَ قِصَّةَ يُوسُفَ وغَيرهَا على هذا النبي العربي الأمي حالةَ كونه ﴿قُرْآنًا﴾؛
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الر﴾؛ أي: أنا الله أرَى، وأسمع سؤالَهُم إيَّاك يا محمدُ عن هذه القصة، ويقال: أَنَا الله أرى صنيعَ إخوة يوسف، ومعاملتهم معه، ويقال: أنا الله أرى ما يَرَى الخَلْقُ، وما لا يَرى الخَلْقُ، ويقال: ﴿الر﴾ تعديد للحروف على سبيل التحدي، فلا محل له من الإعراب، أو خبر مبدأ محذوف؛ أي: هذه السورة ﴿الر﴾؛ أي: مسماة بهذا الاسم. والقول بأنَّ هذه الحروف المقطعة في أوائل السور من المتشابهات القرآنية التي لا يعلم معانِيهَا إلا الله تعالى، هو الطريق الأَسْلَمُ. والقول الأعلم لما فيه من تفويض الأمر إلى أهله. ﴿تِلْكَ﴾؛ أي: هذه الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة المسمَّاة ﴿الر﴾ أشار إليها بإشارة البعيد تنزيلًا للبعد الرتبيّ، منزلةَ البعد الحِسِّيِّ، وهو مبتدأ خبره ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ﴾؛ أي: آياتٌ من القرآن الكريم ﴿الْمُبِينِ﴾؛ أي: المظهر للحق من الباطل، فهو منْ أَبَانَ المتعدي. وَفِي "الخازن" المبين: أي: البين حلاله وحرامُه، وحدودُه وأحكامُه. وقال الزجَّاجُ: المبين للحق من الباطل، والحلال من الحرام، فهو من أبان بمعنى أظهر. وفي "بحر العلوم": الكتاب المبين هو اللوحُ المحفوظ، وإبانَتهُ أنه قد كتب وبيِّنَ فيه كل ما هو كائن. والمعنى: أيْ آيات هذه السورة هي آيات الكتاب البين الظاهر بنفسه، والمظهر لما شاء الله تعالى من حقائق الدين، وأحكام التشريع، وخَفَايَا المُلْك، والملكوت، وأسرار النشأتين، والمرشد إلى مصالح الدنيا، وسبيل الوُصُولِ إلى سعادة الآخرة.
٢ - ﴿إِنَّا﴾ نحن ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ بعظمتنا وجلالتنا؛ أي: إنَّا أنزلنا هذا الكتاب المتضمِّنَ قِصَّةَ يُوسُفَ وغَيرهَا على هذا النبي العربي الأمي حالةَ كونه ﴿قُرْآنًا﴾؛
308
أي: مجموعًا، أو مقروءًا ﴿عَرَبِيًّا﴾؛ أي: منسوبًا إلى العرب لكونه نزل بلغتهم. والمعنى: أنَّ القرآن نَزَل بلغة العرب، فليس فيه شيء غير عربيّ. فإن قلت: قد ورد في القرآن شيء غير عربي كسجيل، ومشكاة، وإستبرق، وغير ذلك.
أجيب (١): بأنَّ هذا مما توافقت فيه اللغات، والمراد: أنَّ تراكيبه، وأسالِيبَه عربية، وإن وَرَدَ فيه غير عربي، فهو على أسلوب العرب، والمرادُ أنَّ هذه الألفاظ لما تكلمت بها العربُ، ودارَتْ على ألسنتهم.. صارت عربية، فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل لكنهم لما تكلموا بها.. نسبت إليهم، فصارت لهم لغة؛ وإنما كان القرآن عربيًّا؛ لأنَّ تِلكَ اللُّغَةَ أفصح اللغات، ولأنها لُغَةُ أهل الجنة في الجنة.
فَعَربِيًّا (٢) نعت لِقرآنًا نعت نسبة لا نعت لزوم، لأنه كان قرآنًا قبل لزومه، فلَمَّا نزل بلغة العرب نسب إليها كما في "الكواشي". و ﴿قُرْآنًا﴾ حال موطئة؛ أي: توطئةً للحالِ التي هي عربيًّا؛ لأنه في نفسه لا يبين الهيئة، وإنما بينها ما بعده من الصفة، فإنَّ الحالَ الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، فكأنَّ الاسمَ الجامد، وطأ الطريقَ لما هو حال في الحقيقة بمجيئه قبلها موصوفًا بها كما في "شرح الكافية". وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ علة لكونه عربيًّا؛ أي: لكي تفهموا معانيه وتحيطوا بما فيه، وتطلعوا على أنه خارج عن طوق البشر، مُنَزَّلٌ من عند خالق القُوَى والقدر. وقال في "بحر العلوم": (لعلَّ) مستعار لمعنى الإرادة لتلاحظ العرب معناه أو معنى الترجي؛ أي أنزلنا قرآنًا عربيًّا إرادة أن تعقله العرب، ويفهموا منه ما يدعوهم إليه، فلا يكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا لنبيهم ما خُوطبنا به كما قال: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ﴾ انتهى.
والمعنى (٣): أي إنا أنزلنا هذا الكتابَ على النبي العربي، ليبيِّنَ لكم بلغتكم العربية، مَا لَمْ تكونوا تعلمونه من أحكام الدين، وأنباءِ الرسل، والحكمة،
أجيب (١): بأنَّ هذا مما توافقت فيه اللغات، والمراد: أنَّ تراكيبه، وأسالِيبَه عربية، وإن وَرَدَ فيه غير عربي، فهو على أسلوب العرب، والمرادُ أنَّ هذه الألفاظ لما تكلمت بها العربُ، ودارَتْ على ألسنتهم.. صارت عربية، فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل لكنهم لما تكلموا بها.. نسبت إليهم، فصارت لهم لغة؛ وإنما كان القرآن عربيًّا؛ لأنَّ تِلكَ اللُّغَةَ أفصح اللغات، ولأنها لُغَةُ أهل الجنة في الجنة.
فَعَربِيًّا (٢) نعت لِقرآنًا نعت نسبة لا نعت لزوم، لأنه كان قرآنًا قبل لزومه، فلَمَّا نزل بلغة العرب نسب إليها كما في "الكواشي". و ﴿قُرْآنًا﴾ حال موطئة؛ أي: توطئةً للحالِ التي هي عربيًّا؛ لأنه في نفسه لا يبين الهيئة، وإنما بينها ما بعده من الصفة، فإنَّ الحالَ الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، فكأنَّ الاسمَ الجامد، وطأ الطريقَ لما هو حال في الحقيقة بمجيئه قبلها موصوفًا بها كما في "شرح الكافية". وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ علة لكونه عربيًّا؛ أي: لكي تفهموا معانيه وتحيطوا بما فيه، وتطلعوا على أنه خارج عن طوق البشر، مُنَزَّلٌ من عند خالق القُوَى والقدر. وقال في "بحر العلوم": (لعلَّ) مستعار لمعنى الإرادة لتلاحظ العرب معناه أو معنى الترجي؛ أي أنزلنا قرآنًا عربيًّا إرادة أن تعقله العرب، ويفهموا منه ما يدعوهم إليه، فلا يكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا لنبيهم ما خُوطبنا به كما قال: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ﴾ انتهى.
والمعنى (٣): أي إنا أنزلنا هذا الكتابَ على النبي العربي، ليبيِّنَ لكم بلغتكم العربية، مَا لَمْ تكونوا تعلمونه من أحكام الدين، وأنباءِ الرسل، والحكمة،
(١) الصاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
309
وشؤون الاجتماع، وأصول العُمْرَانِ وأدَب السِّيَاسَةِ لتعقلوا معانِيه، وتَفْهَموا ما ترشد إليه من مطالب الروح، ومداركِ العقل وتزكيةِ النفس، وإصلاح حَالِ الجماعات والأفراد بما فيه سعادتهم في دنياهم وأخراهم.
٣ - ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد؛ أي: نخبرك ونحدثك ﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾؛ أي: أحسن ما يقص به، ويتحدث عنه من الأنباء والأحاديث موضوعًا، وفائدةً لما يتضمنه من العبر والحكم.
والمعنى: نحن نبين لك أخبارَ الأُممِ السالفة أحسنَ البيان. وقيل: المراد خصوص قصة يوسف. ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾؛ أي: بسبب إيحائنا وإنزالنا إليك هذه السورةَ من القرآن الكريم؛ إذ هي الغاية في بلاغتها، وتأثيرها في النفس، وحسْنِ موضوعها، ﴿وَإِنْ﴾ أي والحال أن الشأن قد ﴿كُنْتَ﴾ يا محمَّد ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾؛ أي: من قبل إيحائنا هذا القرآن إليك ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾؛ أي: لمن زمرة الغافلين عن هذا القصص؛ أي: من قومك الأميينَ الذينَ لا يَخْطُرُ في بالهم التحديث بأخبار الأنبياء وأقوامهم، وبيان ما كانوا عليه من دين وشرع، كيعقوب وأولاده، وهم في بَداوتهِم، ولا ما كان فيه المصريون الذين جاءَ إليهم يوسف مِنْ حضارة وترف، ولا ما حدث له في بعض بيوتات الطبقة الراقية، ولا حاله في سياسة الملك، وإدارة شؤون الدَّوْلَةِ وحُسْنِ تنظيمها. وقيل (١): كانت هذه السورة أحسن القصص لانفرادها عن سائرها بما فيها منْ ذكر الأنبياء، والصالحين، والملائكة، والشياطين، والجن، والإنس، والأنعام، والطَّيْر، وسير الملوك، والممالك والتجار، والعلماء، والرجال، والنساء وكيدهن، ومكرهن، مع ما فيها من ذِكْر التوحيد، والفقه، والسِّير، والسياسة، وحسن المَلَكَة، والعفو عند المقدرة، وحسن المعاشرة، والحِيل، وتدبير المعاشِ والمعاد، وحسن العاقبة في العفة، والجهاد، والخلاص من المرهوب إلى المرغوب، وذكر الحبيب، والمحبوب، ومَرأى السنينَ وتعبيرِ الرؤيا والعجائبِ التي تصلح للدين والدنيا.
٣ - ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد؛ أي: نخبرك ونحدثك ﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾؛ أي: أحسن ما يقص به، ويتحدث عنه من الأنباء والأحاديث موضوعًا، وفائدةً لما يتضمنه من العبر والحكم.
والمعنى: نحن نبين لك أخبارَ الأُممِ السالفة أحسنَ البيان. وقيل: المراد خصوص قصة يوسف. ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾؛ أي: بسبب إيحائنا وإنزالنا إليك هذه السورةَ من القرآن الكريم؛ إذ هي الغاية في بلاغتها، وتأثيرها في النفس، وحسْنِ موضوعها، ﴿وَإِنْ﴾ أي والحال أن الشأن قد ﴿كُنْتَ﴾ يا محمَّد ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾؛ أي: من قبل إيحائنا هذا القرآن إليك ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾؛ أي: لمن زمرة الغافلين عن هذا القصص؛ أي: من قومك الأميينَ الذينَ لا يَخْطُرُ في بالهم التحديث بأخبار الأنبياء وأقوامهم، وبيان ما كانوا عليه من دين وشرع، كيعقوب وأولاده، وهم في بَداوتهِم، ولا ما كان فيه المصريون الذين جاءَ إليهم يوسف مِنْ حضارة وترف، ولا ما حدث له في بعض بيوتات الطبقة الراقية، ولا حاله في سياسة الملك، وإدارة شؤون الدَّوْلَةِ وحُسْنِ تنظيمها. وقيل (١): كانت هذه السورة أحسن القصص لانفرادها عن سائرها بما فيها منْ ذكر الأنبياء، والصالحين، والملائكة، والشياطين، والجن، والإنس، والأنعام، والطَّيْر، وسير الملوك، والممالك والتجار، والعلماء، والرجال، والنساء وكيدهن، ومكرهن، مع ما فيها من ذِكْر التوحيد، والفقه، والسِّير، والسياسة، وحسن المَلَكَة، والعفو عند المقدرة، وحسن المعاشرة، والحِيل، وتدبير المعاشِ والمعاد، وحسن العاقبة في العفة، والجهاد، والخلاص من المرهوب إلى المرغوب، وذكر الحبيب، والمحبوب، ومَرأى السنينَ وتعبيرِ الرؤيا والعجائبِ التي تصلح للدين والدنيا.
(١) البحر المحيط.
310
وقيل: كانت أحسنَ القصص؛ لأنَّ كُلَّ من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة، انظر إلى يوسف، وأبيه، وإخوته، وامرأة العزيز، والمَلِك أسلم بِيُوسُفَ وحسن إسلامه، ومعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال. وقال بعضهم (١): لأنَّ يوسفَ عليه السلام، كان أحسنَ أبناءِ بني إسرائيل، ونسبه أحسن الأنساب، كما قال - ﷺ -: "إنَّ الكريمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريم يوسفُ بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام". والكرم اسم جامع لكل ما يحمد به، واجتمع في يوسف مع كونه ابنَ ثلاثة أنبياء متراسلينَ شرف النبوة، وحسن الصورة، وعلم الرؤيا، ورياسةَ الدنيا، وحِياطةَ الرَّعايا في القحط، والبلايا، فأي رجل أكَرمَ مِنْ هذا. وقال بعضهم: لأنَّ دُعاءه كان أحْسنَ الأدعية ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، وهو أول من تمنى لقاء الله تعالى بالموت.
وقيل (٢): ﴿أحسَنَ﴾ هنا ليست أفعلَ التفضيل بل هي بمعنى حَسَنَ كأنه قيل: حَسَنَ القصص من باب إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: القصص الحسن ومعنى: ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ لم يكن لك شعور بهذه القصة، ولا سبق لك علم فيها، ولا طَرَق سَمْعَكَ طرف منها. وقيل: إن بمعنى قَدْ، والمعنى، قد كنْتَ مِنْ قبلِ وحينا إليك من الغافلين عن هذه القصة. والغفلة عن الشيء هي: أن لا يخطر ذلك ببالِهِ؛ أي: لمن الغافلين عن هذه القصة، لم تُخْطُر ببالك، ولم تَقْرَع سمعك قطُّ، وهو تعليل لِكَوْنِهِ موحًى، والتَّعْبِيرُ عن عدم العِلْم بالغفلةِ لإجلالِ شأنه - ﷺ - كما في "الإرشاد" فليسَتْ هي الغفلة المتعارفَةُ بين الناس، ولله تعالى أَنْ يُخَاطِب حَبيبَه بما شاء ألاَ تَرى إلى قوله: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾، وقوله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا﴾ ونحوهما، فإنَّ مثلَ هذا التعبير إنما هو بالنسبة إلى الله تعالى، وقد تعارَفَهُ العربُ من غير أن يخطر ببالهم نقص، ويجب علينا حسن الأداء في مثل هذا المقام، رعاية للأدب في التعبير، وتقرير الكلام مع أنَّ الزمانَ وأَهْلَه قد مضى، وانقضَتِ الأيام والأنامُ، اللهم اجعلني فيمن هديتهم إلى لطائف البيان،
وقيل (٢): ﴿أحسَنَ﴾ هنا ليست أفعلَ التفضيل بل هي بمعنى حَسَنَ كأنه قيل: حَسَنَ القصص من باب إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: القصص الحسن ومعنى: ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ لم يكن لك شعور بهذه القصة، ولا سبق لك علم فيها، ولا طَرَق سَمْعَكَ طرف منها. وقيل: إن بمعنى قَدْ، والمعنى، قد كنْتَ مِنْ قبلِ وحينا إليك من الغافلين عن هذه القصة. والغفلة عن الشيء هي: أن لا يخطر ذلك ببالِهِ؛ أي: لمن الغافلين عن هذه القصة، لم تُخْطُر ببالك، ولم تَقْرَع سمعك قطُّ، وهو تعليل لِكَوْنِهِ موحًى، والتَّعْبِيرُ عن عدم العِلْم بالغفلةِ لإجلالِ شأنه - ﷺ - كما في "الإرشاد" فليسَتْ هي الغفلة المتعارفَةُ بين الناس، ولله تعالى أَنْ يُخَاطِب حَبيبَه بما شاء ألاَ تَرى إلى قوله: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾، وقوله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا﴾ ونحوهما، فإنَّ مثلَ هذا التعبير إنما هو بالنسبة إلى الله تعالى، وقد تعارَفَهُ العربُ من غير أن يخطر ببالهم نقص، ويجب علينا حسن الأداء في مثل هذا المقام، رعاية للأدب في التعبير، وتقرير الكلام مع أنَّ الزمانَ وأَهْلَه قد مضى، وانقضَتِ الأيام والأنامُ، اللهم اجعلني فيمن هديتهم إلى لطائف البيان،
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
311
ووفقتهم لما هو الأدب في كل أمر وشأن إنك أنت المنان.
٤ - واذكر يا محمَّد لقومك قِصَّةَ ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ﴾ بن يعقوب ﴿لِأَبِيهِ﴾ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ويوسُف اسم عِبْرِيٌّ، ولذلك لا يجري فيه الصرف للعجمة والعلمية. وقيل: هو عَرَبِيٌّ، والأول أصحُّ، بدليل عدم صرفه. وسئل (١) أبو الحسن الأقطع عن يوسف، فقال: الأسَفُ أشدُّ الحزن، والأَسِيفُ: العَبْدُ، واجتمع في يوسف فسُمِّي به. والعبرِيُّ والعَبْرَانِيُّ: لغة إبراهيم عليه السلام، كما أنَّ السِّرْيَانِيَّ هي اللغة التي تَكَلَّمَ بها آدم عليه السلام. قال السيوطي: السِّريانيُّ منسوب إلى سُريانة، وهي أرض الجزيرة التي كان نُوحٌ وقَوْمُه قبل الغرق فيها، وكان لسانُهم سريانيًّا إلا رجلًا واحدًا يقال له: جُرْهم وكان لسانُه عَرَبِيًّا. وقرأ الجمهور (٢): ﴿يُوسُفُ﴾ بضم السين. وقرأ طلحة بن مُصَرِّف بكسرها مع الهمز مَكَانَ الواو، وحكى ابن زيد الهمز وفتح السين. ﴿يَا أَبَتِ﴾؛ أي: يا أبي بكسر التاءِ في قراءة أبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، ونافع، وابن كثير، وهي عند البصريين، علامة التأنيث، ولَحِقَتْ في لفظ أب في النداء خَاصَّةً بدلًا من الياءِ، وأصْلُه: يا أبي، وكَسْرُها للدلالة على أنها عوض عن حرف يُناسِبُ الكسرَ. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، والأعرجُ بفتحها؛ لأنَّ الأصْلَ عندهم: يا أَبَتَا، ولا يجمع بين العوض والمعوَّض فيقال: يا أبتي. وأجاز الفراء: يا أبت بضم التاء. ﴿إِنِّي رَأَيْتُ﴾ في منامي في (٣) النهار؛ لأنها منْ رَأى الحُلمية لا مِن رأى البصرية كما يدل عليه قوله: ﴿لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ﴾، ﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾؛ أي: نَجْمًا. وقرأ الحسنُ، وأبو جعفر، وطلحةُ بن سليمان: (أَحَدَ عْشَرَ) بسكون العين لتوالي الحركات وليَظْهَرَ جعل الاسمين اسمًا واحدًا. وقرأ الجمهور بفتحها على الأصل. ﴿و﴾ رأيتُ ﴿الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ إنما أخَّرَهما عن الكواكب لإظهار مِزيتِهما وشرفهما كما في عطف جبريل، وميكائيل على الملائكة. وقيل: إنَّ الواوَ بمعنى مع، والكواكبُ تُفسَّر بإخوته، والشَمْسُ بأمه والقَمَرُ بأبيه. وجملةُ
٤ - واذكر يا محمَّد لقومك قِصَّةَ ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ﴾ بن يعقوب ﴿لِأَبِيهِ﴾ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ويوسُف اسم عِبْرِيٌّ، ولذلك لا يجري فيه الصرف للعجمة والعلمية. وقيل: هو عَرَبِيٌّ، والأول أصحُّ، بدليل عدم صرفه. وسئل (١) أبو الحسن الأقطع عن يوسف، فقال: الأسَفُ أشدُّ الحزن، والأَسِيفُ: العَبْدُ، واجتمع في يوسف فسُمِّي به. والعبرِيُّ والعَبْرَانِيُّ: لغة إبراهيم عليه السلام، كما أنَّ السِّرْيَانِيَّ هي اللغة التي تَكَلَّمَ بها آدم عليه السلام. قال السيوطي: السِّريانيُّ منسوب إلى سُريانة، وهي أرض الجزيرة التي كان نُوحٌ وقَوْمُه قبل الغرق فيها، وكان لسانُهم سريانيًّا إلا رجلًا واحدًا يقال له: جُرْهم وكان لسانُه عَرَبِيًّا. وقرأ الجمهور (٢): ﴿يُوسُفُ﴾ بضم السين. وقرأ طلحة بن مُصَرِّف بكسرها مع الهمز مَكَانَ الواو، وحكى ابن زيد الهمز وفتح السين. ﴿يَا أَبَتِ﴾؛ أي: يا أبي بكسر التاءِ في قراءة أبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، ونافع، وابن كثير، وهي عند البصريين، علامة التأنيث، ولَحِقَتْ في لفظ أب في النداء خَاصَّةً بدلًا من الياءِ، وأصْلُه: يا أبي، وكَسْرُها للدلالة على أنها عوض عن حرف يُناسِبُ الكسرَ. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، والأعرجُ بفتحها؛ لأنَّ الأصْلَ عندهم: يا أَبَتَا، ولا يجمع بين العوض والمعوَّض فيقال: يا أبتي. وأجاز الفراء: يا أبت بضم التاء. ﴿إِنِّي رَأَيْتُ﴾ في منامي في (٣) النهار؛ لأنها منْ رَأى الحُلمية لا مِن رأى البصرية كما يدل عليه قوله: ﴿لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ﴾، ﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾؛ أي: نَجْمًا. وقرأ الحسنُ، وأبو جعفر، وطلحةُ بن سليمان: (أَحَدَ عْشَرَ) بسكون العين لتوالي الحركات وليَظْهَرَ جعل الاسمين اسمًا واحدًا. وقرأ الجمهور بفتحها على الأصل. ﴿و﴾ رأيتُ ﴿الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ إنما أخَّرَهما عن الكواكب لإظهار مِزيتِهما وشرفهما كما في عطف جبريل، وميكائيل على الملائكة. وقيل: إنَّ الواوَ بمعنى مع، والكواكبُ تُفسَّر بإخوته، والشَمْسُ بأمه والقَمَرُ بأبيه. وجملةُ
(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
312
قوله: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾؛ أي: رأيت هؤلاء المذكورين سجَّدًا لي في المنام، جملةٌ مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها. كأنَّ سَائِلًا قال: كيف رأيتَ؟ وأجريت مُجْرى العقلاء في الضمير المختص بهم لوصفها بوصفِ العقلاء، وهو كونُها ساجدةً كذا قال الخليلُ، وسيبويه، والعربُ تَجْمَع ما لا يعقل جَمْعَ مَنْ يعقل، إذا نزلوه مَنْزِلَتَهُ. قال في "الكواشي": الرؤيا في المنام، والرؤية في العين، والرأي في القلب. قال وَهْبٌ: رأى يُوسُفُ عليه السلام، وهو ابن سبع سنينَ أنَّ إحدَى عَشَرَةَ عصًا طِوالًا، كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة، وإذا عَصًا صغيرة وثَبَتْ عليها حتى ابْتَلَعَتْها، فذكر ذلك لأبيه، فقال: إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثُمّ رَأَى وهو ابن ثنتي عشرة، أو سبع عشرة سنةً ليلة الجمعةِ، الشمسَ والقمرَ، والكواكبَ، تسجد له، فقصها على أبيه فقال: لا تَذْكُرْها لهم فيبغوا لك الغَوَائِلَ.
رُوِيَ عن جابر رضي الله عنه: أنَّ يهودِيًّا جاء إلى رسول الله - ﷺ - فقال: يا محمَّد! أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسفُ عليه السلام، فسَكَتَ النبيُّ - ﷺ -، فَنَزَلَ جِبْرِيل عليه السلام، فأخْبَرَهُ بذلك، فقال - ﷺ - لليهوديّ إذَا أخبرتك بذلك هل تُسْلِمُ؟ فقال: نعم. قال: جريانُ (١) والطارقُ، والذَيَّالُ وقابسُ، وعَمُودان، والفَلِيقُ، والمُصبِّحُ، والضَّرُوخُ، والفَرْغُ، ووثَّابُ، وذو الكَتِفَيْنِ رآها يوسفُ عليه السلام، والشمسَ والقمرَ، نزَلْنَ من السماء، وسَجَدْنَ له، فقال اليهوديُّ: إي والله إنها لأسمَاؤها، اهـ "بيضاوي".
(جَريان) بفتح الجيم وكسر الراء المهملة، وتشديد الياء التحتية منقول من اسم (طوق القميص). (وقابس) بقاف، وموحدة وسين مقتبسُ النار (وعمودان) تثنية عمود (والفليق) نجم منفرد (والمصبح) ما يَطْلَعُ قبل الفجر، (والفرغ) بفاء وراء مهملة ساكنة، وغين معجمة، نجمٌ عند الدلو، و (وثاب) بتشديد المثلثة، سريعُ الحركة، و (ذُو الكتفين) تثنية كتف: نجم كبير، وهذه نجومٌ غير مرصودة،
رُوِيَ عن جابر رضي الله عنه: أنَّ يهودِيًّا جاء إلى رسول الله - ﷺ - فقال: يا محمَّد! أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسفُ عليه السلام، فسَكَتَ النبيُّ - ﷺ -، فَنَزَلَ جِبْرِيل عليه السلام، فأخْبَرَهُ بذلك، فقال - ﷺ - لليهوديّ إذَا أخبرتك بذلك هل تُسْلِمُ؟ فقال: نعم. قال: جريانُ (١) والطارقُ، والذَيَّالُ وقابسُ، وعَمُودان، والفَلِيقُ، والمُصبِّحُ، والضَّرُوخُ، والفَرْغُ، ووثَّابُ، وذو الكَتِفَيْنِ رآها يوسفُ عليه السلام، والشمسَ والقمرَ، نزَلْنَ من السماء، وسَجَدْنَ له، فقال اليهوديُّ: إي والله إنها لأسمَاؤها، اهـ "بيضاوي".
(جَريان) بفتح الجيم وكسر الراء المهملة، وتشديد الياء التحتية منقول من اسم (طوق القميص). (وقابس) بقاف، وموحدة وسين مقتبسُ النار (وعمودان) تثنية عمود (والفليق) نجم منفرد (والمصبح) ما يَطْلَعُ قبل الفجر، (والفرغ) بفاء وراء مهملة ساكنة، وغين معجمة، نجمٌ عند الدلو، و (وثاب) بتشديد المثلثة، سريعُ الحركة، و (ذُو الكتفين) تثنية كتف: نجم كبير، وهذه نجومٌ غير مرصودة،
(١) البيضاوي.
313
خصَّتْ بالرؤيا لغيبتهم عنه، اهـ "شهاب".
والمراد بالسجود هنا: سَجْدَة تحية، لا سجدة عبادة. وقال بعضهم: لفظ السجود: يُطْلَقُ على وضع الجبهة على الأرض، سواء كان على وجه التعظيم، والإكرام، أو على وَجْهِ العبادة، ويُطلق أيضًا على التواضع، والخضوع، وإنما أُجرِيَتْ مُجْرَى العقلاء في الضمير لوصفها بوصف العقلاء، وهو السجود، كما مرَّ.
وأبو يوسف هو: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. قال بَعْضُ مَنْ مال إلى الاشتقاق في هذه الأسماء: إنما سمِّيَ يعقوبُ لأنَّ يعقوبَ وعيصًا كانا تَوْأمَيْنِ فاقتتلا في بطن أمهما حيث أراد يعقوب أن يَخْرُجَ فَمَنَعَه عَيْصٌ وقال: لئن خَرجت قبلي لأعترض في بطن أمي، فلأقتلنَّها فتأخَّر يعقوب، فخرج عيص فأَخَذَ يعقوب بعقب عيص، فخَرَجَ بَعْدَهُ فلهذا سمي به، وسمي الآخر عَيْصًا لمَّا عَصَى وخَرَجَ قبل يعقوب، وكان عيص رجلًا أشعر، وكان يعقوبُ أجْرَد، وكان عيص أحبَّهما إلى أبيه، وكان يعقوبُ أحبَّهما إلى أمه، وكان عَيْصٌ صاحبَ صيد، وكان يعقوبُ صَاحِبَ غنم، فلما كَبرَ إسحاق، وعَمِي قال لعيص يومًا: يا بنيَّ أطْعِمْني لَحْمَ صيد، واقْتَرِبْ مني أدع لك بدعاءٍ دعا لي به أبي هو دعاء النبوة، وكان لكل نبي دعوة مستجابة، وأخَّر رسولنا - ﷺ - دُعاءَه للشفاعة العظمى يوم القيامة، فخرج عَيْصٌ لطلب صيد، فقَالَتْ أمُّهُ ليعقوب: يا بنيَّ اذهب إلى الغنم فاذبح منها شَاةً ثم اشوها، والْبِسْ جِلْدَهَا، وقدِّمها إلى أبيك، قبل أخيك، وقُلْ له: أنا ابنك عيص لعله يدعو لك ما وَعَدَه لأخيك، فلما جَاءَ يعقوب بالشواء قال: يا أبت كُلْ، قال: مَنْ أنت؟ قال: أنا ابنك عيص؛ فمسَّه فقال: المس مَسُّ عَيْص والريحُ ريح يعقوب. قال بعضهم: والأسلم أن يقال: إنَّ أمه أحْضَرَتْ الشواء بين يدي إسحاق، وقالت: إنَّ ابْنَكَ جاءك بشواء، فادع له، فظَنَّ إسحاق أنه عيص، فأكل منه، ثم دَعَا لِمَنْ جاء به، أن يجعل الله في ذريته الأنبياءَ، والملوكَ فذهب يعقوب، وَلَمّا جاء عيصٌ قال: يا أبت قد جئتك بالصيد الذي أردتَ، فعلم إسحاق الحالَ، وقال: يا بنيَّ قد سبقك أخوك، ولكن بَقِيَتْ لك دعوة فهلم أدعو لك بها، فدعا أن يكون ذرِّيتُه عَدَدَ التراب، فأعطى الله تعالى له نَسْلًا كثيرًا،
والمراد بالسجود هنا: سَجْدَة تحية، لا سجدة عبادة. وقال بعضهم: لفظ السجود: يُطْلَقُ على وضع الجبهة على الأرض، سواء كان على وجه التعظيم، والإكرام، أو على وَجْهِ العبادة، ويُطلق أيضًا على التواضع، والخضوع، وإنما أُجرِيَتْ مُجْرَى العقلاء في الضمير لوصفها بوصف العقلاء، وهو السجود، كما مرَّ.
وأبو يوسف هو: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. قال بَعْضُ مَنْ مال إلى الاشتقاق في هذه الأسماء: إنما سمِّيَ يعقوبُ لأنَّ يعقوبَ وعيصًا كانا تَوْأمَيْنِ فاقتتلا في بطن أمهما حيث أراد يعقوب أن يَخْرُجَ فَمَنَعَه عَيْصٌ وقال: لئن خَرجت قبلي لأعترض في بطن أمي، فلأقتلنَّها فتأخَّر يعقوب، فخرج عيص فأَخَذَ يعقوب بعقب عيص، فخَرَجَ بَعْدَهُ فلهذا سمي به، وسمي الآخر عَيْصًا لمَّا عَصَى وخَرَجَ قبل يعقوب، وكان عيص رجلًا أشعر، وكان يعقوبُ أجْرَد، وكان عيص أحبَّهما إلى أبيه، وكان يعقوبُ أحبَّهما إلى أمه، وكان عَيْصٌ صاحبَ صيد، وكان يعقوبُ صَاحِبَ غنم، فلما كَبرَ إسحاق، وعَمِي قال لعيص يومًا: يا بنيَّ أطْعِمْني لَحْمَ صيد، واقْتَرِبْ مني أدع لك بدعاءٍ دعا لي به أبي هو دعاء النبوة، وكان لكل نبي دعوة مستجابة، وأخَّر رسولنا - ﷺ - دُعاءَه للشفاعة العظمى يوم القيامة، فخرج عَيْصٌ لطلب صيد، فقَالَتْ أمُّهُ ليعقوب: يا بنيَّ اذهب إلى الغنم فاذبح منها شَاةً ثم اشوها، والْبِسْ جِلْدَهَا، وقدِّمها إلى أبيك، قبل أخيك، وقُلْ له: أنا ابنك عيص لعله يدعو لك ما وَعَدَه لأخيك، فلما جَاءَ يعقوب بالشواء قال: يا أبت كُلْ، قال: مَنْ أنت؟ قال: أنا ابنك عيص؛ فمسَّه فقال: المس مَسُّ عَيْص والريحُ ريح يعقوب. قال بعضهم: والأسلم أن يقال: إنَّ أمه أحْضَرَتْ الشواء بين يدي إسحاق، وقالت: إنَّ ابْنَكَ جاءك بشواء، فادع له، فظَنَّ إسحاق أنه عيص، فأكل منه، ثم دَعَا لِمَنْ جاء به، أن يجعل الله في ذريته الأنبياءَ، والملوكَ فذهب يعقوب، وَلَمّا جاء عيصٌ قال: يا أبت قد جئتك بالصيد الذي أردتَ، فعلم إسحاق الحالَ، وقال: يا بنيَّ قد سبقك أخوك، ولكن بَقِيَتْ لك دعوة فهلم أدعو لك بها، فدعا أن يكون ذرِّيتُه عَدَدَ التراب، فأعطى الله تعالى له نَسْلًا كثيرًا،
314
وجملة الروم منْ ولده، رُوم، وكان إسحاق متوطِّنًا في كَنْعَان، وإسماعيل مقيمًا في مكة، فلما بَلَغَ إسحاق إلى مئة وثمانين من العمر، وحضرته الوفاة وصَّى سِرًّا بأن يخرج يعقوب إلى خاله في جانب الشام حذرًا من أن يقتله أخوه عَيْصٌ حسدًا، لأنه أقْسَمَ بالله في قصة الشواء أن يقتل يَعْقُوب فانطلق إلى خاله ليا بن ناهزَ، وأقام عنده وكان لخاله بنتان إحداهما لَيَّا، وهي كبراهما، والأُخرى راحيل، وهي صغراهما فخَطَبَ يعقوب إلى خاله بأن يزوجه إحداهما فقال له: هل لك مالُ؟ قال: لا، ولكن أَعْمَلُ لك، فقال: نعم، صداقها أن تخدمني سبع سنين، فقال يعقوب: أَخْدُمُكَ سبع سنين على أن تزوجني راحيل، قال: ذلك بيني وبينك، فرعَى له يعقوب سبع سنين، فزوجه الكبرى، وهي لَيَّا، قال له يعقوب: إنك خَدَعْتَني، إنما أردتُ راحيل، فقال له خاله: إنَّا لا ننكح الصغيرةَ قبل الكبيرة، فهلم فاعمل سبع سنين، فأزوجك أختها - وكان الناس يجمعون بين الأختَين إلى أنْ بعَثَ الله موسى عليه السلام - فرَعَى له سبع سنين، أُخْرى فزوجه راحيل، فجمَعَ بينهما، وكان حاله حين جهَّزَهما دفع إلى كل واحدة منهما أَمَةً تخدمُها، اسمُ إحداهما، زلفة، والأخرى بَلْهَة، فوهبتا الأمتَين ليعقوب، فولدت ليا ستة بنين وبنتًا واحدة، رُوبِيلَ، شمعون، يهوذا، لاوي، يَسْجُر، زيالون، دنية. وولدت زلفة ابنَينِ دان، يغثالى، وولدت بُلْهَةُ أيضًا ابنين جاد، آشر. وبقيت راحيل عاقرًا سنينَ ثمَّ حملَتْ، وولدت يوسف. وليعقوب من العمر إحدى وتسعون سنةً، وأراد يعقوب أن يُهاجِر إلى موطن أبيه إسحاق بكل الحواشي. وفي سنة الهجرة حَمَلَتْ راحيل ببنيامين، وماتت في نفاسها، ويوسف ابن سنتين، وكان أحبَّ الأولاد إلى يعقوب، وحين صار ابنَ سبع سنين، رَأَى المنام المذكور سابقًا فيما حكى الله تعالى بقوله: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾.
واعلم: أنَّ يوسف رأى إخْوَته في صورة الكواكب، لأنه يُسْتَضاءُ بالأخوة، ويهدى بهم كما يهتدى بالكواكب، ورأى أباه وخَالَتَه ليا في صورة الشمس والقمر، وإنما قُلْنا خالته لأنه ماتت أمه في نفاس بنيامين كما مَرَّ. وسجودُهم له دخولهم تحت سلطنته، وانقيادهم له كما سيأتي في آخر القصة.
واعلم: أنَّ يوسف رأى إخْوَته في صورة الكواكب، لأنه يُسْتَضاءُ بالأخوة، ويهدى بهم كما يهتدى بالكواكب، ورأى أباه وخَالَتَه ليا في صورة الشمس والقمر، وإنما قُلْنا خالته لأنه ماتت أمه في نفاس بنيامين كما مَرَّ. وسجودُهم له دخولهم تحت سلطنته، وانقيادهم له كما سيأتي في آخر القصة.
315
قال في "الإرشاد": ولا يَبْعُدْ أن يكونَ تأخيرُ الشمس والقمر إشارة إلى تأخُّرِ ملاقاتِه لهما عن ملاقاته لإخوته، ذَكَرَ هذه القصةَ صاحبُ "روح البيان".
فائدة: والرؤيا ثلاثة أقسام:
أَحدُها: حديث النفس كَمَنْ يكون في أمْرٍ أو حِرْفة يرى نَفْسَهُ في ذلك الأمر، وكالعاشق يرى مَعْشُوقَه ونحو ذلك.
وثانيها: تخويف الشيطان بأن يَلْعَبَ بالإنسان فيريه ما يحزِنه، ومَنْ لعبه به الاحتلامُ الموجبُ للغسل، وهذان لا تأويلَ لهما.
وثالثهما: بشرى من الله تعالى بأن يَأتِيَك ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب يعني من اللوح المحفوظ، وهو الصحيحُ، وما سوى ذلك أضغاثُ أحلام.
٥ - ﴿قَالَ﴾ يعقوب ليوسف في السرِّ، وهذا كلام مستأنف مبنيُّ على سؤالِ مَنْ قال: فماذا قال يعقوبُ بعد سماع هذه الرؤيا العجيبة؟ فقيل: قال يعقوب: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ تصغيرُ ابن صغره للشفقة والمحبَّة وصِغر السن، فإنه كان ابن ثنتي عشرة سنة كما مَرَّ. وأصله يا بُنَيَّا الذي أصله: "يا بُنَيّي" فأُبدلت ياء الإضافةِ ألِفًا، كما قيل في يا غلامي، يا غلاما بناء على أنَّ الألِفَ، والفتحةَ أخفُّ من الياء والكسرة. وقرأ حفصٌ هنا، وفي لقمان، وفي الصافات: ﴿يَا بَنِي﴾ بفتح الياء. وابن كثير في لقمان: (يا بني لا تشرك). وقيل: (يا بني أقم) بإسكانها. وباقي السبعة بالكسر. وقرأ زيد بن علي: (لا تَقُصُّ) مدغمًا وهي لغة تميم، والجمهور بالفك، وهي لغةُ الحجاز. وقرأ الجمهور: ﴿رُؤْيَاكَ﴾ والرؤيا حيثُ وقعت بالهمز من غير إمالة. وقرأ الكسائي بالإمالة، وبغير الهمز، وهي لغة أهل الحجاز ذكره أبو حيان في "البحر".
قال في "الإرشاد": ولمَّا عرف يعقوبُ من هذه الرؤيا، أنَّ يوسف يبلِّغه تعالى مَبْلَغًا جَلِيلًا من الحكمة، ويَصْطَفِيهِ للنبوّة، وينعم عليه بشرف الدارين، كما فَعَلَ بآبائه الكرام.. خَافَ عليه حسدَ الإخوة وبغيَهم فقال صيانة لهم من ذلك وله
فائدة: والرؤيا ثلاثة أقسام:
أَحدُها: حديث النفس كَمَنْ يكون في أمْرٍ أو حِرْفة يرى نَفْسَهُ في ذلك الأمر، وكالعاشق يرى مَعْشُوقَه ونحو ذلك.
وثانيها: تخويف الشيطان بأن يَلْعَبَ بالإنسان فيريه ما يحزِنه، ومَنْ لعبه به الاحتلامُ الموجبُ للغسل، وهذان لا تأويلَ لهما.
وثالثهما: بشرى من الله تعالى بأن يَأتِيَك ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب يعني من اللوح المحفوظ، وهو الصحيحُ، وما سوى ذلك أضغاثُ أحلام.
٥ - ﴿قَالَ﴾ يعقوب ليوسف في السرِّ، وهذا كلام مستأنف مبنيُّ على سؤالِ مَنْ قال: فماذا قال يعقوبُ بعد سماع هذه الرؤيا العجيبة؟ فقيل: قال يعقوب: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ تصغيرُ ابن صغره للشفقة والمحبَّة وصِغر السن، فإنه كان ابن ثنتي عشرة سنة كما مَرَّ. وأصله يا بُنَيَّا الذي أصله: "يا بُنَيّي" فأُبدلت ياء الإضافةِ ألِفًا، كما قيل في يا غلامي، يا غلاما بناء على أنَّ الألِفَ، والفتحةَ أخفُّ من الياء والكسرة. وقرأ حفصٌ هنا، وفي لقمان، وفي الصافات: ﴿يَا بَنِي﴾ بفتح الياء. وابن كثير في لقمان: (يا بني لا تشرك). وقيل: (يا بني أقم) بإسكانها. وباقي السبعة بالكسر. وقرأ زيد بن علي: (لا تَقُصُّ) مدغمًا وهي لغة تميم، والجمهور بالفك، وهي لغةُ الحجاز. وقرأ الجمهور: ﴿رُؤْيَاكَ﴾ والرؤيا حيثُ وقعت بالهمز من غير إمالة. وقرأ الكسائي بالإمالة، وبغير الهمز، وهي لغة أهل الحجاز ذكره أبو حيان في "البحر".
قال في "الإرشاد": ولمَّا عرف يعقوبُ من هذه الرؤيا، أنَّ يوسف يبلِّغه تعالى مَبْلَغًا جَلِيلًا من الحكمة، ويَصْطَفِيهِ للنبوّة، وينعم عليه بشرف الدارين، كما فَعَلَ بآبائه الكرام.. خَافَ عليه حسدَ الإخوة وبغيَهم فقال صيانة لهم من ذلك وله
316
من معاناة المشاقِّ، ومقاساة الأحزان، وإن كانَ واثقًا من الله تعالى بأن سيحقق ذلك لا مَحَالَةَ وطَمَعًا في حصوله بلا مشقَّة: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ﴾؛ أي: لا تُخْبِرَ مَنَامَكَ كُلًّا، أو بعضًا، ولا تطلعها ﴿عَلَى إِخْوَتِكَ﴾، وهم بَنُو علاته العشرة، كما هو المشهور، وأما شقيقه بنيامين فهو حادي الأحد عشر في الرؤيا، وإن لم يكن ممن تخشى مَضرَّتهُ، وكيدُه ليوسف ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ﴾؛ أي: فيفعلوا لأجلك، ولإهلاكك ﴿كَيْدًا﴾ خَفِيًّا عن فهمك لا تقدر على مدافعته، وهذا أوفق بمقام التحذير، وإن كانَ يعقوبُ يعلم أنهم ليسوا بقادرينَ على تحويلِ ما دلت الرؤيا على وقوعه. والكيد: الاحتيال للاغتيال، أو طَلَبُ إيصال الشر بالغير وهو غَيْرُ عالم به.
وحاصل المعنى: أي قال يوسف لأبيه يعقوب: إني رأيت في منامي أحَدَ عَشَرَ كَوْكبًا، والشَّمْسَ والقَمَرَ لي سجَّدًا، وقد علم أبوه أن هذه رؤيا إلهام، لا أضغاث أحلام تثِيرُها في النوم الهواجسُ والأفكار، وأنَّ يوسُفَ سَيَكُون له شأن عظيم، وسلطان يسود به أهلَه حتى أباه وأمه، وإخوته، وخَافَ أن يَسْمَعَ إخْوَتُهُ ما سمعه، ويفهموا ما فَهِمَه فيحسدوه، ويكيدوا لإهلاكه، ومن ثمَّ نَهاه أن يقصَّ عليهم رؤياه، كما دل على ذلك قوله: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾؛ أي: لا تخبر إخوتَك بما رأيتَ في منامك، خِيفَة أن يحسدوك فيحتالوا للإيقاع بك بتدبير، يحكمونه بالتفكير، والرؤية، ثم بَيَّن السببَ النفسيَّ لهذا الكيد بقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾؛ أي: إنَّ الشيطانَ عدو لآدم وبنيه، قد أظهرَ لهم عداوتَه، فاحذَر، أن يُغريَ إخوتك بك بحسدهم لَكَ، إن أنْتَ قصصت عليهم رؤياك، إذ من دأبه أن ينزغَ بَيْنَ الناس حين تعرض له داعية من هوى النفس، ولا سِيّما الحسد الغريزي في فطرة البشر، وقد أرْشَدَ إلى هذا يوسف بقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾.
وهذه الجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كأنَّ يوسفَ قال: كيف يصدر ذلك عن إخوتي الناشئين في بيت النبوة. فقيل: إنَّ الشَّيْطَانَ ظاهر العداوة للإنسان أو مظهرها قد بانت عداوته لك، ولأبناءِ جنسك إذ أخرج أبويكم آدم وحواء من
وحاصل المعنى: أي قال يوسف لأبيه يعقوب: إني رأيت في منامي أحَدَ عَشَرَ كَوْكبًا، والشَّمْسَ والقَمَرَ لي سجَّدًا، وقد علم أبوه أن هذه رؤيا إلهام، لا أضغاث أحلام تثِيرُها في النوم الهواجسُ والأفكار، وأنَّ يوسُفَ سَيَكُون له شأن عظيم، وسلطان يسود به أهلَه حتى أباه وأمه، وإخوته، وخَافَ أن يَسْمَعَ إخْوَتُهُ ما سمعه، ويفهموا ما فَهِمَه فيحسدوه، ويكيدوا لإهلاكه، ومن ثمَّ نَهاه أن يقصَّ عليهم رؤياه، كما دل على ذلك قوله: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾؛ أي: لا تخبر إخوتَك بما رأيتَ في منامك، خِيفَة أن يحسدوك فيحتالوا للإيقاع بك بتدبير، يحكمونه بالتفكير، والرؤية، ثم بَيَّن السببَ النفسيَّ لهذا الكيد بقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾؛ أي: إنَّ الشيطانَ عدو لآدم وبنيه، قد أظهرَ لهم عداوتَه، فاحذَر، أن يُغريَ إخوتك بك بحسدهم لَكَ، إن أنْتَ قصصت عليهم رؤياك، إذ من دأبه أن ينزغَ بَيْنَ الناس حين تعرض له داعية من هوى النفس، ولا سِيّما الحسد الغريزي في فطرة البشر، وقد أرْشَدَ إلى هذا يوسف بقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾.
وهذه الجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كأنَّ يوسفَ قال: كيف يصدر ذلك عن إخوتي الناشئين في بيت النبوة. فقيل: إنَّ الشَّيْطَانَ ظاهر العداوة للإنسان أو مظهرها قد بانت عداوته لك، ولأبناءِ جنسك إذ أخرج أبويكم آدم وحواء من
317
الجنة، ونزع عنهما لباسَ النور، وحلف أنه ليعملن في نوع الإنسان كل حيلة، وليأتينهم من كل جهة وجانب، فلا يزال مجتهَدًا في إغواء إخوتك وإضلالهم، وحملهم على الإضرار بك، فَبِه عُلِمَ أنهم يَعْلَمُونَ تَأْويلَهَا فقال ما قال. قال بعض العارفين: بَرَّأ أبناءه من ذلك الكيد، فألحقه بالشيطان لِعِلْمه أن الأفعال كلَّها من الله تعالى، ولمَّا كان الشيطان مظهرًا لاسم المُضِلِّ أضَافَ الفعل السَّببيَّ إليه، وهذه الإضافة أيضًا كيد ومكر، فإن الله تعالى هو الفاعل في الحقيقة لا المظهر الشيطاني.
٦ - ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: كما اجتباك لهذه الرؤية الدالة على عُلُوِّ شأنك ﴿يَجْتَبِيكَ﴾ ويصطفيك ﴿رَبُّكَ﴾ بالنبوة والرسالة والملك؛ أي (١): مثل اجتبائك واختيارك من بين إخوتك، لمثل هذه الرؤيا العظيمة، الدالةِ على شرفِ وعز وكبرياء شأنك، فالكاف في محل النصب على أنه صفة لمصدر محذوف، كما سيأتي في مبحث الإعراب.
﴿يَجْتَبِيكَ﴾: أي: يَخْتَارُكَ، ويصطفيك لما هو أعظم منها، كالنبوة ويبرزُ مِصْداقُ تلكَ الرُّؤَيا في عالم الشهادة إذ لا بُدَّ لكل صورة مرئية في عالم المثال حقيقة واقعة في عالم الشهادة، وإن كانت الدنيا كلها خَيَالًا. وقوله: ﴿وَيُعَلِّمُكَ﴾ كلام مستأنف غير داخل في حكم التشبيه كأنه قيل: وهو تعالى يعلمك، لأنَّ الظاهر أن يشبَّهَ الاجتباءُ بالاجتباءِ والتعليم غَيْرُ الاجتباء؛ أي: ويُعَلِّمُكَ ﴿مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾؛ أي: تعبير الرؤيا وتفسيرها، والأحاديث (٢) جمع تكسير لحديث على غير قياس، وإنما سميت الرؤيا أحاديث؛ لأنها إما أحاديث الملك إن كانت صادقةً أو أحاديث النفس والشيطان إن لم تكن كذلك، وتسميتها تَأويلًا، لأنه يَؤُول أمرها إليه؛ أي: يرجع إلى ما يذكره المعبِّر من حقيقتها.
وحاصل المعنى: أي وكما أراك (٣) ربك الكواكبَ والشمس والقمرَ سجَّدًا
٦ - ﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: كما اجتباك لهذه الرؤية الدالة على عُلُوِّ شأنك ﴿يَجْتَبِيكَ﴾ ويصطفيك ﴿رَبُّكَ﴾ بالنبوة والرسالة والملك؛ أي (١): مثل اجتبائك واختيارك من بين إخوتك، لمثل هذه الرؤيا العظيمة، الدالةِ على شرفِ وعز وكبرياء شأنك، فالكاف في محل النصب على أنه صفة لمصدر محذوف، كما سيأتي في مبحث الإعراب.
﴿يَجْتَبِيكَ﴾: أي: يَخْتَارُكَ، ويصطفيك لما هو أعظم منها، كالنبوة ويبرزُ مِصْداقُ تلكَ الرُّؤَيا في عالم الشهادة إذ لا بُدَّ لكل صورة مرئية في عالم المثال حقيقة واقعة في عالم الشهادة، وإن كانت الدنيا كلها خَيَالًا. وقوله: ﴿وَيُعَلِّمُكَ﴾ كلام مستأنف غير داخل في حكم التشبيه كأنه قيل: وهو تعالى يعلمك، لأنَّ الظاهر أن يشبَّهَ الاجتباءُ بالاجتباءِ والتعليم غَيْرُ الاجتباء؛ أي: ويُعَلِّمُكَ ﴿مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾؛ أي: تعبير الرؤيا وتفسيرها، والأحاديث (٢) جمع تكسير لحديث على غير قياس، وإنما سميت الرؤيا أحاديث؛ لأنها إما أحاديث الملك إن كانت صادقةً أو أحاديث النفس والشيطان إن لم تكن كذلك، وتسميتها تَأويلًا، لأنه يَؤُول أمرها إليه؛ أي: يرجع إلى ما يذكره المعبِّر من حقيقتها.
وحاصل المعنى: أي وكما أراك (٣) ربك الكواكبَ والشمس والقمرَ سجَّدًا
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
318
لك، يَجْتبيك ربك لنفسه، ويصطفيك على آلك وغيرهم بفيض إلهي يكملك به بأنواع من المكرمات بلا سعيٍ منك، فتكون من المخلصين من عباده، ويعلمك من علمه اللدني تأويل الرؤيا وتعبيرها؛ أي: تفسيرها بالعبارة والإخبار بما تؤول إليه في الوجود كما حكى الله قول يوسف لأبيه: ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾.
وتعليم الله تعالى يوسفَ التأويلَ إعطاؤه إلهامًا، وكشفًا لما يُرادُ أو فِراسَةً خاصة فيها، أو علمًا أعمُّ من ذلك كما يدل عليه قوله لصاحبي السجن: ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾.
﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ يا يوسف يجوز (١) أن يتعلَّق بقوله: ﴿يتم﴾ وأن يتعلَّق بـ ﴿نِعْمَتَهُ﴾؛ أي: بأن يضمَّ إلى النبوة المستفادة من الاجتباء الملك، ويَجْعَلُه تَتِمَّةً لها، وتوسيط التعليم لرعاية الوجود الخارجِيّ ﴿وَعَلَى﴾ كرر على ليمكن العطفُ على الضمير المجرور ﴿آلِ يَعْقُوبَ﴾ الآل (٢) وإن كان أصله: الأهل إلَّا أنه لا يستعمل إلا في الأشراف بخلاف الأهل، وهم أهله من بيته، وغيرهم، فإن رؤيةَ يوسف إخوته كواكب يُهتدى بأنوارها من نعم الله عليهم لدلالتها على مصير أمرهم إلى النبوة، فيقع كل ما يخرج من القوة إلى الفعل، إتمامًا لتِلْكَ النعمة؛ أي: ويتم (٣) نعمته عليك باجتبائه إياكَ، واصطفائك بالنبوة والرسالة والملك، وعلى أبيك، وإخوتك وذريتهم بإخراجهم من البَدْوِ وتبوئهم مقامًا كريمًا في مصر، ثم تسَلْسَل النبوة في أسباطهم حينًا من الدهر. وقوله: ﴿كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ﴾ صفة لمصدر محذوف تقديره أي: ويتم نعمته عليك إتمامًا كائنًا كإتمام نعمته على أبويك وهي نعمة الرسالة والنبوة، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل هذا الوقت أو من قبلك. وقوله: ﴿إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾ عطف بيان لأبويك، والتعبير (٤) عنهما بالأب مع كونهما أبا جَدّهِ، وأبا أبيه للإشعار بكمال ارتباطِه بالأنبياء الكرام. قال في "الكواشي": الجدُّ أب في الأصالة، يقال: فلان ابن
وتعليم الله تعالى يوسفَ التأويلَ إعطاؤه إلهامًا، وكشفًا لما يُرادُ أو فِراسَةً خاصة فيها، أو علمًا أعمُّ من ذلك كما يدل عليه قوله لصاحبي السجن: ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾.
﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ يا يوسف يجوز (١) أن يتعلَّق بقوله: ﴿يتم﴾ وأن يتعلَّق بـ ﴿نِعْمَتَهُ﴾؛ أي: بأن يضمَّ إلى النبوة المستفادة من الاجتباء الملك، ويَجْعَلُه تَتِمَّةً لها، وتوسيط التعليم لرعاية الوجود الخارجِيّ ﴿وَعَلَى﴾ كرر على ليمكن العطفُ على الضمير المجرور ﴿آلِ يَعْقُوبَ﴾ الآل (٢) وإن كان أصله: الأهل إلَّا أنه لا يستعمل إلا في الأشراف بخلاف الأهل، وهم أهله من بيته، وغيرهم، فإن رؤيةَ يوسف إخوته كواكب يُهتدى بأنوارها من نعم الله عليهم لدلالتها على مصير أمرهم إلى النبوة، فيقع كل ما يخرج من القوة إلى الفعل، إتمامًا لتِلْكَ النعمة؛ أي: ويتم (٣) نعمته عليك باجتبائه إياكَ، واصطفائك بالنبوة والرسالة والملك، وعلى أبيك، وإخوتك وذريتهم بإخراجهم من البَدْوِ وتبوئهم مقامًا كريمًا في مصر، ثم تسَلْسَل النبوة في أسباطهم حينًا من الدهر. وقوله: ﴿كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ﴾ صفة لمصدر محذوف تقديره أي: ويتم نعمته عليك إتمامًا كائنًا كإتمام نعمته على أبويك وهي نعمة الرسالة والنبوة، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل هذا الوقت أو من قبلك. وقوله: ﴿إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾ عطف بيان لأبويك، والتعبير (٤) عنهما بالأب مع كونهما أبا جَدّهِ، وأبا أبيه للإشعار بكمال ارتباطِه بالأنبياء الكرام. قال في "الكواشي": الجدُّ أب في الأصالة، يقال: فلان ابن
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.
319
فلان، وبينهما عِدَّةُ آباء، انتهى. أما إتمامها على إبراهيم فباتخاذه خليلًا، وبإنجائه من النار، ومنْ ذبح الولد. وأما على إسحاق فبإخراج يعقوب، والأسباط من صلبه، وكُلُّ ذلك نعم جليلة، وقعت تتمةً لنعمة النبوة، ولا يجب في تحقيق التشبيه كون ذلك في جانب المشبَّهِ مِثل ما وقع في جانب المشبه به من كل وجه؛ أي: كما أتمَّ النِّعْمَة من قبل هذا العهد على جدك وجد أبيك. وقَدَّم إبراهيم لأنه الأشرفُ منهما. وقد قال يعقوب ذلك لما كان يَعْلَمه من وَعدِ اللَّهِ لإبراهيم باصطفاء آله، وجعل النبوة، والكتاب في ذريته، وما عَلِمه من رُؤْيَا يوسف، وأنَّهُ الحَلَقَةُ الأولى في السلسلة النبوية التي ستكون من بعده من أبنائه. ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا يوسف ﴿عَلِيمٌ﴾ بمَنْ يستحق الاجتباء ﴿حَكِيمٌ﴾ يضعُ الأشياءَ مواضعَها، والجملة مستأنفة (١) مقررة لمضمون ما قبلَها تَعْلِيلًا له؛ أي: فَعَلَ ذلك؛ لأنه عليم حكيم. وهذا كلام من يعقوب مع ولده يُوسُفَ تعبيرًا لرؤياه على طريق الإجمال، أو علم ذلك من طريق الوحي، أو عرفه بطريق الفراسة، وما تقضيه المخايِلُ اليوسفيةُ.
والمعنى: أي إن رَبَّك (٢) يا يوسف عليم بمن يصطفيه، ومَن هو أهل للفضل، والنعمة فيُسَخِّر له الأسبابَ التي تبلغ به الغاية إلى ما يريده له، حكيم في تدبيره، فيفعل ما يشاء جريًا على سنن علمه وحكمته.
وخلاصة ما تقدم: أنَّ يعقوبَ عليه السلام فَهِمَ من هذه الرؤيا فَهْمًا جُمَلِيًّا كُلُّ ما بُشِّر به ابنه يوسف الرائي، وأمَّا كيدُ إخوته به إذا قصَّها عليهم فقد استنبطه منْ طبع وعداوة الشيطان له، ثُمَّ قَفَّى على ذلك ببشارته بما تدل عليه الرؤيا من اجتباء ربه، ومن تأويل الأحاديث، وهو الذي سيكون وسيلة بينه وبين الناس في رفعة قدره، وعلو مقامه وإتمام نعمته عليه بالنبوة والرسالة كما كان ذلك لأبويه من قبل.
والمعنى: أي إن رَبَّك (٢) يا يوسف عليم بمن يصطفيه، ومَن هو أهل للفضل، والنعمة فيُسَخِّر له الأسبابَ التي تبلغ به الغاية إلى ما يريده له، حكيم في تدبيره، فيفعل ما يشاء جريًا على سنن علمه وحكمته.
وخلاصة ما تقدم: أنَّ يعقوبَ عليه السلام فَهِمَ من هذه الرؤيا فَهْمًا جُمَلِيًّا كُلُّ ما بُشِّر به ابنه يوسف الرائي، وأمَّا كيدُ إخوته به إذا قصَّها عليهم فقد استنبطه منْ طبع وعداوة الشيطان له، ثُمَّ قَفَّى على ذلك ببشارته بما تدل عليه الرؤيا من اجتباء ربه، ومن تأويل الأحاديث، وهو الذي سيكون وسيلة بينه وبين الناس في رفعة قدره، وعلو مقامه وإتمام نعمته عليه بالنبوة والرسالة كما كان ذلك لأبويه من قبل.
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
320
وعزتي وجلالي
٧ - ﴿لَقَدْ كَانَ فِي﴾ قصة ﴿يُوسُفَ﴾ بن يعقوب عليهما السلام ﴿و﴾ حكاية ﴿إخوته﴾ الأحد عشر ﴿آيَاتٌ﴾؛ أي: علامات عظيمة الشأن دالة على قدرة الله سبحانه وتعالى القاهرة، وحكمته الباهرة ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾؛ أي (١): لكل مَنْ سأل عن قصتهم، وعَرَفها، فإنَّ كِبَار أولاده يعقوب بعدما اتفقوا على إذْلال أصغر أولاده يوسف، وفعلوا به ما فَعَلُوا قد اصطفاه الله للنبوة والملك وجعلهم خَاضِعين له منقادينَ لحكمه، وأنَّ وبَالَ حسدهم قد انقلب عليهم، وهذا مِنْ أَجَلِّ الدلائل على قدرة الله القاهرة، وحِكمتِهِ الباهرة.
والمعنى: والله (٢) لقد كان في قصة يوسفَ وإخوته لأبيه عِبَرٌ أيُّما عِبر دالةٌ على قدرة الله، وعظيم حكمته، وتوفيق أقداره، ولطفه بِمَنِ اصطفى من عباده، وتربيته لهم وللسائلين عنها الراغبينَ في معرفة الحقائق، والاعتبار بها فإنهم هم الذين يعقلون الآيات، ويستفيدُون منها.
تأمَّل يا أخي: تَرَ أنَّ إخوةَ يُوسُفَ لو لم يحسدوه لما ألقوه في غَيَابَةِ الجُبِّ، ولوْ لَم يلقوه فيها: لما وَصَلَ إلى عزيز مصر، ولو لم يعتقد العزيزُ بصادق فراسته أمَانتَهُ وصِدْقَه لما أمنه على بيته، ورزقه، وأهله، ولو لم تُراوده امرأة العزيز عن نفسه، ويستعصم منها لما ظهرَتْ نزاهته، ولو لم تَفْشَلْ في كيدها وكيد صُويْحِبَاتِهَا لَمَا ألقي في السجن، ولو لم يُسْجَن ما عرَفه ساقي مَلِك مصر، وعَرَف صدقَه، في تعبير الرؤيا، وإرشادِ مَلكِ مصر إليه، فآمَنَ به، وجعله على خزائن الأرض، ولو لم يَتَبوَّأْ هذا المَنْصِبَ ما أمكنه أن ينقذ أبَوَيْهِ وإخوتَه وأهله أجمعين من الجوع والمخمصة، ويأتي بهم إلى مصر، فيشاركوه فيما ناله من عِزٍّ وبَذخٍ ورَخَاءِ عيشٍ، ونعيم عظيم، وما من مبدأ من هذه المبادىء إلَّا كان ظاهره شرًّا مستطيرًا، ثم انْتَهَى إلى عاقبة كانت خيرًا وفوزًا مبينًا.
فتلك ضروب من آيات الله في القصة لمن يريد أن يَسْأَلَ عن أحداثها
٧ - ﴿لَقَدْ كَانَ فِي﴾ قصة ﴿يُوسُفَ﴾ بن يعقوب عليهما السلام ﴿و﴾ حكاية ﴿إخوته﴾ الأحد عشر ﴿آيَاتٌ﴾؛ أي: علامات عظيمة الشأن دالة على قدرة الله سبحانه وتعالى القاهرة، وحكمته الباهرة ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾؛ أي (١): لكل مَنْ سأل عن قصتهم، وعَرَفها، فإنَّ كِبَار أولاده يعقوب بعدما اتفقوا على إذْلال أصغر أولاده يوسف، وفعلوا به ما فَعَلُوا قد اصطفاه الله للنبوة والملك وجعلهم خَاضِعين له منقادينَ لحكمه، وأنَّ وبَالَ حسدهم قد انقلب عليهم، وهذا مِنْ أَجَلِّ الدلائل على قدرة الله القاهرة، وحِكمتِهِ الباهرة.
والمعنى: والله (٢) لقد كان في قصة يوسفَ وإخوته لأبيه عِبَرٌ أيُّما عِبر دالةٌ على قدرة الله، وعظيم حكمته، وتوفيق أقداره، ولطفه بِمَنِ اصطفى من عباده، وتربيته لهم وللسائلين عنها الراغبينَ في معرفة الحقائق، والاعتبار بها فإنهم هم الذين يعقلون الآيات، ويستفيدُون منها.
تأمَّل يا أخي: تَرَ أنَّ إخوةَ يُوسُفَ لو لم يحسدوه لما ألقوه في غَيَابَةِ الجُبِّ، ولوْ لَم يلقوه فيها: لما وَصَلَ إلى عزيز مصر، ولو لم يعتقد العزيزُ بصادق فراسته أمَانتَهُ وصِدْقَه لما أمنه على بيته، ورزقه، وأهله، ولو لم تُراوده امرأة العزيز عن نفسه، ويستعصم منها لما ظهرَتْ نزاهته، ولو لم تَفْشَلْ في كيدها وكيد صُويْحِبَاتِهَا لَمَا ألقي في السجن، ولو لم يُسْجَن ما عرَفه ساقي مَلِك مصر، وعَرَف صدقَه، في تعبير الرؤيا، وإرشادِ مَلكِ مصر إليه، فآمَنَ به، وجعله على خزائن الأرض، ولو لم يَتَبوَّأْ هذا المَنْصِبَ ما أمكنه أن ينقذ أبَوَيْهِ وإخوتَه وأهله أجمعين من الجوع والمخمصة، ويأتي بهم إلى مصر، فيشاركوه فيما ناله من عِزٍّ وبَذخٍ ورَخَاءِ عيشٍ، ونعيم عظيم، وما من مبدأ من هذه المبادىء إلَّا كان ظاهره شرًّا مستطيرًا، ثم انْتَهَى إلى عاقبة كانت خيرًا وفوزًا مبينًا.
فتلك ضروب من آيات الله في القصة لمن يريد أن يَسْأَلَ عن أحداثها
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
الحسية الظاهرة، وعلومها الباطنة، كعلم يعقوب بتأويل رُؤْيَا يُوسُفَ وعِلْمِهِ بكذبهم في دعوى أكل الذئب له، ومن شَمِّهِ لرِيحِ يُوسُفَ منذ فصلت العير من أرض مصر ذاهبةً إلى أرض كَنْعَانَ، ومن رؤيةِ برهان رَبِّهِ، ومن كيد الله له ليأخذ أخاه بشرع الملك، ومن عِلْمِهِ بأنَّ إلْقَاءَ قميصه على أبيه يُعيده بصيرًا بعد عَمى بَقِيَ كثيرًا من السنين.
وقرأ مجاهد، وشِبْلٌ وأهلُ مكة، وابن كثير (١): ﴿آيةٌ﴾ علي الإفراد. وقرأ الجمهور: ﴿آياتٌ﴾. وفي مصحف أُبي: ﴿عبرةٌ للسائلين﴾ مكانَ آية.
٨ - ﴿إِذْ قَالُوا﴾؛ أي: إن في شأن يوسف وإخوته لعبرة حين قالوا؛ أي: حِينَ قال بعض العشرة لبعضهم والله ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾ الشقيقُ بِنْيَامِينُ بكسر الباء وفتحها فاللام في ﴿لَيُوسُفُ﴾ موطئة (٢) للقسم كما قدرنا، أو لام الابتداء (٣)، وفيها تأكيد، وتحقيقٌ لمضمون الجملة، أرادوا أنَّ زيادة مَحَبَّتِهِ لهما أمر ثابت لا شبهة فيه، وإنما قالوا هو وأخوه، وهم إخوته أيضًا؛ لأنَّ أمَّهُمَا كانت واحدةً اسمها راحيلُ كما مرَّ فهو شَقِيقُه. والشقيق: الأخُ من الأب والأم. وقد يقال: للأخ من الأب، لأنَّه شَقَّ مَعَكَ ظهْرَ أبيك، وللأخ من الأم لأنه شق معك بطن أمك. وفي "القاموس": الشقيق كأمير الأخِ كأنه شقَّ نسَبُه من نسبه، انتهى. وإنما لم يذكر (٤) باسمه تلويحًا بأنَّ مدار المحبة إخوته ليوسف من الطرفين، الأب، والأم، فالمآل إلى زيادة الحُبِّ ليُوسُفَ ولذلك تعرضوا لقتله، وطرحه، ولم يتعرضوا لبنيامين. ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾؛ أي: أكْثرَ وأزيدُ مَحَبَّةً مِنَّا عند أبينا، وإنما قالوا هذه المقالَةَ: لأنه بلَغَتْهُم خَبر الرؤية، فأجمع رأيهُم على كيده. ﴿و﴾ الحال ﴿نحن عصبة﴾؛ أي: والحال أنَّا جماعةٌ قادرون على الحل والعقد قائمون بدفع المقاصد، والآفات مشتغلون بتحصيل المنافع، والخيرات، وقائمون بمصالح
وقرأ مجاهد، وشِبْلٌ وأهلُ مكة، وابن كثير (١): ﴿آيةٌ﴾ علي الإفراد. وقرأ الجمهور: ﴿آياتٌ﴾. وفي مصحف أُبي: ﴿عبرةٌ للسائلين﴾ مكانَ آية.
٨ - ﴿إِذْ قَالُوا﴾؛ أي: إن في شأن يوسف وإخوته لعبرة حين قالوا؛ أي: حِينَ قال بعض العشرة لبعضهم والله ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾ الشقيقُ بِنْيَامِينُ بكسر الباء وفتحها فاللام في ﴿لَيُوسُفُ﴾ موطئة (٢) للقسم كما قدرنا، أو لام الابتداء (٣)، وفيها تأكيد، وتحقيقٌ لمضمون الجملة، أرادوا أنَّ زيادة مَحَبَّتِهِ لهما أمر ثابت لا شبهة فيه، وإنما قالوا هو وأخوه، وهم إخوته أيضًا؛ لأنَّ أمَّهُمَا كانت واحدةً اسمها راحيلُ كما مرَّ فهو شَقِيقُه. والشقيق: الأخُ من الأب والأم. وقد يقال: للأخ من الأب، لأنَّه شَقَّ مَعَكَ ظهْرَ أبيك، وللأخ من الأم لأنه شق معك بطن أمك. وفي "القاموس": الشقيق كأمير الأخِ كأنه شقَّ نسَبُه من نسبه، انتهى. وإنما لم يذكر (٤) باسمه تلويحًا بأنَّ مدار المحبة إخوته ليوسف من الطرفين، الأب، والأم، فالمآل إلى زيادة الحُبِّ ليُوسُفَ ولذلك تعرضوا لقتله، وطرحه، ولم يتعرضوا لبنيامين. ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾؛ أي: أكْثرَ وأزيدُ مَحَبَّةً مِنَّا عند أبينا، وإنما قالوا هذه المقالَةَ: لأنه بلَغَتْهُم خَبر الرؤية، فأجمع رأيهُم على كيده. ﴿و﴾ الحال ﴿نحن عصبة﴾؛ أي: والحال أنَّا جماعةٌ قادرون على الحل والعقد قائمون بدفع المقاصد، والآفات مشتغلون بتحصيل المنافع، والخيرات، وقائمون بمصالح
(١) البحر المحيط.
(٢) الخازن.
(٣) النسفي وغيره.
(٤) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) النسفي وغيره.
(٤) روح البيان.
322
الأب، فنحن أحِقَّاءِ بزيادةِ المحبة منهما، لفضلنا بذلك، وبكوننا أَكْبَرَ سِنًّا، وما معنى اختيار صغيرين ضعيفين على العشرة الأقوياءِ. والعصبة والعصابة: العشرة من الرجال فصاعدًا كما سيأتي في مَبْحَثِ مفردات اللغة. وإنما قيل (١): أحبُّ بالإفراد في الاثنين؛ لأن أفعلَ منْ لا يُفرَّق فيه بين الواحد وما فوقه، ولا بَيْنَ المذكر والمؤنث، ولا بُدَّ من الفرق مع لام التعريف، وإذا أُضِيفَ جَازَ الأمران كما يُعرف من محله.
والمعنى (٢): أي إنَّ في شأنهم لعبرةً حين قالوا: ليوسُف وأخوه الشقيقُ بنيامينُ أحَبُّ إلَى أَبِينَا منا فهو يفضلهما علينا بمزيد محبة على صغرهما، وقليل نفعهما، ونحن رجال أشداء أقوياء، نَقُوم بكل ما يحتاج إليه من أسباب الرزق والكفاية.
﴿إِنَّ أَبَانَا﴾ في ترجيحهما علينا في المحبة مع فضلنا عليهما، وكونهما بمعزل من الكفاية، بالصغر، والقِلَّة ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: لفي خطأٍ بين ظاهر الحال بالنسبة إلى مصالح الدنيا، لا في الدين، وإلا لكفروا بذلك، نظروا إلى صورة يُوسُفَ، ولم يحيطوا علمًا بمعناه، فقالوا ما قالوا، ولم يعرفوا أنَّ يوسف أكبرُ منهم بحسب الحقيقة والمعنى؛ أي: إنَّ أبانا لقد أخطأ في إيثاره يوسفَ، وأخاه من أمه علينا بالمحبة، وهو قد ضَلَّ طريق العدل والمساواة ضلالًا بينًا لا يَخْفَى على أحد، فكيف يفضل غُلامَيْنِ ضعيفين لا يقومان له بخدمة نافعة على العصبة أولى القوة، والكسب، والحماية عن الذمار.
وفي الآية (٣): من العبرة وجوبُ عِناية الوَالِدَين بمداراة الأولاد، وتربيتهم على المحبة، واتقاءِ وقوع التحاسد والتباغض بينهم، واجتناب تفضيل بعضهم على بعض، بما يعده المفضول إهانةً له، ومحاباة لأخيه بِالهَوى. قال بعض (٤)
والمعنى (٢): أي إنَّ في شأنهم لعبرةً حين قالوا: ليوسُف وأخوه الشقيقُ بنيامينُ أحَبُّ إلَى أَبِينَا منا فهو يفضلهما علينا بمزيد محبة على صغرهما، وقليل نفعهما، ونحن رجال أشداء أقوياء، نَقُوم بكل ما يحتاج إليه من أسباب الرزق والكفاية.
﴿إِنَّ أَبَانَا﴾ في ترجيحهما علينا في المحبة مع فضلنا عليهما، وكونهما بمعزل من الكفاية، بالصغر، والقِلَّة ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: لفي خطأٍ بين ظاهر الحال بالنسبة إلى مصالح الدنيا، لا في الدين، وإلا لكفروا بذلك، نظروا إلى صورة يُوسُفَ، ولم يحيطوا علمًا بمعناه، فقالوا ما قالوا، ولم يعرفوا أنَّ يوسف أكبرُ منهم بحسب الحقيقة والمعنى؛ أي: إنَّ أبانا لقد أخطأ في إيثاره يوسفَ، وأخاه من أمه علينا بالمحبة، وهو قد ضَلَّ طريق العدل والمساواة ضلالًا بينًا لا يَخْفَى على أحد، فكيف يفضل غُلامَيْنِ ضعيفين لا يقومان له بخدمة نافعة على العصبة أولى القوة، والكسب، والحماية عن الذمار.
وفي الآية (٣): من العبرة وجوبُ عِناية الوَالِدَين بمداراة الأولاد، وتربيتهم على المحبة، واتقاءِ وقوع التحاسد والتباغض بينهم، واجتناب تفضيل بعضهم على بعض، بما يعده المفضول إهانةً له، ومحاباة لأخيه بِالهَوى. قال بعض (٤)
(١) النسفي.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.
323
العارفين: مَال يعقوبُ إلى يوسفَ لظهور كمال استعداده الكليِّ في رؤياه حين رَأى أحد عشرَ كَوْكبًا والشَّمْسَ والقمرَ له ساجدين، فَعَلِمَ أبوه من رؤياه أنه يَرِث أباه وجده، ويجمعُ استعداداتِ إخْوتِهِ، فكان يضمه كل ساعة إلى صدره، ولا يَصْبِرُ عنه فتَبالَغَ حَسَدُهم حتى حَمَلَهم على التعرُّض له.
وقيل: لأنَّ اللَّهَ تعالى أَرادَ ابتِلاَءَهُ بمحبته إليه في قلبه، ثمَّ غيَّبَهُ عنه ليكون البلاء أشدَّ عليه، لغيرة المحبة الإلَهية، إذ سلطان المحبة لا يقبل الشركة في ملكه، والجمالُ والكمال في الحقيقة لله تعالى، فلا يَحْتَجِبُ أحدٌ بما سواه، ولا كيد أشدَّ من كيد الولد. ألا ترى أنَّ نوحًا عليه السلام دَعَا على الكفار فأغْرَقهم الله تعالى، فلَم يَحْتَرق قَلْبُه، فلما بلغَ وَلدُه الغرقَ صاح ولم يصبر وقال: ﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾. قيل: وإنما خَصَّ (١) يعقوبُ يُوسُفَ بمزيد المحبة والشفقة؛ لأنَّ أُمهُ ماتَتْ وهو صغير، أو لأنه رَأَى فيه من آيات الرشد، والنجابة ما لم يره في سائر إخوته، أو لأنه وإن كانَ صغيرًا كان يخدم أباه بأنواع من الخدمة، أعلى مما كان يَصْدُر عن سائر الأولاد.
وكان (٢) بنيامين أصْغَرَ من يُوسُفَ فكان يعقوب يحبهما بسبب صغرهما، وموتِ أمهما، وحُبُّ الصغير، والشفقةُ عليه مركوز في فطرة البشر. وقيل لابنةِ الحسن: أي ابنيك أحبُّ إليك؟ قالت: الصغيرُ حتى يَكْبَرُ، والغائبُ حتى يَقدم، والمريضُ حتى يُفِيقَ. وقد نظم الشعراء في محبة الولد الصغير قديمًا وحديثًا، ومِنْ ذلك ما قاله الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري في قصيدته التي بَعَثَ بها إلى أولاده وهو في السجن:
وقيل: لأنَّ اللَّهَ تعالى أَرادَ ابتِلاَءَهُ بمحبته إليه في قلبه، ثمَّ غيَّبَهُ عنه ليكون البلاء أشدَّ عليه، لغيرة المحبة الإلَهية، إذ سلطان المحبة لا يقبل الشركة في ملكه، والجمالُ والكمال في الحقيقة لله تعالى، فلا يَحْتَجِبُ أحدٌ بما سواه، ولا كيد أشدَّ من كيد الولد. ألا ترى أنَّ نوحًا عليه السلام دَعَا على الكفار فأغْرَقهم الله تعالى، فلَم يَحْتَرق قَلْبُه، فلما بلغَ وَلدُه الغرقَ صاح ولم يصبر وقال: ﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾. قيل: وإنما خَصَّ (١) يعقوبُ يُوسُفَ بمزيد المحبة والشفقة؛ لأنَّ أُمهُ ماتَتْ وهو صغير، أو لأنه رَأَى فيه من آيات الرشد، والنجابة ما لم يره في سائر إخوته، أو لأنه وإن كانَ صغيرًا كان يخدم أباه بأنواع من الخدمة، أعلى مما كان يَصْدُر عن سائر الأولاد.
وكان (٢) بنيامين أصْغَرَ من يُوسُفَ فكان يعقوب يحبهما بسبب صغرهما، وموتِ أمهما، وحُبُّ الصغير، والشفقةُ عليه مركوز في فطرة البشر. وقيل لابنةِ الحسن: أي ابنيك أحبُّ إليك؟ قالت: الصغيرُ حتى يَكْبَرُ، والغائبُ حتى يَقدم، والمريضُ حتى يُفِيقَ. وقد نظم الشعراء في محبة الولد الصغير قديمًا وحديثًا، ومِنْ ذلك ما قاله الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري في قصيدته التي بَعَثَ بها إلى أولاده وهو في السجن:
وَصَغِيْرُكُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ فَإنَّنِي | أَطْوِيْ لِفُرْقَتِهِ جَوَى لَمْ يَصْغُرِ |
ذَاكَ المُقَدَّمُ في الْفُؤَادِ وَإِنْ غَدَا | كُفُؤًا لَكُمْ في الْمُنْتَمَى وَالْعُنْصُرِ |
إنَّ الْبَنَانَ الْخَمْسَ أَكْفَاءٌ مَعًا | وَالْحِلْيُ دُوْنَ جَمِيْعِهَا لِلْخِنْصَرِ |
وَإِذَا الْفَتَى بَعْدَ الشَّبَابِ سَمَا لَهُ | حُبُّ الْبَنِيْنِ وَلاَ كَحُبِّ الأَصْغَرِ |
(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
324
فإن قلت (١): والذي فَعَلَه إخوة يوسُفَ بيُوسُفَ هو محض الحسد، والحسدُ من أمهات الكبائر، وكذلك نسبةُ أبيهم إلى الضلال، هو مَحْضُ العقوق، وهو من الكبائر أيضًا، وكُلُّ ذلك قادحٌ في عصمة الأنبياء، فما الجواب عنه؟
قلت: هذه الأفعالُ إنَّمَا صدرت من إخوة يوسف قبل ثبوت النبوة لهم، والمعتبر في عصمة الأنبياء هو وَقْتُ حصول النبوة لا قبلها. وقيل: كانوا وَقْتَ هذه الأفعال مُراهِقينَ غَيْرَ بالغين، ولا تكليفَ عليهم قبل البلوغ، فعلى هذا لم تكن هذه الأفعالُ قادحة في عصمة الأنبياء، ولكنَّ هذا القول ليسَ بصحيح بدليل قولهم: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾. قال في "الكواشي" (٢): لا وَقْفَ من السائلين إلى صالحينَ؛ لأن الكلامَ جملة محكية عنهم، انتهى؛ أي: للتعلق المعنويِّ بَيْنَ مقدم الكلام، ومؤخره إلَّا أن يكونَ مضطرًا بأن يَنْقَطِعَ نَفَسُهُ، فحينئذ يجب عليه أن يَرجع إلى ما قبله، ويوصل الكلامَ بعضَه ببعض، فإن لم يفعل أثِمَ كما في بعض شروح الجزري، وقرىء: (مبين)
٩ - ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ بكسر وضم، والمشهورُ: الكسر وَجْهُ الضم التبعية لعين الكلمة، وهي مضمومة؛ أي: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض اقتلوا يوسف حتى لا يَكُونَ لأبيه أمَلٌ في لقائه ﴿أَوِ اطْرَحُوهُ﴾؛ أي: أو انْبُذُوه في أرض منكورة (٣) مجهولة بعيدة عن العمران، لِيَهْلِكَ فيها أو يأكلَه السباع، وهو معنى تنكيرها وإبهامها لا أنَّ معناه أيُّ أرض كانت، ولذلك نُصِبَتْ نَصْبَ الظروف المبهمة، وهي ما لَيْسَ له حدود تحصره، ولا أقطارٌ تُحْوِيه. وفيه إشارة إلَى أنَّ التَّغْرِيبَ يُسَاوِي القَتْلَ كمَا في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾؛ أي: اطرحوه في أرض بعيدة عن العمران بحيث لا يهتدي إلى العودة إلى أبيه، إنْ هو سَلِمَ من الهلاك. ﴿يَخْلُ﴾ على الجزم في جواب الأمر؛ أي: يَخْلُص ﴿لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ من شغله بيوسف، فيقبل عليكم بكليته، ولا يَلْتَفِتْ عنكم إلى غيركم، وتتوفر محَبَّتُه فيكم، فَذِكْرُ الوجه لتصوير معنى إقبالِه عليهم؛ لأن الرجل إذا أقبل على الشيء أقبل بوجهه؛ ويجوز أن يُرادَ
قلت: هذه الأفعالُ إنَّمَا صدرت من إخوة يوسف قبل ثبوت النبوة لهم، والمعتبر في عصمة الأنبياء هو وَقْتُ حصول النبوة لا قبلها. وقيل: كانوا وَقْتَ هذه الأفعال مُراهِقينَ غَيْرَ بالغين، ولا تكليفَ عليهم قبل البلوغ، فعلى هذا لم تكن هذه الأفعالُ قادحة في عصمة الأنبياء، ولكنَّ هذا القول ليسَ بصحيح بدليل قولهم: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾. قال في "الكواشي" (٢): لا وَقْفَ من السائلين إلى صالحينَ؛ لأن الكلامَ جملة محكية عنهم، انتهى؛ أي: للتعلق المعنويِّ بَيْنَ مقدم الكلام، ومؤخره إلَّا أن يكونَ مضطرًا بأن يَنْقَطِعَ نَفَسُهُ، فحينئذ يجب عليه أن يَرجع إلى ما قبله، ويوصل الكلامَ بعضَه ببعض، فإن لم يفعل أثِمَ كما في بعض شروح الجزري، وقرىء: (مبين)
٩ - ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ بكسر وضم، والمشهورُ: الكسر وَجْهُ الضم التبعية لعين الكلمة، وهي مضمومة؛ أي: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض اقتلوا يوسف حتى لا يَكُونَ لأبيه أمَلٌ في لقائه ﴿أَوِ اطْرَحُوهُ﴾؛ أي: أو انْبُذُوه في أرض منكورة (٣) مجهولة بعيدة عن العمران، لِيَهْلِكَ فيها أو يأكلَه السباع، وهو معنى تنكيرها وإبهامها لا أنَّ معناه أيُّ أرض كانت، ولذلك نُصِبَتْ نَصْبَ الظروف المبهمة، وهي ما لَيْسَ له حدود تحصره، ولا أقطارٌ تُحْوِيه. وفيه إشارة إلَى أنَّ التَّغْرِيبَ يُسَاوِي القَتْلَ كمَا في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾؛ أي: اطرحوه في أرض بعيدة عن العمران بحيث لا يهتدي إلى العودة إلى أبيه، إنْ هو سَلِمَ من الهلاك. ﴿يَخْلُ﴾ على الجزم في جواب الأمر؛ أي: يَخْلُص ﴿لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ من شغله بيوسف، فيقبل عليكم بكليته، ولا يَلْتَفِتْ عنكم إلى غيركم، وتتوفر محَبَّتُه فيكم، فَذِكْرُ الوجه لتصوير معنى إقبالِه عليهم؛ لأن الرجل إذا أقبل على الشيء أقبل بوجهه؛ ويجوز أن يُرادَ
(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
بالوجه الذات؛ أي: يَخْلُ (١) لكم وجه أبيكم من شغله بيُوسُفَ، فيكن كل توجهه إليكم، وكُل إقباله عليكم بعد أن تخلو الديار ممن يَشْغَلُهُ عنكم ويشارككم في عطفه وحبه، ﴿وَتَكُونُوا﴾ بالجزم عطفًا على يخل ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ أي من بعد الفراغ من أمره؛ أي: وتكونوا من بعد قتله أو تغريبه في أرض بعيدة ﴿قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ صَلُحَتْ حالكم عند أبيكم، أو تائبين إلى الله مما جئتم به، مُصْلِحِين لأعمالكم، بما يكفر إثمها مع عدم التصدِّي لمثلها، وبذا يَرْضَى عنكم أبوكم، ويرضى عنكم ربكم.
١٠ - ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من إخوة يوسف، وهو يهوذا. وقال قتادة: هو روبيل، وهو ابن خالته، وكَانَ أكْبَرُهُم سِنًّا، وأحسنهم رَأْيًا فيه. ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ نهاهم عن قتله، وقال: القتل كبيرة عظيمة، والأصح أنَّ قائلَ هذه المقالة هو: يهوذا؛ لأنه كان أقربهم إليه سِنًّا. ﴿وَأَلْقُوهُ﴾؛ أي: اطرحوا يُوسُفَ ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾؛ أي: في أسفل الجب، والبئر، وقعرها، وظلمتها، والغيَابَةُ: كل موضع سَتَرَ شَيْئًا، وغَيَّبَهُ عن النظر، والجُبُّ: البئرُ الكبيرة غير مطوية بالحجارة. سُمِّيَ بذلك، لأنه جُبَّ: أي: قطع، ولم يطو، وغيابته: ما يغيب عن رؤية البصر من قعره. وأفاد ذكر الغيابةَ مع ذكر الجب أن المشيرَ أشار بطرحه في موضع من الجبِّ مظلم لا يراه أحد. وقرأ (٢) الجمهور: ﴿غَيابة﴾ على الإفراد، ونافع: ﴿غيابات﴾ على الجمع، وابن هرمز: ﴿غَيَّابَاتٍ﴾ بالتشديد والجمع؛ وقرأ الحسن: (في غَيبَةِ) على صيغة المصدر. واختلفوا (٣) في مكان ذلك الجب. فقال قتادة هو: بئرُ بيت المقدس، وقال وهب: هو في أرض الأُردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب، وقيل: بين مدين، ومصر، وإنما عَيَّنوا ذلك الجُبِّ للعلةِ التي ذكروها، وهي قولهم: ﴿يَلْتَقِطْهُ﴾. وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبو رجاء: ﴿تلتقطه﴾ بتاء التأنيث أنث على المعنى؛ أي: تأخذه على وجه الصيانة من الضياع والتلف. فإن الالتقاط أخذ شيء مشرف على الضياع. {بَعْضُ
١٠ - ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من إخوة يوسف، وهو يهوذا. وقال قتادة: هو روبيل، وهو ابن خالته، وكَانَ أكْبَرُهُم سِنًّا، وأحسنهم رَأْيًا فيه. ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ نهاهم عن قتله، وقال: القتل كبيرة عظيمة، والأصح أنَّ قائلَ هذه المقالة هو: يهوذا؛ لأنه كان أقربهم إليه سِنًّا. ﴿وَأَلْقُوهُ﴾؛ أي: اطرحوا يُوسُفَ ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾؛ أي: في أسفل الجب، والبئر، وقعرها، وظلمتها، والغيَابَةُ: كل موضع سَتَرَ شَيْئًا، وغَيَّبَهُ عن النظر، والجُبُّ: البئرُ الكبيرة غير مطوية بالحجارة. سُمِّيَ بذلك، لأنه جُبَّ: أي: قطع، ولم يطو، وغيابته: ما يغيب عن رؤية البصر من قعره. وأفاد ذكر الغيابةَ مع ذكر الجب أن المشيرَ أشار بطرحه في موضع من الجبِّ مظلم لا يراه أحد. وقرأ (٢) الجمهور: ﴿غَيابة﴾ على الإفراد، ونافع: ﴿غيابات﴾ على الجمع، وابن هرمز: ﴿غَيَّابَاتٍ﴾ بالتشديد والجمع؛ وقرأ الحسن: (في غَيبَةِ) على صيغة المصدر. واختلفوا (٣) في مكان ذلك الجب. فقال قتادة هو: بئرُ بيت المقدس، وقال وهب: هو في أرض الأُردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب، وقيل: بين مدين، ومصر، وإنما عَيَّنوا ذلك الجُبِّ للعلةِ التي ذكروها، وهي قولهم: ﴿يَلْتَقِطْهُ﴾. وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبو رجاء: ﴿تلتقطه﴾ بتاء التأنيث أنث على المعنى؛ أي: تأخذه على وجه الصيانة من الضياع والتلف. فإن الالتقاط أخذ شيء مشرف على الضياع. {بَعْضُ
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.
326
السَّيَّارَةِ}؛ أي: بعض طائفة تسير في الأرض. والسيارة جماعة المسافرين الذين يسيرون في الأرض من مكان إلى آخر للتجارة أو غيرها، وذلك أنَّ هذا الجبَّ كَانَ مَعروفًا يرد عليه كثير من المسافرين؛ أي: يأخذه بعض المسافرين، فيذهب به إلى ناحية أخرى، فتستريحون منه ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ بمشورتي، ولم يقطع القول عليهم، بل إنما عَرَضَ عليهم ذلِكَ تَأْلِيفًا لقلبهم، وحذرًا من نسبتهم له إلى الافتيات؛ أي: الاستبداد، والتفرد به. وفيه (١): إشارة إلى ترك الفعل، فكَأنَّه قال: لا تَفْعَلُوا شيئًا من ذلك، وإن عزمتم على إزالتِهِ من عند أبيه ولا بُدَّ فَافْعَلُوا هذا القدرَ؛ أي: إلقاءَه في البئر، والأولى أن لا تفعلوا شيئًا من القتل والتغريب.
وحاصل المعنى (٢): أي: قال قائل منهم: وهو رُوبيل، أو يهوذا، لا تقتلوا يوسفَ، وألقوه في قعر البئر، حيث يَغِيبُ خبره، فيلتقطه بعض المسافرين، ويأخذوه إلى حيث ساروا في الأقطار البعيدة، وبذا يَتِمُّ لكم ما تريدون، وهو إبعاده عن أبيه، إن كنتم فاعلينَ ما هو المقصدُ لكم بالذات إذ لا شكَّ أن قَتْلَهُ لا يَعْنيكم لذاته، فَعَلام تُسْخِطُون خَالِقَكُم باقتراف جريمة القتل، والغرض يَتِمُّ بدونها.
قال محمَّد بن إسحاق (٣): اشتمل فِعْلُهُم هذا على جرائمَ كثيرةً من قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له، والغدر بالأمانة، وترك العهد، والكذب مع أبيهم، وعفا الله عن ذلك كُلِّه، حتى لا ييأس أحدٌ من رحمة الله تعالى. وقال بعض أهل العلم: عَزَمُوا على قتله، وعَصَمَهُم الله تعالى رحمةً بهم، ولو فعلوا ذلك لَهَلَكُوا جميعًا، وكل ذلك كَانَ قَبْلَ أنْ نَبَّأهم اللَّهُ تعالى كما مر. فانظر إلى هؤلاء الإخوان الذين أَرْحَمُهُم له لا يَرْضى إلا بإلقاء يوسف في أسفل الجب، وهكذا إخوانُ الزمان، وأبناؤُه، فإنَّ ألسنتهم دائرة بكل شر، ساكتةٌ عن كل خير.
فلما أجمعوا على التفريق بين يوسف، وبين والده بضرب من الحِيَل،
وحاصل المعنى (٢): أي: قال قائل منهم: وهو رُوبيل، أو يهوذا، لا تقتلوا يوسفَ، وألقوه في قعر البئر، حيث يَغِيبُ خبره، فيلتقطه بعض المسافرين، ويأخذوه إلى حيث ساروا في الأقطار البعيدة، وبذا يَتِمُّ لكم ما تريدون، وهو إبعاده عن أبيه، إن كنتم فاعلينَ ما هو المقصدُ لكم بالذات إذ لا شكَّ أن قَتْلَهُ لا يَعْنيكم لذاته، فَعَلام تُسْخِطُون خَالِقَكُم باقتراف جريمة القتل، والغرض يَتِمُّ بدونها.
قال محمَّد بن إسحاق (٣): اشتمل فِعْلُهُم هذا على جرائمَ كثيرةً من قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له، والغدر بالأمانة، وترك العهد، والكذب مع أبيهم، وعفا الله عن ذلك كُلِّه، حتى لا ييأس أحدٌ من رحمة الله تعالى. وقال بعض أهل العلم: عَزَمُوا على قتله، وعَصَمَهُم الله تعالى رحمةً بهم، ولو فعلوا ذلك لَهَلَكُوا جميعًا، وكل ذلك كَانَ قَبْلَ أنْ نَبَّأهم اللَّهُ تعالى كما مر. فانظر إلى هؤلاء الإخوان الذين أَرْحَمُهُم له لا يَرْضى إلا بإلقاء يوسف في أسفل الجب، وهكذا إخوانُ الزمان، وأبناؤُه، فإنَّ ألسنتهم دائرة بكل شر، ساكتةٌ عن كل خير.
فلما أجمعوا على التفريق بين يوسف، وبين والده بضرب من الحِيَل،
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
327
١١ - ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال إخْوَةُ يُوسُفَ لأبيهم يعقوب ﴿يَا أَبَانَا﴾ خاطبوه بذلك تحريكًا لسلسلة النسب بينه وبينهم، وتذكيرًا لرابطة الأخوة بينهم وبين يوسف، ليتَسَبَّبُوا بذلك إلى استنزاله عن رأيه في حفظه منهم، لما أحسَّ منهم بأمارات الحسد والبَغْيِ، فكأنهم قالوا: ﴿مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا﴾؛ أي: أي عُذْر لك في ترك الأمن؛ أي: في الخوف ﴿عَلَى يُوسُفَ﴾ مع أنك أبونا، ونحن بنوك، وهو أخونا. وجملة قوله: ﴿لَا تَأْمَنَّا﴾ حال من معنى الفعل في ﴿مَا لَكَ﴾ كما تقول: ما لك قائمًا بمعنى: ما تصنع قائمًا. والاستفهام فيه للاستخبار والتقرير.
وهذا الكلام مبني على مقدمات محذوفةٍ، وذلك أنهم قالوا أوَّلًا لِيُوسُفَ اخْرُج معنا إلى الصحراءِ إلى مواشينا، فنستبق ونَصيدُ، وقالوا له: سَلْ أباك أن يُرْسِلَكَ معنا، فسأله فتوقف يعقوبُ فقالوا له: ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾؛ أي: أي شيء ثَبَتَ لكَ لا تَجْعَلُنا أُمَنَاءَ عليه مع أنه أخونا، وأنك أبونا، ونحن بَنُوكَ ﴿و﴾ الحال ﴿إنا له لناصحون﴾؛ أي: لعاطفون عليه، قائمون بمصلحته، وبحفظه؛ أي: هم أظهروا عند أبيهم، أنهم في غاية المحبة ليوسف، وفي غاية الشفقة عليه، والجملة حال من مفعول ﴿لَا تَأْمَنَّا﴾؛ أي: والحال إنَّا لمريدون له الخير، ومشفقون عليه، ليس فينا ما يخلُّ بالنصيحة والمِقَةِ. وقرأ (١) زيد بن علي، وأبو جعفر، والزهري وعمرو بن عبيد، بإدغام نون (تأمن) في نون الضمير من غير إشمام. وقَرأ الجمهور بالإدغام والإشمام للضم، وعنهم إخفاء الحركة فلا يَكُونُ إدغامًا مَحْضًا. وقرأ ابن هرمز بضم الميم فتكون الضمة منقولَةٌ إلى الميم من النون الأولى بعد سلب الميم حركتَها، وإدغام النون في النون. وقرأ أُبي والحسنُ وطلحةُ بن مصرف، والأعمش: (لا تأمننا) بالإظهار، وضم النون على الأصل، وخط المصحف بنون واحدة. وقرأ ابن وثاب، وأبو رَزِين شذوذًا: (لا تِيْمُنَّا) على لغة تميم، وسَهَّل الهمزةَ بعد الكسرة ابن وثاب.
١٢ - وفي قوله: ﴿أَرْسِلْهُ﴾ دليل على أنه كان يمسكه ويصحبه دائمًا؛ أي: أرسله ﴿مَعَنَا غَدًا﴾ إلى الصحراء ﴿يَرْتَعْ﴾؛ أي: نتسع في أكل الفواكه، ونحوها؛ فإنَّ
وهذا الكلام مبني على مقدمات محذوفةٍ، وذلك أنهم قالوا أوَّلًا لِيُوسُفَ اخْرُج معنا إلى الصحراءِ إلى مواشينا، فنستبق ونَصيدُ، وقالوا له: سَلْ أباك أن يُرْسِلَكَ معنا، فسأله فتوقف يعقوبُ فقالوا له: ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾؛ أي: أي شيء ثَبَتَ لكَ لا تَجْعَلُنا أُمَنَاءَ عليه مع أنه أخونا، وأنك أبونا، ونحن بَنُوكَ ﴿و﴾ الحال ﴿إنا له لناصحون﴾؛ أي: لعاطفون عليه، قائمون بمصلحته، وبحفظه؛ أي: هم أظهروا عند أبيهم، أنهم في غاية المحبة ليوسف، وفي غاية الشفقة عليه، والجملة حال من مفعول ﴿لَا تَأْمَنَّا﴾؛ أي: والحال إنَّا لمريدون له الخير، ومشفقون عليه، ليس فينا ما يخلُّ بالنصيحة والمِقَةِ. وقرأ (١) زيد بن علي، وأبو جعفر، والزهري وعمرو بن عبيد، بإدغام نون (تأمن) في نون الضمير من غير إشمام. وقَرأ الجمهور بالإدغام والإشمام للضم، وعنهم إخفاء الحركة فلا يَكُونُ إدغامًا مَحْضًا. وقرأ ابن هرمز بضم الميم فتكون الضمة منقولَةٌ إلى الميم من النون الأولى بعد سلب الميم حركتَها، وإدغام النون في النون. وقرأ أُبي والحسنُ وطلحةُ بن مصرف، والأعمش: (لا تأمننا) بالإظهار، وضم النون على الأصل، وخط المصحف بنون واحدة. وقرأ ابن وثاب، وأبو رَزِين شذوذًا: (لا تِيْمُنَّا) على لغة تميم، وسَهَّل الهمزةَ بعد الكسرة ابن وثاب.
١٢ - وفي قوله: ﴿أَرْسِلْهُ﴾ دليل على أنه كان يمسكه ويصحبه دائمًا؛ أي: أرسله ﴿مَعَنَا غَدًا﴾ إلى الصحراء ﴿يَرْتَعْ﴾؛ أي: نتسع في أكل الفواكه، ونحوها؛ فإنَّ
(١) البحر المحيط.
328
الرَّتْع هو الاتساع في الملاذِّ ﴿وَيَلْعَبْ﴾ بالاستباق، والانتضال تمرينًا لقتال الأعداءِ وبالإقدام على المباحات، لأجل انشراح الصدر لا للهو، وإنما سموه لعبًا لكونه على صُورته. قال (١) أبو الليث: لم يريدوا به اللعبَ الذي هو منهي عنه، وإنما أرادوا به المطايبة في المزاج في غير مأثم. وفيه دليل على أنه لا بأس بالمطايبة والتفرج. ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ من أَنْ يَنَالَهُ مكروه؛ أي: نجتهد في حفظه غَايَةَ الاجتهاد حَتَّى نرده إليك سالمًا.
والمعنى (٢): أي أرسله مَعَنَا غَدَاةَ غدٍ حين نخرج كعادتنا إلى المَرْعَى في الصحراء، يشاركنا في الرياضة والأنس والسرور، وأكل الفواكه، والبقول، وغيرهما مما يَطِيبُ، وقد كان أكثر لعب أهل البادية السباقَ، والصراعَ والرَّمْىَ بالعصا، والسهام إن وجدت، وإنا لحافظوه من كل أذى يُصيبه. وقرأ (٣) الجمهور: ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ بالياء والجزم. وابن عامر، وابن كثير، وأبو عمرو بالنون، والجزم وكسر العين الحرميان، نافع وابن كثير. واختلف عن قنبل في إثبات الياء وحَذفِها. وروي عن ابن كثير: ﴿ويلعب﴾ بالياء وهي قراءةُ جعفر بن محمَّد. وقرأ العلاء بن سيابة: ﴿يرتع﴾ بالياء، وكسر العين مجزومًا محذوفَ اللام ﴿وَيَلْعَبْ﴾ بالياء، وضمَّ الباء خَبرَ مبتدأ محذوف؛ أي: وهو يلعبُ. وقرأ مجاهد، وقتادة، وابنُ مُحَيْصِن بنون مضمومة مأخوذ من أرتعنا، ﴿ونَلْعَب﴾ بالنون وكذلك أبو رجاء إلا أنه بالياء فيهما ﴿يرتع ويلعب﴾ والقراءتان على حذف المفعول أي يرتع المواشي شيء أو غيرها، وقرأ النخعي ﴿نرتع﴾ بنون ﴿ويلعب﴾. بياء بإسنادِ اللعب إلى يوسف وحدَه لصباه، وكذلك جاء عن أبي إسحاق ويعقوب. وكل هذه القراءات الفعلان فِيهَا مبنيان للفاعل. وقرأ زيد بن علي: ﴿يُرْتَع ويُلْعَب﴾ بضم الياءين مبنيًّا للمفعول، ويخرِّجها على أنه أضمر المفعول الذي لم يُسَمَّ فاعله، وهو ضمير غَدٍ، وكان أصله يرتع فيه، ويلْعَبُ فيه، ثم حذفَ واتسعَ فعُدِّيَ الفِعْلُ للضمير، فكان التقدير: يرتَعُهُ ويلعَبُهُ، ثمّ بَنَاهُ للمفعول فاستكن الضمير الذي كَانَ
والمعنى (٢): أي أرسله مَعَنَا غَدَاةَ غدٍ حين نخرج كعادتنا إلى المَرْعَى في الصحراء، يشاركنا في الرياضة والأنس والسرور، وأكل الفواكه، والبقول، وغيرهما مما يَطِيبُ، وقد كان أكثر لعب أهل البادية السباقَ، والصراعَ والرَّمْىَ بالعصا، والسهام إن وجدت، وإنا لحافظوه من كل أذى يُصيبه. وقرأ (٣) الجمهور: ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ بالياء والجزم. وابن عامر، وابن كثير، وأبو عمرو بالنون، والجزم وكسر العين الحرميان، نافع وابن كثير. واختلف عن قنبل في إثبات الياء وحَذفِها. وروي عن ابن كثير: ﴿ويلعب﴾ بالياء وهي قراءةُ جعفر بن محمَّد. وقرأ العلاء بن سيابة: ﴿يرتع﴾ بالياء، وكسر العين مجزومًا محذوفَ اللام ﴿وَيَلْعَبْ﴾ بالياء، وضمَّ الباء خَبرَ مبتدأ محذوف؛ أي: وهو يلعبُ. وقرأ مجاهد، وقتادة، وابنُ مُحَيْصِن بنون مضمومة مأخوذ من أرتعنا، ﴿ونَلْعَب﴾ بالنون وكذلك أبو رجاء إلا أنه بالياء فيهما ﴿يرتع ويلعب﴾ والقراءتان على حذف المفعول أي يرتع المواشي شيء أو غيرها، وقرأ النخعي ﴿نرتع﴾ بنون ﴿ويلعب﴾. بياء بإسنادِ اللعب إلى يوسف وحدَه لصباه، وكذلك جاء عن أبي إسحاق ويعقوب. وكل هذه القراءات الفعلان فِيهَا مبنيان للفاعل. وقرأ زيد بن علي: ﴿يُرْتَع ويُلْعَب﴾ بضم الياءين مبنيًّا للمفعول، ويخرِّجها على أنه أضمر المفعول الذي لم يُسَمَّ فاعله، وهو ضمير غَدٍ، وكان أصله يرتع فيه، ويلْعَبُ فيه، ثم حذفَ واتسعَ فعُدِّيَ الفِعْلُ للضمير، فكان التقدير: يرتَعُهُ ويلعَبُهُ، ثمّ بَنَاهُ للمفعول فاستكن الضمير الذي كَانَ
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
329
منصوبًا لكونه ناب عن الفاعل.
١٣ - ﴿قَالَ﴾؛ أي: قالَ يَعْقُوبُ مُجِيبًا لهم: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا﴾؛ أي: لَيُؤْلِمُ قَلْبي ذَهابُكُم به؛ لأني لا أصْبِرُ عنه ساعة ﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ لكثرة الذئب في تلك الأرض ﴿وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ لاشتغالكم بالاتساع في الملاذ وبنحو التناضل.
واللام (١) في قوله: ﴿لَيَحْزُنُنِي﴾ لام الابتداء، فإن قيل: لام الابتداء تُخَلِّصُ المضارعَ للحال عند جمهور النحاة، والذهابُ ههنا مستقبل، فيلزم تقدم الفعل على فاعله، مع أنه أَثَرُه.. قلنا: إنَّ التَّقْدِيرَ قصد أن تذهبوا به، والقصد حال، أو تصورُ ذَهابكم، وتوقعه، والتصور موجود في الحال، كما في العِلَّةِ الغائية، والحزن ألم القلب بفوت المحبوب، والخوف انزعاجُ النفس لنزول المكروه، ولذلك أسند الأولَ إلى الذهاب به المفوِّت لاستمرار مصاحبته، ومُوَاصلته ليوسف. والثاني: إلى ما يتوقع نزوله من أكل الذئب.
ورُوِي أنَّه رأى في المنام كأنه على رأس جبل، ويوسف في صحراء فَهَجَمَ عليه أحد عَشَرَ ذِئْبًا، فغاب يُوسُفُ بينهن، ولذا حَذَّرَهم من أكل الذئب، ومَع ذلك فَقد دَفَعَهُ إلى إخوته؛ لأنه إذا جاء القَدَرُ عَمِيَ البَصَرُ.
والحاصل (٢): أن يعقوبَ اعتذرَ لهم بشيئين:
أحدهما: عاجل في الحال، وهو ما يَلْحَقه من الحزن لمفارقته، وكان لا يصبر عَنْهُ.
والثاني: خوفه عليه من الذئب إنْ غفلوا عنه برعيهم ولعبهم، أو بقلَّةِ اهتمامهم بحفظه، وعنايتهم، فيأكله ويَحْزُن عليه الحُزْنَ المؤبَّد. وخصَّ الذِّئبَ لأنه كان السَّبُع الغالب على قطره، أو لصِغَر يُوسُفَ، فخافَ عليه هذا السَّبعَ الحقير، وكان تنبيهًا على خوفه عليه، ما هو أعظم افتراسًا ولحقارة الذئب، خصَّهُ الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يَخْشَاهُ لَمَّا بَلَغَ مِنَ السِّنِّ:
١٣ - ﴿قَالَ﴾؛ أي: قالَ يَعْقُوبُ مُجِيبًا لهم: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا﴾؛ أي: لَيُؤْلِمُ قَلْبي ذَهابُكُم به؛ لأني لا أصْبِرُ عنه ساعة ﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ لكثرة الذئب في تلك الأرض ﴿وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ لاشتغالكم بالاتساع في الملاذ وبنحو التناضل.
واللام (١) في قوله: ﴿لَيَحْزُنُنِي﴾ لام الابتداء، فإن قيل: لام الابتداء تُخَلِّصُ المضارعَ للحال عند جمهور النحاة، والذهابُ ههنا مستقبل، فيلزم تقدم الفعل على فاعله، مع أنه أَثَرُه.. قلنا: إنَّ التَّقْدِيرَ قصد أن تذهبوا به، والقصد حال، أو تصورُ ذَهابكم، وتوقعه، والتصور موجود في الحال، كما في العِلَّةِ الغائية، والحزن ألم القلب بفوت المحبوب، والخوف انزعاجُ النفس لنزول المكروه، ولذلك أسند الأولَ إلى الذهاب به المفوِّت لاستمرار مصاحبته، ومُوَاصلته ليوسف. والثاني: إلى ما يتوقع نزوله من أكل الذئب.
ورُوِي أنَّه رأى في المنام كأنه على رأس جبل، ويوسف في صحراء فَهَجَمَ عليه أحد عَشَرَ ذِئْبًا، فغاب يُوسُفُ بينهن، ولذا حَذَّرَهم من أكل الذئب، ومَع ذلك فَقد دَفَعَهُ إلى إخوته؛ لأنه إذا جاء القَدَرُ عَمِيَ البَصَرُ.
والحاصل (٢): أن يعقوبَ اعتذرَ لهم بشيئين:
أحدهما: عاجل في الحال، وهو ما يَلْحَقه من الحزن لمفارقته، وكان لا يصبر عَنْهُ.
والثاني: خوفه عليه من الذئب إنْ غفلوا عنه برعيهم ولعبهم، أو بقلَّةِ اهتمامهم بحفظه، وعنايتهم، فيأكله ويَحْزُن عليه الحُزْنَ المؤبَّد. وخصَّ الذِّئبَ لأنه كان السَّبُع الغالب على قطره، أو لصِغَر يُوسُفَ، فخافَ عليه هذا السَّبعَ الحقير، وكان تنبيهًا على خوفه عليه، ما هو أعظم افتراسًا ولحقارة الذئب، خصَّهُ الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يَخْشَاهُ لَمَّا بَلَغَ مِنَ السِّنِّ:
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
وَالذِّئْبُ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ | وَحْدِيْ وَأَخْشَىُ الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا |
١٤ - ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال إخوة يوسف لأبيهم، والله ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾؛ أي: لئن أكَلَ يوسفَ الذئب، واختَطَفَهُ من بيننا في الصحراء ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾؛ أي: والحال إنَّا جماعة شديدةُ البأس، عشرة رجال تُكْفى بنا الخطوب، وتُدْفَع بنا مهمات الأمور ﴿إِنَّا إِذًا﴾؛ أي: إذ عَجَزْنَا عن حفظ أخينا ﴿لَخَاسِرُونَ﴾؛ أي: لهالكون (١) ضَعْفًا، وخورًا، وعجزًا، ولا غناءَ عندنا، ولا نَفْعَ ولا ينبغي أن يعتدَّ بِنَا، ويُرْكَنَ إلينا. وفي "الكواشي": مغبونون بترك حرمة الوالد، والأخ، وإنما اقتصروا على جواب خوفه على يوسف من أكل الذئب، ولم يجيبوا عن الاعتذار الأول الذي هو الحُزْنُ لأنه السبب القوي في المنع دونَ الحُزْنِ لِقِصَرِ مدَّته، بناء على أنهم يأتون به عن قَرِيبٍ.
وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه قال: لا ينبغي للرجل أن يلقن الخصم الحجةَ؛ لأنَّ إخوةَ يُوسُفَ كَانُوا لا يعلمونَ أنَّ الذِّئْبَ يأكل الناسَ، إلى أن قالَ ذلك يعقوب، ولقنهم العلة في كيد يوسف. وفي الحديث: "البلاء مُوكَّلٌ بالمنطق، ما قال عبد لشيءٍ والله لا أفعله، إلَّا تَرَك للشيطان كل شيء فَولِعَ حتى يُوشِمَه". يُحْكَى أنَّ ابنَ السِّكِّيت من أئمة اللغة جَلَس مع المتوكل يومًا فجاء المعتزُّ والمؤيد ابنا المتوكل، فقال: أيهما أحبُّ إليك ابناي أم الحَسَنُ والحُسَيْنُ؟ قال: والله إنَّ قنبر خَادِمَ عليٍّ رضي الله عنه خَيرٌ منك، ومن ابنَيْك، فقال: سلوا
(١) روح البيان.
لِسَانه منْ قفاه، ففَعَلوا، فمات في تلك الليلة. ومِنَ العَجَبِ أنه أنشد قَبْلَ ذلك إلى المعتزِّ والمؤيد، وكان يعلِّمُهما فقال:
١٥ - قوله: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ﴾ مرتب على محذوف تقديره: ولما رَأَى يعقوب إلحاحَ إخوة يوسف في خروجه معهم إلى الصحراء، ومبالغتهم في العهد، واليمين، ورَأَى أيضًا ميل يوسف إلى التفرج، والتنزه معهم رضِيَ بالقضاء، فأرسله معهم. وهذا (١) المقدر معطوف على قوله سابقًا: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَع﴾ إلخ. قال الحسن: كان بين خروج يُوسُفَ من حجر أبيه إلى يوم التلاقي ثَمانُون سنة، لم تجفَّ فيها عَيْنا يعقوب، وما على الأرض أكْرَمُ على الله منه، اهـ خازن؛ أي: فلمَّا ذهبوا به من عند يعقوب ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ﴾؛ أي: عَزَمُوا، واتفقوا على أن يلقوه ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾؛ أي: في قَعْرِ البئر، وأسفلِه، وظلمته. وكان (٢) على ثلاثة فراسخَ من منزل يعقوب بكنعان، التي هي من نواحي الأردن، حَفَره شداد حين عَمَر بلاد الأردن، وكَانَ أعلاه ضَيِّقًا، وأسفله وَاسِعًا. وجواب (لمَّا) محذوف تقديره: فعلوا به ما فعلوا من الإذاية. وقيل: جوابه: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾. وقيل: يكون تقدير الجواب جَعَلُوه فيها. وقيل: الجوابُ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ و ﴿الواو﴾ مقحمة ومثلُه قَوْلُه: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ﴾؛ أي: ناديناه ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾؛ أي: وأوحينا إلى يوسف في الجب إزالةً لوحشته عن قلبه، وتبشيرًا له بما يؤول إليه أمره، وكَانَ ابنَ سبع سنين أو دونها. فاجتمع (٣) مع كونه صغيرًا على إنزال الضرر به، عشرة رجال من إخوته بقلوب غليظة، قد نُزِعَتْ عنها الرحمة، وسلِبَتْ منها الرأفة، فإنَّ الطبعَ البشريَّ - دَعْ عنْكَ الدِّينَ - يتجاوز عن ذنب الصغير، ويغتفره لضعفه عن الدفع، وعَجْزِه عن أيسر شيء يُرادُ
يُصَابُ الْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ بِلِسَانِهِ | ولَيْسَ يُصَابُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ |
فَعَثْرَتُهُ فِيْ الْقَوْلِ تَذْهَبُ عَثْرَتُه | وَعَثْرَتهُ في الرِّجْلِ تَبْرَأ عَلَى مَهْل |
(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
332
منه، فكَيْفَ بِصغيرٍ لا ذنبَ له، بل كيف بصغير هو أخٌ وله ولهم أب مثل يعقوب. فلقد أبعد مَن قال: إنهم كانوا أنبياءَ في ذلك الوقت فما هكذا عَملُ الأنبياءِ ولا فعل الصالحين.
وفي هذا (١) دليل على أنه يجوز أن يوحِي الله إلى مَنْ كانَ صغِيرًا ويعطيه النبوةَ حينئذ كما وَقَع في عيسى، ويحيى بن زَكَرِيا.
وقد قيل: إنه كان في ذلك الوقت قد بَلَغَ مبالغ الرجال، وهو بعيد جدًّا، فإن من كان قد بَلَغَ مبالِغَ الرجال لا يُخَاف عليه أن يَأْكُلَه الذِّئْبُ.
﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لتخبرن يا يوسف إخْوَتَك بصنيعهم هذا الذي فعلوه بك، بعد خُلُوصِكَ مما أرادوه بك من الكيد، وأنزلوه عليك من الضَّرَر. وجملة قوله: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ في محل النصب على الحال من ضمير الغائبين في ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾؛ أي: والحال أنهم لا يشعرون بأنك أخوهم يوسف، لاعتقادهم هلاكك بإلقائهم لك في غيابة الجب، ولبعد عهدهم بِك، ولكونك قد صرت عند ذلك في حال غير ما كنت عليه أولًا، وخلاف ما عهدوه منك. وسيأتي ما قاله لهم عند دُخولِهم عليه بَعْدَ أنْ صَارَ إليه ملك مِصْرَ. والمقصود مِن هذا الإيحاء تقويةُ قَلْبِهِ بأنه سَيَحْصُل له الخَلاص عن هذه المحنة، ويَصِيرُونَ تَحْتَ قهره وقدرَتهِ.
والمعنى (٢): أي فلما ذَهَبَ به إخوته من عند أبيه بعد مُرَاجعتهم له، وقد عَزَموا عَزْمًا إجماعِيًّا، لا تردُّدَ فيه على إلقائه في غيابة الجب، نفَّذُوا ذلِكَ، وحينئذ أوحينا إليه، وحيًا إلهاميًّا تطييبًا لقلبه، وتثبيتًا لنفسه، لا تَحْزَنْ مِمَّا أنتَ فيه، فإنَّ لك من ذلك فرجًا ومخرجًا حسنًا، وسينصرك الله عليهم، ويرفع درجَتك، وستخبرهم بما صنعوا وهم لا يشعرونَ بأنك يوسف. وقرأ (٣) الجمهور: ﴿لتنبئنهم﴾ بتاء الخطاب. وابن عمر بياء الغيبة. وكذا في بعض مصاحفِ
وفي هذا (١) دليل على أنه يجوز أن يوحِي الله إلى مَنْ كانَ صغِيرًا ويعطيه النبوةَ حينئذ كما وَقَع في عيسى، ويحيى بن زَكَرِيا.
وقد قيل: إنه كان في ذلك الوقت قد بَلَغَ مبالغ الرجال، وهو بعيد جدًّا، فإن من كان قد بَلَغَ مبالِغَ الرجال لا يُخَاف عليه أن يَأْكُلَه الذِّئْبُ.
﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لتخبرن يا يوسف إخْوَتَك بصنيعهم هذا الذي فعلوه بك، بعد خُلُوصِكَ مما أرادوه بك من الكيد، وأنزلوه عليك من الضَّرَر. وجملة قوله: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ في محل النصب على الحال من ضمير الغائبين في ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾؛ أي: والحال أنهم لا يشعرون بأنك أخوهم يوسف، لاعتقادهم هلاكك بإلقائهم لك في غيابة الجب، ولبعد عهدهم بِك، ولكونك قد صرت عند ذلك في حال غير ما كنت عليه أولًا، وخلاف ما عهدوه منك. وسيأتي ما قاله لهم عند دُخولِهم عليه بَعْدَ أنْ صَارَ إليه ملك مِصْرَ. والمقصود مِن هذا الإيحاء تقويةُ قَلْبِهِ بأنه سَيَحْصُل له الخَلاص عن هذه المحنة، ويَصِيرُونَ تَحْتَ قهره وقدرَتهِ.
والمعنى (٢): أي فلما ذَهَبَ به إخوته من عند أبيه بعد مُرَاجعتهم له، وقد عَزَموا عَزْمًا إجماعِيًّا، لا تردُّدَ فيه على إلقائه في غيابة الجب، نفَّذُوا ذلِكَ، وحينئذ أوحينا إليه، وحيًا إلهاميًّا تطييبًا لقلبه، وتثبيتًا لنفسه، لا تَحْزَنْ مِمَّا أنتَ فيه، فإنَّ لك من ذلك فرجًا ومخرجًا حسنًا، وسينصرك الله عليهم، ويرفع درجَتك، وستخبرهم بما صنعوا وهم لا يشعرونَ بأنك يوسف. وقرأ (٣) الجمهور: ﴿لتنبئنهم﴾ بتاء الخطاب. وابن عمر بياء الغيبة. وكذا في بعض مصاحفِ
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
333
البصرة. وقرأ سَلَّام بالنون.
قال وهبٌ وغيرَهُ من أهل السيَرِ والأخبار: إنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ قالوا له: أما تشتاقُ أن تخرج معنا إلى مواشينا، فنَصِيد، ونستبقَ؟ قال: بلى، قالوا له: أنسأل أبَاكَ أن يرسلكَ معنا؟ قال يوسف: افعلوا، فدخلوا بجماعتهم على يعقوب، فقالوا: يا أبانا إنَّ يُوسُفَ قد أحبَّ أن يخرج معنا إلى مَوَاشِينا، فقال يعقوب: ما تقول يا بنيَّ؟ قال: نعم يا أبت إني أرى من إخْوَتي اللِّين، واللُّطْفَ، فأحب أن تأذن لي، وكان يَعْقُوبُ يكره مُفَارَقتَهُ، ويحب مرضاتَهُ فأَذِنَ له، وأرْسَلَهُ معهم.
فلمّا خَرَجُوا من عند يَعْقُوب، جعلوا يَحْمِلُونَه على رقابهم، ويَعْقُوبُ ينظر إليهم، فلما بعدوا عنه، وصَارُوا إلى الصحراء أَلْقَوْهُ على الأرض، وأظهروا له ما في أنْفُسِهم من العداوة، وأَغْلَظوا له القَوْل، وجعلوا يضربونه. فجَعَل كلَّما جاء إلى واحد منهم، واستغاث به ضَرَبه. فلمَّا فَطِنَ لما عزموا عليه من قتله جعل يُنادِي يا أبتَاه يا يعقوبُ، لو رأيتَ يُوسُفَ، وما نزل من إخوته، لأحْزَنَكَ ذلك، وأبكاك يا أبتاه ما أسْرَعَ ما نسُوا عَهْدَك، وضيَّعوا وصيَّتَك، وجعل يبكي بُكاءً شديدًا. فأَخَذَهُ روبيل وجَلَد به الأرضَ، ثم جَثَمَ على صدره، وأراد قَتْلَه فقال له يوسف: مهلًا يا أخي لا تَقْتُلني. فقال له: يا ابنَ راحيل أنت صاحبُ الأحلام، قل لرؤياك تخلِّصُك من أيدينا، ولَوَى عنقه، فاستغاث يوسف بيهوذا، وقال له: اتق الله فِيَّ وحل بيني وبينَ مَنْ يريد قتلي. فأدركته رحمة الأخوة ورَقَّ له، فقال يهوذا: يا إخوتي ما على هذا عاهدتموني ألا أدلكم على ما هو أَهونُ لكم وأرفقُ به؟ فقالوا: وما هو؟ قال: تلقونه في هذا الجبِّ إمَّا أنْ يَمُوتَ أو يلتقِطه بَعْضُ السيارة، فانطلقوا به إلى بئر هناك على غير الطريق، واسع الأسفل ضيق الرأس، فجعلوا يدلونه في البئر فتعَلَّقَ بشفيرها، فرَبطُوا يديه، ونَزعوا قَمِيصَهُ. فقال: يا إخوتاه ردوا عليَّ قميصي لأستتر به في الجبِّ، فقالوا: اُدْعُ الشمسَ والقمرَ
فصل في ذكر قصة ذهابهم بيوسف عليه السلام (١)
قال وهبٌ وغيرَهُ من أهل السيَرِ والأخبار: إنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ قالوا له: أما تشتاقُ أن تخرج معنا إلى مواشينا، فنَصِيد، ونستبقَ؟ قال: بلى، قالوا له: أنسأل أبَاكَ أن يرسلكَ معنا؟ قال يوسف: افعلوا، فدخلوا بجماعتهم على يعقوب، فقالوا: يا أبانا إنَّ يُوسُفَ قد أحبَّ أن يخرج معنا إلى مَوَاشِينا، فقال يعقوب: ما تقول يا بنيَّ؟ قال: نعم يا أبت إني أرى من إخْوَتي اللِّين، واللُّطْفَ، فأحب أن تأذن لي، وكان يَعْقُوبُ يكره مُفَارَقتَهُ، ويحب مرضاتَهُ فأَذِنَ له، وأرْسَلَهُ معهم.
فلمّا خَرَجُوا من عند يَعْقُوب، جعلوا يَحْمِلُونَه على رقابهم، ويَعْقُوبُ ينظر إليهم، فلما بعدوا عنه، وصَارُوا إلى الصحراء أَلْقَوْهُ على الأرض، وأظهروا له ما في أنْفُسِهم من العداوة، وأَغْلَظوا له القَوْل، وجعلوا يضربونه. فجَعَل كلَّما جاء إلى واحد منهم، واستغاث به ضَرَبه. فلمَّا فَطِنَ لما عزموا عليه من قتله جعل يُنادِي يا أبتَاه يا يعقوبُ، لو رأيتَ يُوسُفَ، وما نزل من إخوته، لأحْزَنَكَ ذلك، وأبكاك يا أبتاه ما أسْرَعَ ما نسُوا عَهْدَك، وضيَّعوا وصيَّتَك، وجعل يبكي بُكاءً شديدًا. فأَخَذَهُ روبيل وجَلَد به الأرضَ، ثم جَثَمَ على صدره، وأراد قَتْلَه فقال له يوسف: مهلًا يا أخي لا تَقْتُلني. فقال له: يا ابنَ راحيل أنت صاحبُ الأحلام، قل لرؤياك تخلِّصُك من أيدينا، ولَوَى عنقه، فاستغاث يوسف بيهوذا، وقال له: اتق الله فِيَّ وحل بيني وبينَ مَنْ يريد قتلي. فأدركته رحمة الأخوة ورَقَّ له، فقال يهوذا: يا إخوتي ما على هذا عاهدتموني ألا أدلكم على ما هو أَهونُ لكم وأرفقُ به؟ فقالوا: وما هو؟ قال: تلقونه في هذا الجبِّ إمَّا أنْ يَمُوتَ أو يلتقِطه بَعْضُ السيارة، فانطلقوا به إلى بئر هناك على غير الطريق، واسع الأسفل ضيق الرأس، فجعلوا يدلونه في البئر فتعَلَّقَ بشفيرها، فرَبطُوا يديه، ونَزعوا قَمِيصَهُ. فقال: يا إخوتاه ردوا عليَّ قميصي لأستتر به في الجبِّ، فقالوا: اُدْعُ الشمسَ والقمرَ
(١) الخازن.
334
والكواكبَ تخلصكَ، وتؤنِسُك. فقال: إني لم أرَ شيئًا، فألقوه فيها، ثُمَّ قال: يا إخوتاه أتدعوني فيها فريدًا وحيدًا. وقيل: جعلوه في دلو ثمَّ أرسلوه فيها. فلمَّا بَلَغَ نصفَها ألقوه إرادةَ أن يموت، وكان في البئر ماءٌ فسَقَطَ فيه، ثم آوى إلى صخرة كانت في البئر، فقام عليها. وقيل: نزل عليه مَلَكٌ فحَلَّ يديه، وأَخْرَج له صخرةً من البئر فأجلسه عليها. وقيل: إنهم لما ألقوه في الجبِّ جَعَل يبكي فَنَادَوْهُ، فظن أنَّها رحمة أدركتهم، فأجابهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ليقتلوه فمَنَعهم يهوذا من ذلك، وقيل: إنَّ يعقوبَ لما بعثه مع إخوته أَخْرَجَ له قميص إبراهيم، الذي كساه الله إياه من الجنة، حين أُلقِيَ في النار، فجعله يعقوب في قصبة فضةٍ، وجعَلَها في عنق يوسف، فألبسه الملك إياه حينَ ألقِي في الجُبِّ فأضاءَ له الجُبَّ. وقال الحَسنُ: لمَّا ألقِيَ يُوسَفُ في الجب عذبَ ماؤُه، فكان يكفيه عن الطعام والشراب، ودَخَلَ عليه جبريل فأَنِسَ بِهِ. فلمَّا أمسى نهض جبريلُ ليذهب، فقال له: إذا خَرَجْتَ استَوْحَشْتُ. فقال له: إذا رهبتَ شيئًا فقل: يا صريخ المستصرخِين، ويا غَوثَ المستغيثين، ويا مفرِّج كرب المكروبين، قد ترى مكاني، وتعلم حالي، ولا يخفى عليك شيءٌ من أمري. فلما قالها يوسف حفَّته الملائكة، واستأنس في الجُبِّ.
وقال محمَّد بن مسلم الطائِفيّ: لما ألقي يوسف في الجُب قال: يا شاهدًا غَيْرَ غائب، ويا قريبًا غير بعيد، ويا غالِبًا غير مغلوب، اجعل لي فرجًا مما أنا فيه، فما بات فيه. وقيل: مكث في الجبِّ ثلاثَةَ أيَّامٍ، وكان إخْوَتُه يَرْعَوْنَ حَوْلَهُ، وكان يهوذا يأتيه بالطعام. وقيل (١): عَلَّم جبريلُ يوسفَ هذا الدعاء، أي في البئر: "اللهم يا كاشفَ كل كربة، ويا مجيبَ كل دعوة، ويا جابرَ كل كسير، ويا ميسرَ كل عسير، ويا صاحِبَ كل غريب، ويا مؤنس كل وحيد، يا من لا إلَه إلا أنت سبحانَكَ، أسألك أن تجعل لي فرجًا ومخرجًا، وأن تَقْذِفَ حُبَّكَ في قلبي حتى لا يكون لي هم ولا ذكر غيرك، وأن تَحْفَظني وترحمني يا أرحم الراحمين".
وقال محمَّد بن مسلم الطائِفيّ: لما ألقي يوسف في الجُب قال: يا شاهدًا غَيْرَ غائب، ويا قريبًا غير بعيد، ويا غالِبًا غير مغلوب، اجعل لي فرجًا مما أنا فيه، فما بات فيه. وقيل: مكث في الجبِّ ثلاثَةَ أيَّامٍ، وكان إخْوَتُه يَرْعَوْنَ حَوْلَهُ، وكان يهوذا يأتيه بالطعام. وقيل (١): عَلَّم جبريلُ يوسفَ هذا الدعاء، أي في البئر: "اللهم يا كاشفَ كل كربة، ويا مجيبَ كل دعوة، ويا جابرَ كل كسير، ويا ميسرَ كل عسير، ويا صاحِبَ كل غريب، ويا مؤنس كل وحيد، يا من لا إلَه إلا أنت سبحانَكَ، أسألك أن تجعل لي فرجًا ومخرجًا، وأن تَقْذِفَ حُبَّكَ في قلبي حتى لا يكون لي هم ولا ذكر غيرك، وأن تَحْفَظني وترحمني يا أرحم الراحمين".
(١) روح البيان.
335
وقال بعضهم: سَبَبُ ابتلاء يعقوبَ بفراق يوسف ما روي في الخبر أنه ذَبَح جَدْيًا بَيْنَ يدي أُمِّهِ فلم يَرْضَ اللَّهُ تعالى ذلك منه، وأَرَى دمًا بدم، وفرقةً بفرقة، لعظمةِ احترام شأن النبوة، ومن ذلك المقام: حسناتُ الأبرار سيئاتُ المقربين.
وقال بعضهم (١): لما وُلِدَ يوسُفُ اشترى يعقوب له ظئرًا، وكان لها ابن رضيع، فباع ابْنَها تكثيرًا لِلَّبَنِ على يوسف، فبكَتْ وتضرَّعَت، وقالت: يا رب إنَّ يعقوبَ فَرَّق بيني وبين ولدي، ففرق بينه وبين ولده يوسف، فاستجاب الله دعاءها فلم يَصِلْ يعقوب إلى يُوسُفَ إلا بعد أن لَقِيَتْ تلك الجارية ابنَها. هذا بالنسبة إلى حال يعقوب وابتلائه، وأمَّا بالنسبة إلى يوسف، فقد حكي أنه أخَذ يومًا مرآةً فنظر إلى صورته، فأَعْجَبَه حسنه، وبهاؤه، فقال: لو كنتُ عَبْدًا فباعوني لما وجد لي ثمن، فابتليَ بالعبودية، وبِيعَ بثمن بَخْسٍ، وكان ذلك سببَ فِرَاقِهِ من أبيه. وفيه إشارة إلى أنَّ الجَمَال والكمالَ كلَّه لله تعالى.
١٦ - ﴿و﴾ لَمَّا طرحوا يوسف في الجب ﴿جاءوا أباهم عشاء﴾؛ أي: رَجَعُوا إلى أبيهم، وَقْتَ العشاء في ظُلمة الليل، لِيَكُونُوا في الظلمة أجرأ على الاعتذار بالكذب. فَلَمَّا بَلَغُوا مَنْزِلَ يَعْقُوب جَعَلُوا ﴿يَبْكُونَ﴾؛ أي: يَتَبَاكَوْن ويصرخون لأنهم لم يبكوا حقيقةً بل فعلوا فِعْلَ من يبكي ترويجًا لكذبهم، وتَنْفِيقًا لمكرهم، وغَدْرِهِم، فسمع أصواتَهم، ففَزعَ من ذلك، وقال: ما لكم يا بنيَّ هل أصابكم في غَنمِكم شيء؟ قالوا: الأمرُ أعظمُ، قال: فما هو؟ وأينَ يوسف؟
١٧ - ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا﴾ حالةَ كونِنَا ﴿نَسْتَبِقُ﴾؛ أي يسابقُ بَعْضُنَا بعضًا في الرمي، أو العَدْوِ. وقيل: ننتضل (٢) ويؤيده قراءةُ ابن مسعودَ: ﴿ننتضل﴾. قال الزجاج: وهو نوعٌ من المسابقة. وقال الأزهري: النضالُ في السهام، والرِّهانُ في الخيل، والمسابقةُ تجمعهما. قال القشيري: ﴿نستبق﴾؛ أي: في الرمي أو على الفرس، أو على الأقدام. والغرض من المسابقة التدرب بذلك للحرب. ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾؛ أي: عند ثيابنا، وأزوادنا لِيَحْرُسَها ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ عَقِبَ ذلك من غير
وقال بعضهم (١): لما وُلِدَ يوسُفُ اشترى يعقوب له ظئرًا، وكان لها ابن رضيع، فباع ابْنَها تكثيرًا لِلَّبَنِ على يوسف، فبكَتْ وتضرَّعَت، وقالت: يا رب إنَّ يعقوبَ فَرَّق بيني وبين ولدي، ففرق بينه وبين ولده يوسف، فاستجاب الله دعاءها فلم يَصِلْ يعقوب إلى يُوسُفَ إلا بعد أن لَقِيَتْ تلك الجارية ابنَها. هذا بالنسبة إلى حال يعقوب وابتلائه، وأمَّا بالنسبة إلى يوسف، فقد حكي أنه أخَذ يومًا مرآةً فنظر إلى صورته، فأَعْجَبَه حسنه، وبهاؤه، فقال: لو كنتُ عَبْدًا فباعوني لما وجد لي ثمن، فابتليَ بالعبودية، وبِيعَ بثمن بَخْسٍ، وكان ذلك سببَ فِرَاقِهِ من أبيه. وفيه إشارة إلى أنَّ الجَمَال والكمالَ كلَّه لله تعالى.
١٦ - ﴿و﴾ لَمَّا طرحوا يوسف في الجب ﴿جاءوا أباهم عشاء﴾؛ أي: رَجَعُوا إلى أبيهم، وَقْتَ العشاء في ظُلمة الليل، لِيَكُونُوا في الظلمة أجرأ على الاعتذار بالكذب. فَلَمَّا بَلَغُوا مَنْزِلَ يَعْقُوب جَعَلُوا ﴿يَبْكُونَ﴾؛ أي: يَتَبَاكَوْن ويصرخون لأنهم لم يبكوا حقيقةً بل فعلوا فِعْلَ من يبكي ترويجًا لكذبهم، وتَنْفِيقًا لمكرهم، وغَدْرِهِم، فسمع أصواتَهم، ففَزعَ من ذلك، وقال: ما لكم يا بنيَّ هل أصابكم في غَنمِكم شيء؟ قالوا: الأمرُ أعظمُ، قال: فما هو؟ وأينَ يوسف؟
١٧ - ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا﴾ حالةَ كونِنَا ﴿نَسْتَبِقُ﴾؛ أي يسابقُ بَعْضُنَا بعضًا في الرمي، أو العَدْوِ. وقيل: ننتضل (٢) ويؤيده قراءةُ ابن مسعودَ: ﴿ننتضل﴾. قال الزجاج: وهو نوعٌ من المسابقة. وقال الأزهري: النضالُ في السهام، والرِّهانُ في الخيل، والمسابقةُ تجمعهما. قال القشيري: ﴿نستبق﴾؛ أي: في الرمي أو على الفرس، أو على الأقدام. والغرض من المسابقة التدرب بذلك للحرب. ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾؛ أي: عند ثيابنا، وأزوادنا لِيَحْرُسَها ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ عَقِبَ ذلك من غير
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
336
مضي زمان يعتاد فيه التفقدُ والتعهدُ؛ لأنَّ الفاءَ للتعقيب، وقد اعتذروا إليه بما خَافَه سابقًا عليه، ورُبَّ كلمة تقول لصاحبها دَعْنِي ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾؛ أي: بِمُصَدِّقٍ لنا في هذا العذر الذي أبدينا، والمقالة التي قُلْنَاها ﴿وَلَوْ كُنَّا﴾ عندك أو في الواقع ﴿صَادِقِينَ﴾؛ أي موصوفين بالصدق، والثقة لِمَا قَدْ عَلِقَ بقلبك من التهمة لنا في ذلك مع شدة محبتك له. قال الزجاج: والمعنى: ولو كنَّا عندك من أهل الصدق، والثقة ما صدَّقتنا في هذه القضية لشدة محبتك ليوسف، وكذا ذكره ابن جرير.
فائدة: والفرق (١) بين الصدق والتصديق: والكذب والتكذيب: أنَّ الصدق: هو الإخبارُ عن الشيء على ما هو به. والكذب: الإخبارُ عنه على خلاف ما هو به. والتصديق باللسان: الإخبارُ بكون القائل صادقًا، وبالقلب: الإذعان والقبولُ لذلك. والتكذيب بخلاف ذلك.
والمعنى (٢): أي جَاؤُوه وقت العشاء حين خَالَطَ سوادُ الليل بياضَ النهار، حالَ كونهم يبكون لِيُقْنِعُوه بما يريدون، قائلين له: إنا ذهَبْنا من موضع اجتماعنا نَتَسَابَقُ، ونَتَرامَى بالنِّبَال، وتركنا يُوسُفَ عند ثِيَابنَا، وأزوادنا لِيَحْفَظَها، إذ لا يستطيع مجاراتِنَا في استباقنا الذي يرهقُ القوِيَّ، فَأكَلَه الذّئبُ إذ بَعُدْنَا عنه، ولم نسمع استغاثته، ولا صُراخَهُ ونحن نعلم أنك لا تُصدِّقُنَا، ولو كُنَّا عندك صادقين، فكيفَ وأنت تتهمنا في ذلك، ولك العذر في هذا لغرابة ما وقَعَ، وعجيب ما اتَّفَقَ لنا في ذلك الأمر. وقوله: ﴿عِشَاءً﴾ نصب على الظرف، أو من (٣) العشوة، والعَشْوَةُ: الظلام، فجُمِعَ على فعال مثل رَاع ورُعاء، ويَكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن: ﴿عُشى﴾ على وزن دجى جمع عاش حَذف منه الهاء، كما حذفت في مالك وأصلُه مالكة. وعن الحسن: (عشيًّا) بالتصغير لعشي أي آخر النهار.
فائدة: والفرق (١) بين الصدق والتصديق: والكذب والتكذيب: أنَّ الصدق: هو الإخبارُ عن الشيء على ما هو به. والكذب: الإخبارُ عنه على خلاف ما هو به. والتصديق باللسان: الإخبارُ بكون القائل صادقًا، وبالقلب: الإذعان والقبولُ لذلك. والتكذيب بخلاف ذلك.
والمعنى (٢): أي جَاؤُوه وقت العشاء حين خَالَطَ سوادُ الليل بياضَ النهار، حالَ كونهم يبكون لِيُقْنِعُوه بما يريدون، قائلين له: إنا ذهَبْنا من موضع اجتماعنا نَتَسَابَقُ، ونَتَرامَى بالنِّبَال، وتركنا يُوسُفَ عند ثِيَابنَا، وأزوادنا لِيَحْفَظَها، إذ لا يستطيع مجاراتِنَا في استباقنا الذي يرهقُ القوِيَّ، فَأكَلَه الذّئبُ إذ بَعُدْنَا عنه، ولم نسمع استغاثته، ولا صُراخَهُ ونحن نعلم أنك لا تُصدِّقُنَا، ولو كُنَّا عندك صادقين، فكيفَ وأنت تتهمنا في ذلك، ولك العذر في هذا لغرابة ما وقَعَ، وعجيب ما اتَّفَقَ لنا في ذلك الأمر. وقوله: ﴿عِشَاءً﴾ نصب على الظرف، أو من (٣) العشوة، والعَشْوَةُ: الظلام، فجُمِعَ على فعال مثل رَاع ورُعاء، ويَكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن: ﴿عُشى﴾ على وزن دجى جمع عاش حَذف منه الهاء، كما حذفت في مالك وأصلُه مالكة. وعن الحسن: (عشيًّا) بالتصغير لعشي أي آخر النهار.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
337
١٨ - ﴿وَجَاءُوا﴾؛ أي: جاء إخوة يوسف ﴿عَلَى قَمِيصِهِ﴾؛ أي: فَوقَ قميص يوسف، فهو منصوب على الظرفية، من قوله: ﴿بِدَمٍ﴾؛ أي: جَاؤوا بدم فوقَ قميصه، أو على الحالية منه، والخلافُ في تقدُّم الحال على المجرور فيما إذا لم يكن الحال ظرفًا ﴿كَذِبٍ﴾ مصدر وصف به الدم مبالغةً كأنَّ مجيئَهم من الكذب نفسه، كما يقال للكذَّاب: هو الكذب بعينه، أو مصدرٌ بمعنى مفعول، أي مكذوب فيه؛ لأنه لم يَكُنْ دَمُ يوسف. وقرأ (١) الجمهور: ﴿كذِبٍ﴾ وَصْفًا للدم على سبيل المبالغة، كما قلنا آنِفا أو على حذف مضاف؛ أي: ذي كذب لمَّا كان دالًّا على الكذب وصف به، وإن كان الكَذِبُ صَادِرًا من غيره. وقرأ زَيْدُ بن علي: ﴿كَذِبًا﴾ بالنصب على الحال، فاحتمل أن يَكُونَ مصدرًا في موضع الحال، وأن يَكُونَ مَفْعُولًا لأَجْلِهِ. وقرأت عَائِشَةُ والحسن: ﴿كَدِبٍ﴾ بالدال المهملة، وفسِّر بالكدر. وقيل: الطَّرِيِّ. وقيل: اليابس.
روي (٢) أنهم ذَبَحُوا سخلةً ولَطَخُوه بدمها، وزَالَ عنهم أن يمزِّقُوه فلَمَّا سمع يعقوبُ بخبر يوسف، صاح بأعلى صوته، فقال: أين القميص؟ فأخذه وألقاه على وجهه، وبكى حتى خَضِبَ وَجْهَه بدم القميص، قال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبًا أحلم من هذا أَكَل ابني، ولم يمزِّقْ عليه قَمِيصَهُ. وقوله: ﴿قَالَ﴾ مستأنف استئنافًا بيانيًّا كأنه قيل: ما قال يعقوب؟ هل صدَّقهم فيما قالوا: أو لا؟ فقيل: ﴿قَالَ﴾ يعقوب جوابًا لهم لم يكن ذلك الذي أخْبَرْتُمُوه لي صدقًا ﴿بَلْ سَوَّلَتْ﴾ وزينتْ وسَهَّلَتْ ﴿لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ﴾ قاله ابن عباس رضي الله عنهما. والتسويل (٣): تقدير شيء في الأنفس مع الطمع في إتمامه. قال الأزهري: كأن التسويلَ تفعيل من سؤال الأشياء، وهي الأمنية التي يطلبها فيزيَّن لطالبها الباطلُ وغَيْرُه. ﴿أَمْرًا﴾ من الأمور مُنْكرًا لا يُوصَفُ ولا يُعْرَفُ فصنعتموه بيوسف، استدلَّ يَعْقُوبَ على أنهم فَعلُوا بيوسف ما أرادوا، وأنهم كاذبون، بشيئين: بما عرف منْ حسدهم الشديد، وبسلامة القميص، حيث لم يَكُن فيه خرق ولا أثر نَاب؛ فقوله: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ﴾ ردٌّ
روي (٢) أنهم ذَبَحُوا سخلةً ولَطَخُوه بدمها، وزَالَ عنهم أن يمزِّقُوه فلَمَّا سمع يعقوبُ بخبر يوسف، صاح بأعلى صوته، فقال: أين القميص؟ فأخذه وألقاه على وجهه، وبكى حتى خَضِبَ وَجْهَه بدم القميص، قال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبًا أحلم من هذا أَكَل ابني، ولم يمزِّقْ عليه قَمِيصَهُ. وقوله: ﴿قَالَ﴾ مستأنف استئنافًا بيانيًّا كأنه قيل: ما قال يعقوب؟ هل صدَّقهم فيما قالوا: أو لا؟ فقيل: ﴿قَالَ﴾ يعقوب جوابًا لهم لم يكن ذلك الذي أخْبَرْتُمُوه لي صدقًا ﴿بَلْ سَوَّلَتْ﴾ وزينتْ وسَهَّلَتْ ﴿لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ﴾ قاله ابن عباس رضي الله عنهما. والتسويل (٣): تقدير شيء في الأنفس مع الطمع في إتمامه. قال الأزهري: كأن التسويلَ تفعيل من سؤال الأشياء، وهي الأمنية التي يطلبها فيزيَّن لطالبها الباطلُ وغَيْرُه. ﴿أَمْرًا﴾ من الأمور مُنْكرًا لا يُوصَفُ ولا يُعْرَفُ فصنعتموه بيوسف، استدلَّ يَعْقُوبَ على أنهم فَعلُوا بيوسف ما أرادوا، وأنهم كاذبون، بشيئين: بما عرف منْ حسدهم الشديد، وبسلامة القميص، حيث لم يَكُن فيه خرق ولا أثر نَاب؛ فقوله: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ﴾ ردٌّ
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
338
لقولهم: ﴿أكله الذئبُ﴾، وبل للإعراض عمَّا قبله، وإثبات ما بعده على سبيل التدارك، نحو: جاء زيد بل عَمْرُو كما في "بحر العلوم"؛ أي: قال (١) يعقوب ليس الأمر كما تقولون: بل زيَّنَتْ لكم أنفسكم أمرًا غَيْرَ ما تَصِفُون. قيل: لَمَّا جاءوا على قميصه بدمِ جَدْيٍ ذهلوا عن خَرْقِ القميص. فلَمَّا رأى يعقوبُ القميصَ صحيحًا قال: كذبتم لو أَكَله الذئبُ لَخَرق قَمِيصَه. وقالَ بعضُهم: بل قَتَلَهُ اللُّصُّ. فقال: كيفَ قَتَلُوه وتَرَكُوا قَمِيصَه؟ وهم إلى قميصه أحْوَجُ منه إلى قَتْلِه. وقيل: إنهم (٢) أتوه بذئب، وقالوا: هذا أكَلَه، فقال يعقوب: أيها الذِّئْبُ أنْتَ أكلت ولدي، وثمرة فؤادي، فأنطقه الله عَزَّ وَجَلَّ وقال: والله ما أكلْتُ ولدَكَ ولا رأيته قطُّ، ولا يَحِلُّ لنا أن نأكل لُحومَ الأنبياء. فقال يعقوب: فكيف وَقَعْتَ في أرض كنعان، قال: جئت لصلةِ الرحم قرابة لي فأخذوني، وأتوا بي إليك فأطْلَقَه يعقوب.
﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾؛ أي: فصبري صبر جميل، أو فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أولى من الجزع، والصبر الجميل: هو الذي لا شكوى فيه إلى أحد إلا إلى الخالق سبحانه وتعالى، وإلا فقد فقال يعقوب: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾.
واعلم (٣): أنَّ الصَّبْرَ إذا لم يكن فيه شكوى إلى الخلق، يَكُونُ جميلًا، وإذا كَان فيه مع ذلك شكوى إلى الخالق يكون أجمل لِمَا فيه من رعاية حق العبودية ظاهرًا، حيث أمسك عن الشكوى إلى الخلق، وباطنًا حيث قصَّرَ الشكوى على الخالق، والتفويض جميل، والشكوى إليه أجملُ. وأما (٤) الهجرُ الجميلُ فهو الذي لا إيذاء معه. وأما الصَّفْحُ الجميل فهو الذي لا عِتَابَ بعده، وقد تحقق بجميعها كل من يوسف ويعقوب.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى هو ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾؛ أي: المطلوب منه العونُ، وهو
﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾؛ أي: فصبري صبر جميل، أو فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أولى من الجزع، والصبر الجميل: هو الذي لا شكوى فيه إلى أحد إلا إلى الخالق سبحانه وتعالى، وإلا فقد فقال يعقوب: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾.
واعلم (٣): أنَّ الصَّبْرَ إذا لم يكن فيه شكوى إلى الخلق، يَكُونُ جميلًا، وإذا كَان فيه مع ذلك شكوى إلى الخالق يكون أجمل لِمَا فيه من رعاية حق العبودية ظاهرًا، حيث أمسك عن الشكوى إلى الخلق، وباطنًا حيث قصَّرَ الشكوى على الخالق، والتفويض جميل، والشكوى إليه أجملُ. وأما (٤) الهجرُ الجميلُ فهو الذي لا إيذاء معه. وأما الصَّفْحُ الجميل فهو الذي لا عِتَابَ بعده، وقد تحقق بجميعها كل من يوسف ويعقوب.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى هو ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾؛ أي: المطلوب منه العونُ، وهو
(١) المراح.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
(٤) الصاوي.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
(٤) الصاوي.
339
إنشاء الاستعانة المستمرة ﴿عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾؛ أي: على تحمل المكاره التي تذكرونا في أمر يوسف، أو على إظهار حال ما تصفون من شأن يوسف، وبيان كونه كذبًا، وإظهار سلامته كأنه عَلِمَ منه الكذب، وكأن (١) الله تعالى قد قَضَى على يعقوبَ أن يُوصِلَ إليه تلك الغموم الشديدةَ، والهمومَ العظيمة، لِيَكْثُرَ رُجُوعُه إلى الله تعالى، وينقطِعَ تعلق فكره عن الدنيا فيصلَ إلى درجةٍ عاليةٍ في العبودية، لا يمكن الوصول إليها إلَّا بتحمل المِحَنِ الشديدة، والله أعلم. وقرأ (٢) أبي والأشهب، وعيسى بن عمر: ﴿فصبرًا جميلًا﴾ بنصبهما، وكذا هي في مصحف أُبي، ومصحف أنس بن مالك. وروي كذلك عن الكسائي، ونَصبه على المصدر الخبريِّ، أي فاصبر صبرًا جميلًا. قيل: وهي قراءة ضعيفة عند سيبويه، ولا يصلح النصبُ في مثل هذا إلا مع الأمر، وكذلك يَحْسُن النَّصْبُ في قوله:
ويروى صبر جميل في البيت، وإنما تصح قراءة النصب على أن يقدَّر أن يعقوبَ رَجع إلى مخاطبةِ نَفْسِهِ، فكأنه قال: فاصبري يا نفسي صبرًا جميلًا.
ومعنى الآية: أي إنهم جَاؤوا بقميصه مُلَطَّخًا ظاهره بدم غير دم يوسف، وهم يدعون أنه دمه ليشهد بصدقهم، فكانَ دليلًا على كذبهم، ومن ثم قال: ﴿عَلَى قَمِيصِهِ﴾ ليستبين للقارىء والسامع أنه موضوع وضعًا متكلفًا إذ لو كان من افتراس الذئب لتمزق القميصُ، وتغلغل الدم في كل قطعة منه، ومن أجل هذا كلِّه لم يصدِّقْهم، وقال: هيهاتَ ليس الأمرُ كما تدَّعون بل سَهَّلَتْ لكم أنفسكم الأَمَّارةُ بالسوءِ أمرًا نكرًا، وزينته في قلوبكم فطَوَّعته لكم حتى اقترفتموه، وسأصبر صبرًا جميلًا على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه، وإنّي أستعين به على أن يَكْفِيَنِي شَرَّ ما تصفون من الكذب.
١٩ - ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾؛ أي: رفقة مسافرون تسير من جهة الشام، يريدون مِصْرَ فأخطؤوا الطريقَ، فانطلقوا يَهِيمُون في الأرض حتى وقعوا في الأراضي التي فيها
شَكَا إِلَيَّ جَمَلِيْ طُوْلَ السُّرَى | صَبْرًا جَمِيْلًا فَكِلاَنَا مُبْتَلَى |
ومعنى الآية: أي إنهم جَاؤوا بقميصه مُلَطَّخًا ظاهره بدم غير دم يوسف، وهم يدعون أنه دمه ليشهد بصدقهم، فكانَ دليلًا على كذبهم، ومن ثم قال: ﴿عَلَى قَمِيصِهِ﴾ ليستبين للقارىء والسامع أنه موضوع وضعًا متكلفًا إذ لو كان من افتراس الذئب لتمزق القميصُ، وتغلغل الدم في كل قطعة منه، ومن أجل هذا كلِّه لم يصدِّقْهم، وقال: هيهاتَ ليس الأمرُ كما تدَّعون بل سَهَّلَتْ لكم أنفسكم الأَمَّارةُ بالسوءِ أمرًا نكرًا، وزينته في قلوبكم فطَوَّعته لكم حتى اقترفتموه، وسأصبر صبرًا جميلًا على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه، وإنّي أستعين به على أن يَكْفِيَنِي شَرَّ ما تصفون من الكذب.
١٩ - ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾؛ أي: رفقة مسافرون تسير من جهة الشام، يريدون مِصْرَ فأخطؤوا الطريقَ، فانطلقوا يَهِيمُون في الأرض حتى وقعوا في الأراضي التي فيها
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
340
الجب، وهي أرض دوثن بَيْنَ مدين ومصر، فنزَلُوا عليه ﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾؛ أي: بعثوا سَاقِيَهم ليطلب لهم الماء، وهو مَنْ يُهيِّىء الأرشية، والدِّلاءَ، فيتقدم الرفقة إلى الماء، يقال له: مالك بن ذعر الخزاعي ابن أخي شعيب عليه السلام، وهو رجلٌ من العرب العاربة من أهل مدين، ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾؛ أي: فأرْخَى، وأنزل دلوه في جب يوسف ليأخذ الماء فتعلق يوسف به، فلم يقدر الساقي على نزعه وإخراجه من البئر فنَظَرَ فيه فرأى غُلامًا قد تعلق بالدلو، فنادى أصْحَابَهُ فـ ﴿قَالَ يَا بُشْرَى﴾؛ أي: يا أصحابي. وقال الأعشى: إنه دعا امرأةً اسمها بشرى. وقال السديُّ: إنه نادى صاحبَهُ، واسمه بشرى كما قرأه. وعاصم والكسائي بغير ياء المتكلم بعد الألف المقصورة. وقال أبو علي الفارسي: والوجه أن يجعل البشرى اسمًا للبشارة، فنادى ذلك بشارةً لنفسه، كأنه يقول: يا أيتها البشرى هذا الوقت، وقتك، ولو كنت مِمَّنْ يخاطب لخوطبت الآنَ، ولأُمِرْتِ بالحضور، ويدلُّ على هذا قراءة الباقين، ﴿يا بشرايَ﴾ بفتح ياء المتكلم بعد الألف على الإضافة. قالوا: ما ذلك يا مالك؟ قال: ﴿هَذَا غُلَامٌ﴾ أحسن ما يكون من الغلمان، فكَانَ يوسُفُ حَسَنَ الوجه، جَعْدَ الشَّعْرِ، ضخم العَيْنَين، مُسْتَوي الخلق، أبيض اللون، غَليظ الساعدين، والعضدين، والساقين، خَميص البطن، صغير السرة، وكان إذا تبسَّم ظهر النور من ضواحكه، وإذا تكلم ظهر من ثناياه شعاع النور، ولا يستطيع أحد وَصْفَه. وكان حسنه كضوء النهار عند الليل، وكان يُشْبِهُ آدم عليه السلام يَوْم خَلَقه الله تعالى قبل أن يصيب الخطيئةَ، اهـ خازن.
فاجتمعوا عليه فأخرجوه من الجب بعد مكثه فيها ثَلاثَةَ أيام ﴿وَأَسَرُّوهُ﴾؛ أي: أسَرُوا يُوسُفَ وأخفوه حَالةَ كونه ﴿بِضَاعَةً﴾؛ أي: مَتَاعًا للتجارة؛ أي: كَتَم الواردُ وأصحابه شأنَ يوسف من بقية القوم الذين معهم، وقالوا: إنه بضاعة استبضعناه، وحملناه لبعض أهل المال إلى مصر، وإنما قالوا ذلك خِيفَة أن يطلبوا منهم الشركة فيه، وذلك لأن الواردَ وأصحابَه قالوا: إن قلنا للسيارة التقطناه من الجُبِّ شاركونا فيه قَهْرًا. وإن قلنا: اشتريناه سألونا الشركة فالأصوبُ أن نقول: إن أهل الماء جعلوه بِضَاعَةً عندنا على أن نبيعه لهم بمصر. وقيل: إن إخْوَةَ يُوسُفَ أَسَرّوا شأن يوسُفَ، يعني أنهم أخفوا أمر يوسف، وكونه أخًا لهم بل
فاجتمعوا عليه فأخرجوه من الجب بعد مكثه فيها ثَلاثَةَ أيام ﴿وَأَسَرُّوهُ﴾؛ أي: أسَرُوا يُوسُفَ وأخفوه حَالةَ كونه ﴿بِضَاعَةً﴾؛ أي: مَتَاعًا للتجارة؛ أي: كَتَم الواردُ وأصحابه شأنَ يوسف من بقية القوم الذين معهم، وقالوا: إنه بضاعة استبضعناه، وحملناه لبعض أهل المال إلى مصر، وإنما قالوا ذلك خِيفَة أن يطلبوا منهم الشركة فيه، وذلك لأن الواردَ وأصحابَه قالوا: إن قلنا للسيارة التقطناه من الجُبِّ شاركونا فيه قَهْرًا. وإن قلنا: اشتريناه سألونا الشركة فالأصوبُ أن نقول: إن أهل الماء جعلوه بِضَاعَةً عندنا على أن نبيعه لهم بمصر. وقيل: إن إخْوَةَ يُوسُفَ أَسَرّوا شأن يوسُفَ، يعني أنهم أخفوا أمر يوسف، وكونه أخًا لهم بل
341
قالوا: هو عبدٌ لنا أبَقَ. وصدقهم يوسف على ذلك؛ لأنهم توعدوه بالقتل سرًّا من مالك بن ذعر، وأصحابِه. والقول الأول أصحُّ لأن مالك بن ذعر هو الذي أسره بضاعةً وأصحابه. والبضاعةُ: ما بُضِعَ من المال للتجارة، أي: قُطِعَ.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بما يعمل إخْوَة يُوسُفَ بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع، ولَمْ يَخْفَ عليه أسرارهم يعني من إرادة إهلاك يوسف، فجعل ذلك سببًا لنجاته، وتحقيقًا لرؤياه حتى يصيرَ ملك مصر بعد أَنْ كان عبدًا.
قال أصحاب الأخبار (١): إنَّ يهوذا كان يأتي يوسُفَ بالطعام، فأتاه فلم يَجِدْه في الجبِّ فأخبر إخْوته بذلك، فطلبوه، فإذا هم بمالك بن ذعْرٍ وأصحابه نزولًا قريبًا من البئر، فأتوهم، فإذا يوسف عندهم. فقالوا لهم: هذا عبدنا أبق منا، ويقال: إنهم هددوا يوسفَ حتى يكتم حالَه، ولا يعرفها أحد، وقال لهم مثل قولهم.
٢٠ - ثم إنهم باعوه منهم كما قال: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾.
وفي هذه الجملة (٢) وعيد شديدٌ لمن كان فعله سببًا لما وقع فيه يوسف من المحن، وما صار فيه من الابتذال بجري البيع والشراء فيه، وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسُفَ بن يعقوبَ بن إسحاقَ بن إبراهيمَ عليهم السلام.
والمعنى (٣): أي وجاءت ذلك المكان قافلة تسير من مَدْيَنَ إلى مِصْرَ فأرسلوا وَارِدَهُمْ الذي يجلب لهم الماء للاستسقاء، فأرسل دَلْوه ودلاه في ذلك الجب فتعلق به يوسف. ولما خَرَجَ ورآه قال مُبشِّرًا جماعته السيارة: ﴿يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ أي: آن وقت البشرى فاحضري، كما يقال: يَا أسفًا، ويا حسرتا، إذا وقع ما هو سبب لذلك، فاستبشرتْ به السيارة، وأخفوه من الناس لئلا يَدَّعِيهِ أحدٌ من أهل ذلك المكان لأن يَكُونَ بضاعة لهم من جملة تجارتهم، والله عليم بما
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بما يعمل إخْوَة يُوسُفَ بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع، ولَمْ يَخْفَ عليه أسرارهم يعني من إرادة إهلاك يوسف، فجعل ذلك سببًا لنجاته، وتحقيقًا لرؤياه حتى يصيرَ ملك مصر بعد أَنْ كان عبدًا.
قال أصحاب الأخبار (١): إنَّ يهوذا كان يأتي يوسُفَ بالطعام، فأتاه فلم يَجِدْه في الجبِّ فأخبر إخْوته بذلك، فطلبوه، فإذا هم بمالك بن ذعْرٍ وأصحابه نزولًا قريبًا من البئر، فأتوهم، فإذا يوسف عندهم. فقالوا لهم: هذا عبدنا أبق منا، ويقال: إنهم هددوا يوسفَ حتى يكتم حالَه، ولا يعرفها أحد، وقال لهم مثل قولهم.
٢٠ - ثم إنهم باعوه منهم كما قال: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾.
وفي هذه الجملة (٢) وعيد شديدٌ لمن كان فعله سببًا لما وقع فيه يوسف من المحن، وما صار فيه من الابتذال بجري البيع والشراء فيه، وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسُفَ بن يعقوبَ بن إسحاقَ بن إبراهيمَ عليهم السلام.
والمعنى (٣): أي وجاءت ذلك المكان قافلة تسير من مَدْيَنَ إلى مِصْرَ فأرسلوا وَارِدَهُمْ الذي يجلب لهم الماء للاستسقاء، فأرسل دَلْوه ودلاه في ذلك الجب فتعلق به يوسف. ولما خَرَجَ ورآه قال مُبشِّرًا جماعته السيارة: ﴿يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ أي: آن وقت البشرى فاحضري، كما يقال: يَا أسفًا، ويا حسرتا، إذا وقع ما هو سبب لذلك، فاستبشرتْ به السيارة، وأخفوه من الناس لئلا يَدَّعِيهِ أحدٌ من أهل ذلك المكان لأن يَكُونَ بضاعة لهم من جملة تجارتهم، والله عليم بما
(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
342
يعمله هؤلاء السيارة، وما يعمله إخوةُ يوسُفَ فلكل منهم مقصد خاص في يوسف، فالسيارة يدَّعون بالباطل، أنه عبد لهم فيتجرون فيه، وإخوةُ يوسف يريدون إخفاءه عن أبيه، ويدَّعُونَ أنَّ الذِّئبَ قد أكله، وذلك كيد بالباطل لِيُمْضِي فيه وفيهم حُكْمَهُ السابقَ في علمه، وليرى إخوةُ يوسُفَ ويُوسُفُ وأبوه قُدْرَتَه تعالى على تنفيذ ما أراد.
وفي هذا تذكير من الله تعالى لنبيه محمد - ﷺ - وتسلية له على ما كان يلقى من قومه، وأقْرِبَائِه وأنسبائه المشركين من الأذى، فكأنه يقول له: اصبر على ما نالك في الله تعالى، فإني قادر على تغيير ذلك كما قدرت على تغيير ما لقِيَ يوسف من إخوته، وسيصير أمْرَكَ إلى العلو عليهم، كما صار أمر يوسف مع إخوته إذ صار سيدهم. ﴿وَشَرَوْهُ﴾؛ أي: باعوه في مصر؛ أي: باع يوسف مالك بن ذعر وأصحابه في مصر بعد أن وَصلُوا إليها وهو من الأضداد. والضمير للوارد وأصحابه، أو الضمير لإخوة يوسف؛ أي: باع إخوة يُوسُفَ يُوسُفَ للوارد وأصحابه، ويحتمل أن يكونَ الشِّراء على معناه؛ أي: واشترى الوارد وأصحابه يُوسُفَ من إخوته إذ جعلوه عُرْضَةً للابتذال بالبيع والشراء؛ لأنهم لم يَعْرِفُوا حَالَهُ إما لأنَّ الله تعالى أغفلهم عن السؤال، ليقضي أَمْرًا كان مفعولًا، أو لأنهم سألوا عن حاله، ولم يفهموا لُغَته لكونها عِبْريةً، أي باعوه في مصر. ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾؛ أي (١): مبخوس ناقص في نفسه لكونه زَيْفًا، وفي قدره لكونه قَلِيلًا فبخس هنا بمعنى مبخوس؛ لأنَّ الثَمَن لا يوسف بالمعنى المصدري، الذي هو النقص، ووصف بكونه مبخوسًا، إما لردائته وغشه، أو لنقصان وزنه، من بخسه حقه؛ أي: نقصه. وقال بعضهم: بثمن بخس؛ أي: حرام منقوص، لأن ثمن الحر حرام، انتهى. حمل البخس على المعنى لكون الحرام ممحوقَ البركات، والقولُ الأول هو الأصح. وقوله: ﴿دَرَاهِمَ﴾ بدل من ثمن أي لا دنانير ﴿مَعْدُودَةٍ﴾؛ أي: قليلة غير موزونة، فهو بيان لقلته، ونقصانه مقدارًا بعد بيان نقصانه في نفسه، بقوله: ﴿بَخْسٍ﴾؛ أي: زيف، لأنهم كانوا يَزِنُونَ الأوقية، وهي أربعون درهمًا
وفي هذا تذكير من الله تعالى لنبيه محمد - ﷺ - وتسلية له على ما كان يلقى من قومه، وأقْرِبَائِه وأنسبائه المشركين من الأذى، فكأنه يقول له: اصبر على ما نالك في الله تعالى، فإني قادر على تغيير ذلك كما قدرت على تغيير ما لقِيَ يوسف من إخوته، وسيصير أمْرَكَ إلى العلو عليهم، كما صار أمر يوسف مع إخوته إذ صار سيدهم. ﴿وَشَرَوْهُ﴾؛ أي: باعوه في مصر؛ أي: باع يوسف مالك بن ذعر وأصحابه في مصر بعد أن وَصلُوا إليها وهو من الأضداد. والضمير للوارد وأصحابه، أو الضمير لإخوة يوسف؛ أي: باع إخوة يُوسُفَ يُوسُفَ للوارد وأصحابه، ويحتمل أن يكونَ الشِّراء على معناه؛ أي: واشترى الوارد وأصحابه يُوسُفَ من إخوته إذ جعلوه عُرْضَةً للابتذال بالبيع والشراء؛ لأنهم لم يَعْرِفُوا حَالَهُ إما لأنَّ الله تعالى أغفلهم عن السؤال، ليقضي أَمْرًا كان مفعولًا، أو لأنهم سألوا عن حاله، ولم يفهموا لُغَته لكونها عِبْريةً، أي باعوه في مصر. ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾؛ أي (١): مبخوس ناقص في نفسه لكونه زَيْفًا، وفي قدره لكونه قَلِيلًا فبخس هنا بمعنى مبخوس؛ لأنَّ الثَمَن لا يوسف بالمعنى المصدري، الذي هو النقص، ووصف بكونه مبخوسًا، إما لردائته وغشه، أو لنقصان وزنه، من بخسه حقه؛ أي: نقصه. وقال بعضهم: بثمن بخس؛ أي: حرام منقوص، لأن ثمن الحر حرام، انتهى. حمل البخس على المعنى لكون الحرام ممحوقَ البركات، والقولُ الأول هو الأصح. وقوله: ﴿دَرَاهِمَ﴾ بدل من ثمن أي لا دنانير ﴿مَعْدُودَةٍ﴾؛ أي: قليلة غير موزونة، فهو بيان لقلته، ونقصانه مقدارًا بعد بيان نقصانه في نفسه، بقوله: ﴿بَخْسٍ﴾؛ أي: زيف، لأنهم كانوا يَزِنُونَ الأوقية، وهي أربعون درهمًا
(١) روح البيان.
343
ويعدون ما دونها. فعن ابن عباس: أنها كانت عشرين درهمًا. وعن السدي: اثنين وعشرين درهمًا. وقال عكرمة: كانت أربعين درهمًا.
﴿وَكَانُوا﴾؛ أي: البائعون ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في يُوسفَ ﴿مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾؛ أي: مِمَّنْ يرغب ويعرض عما في يده، فيبيعه بما طفَّ ونَقُصَ من الثمن؛ لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاون به، لا يبالي بما باعه، ولأنه يخاف أن يَظْهَرَ له مستحق فينزعه من يده، فيبيعه من أول مساوم بأوكس ثَمن وأرخصه. وأصل (١) الزهد: قِلَّةُ الرغبةِ، يقال: زَهِدَ فلان في كذا، إذا لم يكن له فيه رغبةٌ. والضمير في قوله: ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ إن قلنا: إنه يرجع إلى إخوة يوسف كان وجه زهدهم فيه أنهم حسدوه، وأرادوا إبعاده عنهم، ولم يكن قصدهم تحصيل الثمن، وإن قلنا: إن قوله: ﴿وَشَرَوْهُ﴾ ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ يرجع إلى معنى واحد، وهو: أن الذين شَرَوْه كانوا فيه من الزاهدين، كان وجه زهدهم فيه: إظهار قلة الرغبة فيه، ليشتروه بثمن بخس قليل. ويحتمل أن يقالَ: إنَّ إخْوَتَهُ لما قالوا: إنه عبدنا، وقد أبق، أظْهَرَ المشترِي قِلَّةَ الرغبة فيه لهذا السبب.
قال أصحاب الأخبار (٢): ثمَّ إن مالك بن ذعر وأصحابَه لما اشتروا يُوسُفَ انطلقوا به إلى مصر، وتبعهم إخوته يقولون: استوثقوا منه، لا يأبق منكم، فذهبوا به حتى قدموا مصر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما دخلوا مصرَ لقِيَ قِطْفِيرٌ - صاحب أمر الملك -، وكان على خزائن مِصرَ مالِكَ بن ذعر فاشترى يوسُفَ منه بعشرين دينارًا، وزوج نعل، وثوبين أبيضين.
وقال وهب بن منبه: قَدِمَتِ السيارة بيوسف مِصْرَ، ودخلوا به السوقَ يُعرضونه للبيع، فترافع الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبًا، ووزنه فضة، ووزنه مِسْكًا وحَرِيرًا. وكان وزنه أربع مئة رطل. وكان عمره يومئذ ثلاث عَشَرةَ سنةً، أو سبع عشرة سنة. فابتاعه قطفير - وكان يسمَّى العزيز - بهذا الثمن، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ﴾.
﴿وَكَانُوا﴾؛ أي: البائعون ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في يُوسفَ ﴿مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾؛ أي: مِمَّنْ يرغب ويعرض عما في يده، فيبيعه بما طفَّ ونَقُصَ من الثمن؛ لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاون به، لا يبالي بما باعه، ولأنه يخاف أن يَظْهَرَ له مستحق فينزعه من يده، فيبيعه من أول مساوم بأوكس ثَمن وأرخصه. وأصل (١) الزهد: قِلَّةُ الرغبةِ، يقال: زَهِدَ فلان في كذا، إذا لم يكن له فيه رغبةٌ. والضمير في قوله: ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ إن قلنا: إنه يرجع إلى إخوة يوسف كان وجه زهدهم فيه أنهم حسدوه، وأرادوا إبعاده عنهم، ولم يكن قصدهم تحصيل الثمن، وإن قلنا: إن قوله: ﴿وَشَرَوْهُ﴾ ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ يرجع إلى معنى واحد، وهو: أن الذين شَرَوْه كانوا فيه من الزاهدين، كان وجه زهدهم فيه: إظهار قلة الرغبة فيه، ليشتروه بثمن بخس قليل. ويحتمل أن يقالَ: إنَّ إخْوَتَهُ لما قالوا: إنه عبدنا، وقد أبق، أظْهَرَ المشترِي قِلَّةَ الرغبة فيه لهذا السبب.
قال أصحاب الأخبار (٢): ثمَّ إن مالك بن ذعر وأصحابَه لما اشتروا يُوسُفَ انطلقوا به إلى مصر، وتبعهم إخوته يقولون: استوثقوا منه، لا يأبق منكم، فذهبوا به حتى قدموا مصر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما دخلوا مصرَ لقِيَ قِطْفِيرٌ - صاحب أمر الملك -، وكان على خزائن مِصرَ مالِكَ بن ذعر فاشترى يوسُفَ منه بعشرين دينارًا، وزوج نعل، وثوبين أبيضين.
وقال وهب بن منبه: قَدِمَتِ السيارة بيوسف مِصْرَ، ودخلوا به السوقَ يُعرضونه للبيع، فترافع الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبًا، ووزنه فضة، ووزنه مِسْكًا وحَرِيرًا. وكان وزنه أربع مئة رطل. وكان عمره يومئذ ثلاث عَشَرةَ سنةً، أو سبع عشرة سنة. فابتاعه قطفير - وكان يسمَّى العزيز - بهذا الثمن، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ﴾.
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
344
والمعنى (١): أي وباعه السيارة في مصر بثمن قليل ناقص عن ثمن مثله أو الدراهم القليلة التي تعد عدًّا، ولا توزن وزنًا، وكانوا لا يزنون إلا ما بلغ الأوقية أربعين درهمًا، فَما فَوقَها، ويعدون ما دونها، ومن ثم يعبرون عن القليل بالمعدود. وفي سِفرِ التكوين أو التوراة: إنَّ إخْوَتَه قرروا بيعه للإسماعيليِّينِ؛ أي: للعرب، وقد أخرجه من الجب جماعة من أهل مدين، وباعوه لهم. وكانَ الذين باعوه أو الراغبين عنه الذين يبغونَ الخلاصَ منه، لئلا يَظْهَرَ مَنْ يطالبهم به؛ لأنه حُرٌّ، والثَّمَنُ، يكن مَقْصُودًا حِينَ بيعه، ومِنْ ثمَّ قَنِعوا بالبخس منه.
الإعراب
﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)﴾.
﴿الر﴾ تقدم البحث في إعرابه ومعناه. ﴿تِلْكَ﴾ مبتدأ. ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ خبر ومضاف إليه. ﴿الْمُبِينِ﴾ صفة لـ ﴿الْكِتَابِ﴾ والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّا﴾ واسمه. ﴿أنْزَلْنَاهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿قُرْآنًا﴾ حال موطئة من ضمير المفعول في ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾، ولكن بعد تأويله بمشتق، في حَالَةَ كونه مقروءًا؛ أي: مجموعًا. ﴿عَرَبِيًّا﴾ صفة ﴿قُرْآنًا﴾ والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إن) والجملة مستأنفة. ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ ناصب واسمه. وجملة ﴿أتعْقِلُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعلَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. ﴿نَحْنُ﴾ مبتدأ. ﴿نَقُصُّ﴾ وفعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق به. ﴿أَحْسَنَ اَلقَصَصِ﴾ ومفعول مطلق، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿بِمَا﴾ (الباء) حرف جر وسبب. (ما) مصدرية. ﴿أَوْحَيْنَا﴾ فعل وفاعل. ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق به. ﴿هَذَا﴾ في محل النصب مفعول ﴿أوْحَيْنَا﴾. ﴿الْقُرْآنَ﴾ بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان منه، والجملة الفعلية صلة (ما) المصدرية (ما)
الإعراب
﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)﴾.
﴿الر﴾ تقدم البحث في إعرابه ومعناه. ﴿تِلْكَ﴾ مبتدأ. ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ خبر ومضاف إليه. ﴿الْمُبِينِ﴾ صفة لـ ﴿الْكِتَابِ﴾ والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّا﴾ واسمه. ﴿أنْزَلْنَاهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿قُرْآنًا﴾ حال موطئة من ضمير المفعول في ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾، ولكن بعد تأويله بمشتق، في حَالَةَ كونه مقروءًا؛ أي: مجموعًا. ﴿عَرَبِيًّا﴾ صفة ﴿قُرْآنًا﴾ والجملة الفعلية في محل الرفع خبر (إن) والجملة مستأنفة. ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ ناصب واسمه. وجملة ﴿أتعْقِلُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعلَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. ﴿نَحْنُ﴾ مبتدأ. ﴿نَقُصُّ﴾ وفعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق به. ﴿أَحْسَنَ اَلقَصَصِ﴾ ومفعول مطلق، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿بِمَا﴾ (الباء) حرف جر وسبب. (ما) مصدرية. ﴿أَوْحَيْنَا﴾ فعل وفاعل. ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق به. ﴿هَذَا﴾ في محل النصب مفعول ﴿أوْحَيْنَا﴾. ﴿الْقُرْآنَ﴾ بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان منه، والجملة الفعلية صلة (ما) المصدرية (ما)
(١) المراغي.
345
مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بإيحائنا إليك هذا القرآن، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿نَقُصُّ﴾. ﴿وَإِنْ كُنْتَ﴾ ﴿الواو﴾ حالية. (من) مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوفًا؛ أي: وإنه. (كنتَ) فعل ناقص واسمه. ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ متعلق بـ (كنت). ﴿لَمِنَ﴾ (اللام) حرف ابتداء. ﴿مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ جار ومجرور خبر (كان) وجملة (كان) في محل الرفع خبر (إن) المخففة، وجملة (إن) المخففة في محل النصب حال أو (كاف) ﴿عَلَيْكَ﴾.
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ﴾.
﴿إذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية مبني على السكون، والظرف متعلق بـ ﴿نَقُصُّ﴾ أو باذكر محذوفًا. ﴿قَالَ يُوسُفُ﴾ فعل وفاعل. ﴿لِأَبِيهِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ (إذ). ﴿يَا أَبَتِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يَا أَبَتِ﴾ (يا) حرف نداء. ﴿أبت﴾ منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، المعوضة عنها قال التأنيث للتفخيم، مَنَعَ أو ظهورها اشتغال المحل بالفتحة المجلوبة لمناسبة التاء؛ لأن التاء لا يكون ما قبلها إلَّا مفتوحًا ﴿أب﴾ مضاف وياء المتكلم المعوضة عنها تاء التأنيث في محل الجر مضاف إليه، مبنية على السكون لشبهها بالحرف شبهًا وضعيًّا وتاء التأنيث حرف لا محل لها أو الإعراب مبنية على الفتح، وإنما حركت لِكَونها على حرف واحد، وكانت الحركة فتحةً تحريكًا لها بحركة أصلها الذي هو الياء في بعض لغاتها، وجملة النداء في محل النصب مقول قال، اهـ "هدية أولي الإنصاف في إعراب المنادى المضاف".
﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾.
﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿رَأَيْتُ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول قال على كونها جوابَ النداء. ﴿أَحَدَ عَشَرَ﴾ عدد مركب في محل النصب على المفعولية الأولى، مبني على فتح الجزأين بنيَ الجزء الأول لشبهه بالحرف، شبهًا افتقاريًّا لافتقاره إلى الجزء الثاني، في دلالته على المعنى المراد، وبني الجزء الثاني لشبهه بالحرف، شبهًا
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ﴾.
﴿إذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية مبني على السكون، والظرف متعلق بـ ﴿نَقُصُّ﴾ أو باذكر محذوفًا. ﴿قَالَ يُوسُفُ﴾ فعل وفاعل. ﴿لِأَبِيهِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ (إذ). ﴿يَا أَبَتِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يَا أَبَتِ﴾ (يا) حرف نداء. ﴿أبت﴾ منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، المعوضة عنها قال التأنيث للتفخيم، مَنَعَ أو ظهورها اشتغال المحل بالفتحة المجلوبة لمناسبة التاء؛ لأن التاء لا يكون ما قبلها إلَّا مفتوحًا ﴿أب﴾ مضاف وياء المتكلم المعوضة عنها تاء التأنيث في محل الجر مضاف إليه، مبنية على السكون لشبهها بالحرف شبهًا وضعيًّا وتاء التأنيث حرف لا محل لها أو الإعراب مبنية على الفتح، وإنما حركت لِكَونها على حرف واحد، وكانت الحركة فتحةً تحريكًا لها بحركة أصلها الذي هو الياء في بعض لغاتها، وجملة النداء في محل النصب مقول قال، اهـ "هدية أولي الإنصاف في إعراب المنادى المضاف".
﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾.
﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿رَأَيْتُ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول قال على كونها جوابَ النداء. ﴿أَحَدَ عَشَرَ﴾ عدد مركب في محل النصب على المفعولية الأولى، مبني على فتح الجزأين بنيَ الجزء الأول لشبهه بالحرف، شبهًا افتقاريًّا لافتقاره إلى الجزء الثاني، في دلالته على المعنى المراد، وبني الجزء الثاني لشبهه بالحرف، شبهًا
346
معنويًّا لتضمنه معنى حرف العطف، وإنما حركا ليعلم أو لهما أصْلًا في الإعراب، وكانت الحركة فتحةً للخفة مع ثقل التركيب، ﴿كَوْكَبًا﴾ تمييز لـ ﴿أَحَدَ عَشَرَ﴾ منصوب به. ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ معطوفان على ﴿أَحَدَ عَشَرَ﴾. ﴿رَأَيْتُهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة مؤكدة للجملة الأولى توكيدًا لفظيًّا. ﴿لِي﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿سَاجِدِينَ﴾. ﴿سَاجِدِينَ﴾ مفعول ثان لـ ﴿رَأَيْتُ﴾.
وفي "الفتوحات"، قوله: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ يحتمل وجهين:
أحدهما: أنَّها جملة كررت للتوكيد، لما طال الفصل بالمفاعيل، كررت كما كررت أنكم في قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)﴾ كذا قاله الشيخ.
والثاني: أنه ليس بتأكيد، وإليه نحا الزمخشري فإن قال: فإن قلت: ما معنى تكرار ﴿رَأَيْتُهُمْ﴾.
قلت: ليس بتكرار، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال، وقَعَ جوابًا له، كأنَّ يعقوب عليه السلام قال له عند قوله: ﴿إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ كيف رأيتَها سائلًا عن حال رؤيتها فقال: رأيتهم لي ساجدين؟.
قلت: وهذا أظهر لأنه متى دار الكلام بين الحَمْل على التأكيد، أو التأسيس، فَحَمْلُه على الثاني أولى، اهـ "سمين".
﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة مستأنفة. ﴿يَا بُنَيَّ﴾ إلى قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يَا بُنَيَّ﴾ بالفتح منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحةٌ مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف، بعد قلب الكسرة فتحةً لمناسبة الألف المحذوفة، تلك الألف للتخفيف، ﴿بني﴾ مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف في محل الجر مضاف إليه. وبالكسر منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وجملة النداء في محل النصب مقول
وفي "الفتوحات"، قوله: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ يحتمل وجهين:
أحدهما: أنَّها جملة كررت للتوكيد، لما طال الفصل بالمفاعيل، كررت كما كررت أنكم في قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)﴾ كذا قاله الشيخ.
والثاني: أنه ليس بتأكيد، وإليه نحا الزمخشري فإن قال: فإن قلت: ما معنى تكرار ﴿رَأَيْتُهُمْ﴾.
قلت: ليس بتكرار، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال، وقَعَ جوابًا له، كأنَّ يعقوب عليه السلام قال له عند قوله: ﴿إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ كيف رأيتَها سائلًا عن حال رؤيتها فقال: رأيتهم لي ساجدين؟.
قلت: وهذا أظهر لأنه متى دار الكلام بين الحَمْل على التأكيد، أو التأسيس، فَحَمْلُه على الثاني أولى، اهـ "سمين".
﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة مستأنفة. ﴿يَا بُنَيَّ﴾ إلى قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يَا بُنَيَّ﴾ بالفتح منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحةٌ مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف، بعد قلب الكسرة فتحةً لمناسبة الألف المحذوفة، تلك الألف للتخفيف، ﴿بني﴾ مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف في محل الجر مضاف إليه. وبالكسر منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وجملة النداء في محل النصب مقول
347
﴿قَالَ﴾. ﴿لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ﴾ فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها جوابَ النداء. ﴿عَلَى إِخْوَتِك﴾ جار ومجرور متعلقان بـ ﴿لا تقصص﴾ ﴿فَيَكِيدُوا﴾ (الفاء) عاطفة سببية. ﴿يكيدوا﴾ فعل وفاعل منصوب بأن مضمرةً وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي. ﴿لَكَ﴾ متعلق به، أو حال أو ﴿كَيْدًا﴾. ﴿كَيْدًا﴾ منصوب على المصدرية، أو مفعول به، والجملة الفعلية صلة أو المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد أو الجملة التي قبلَها أو غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: لا يكن قصك رؤياك إياهم فكيدهم إياك. ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ﴾ ناصب واسمه. ﴿لِلْإِنْسَانِ﴾ متعلق بـ ﴿عَدُوٌّ﴾ ﴿عَدُوٌّ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾. ﴿مُبِينٌ﴾ صفة عدو، وجملة إن في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)﴾.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. كذلك جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ فعل ومفعول وفاعل والتقدير: ويجتبيك ربك للنبوة والرسالة اجتباءً مثل اجتبائه إياك بهذه الرؤية، والجملة معطوفة على جملة النداء السابق على كونا مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَيُعَلِّمُكَ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه في محل المفعول الثاني، والجملة الفعلية مستأنفة على كونها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿يعلمك﴾ على كونِها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق بـ ﴿يتم﴾ أو بـ ﴿نِعْمَتَهُ﴾. ﴿وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ﴾ جار ومجرور معطوف على عليك، وكرَّر (على) ليمكن العطف على الضمير المجرور كما هو مذهب البصريين. ﴿كَمَا﴾ (الكاف) حرف جر. (ما) مصدرية. ﴿أَتَمَّهَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَى أَبَوَيْكَ﴾ جار ومجرور متعلق به. ﴿مِن قَبْلُ﴾ جار ومجرور متعلق به أيضًا. ﴿إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾ يجوز أن يكونا بدلًا من أبويك، أو عطفَ بيان، أو على إضمار أعني، والجملة الفعلية صلة ﴿ما﴾ المصدوية (ما) مع صلتها في تأويل مصدر مجرور (بالكاف) تقديره:
﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)﴾.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. كذلك جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ فعل ومفعول وفاعل والتقدير: ويجتبيك ربك للنبوة والرسالة اجتباءً مثل اجتبائه إياك بهذه الرؤية، والجملة معطوفة على جملة النداء السابق على كونا مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَيُعَلِّمُكَ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه في محل المفعول الثاني، والجملة الفعلية مستأنفة على كونها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿يعلمك﴾ على كونِها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق بـ ﴿يتم﴾ أو بـ ﴿نِعْمَتَهُ﴾. ﴿وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ﴾ جار ومجرور معطوف على عليك، وكرَّر (على) ليمكن العطف على الضمير المجرور كما هو مذهب البصريين. ﴿كَمَا﴾ (الكاف) حرف جر. (ما) مصدرية. ﴿أَتَمَّهَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَلَى أَبَوَيْكَ﴾ جار ومجرور متعلق به. ﴿مِن قَبْلُ﴾ جار ومجرور متعلق به أيضًا. ﴿إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾ يجوز أن يكونا بدلًا من أبويك، أو عطفَ بيان، أو على إضمار أعني، والجملة الفعلية صلة ﴿ما﴾ المصدوية (ما) مع صلتها في تأويل مصدر مجرور (بالكاف) تقديره:
348
كإتمامها على أبويك من قبل الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: ويتم نعمته عليك إتمامًا مثلَ إتمامه إيَّاها على أبويك من قبلُ. ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ ناصب واسمه. ﴿عَلِيمٌ﴾ خبره. ﴿حَكِيمٌ﴾ خبر ثان له، وجملة إن مستأنفةٌ مسوقةٌ لتعليل ما قبلها على كونها مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)﴾.
﴿لَقَدْ﴾ (اللام) موطئة لقسم محذوف. ﴿قد﴾ حرف تحقيق. ﴿كاَنَ﴾ فعل ماض ناقص. ﴿فِي يُوسُفَ﴾ جار ومجرور خبر مقدم لـ (كان) على اسمها. ﴿وَإِخْوَتِهِ﴾ معطوف على ﴿يُوسُفُ﴾. ﴿آيَاتٌ﴾ اسم (كان) مؤخر. ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾ جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر، وجملة ﴿كَانَ﴾ جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم مستأنفة.
﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨)﴾.
﴿إِذ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره اذكر ﴿إِذْ قَالُوا﴾. ﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر بإضافة ﴿إِذ﴾ إليها. ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾ إلى قوله: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالُواْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يُوسُفُ﴾ (اللام) موطئة للقسم، أو حرف ابتداءٍ على الخلاف المار فيه. ﴿يوسف﴾ مبتدأ. ﴿وَأَخُوه﴾ معطوف عليه. ﴿أَحَبَّ﴾ خبر المبتدأ. ﴿إلَى أَبِينَا مِنَّا﴾ يتعلقان به، ولم تحصل المطابقة بين المبتدأ، والخبر؛ لأن الخبر هذا اسم تفضيل مجرد، وهو يلزم الذكير والتوحيد. قال ابن مالك:
و ﴿أحَبُّ﴾ مصوغ من حب المبني للمفعول، وهو سماعي، ولو جاء على القياس ليوصل إليه بأشدَّ ونحوه. قال ابن مالك:
والجملة الاسمية جواب القسم، وجملة القسم في محل النصب مقول ﴿قَالُواْ﴾. ﴿وَنَحْنُ﴾ ﴿الواو﴾ واو الحال. ﴿نحن عصبة﴾ مبتدأ وخبر، والجملة
﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)﴾.
﴿لَقَدْ﴾ (اللام) موطئة لقسم محذوف. ﴿قد﴾ حرف تحقيق. ﴿كاَنَ﴾ فعل ماض ناقص. ﴿فِي يُوسُفَ﴾ جار ومجرور خبر مقدم لـ (كان) على اسمها. ﴿وَإِخْوَتِهِ﴾ معطوف على ﴿يُوسُفُ﴾. ﴿آيَاتٌ﴾ اسم (كان) مؤخر. ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾ جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر، وجملة ﴿كَانَ﴾ جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم مستأنفة.
﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨)﴾.
﴿إِذ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره اذكر ﴿إِذْ قَالُوا﴾. ﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر بإضافة ﴿إِذ﴾ إليها. ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾ إلى قوله: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالُواْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يُوسُفُ﴾ (اللام) موطئة للقسم، أو حرف ابتداءٍ على الخلاف المار فيه. ﴿يوسف﴾ مبتدأ. ﴿وَأَخُوه﴾ معطوف عليه. ﴿أَحَبَّ﴾ خبر المبتدأ. ﴿إلَى أَبِينَا مِنَّا﴾ يتعلقان به، ولم تحصل المطابقة بين المبتدأ، والخبر؛ لأن الخبر هذا اسم تفضيل مجرد، وهو يلزم الذكير والتوحيد. قال ابن مالك:
وَإِنْ لِمَنكُوْرٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا | أُلْزِمَ تَذْكِيْرًا وَأَنْ يُوَحَّدَا |
وَأَشْدِدَ أوْ أَشَدَّ أَوْ شِبْهَهُمَا | يَخْلُفُ مَا بَعْضَ الشُّرُوْطِ عَدِمَا |
349
في محل النصب حال من ضمير المتكلمين في ﴿مِنَّا﴾. ﴿إِنَّ أَبَانَا﴾ ناصب واسمه ومضاف إليه. ﴿لَفِي﴾ (اللام) حرف ابتداء. ﴿فِي ضَلَالٍ﴾ خبر ﴿إنَّ﴾. ﴿مُبِينٍ﴾ صفة ﴿ضَلَالٍ﴾، وجملة إنَّ مستأنفة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾.
﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩)﴾.
﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿أَوِ﴾ حرف عطف، وتمييز. ﴿اطْرَحُوهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿اقْتُلُوا﴾. ﴿أَرْضا﴾ منصوب على الظرفية أو بنزع الخافض. ﴿يَخْلُ﴾ فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وعلامة جزمه حذفُ حرف العلة. ﴿لَكُم﴾ متعلق به. ﴿وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ فاعل، ومضاف إليه. ﴿وَتَكُونُوا﴾ فعل ناقص واسمه معطوف على ﴿يَخْلُ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ متعلق به. ﴿قَوْمًا﴾ خبر ﴿تكونوا﴾. ﴿صَالِحِينَ﴾ صفة ﴿قَوْمًا﴾.
﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (١٠)﴾.
﴿قَالَ قَائِلٌ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِنْهُمْ﴾ صفة قائل، والجملة مستأنفة. ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ إلى قوله ﴿قَالُوا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ فعل وفاعل، ومفعول به مجزوم بـ (لا) الناهية، والجملة في محل النصب مقول (قَالُوا). ﴿وأَلْقُوهُ﴾ فعل وفاعل، ومفعول معطوف على جملة ﴿لَا تَقْتُلُوا﴾. ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق به. ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ فعل ومفعول، وفاعل مجزوم بالطلب السابق. ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ فعل ناقص واسمه وخبره في محل الجزم بـ (إن) الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كنتم فاعلين فافعلوا هذا القدر؛ في: إلقاءه في البئر، وجملة (إن) الشرطية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١)﴾.
﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩)﴾.
﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿أَوِ﴾ حرف عطف، وتمييز. ﴿اطْرَحُوهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿اقْتُلُوا﴾. ﴿أَرْضا﴾ منصوب على الظرفية أو بنزع الخافض. ﴿يَخْلُ﴾ فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وعلامة جزمه حذفُ حرف العلة. ﴿لَكُم﴾ متعلق به. ﴿وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ فاعل، ومضاف إليه. ﴿وَتَكُونُوا﴾ فعل ناقص واسمه معطوف على ﴿يَخْلُ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ متعلق به. ﴿قَوْمًا﴾ خبر ﴿تكونوا﴾. ﴿صَالِحِينَ﴾ صفة ﴿قَوْمًا﴾.
﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (١٠)﴾.
﴿قَالَ قَائِلٌ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِنْهُمْ﴾ صفة قائل، والجملة مستأنفة. ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ إلى قوله ﴿قَالُوا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ فعل وفاعل، ومفعول به مجزوم بـ (لا) الناهية، والجملة في محل النصب مقول (قَالُوا). ﴿وأَلْقُوهُ﴾ فعل وفاعل، ومفعول معطوف على جملة ﴿لَا تَقْتُلُوا﴾. ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق به. ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ فعل ومفعول، وفاعل مجزوم بالطلب السابق. ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ فعل ناقص واسمه وخبره في محل الجزم بـ (إن) الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كنتم فاعلين فافعلوا هذا القدر؛ في: إلقاءه في البئر، وجملة (إن) الشرطية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١)﴾.
350
﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ﴾ إلى قوله: ﴿قَالَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿يَا أَبَانَا﴾ منادى مضاف منصوب بالألف، وجملة النداء في محل النصب، مقول ﴿قَالوُا﴾. ﴿مَا﴾ اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. ﴿لَكَ﴾ جار ومجرور خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾ على كونها جوابَ النداء. ﴿لَا﴾ نافية. ﴿تَأْمَنَّا﴾ فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة على النون المدغمة في نون (نا). (نا) ضمير المتكلمين في محل النصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر يعود على ﴿يعقوب﴾. ﴿عَلَى يُوسُفَ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من كاف المخاطب، والعامل فيه الاستقرار الذي تعلق به الخبر. ﴿وَإنَّا﴾ ناصب واسمه. ﴿لَهُ﴾ متعلق بـ ﴿ناصحون﴾. ﴿لناصحون﴾ (اللام) حرف ابتداء. (ناصحون) خبر (إن) وجملة (إن) في محل النصب على الحال من مفعول ﴿تَأْمَنَّا﴾.
﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
﴿أرْسِلْهُ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿مَعَنَا﴾ حال من مفعول ﴿أَرْسِلْهُ﴾. ﴿غَدًا﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿أرسل﴾. ﴿يَرْتَعْ﴾ مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿وَيَلْعَبْ﴾ معطوف عليه. ﴿وَإِنَّا﴾ ناصب واسمه. ﴿لَهُ﴾ متعلق بما بعده. ﴿لَحَافِظُونَ﴾ خبر (إن) و (اللام) حرف ابتداء، وجملة إنّ في محل النصب حال من (هاء) ﴿أرْسِلْهُ﴾.
﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (١٣)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي﴾ إلى قوله ﴿قَالوُا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿لَيَحْزُنُنِي﴾ فعل مضارع ومفعول، و (نون) وقاية و (اللام) حرف ابتداء. ﴿أَنْ تَذْهَبُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بـ (أن) المصدرية. ﴿بِهِ﴾ متعلق به، وجملة ﴿تذهبوا﴾ في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، ليحزن تقديره: ليحزنني ذهابكم
﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
﴿أرْسِلْهُ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿مَعَنَا﴾ حال من مفعول ﴿أَرْسِلْهُ﴾. ﴿غَدًا﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿أرسل﴾. ﴿يَرْتَعْ﴾ مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿وَيَلْعَبْ﴾ معطوف عليه. ﴿وَإِنَّا﴾ ناصب واسمه. ﴿لَهُ﴾ متعلق بما بعده. ﴿لَحَافِظُونَ﴾ خبر (إن) و (اللام) حرف ابتداء، وجملة إنّ في محل النصب حال من (هاء) ﴿أرْسِلْهُ﴾.
﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (١٣)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي﴾ إلى قوله ﴿قَالوُا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿لَيَحْزُنُنِي﴾ فعل مضارع ومفعول، و (نون) وقاية و (اللام) حرف ابتداء. ﴿أَنْ تَذْهَبُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بـ (أن) المصدرية. ﴿بِهِ﴾ متعلق به، وجملة ﴿تذهبوا﴾ في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، ليحزن تقديره: ليحزنني ذهابكم
351
به، وجملة ﴿يحزن﴾ في محل الرفع خبر إنَّ، وجملة إنَّ في محل النصب مقولُ ﴿قَالَ﴾. ﴿وَأَخَافُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ياء المتكلم في ﴿يحزنني﴾. ﴿أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ فعل ومفعول وفاعل منصوب بأن المصدرية، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، لـ ﴿أخاف﴾؛ أي: والحال أني أخاف أكل الذئب إياه. ﴿وَأَنْتُمْ﴾ مبتدأ. ﴿عَنهُ﴾ متعلق بـ ﴿غَافِلُونَ﴾. ﴿غَافِلُونَ﴾ خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من (هاء) ﴿يأكله﴾ ولكنها حال سببية.
﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (١٤)﴾.
﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَئِنْ﴾ (اللام) موطئة للقسم. (إن) حرف شرط. ﴿أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ فعل ومفعول، وفاعل في محل الجزم بـ (إن) الشرطية على كونِه فعل شرط لها. ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من (هاء) ﴿أَكَلَهُ﴾. ﴿إِنَّا﴾ ناصب واسمه. ﴿إذًا﴾ حرف جواب وجزاء، ولكن لا عمل لها لدخولها على الجملة الاسمية. ﴿لَخَاسِرُونَ﴾ خبر (إنَّ) و (اللام) حرف ابتداء، وجملة إن جوابَ القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب إن الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم، تقديره: إن أكله الذئب، فإنا إذًا لخاسرون، وجملة الشرط معترضةٌ بين القسم، وجوابه، وجملةُ القسم في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾.
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ (الفاء) عاطفة على محذوف تقديره: فأرسلَه معهم، فلما ذهبوا به، وذلك المقدر معطوف على قوله سابقًا. ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا﴾ كما في "الجمل". ﴿لَمَّا﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿ذَهَبُوا﴾ فعل وفاعل. ﴿بهِ﴾ متعلق به، والجملة فعل شرط لـ (لما). ﴿وَأَجْمَعُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿ذَهَبُوا﴾. ﴿أَنْ يَجْعَلُوهُ﴾ ناصب يفعل، وفاعل، ومفعول أول. ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ جار ومجرور في محل
﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (١٤)﴾.
﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَئِنْ﴾ (اللام) موطئة للقسم. (إن) حرف شرط. ﴿أَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ فعل ومفعول، وفاعل في محل الجزم بـ (إن) الشرطية على كونِه فعل شرط لها. ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من (هاء) ﴿أَكَلَهُ﴾. ﴿إِنَّا﴾ ناصب واسمه. ﴿إذًا﴾ حرف جواب وجزاء، ولكن لا عمل لها لدخولها على الجملة الاسمية. ﴿لَخَاسِرُونَ﴾ خبر (إنَّ) و (اللام) حرف ابتداء، وجملة إن جوابَ القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب إن الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم، تقديره: إن أكله الذئب، فإنا إذًا لخاسرون، وجملة الشرط معترضةٌ بين القسم، وجوابه، وجملةُ القسم في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾.
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ (الفاء) عاطفة على محذوف تقديره: فأرسلَه معهم، فلما ذهبوا به، وذلك المقدر معطوف على قوله سابقًا. ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا﴾ كما في "الجمل". ﴿لَمَّا﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿ذَهَبُوا﴾ فعل وفاعل. ﴿بهِ﴾ متعلق به، والجملة فعل شرط لـ (لما). ﴿وَأَجْمَعُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿ذَهَبُوا﴾. ﴿أَنْ يَجْعَلُوهُ﴾ ناصب يفعل، وفاعل، ومفعول أول. ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ جار ومجرور في محل
352
المفعول الثاني، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، لـ ﴿وَأَجْمَعُوا﴾ تقديره: وأجمعوا جعلهم إياه في غيابة الجب، وجواب (لما) محذوف تقديره: فعلوا به، ما فعلوا من الأذى، وجملة (لما) معطوفة على تلك الجملة المحذوفة. ﴿وَأَوْحَيْنَا﴾ فعل وفاعل معطوف على جواب (لما) المحذوف. ﴿إِليهِ﴾ متعلق به. ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾ (اللام) موطئة للقسم. ﴿تنبئنهم﴾ فعل ومفعول. ﴿بِأَمْرِهِمْ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق به، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿هَذَا﴾ بدل من ﴿أمرهم﴾ أو صفة له، والجملة الفعلية جوابُ القسم لا محل لها من الإعراب، وجملةُ القسم في محل النصب مفعول ﴿أَوْحَيْنَا﴾. ﴿وَهُمْ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من ضمير ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾.
﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧)﴾.
﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. ﴿عِشَاءً﴾ منصوب على الظرفية متعلق به. ﴿يَبْكُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿جاءوا﴾. ﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿يَا أَبَانَا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿يَا أَبَانَا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿إِنَّا﴾ ناصب واسمه ﴿ذَهَبْنَا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر إنَّ، وجملة إنَّ في محل النصب مقول قال على كونها جوابَ النداءِ. ﴿نَسْتَبِقُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على إخوة يوسف، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل ﴿ذَهَبْنَا﴾. ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿ذَهَبنَا﴾. ﴿عِندَ متاعنا﴾ ظرف، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تركنا﴾. ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ فعل ومفعول وفاعل معطوف على ﴿تركنا﴾. ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. (ما) حجازية أو تميمية. ﴿أنتَ﴾ في محل الرفع اسمها أو مبتدأ. ﴿بِمُؤْمِنٍ﴾ خبر (ما) الحجازية، أو خبر المبتدأ و (الباء) زائدة. ﴿لَّنَا﴾ متعلق بـ ﴿مؤمن﴾، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿فَأَكَلَهُ﴾ على كونها مقول القول. {وَلَوْ كُنَّا
﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧)﴾.
﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. ﴿عِشَاءً﴾ منصوب على الظرفية متعلق به. ﴿يَبْكُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿جاءوا﴾. ﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿يَا أَبَانَا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿يَا أَبَانَا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿إِنَّا﴾ ناصب واسمه ﴿ذَهَبْنَا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر إنَّ، وجملة إنَّ في محل النصب مقول قال على كونها جوابَ النداءِ. ﴿نَسْتَبِقُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على إخوة يوسف، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل ﴿ذَهَبْنَا﴾. ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿ذَهَبنَا﴾. ﴿عِندَ متاعنا﴾ ظرف، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿تركنا﴾. ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ فعل ومفعول وفاعل معطوف على ﴿تركنا﴾. ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. (ما) حجازية أو تميمية. ﴿أنتَ﴾ في محل الرفع اسمها أو مبتدأ. ﴿بِمُؤْمِنٍ﴾ خبر (ما) الحجازية، أو خبر المبتدأ و (الباء) زائدة. ﴿لَّنَا﴾ متعلق بـ ﴿مؤمن﴾، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿فَأَكَلَهُ﴾ على كونها مقول القول. {وَلَوْ كُنَّا
353
صَادِقِينَ} ﴿الواو﴾ عاطفة على محذوف تقديره: من كنا غير صادقينَ فما أنت بمؤمن لنا. (لو) حرف شرط. ﴿كُنَّا صَادِقِينَ﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة فعل شرط لـ (لو) لا محل لها من الإعراب، وجواب (لو) محذوف تقديره: ولو كنا صادقين، لاتهمتنا في هذه القصة، وجملة لو الشرطية معطوفة على الجملة المحذوفة، والجملة المحذوفة في محل النصب حال من ضمير (لنا) تقديره: وما أنت بمؤمن لنا حَالَةَ كَوْنِنا صَادِقينَ وغَيْرَ صادقين.
﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)﴾.
﴿وَجَاءُوا﴾ فعل وفاعل. ﴿عَلَى قَمِيصِهِ﴾ ظرف بمعنى فوق في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بمحذوف حال من ﴿دم﴾. ﴿بِدَمٍ﴾ متعلق بـ ﴿جاؤوا﴾. ﴿كَذِبٍ﴾ صفة ﴿دم﴾ ولكنه في تأويل مشتق تقديره: مكذوب، والتقدير: ﴿وجاؤوا﴾ بدم حَالَه كونه فوق قميصه، وجملة ﴿جاؤوا﴾ مستأنفة. ﴿قَالَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة مستأنفة. ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿بَل﴾ حرف ابتداء وإضراب إبطالي. ﴿سَوَّلَتَ﴾ فعل ماض، وتاء تأنيث. ﴿لَكُمْ﴾ متعلق به. ﴿أَنْفُسُكُمْ﴾ فاعل. ﴿أَمْرًا﴾ مفعول به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَصَبْرٌ﴾ (الفاء) حرف عطف وتفريع. ﴿صبر﴾ خبر مبتدأ محذوف، تقديره: فصبري صبر جميل. ﴿جَمِيلٌ﴾ صفة ﴿صبر﴾، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَوَّلَتْ﴾ ﴿وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على جملة قوله ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾. ﴿عَلَى مَا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾. ﴿تَصِفُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة لـ (ما) أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره على ما تصفونه.
﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩)﴾.
﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾ فعل وفاعل، ومفعول، و (الفاء) عاطفة، والجملة معطوفة على جملة ﴿جاءت﴾.
﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)﴾.
﴿وَجَاءُوا﴾ فعل وفاعل. ﴿عَلَى قَمِيصِهِ﴾ ظرف بمعنى فوق في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بمحذوف حال من ﴿دم﴾. ﴿بِدَمٍ﴾ متعلق بـ ﴿جاؤوا﴾. ﴿كَذِبٍ﴾ صفة ﴿دم﴾ ولكنه في تأويل مشتق تقديره: مكذوب، والتقدير: ﴿وجاؤوا﴾ بدم حَالَه كونه فوق قميصه، وجملة ﴿جاؤوا﴾ مستأنفة. ﴿قَالَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على يعقوب، والجملة مستأنفة. ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿بَل﴾ حرف ابتداء وإضراب إبطالي. ﴿سَوَّلَتَ﴾ فعل ماض، وتاء تأنيث. ﴿لَكُمْ﴾ متعلق به. ﴿أَنْفُسُكُمْ﴾ فاعل. ﴿أَمْرًا﴾ مفعول به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَصَبْرٌ﴾ (الفاء) حرف عطف وتفريع. ﴿صبر﴾ خبر مبتدأ محذوف، تقديره: فصبري صبر جميل. ﴿جَمِيلٌ﴾ صفة ﴿صبر﴾، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿سَوَّلَتْ﴾ ﴿وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على جملة قوله ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾. ﴿عَلَى مَا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾. ﴿تَصِفُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة لـ (ما) أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره على ما تصفونه.
﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩)﴾.
﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾ فعل وفاعل، ومفعول، و (الفاء) عاطفة، والجملة معطوفة على جملة ﴿جاءت﴾.
354
﴿فأَدْلَى دَلْوَهُ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الوارد، والجملة معطوفة على جملة ﴿أرسلوا﴾. ﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الوارد، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾ وإن شئت قلت: يا بشرى بالقصر منادى نكرة مقصودة. وفي قراءة: ﴿يا بشراي﴾ بالياء منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿هَذَا غُلَامٌ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها جوابَ النداء. ﴿وَأَسَرُّوهُ﴾ فعل وفاعل، ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿قَالَ﴾. ﴿بِضَاعَةً﴾ معمولٌ لمحذوف، هو حال من (واو) (أسروه) تقديره: (وأسروه) حالَةَ كونهم جَاعِلِيه بضاعةً، أي شيئًا مُتَموَّلًا. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ مبتدأ، وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿بِمَا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَلِيمٌ﴾. ﴿يَعْمَلُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره بما يعملونه.
﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)﴾.
﴿وَشَرَوْهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة أو معطوفة على (أسروه). ﴿بِثَمَنٍ﴾ متعلق به. ﴿بَخْسٍ﴾ صفة لـ (ثمن) على تأويله بمشتق تقديره: مبخوس، أي: منقوص. ﴿دَرَاهِمَ﴾ بدل من (ثمن). ﴿مَعْدُودَةٍ﴾ صفة لـ ﴿دَرَاهِمَ﴾. ﴿مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ فعل ناقص واسمه. ﴿فِيهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿الزَّاهِدِينَ﴾. ﴿مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ جار ومجرور خبر (كان)، وجملة (كان) معطوفة على جملة ﴿أشَرَوْهُ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾، ﴿الْمُبِينِ﴾ اسم فاعل من أبان المتعدي، وسيأتي في قوله: ﴿عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أنه من اللازم، فهو من أبَانَ بمعنى أظهَرَ أي: المُظْهِرُ للحق من الباطل، والحلال من الحرام. ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ والعربي منسوب للعرب، لأنه نزل بلغتهم، وواحدُ العرب عربي كما أن واحد الروم رومي، اهـ "سمين".
﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)﴾.
﴿وَشَرَوْهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة أو معطوفة على (أسروه). ﴿بِثَمَنٍ﴾ متعلق به. ﴿بَخْسٍ﴾ صفة لـ (ثمن) على تأويله بمشتق تقديره: مبخوس، أي: منقوص. ﴿دَرَاهِمَ﴾ بدل من (ثمن). ﴿مَعْدُودَةٍ﴾ صفة لـ ﴿دَرَاهِمَ﴾. ﴿مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ فعل ناقص واسمه. ﴿فِيهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿الزَّاهِدِينَ﴾. ﴿مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ جار ومجرور خبر (كان)، وجملة (كان) معطوفة على جملة ﴿أشَرَوْهُ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾، ﴿الْمُبِينِ﴾ اسم فاعل من أبان المتعدي، وسيأتي في قوله: ﴿عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أنه من اللازم، فهو من أبَانَ بمعنى أظهَرَ أي: المُظْهِرُ للحق من الباطل، والحلال من الحرام. ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ والعربي منسوب للعرب، لأنه نزل بلغتهم، وواحدُ العرب عربي كما أن واحد الروم رومي، اهـ "سمين".
355
واختلف العلماء هل يمكن أن يقالَ في القرآن شيء غير عربي. قال أبو عبيدة: ومن قال فيه شيء غير عربي، فقد أعظم على الله القول، واحتجَّ بهذه الآية: ﴿إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾. وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة: أنَّ فيه عن غير العربي مثل: ﴿سِجِّيلٍ﴾ و ﴿المشكاة﴾ و ﴿اليم﴾ و ﴿استبرق﴾ ونحو ذلك، وهذا هو الصحيح المختار؛ لأن هؤلاء أعلمُ عن أبي عبيدة بلسان العرب، وكلا القولين صواب إن شاء الله تعالى. ووجه الجمع بينهما أنَّ هذه الألفاظ لما تكلمت بها العرب، ودارَتْ على ألسنتهم صارت عربيةً فصيحةً، وإن كانت غير عربيةٍ في الأصل، لكنهم لما تكلموا بها نسبت إليهم، وصارت لهم لغةً فظَهَر بهذا البيان صحة القولين، وأمكن الجمع بينهما، اهـ "خازن".
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ قص من باب: ردَّ والمصدر قَصَصًا بالفك، وقصًّا بالإدغام. وفي "المصباح": قَصَصْتُ الخَبَرَ قَصًّا من باب قتل، حدثته على وجهه، والاسم القصص بفتحتين، وقصصت الأثر: تتبعته، اهـ. وفي "البيضاوي": القصص هنا بمعنى المفعول كالنقض والسلب بمعنى المنقوض والمسلوب، اهـ.
﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ وأحسن يجوز أن يكون أفعلَ تفضيل على بابه، وأن يكونَ لمجرد الوصف بالحسن، ويكونَ من باب إضافة الصفة لموصوفها؛ أي: القصص الحسن. وفي "الخازن": أصل القصص في اللغة من قصَّ الخبر، إذا تتبعه، وإنما سميت الحكاية قِصَّةً لأن الذي يَقُصُّ الحديثَ يذكر تلك القصة شيئًا فشيئًا. والمعنى: نحن نبين لك أخبار الأمم السالفة أحسنَ البيان. وقيل: المرادُ خُصوص قصة يوسف، وإنما كانت أحسنَ القصص لما فيها من الحكم، والنكت، وسير الملوك، والمماليك، والعلماء، ومَكْرِ النساء، والصبر على الأذى، والتجاوز عنه أحسنَ التجاوز وغير ذلك من الفوائد الشريفة.
﴿يَا أَبَتِ﴾ بكسر تاء التأنيث اللفظي التي هي عوض عن ياء المتكلم المحذوفة. وأصله: يا أبي فحذفت الياءُ، وأتي بالتاء عوضًا عنها، ونقلت كسرة ما قبل الياء، وهو الباء للتاء، ثم فتحت الباءُ على القاعدة في فتح ما قبل تاء التأنيث، وبفتح التاء، والأصل عليه: يا أبيَ، بكسر الباء؛ وفتح الياء؛ ففتحت
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ قص من باب: ردَّ والمصدر قَصَصًا بالفك، وقصًّا بالإدغام. وفي "المصباح": قَصَصْتُ الخَبَرَ قَصًّا من باب قتل، حدثته على وجهه، والاسم القصص بفتحتين، وقصصت الأثر: تتبعته، اهـ. وفي "البيضاوي": القصص هنا بمعنى المفعول كالنقض والسلب بمعنى المنقوض والمسلوب، اهـ.
﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ وأحسن يجوز أن يكون أفعلَ تفضيل على بابه، وأن يكونَ لمجرد الوصف بالحسن، ويكونَ من باب إضافة الصفة لموصوفها؛ أي: القصص الحسن. وفي "الخازن": أصل القصص في اللغة من قصَّ الخبر، إذا تتبعه، وإنما سميت الحكاية قِصَّةً لأن الذي يَقُصُّ الحديثَ يذكر تلك القصة شيئًا فشيئًا. والمعنى: نحن نبين لك أخبار الأمم السالفة أحسنَ البيان. وقيل: المرادُ خُصوص قصة يوسف، وإنما كانت أحسنَ القصص لما فيها من الحكم، والنكت، وسير الملوك، والمماليك، والعلماء، ومَكْرِ النساء، والصبر على الأذى، والتجاوز عنه أحسنَ التجاوز وغير ذلك من الفوائد الشريفة.
﴿يَا أَبَتِ﴾ بكسر تاء التأنيث اللفظي التي هي عوض عن ياء المتكلم المحذوفة. وأصله: يا أبي فحذفت الياءُ، وأتي بالتاء عوضًا عنها، ونقلت كسرة ما قبل الياء، وهو الباء للتاء، ثم فتحت الباءُ على القاعدة في فتح ما قبل تاء التأنيث، وبفتح التاء، والأصل عليه: يا أبيَ، بكسر الباء؛ وفتح الياء؛ ففتحت
356
الباءُ ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلَها، ثم حذفت الألف، وعوَّض عنها تاءُ التأنيث، وفُتحت للدلالة على أنَّ أصلَها الألف المنقلبة عن الياء. قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز لُحوقُ تاء التأنيث بالمذكر؟
قلت: كما جاز نحو قولك: حَمامَةٌ ذكر وشاة ذكرٌ ورجل رَبْعَةٌ وغلام يفعة. قلت: يعني أنها جيء بها لمجرد تأنيث اللفظ كما في الألفاظ المستشهد بها، ثم قال الزمخشري. فإن قلت: فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة؟
قلت: لأن التأنيثَ والإضافةَ يتناسبان في أن كلَّ واحد منهما زيادةٌ مضمومةٌ إلى الاسم في آخره.
قلت: وهذا قياس بعيد لا يعمل به عند الحذاق، فإنه يسمى الشبهَ الطَّرْدِيَّ في يعني أنه شَبهٌ في الصورة، اهـ "سمين". ﴿لِي سَاجِدِينَ﴾ والسجودُ هنا: منْ سَجْدَ البعير إذا خَفضَ رَأْسَهُ لراكبه حين ركوبه، وكان من عادة الناس في تحية التعظيم بفِلَسْطين، ومصر، وغيرهما، الانحناء مُبَالغَةً في الخضوع والتعظيم، وقدِ استعمله القرآن في انقياد كل المخلوقات لإرادة الله، وتسخيره، ولا يكون السجود عِبَادةً إلا بالقصد، والنية للتقرب إلى من يعتقد أنَّ له عليه سُلْطانًا غَيْبِيًّا فوق سلطان الأسباب المعهودة. ﴿رُؤْيَاكَ﴾ الرؤيا مصدر رَئِيَ في المنام رؤيا على وزن فعلى، كالسقيَا والبشرى، وألفه للتأنيث، ولذلك لم يصرف. ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ﴾ يقال: كاد له الأمر إذا دبَّر الكَيْدَ لأجله لمضرته، أو لمنفعته كما قال ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ كاد يَتَعدَّى بنفسه كما في قوله: ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا﴾ وعدي هنا باللام لتضمُّنِه معنَى فعل يتعدى باللام، ولذا قال الشارح: يحتالوا في هلاك. قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قال: فيكيدوك كما قال: فكيدوني جميعًا؟
قلت: ضُمِّنَ معنى فعل يتعدى باللام؛ ليفيدَ معنى فعل الكيد مع إفادة معنى الفعل المضمن، فيكون أفيد، وأبلغ، في التخويف، وذلك نحو: فيحتالوا لك، ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر، و ﴿كَيْدًا﴾ مفعول به أي يصنعوا لك كيدًا أي أمرًا يكيدونك به، اهـ "سمين".
﴿عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾؛ أي: بَين العداوةَ وظاهرها فهو من أبان اللازم. {وَكَذَلِكَ
قلت: كما جاز نحو قولك: حَمامَةٌ ذكر وشاة ذكرٌ ورجل رَبْعَةٌ وغلام يفعة. قلت: يعني أنها جيء بها لمجرد تأنيث اللفظ كما في الألفاظ المستشهد بها، ثم قال الزمخشري. فإن قلت: فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة؟
قلت: لأن التأنيثَ والإضافةَ يتناسبان في أن كلَّ واحد منهما زيادةٌ مضمومةٌ إلى الاسم في آخره.
قلت: وهذا قياس بعيد لا يعمل به عند الحذاق، فإنه يسمى الشبهَ الطَّرْدِيَّ في يعني أنه شَبهٌ في الصورة، اهـ "سمين". ﴿لِي سَاجِدِينَ﴾ والسجودُ هنا: منْ سَجْدَ البعير إذا خَفضَ رَأْسَهُ لراكبه حين ركوبه، وكان من عادة الناس في تحية التعظيم بفِلَسْطين، ومصر، وغيرهما، الانحناء مُبَالغَةً في الخضوع والتعظيم، وقدِ استعمله القرآن في انقياد كل المخلوقات لإرادة الله، وتسخيره، ولا يكون السجود عِبَادةً إلا بالقصد، والنية للتقرب إلى من يعتقد أنَّ له عليه سُلْطانًا غَيْبِيًّا فوق سلطان الأسباب المعهودة. ﴿رُؤْيَاكَ﴾ الرؤيا مصدر رَئِيَ في المنام رؤيا على وزن فعلى، كالسقيَا والبشرى، وألفه للتأنيث، ولذلك لم يصرف. ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ﴾ يقال: كاد له الأمر إذا دبَّر الكَيْدَ لأجله لمضرته، أو لمنفعته كما قال ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾. وفي "الفتوحات" قوله: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ كاد يَتَعدَّى بنفسه كما في قوله: ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا﴾ وعدي هنا باللام لتضمُّنِه معنَى فعل يتعدى باللام، ولذا قال الشارح: يحتالوا في هلاك. قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قال: فيكيدوك كما قال: فكيدوني جميعًا؟
قلت: ضُمِّنَ معنى فعل يتعدى باللام؛ ليفيدَ معنى فعل الكيد مع إفادة معنى الفعل المضمن، فيكون أفيد، وأبلغ، في التخويف، وذلك نحو: فيحتالوا لك، ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر، و ﴿كَيْدًا﴾ مفعول به أي يصنعوا لك كيدًا أي أمرًا يكيدونك به، اهـ "سمين".
﴿عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾؛ أي: بَين العداوةَ وظاهرها فهو من أبان اللازم. {وَكَذَلِكَ
357
يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ}، والاجتباء من جبيت الشيء إذ حصلته لنفسك، اهـ بيضاوي. وفي "الخازن" واجتباءُ العبدَ تخصيصه إياه بفيض إلهي تحصل منه أنواع المكرمات بلا سعي من العبد، وذلك مختص بالأنبياء، وببعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء والصالحين، اهـ. ومنه: جبيت الماء في الحوض، أي: جمعته، ومعنى اجتباء الاصطفاء، وهذا يتضمن الثناء على يوسف، وتعديد نِعَمِ الله عليه. ﴿تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ والتأويل: الإخبار بما يؤول إليه الشيء في الوجود. والأحاديث جمع تكسير لحديثٍ فقيل لواحد: ملفوظ به، هو حديث، ولكنه شَذَّ جَمْعُه على أحاديثَ، وله نظائر في الشدود، كأباطيلَ، وأفاظيعَ، وأعاريضَ في باطل، وفظيعٍ وعريضٍ. وزَعَمَ أبو زيد أن له واحدًا مقدرًا، وهو أحدوثة، ونحوه، وليس باسم جمع؛ لأن هذه الصيغة مختصة بالتكسير، وإذا كانوا قد التزموا ذَلِكَ فيما لم يصرح له بمفرد من لفظه نحو: عباديد، وشَمَاطِيطَ، وأبابيلَ، ففي أحاديث أولى، اهـ سمين. ومعنى تأويل الأحاديث تعبيرُ الرؤيا، فالمراد بالرؤيا ما يرى في النوم، وسمي أحاديث؛ لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقةً وأحاديث الشيطان، والنفس إن كانت كاذبةً، اهـ بيضاوي. ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا﴾ أحب أفعل تفضيل، وهو مبني من حبَّ المبنيّ للمفعول، وهو شاذ، وإذا بنيت أفعل التفضيل من مادة الحب، والبغض تَعدَّى إلى الفاعل المعنوي بإلى، وإلى المفعول المعنوي باللام، أو بقي فإذا قلتَ: زيد أحبُّ إليَّ من بَكْرٍ كانَ معناه أنك تحب زيدًا أكثرَ من بكر، فالمتكلم هو الفاعلُ، وكذلك إذا قلت هو أبغض إليّ منه، كانَ معناه أنت المبغض، وإذا قلتَ: زيدٌ أحب لي من عمرو، أو أحب في منه كان معناه: إنَّ زيدًا يحبني أكثر من عمرو، وعلى هذا جاءت الآية الكريمة فإنَّ الأبَ هو فاعل المحبة، اهـ سمين. وقوله: وهو شاذ يُشْكِلُ عيه وقوعَه في القرآن إلا أن يجابَ بأنه شاذ قياسًا، فصيح استعمالًا لوروده في أفصح الفصيح، تأمل. ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ والعصبة: ما زاد على عشرة. وعن ابن عباس ما بين عشرة وأربعين. وقيل: الثلاثة نَفَرٍ فإذا زادوا إلى تسعة فهم رهط، فإذا بلغوا العشرة فَصَاعِدًا فعُصْبَةٌ. وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة. وقيل: من عشرة إلى خمسة عشرَ. وقيل: ستة. وقيل: تسعة، والمادة تدل على الإحاطة من العصابة
358
لإحاطتها بالرأس، اهـ سمين. ولا واحد لها من لفظها بل هي كالنفر، والرهط، وقد كانت الإخوة عشرةً.
﴿غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ قال الهروي: والغيابة: سدٌّ أو طاقٌ في البئر، قريبُ الماء يغيب ما فيه عن العيون. وقال الكلبي: الغيابة تكون في قعر الجب؛ لأن أسفله واسع، ورأسه ضيق، فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه. وقال الزمخشري: هي غوره، وما غاب منه عن عين الناظر، وأظلم من أسفله. والجب: البئر التي لم تُطْوَ، ويقال لها: قبل الطيي رَكِيَّةٌ فإذا طويت قيل لها: بئر سمِّيت جُبًّا إما لكونها محفورة في جيوب الأرض؛ أي: ما غلظ منها، وإما لأنها قطعت في الأرض قطعًا، ومنه الجب في الذكر. ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ والالتقاط: أخذ شيء مشرف على الضياع من الطريق، أو من حيث لا يحتسب، ومنه اللقطة. واللقيط: يعني: يأخذه بعض المسافرينَ فيَذْهَبُ به إلى ناحية أخرى، فيستريحوا منه، اهـ "خازن". والسيارة: الجمع الذين يسيرون في الطريق، جمع سيار؛ أي: المبالغ في السير، اهـ خطيب. وفي "المختار": السيارة القافلة، اهـ. ﴿مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا﴾ وفي "السمين": وقرأ العامة: تأمنا بالإخفاء؛ أي: إخفاءِ النون عند النون المتحركة. والإخفاء: هو عبارة عن تضعيف الصوت بالحركة، والفصل بين النونين؛ لأنَّ النونَ تسكن رأسًا، فيكون ذلك إخفاءً لا إدغامًا.. وقرأ بعضهم ذلك بإشمام، وهو عبارة عن ضم الشفتين إشارة إلى حركة الفعلِ مع الإدغام الصريح، كما يشير إليه الواقف. وفيه: عُسْرٌ كَبِيرٌ، قالوا: وتكون الإشارة إلى الضمة بعد الإدغام وقبل كَمَالِه. وقرأ أبو جعفر بالإدغام الصريح من غير إشمام، وقرأ الحسن ذلك بالإظهار مبالغةً في بيان إعراب الفعل، وللمحافظة على حركة الإعراب. واتفق الجمهور على الإخفاء أو الإشمام كما تقدم تحقيقه، اهـ. ﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ جمع ناصح، والناصح: المشفق المحب للخير. وعبارة "الخازن" هنا: المراد بالنصح هنا القيام بالمصلحة، وقيل: البر والعطف، والمعنى: وإنا لعاطفون عليه قائمون بمصلحته، وبحفظه. ﴿غَدًا﴾ وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك، وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد باليوم الذي يلي يومك. وأصله غَدْوٌ فحُذفت لامه، وقد جاءَ تامًّا ذكره أبو حيان. ﴿نرتع﴾ الجمهور على أنَّ العين آخِر الفعل يقال:
﴿غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ قال الهروي: والغيابة: سدٌّ أو طاقٌ في البئر، قريبُ الماء يغيب ما فيه عن العيون. وقال الكلبي: الغيابة تكون في قعر الجب؛ لأن أسفله واسع، ورأسه ضيق، فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه. وقال الزمخشري: هي غوره، وما غاب منه عن عين الناظر، وأظلم من أسفله. والجب: البئر التي لم تُطْوَ، ويقال لها: قبل الطيي رَكِيَّةٌ فإذا طويت قيل لها: بئر سمِّيت جُبًّا إما لكونها محفورة في جيوب الأرض؛ أي: ما غلظ منها، وإما لأنها قطعت في الأرض قطعًا، ومنه الجب في الذكر. ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ والالتقاط: أخذ شيء مشرف على الضياع من الطريق، أو من حيث لا يحتسب، ومنه اللقطة. واللقيط: يعني: يأخذه بعض المسافرينَ فيَذْهَبُ به إلى ناحية أخرى، فيستريحوا منه، اهـ "خازن". والسيارة: الجمع الذين يسيرون في الطريق، جمع سيار؛ أي: المبالغ في السير، اهـ خطيب. وفي "المختار": السيارة القافلة، اهـ. ﴿مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا﴾ وفي "السمين": وقرأ العامة: تأمنا بالإخفاء؛ أي: إخفاءِ النون عند النون المتحركة. والإخفاء: هو عبارة عن تضعيف الصوت بالحركة، والفصل بين النونين؛ لأنَّ النونَ تسكن رأسًا، فيكون ذلك إخفاءً لا إدغامًا.. وقرأ بعضهم ذلك بإشمام، وهو عبارة عن ضم الشفتين إشارة إلى حركة الفعلِ مع الإدغام الصريح، كما يشير إليه الواقف. وفيه: عُسْرٌ كَبِيرٌ، قالوا: وتكون الإشارة إلى الضمة بعد الإدغام وقبل كَمَالِه. وقرأ أبو جعفر بالإدغام الصريح من غير إشمام، وقرأ الحسن ذلك بالإظهار مبالغةً في بيان إعراب الفعل، وللمحافظة على حركة الإعراب. واتفق الجمهور على الإخفاء أو الإشمام كما تقدم تحقيقه، اهـ. ﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ جمع ناصح، والناصح: المشفق المحب للخير. وعبارة "الخازن" هنا: المراد بالنصح هنا القيام بالمصلحة، وقيل: البر والعطف، والمعنى: وإنا لعاطفون عليه قائمون بمصلحته، وبحفظه. ﴿غَدًا﴾ وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك، وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد باليوم الذي يلي يومك. وأصله غَدْوٌ فحُذفت لامه، وقد جاءَ تامًّا ذكره أبو حيان. ﴿نرتع﴾ الجمهور على أنَّ العين آخِر الفعل يقال:
359
رَتَعَ فلان في ماله، إذا أنْفَقَهُ في شهواته. والأصل في الرتع أكل البهائم في الخصب، زمن الربيع، ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير. والرَّتع: الاتساع في الملاذ، والتمتع في أكل الفواكه، ونحوها فمنهم من يسكن آخره على الجواب، ومنهم من يَضُمَّه على أن تكون حالًا مقدرة. ويقرأ: ﴿نَرْتَعِ﴾ بكسر العين، وهو نفتعل من رَعَى، أي نَرْعَى ماشيَتَنا، أو نأكلُ نحن ذكره أبو البقاء. ﴿ونلعب﴾ والمراد باللعب لعب المسابقة، والانتضال بالسهام، ونحوهما مما يتدرب له لمقاتلة الأعداء، وتعليم فنون الحرب. قال الراغب: يقال: لَعب فلان، إذا كان فعلُهُ غيرَ قاصد به مقصدًا صحيحًا. ﴿لَيَحْزُنُنِي﴾ والحزن: ألم القلب بفراق المحبوب، أو وقوع مكروه. ﴿وَأَخَافُ﴾ والخوف: ألم النفس من توقع مكروه قبل وقوعه. ﴿الذِّئْبُ﴾ والذئب: سبع معروف، ويجمع على أذؤب، وذئاب، وذؤبان، وأرض مَذابة كثيرة الذئاب، وتذائيت الرياح جاءت من هنا ومن هنا فعل الذئاب.
﴿عِشَاءً﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنه ظرف أي وَقْتَ العشاء.
والثاني: أن يكون جمع عائش كقائم، وقيامٍ ويقرأُ بضم العين. والأصل: عُشَاة مثل غازٍ وغُزَاة، فحذفت الياء، وزيدت الألف عِوَضًا منها، ثم قلبت الألف همزةً. ويجوز أن يكونَ جمع فاعل على فِعَالٍ كما جمع فعيل على فعال كمرِيضٍ ومِرَاضٍ. ﴿عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾ المتاع في اللغة كل ما انتفع به، وأصله النفع الحاضر، وهو اسم مصدر من متع تمتعًا كالسلام من سلم. ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ فيه وصف الدم بالمصدر على سبيل المبالغة، فكأنَّه نَفْسَه صار كَذِبًا، والفاعل والمفعول يسمَّيان بالمصدر كما يقال: ماء سكب؛ أي: مسكوبٌ والفاعل كقوله: ﴿إنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾ وكما سموا المصدرَ بهما قالوا: للعقل المعقول، وللجلد المجلود، ومنه قوله تعالى: ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦)﴾ اهـ كرخي. وقرىء: ﴿بدم كدب﴾ بالدال المهملة، والكدب: الكدر، وقيل: الطَّرِيُّ. ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾؛ أي: زينت وسهّلت. وأصل التسويل تقدير معنى في النفس مع الطمع في إتمامه. قال صاحب "الكشاف": سَوَّلَتْ: سَهَّلَتْ من السول بالتحريك، وهو الاسترخاء في العصب، ونحوه؛ أي: سَهَّلت لكم أنْفُسكُم أمرًا عَظِيمًا، فعلتموه
﴿عِشَاءً﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنه ظرف أي وَقْتَ العشاء.
والثاني: أن يكون جمع عائش كقائم، وقيامٍ ويقرأُ بضم العين. والأصل: عُشَاة مثل غازٍ وغُزَاة، فحذفت الياء، وزيدت الألف عِوَضًا منها، ثم قلبت الألف همزةً. ويجوز أن يكونَ جمع فاعل على فِعَالٍ كما جمع فعيل على فعال كمرِيضٍ ومِرَاضٍ. ﴿عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾ المتاع في اللغة كل ما انتفع به، وأصله النفع الحاضر، وهو اسم مصدر من متع تمتعًا كالسلام من سلم. ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ فيه وصف الدم بالمصدر على سبيل المبالغة، فكأنَّه نَفْسَه صار كَذِبًا، والفاعل والمفعول يسمَّيان بالمصدر كما يقال: ماء سكب؛ أي: مسكوبٌ والفاعل كقوله: ﴿إنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾ وكما سموا المصدرَ بهما قالوا: للعقل المعقول، وللجلد المجلود، ومنه قوله تعالى: ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦)﴾ اهـ كرخي. وقرىء: ﴿بدم كدب﴾ بالدال المهملة، والكدب: الكدر، وقيل: الطَّرِيُّ. ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾؛ أي: زينت وسهّلت. وأصل التسويل تقدير معنى في النفس مع الطمع في إتمامه. قال صاحب "الكشاف": سَوَّلَتْ: سَهَّلَتْ من السول بالتحريك، وهو الاسترخاء في العصب، ونحوه؛ أي: سَهَّلت لكم أنْفُسكُم أمرًا عَظِيمًا، فعلتموه
360
بيوسف، وهوَّنْتمُوه في أنفسكم وأعينكم. ﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾، والوارد: الذي يَرِدُ الماءَ، ليستَقِي للقوم. ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾ في "المختار" الدَّلْو: الذي يُسْتَقى بها، ودَلَى الدلو إذا نَزَعها، وبابه عَدَا وأدلاها أرسلها في البئر. وفي "القاموس": ودَلَوْتُ الدَّلْوَ ودليتها أرسلتها في البئر، ودلَّاها جَذَبَها لِيُخرِجَها، والدلو مؤنث، وقد يذكر، اهـ. ويصَغَّر على دلية ويجمع على أدل ودلاءً ودُلًى. ﴿وَأَسَرُّوهُ﴾؛ أي: أخْفَوْه من الناس ﴿بِضَاعَةً﴾ والبضاعة: القِطْعَةُ من المال يفْرز للاتجار به من بَضَعْتُه إذا قَطَعْتُه، ومنه المَبْضَعُ. ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ وشُري الشيء: إذا باعَهُ واشتراه إذا ابْتَاعَهُ. والبَخْسُ: النَّاقِصُ والمَعيب كما قال: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ والمراد هنا: الحرامُ أو الظلمُ لأنه بيع حر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإشارة بالبعيد إلى القريب في قوله: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ تنزيلًا لبعد مرتبته في الكمال، وعُلو شأنه مَنْزِلَةَ البُعْدِ الحسّيِّ. ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وقال في (١) "بحر العلوم": لعلَّ مُستعار لمعنى الإرادة لملاحظة العرب معنى الإرادة، أو الترجي في لَعَلَّ؛ أي: أنزلناه قرآنًا عربيًّا، إرَادَةَ أن تَعْقِلَه العربُ، ويفهموا منه ما يَدْعُوهم إليه، فلا يكون لهم حُجَّةً على الله، ولا يقولوا لنبيهم ما خُوطبنا به.
ومنا: جناسُ الاشتقاق في قوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾.
ومنها: التعبيرُ عن عدم العلم بالغفلة في قوله: ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ لإجلال شأنه عليه السلام كما في "الإرشاد" فليست هي الغفلة المتعارفة بين الناس.
ومنها: عَطْفُ الخاصِ على العام في قوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ لإظهار
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإشارة بالبعيد إلى القريب في قوله: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ تنزيلًا لبعد مرتبته في الكمال، وعُلو شأنه مَنْزِلَةَ البُعْدِ الحسّيِّ. ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وقال في (١) "بحر العلوم": لعلَّ مُستعار لمعنى الإرادة لملاحظة العرب معنى الإرادة، أو الترجي في لَعَلَّ؛ أي: أنزلناه قرآنًا عربيًّا، إرَادَةَ أن تَعْقِلَه العربُ، ويفهموا منه ما يَدْعُوهم إليه، فلا يكون لهم حُجَّةً على الله، ولا يقولوا لنبيهم ما خُوطبنا به.
ومنا: جناسُ الاشتقاق في قوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾.
ومنها: التعبيرُ عن عدم العلم بالغفلة في قوله: ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ لإجلال شأنه عليه السلام كما في "الإرشاد" فليست هي الغفلة المتعارفة بين الناس.
ومنها: عَطْفُ الخاصِ على العام في قوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ لإظهار
(١) روح البيان.
361
شَرَفِهِمَا على سائر الطوالع كعطف الروح على الملائكة في قوله: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾.
ومنها: إجراءُ غير العقلاء مُجْرَى العقلاء في ضمير ﴿رَأَيْتُهُمْ﴾ لوصفها بوصف العقلاء أعني السجود.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: ﴿كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾.
ومنها: التنكير للإبهام في قوله: ﴿أَرْضًا﴾؛ أي: أرضًا مجهولةً.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾؛ أي: ولغيرهم، فالسائلون هم اليهود ففيه اكتفاء، وهو ذِكْرُ أحد متقابلين، وحذفُ الآخر لعلمه من المذكور.
ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ وفي قوله: ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿يَرْتَعْ﴾ لأنَّ الرتع حقيقةٌ في أكل البهائم في الخصب من الربيع، ويُستعَار للإنسان إذا أريد به الأكلُ الكثير كما مر.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ للدلالة على عظم ذلك الأمر؛ أي: أمرًا عظيمًا.
ومنها: الحذفُ والزيادةُ في عدَّةَ مواضِعَ.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: إجراءُ غير العقلاء مُجْرَى العقلاء في ضمير ﴿رَأَيْتُهُمْ﴾ لوصفها بوصف العقلاء أعني السجود.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: ﴿كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾.
ومنها: التنكير للإبهام في قوله: ﴿أَرْضًا﴾؛ أي: أرضًا مجهولةً.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾؛ أي: ولغيرهم، فالسائلون هم اليهود ففيه اكتفاء، وهو ذِكْرُ أحد متقابلين، وحذفُ الآخر لعلمه من المذكور.
ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ وفي قوله: ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿يَرْتَعْ﴾ لأنَّ الرتع حقيقةٌ في أكل البهائم في الخصب من الربيع، ويُستعَار للإنسان إذا أريد به الأكلُ الكثير كما مر.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ للدلالة على عظم ذلك الأمر؛ أي: أمرًا عظيمًا.
ومنها: الحذفُ والزيادةُ في عدَّةَ مواضِعَ.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
362
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْر...﴾ الآيتين، هاتان الآيتان مبدأُ قَصَصِ يوسف في بيت العزيز الذي اشتراه، وفيها بيان تمكين الله له، وتعليمه تأويلَ الأحاديث، وإيتائه حُكْمًا وعِلْمًا وشهادة من الله له بأنه من زمرة المتقين.
قوله تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْر...﴾ الآيتين، هاتان الآيتان مبدأُ قَصَصِ يوسف في بيت العزيز الذي اشتراه، وفيها بيان تمكين الله له، وتعليمه تأويلَ الأحاديث، وإيتائه حُكْمًا وعِلْمًا وشهادة من الله له بأنه من زمرة المتقين.
قوله تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه
363
الآيات لما قبلها: أن الله سبحانَه وتَعالى لما ذكر (١) وَصِيَّة العزيز لامرأته بإكرام مثواه، وعَلَّلَ ذلك بحُسن الرَّجاء فيه، ثم بَيَّن عنايتَه سبحانَه به وتمهيدَ سبل كماله بتمكينه في الأرض، ذَكَرَ هنا مراودةَ امرأته له، ونظرها إليه بغير العينِ، التي نَظَرَ بها زَوْجُها إليه، وأرَادَتْ مِنه غير ما أراده هو، وما أرَادَ الله من فَوْقِهِمَا، وأعدت العُدَّةَ لِذلكَ فغَلَّقَتْ الأبوابَ، فهرب منها إلى باب المخْدَع، فقدَّتْ قَمِيصَه من خَلْف، ووَجَدَا زَوْجَها بالباب الخارجي، فبادرَت إلى اتهامه بإرادة السوء إلى أن استبانت براءته.
قوله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي...﴾ الآيات، مناسبتُها لما قبلها، بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السابقة مخَادَعَتَها ليوسُفَ عن نفسه، وتغليقَها الأبواب، وهرَبه منها إلى الباب، وجَذْبِهَا لقميصه، ورؤيةِ سَيِّدها لذلك الحادث، واتهامها لِيُوسُفَ بإرادة السوء منها. ذكر هنا تبرئةَ يوسف لنفسه، وحكم قريبِها في القضية بعد بحث وتشاور بين زوجها وأهلها، ثمَّ علم الزوج ببراءةِ يُوسُفَ وثبوتِ خطيئتها.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ...﴾ الآيات، ناسبتها لما قبلها: بعد أن ذكر سبحانه تحقيقَ زوجها في الحادث، وحكم أحد أقاربها بما رَأى وقد استبانَ منه براءةَ يُوسُفَ، ذكر هنا أنَّ الأَمْرَ قد استفاض في بيوت نساء الوزراء، والكُبراء، فأحْبَبْنَ أن يَمْكُرْنَ بها لِتُرِيَهن هذا الشابَّ الذي فتنها جماله، وأذلَّها عَفَافُهُ وكماله حتَّى راودَتْه عن نفسه وهو فَتَاها، ودَعَتْهُ إلى نفسها فردَّها وأَبَاهَا خشيةَ لله، وحفظًا لأمانة السيد المحسن إليه، أن يَخُونَه في أعز شيء لديه، علَّه بعد هذا يَصْبُو إليهن، ويَجْذِبُه جمالهن، ويكون له فيهن رَأيٌ غير ما رآه فيها، فإنه قد ألِفَ جَمَالها قبل أن يَبْلُغ الأشدَّ، وكان يَنْظُرَ إليها نظرةَ العبدِ إلى سيدته، أو الولد إلى والدته.
قوله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي...﴾ الآيات، مناسبتُها لما قبلها، بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السابقة مخَادَعَتَها ليوسُفَ عن نفسه، وتغليقَها الأبواب، وهرَبه منها إلى الباب، وجَذْبِهَا لقميصه، ورؤيةِ سَيِّدها لذلك الحادث، واتهامها لِيُوسُفَ بإرادة السوء منها. ذكر هنا تبرئةَ يوسف لنفسه، وحكم قريبِها في القضية بعد بحث وتشاور بين زوجها وأهلها، ثمَّ علم الزوج ببراءةِ يُوسُفَ وثبوتِ خطيئتها.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ...﴾ الآيات، ناسبتها لما قبلها: بعد أن ذكر سبحانه تحقيقَ زوجها في الحادث، وحكم أحد أقاربها بما رَأى وقد استبانَ منه براءةَ يُوسُفَ، ذكر هنا أنَّ الأَمْرَ قد استفاض في بيوت نساء الوزراء، والكُبراء، فأحْبَبْنَ أن يَمْكُرْنَ بها لِتُرِيَهن هذا الشابَّ الذي فتنها جماله، وأذلَّها عَفَافُهُ وكماله حتَّى راودَتْه عن نفسه وهو فَتَاها، ودَعَتْهُ إلى نفسها فردَّها وأَبَاهَا خشيةَ لله، وحفظًا لأمانة السيد المحسن إليه، أن يَخُونَه في أعز شيء لديه، علَّه بعد هذا يَصْبُو إليهن، ويَجْذِبُه جمالهن، ويكون له فيهن رَأيٌ غير ما رآه فيها، فإنه قد ألِفَ جَمَالها قبل أن يَبْلُغ الأشدَّ، وكان يَنْظُرَ إليها نظرةَ العبدِ إلى سيدته، أو الولد إلى والدته.
(١) المراغي.
364
التفسير وأوجه القراءة
٢١ - ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ﴾؛ أي: اشترى يوسف ﴿مِنْ مِصْرَ﴾؛ أي: في مصر لم يبين الكتاب الكريمُ اسم الذي اشتراه في مصر، ولا منصبه، ولا اسمَ امرأته؛ لأن ذلك لا يهم في العبرة من القصة، ولا يزيد في العظة، ولكن لَقَّبه النسوة فيما يأتي ﴿العزيز﴾ وهو اللقب الذي لقب به يوسف بعد أن تولَّى إدارة الملك في مصر. والظاهر أنه لقب أكبر وُزراء الملك. قال في "القاموس": العزيز: المَلِكُ لغلبته على أهل مملكته، ولَقَبُ مَنْ مَلَكَ مصر مع الإسكندرية، انتهى. وبيانُ كَوْنِه من مصر للإشعار بكونه غيرَ من اشتراه من الملتقطين، بما ذكر من الثمن البخس كما في "الإرشاد".
فالذي (١) اشتراه في مصر هو قطفير خَازِنُ الملكِ الريَّان بن الوليد، وكان صَاحِبَ جنوده، ورئيسَ الشرطة، وحامِيةِ الملك، وناظر السجون، وقد آمن الملك بيوسف، ومات في حياة يُوسُفَ عليه السلام، فملك بَعْدَه قابوس بن مصعب، فدعاه يُوسُفُ إلى الإِسلام فأبى. وكانَ من نَسْلِهِ فرعونُ موسى. واشترى ذلك الوزيرُ يُوسُفَ، وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام في منزله ثلاث عَشَرَة سنة، واستوزره رَيَّان بن الوليد، وهو ابنُ ثلاثين سنَةً. وآتاه الله المُلْكَ والحكمةَ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وتوفي وهو ابن مئة وعِشْرِين سنةً. وهو أول من عملَ القراطيس. وقوله: ﴿لِامْرَأَتِهِ﴾ متعلق بـ (قال) لابـ (اشترى)؛ أي: قال لامرأته رَاعِيلَ بنتَ رعائيل، ولقبها (٢) زُليخا بضم الزاي المعجمة، وفتح اللام والمد مصغرًا كما في "عين المعاني" والمشهور في الألسنة فتح الزاي، وكسر اللام.
﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾؛ أي: اجعلي محلَّ إقامته كريمًا حَسَنًا مَرْضِيًّا. والمعنى: أحسني تعهده في المطعم، والمشرب وغيرهما. فهو كناية عن إكرام نفسه، إحسان تعهده كما يقال: المقام العالي ويكنى به عن السلطان. قال الإِمام الغزالي رحمه الله تعالى: يُكْنَى عن الشريف بالجَنابِ، والحضرة، والمجلس،
٢١ - ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ﴾؛ أي: اشترى يوسف ﴿مِنْ مِصْرَ﴾؛ أي: في مصر لم يبين الكتاب الكريمُ اسم الذي اشتراه في مصر، ولا منصبه، ولا اسمَ امرأته؛ لأن ذلك لا يهم في العبرة من القصة، ولا يزيد في العظة، ولكن لَقَّبه النسوة فيما يأتي ﴿العزيز﴾ وهو اللقب الذي لقب به يوسف بعد أن تولَّى إدارة الملك في مصر. والظاهر أنه لقب أكبر وُزراء الملك. قال في "القاموس": العزيز: المَلِكُ لغلبته على أهل مملكته، ولَقَبُ مَنْ مَلَكَ مصر مع الإسكندرية، انتهى. وبيانُ كَوْنِه من مصر للإشعار بكونه غيرَ من اشتراه من الملتقطين، بما ذكر من الثمن البخس كما في "الإرشاد".
فالذي (١) اشتراه في مصر هو قطفير خَازِنُ الملكِ الريَّان بن الوليد، وكان صَاحِبَ جنوده، ورئيسَ الشرطة، وحامِيةِ الملك، وناظر السجون، وقد آمن الملك بيوسف، ومات في حياة يُوسُفَ عليه السلام، فملك بَعْدَه قابوس بن مصعب، فدعاه يُوسُفُ إلى الإِسلام فأبى. وكانَ من نَسْلِهِ فرعونُ موسى. واشترى ذلك الوزيرُ يُوسُفَ، وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام في منزله ثلاث عَشَرَة سنة، واستوزره رَيَّان بن الوليد، وهو ابنُ ثلاثين سنَةً. وآتاه الله المُلْكَ والحكمةَ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وتوفي وهو ابن مئة وعِشْرِين سنةً. وهو أول من عملَ القراطيس. وقوله: ﴿لِامْرَأَتِهِ﴾ متعلق بـ (قال) لابـ (اشترى)؛ أي: قال لامرأته رَاعِيلَ بنتَ رعائيل، ولقبها (٢) زُليخا بضم الزاي المعجمة، وفتح اللام والمد مصغرًا كما في "عين المعاني" والمشهور في الألسنة فتح الزاي، وكسر اللام.
﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾؛ أي: اجعلي محلَّ إقامته كريمًا حَسَنًا مَرْضِيًّا. والمعنى: أحسني تعهده في المطعم، والمشرب وغيرهما. فهو كناية عن إكرام نفسه، إحسان تعهده كما يقال: المقام العالي ويكنى به عن السلطان. قال الإِمام الغزالي رحمه الله تعالى: يُكْنَى عن الشريف بالجَنابِ، والحضرة، والمجلس،
(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
365
فيقال: السلامُ على حضرته المباركة، ومجلسه الشريف، والمرادُ به السلامُ عليه، لكن يُكْنَى عنه بما يتعلَّق به نوع التعلق إجلالًا، انتهى.
وخُلاصة ما قال (١): أحسِنِي تعَهُّدَهُ وانظرِي فيما يقتضيه إكرام الضيف على أبلغ وجه وأتَمِّهِ.
ورُوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أفرسُ الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾، وابنة شعيب حين قالت لأبيها: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ الآية، وأبو بكر رضي الله عنه حين استَخْلَفَ عُمَر بنَ الخطاب رضي الله عنه.
ثمَّ بَيَّنَ عِلَّةِ إكرامه برجائه فيه، وعظيم أمله في جليل مساعدته، فقال: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾؛ أي: عَلَّه أن يَنْفَعَنا في أمورنا الخاصة إذا تدرَّبَ فيها، وعَرَفَ مَوارِدَها ومصَادِرَها، أو شؤون الدولة العامة، لِمَا يلوح عليه من مخايل الذكاء والنَّجَابة. ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾؛ أي: نتبناه، ونقيمه مقَامَ الولد فَيَكُون قُرة عَيْنٍ لنا، ووارثًا لمالنا، ومَجْدنا إذا تمَّ رشده، ونَضَج عقله. وفي الآية إيماء إلى شيئين:
١ - أنَّ العزيز كان عقيمًا.
٢ - أنه كان صادق الفراسة، ثاقب الفكر.
فقد استدل من كمال خُلُقه وخَلْقِهِ على أنَّ حُسْنَ عشرته، وكرمَ وَفادته، وشرفَ تربيته مما يُكمل استعدادَه الفطرِيّ. فالتجارب دلَّتْ على أنه لا يفسد الأخلاقَ شيء أكثر مما تُفْسِدُها البيئة الفاسدة، وسوء القدوة.
والمعنى: أكرمي إقامتَه عندنا بحسن العشرة، نرجو من الله أن ينفَعَنا فيما نحتاج إليه، ويكفينا بَعْضَ المهمات، أو نتبناه، ونُقيمه مقام الولد، ولم يكن لنا ولدٌ. وكان العزيز هذا لا يأتي النساء أو عَقِيمًا. فالمراد من نفعه أحدُ أمرين: إمَّا الرِّبحُ فيه إذا باعوه، أو معاونتُه لهم إن أبقَوه، وهذان غَيْرَ اتخاذه ولدًا. ويَجُوز
وخُلاصة ما قال (١): أحسِنِي تعَهُّدَهُ وانظرِي فيما يقتضيه إكرام الضيف على أبلغ وجه وأتَمِّهِ.
ورُوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أفرسُ الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾، وابنة شعيب حين قالت لأبيها: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ الآية، وأبو بكر رضي الله عنه حين استَخْلَفَ عُمَر بنَ الخطاب رضي الله عنه.
ثمَّ بَيَّنَ عِلَّةِ إكرامه برجائه فيه، وعظيم أمله في جليل مساعدته، فقال: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾؛ أي: عَلَّه أن يَنْفَعَنا في أمورنا الخاصة إذا تدرَّبَ فيها، وعَرَفَ مَوارِدَها ومصَادِرَها، أو شؤون الدولة العامة، لِمَا يلوح عليه من مخايل الذكاء والنَّجَابة. ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾؛ أي: نتبناه، ونقيمه مقَامَ الولد فَيَكُون قُرة عَيْنٍ لنا، ووارثًا لمالنا، ومَجْدنا إذا تمَّ رشده، ونَضَج عقله. وفي الآية إيماء إلى شيئين:
١ - أنَّ العزيز كان عقيمًا.
٢ - أنه كان صادق الفراسة، ثاقب الفكر.
فقد استدل من كمال خُلُقه وخَلْقِهِ على أنَّ حُسْنَ عشرته، وكرمَ وَفادته، وشرفَ تربيته مما يُكمل استعدادَه الفطرِيّ. فالتجارب دلَّتْ على أنه لا يفسد الأخلاقَ شيء أكثر مما تُفْسِدُها البيئة الفاسدة، وسوء القدوة.
والمعنى: أكرمي إقامتَه عندنا بحسن العشرة، نرجو من الله أن ينفَعَنا فيما نحتاج إليه، ويكفينا بَعْضَ المهمات، أو نتبناه، ونُقيمه مقام الولد، ولم يكن لنا ولدٌ. وكان العزيز هذا لا يأتي النساء أو عَقِيمًا. فالمراد من نفعه أحدُ أمرين: إمَّا الرِّبحُ فيه إذا باعوه، أو معاونتُه لهم إن أبقَوه، وهذان غَيْرَ اتخاذه ولدًا. ويَجُوز
(١) المراغي.
366
أن تكونَ ﴿أو﴾ مَانِعَة خُلُوٍّ فتجوِّزَ الجمع، اهـ "فتوحات".
﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: وكما نجينا يوسف من القتل، والجبِّ وجَعَلْنَا في قلب الوزير حُنوًّا عليه ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أعطينا له مَكَانَةً؛ أي: رتبة عالية في أرض مصر. وهي أربعونَ فَرْسَخًا في أربعين فرسخًا. وقوله: ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ﴾ معطوف على محذوف متعلق بـ ﴿مَكَّنَّا﴾؛ أي: وكذلك مكنا ليوسف في أرض مصر، وجعلناه وجيهًا بين أهلها، ومحبَّبًا في قلوبهم، لينشأ منه ما جرى بينه وبين امرأة العزيز، وليتصرَّف فيها بالعدل، ولنعلِّمه ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾؛ أي: تعبير بعض المنامات، التي أعظمها رؤيا الملك، وصاحبي السجن ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾، و ﴿الهاء﴾ عائدة على الله؛ أي: غالب على أمر يريده لا يرده شيء، ولا ينازِعُه أحدٌ فيما شاء، ويحكم في أمر يوسف وغيره، بل إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ وهم الكفار ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾، أنَّ الأمر كله لله، وأن قَضَاءَ الله غالب، فمن تأمل في أحوال الدنيا عَرَف ذلك؛ أي: فما حدث من إخوة يوسف له، وما فعله مسترقوه، وبائِعُوه، وما وَصَّى به الذي اشتراه امرأتَه من إكرام مثواه، وما وقع له مع هذه المرأة من الأحداث، ومنْ دخولِهِ السجنَ، قد كان من الأسباب التي أراد الله تعالى له بها التمكينَ في الأرض، ولكنَّ أكثرَ الناس يأخذون الأمورَ بظواهرها، كما زَعَم إخوة يوسف أنه لو أُبْعِدَ يوسفُ عنهم خَلا لهم وجه أبيهم، وكانوا من بعده قومًا صالحين. وقوله: ﴿أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ إيماء إلى أنَّ الأقل يعلمون ذلك، كيعقوب عليه السلام، فإنه يعلم أن الله غالب على أمره. فهذه أقواله السَّابقةُ واللاحقةُ صريحة في ذلك، ولكن عِلْمُه إجمالي لا تفصيليٌّ، إذ لا يحيطُ بما تخبئه الأقدارُ.
٢٢ - وبعد أن بيَّن سبحَانَه أنَّ إخوةَ يوسف أساؤوا إليه، وصَبَرَ على تلك الشدائد حتى مكَّنَ الله له في أرض مصر، بيَّن هنا أنه أتاه الحُكْمَ والعلم حين استكمال سن الشباب، وبلوغ الأشد، وأنَّ ذلك جزاء منه سبحانه على إحسانه في سيرته فقال عزَّ اسمه: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾ يوسف ﴿أَشُدَّهُ﴾؛ أي: سن رشده وكمال قوته،
﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: وكما نجينا يوسف من القتل، والجبِّ وجَعَلْنَا في قلب الوزير حُنوًّا عليه ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أعطينا له مَكَانَةً؛ أي: رتبة عالية في أرض مصر. وهي أربعونَ فَرْسَخًا في أربعين فرسخًا. وقوله: ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ﴾ معطوف على محذوف متعلق بـ ﴿مَكَّنَّا﴾؛ أي: وكذلك مكنا ليوسف في أرض مصر، وجعلناه وجيهًا بين أهلها، ومحبَّبًا في قلوبهم، لينشأ منه ما جرى بينه وبين امرأة العزيز، وليتصرَّف فيها بالعدل، ولنعلِّمه ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾؛ أي: تعبير بعض المنامات، التي أعظمها رؤيا الملك، وصاحبي السجن ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾، و ﴿الهاء﴾ عائدة على الله؛ أي: غالب على أمر يريده لا يرده شيء، ولا ينازِعُه أحدٌ فيما شاء، ويحكم في أمر يوسف وغيره، بل إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ وهم الكفار ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾، أنَّ الأمر كله لله، وأن قَضَاءَ الله غالب، فمن تأمل في أحوال الدنيا عَرَف ذلك؛ أي: فما حدث من إخوة يوسف له، وما فعله مسترقوه، وبائِعُوه، وما وَصَّى به الذي اشتراه امرأتَه من إكرام مثواه، وما وقع له مع هذه المرأة من الأحداث، ومنْ دخولِهِ السجنَ، قد كان من الأسباب التي أراد الله تعالى له بها التمكينَ في الأرض، ولكنَّ أكثرَ الناس يأخذون الأمورَ بظواهرها، كما زَعَم إخوة يوسف أنه لو أُبْعِدَ يوسفُ عنهم خَلا لهم وجه أبيهم، وكانوا من بعده قومًا صالحين. وقوله: ﴿أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ إيماء إلى أنَّ الأقل يعلمون ذلك، كيعقوب عليه السلام، فإنه يعلم أن الله غالب على أمره. فهذه أقواله السَّابقةُ واللاحقةُ صريحة في ذلك، ولكن عِلْمُه إجمالي لا تفصيليٌّ، إذ لا يحيطُ بما تخبئه الأقدارُ.
٢٢ - وبعد أن بيَّن سبحَانَه أنَّ إخوةَ يوسف أساؤوا إليه، وصَبَرَ على تلك الشدائد حتى مكَّنَ الله له في أرض مصر، بيَّن هنا أنه أتاه الحُكْمَ والعلم حين استكمال سن الشباب، وبلوغ الأشد، وأنَّ ذلك جزاء منه سبحانه على إحسانه في سيرته فقال عزَّ اسمه: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾ يوسف ﴿أَشُدَّهُ﴾؛ أي: سن رشده وكمال قوته،
367
باستكمال نموه البدني والعقليّ. وقال أهل التفسير: أي منتهى اشتداد جسمه، وقوته واستحكام عقله، وتمييزه، وهو سنُّ الوقوف ما بين الثلاثين إلى الأربعين. ﴿آتَيْنَاهُ﴾؛ أي: وَهَبْنَاه ﴿حُكْمًا﴾ صَحِيحًا فيما يعرض له من مَهامّ الأمور، ومشكلات الحوادث مقرونًا بالحق والصواب ﴿وَعِلْمًا﴾ لَدُنِيًّا، وفكرِيًّا بما ينبغي أن تسير عليه الأمور.
وقدَّرَ (١) الأطباء هذه السنَّ بخمس وعشرين سَنةً. وقد أثبت علماء الاجتماع أنَّ الاستعدادَ الإنسانيَّ يظهر رُوَيْدًا رُوَيْدًا حتى إذا ما بلغ المرء خَمْسًا وثلاثين سنة وَقَف عند هذا الحد، ولم يظهر فيه شيء جديد غير ما ظهر من بدء سن التمييز إلى هذه السن. ولهذا قال ابن عباس إنها ثلاث وثلاثون سنة.
وفي "روح البيان" (٢): والعقلاء ضبطوا مراتبُ أعمار الناس في أربع:
الأولى: سن النشوء والنَّماء، ونهايته إلى ثلاثين سنة.
والثانية: سن الوقوف وهو سن الشباب ونهايته إلى أن تتم أربعون سنةً من عمره.
والثالثة: سن الكهولة، وهو سن الانحطاط اليسير الخفيّ، وتمامه إلى ستين سنة.
والرابعة: سنِّ الشيخوخة، وهو سنُّ الانحطاط العظيم الظاهر، وتمامه عند الأطباء إلى مِئةً وعشرين سنة. والأشُدُّ: غاية الوصول إلى الفطرة الأولى. وعبارةُ "الخازن" ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ أي (٣) منتهى شبابه، وشدته، وقوته قال مجاهد: ثلاثةٌ وثلاثون سنة. وقال الضحاك: عِشْرُون سنةً. وقال السدي: ثلاثون سنة. وقال الكَلْبي: الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنةً. وسُئِلَ مالك عن الأَشُدِّ فقال: هو الحُلُم. ﴿آتَيْنَاهُ﴾؛ أي: آتينا يُوسُفَ بعد بلوغ الأشد، ﴿حُكْمًا﴾؛ أي:
وقدَّرَ (١) الأطباء هذه السنَّ بخمس وعشرين سَنةً. وقد أثبت علماء الاجتماع أنَّ الاستعدادَ الإنسانيَّ يظهر رُوَيْدًا رُوَيْدًا حتى إذا ما بلغ المرء خَمْسًا وثلاثين سنة وَقَف عند هذا الحد، ولم يظهر فيه شيء جديد غير ما ظهر من بدء سن التمييز إلى هذه السن. ولهذا قال ابن عباس إنها ثلاث وثلاثون سنة.
وفي "روح البيان" (٢): والعقلاء ضبطوا مراتبُ أعمار الناس في أربع:
الأولى: سن النشوء والنَّماء، ونهايته إلى ثلاثين سنة.
والثانية: سن الوقوف وهو سن الشباب ونهايته إلى أن تتم أربعون سنةً من عمره.
والثالثة: سن الكهولة، وهو سن الانحطاط اليسير الخفيّ، وتمامه إلى ستين سنة.
والرابعة: سنِّ الشيخوخة، وهو سنُّ الانحطاط العظيم الظاهر، وتمامه عند الأطباء إلى مِئةً وعشرين سنة. والأشُدُّ: غاية الوصول إلى الفطرة الأولى. وعبارةُ "الخازن" ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ أي (٣) منتهى شبابه، وشدته، وقوته قال مجاهد: ثلاثةٌ وثلاثون سنة. وقال الضحاك: عِشْرُون سنةً. وقال السدي: ثلاثون سنة. وقال الكَلْبي: الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنةً. وسُئِلَ مالك عن الأَشُدِّ فقال: هو الحُلُم. ﴿آتَيْنَاهُ﴾؛ أي: آتينا يُوسُفَ بعد بلوغ الأشد، ﴿حُكْمًا﴾؛ أي:
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.
368
نبوة ﴿وَعِلْمًا﴾؛ أي: فقهًا في الدين. وقيل: حُكْمًا يعني إصابة في القول، وعَلمًا، بتأويل الرؤيا انتهت. وقال القشيري: مِنْ جملة الحكم الذي آتاه الله نُفوذُ حكمه على نفسه حتى غَلَبَ شَهْوَتَه، فامْتَنَع عمَّا راودته زُليخَا عن نفسه، ومَنْ لا حُكْمَ له على نفسه لم يَنفُذْ حُكْمُه على غيره.
قال الإِمام نقلًا عن الحسن: كان يوسفُ نبيًّا من الوقت الذي أُلْقِيَ فيه في غيابة الجب لقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ﴾ ولذا لم يقُلْ هُنا: ولمَّا بلغ أشدَّه واستوى، كما قال في قصة موسى؛ لأنَّ موسى أوحي إليه عند منتهى الأشدّ والاستواء وهو أربعون سنةً، وأوحي إلى يوسف عند أوله، وهو ثمان عشرة سنةً. وعن الحسن: مَنْ أَحسَنَ عبادةَ ربه في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهالِه، وفيه إشارة إلى أنَّ المطيع تُفْتَحُ له ينابيع الحكمة، وتنبيه على أنَّ العطِيَّة الإلهية تَصِلُ إلى العبد، وإن طَالَ العَهْدُ إذا جاءَ أوانُها فلطالبِ الحق أن ينتظر إحسانَ الله تعالى، ولا ييأس منه.
﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الجزاء العجيب الذي جَزَيْنا يوسف ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾؛ أي: كلَّ مَنْ يُحْسِنُ في عمله، وفي تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعارٌ بعَلِيّة الإحسان له، وتنبيهٌ على أنه سبحانه إنما أتاه الحكمَ والعلم لكونه مُحْسِنًا في أعماله، متقيًا في عنفوان أمره، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان. قال بعضهم: نجزي المحسنين الذين يحسنون لأنفسهم في الطلب، والإرادة والاجتهاد، والرِّيادة فمَنْ أدْخل نَفسَه في زمرة أهل الإحسان جزاه الله تعالى بأَحْسَنِ الجزاء، وأحبه كما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فمن أحبَّه الله تعالى نَالَ سَعَادةَ الدَّارَيْنِ.
والمعنى: أي ومثل ذلك الجزاءِ العظيمِ نُجازِي به المتحلِّينَ بصفة الإحسان الذين لم يدنِّسُوا أنْفُسَهم بسيئات الأعمال، فنُؤتيهم نصيبًا من الحكم بالحق، والعدل، وعلمًا يظهره القولُ الفصلُ إذ يكون لذلك الإحسانِ تأثيرٌ في صفاء عقولهم وجَودةِ أفْهَامِهم وفقههم لحقائق الأشياء غيرَ ما يستفيدون بالكسب من غيرهم، ولا يتهيأ مثل ذلك للمسيئين في أعمالهم المتبعين لأهوائهم، وطاعة
قال الإِمام نقلًا عن الحسن: كان يوسفُ نبيًّا من الوقت الذي أُلْقِيَ فيه في غيابة الجب لقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ﴾ ولذا لم يقُلْ هُنا: ولمَّا بلغ أشدَّه واستوى، كما قال في قصة موسى؛ لأنَّ موسى أوحي إليه عند منتهى الأشدّ والاستواء وهو أربعون سنةً، وأوحي إلى يوسف عند أوله، وهو ثمان عشرة سنةً. وعن الحسن: مَنْ أَحسَنَ عبادةَ ربه في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهالِه، وفيه إشارة إلى أنَّ المطيع تُفْتَحُ له ينابيع الحكمة، وتنبيه على أنَّ العطِيَّة الإلهية تَصِلُ إلى العبد، وإن طَالَ العَهْدُ إذا جاءَ أوانُها فلطالبِ الحق أن ينتظر إحسانَ الله تعالى، ولا ييأس منه.
﴿وَكَذَلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الجزاء العجيب الذي جَزَيْنا يوسف ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾؛ أي: كلَّ مَنْ يُحْسِنُ في عمله، وفي تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعارٌ بعَلِيّة الإحسان له، وتنبيهٌ على أنه سبحانه إنما أتاه الحكمَ والعلم لكونه مُحْسِنًا في أعماله، متقيًا في عنفوان أمره، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان. قال بعضهم: نجزي المحسنين الذين يحسنون لأنفسهم في الطلب، والإرادة والاجتهاد، والرِّيادة فمَنْ أدْخل نَفسَه في زمرة أهل الإحسان جزاه الله تعالى بأَحْسَنِ الجزاء، وأحبه كما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فمن أحبَّه الله تعالى نَالَ سَعَادةَ الدَّارَيْنِ.
والمعنى: أي ومثل ذلك الجزاءِ العظيمِ نُجازِي به المتحلِّينَ بصفة الإحسان الذين لم يدنِّسُوا أنْفُسَهم بسيئات الأعمال، فنُؤتيهم نصيبًا من الحكم بالحق، والعدل، وعلمًا يظهره القولُ الفصلُ إذ يكون لذلك الإحسانِ تأثيرٌ في صفاء عقولهم وجَودةِ أفْهَامِهم وفقههم لحقائق الأشياء غيرَ ما يستفيدون بالكسب من غيرهم، ولا يتهيأ مثل ذلك للمسيئين في أعمالهم المتبعين لأهوائهم، وطاعة
369
شهواتهم.
٢٣ - ﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾؛ أي: راودَتْ يوسفَ وطلبته المرأة ﴿الَّتِي هُوَ﴾؛ أي: يوسف ﴿فِي بَيْتِهَا﴾؛ أي: في سَكَنِها ومَنْزِلها أن يحابيَ لها ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ ويمكنَ لها من نفسه بالمواقعة عليها، والمجامعة بها. يقال: راودَ فلان جاريتَهُ عن نفسِهَا، وراودته هي عن نَفْسِهِ إذا حاول كل واحد منهما الوطءَ والجماعَ، وهي مفاعلة. وأصلها: أن تكونَ من الجانبين فجُعِلَ السببُ هنا في أحد الجانبين قائمًا مقامَ المسبب، فكأن يوسُفَ عليه السلام - لمَّا كان ما أعطيه من كمال الخلق، والزيادة في الحسن سببًا لمراودة امرأة العزيز له - مُراود لها، وإنما قال ﴿الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ ولم يقُل امرأة العزيز أو زليخا قَصَدًا إلى زيادة التقرير مع استهجان التصريح باسم المرأة، والمحافظة على الستر عليها. ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ عليها، وعلى يُوسُفَ؛ أي: أطبقَتْها، وكانت سبعةً، لأنَّ مثل هذا الفعل لا يكون إلا في ستر وخفية، أو إنها أغْلَقَتْها لشِدّةِ خوفِها. ﴿وَقَالَتْ﴾ ليوسف ﴿هَيْتَ﴾؛ أي: هلمَّ إليَّ، وأَقْبِلْ وبَادِرْ، أو تهيأت ﴿لَكَ﴾ لتستمتع بي وتجامعني. والمعنى: وخادعَتْ امرأة العزيز يُوسُفَ عن نفسه، وراوغته ليريدَ منها ما تريد هي منه، مُخالفًا لإرادته، وإرادة ربه، والله غالبٌ على أمره. قال في "الكشاف": كأنَّ المعنى خادعَتْه عن نفسه؛ أي: فعلت ما يفعلُ المُخادِعُ لصاحبه عن شيء لا يريد إخراجَه من يده، وهو يحتال أن يأخذه منه، وهي عبارة عن التمحل في مواقعته إياها، اهـ.
﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾؛ أي: وأحْكَمَتْ إغلاق بابِ المخدعَ الذي كَانَا فيه، وباب البهو الذي يكون أمامَ الغُرَفِ في بيوت العظماء، وباب الدار الخارجيِّ ورُبَّما كان هناك غيرُها ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾؛ أي: وقالَتْ: هلم أقْبِلْ وزيدت كلمةٌ ﴿لَكَ﴾ لبيان المخاطب كما يقولونَ سقيًا لك، ورَعْيًا لك. وهذا الأسلوب هو الغاية في الاحتشام في التعبير، وقد يكون هناك ما زادته من إغراءٍ، وتهييج مما تقتضيه الحالُ، وما نُقل من الإسرائيليات عنها وعنه من الوقاحة فكذب فمثل هذا لا يُعْلَمُ إلا من الله، أو من الرواية الصحيحة عنها، أو عنه، ولا يستطيع أن يدَّعِي ذلك أحدٌ. وقرأ (١) نافع وابن ذكوان والأعرج وشيبة وأبو جعفر: ﴿هَيْتَ﴾
٢٣ - ﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾؛ أي: راودَتْ يوسفَ وطلبته المرأة ﴿الَّتِي هُوَ﴾؛ أي: يوسف ﴿فِي بَيْتِهَا﴾؛ أي: في سَكَنِها ومَنْزِلها أن يحابيَ لها ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ ويمكنَ لها من نفسه بالمواقعة عليها، والمجامعة بها. يقال: راودَ فلان جاريتَهُ عن نفسِهَا، وراودته هي عن نَفْسِهِ إذا حاول كل واحد منهما الوطءَ والجماعَ، وهي مفاعلة. وأصلها: أن تكونَ من الجانبين فجُعِلَ السببُ هنا في أحد الجانبين قائمًا مقامَ المسبب، فكأن يوسُفَ عليه السلام - لمَّا كان ما أعطيه من كمال الخلق، والزيادة في الحسن سببًا لمراودة امرأة العزيز له - مُراود لها، وإنما قال ﴿الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ ولم يقُل امرأة العزيز أو زليخا قَصَدًا إلى زيادة التقرير مع استهجان التصريح باسم المرأة، والمحافظة على الستر عليها. ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ عليها، وعلى يُوسُفَ؛ أي: أطبقَتْها، وكانت سبعةً، لأنَّ مثل هذا الفعل لا يكون إلا في ستر وخفية، أو إنها أغْلَقَتْها لشِدّةِ خوفِها. ﴿وَقَالَتْ﴾ ليوسف ﴿هَيْتَ﴾؛ أي: هلمَّ إليَّ، وأَقْبِلْ وبَادِرْ، أو تهيأت ﴿لَكَ﴾ لتستمتع بي وتجامعني. والمعنى: وخادعَتْ امرأة العزيز يُوسُفَ عن نفسه، وراوغته ليريدَ منها ما تريد هي منه، مُخالفًا لإرادته، وإرادة ربه، والله غالبٌ على أمره. قال في "الكشاف": كأنَّ المعنى خادعَتْه عن نفسه؛ أي: فعلت ما يفعلُ المُخادِعُ لصاحبه عن شيء لا يريد إخراجَه من يده، وهو يحتال أن يأخذه منه، وهي عبارة عن التمحل في مواقعته إياها، اهـ.
﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾؛ أي: وأحْكَمَتْ إغلاق بابِ المخدعَ الذي كَانَا فيه، وباب البهو الذي يكون أمامَ الغُرَفِ في بيوت العظماء، وباب الدار الخارجيِّ ورُبَّما كان هناك غيرُها ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾؛ أي: وقالَتْ: هلم أقْبِلْ وزيدت كلمةٌ ﴿لَكَ﴾ لبيان المخاطب كما يقولونَ سقيًا لك، ورَعْيًا لك. وهذا الأسلوب هو الغاية في الاحتشام في التعبير، وقد يكون هناك ما زادته من إغراءٍ، وتهييج مما تقتضيه الحالُ، وما نُقل من الإسرائيليات عنها وعنه من الوقاحة فكذب فمثل هذا لا يُعْلَمُ إلا من الله، أو من الرواية الصحيحة عنها، أو عنه، ولا يستطيع أن يدَّعِي ذلك أحدٌ. وقرأ (١) نافع وابن ذكوان والأعرج وشيبة وأبو جعفر: ﴿هَيْتَ﴾
(١) البحر المحيط.
370
بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة وفح التاء. والحلوانيُّ عن هشام كذلك إلَّا أنه هَمَّزَ وقال: ﴿هِئْتَ﴾. وكذلك قرأ علي، وأبو وائل، وأبو رجاء، ويحيى، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وطلحة، والمقرىء، وابنُ عباس، وأبو عامر في رواية عنهما، وأبو عمرو في رواية، وهشام في رواية، كذلك إلا أنهم ضَمُّوا التَّاء، وزيد بن علي، وابنُ أبي إسحاق كذلك إلا أنهما سهَّلاَ الهمزة. وذكر النَّحاس أنه قرئ بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة، وكسر التاء. وقرأ ابن كثير، وأهل مكة بفتح الهاء، وسكون الياء، وضم التاء. وباقي السبعة أبو عَمرو والكوفيون، وابنُ مسعود، والحسن، والبصريون، كذلك إلا أنهم فتحوا التاءَ. وابن عباس، وأبو الأسود، وابن أبي إسحاق وابنُ مُحيصن، وعيسى البصرة كذلك. وعن ابن عباس: ﴿هييتَ﴾ مثل حييت. فهذه تسع قراءات هي فيها اسمُ فعل إلّا قراءة ابن عباس الأخيرة، فإنها فعل مبني للمفعول، مسهَّلُ الهمزة من هيأت الشيءَ، وإلا مَنْ ضَمَّ التاءَ، وكَسر الهاء سَوَاءٌ هَمَّز أم لم يُهَمِّزْ فإنه يحتمل أن يكون اسم فعل كحالها عند فتح التاء، أو كسرها، ويحتمل أن يكونَ فِعْلًا واقِعًا عن ضمير المتكلم من هاء الرجل يهيىء إذا أحسن هيئَتَهُ على مثال: جاء يجيء، أو بمعنى تهيأت يقال: هَيْتَ وتَهَيأتَ بمعنى واحد. فإذا كانَ فِعْلًا تعلقت اللام بِهِ. وفي هذه الكَلِمةِ لغات أُخر، أعرضنا عنها صَفْحًا خوف الإطالة.
وانتصب ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾ على المصدر بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: أعوذ باللهِ سبحانه وتعالى؛ عياذًا مما تدعينني إليه، وألْتَجِىء إليه، وأعْتَصِمُ به مما تريدين مني من فعل السوء فهو يعيذني أن أَكُون من الجاهلين، كما سيأتي من قوله: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
وجملة: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ تعليل للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التي هي أقربُ إلى فهم امرأة العزيز، والضميرَ للشأن؛ أي: إنَّ الشَّأْنَ والحالَ ربي وسيِّدِيّ، ومالك رقبتي يعني العزيزَ قد أحسن معاملتي في إقامتي عندك، وأحسن مثوايَ، وإقامتي حيث أمرك، وأوصاك بقولهِ: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ فكيف أخونه في أهله، وأجيبُك إلى ما تريدين من ذلك، فلا أجزيه على إحسانه
وانتصب ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾ على المصدر بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: أعوذ باللهِ سبحانه وتعالى؛ عياذًا مما تدعينني إليه، وألْتَجِىء إليه، وأعْتَصِمُ به مما تريدين مني من فعل السوء فهو يعيذني أن أَكُون من الجاهلين، كما سيأتي من قوله: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
وجملة: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ تعليل للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التي هي أقربُ إلى فهم امرأة العزيز، والضميرَ للشأن؛ أي: إنَّ الشَّأْنَ والحالَ ربي وسيِّدِيّ، ومالك رقبتي يعني العزيزَ قد أحسن معاملتي في إقامتي عندك، وأحسن مثوايَ، وإقامتي حيث أمرك، وأوصاك بقولهِ: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ فكيف أخونه في أهله، وأجيبُك إلى ما تريدين من ذلك، فلا أجزيه على إحسانه
371
بالإساءة. والأصحَّ أنَّ الضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ أن يعود على الله سبحانه وتعالى، والمعنى: أي: إنَّ الله ربِّي أحسن مثوايَ إذ نجَّاني من الجبِّ، وأقامني في أحسن مقام، إذ لا يطلق نبي كريم على مخلوق أنه ربي، ولا بمعنى السيد؛ لأنه لم يكن في الحقيقة مملوكًا له، وجملة قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ تعليل آخر للامتناع منه عن إجابتها. والفلاحُ: الظفرُ أي: إنَّ الشأنَ والحال لا يَسْعَدَ ولا يظفر الظالمون لأنفسهم وللناس بجناية وتعد على الأعراض، لا في الدنيا ببلوغ الإمامَةِ والرياسةِ، ولا في الآخرة بالوصول إلى رضوان الله تعالى، ودخول جنات النعيم. وقيل: المعنى: لا يُفْلِحُ المجازون الإحسانَ بالإساءةِ. وقيل: المعنى: لا يُفْلِحُ الزناة.
وفي هذا إيماء (١) إلى الاعتزاز بربه، والأمانة لسيده، والتعريض بخيانة امرأته، واحتقارها بما أضمر نار الغيظ في صدرها. وقرأ (٢) أبو الطفيل والجحدري: ﴿مثوي﴾ كما قرأ: ﴿يا بشرى﴾ وما أحسنَ هذا التنصل من الوقوع في السوء، استعاذَ أولًا بالله الذي بيده العصمةُ وملكوتُ كل شيءٍ. ثم نبَّه على أنَّ إحسانَ الله، أو إحسان العزيز الذي سَبَقَ منه لا يُناسِبُ أن يجازيَ بالإساءة. ثمَّ نفَى الفلاح عن الظالمين، وهو الظفر، والفوز بالبغية، فلا يناسب أن أكون ظالِمًا أضع الشيء في غير موضعه، وأَتَعَدَّى ما حَدَّه الله تعالى لي.
٢٤ - ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد همَّتْ زُليخًا بيوسف عليه السلام، وقصدَتْ مخالطةَ يوسف، ومجامَعَتَهُ إياها؛ أي: قَصدَتْها (٣) وعَزَمَتْ عليها عَزْمًا جازمًا، بَعدما باشرَتْ مَباديها من المراودة، وتغليق الأبوابِ، ودَعْوته إلى نفسها بقولها: هَيْتَ لك، ولعلَّها تصدَّتْ هنالك لأفعال أُخَر من بَسْطِ يدِهَا إليه، وقَصْد المعانقة، وغير ذلك مما يضطره إلى الهرب، نحو الباب، والتأكيدُ لِدَفْعِ ما عسى يتوهم من اختصاص إقلاعها عما كانت عليه بما في مقالته من
وفي هذا إيماء (١) إلى الاعتزاز بربه، والأمانة لسيده، والتعريض بخيانة امرأته، واحتقارها بما أضمر نار الغيظ في صدرها. وقرأ (٢) أبو الطفيل والجحدري: ﴿مثوي﴾ كما قرأ: ﴿يا بشرى﴾ وما أحسنَ هذا التنصل من الوقوع في السوء، استعاذَ أولًا بالله الذي بيده العصمةُ وملكوتُ كل شيءٍ. ثم نبَّه على أنَّ إحسانَ الله، أو إحسان العزيز الذي سَبَقَ منه لا يُناسِبُ أن يجازيَ بالإساءة. ثمَّ نفَى الفلاح عن الظالمين، وهو الظفر، والفوز بالبغية، فلا يناسب أن أكون ظالِمًا أضع الشيء في غير موضعه، وأَتَعَدَّى ما حَدَّه الله تعالى لي.
٢٤ - ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد همَّتْ زُليخًا بيوسف عليه السلام، وقصدَتْ مخالطةَ يوسف، ومجامَعَتَهُ إياها؛ أي: قَصدَتْها (٣) وعَزَمَتْ عليها عَزْمًا جازمًا، بَعدما باشرَتْ مَباديها من المراودة، وتغليق الأبوابِ، ودَعْوته إلى نفسها بقولها: هَيْتَ لك، ولعلَّها تصدَّتْ هنالك لأفعال أُخَر من بَسْطِ يدِهَا إليه، وقَصْد المعانقة، وغير ذلك مما يضطره إلى الهرب، نحو الباب، والتأكيدُ لِدَفْعِ ما عسى يتوهم من اختصاص إقلاعها عما كانت عليه بما في مقالته من
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
372
الزواجر ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾؛ أي: وقَصَدَ يُوسُفُ بمخالطتها؛ أي: مال إليها بمقتضى الطبيعة البشرية، وشهوة الشباب ميلًا جبليًّا، لا يكادُ يَدْخُل تحت التكليف لا قصدًا اختياريًّا؛ لأنه كما أنه برىء من ارتكاب نفس الفاحشة، والعمل الباطل كذلك برىء من الهَمِّ المحرَّم، وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه في صحبة همِّها في الذكر بطريق المشاكلة لا لشُبهةٍ به. ولقد أشير إلى تَبَايُنِهِمَا بأنه لم يقُلْ: ولقدْ هَمَّا بالمخالطة، أو همَّ كلٌّ منهما بالآخر. قال بعضهم (١): الهمّ قسمان: هم ثابت، وهو هم اقترن بعزم وعقد ورضا مثل هم امرأة العزيز، فالعبدُ مأخوذ به، وهم عارض، وهو الخطرة، وحديث النفس من غير اختيار، ولا عَزْم مثلُ هَمِّ يوسف عليه السلام، والعبد غَيرُ مَأخُوذ به ما لم يتكلم أو يعمل.
﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى﴾ يوسفُ وعلِمَ وأيقن ﴿بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾؛ أي: حُجَّةَ ربه، وأدلّتَه الدالة على كمال قُبْحِ الزنى. والمراد برؤيته لها: كمال إيقانه ومشاهدته لها مشاهدة واصلةً إلى مرتبة عين اليقين، التي تتجلَّى هناك حقائق الأشياء بصورها الحقيقية. وجوابُ لولا محذوف تقديره: لولا مشاهدتُه وعِلْمُه بُرْهانَ ربه في شأن الزنا لجرى على موجب ميله الجِبْلّي فوقَع في الزنا، لكنه حيثُ كانَ البرهانُ الذِي هو الحكم والعلم حاضرًا لديه حُضورَ من يراه بالعين، فلم يَهُمَّ به أصلًا. ومن المعلوم أنَّ (لولا) حرف امتناع لوجود، فالمعنى امتنع وانتفى جِماعُه لها، لوجود رؤيته البرهان. وفي "السمين" المعنى: لولا رؤيته برهانَ رَبِّهِ لهَمَّ بها، لكنه امتنع همه بها لوجود رؤية ربه، فلم يَحْصُلْ منه هم ألبتة كقولك: لولا زيدٌ لأكرمتك فالمعنى: إنَّ الإكرامَ امتنع لوجود زيد. وبهذا يتخلَّص من الإشكال الذي يُورد هنا، وهو كيف يليق بنبيٍّ أن يهُمَّ بامرأة، اهـ.
والحاصل (٢): أن هذا البرهانَ عندَ المحققينَ المثبتينَ لعصمة الأنبياء هو حُجَّةُ الله تعالى في تحريم الزنا، والعِلْمُ بما على الزاني من العقاب. أو المرادُ
﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى﴾ يوسفُ وعلِمَ وأيقن ﴿بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾؛ أي: حُجَّةَ ربه، وأدلّتَه الدالة على كمال قُبْحِ الزنى. والمراد برؤيته لها: كمال إيقانه ومشاهدته لها مشاهدة واصلةً إلى مرتبة عين اليقين، التي تتجلَّى هناك حقائق الأشياء بصورها الحقيقية. وجوابُ لولا محذوف تقديره: لولا مشاهدتُه وعِلْمُه بُرْهانَ ربه في شأن الزنا لجرى على موجب ميله الجِبْلّي فوقَع في الزنا، لكنه حيثُ كانَ البرهانُ الذِي هو الحكم والعلم حاضرًا لديه حُضورَ من يراه بالعين، فلم يَهُمَّ به أصلًا. ومن المعلوم أنَّ (لولا) حرف امتناع لوجود، فالمعنى امتنع وانتفى جِماعُه لها، لوجود رؤيته البرهان. وفي "السمين" المعنى: لولا رؤيته برهانَ رَبِّهِ لهَمَّ بها، لكنه امتنع همه بها لوجود رؤية ربه، فلم يَحْصُلْ منه هم ألبتة كقولك: لولا زيدٌ لأكرمتك فالمعنى: إنَّ الإكرامَ امتنع لوجود زيد. وبهذا يتخلَّص من الإشكال الذي يُورد هنا، وهو كيف يليق بنبيٍّ أن يهُمَّ بامرأة، اهـ.
والحاصل (٢): أن هذا البرهانَ عندَ المحققينَ المثبتينَ لعصمة الأنبياء هو حُجَّةُ الله تعالى في تحريم الزنا، والعِلْمُ بما على الزاني من العقاب. أو المرادُ
(١) المراح.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
373
برؤية البرهان حُصُولُ الأخلاق الحميدةِ وتذكير الأحوال الرَّادِعَةِ لهم عن الإقدامِ على المنكرات.
وقيل: إن البرهانَ النبوةُ المانعة من إتيان الفواحش. وقيل: إنه عليه السلام رأى مكتوبًا في سقف البيت: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ وأمّا الذين نسبوا المعصية إلى يوسف، فقالوا: إنه رَأى يعقوب عاضًّا على إبهامِه، أو هَتَفَ هاتفٌ، وقال له: لا تَعْمَل عمل السفهاء، واسمك في ديوان الأنبياء، أو تمثل له يعقوب فضَرَبَ في صدره، فخَرَجَتْ مَنِيُّه من أنامله. وقيل: غير ذلك مما يطولُ ذِكرُه.
والحاصل: أنه رأى شيئًا حال بينه وبين ما همَّ به.
وعبارة المراغي هنا: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾؛ أي (١): ولقد همَّت بأن تبطِشَ به إذا عصَى أمرَهَا، وخالف مُرادَها، وهي سيدتُه وهو عبدها، وقد استذلت له بدعوته إلى نفسها بعد أن احتالت عليه بمراودته عن نفسه، وكُلَّما أَلَحَّتْ عليه ازدَاد عتُوًّا واستكبارًا معتزًّا عليها بالديانة، والأمانة، والترفع عن الخيانة، وحفظ شرف سيده، وهو سيدها ولا عِلاجَ لهذا إلا تذليله بالانتقام. وهذا ما شرَعَتْ في تنفيذه أو كادَتْ بأَن همَّتْ بالتنكيل به.
﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ لدفع صيالها عنه وقهرها بالبعد عما أرادته ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾؛ أي: ولكنه رَأى من ربه في سريرة نفسه ما جَعَلَهُ يمتنع من مُصاولَتِها، واللُّجوء إلى الفرار منها.
والخلاصة: أنَّ الفارق بين همِّها وهَمِّه أنها أرادت الانتقامَ منه شفاء لِغَيْظِها إذ فَشَلَتْ فيما تريدُ، وأهينَتْ بعتوه واستكباره وإبائه لما أرادَتْ، وأراد هو الاستعداد للدِّفاع عن نفسه، وهَمَّ بها حين رأى أَمارَةَ وُثُوبِهَا عليه، فكان مَوقفهما موقف المواثَبةِ والاستعداد للمضاربة، ولكِنَّهُ رأى منْ برهان ربه وعِصْمَتِه ما لم تَرَ مِثله؛ إذ ألهمه أنَّ الفرارَ من هذا الموقف هو الخير الذي به تتمُّ حكمته فيما أعده له، فاستبقا بابَ الدارَ، وكانَ من أمرِهِمَا ما يأتي بيانه فيما بَعْدُ.
وقيل: إن البرهانَ النبوةُ المانعة من إتيان الفواحش. وقيل: إنه عليه السلام رأى مكتوبًا في سقف البيت: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ وأمّا الذين نسبوا المعصية إلى يوسف، فقالوا: إنه رَأى يعقوب عاضًّا على إبهامِه، أو هَتَفَ هاتفٌ، وقال له: لا تَعْمَل عمل السفهاء، واسمك في ديوان الأنبياء، أو تمثل له يعقوب فضَرَبَ في صدره، فخَرَجَتْ مَنِيُّه من أنامله. وقيل: غير ذلك مما يطولُ ذِكرُه.
والحاصل: أنه رأى شيئًا حال بينه وبين ما همَّ به.
وعبارة المراغي هنا: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾؛ أي (١): ولقد همَّت بأن تبطِشَ به إذا عصَى أمرَهَا، وخالف مُرادَها، وهي سيدتُه وهو عبدها، وقد استذلت له بدعوته إلى نفسها بعد أن احتالت عليه بمراودته عن نفسه، وكُلَّما أَلَحَّتْ عليه ازدَاد عتُوًّا واستكبارًا معتزًّا عليها بالديانة، والأمانة، والترفع عن الخيانة، وحفظ شرف سيده، وهو سيدها ولا عِلاجَ لهذا إلا تذليله بالانتقام. وهذا ما شرَعَتْ في تنفيذه أو كادَتْ بأَن همَّتْ بالتنكيل به.
﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ لدفع صيالها عنه وقهرها بالبعد عما أرادته ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾؛ أي: ولكنه رَأى من ربه في سريرة نفسه ما جَعَلَهُ يمتنع من مُصاولَتِها، واللُّجوء إلى الفرار منها.
والخلاصة: أنَّ الفارق بين همِّها وهَمِّه أنها أرادت الانتقامَ منه شفاء لِغَيْظِها إذ فَشَلَتْ فيما تريدُ، وأهينَتْ بعتوه واستكباره وإبائه لما أرادَتْ، وأراد هو الاستعداد للدِّفاع عن نفسه، وهَمَّ بها حين رأى أَمارَةَ وُثُوبِهَا عليه، فكان مَوقفهما موقف المواثَبةِ والاستعداد للمضاربة، ولكِنَّهُ رأى منْ برهان ربه وعِصْمَتِه ما لم تَرَ مِثله؛ إذ ألهمه أنَّ الفرارَ من هذا الموقف هو الخير الذي به تتمُّ حكمته فيما أعده له، فاستبقا بابَ الدارَ، وكانَ من أمرِهِمَا ما يأتي بيانه فيما بَعْدُ.
(١) المراغي.
374
هذا خُلاصةُ رأي نَقَله ابن جرير، وأيَّده الفَخْرَ الرازيُّ وأبو بكر الباقلاني.
وَيرَى غَيْرُهم من المفسرين أنَّ المعنى أنها همَّتْ بفعل الفاحشة، ولم يكن لها معارض، ولا ممانع، وهم هو بمثل ذلك، ولولا أنْ رأى برهان رَبّه لاقْتَرَفها. وقد فنده بعض العلماء لوجوه (١):
١ - أنَّ الهَمَّ لا يكون إلَّا بفعل للهام، والوقاع ليس من أفعال المرأة حتى تَهُمَّ به، وإنما نَصِيبُها منه قبولهْ مِمَّنْ يطلبه منها بتمكينه منه.
٢ - أنَّ يوسف لم يطلب منها هذا الفعل حتى يسمَّى قبولها لطلبه، ورضاها بتمكينه همًّا لها، فالآيات قبل هذه وبعدها تبرئه من ذلك بل مِن وسائله ومقدماته.
٣ - أنه لو وَقَعَ ذلك لوجب أن يقال: ولقد همَّ بها وهمَّتْ به؛ لأنَّ الهمَّ الأُولَى هو المقدم بالطبع، وهو الهم الحقيقيُّ، والهم الثاني متوقِّفٌ عليه.
٤ - أنه قد عَلِم من هذه القصة أنَّ هذه المرأةَ كانت عازمة على ما طلبته طلبًا جازمًا، ومصرةً عليه، فلا يصح أن يُقَالَ: إنها همَّتْ به، إذ الهمُّ مقاربةُ الفعل المتردد فيه، بل الأنسبُ في معنى الهمِّ هو ما فسَّرْناه به أوَّلًا وذلك لإرادة تأديبه بالضَّرْبِ، انتهت.
والإشارة في قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ إلى الإراءة المدلول عليها بقوله: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك، وهذه الكاف مع مجرورها في محلِّ نصب بفعل محذوف، واللامُ في قوله: ﴿لِنَصْرِفَ﴾ متعلقة بذلك المحذوف، والتقدير: أَريناه مثلَ ذلك الإراءَةِ أو ثَبَّتْنَاه مثلَ ذلك التثبيت. ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ﴾؛ أي: عن يُوسُفَ وندفَع عنه ﴿السُّوءَ﴾؛ أي (٢): مقدمات الفاحشة من القبلة والنظر بشهوة ﴿وَالْفَحْشَاءَ﴾؛ أي: الزنا. وقيل (٣): السوء كل ما يَسُوؤُه، والفحشاء كل
وَيرَى غَيْرُهم من المفسرين أنَّ المعنى أنها همَّتْ بفعل الفاحشة، ولم يكن لها معارض، ولا ممانع، وهم هو بمثل ذلك، ولولا أنْ رأى برهان رَبّه لاقْتَرَفها. وقد فنده بعض العلماء لوجوه (١):
١ - أنَّ الهَمَّ لا يكون إلَّا بفعل للهام، والوقاع ليس من أفعال المرأة حتى تَهُمَّ به، وإنما نَصِيبُها منه قبولهْ مِمَّنْ يطلبه منها بتمكينه منه.
٢ - أنَّ يوسف لم يطلب منها هذا الفعل حتى يسمَّى قبولها لطلبه، ورضاها بتمكينه همًّا لها، فالآيات قبل هذه وبعدها تبرئه من ذلك بل مِن وسائله ومقدماته.
٣ - أنه لو وَقَعَ ذلك لوجب أن يقال: ولقد همَّ بها وهمَّتْ به؛ لأنَّ الهمَّ الأُولَى هو المقدم بالطبع، وهو الهم الحقيقيُّ، والهم الثاني متوقِّفٌ عليه.
٤ - أنه قد عَلِم من هذه القصة أنَّ هذه المرأةَ كانت عازمة على ما طلبته طلبًا جازمًا، ومصرةً عليه، فلا يصح أن يُقَالَ: إنها همَّتْ به، إذ الهمُّ مقاربةُ الفعل المتردد فيه، بل الأنسبُ في معنى الهمِّ هو ما فسَّرْناه به أوَّلًا وذلك لإرادة تأديبه بالضَّرْبِ، انتهت.
والإشارة في قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ إلى الإراءة المدلول عليها بقوله: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك، وهذه الكاف مع مجرورها في محلِّ نصب بفعل محذوف، واللامُ في قوله: ﴿لِنَصْرِفَ﴾ متعلقة بذلك المحذوف، والتقدير: أَريناه مثلَ ذلك الإراءَةِ أو ثَبَّتْنَاه مثلَ ذلك التثبيت. ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ﴾؛ أي: عن يُوسُفَ وندفَع عنه ﴿السُّوءَ﴾؛ أي (٢): مقدمات الفاحشة من القبلة والنظر بشهوة ﴿وَالْفَحْشَاءَ﴾؛ أي: الزنا. وقيل (٣): السوء كل ما يَسُوؤُه، والفحشاء كل
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) الشوكاني.
(٢) المراح.
(٣) الشوكاني.
375
أمرٍ مُفرطِ القُبح. وقيل: السوءُ الخيانة للعزيز في أهله، والفحشاء الزنا. وقيل: السوء الشهوة، والفحشاءُ المباشرة. وقيل: السوءُ الثناءُ القبيح، والأوْلَى الحمل على العموم فيدخُلُ فيه ما يدل عليه السياق دخولًا أوَّليًّا.
وفي هذه الجملة (١) آيةٌ بَيِّنَةٌ وحجة قاطعة على أنه لم يقع منه هَمٌّ بالمعصية، ولا توجُّهٌ إليها قط، وإلا لقِيلَ: لنصرفه عن السوء والفحشاء، وإنما توجَّه إليه ذلك من خارج، فصرفه تعالى عنه بما فيه من موجبات العفة، والعصمة كما في "الإرشاد". وجملة قوله: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ تعليل لما قبلها؛ أي: صَرَفنا عنه السوءَ والفحشاءَ؛ لأنَّ يُوسُفَ عليه السلام من جملة عِبَادِنا الذين أخْلَصناهم لطاعتنا، بأن عَصَمْنَاهُم مما هو قادح فيها.
وفي هذا دليل على أنَّ الشَّيطانَ لم يجد إلى إغوائه سبيلًا، ألا ترى إلى قوله: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)﴾ قال في "بحر العلوم". واعلم أنه تعالى شهد ببراءته من الذنب، ومَدَحه بأنه من المحسنين، وأنه من عباده المخلصين، فوَجَبَ على كل أحد أن لا يتوقَّفَ في نزاهته، وطهارة ذيله، وعِفَّته وتثبته في مواقع العثار.
قال الحسن: لم يَقُصَّ الله تعالى عليكم ما حكى من أخبار الأنبياء تعْييرًا لهم، لكن لئلا تَقنَطُوا من رحمته؛ لأنَّ الحُجَّةَ للأنبياء ألزم، فإذا قبلت توبتهم، كان قبولها من غيرهم أسْرَعَ.
وعدَمُ ذكر توبة يوسف دليلٌ على عدم معصيته؛ لأنه تعالى ما ذكر معصيةً عن الأنبياء، وإن صَغُرت إلا وذكر تَوبتَهم واستغفارَهم منها كآدم ونوح، وداود، وإبراهيم، وسليمان، عليهم السلام.
وقرأ الأعمش: ﴿ليُصْرفَ﴾ بياء الغيبة عائدًا على ربه. وقرأ العربيان: أبو عمرو، وابن عامر، وابن كثير: ﴿المخلِصين﴾ إذا كان فيه أن حيث وَقَع في القرآن بكسر اللام؛ أي: الذين أخلصوا دِينَهم، وعَمَلَهم لله تعالى. وقرأ باقي
وفي هذه الجملة (١) آيةٌ بَيِّنَةٌ وحجة قاطعة على أنه لم يقع منه هَمٌّ بالمعصية، ولا توجُّهٌ إليها قط، وإلا لقِيلَ: لنصرفه عن السوء والفحشاء، وإنما توجَّه إليه ذلك من خارج، فصرفه تعالى عنه بما فيه من موجبات العفة، والعصمة كما في "الإرشاد". وجملة قوله: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ تعليل لما قبلها؛ أي: صَرَفنا عنه السوءَ والفحشاءَ؛ لأنَّ يُوسُفَ عليه السلام من جملة عِبَادِنا الذين أخْلَصناهم لطاعتنا، بأن عَصَمْنَاهُم مما هو قادح فيها.
وفي هذا دليل على أنَّ الشَّيطانَ لم يجد إلى إغوائه سبيلًا، ألا ترى إلى قوله: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)﴾ قال في "بحر العلوم". واعلم أنه تعالى شهد ببراءته من الذنب، ومَدَحه بأنه من المحسنين، وأنه من عباده المخلصين، فوَجَبَ على كل أحد أن لا يتوقَّفَ في نزاهته، وطهارة ذيله، وعِفَّته وتثبته في مواقع العثار.
قال الحسن: لم يَقُصَّ الله تعالى عليكم ما حكى من أخبار الأنبياء تعْييرًا لهم، لكن لئلا تَقنَطُوا من رحمته؛ لأنَّ الحُجَّةَ للأنبياء ألزم، فإذا قبلت توبتهم، كان قبولها من غيرهم أسْرَعَ.
وعدَمُ ذكر توبة يوسف دليلٌ على عدم معصيته؛ لأنه تعالى ما ذكر معصيةً عن الأنبياء، وإن صَغُرت إلا وذكر تَوبتَهم واستغفارَهم منها كآدم ونوح، وداود، وإبراهيم، وسليمان، عليهم السلام.
وقرأ الأعمش: ﴿ليُصْرفَ﴾ بياء الغيبة عائدًا على ربه. وقرأ العربيان: أبو عمرو، وابن عامر، وابن كثير: ﴿المخلِصين﴾ إذا كان فيه أن حيث وَقَع في القرآن بكسر اللام؛ أي: الذين أخلصوا دِينَهم، وعَمَلَهم لله تعالى. وقرأ باقي
(١) روح البيان.
376
السبعة بفتح اللام من جماعتنا ﴿المخلَصين﴾ وهم آباؤه الذين أخلَصهم رَبُّهم وصفَّاهم واختارهم لطاعته، وصفاهم من الشوائب، وقال فيهم: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (٤٧)﴾.
٢٥ - ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾؛ أي: تسابق يوسُفُ وزليخا إلى الباب البراني الذي هو المخرج من الدار، ولذلك وَحَّدَ بعد الجمع فيما سلف. وفي الكلام حذف حرف الجر، وإيصال الفعل إلى المفعول، والأصل تَسابَقا إلى الباب، أو ضُمِّن الفعلُ معنى فعل آخر يتعدَّى بنفسه كابتدار الباب. وهذا الكلام متصل بقوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ وما بينَهُما اعتراض، أمَّا يُوسُفُ فلِلفرار منها، وأمَّا هي فلتَصُدَّه عن الفتح والخروج؛ أي: تسابقا إلى الباب، ففَرَّ يوسف من أمامها هاربًا إليه، طالبًا النجاة منها مرجحًا الفرارَ على الدفاع الذي لا تُعْرَفُ عاقبته وتبعته هيَ تبغي إرجاعه حتى لا يَفْلتَ من يدها، وهي لا تَدْرِي إذا هو خرَج إلى أين يذهب، ولا ماذا يقولُ، ولا ما يفعل لكنها أدركته.
﴿و﴾ جذبته بردائه و ﴿قدت﴾؛ أي: شقَّت ﴿قَمِيصَهُ﴾؛ أي: قميص يوسف ﴿مِنْ دُبُرٍ﴾ وخَلْفِه فانشق طُولًا نصفين، وهو القَدُّ كما أنَّ الشَّقَّ عرضًا هو: القط؛ أي: جذبَتْ قَمِيصَه من ورائِهِ فانْشَق إلى أسفله، وأكثر ما يُستعمل القد فيما كان طُولًا. والقط بالطاء فيما كان عرْضًا وقَعَ ذلك منها عندما فَرَّ يُوسُفُ لمَّا رَأَى بُرْهَانَ رَبه، فأرادت أن تَمْنَعَهُ من الخروج بجذبها لقميصه. ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا﴾؛ أي: وَجَدا زوْجَها ﴿لَدَى الْبَاب﴾؛ أي: عند الباب البراني مقبلًا ليدخُلَ أو كان جالسًا مع ابن عمٍّ لزليخا يقال له: يَمْليخا.
وقد كان النساء في مصر يلقَّبْنَ الزوجَ بالسيد، وإنما لم يَقُلْ سَيِّدَهُما، لأنَّ مِلْكَهُ لِيُوسُفَ لم يكن صحيحًا، فلم يكن سيدًا له؛ لأن استرقاق يُوسُفَ غير شرعي. وهذا كلامُ ربه العلم بأمره، لا كلام من اسْتَرَقَّه.
وقوله: ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مُقدَّرٍ، فكأنه قيل: فماذا وَقَع منهما عندما ألفيا سيدها لدى الباب؟ فقيل:
٢٥ - ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾؛ أي: تسابق يوسُفُ وزليخا إلى الباب البراني الذي هو المخرج من الدار، ولذلك وَحَّدَ بعد الجمع فيما سلف. وفي الكلام حذف حرف الجر، وإيصال الفعل إلى المفعول، والأصل تَسابَقا إلى الباب، أو ضُمِّن الفعلُ معنى فعل آخر يتعدَّى بنفسه كابتدار الباب. وهذا الكلام متصل بقوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ وما بينَهُما اعتراض، أمَّا يُوسُفُ فلِلفرار منها، وأمَّا هي فلتَصُدَّه عن الفتح والخروج؛ أي: تسابقا إلى الباب، ففَرَّ يوسف من أمامها هاربًا إليه، طالبًا النجاة منها مرجحًا الفرارَ على الدفاع الذي لا تُعْرَفُ عاقبته وتبعته هيَ تبغي إرجاعه حتى لا يَفْلتَ من يدها، وهي لا تَدْرِي إذا هو خرَج إلى أين يذهب، ولا ماذا يقولُ، ولا ما يفعل لكنها أدركته.
﴿و﴾ جذبته بردائه و ﴿قدت﴾؛ أي: شقَّت ﴿قَمِيصَهُ﴾؛ أي: قميص يوسف ﴿مِنْ دُبُرٍ﴾ وخَلْفِه فانشق طُولًا نصفين، وهو القَدُّ كما أنَّ الشَّقَّ عرضًا هو: القط؛ أي: جذبَتْ قَمِيصَه من ورائِهِ فانْشَق إلى أسفله، وأكثر ما يُستعمل القد فيما كان طُولًا. والقط بالطاء فيما كان عرْضًا وقَعَ ذلك منها عندما فَرَّ يُوسُفُ لمَّا رَأَى بُرْهَانَ رَبه، فأرادت أن تَمْنَعَهُ من الخروج بجذبها لقميصه. ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا﴾؛ أي: وَجَدا زوْجَها ﴿لَدَى الْبَاب﴾؛ أي: عند الباب البراني مقبلًا ليدخُلَ أو كان جالسًا مع ابن عمٍّ لزليخا يقال له: يَمْليخا.
وقد كان النساء في مصر يلقَّبْنَ الزوجَ بالسيد، وإنما لم يَقُلْ سَيِّدَهُما، لأنَّ مِلْكَهُ لِيُوسُفَ لم يكن صحيحًا، فلم يكن سيدًا له؛ لأن استرقاق يُوسُفَ غير شرعي. وهذا كلامُ ربه العلم بأمره، لا كلام من اسْتَرَقَّه.
وقوله: ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مُقدَّرٍ، فكأنه قيل: فماذا وَقَع منهما عندما ألفيا سيدها لدى الباب؟ فقيل:
377
قَالَتْ مُنزِّهةَ نفسَها: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا من الزنا ونحوه، و ﴿ما﴾ نافية؛ أي: ليس جزاؤه ﴿إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: لَيسَ جزاؤُه إلا السجنُ أو العذابُ الأليم مثل الضرب بالسوط، ونحوه. أو استفهامية؛ أي: أي شيء جزاؤه إلا السجن، أو العذاب الأليم كما تقول مَنْ في الدار إلَّا زيد؛ أي: قَالَتْ هذه المقالة طَلَبًا منها للحيلة، وللستر على نفسها، فنَسَبَتْ ما كان منها إلى يُوسُفَ، وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل؛ أي: وحينَئِذٍ خرجَتْ مما هي فيه بمكرها، وكيدها، وقالت لزوجها متنصِّلةً من جرمها، وقاذفةً لِيُوسُفَ: ما جزاءُ من أراد بأهلك شيئًا يسوؤُك صغيرًا كَانَ أو كبيرًا إلا سجن يعاقب به، أو عذابٌ مؤلم موجع يؤدبه، ويلزمه الطاعة. قال الرازي: وفي هذا القول ضروب من الحِيَلَ:
١ - إيهام زوجها أنَّ يوسفَ قدِ اعتدى عليها بما يسوؤها ويسوؤه.
٢ - أنَّها لم تصرح بجرمِهِ حتى لا يشتد غضبه، ويَقْسو في عقابه، كأن يبيعه أو يُقْصِيه عن الدار، وذلك غير ما تريد.
٣ - أنها هدَّدَتْ يُوسُفَ وأنذرته بما يعلم منه أن أَمْرَهُ بِيَدِها ليخضع لها ويُطِيعَها.
٤ - أنها قالت: إلا أن يُسْجَن والمراد منه: أن يُسْجَنَ يومًا أو أقلَّ على سبيل التخويف فحسبُ، أما الحبس الدائِمُ، فكان يقال فيه: يجب أن يُجْعَلَ من المسجونين ألا ترى أنَّ فِرْعَوْنَ حينَ هَدَّدَ موسى قال: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾.
وجملة القول في هذا: أنَّ يوسف عليه السلام كَانَ قوي الإرادة لا يمكن غَيْرُه أن يحتال عليه، ويَصْرِفَه عن رأيه، ويجعلَه خاضعًا له، ومن ثم لم تستطع امرأةُ العزيز أن تُحوِّل إرادتَه إلى ما تريد بمراودتها، ولا عَجَب في ذلك فهو في وِراثتِه الفطرية، والمكتسبة، ومقام النبوة عن آبائه الأكرمينَ، وما اختصَّه به ربه من تربيته، والعناية به، وما شهد له به من العرفان، والإحسان، والاصطفاء، وما صَرَفَ عنه من دواعي السوء، والفحشاء في مكان مكين، وحرز حصين من أن تتطلع نفسه إلى اجتراح السيئات، وارتكاب المنكرات، فكل ما صوروه به من
١ - إيهام زوجها أنَّ يوسفَ قدِ اعتدى عليها بما يسوؤها ويسوؤه.
٢ - أنَّها لم تصرح بجرمِهِ حتى لا يشتد غضبه، ويَقْسو في عقابه، كأن يبيعه أو يُقْصِيه عن الدار، وذلك غير ما تريد.
٣ - أنها هدَّدَتْ يُوسُفَ وأنذرته بما يعلم منه أن أَمْرَهُ بِيَدِها ليخضع لها ويُطِيعَها.
٤ - أنها قالت: إلا أن يُسْجَن والمراد منه: أن يُسْجَنَ يومًا أو أقلَّ على سبيل التخويف فحسبُ، أما الحبس الدائِمُ، فكان يقال فيه: يجب أن يُجْعَلَ من المسجونين ألا ترى أنَّ فِرْعَوْنَ حينَ هَدَّدَ موسى قال: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾.
وجملة القول في هذا: أنَّ يوسف عليه السلام كَانَ قوي الإرادة لا يمكن غَيْرُه أن يحتال عليه، ويَصْرِفَه عن رأيه، ويجعلَه خاضعًا له، ومن ثم لم تستطع امرأةُ العزيز أن تُحوِّل إرادتَه إلى ما تريد بمراودتها، ولا عَجَب في ذلك فهو في وِراثتِه الفطرية، والمكتسبة، ومقام النبوة عن آبائه الأكرمينَ، وما اختصَّه به ربه من تربيته، والعناية به، وما شهد له به من العرفان، والإحسان، والاصطفاء، وما صَرَفَ عنه من دواعي السوء، والفحشاء في مكان مكين، وحرز حصين من أن تتطلع نفسه إلى اجتراح السيئات، وارتكاب المنكرات، فكل ما صوروه به من
378
الصور البَشِعَةِ الدالة على الميل إلى الفجور، إنما هو من فعل زنادقة اليهود، لِيُلَبِّسوا على المسلمين دينهم، ويشوهوا به تفسيرَ كلام ربهم، ولا يَغُرَّنَّك إسناد تلك الروايات إلى بعض الصحابة، والتابعين، فهي موضوعة عليهم، ولا ينبغي أنْ يُعْتَدَّ بها؛ لأن نُصوصَ الدِّين تنبذها إلى أنه من علم الغيب في قصة لم يعلم الله رسولَه غير ما قصه عليه في هذه السورة، وكَفَى بهذا دلالة على وضعها.
ثم قال العزيزُ لزليخا: من أراد بأهلي سوءًا، قالت زُليخا: كنت نائمةً في الفراش، فجَاءَ هذا الغلام العبراني، وكشف عن ثيابي، وراودني عن نفسي، فالتفت العزيز إلى يُوسُفَ وقال: يا غلام هذا جزائي منك حيث أحسنت إليك، وأنت تحزنني
٢٦ - ﴿قَالَ﴾ يوسف دَفعًا عن نفسه، وتنزيهًا لعرضه ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾؛ أي: طالبتني للمواقعة لا أني أردت بها سوءًا كما قالت؛ أي: هي طلبتني فامتنعتُ، وفرَرَتُ كما ترى.
ولم يَقُل هذه ولا تلك لفرط استحيائه، وهو أدبٌ حسن، حيث أتى بلفظ الغيبة، ولم يكن يوسف يريد أن يهتكَ سَتْرَها، ولكن لما لَطَّخَتْ عرضه احتاجَ إلى إزالة هذه التهمة عن نفسه، فصرَّحَ بالأمر فقال: هي طَالَبَتْنِي لِلمُواتَاة. وكانت الأمارات دالة على صدق يوسف لوجوه:
١ - أن يوسف كَانَ مولى لها، وفي مَجْرى العادة: أنَّ المولى لا يجرؤ أن يتسلَّط على سيدته، ويَتَشدَّد إلى مثل هذا.
٢ - أنهم رَأوا يُوسُفَ يعدو عَدْوًا شديدًا ليخرجَ، ومن يطلب امراْةً لا يَخْرُجُ على هذا النحو.
٣ - أنهم رأَوا الزينة قد بدَتْ على وجه المرأة، ولم يكن لها من أثر على وجهِ يوسف.
٤ - أنهم لم يشاهدوا من أخلاق يُوسُفَ في تلك الحقبة الطويلة ما يؤيد مثل هذه التهمة، أو يقوِّي الظنَّ عليه بأنه هو الطالبُ لا الهاربُ.
وقد أظهر الله تعالى لبراءته ما يقوِّي تلك الدلائل الكثيرةَ التي تظاهَرَتْ على أن بدء الفتنة كانت منها لا منه، وأنها هي المذنبة لا هو.
ثم قال العزيزُ لزليخا: من أراد بأهلي سوءًا، قالت زُليخا: كنت نائمةً في الفراش، فجَاءَ هذا الغلام العبراني، وكشف عن ثيابي، وراودني عن نفسي، فالتفت العزيز إلى يُوسُفَ وقال: يا غلام هذا جزائي منك حيث أحسنت إليك، وأنت تحزنني
٢٦ - ﴿قَالَ﴾ يوسف دَفعًا عن نفسه، وتنزيهًا لعرضه ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾؛ أي: طالبتني للمواقعة لا أني أردت بها سوءًا كما قالت؛ أي: هي طلبتني فامتنعتُ، وفرَرَتُ كما ترى.
ولم يَقُل هذه ولا تلك لفرط استحيائه، وهو أدبٌ حسن، حيث أتى بلفظ الغيبة، ولم يكن يوسف يريد أن يهتكَ سَتْرَها، ولكن لما لَطَّخَتْ عرضه احتاجَ إلى إزالة هذه التهمة عن نفسه، فصرَّحَ بالأمر فقال: هي طَالَبَتْنِي لِلمُواتَاة. وكانت الأمارات دالة على صدق يوسف لوجوه:
١ - أن يوسف كَانَ مولى لها، وفي مَجْرى العادة: أنَّ المولى لا يجرؤ أن يتسلَّط على سيدته، ويَتَشدَّد إلى مثل هذا.
٢ - أنهم رَأوا يُوسُفَ يعدو عَدْوًا شديدًا ليخرجَ، ومن يطلب امراْةً لا يَخْرُجُ على هذا النحو.
٣ - أنهم رأَوا الزينة قد بدَتْ على وجه المرأة، ولم يكن لها من أثر على وجهِ يوسف.
٤ - أنهم لم يشاهدوا من أخلاق يُوسُفَ في تلك الحقبة الطويلة ما يؤيد مثل هذه التهمة، أو يقوِّي الظنَّ عليه بأنه هو الطالبُ لا الهاربُ.
وقد أظهر الله تعالى لبراءته ما يقوِّي تلك الدلائل الكثيرةَ التي تظاهَرَتْ على أن بدء الفتنة كانت منها لا منه، وأنها هي المذنبة لا هو.
379
فقال العزيز ليوسف: مَا أقبل قولك إلا ببرهان. وفي رواية نظر العزيز إلى ظاهر قول زليخا وتظلمها، فأمر بأن يُسْجَن يوسُفَ، وعند ذلك دعا يوسفَ بإنزال البراءة، وكان لزليخا خال له ابن في المهد ابن ثلاثة أشهر، أو أربعة، أو ستة على اختلاف الروايات، فَهبَط جبريل إلى ذلك الطفل، وأجلسه في مهده، وقال له: اشهد ببراءة يوسف، فقام الطفل من المهد وجعل يَسْعى حتى قام بين يدي العزيز، وكان في حجراته كما قال الله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾؛ أي: ابن خالها الذي كان صبيًّا في المهد، وإنما ألقى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها ليكونَ أوْجَبَ للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف، وأنفى للتهمة عنه.
واستدلَّ على أنَّ هذا الشاهدَ كانَ صبيًّا في المهد بما نقل عن ابن عباس، رضي الله عنه، أن النبي - ﷺ - قال: "تكلَّم أربعةٌ وهم صغار، ابنُ ماشطة بنت فرعون، لَمَّا أَسْلَمَتْ، أخبرتَ البنت أباها بإسلامها، فأمر بإلقائها، وإلقاء أولادها في النقرة المتخذة من النحاس المحماة، فلما بلغت النوبة إلى آخر ولدها، وكان مُرْضَعًا قال: اصبري يا أماه فإنك على الحق، وشاهد يوسف، وصاحبُ جُريج، وعيسى بن مريم".
وبما روى عن أبي هريرة قال: عيسى بن مريم، وصاحب يوسف، وصاحب جريجّ، تكَلَّموا في المهد. وهذا موقوف لا يصلح الاحتجاج به، والأول قد ضعفه رجال الحديث، إلا أنه لو نطَقَ الطفل بهذا لكان قولُه كافيًا في تفنيد زعمها دون حاجة إلى الاستدلال بتمزيق القميص؛ لأنه من الدلائل الظنية، وكلامه في المهد من الدلائل اليقينية، وأيضًا لو كانَ كذلك لما كان هناك داعٍ إلى قوله: ﴿مِنْ أَهْلِهَا﴾ الذي ينفي التحاملَ عليها، ويمتنع إرادة الضر بها. وأيضًا، فإن لفَظَ الشاهد لا يقع عُرْفًا إلا على من تقدَّمَتْ معرفته لما يَشْهَدُ وإحاطته به.
أي: وشهد شاهد من أهلها، فقال: أيها العزيز: إن عندي في أمرك هذا ما لَك فيه فرَجٌ ومخرجٌ، انظر إلى قميص الغلام العبرانيِّ ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾؛ أي: شقَّ من قدام ﴿فَصَدَقَتْ﴾؛ أي: فقد صدقت المرأة {وَهُوَ مِنَ
واستدلَّ على أنَّ هذا الشاهدَ كانَ صبيًّا في المهد بما نقل عن ابن عباس، رضي الله عنه، أن النبي - ﷺ - قال: "تكلَّم أربعةٌ وهم صغار، ابنُ ماشطة بنت فرعون، لَمَّا أَسْلَمَتْ، أخبرتَ البنت أباها بإسلامها، فأمر بإلقائها، وإلقاء أولادها في النقرة المتخذة من النحاس المحماة، فلما بلغت النوبة إلى آخر ولدها، وكان مُرْضَعًا قال: اصبري يا أماه فإنك على الحق، وشاهد يوسف، وصاحبُ جُريج، وعيسى بن مريم".
وبما روى عن أبي هريرة قال: عيسى بن مريم، وصاحب يوسف، وصاحب جريجّ، تكَلَّموا في المهد. وهذا موقوف لا يصلح الاحتجاج به، والأول قد ضعفه رجال الحديث، إلا أنه لو نطَقَ الطفل بهذا لكان قولُه كافيًا في تفنيد زعمها دون حاجة إلى الاستدلال بتمزيق القميص؛ لأنه من الدلائل الظنية، وكلامه في المهد من الدلائل اليقينية، وأيضًا لو كانَ كذلك لما كان هناك داعٍ إلى قوله: ﴿مِنْ أَهْلِهَا﴾ الذي ينفي التحاملَ عليها، ويمتنع إرادة الضر بها. وأيضًا، فإن لفَظَ الشاهد لا يقع عُرْفًا إلا على من تقدَّمَتْ معرفته لما يَشْهَدُ وإحاطته به.
أي: وشهد شاهد من أهلها، فقال: أيها العزيز: إن عندي في أمرك هذا ما لَك فيه فرَجٌ ومخرجٌ، انظر إلى قميص الغلام العبرانيِّ ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾؛ أي: شقَّ من قدام ﴿فَصَدَقَتْ﴾؛ أي: فقد صدقت المرأة {وَهُوَ مِنَ
380
الْكَاذِبِينَ} في قوله: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي﴾ لأنه إذا طلبها دفعته عن نفسها، فشقَّتْ قميصَه من قدام، أو يُسْرعُ خَلْفَها لِيُدْرِكَها فيتعثر بذيله فينشق جيبه،
٢٧ - ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ﴾؛ أي: من خلف ﴿فَكَذَبَتْ﴾؛ أي: فقد كذبت المرأة في دعْواها ﴿وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في قوله: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي﴾ لأنه يدل على أنَّها تَبِعَتْهُ فاجتذَبَت ثَوْبَهُ فقدَّتْه، وقوله (١): ﴿وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾، ﴿وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ جملتان مؤكدتان لأنَّ من قوله: ﴿فَصَدَقَتْ﴾ يعلم كذبه، ومن قوله: ﴿فَكَذَبَتْ﴾ يعلم صدقه، وفي بناءِ "قُدَّ" للمفعول ستر على مَنْ قَدَّه. وقال المفضل بن حرب: رأيت في مصحف ﴿قُطَّ من دبر﴾ أي شُقَّ. وقال ابن عطية: وقرأت فرقة ﴿قُطّ﴾. وقرأ زيد بن علي: ﴿أو عذابًا أليمًا﴾ وقدره الكسائي أو يعذُّب عَذابًا أليمًا. وقرأ الجمهور: ﴿مِنْ قُبُلٍ﴾ و ﴿مِنْ دُبُر﴾ بضم الباء فيهما والتنوين. وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية بتسكينها، وبالتنوين وهي لغة الحجاز وأسد. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والعطاردي، وأبو الزناد، ونوح القارئ، والجارود بن أبي سَبْرة بخلاف عنه: ﴿من قبل ومن دبر﴾ بثلاث ضمات. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والجارود أيضًا في رواية عنهم بإسكان الباء مع بنائهما على الضم، جعلوهما غايةً نحو من قبل، ومعنى الغَايَةِ: أن يصيرَ المضاف غايةَ نَفْسِهِ بعدما كان المضاف إليه غَايَتَه. والأصل: إعرابهما لأنهما اسمان متمكنان، ولَيْسا بظرفين. وقال أبو حاتم: هذا رديء في العربية، وإنما يقع هذا البناء في الظروف. وقال الزمخشري: والمعنى: مِنْ قُبُل القميص ومن دُبره. وأما التنكير فمعناه: من جهة يقال لها: قبل، ومن جهة يقال لها: دبر. وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ: ﴿من قبل ومن دبر﴾ بالفتح كأن جعَلَهُما عَلَمين للجهتين، فَمَنَعهما الصرفَ للعلمية والتأنيث.
والمعنى (٢): أي وحَكم ابن عم أو خال لها مستدلًّا بما ذكر، وكان عَاقِلًا حَصيفَ الرأي، فقال: قد سَمِعْنَا جلبةً وضوضاء، ورأينا شق القميص، إلا أنا لا ندري أيكما كان قُدَّامَ صاحبه، فإن كان شق القميص من قُدَّام فصدقت في دعواها، أنه أراد بها سوءًا؛ إذ الذي يقبله العقل أنه لما وثب عليها أخذت
٢٧ - ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ﴾؛ أي: من خلف ﴿فَكَذَبَتْ﴾؛ أي: فقد كذبت المرأة في دعْواها ﴿وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في قوله: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي﴾ لأنه يدل على أنَّها تَبِعَتْهُ فاجتذَبَت ثَوْبَهُ فقدَّتْه، وقوله (١): ﴿وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾، ﴿وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ جملتان مؤكدتان لأنَّ من قوله: ﴿فَصَدَقَتْ﴾ يعلم كذبه، ومن قوله: ﴿فَكَذَبَتْ﴾ يعلم صدقه، وفي بناءِ "قُدَّ" للمفعول ستر على مَنْ قَدَّه. وقال المفضل بن حرب: رأيت في مصحف ﴿قُطَّ من دبر﴾ أي شُقَّ. وقال ابن عطية: وقرأت فرقة ﴿قُطّ﴾. وقرأ زيد بن علي: ﴿أو عذابًا أليمًا﴾ وقدره الكسائي أو يعذُّب عَذابًا أليمًا. وقرأ الجمهور: ﴿مِنْ قُبُلٍ﴾ و ﴿مِنْ دُبُر﴾ بضم الباء فيهما والتنوين. وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية بتسكينها، وبالتنوين وهي لغة الحجاز وأسد. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والعطاردي، وأبو الزناد، ونوح القارئ، والجارود بن أبي سَبْرة بخلاف عنه: ﴿من قبل ومن دبر﴾ بثلاث ضمات. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والجارود أيضًا في رواية عنهم بإسكان الباء مع بنائهما على الضم، جعلوهما غايةً نحو من قبل، ومعنى الغَايَةِ: أن يصيرَ المضاف غايةَ نَفْسِهِ بعدما كان المضاف إليه غَايَتَه. والأصل: إعرابهما لأنهما اسمان متمكنان، ولَيْسا بظرفين. وقال أبو حاتم: هذا رديء في العربية، وإنما يقع هذا البناء في الظروف. وقال الزمخشري: والمعنى: مِنْ قُبُل القميص ومن دُبره. وأما التنكير فمعناه: من جهة يقال لها: قبل، ومن جهة يقال لها: دبر. وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ: ﴿من قبل ومن دبر﴾ بالفتح كأن جعَلَهُما عَلَمين للجهتين، فَمَنَعهما الصرفَ للعلمية والتأنيث.
والمعنى (٢): أي وحَكم ابن عم أو خال لها مستدلًّا بما ذكر، وكان عَاقِلًا حَصيفَ الرأي، فقال: قد سَمِعْنَا جلبةً وضوضاء، ورأينا شق القميص، إلا أنا لا ندري أيكما كان قُدَّامَ صاحبه، فإن كان شق القميص من قُدَّام فصدقت في دعواها، أنه أراد بها سوءًا؛ إذ الذي يقبله العقل أنه لما وثب عليها أخذت
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
بتلابيبه، فجَاذَبَها فانقد قميصه، وهما يتنازعان، ويتصارعان، وهو من الكاذبين، في دَعواه أنها راودته فامتنعَ وفرَّ هاربًا، فتبعته وجذبته تريد إرجاعه، وإن كَانَ قميصه قُدَّ من الخَلْف فكذبت في دعواها، أنه هجم عليها يريد ضَرْبَها، وهو من الصادقين في قوله: أنه فرَّ هاربًا منها.
٢٨ - ﴿فَلَمَّا رَأَى﴾ العزيز ﴿قَمِيصَهُ﴾ أي: قميص يوسف ﴿قُدَّ﴾ وشق ﴿مِنْ دُبُر﴾؛ أي: من وراءَ وخلف، وعلم براءة يوسف وصدقه ﴿قَالَ﴾؛ أي: العزيز ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إنَّ الأمر الذي وقع فيه التشاجر ﴿مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾؛ أي: من جنس حيلتكنَّ ومكركن أيها النساء، لا من غيركن، فخَجَلَتْ زليخا، وتعميم الخطاب للتنبيه على أنَّ ذَلِكَ خُلُقٌ لهن عريق ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ﴾ ومَكْرَكُنّ يا معشرَ النساء ﴿عَظِيمٌ﴾ فإنه ألصق، وأعْلَقُ بالقلب، وأشد تأثيرًا في النفس؛ أي: من كيد الرجال؛ لأنَّ لهن في هذا الباب من الحِيَلِ ما لا يكون للرجال، ولأنَّ كَيْدَهُنَّ في هذا الباب يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال، ولأنَّ الشيطان يوسوس مسارقة، وهن يواجههن به الرجال، فالعظم بالنسبة إلى كيد الشيطان.
وقال بعض العلماء: إنّي أخاف من النساءِ ما لا أخاف من الشيطان، فإنه تعالى يقول: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ وقال للنساء: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾. وإنما وَصَف كَيْدَ النِّساءِ بالعِظم، وَكَيد الشيطان بالضَّعْفِ؛ لأن كَيْدَ النساء أقوى بسبب أنهن حبائل الشيطان، فكيدهن مقرونٌ بكيد الشيطان فهما كيدان، بخلاف كيد الشيطان دونهن فكيد واحد.
والمعنى (١): أي فلمَّا نظر العزيز إلى القميص، ورأَى الشقَّ من الخلف أيقَنَ بصدق قوله، واعتقد كَذِبَها، وقال: إن هذا محاولة للتنصل من جُرْمِهَا باتِّهامها له بضروب الكيد المعروفة عن النساء، فهو سنة عامة فيهن، فهن يجتهدن في التبري من خطاياهن، ما وجدن إلى ذلك سبيلًا، وكيد النساء عظيم، لا قبَلَ للرجال به، ولا يفطنون لحيلهن حتى يدفَعُوها قدر المستطاع، ولا شك أنَّ هذه شهادة من
٢٨ - ﴿فَلَمَّا رَأَى﴾ العزيز ﴿قَمِيصَهُ﴾ أي: قميص يوسف ﴿قُدَّ﴾ وشق ﴿مِنْ دُبُر﴾؛ أي: من وراءَ وخلف، وعلم براءة يوسف وصدقه ﴿قَالَ﴾؛ أي: العزيز ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إنَّ الأمر الذي وقع فيه التشاجر ﴿مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾؛ أي: من جنس حيلتكنَّ ومكركن أيها النساء، لا من غيركن، فخَجَلَتْ زليخا، وتعميم الخطاب للتنبيه على أنَّ ذَلِكَ خُلُقٌ لهن عريق ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ﴾ ومَكْرَكُنّ يا معشرَ النساء ﴿عَظِيمٌ﴾ فإنه ألصق، وأعْلَقُ بالقلب، وأشد تأثيرًا في النفس؛ أي: من كيد الرجال؛ لأنَّ لهن في هذا الباب من الحِيَلِ ما لا يكون للرجال، ولأنَّ كَيْدَهُنَّ في هذا الباب يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال، ولأنَّ الشيطان يوسوس مسارقة، وهن يواجههن به الرجال، فالعظم بالنسبة إلى كيد الشيطان.
وقال بعض العلماء: إنّي أخاف من النساءِ ما لا أخاف من الشيطان، فإنه تعالى يقول: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ وقال للنساء: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾. وإنما وَصَف كَيْدَ النِّساءِ بالعِظم، وَكَيد الشيطان بالضَّعْفِ؛ لأن كَيْدَ النساء أقوى بسبب أنهن حبائل الشيطان، فكيدهن مقرونٌ بكيد الشيطان فهما كيدان، بخلاف كيد الشيطان دونهن فكيد واحد.
والمعنى (١): أي فلمَّا نظر العزيز إلى القميص، ورأَى الشقَّ من الخلف أيقَنَ بصدق قوله، واعتقد كَذِبَها، وقال: إن هذا محاولة للتنصل من جُرْمِهَا باتِّهامها له بضروب الكيد المعروفة عن النساء، فهو سنة عامة فيهن، فهن يجتهدن في التبري من خطاياهن، ما وجدن إلى ذلك سبيلًا، وكيد النساء عظيم، لا قبَلَ للرجال به، ولا يفطنون لحيلهن حتى يدفَعُوها قدر المستطاع، ولا شك أنَّ هذه شهادة من
(١) المراغي.
قريب لها، يُتَّهَمُ بالتحامل عليها، ولا بظلمها، وتجريحها برَمْيِها بما هي منه براء.
٢٩ - ثم خاطب العزيز يوسف عليه السلام بقوله: يا ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا﴾ الأمر الذي جَرَى، واكتمه، ولا تتحدث به حتى لا يشيع فيعيروني. ثم أقبلَ عليها بالخطاب فقال: ﴿وَاسْتَغْفِرِي﴾ أنتِ يا زليخا ﴿لِذَنْبِكِ﴾ الذي صدر منك وثَبَتَ عليك؛ أي: توبي إلى الله تعالى ممَّا رَمَيْتِ يُوسُفَ به وهُو بريء منه. فإنْ قلت: إنَّهم قوم مشركون، فلا يعرفون ذَنْبَهُم مع خالقِهِم، فما الذنب الذي يطلب منه الاستغفار؟ أُجِيبَ: بأن المرادَ بالذنب خِيَانتها لزوجها.
﴿إِنَّكِ كُنْتِ﴾ بسبب ذلك ﴿مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾؛ أي: من جملة القوم الذين تَعَمَّدُوا للخطيئة والذنب، يقال: خطىء إذا أذنب عَمْدًا.
والجملة (١): تعليل لما قَبْلَها من الأمر بالاستغفار، ولم يقل من الخَاطِئَات تغليبًا للمذكر على المؤنث كما في قوله: ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾. وقيل: إن القائلَ لِيُوسُفَ ولامرأة العزيز بهذه المقالة هو الشاهد الذي حَكَمَ بينهما.
والمعنى (٢): أي يا يوسف أعرض عن ذكر هذا الكيد، الذي حصل، ولا تتحدَّثْ به كي لا ينتشر أمرُه بين الناس، ولا تَخَفْ من تهديدها، وكيدها لك، وأنتِ أيتها المرأة توبي إلى ربك واستغفري لذنبك، إنك كنت من زمرة المجرمين، الذين يتعمدون ارتكابَ الخَطايا، ويجترحُون السيئات، وهم مُصِرُّون عليها. قيل (٣): وَكَان العزيز رَجُلًا حَلِيمًا فاكتفى بهذا القدر في مؤاخذتها. وقيل: إنه كانَ قليلَ المغيرة بل قال في "البحر": إنَّ تُرْبَةَ مصر تقتضي ذلك، ولهذا لا يَنْشأُ فيها الأسد، ولو دَخَل فيها لا يَبْقى. ورُوي أنَّه حَلَفَ أن لا يدخل عليها إلى أربعين يومًا، وأخرج يوسف من عندها، وشغله في خِدْمَتِه وبقِيَتْ زُليخا لا تَرَى يُوسُفَ.
٢٩ - ثم خاطب العزيز يوسف عليه السلام بقوله: يا ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا﴾ الأمر الذي جَرَى، واكتمه، ولا تتحدث به حتى لا يشيع فيعيروني. ثم أقبلَ عليها بالخطاب فقال: ﴿وَاسْتَغْفِرِي﴾ أنتِ يا زليخا ﴿لِذَنْبِكِ﴾ الذي صدر منك وثَبَتَ عليك؛ أي: توبي إلى الله تعالى ممَّا رَمَيْتِ يُوسُفَ به وهُو بريء منه. فإنْ قلت: إنَّهم قوم مشركون، فلا يعرفون ذَنْبَهُم مع خالقِهِم، فما الذنب الذي يطلب منه الاستغفار؟ أُجِيبَ: بأن المرادَ بالذنب خِيَانتها لزوجها.
﴿إِنَّكِ كُنْتِ﴾ بسبب ذلك ﴿مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾؛ أي: من جملة القوم الذين تَعَمَّدُوا للخطيئة والذنب، يقال: خطىء إذا أذنب عَمْدًا.
والجملة (١): تعليل لما قَبْلَها من الأمر بالاستغفار، ولم يقل من الخَاطِئَات تغليبًا للمذكر على المؤنث كما في قوله: ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾. وقيل: إن القائلَ لِيُوسُفَ ولامرأة العزيز بهذه المقالة هو الشاهد الذي حَكَمَ بينهما.
والمعنى (٢): أي يا يوسف أعرض عن ذكر هذا الكيد، الذي حصل، ولا تتحدَّثْ به كي لا ينتشر أمرُه بين الناس، ولا تَخَفْ من تهديدها، وكيدها لك، وأنتِ أيتها المرأة توبي إلى ربك واستغفري لذنبك، إنك كنت من زمرة المجرمين، الذين يتعمدون ارتكابَ الخَطايا، ويجترحُون السيئات، وهم مُصِرُّون عليها. قيل (٣): وَكَان العزيز رَجُلًا حَلِيمًا فاكتفى بهذا القدر في مؤاخذتها. وقيل: إنه كانَ قليلَ المغيرة بل قال في "البحر": إنَّ تُرْبَةَ مصر تقتضي ذلك، ولهذا لا يَنْشأُ فيها الأسد، ولو دَخَل فيها لا يَبْقى. ورُوي أنَّه حَلَفَ أن لا يدخل عليها إلى أربعين يومًا، وأخرج يوسف من عندها، وشغله في خِدْمَتِه وبقِيَتْ زُليخا لا تَرَى يُوسُفَ.
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
٣٠ - ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾؛ أي: جماعة من النساء ﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ ظرف لـ ﴿قَالَ﴾؛ أي: أشَعْنَ الأمر في مصر، أو صفةٌ للنسوة، وكنَّ خَمْسًا امرأة الخبَّاز، وامرأةَ السَّاقِي، وامرأة صاحب الدواب، وامرأةُ صاحب السجن، وامرأة الحاجب. والنِّسوة اسم جمع لامرأة، وتأنيثه غير حقيقي، ولذا لم يُلْحِق فعلَه تاءَ التأنيث. يقال فيه: نسوة بضم النون، وهي قراءةُ الأعمش، والفضل، وسليمان. ويقال: نسوة بكسر النون، وهي قراءة الباقين، ذكره الشوكاني. ولم (١) يشر الكتاب الكريم إلى عَدَدهنّ، ولا إلى صفاتهن؛ لأنَّ العِبْرةَ ليست في حاجة إلى ذلك، والذي يقتضيه العُرْفُ، ومجرى العادة أنه عَمَلُ جماعة قليلة من بيوتات كبار الدولة، يُعْهَدُ منهن في العُرف أن يأتَمِرْنَ، ويتفقن على الاشتراك في مثل هذا المكر؛ إذ نساء البيوت الدنيا أو الوسطى، لا تتجه أنظارُهن إلى الإنكار على امرأة العزيز كبير وزراء الدولة، ولا إلى مشاركتها في سلب عشيقها، ولا إلى التمتع بجماله الساحر، وحادث مثل هذا جدير بأن ينتقلَ من بيت إلى بيت بوساطة الخَدم، ويكون الشغلَ الشاغلَ للنساء في مجالسهن الخاصَّة، وسمَرِهِنّ في البيوت، وخلاصَتُهُ: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾؛ أي: تطالب غُلامَها بمواقعته لها، وتحتال في ذلك، وتُخادعه ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾، وهو يمتنعُ منها. وتُرْسَم امرأةُ هذه بالتاء المجرورة، وأمَّا بالنطق فوقف عليها ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء. وأما في الوصل فبالياء للجميع، اهـ خطيب. والعزيزُ بلسان العرب، الملك، والمراد به (٢): قِطْفير، وزير الرَّيان، وبامرأته زليخا، ولم يصرِّحْنَ باسمها على ما عليه عادة الناس عند ذكر السلطان، والوزير، ونحوهما، وذكر من يَتْبَعهم من خواص حُرَمهم. وقال بعضهم: صرَّحْنَ بإضافتها إلى العزيز، مبالغةً للتشنيع؛ لأنَّ النُّفوسَ أقبل إلى سماع أخبار ذوي الأخْطار وما يجري لهم.
وهذا كلام يقال (٣) للإنكار والتعجب منْ حصوله لوجوه عدَّة:
وهذا كلام يقال (٣) للإنكار والتعجب منْ حصوله لوجوه عدَّة:
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
384
١ - أنها امرأة العزيز الأكبر في الدولة، ولها المنزلة السَّامِيةُ بين نساء العظماء.
٢ - أن الذي تراوده عن نفسه هو فتاها ورقيقها.
٣ - أنها قد بَلَغَ بها الأمر أنْ جادَتْ بعفتها، فكانت هي المراوِدة، والطالبةُ لا المراوَدةَ المطلوبة.
٤ - أنها وقد شاع ذكرا في المدينة، لم ينثن عزمها عمَّا تريد بل لا تزال مجدَّةً في نيل مرغوبها، والحصول على مطلوبها كما يفيد ذلك قولن: ﴿تُرَاوِدُ﴾ وهو فعل يدل على الاستمرار في الطلب.
ثم أكدن هذا الإنكارَ بقولهن: ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾؛ أي: قد شَقَّ (١) فتاها شِغَاف قلبها من جهة الحب، والشغاف: جلدة محيطة بالقلب، يقال لها غلاف القلب.
والمعنى (٢): أنَّ حبه دَخَلَ الجلدةَ حتى أصاب القلبَ، وقيل: إن حُبَّه قد أحاط بقلبها، كإحاطة الشغاف بالقلب.
وقال الكلبي: حَجَبَ حبه قَلْبَها حتى لا تَعْقِلَ شيئًا سواه.
والمعنى: أي قد شَقَّ حبه شغاف قلبها؛ أي: غِلافَهُ المحيط به، وغاصَ في سويدَائِه فَمَلَكَ عليها أمرها، فلا تبالي بما يكون من عاقبة تهتكها، ولا بما يصيرُ إليه حالها. وقرأ (٣) ثابت البناني: ﴿شغِفها﴾ بكسر الغين المعجمة، والجمهور بفتحها. وقرأ الحسن: ﴿قد شغُفها﴾ بضم الغين المعجمة كما ذكره الشوكاني. وقرأ علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وابنه محمَّد بن علي، وابنه جعفر بن محمَّد، والشعبي، وعوف الأعرابي بفتح العين المهملة، وكذلك قتادةُ، وابن هرمز، ومجاهد، وحميد، والزهرى بخلاف عنهم.
٢ - أن الذي تراوده عن نفسه هو فتاها ورقيقها.
٣ - أنها قد بَلَغَ بها الأمر أنْ جادَتْ بعفتها، فكانت هي المراوِدة، والطالبةُ لا المراوَدةَ المطلوبة.
٤ - أنها وقد شاع ذكرا في المدينة، لم ينثن عزمها عمَّا تريد بل لا تزال مجدَّةً في نيل مرغوبها، والحصول على مطلوبها كما يفيد ذلك قولن: ﴿تُرَاوِدُ﴾ وهو فعل يدل على الاستمرار في الطلب.
ثم أكدن هذا الإنكارَ بقولهن: ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾؛ أي: قد شَقَّ (١) فتاها شِغَاف قلبها من جهة الحب، والشغاف: جلدة محيطة بالقلب، يقال لها غلاف القلب.
والمعنى (٢): أنَّ حبه دَخَلَ الجلدةَ حتى أصاب القلبَ، وقيل: إن حُبَّه قد أحاط بقلبها، كإحاطة الشغاف بالقلب.
وقال الكلبي: حَجَبَ حبه قَلْبَها حتى لا تَعْقِلَ شيئًا سواه.
والمعنى: أي قد شَقَّ حبه شغاف قلبها؛ أي: غِلافَهُ المحيط به، وغاصَ في سويدَائِه فَمَلَكَ عليها أمرها، فلا تبالي بما يكون من عاقبة تهتكها، ولا بما يصيرُ إليه حالها. وقرأ (٣) ثابت البناني: ﴿شغِفها﴾ بكسر الغين المعجمة، والجمهور بفتحها. وقرأ الحسن: ﴿قد شغُفها﴾ بضم الغين المعجمة كما ذكره الشوكاني. وقرأ علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وابنه محمَّد بن علي، وابنه جعفر بن محمَّد، والشعبي، وعوف الأعرابي بفتح العين المهملة، وكذلك قتادةُ، وابن هرمز، ومجاهد، وحميد، والزهرى بخلاف عنهم.
(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.
385
ورُوِيَ عن ثابت البناني، وابن رجاء كسر العين المهملة. قال ابن زيد: الشَّغَفُ في الحُبِّ، والشَّعَفُ في البُغْضِ.
وقال الشعبي: الشغف والمشغوف بالغين المعجمة في الحبِّ، والشعف الجنُونُ، والمشعوف المجنون. وأدْغَمَ النحويان أبو عمرو، والكسائي، وحمزة، وهشام، وابن محيصن دَالَ (قَدْ) في شين (شَغَفَها). ثم زدنَ ذلكَ تأكيدًا بقولهن: ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: في خطأ بينٍ ظاهرٍ، حيث تركت ما يجب على أمثالها من العفافِ، والستر وأحبَّت فتاها؛ أي: إنا لنعلم أنها غَائِصَة في مَهَاوِي الضلالة البينة البعيدة عن طريق الهدى والرشاد. ولم يكن قولهن هذا إنكارًا للمنكر، ولا كرهًا للرذيلة، ولا نصرًا للفضيلة، بل قلنه مَكْرًا وحيلةً ليصل الحديث إليها، فيَحْمِلها ذلك على دعوتهن، والرؤية بأبصارهن، ما يكون فيه معذرة لها، فيما فعلتْ، وذلك منهن مَكْر ولا رأيٌ، وقد وصلنَ إلى ما أردْنَ. وهذه الجملة (١) مُقرِّرَة لمضمونِ ما قبلها.
والمعنى: ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا﴾ أي: نَعْلَمُها في فعلها هذا، وهي المراودة لفتاها ﴿فِي ضَلَالٍ﴾ عن طريق الرشد والصواب، ﴿مُبِين﴾؛ أي: واضح لا يلتبس على مَنْ نظَر فيه، وإنما لم يقلْنَ (٢): إنها لفي ضلال مبينٍ إشعارًا بأنَّ ذلكَ الحكمَ غير صادر عنهن مجازفة بل عن علم، ورأي، مع التلويح بأنهن متنزهات عن أمثال ما هي عليه، ولذا ابْتَلاهن الله تعالى بما رَمَيْنَ به الغيرَ؛ لأنه ما عَيَّر واحد أخاه بذنب إلَّا ارتكبه قبْلَ أن يَمُوتَ.
٣١ - ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ﴾ امرأة العزيز ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾؛ أي: باغتيابهن إياها، وسوءِ قولهن، وقولهن: امرأة العزيز عَشقَتْ عبدها الكِنعانِيَّ، وهو مَقَتَها. وسميت الغيبة مكرًا لاشتراكهما في الإخْفاءِ. ﴿أَرْسَلَتْ﴾ امرأة العزيز ﴿إِلَيْهِنَّ﴾؛ أي: إلى نسوة المدينة تدعوهن للضيافة إكرامًا لهن، ومكرًا بهن، ولتُعْذَر في يوسف، لعلمِها أنهن إذا رأينَهُ دهشن وافتتنَّ به. قيل: دَعَتْ أربعين امرأةً، منهن الخَمْس المذكوراتُ.
وقال الشعبي: الشغف والمشغوف بالغين المعجمة في الحبِّ، والشعف الجنُونُ، والمشعوف المجنون. وأدْغَمَ النحويان أبو عمرو، والكسائي، وحمزة، وهشام، وابن محيصن دَالَ (قَدْ) في شين (شَغَفَها). ثم زدنَ ذلكَ تأكيدًا بقولهن: ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: في خطأ بينٍ ظاهرٍ، حيث تركت ما يجب على أمثالها من العفافِ، والستر وأحبَّت فتاها؛ أي: إنا لنعلم أنها غَائِصَة في مَهَاوِي الضلالة البينة البعيدة عن طريق الهدى والرشاد. ولم يكن قولهن هذا إنكارًا للمنكر، ولا كرهًا للرذيلة، ولا نصرًا للفضيلة، بل قلنه مَكْرًا وحيلةً ليصل الحديث إليها، فيَحْمِلها ذلك على دعوتهن، والرؤية بأبصارهن، ما يكون فيه معذرة لها، فيما فعلتْ، وذلك منهن مَكْر ولا رأيٌ، وقد وصلنَ إلى ما أردْنَ. وهذه الجملة (١) مُقرِّرَة لمضمونِ ما قبلها.
والمعنى: ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا﴾ أي: نَعْلَمُها في فعلها هذا، وهي المراودة لفتاها ﴿فِي ضَلَالٍ﴾ عن طريق الرشد والصواب، ﴿مُبِين﴾؛ أي: واضح لا يلتبس على مَنْ نظَر فيه، وإنما لم يقلْنَ (٢): إنها لفي ضلال مبينٍ إشعارًا بأنَّ ذلكَ الحكمَ غير صادر عنهن مجازفة بل عن علم، ورأي، مع التلويح بأنهن متنزهات عن أمثال ما هي عليه، ولذا ابْتَلاهن الله تعالى بما رَمَيْنَ به الغيرَ؛ لأنه ما عَيَّر واحد أخاه بذنب إلَّا ارتكبه قبْلَ أن يَمُوتَ.
٣١ - ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ﴾ امرأة العزيز ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾؛ أي: باغتيابهن إياها، وسوءِ قولهن، وقولهن: امرأة العزيز عَشقَتْ عبدها الكِنعانِيَّ، وهو مَقَتَها. وسميت الغيبة مكرًا لاشتراكهما في الإخْفاءِ. ﴿أَرْسَلَتْ﴾ امرأة العزيز ﴿إِلَيْهِنَّ﴾؛ أي: إلى نسوة المدينة تدعوهن للضيافة إكرامًا لهن، ومكرًا بهن، ولتُعْذَر في يوسف، لعلمِها أنهن إذا رأينَهُ دهشن وافتتنَّ به. قيل: دَعَتْ أربعين امرأةً، منهن الخَمْس المذكوراتُ.
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
386
﴿وَأَعْتَدَتْ﴾؛ أي: أحْضرَتْ وهيَّأتْ ﴿لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾؛ أي: ما يتكئنَ عليه من النمارق والوسائد وغيرها عند الطعام، والشراب، كعادة المترفهين، ولذلك نهي عن الأكل بالشمال أو متكأ.
وهذا إنْ (١) قُرِىءَ: مُتَّكَأً بالتشديد، فإن قرئ بالتخفيف مُتْكَأً، كان معناه: الأترج أو الزماورد بالضم، وهو طعام من البيض واللحم، معرب كما سيأتي في مبحث القراءة؛ لأنهم كانوا يتكئون على المسانيد عند الطعام، والشراب، والحديث. ﴿وَآتَتْ﴾؛ أي: أعطَتْ ﴿كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ﴾؛ أي: من تلك النسوة الحاضرات ﴿سِكِّينًا﴾ لأجل أكل الفاكهة واللحم؛ لأنهم كانوا لا يأكلون من اللحم إلا ما يقطعون بسكاكينهم، وكانت تِلْكَ السَّكَاكِين تسمَّى خناجرَ. ﴿وَقَالَتِ﴾؛ أي: زليخا ليوسف وهنَّ مشغولات بإعمال الخناجر في الطعام ﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾؛ أي: أبرز لهن، ومرَّ عليهن، فإنَّ يوسُفَ عليه السلام ما قَدر على مخالفتها خوفًا منها.
وحاصل المعنى: أي فلمَّا (٢) سمعت مقالتَهن التي يردنَ بها إغضابَها حتى تريَهُنَّ يُوسُفَ إبداء لمعذرتها فيسألن ما يَبْغِينَ من رؤيته، وقد كان من المتوقع أن تَسْمَعَ ذلك لما اعتيدَ بَيْنَ الخَدم من التواصل والتزاور وهن ما قلنَه إلا لتَسمَعه، فإنْ لم يَتمَّ لهن ما أردن احتلن في إيصاله، وقد كان ما أرَدْنَ كما قال: ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا﴾؛ أي: مَكَرت بهن كما مكرن بها، ودعتْهُنَّ إلى الطعام في دارها، وهيأت لهن ما يتكئنَ عليه من كراسي، وأرائكَ كما هو المعروفُ في بيوت العظماء. وكان ذلك في حجرة المائدة، وأعطت كلَّ واحدة منهن سكينًا، وخَنْجرًا، لِتَقْطَعَ بها ما تأكل من لحم وفاكهة. ﴿وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾؛ أي: وأمرته بالخروج عليهن.
وفي هذا إيماء إلى أنه كان في حجرة في داخل حجرة المائدة التي كنَّ فيها محجوبًا عنهن، وقد تَعَمَّدَتْ إتْمامًا للحيلَةِ والمكر بهن أن يفجأهُنَّ، وهن
وهذا إنْ (١) قُرِىءَ: مُتَّكَأً بالتشديد، فإن قرئ بالتخفيف مُتْكَأً، كان معناه: الأترج أو الزماورد بالضم، وهو طعام من البيض واللحم، معرب كما سيأتي في مبحث القراءة؛ لأنهم كانوا يتكئون على المسانيد عند الطعام، والشراب، والحديث. ﴿وَآتَتْ﴾؛ أي: أعطَتْ ﴿كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ﴾؛ أي: من تلك النسوة الحاضرات ﴿سِكِّينًا﴾ لأجل أكل الفاكهة واللحم؛ لأنهم كانوا لا يأكلون من اللحم إلا ما يقطعون بسكاكينهم، وكانت تِلْكَ السَّكَاكِين تسمَّى خناجرَ. ﴿وَقَالَتِ﴾؛ أي: زليخا ليوسف وهنَّ مشغولات بإعمال الخناجر في الطعام ﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾؛ أي: أبرز لهن، ومرَّ عليهن، فإنَّ يوسُفَ عليه السلام ما قَدر على مخالفتها خوفًا منها.
وحاصل المعنى: أي فلمَّا (٢) سمعت مقالتَهن التي يردنَ بها إغضابَها حتى تريَهُنَّ يُوسُفَ إبداء لمعذرتها فيسألن ما يَبْغِينَ من رؤيته، وقد كان من المتوقع أن تَسْمَعَ ذلك لما اعتيدَ بَيْنَ الخَدم من التواصل والتزاور وهن ما قلنَه إلا لتَسمَعه، فإنْ لم يَتمَّ لهن ما أردن احتلن في إيصاله، وقد كان ما أرَدْنَ كما قال: ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا﴾؛ أي: مَكَرت بهن كما مكرن بها، ودعتْهُنَّ إلى الطعام في دارها، وهيأت لهن ما يتكئنَ عليه من كراسي، وأرائكَ كما هو المعروفُ في بيوت العظماء. وكان ذلك في حجرة المائدة، وأعطت كلَّ واحدة منهن سكينًا، وخَنْجرًا، لِتَقْطَعَ بها ما تأكل من لحم وفاكهة. ﴿وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾؛ أي: وأمرته بالخروج عليهن.
وفي هذا إيماء إلى أنه كان في حجرة في داخل حجرة المائدة التي كنَّ فيها محجوبًا عنهن، وقد تَعَمَّدَتْ إتْمامًا للحيلَةِ والمكر بهن أن يفجأهُنَّ، وهن
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
387
مشغولات بما يقطعنه، ويأكلنه عِلْمًا منها بما يكون لهذه المفاجأة من الدَّهْشَةِ.
وقد تم لها ما أرادَتْ كما يُشير إلى ذلك قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ هذا مرتَّب على محذوف تقديره: فَخَرج عليهن فلما رأينه أكبرنه؛ أي: فلمَّا رأتِ النسوة يوسفَ أكبَرْنَه؛ أي: أعظمنَ (١) يُوسُفَ ودهشن عند رؤيته من شدَّةِ جماله، وكان يوسُف قد أُعْطِيَ شَطْرَ الحسن.
وقال عكرمة: كان فَضْلُ يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم. وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - ﷺ -: "رأيت ليلة أُسْرِيَ بي إلى السماء، يوسفَ كالقمر ليلةَ البدر" ذكر البغوي بغير سند.
وقيل (٢): معنى: أكبرن؛ أي: حِضْنَ، والهاء إما للسكت أو ضمير راجع إلى يوسف على حذف اللام؛ أي: حِضْنَ له من شدة الشَّبَقِ، وأيضًا إنَّ المرأة إذا فَزِعَت فربما أسقطَتْ ولدَها، فحاضَتْ ويقال: أكبرت المرأة؛ أي: دخلَت في الكبر، وذلك إذا حاضَتْ لأنها بالحيض تَخرُج من حَدِّ الصغر إلى الكبر.
وقال الإِمام فخر الدين الرازي: وعندي أنه يحتمل وجهًا آخرَ، وهو أنهن إنما أكبرنه لأنهن رأيْنَ عليه نُورَ النبوة، وسِيمَا الرسالة، وآثارَ الخضوع والإخبات، وشاهدن فيه مهابةً وهيبةً ملكيةً، وهي عدم الالتفات إلى المطعوم والمنكوح، وعدم الاعتداد بهن، وكان ذلك الجمالُ العظيم مقرونًا بتلك الهيبة والهيئة، فتعجبن من تلك الحالة، فلا جَرَمَ أكبرنَه، وأعظمنه، ووقع الرعب والمهابة في قلوبهن. قال: وحمل الآية عى هذا الوجه أولى، انتهى.
﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾؛ أي: جرحن أيديهن حتى سال الدَّمُ، ولم يَجِدْن الألمَ لفرط دهشتهن، وشغل قلوبِهِنَّ بيوسف؛ أي؛ فلمَّا رأينه أعظمنه فقطَّعْنَ أيديَهُنَّ بدلًا من تقطيع ما يأكلن ذهولًا عمَّا يعملن؛ أي: فجرحنها بما في أيديهن من السكاكين لفرط دهشتهن، وخُرُوج حركات الجوارح عن منهاج الاختيار، حتى لا
وقد تم لها ما أرادَتْ كما يُشير إلى ذلك قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ هذا مرتَّب على محذوف تقديره: فَخَرج عليهن فلما رأينه أكبرنه؛ أي: فلمَّا رأتِ النسوة يوسفَ أكبَرْنَه؛ أي: أعظمنَ (١) يُوسُفَ ودهشن عند رؤيته من شدَّةِ جماله، وكان يوسُف قد أُعْطِيَ شَطْرَ الحسن.
وقال عكرمة: كان فَضْلُ يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم. وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - ﷺ -: "رأيت ليلة أُسْرِيَ بي إلى السماء، يوسفَ كالقمر ليلةَ البدر" ذكر البغوي بغير سند.
وقيل (٢): معنى: أكبرن؛ أي: حِضْنَ، والهاء إما للسكت أو ضمير راجع إلى يوسف على حذف اللام؛ أي: حِضْنَ له من شدة الشَّبَقِ، وأيضًا إنَّ المرأة إذا فَزِعَت فربما أسقطَتْ ولدَها، فحاضَتْ ويقال: أكبرت المرأة؛ أي: دخلَت في الكبر، وذلك إذا حاضَتْ لأنها بالحيض تَخرُج من حَدِّ الصغر إلى الكبر.
وقال الإِمام فخر الدين الرازي: وعندي أنه يحتمل وجهًا آخرَ، وهو أنهن إنما أكبرنه لأنهن رأيْنَ عليه نُورَ النبوة، وسِيمَا الرسالة، وآثارَ الخضوع والإخبات، وشاهدن فيه مهابةً وهيبةً ملكيةً، وهي عدم الالتفات إلى المطعوم والمنكوح، وعدم الاعتداد بهن، وكان ذلك الجمالُ العظيم مقرونًا بتلك الهيبة والهيئة، فتعجبن من تلك الحالة، فلا جَرَمَ أكبرنَه، وأعظمنه، ووقع الرعب والمهابة في قلوبهن. قال: وحمل الآية عى هذا الوجه أولى، انتهى.
﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾؛ أي: جرحن أيديهن حتى سال الدَّمُ، ولم يَجِدْن الألمَ لفرط دهشتهن، وشغل قلوبِهِنَّ بيوسف؛ أي؛ فلمَّا رأينه أعظمنه فقطَّعْنَ أيديَهُنَّ بدلًا من تقطيع ما يأكلن ذهولًا عمَّا يعملن؛ أي: فجرحنها بما في أيديهن من السكاكين لفرط دهشتهن، وخُرُوج حركات الجوارح عن منهاج الاختيار، حتى لا
(١) الخازن.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
388
يشعرن بما عَمِلْنَ، ولا ألِمْنَ لما نالهن من أذى، واستعمال القطع بمعنى الجرح كثير في كلامهم، فيقولون: كنت أقْطَعُ اللحمَ فقطعْتُ يدي، يريدون فأخطأتها، فَجَرحْتُ يدي حتى كدتُ أقطعها.
ولم تقطع (١) زليخَا يديها؛ لأنّ حَالَها انتهت إلى التمكين في المحبة، كأهل النِّهايات، وحال النسوة كانت في مقام التَّلْوين كأهل البِدايات، فلكل مقام تَلَوُّنٌ وتمكنٌ وبداية ونهاية.
﴿وَقُلْنَ﴾؛ أي: النِّسْوَةُ ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾؛ أي: تنزيهًا، وبراءة لله سبحانه وتعالى من كل النقائص. وحَاشَ كلمة وُضِعَتْ موضِعَ المصدر، فمعناه التنزيه، والبراءةُ بدليل قراءة أبي السماك: حاشًا لله بالتنوين واللام لبيان المبرأ، والمنزه كما في ﴿سقيًا لك﴾. ﴿مَا هَذَا﴾ الغلام ﴿بَشَرًا﴾؛ أي: ليس هذا آدميًّا مثلنا؛ لأن من الجمالَ غيرُ معهود للبشر ﴿إِنْ﴾ نافية بمعنى ما؛ أي: ما ﴿هَذَا﴾ الغلام ﴿إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ على الله فإن (٢) الجمعَ بين الجمال الرائق، والكمال الفائق، والعصمةِ البالغةِ من خواصِّ الملائكة، أو لأنَّ جَمَالَهُ فوقَ جَمَال البشر، ولا يَفُوقه فيه إلا المَلَكُ، وقَصَرْنَهُ (٣) على الملكِيَّة مع علمهن أنه بشر؛ لأنَّه ثَبَتَ في النفوس أنه لا أكمل ولا أحسن خلقًا من المَلَك، يعني رَكَزَ في العقول أن لا حيَّ أحسنَ من الملك، كما ركزَ فيها أن لا أقبح مِنَ الشيطان. ولذلك لا يزال يشبَّه بهما كل متناه في الحسن والقبح، وغرضهن وصفه بأقصى مراتب الحسن والجمال.
وروي أنه كان يُوسُفُ إذا مشى في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه، كما يُرى نور الشمس من السماء عليها، وكان يُشْبِهُ آدمَ يوم خلقه ربه؛ وكانت أمه رَاحِيلُ وجدَّتُه سَارَة جميلتين جدًّا.
أي: وقلن على سبيل (٤) التعجب والتنزيه لله تعالى، ما صَحَّ أن يكونَ هذا الشخص الذي لم يُعْهَد مثاله في جماله، وعفَّتِه من النوع الإنساني إن هو إلَّا
ولم تقطع (١) زليخَا يديها؛ لأنّ حَالَها انتهت إلى التمكين في المحبة، كأهل النِّهايات، وحال النسوة كانت في مقام التَّلْوين كأهل البِدايات، فلكل مقام تَلَوُّنٌ وتمكنٌ وبداية ونهاية.
﴿وَقُلْنَ﴾؛ أي: النِّسْوَةُ ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾؛ أي: تنزيهًا، وبراءة لله سبحانه وتعالى من كل النقائص. وحَاشَ كلمة وُضِعَتْ موضِعَ المصدر، فمعناه التنزيه، والبراءةُ بدليل قراءة أبي السماك: حاشًا لله بالتنوين واللام لبيان المبرأ، والمنزه كما في ﴿سقيًا لك﴾. ﴿مَا هَذَا﴾ الغلام ﴿بَشَرًا﴾؛ أي: ليس هذا آدميًّا مثلنا؛ لأن من الجمالَ غيرُ معهود للبشر ﴿إِنْ﴾ نافية بمعنى ما؛ أي: ما ﴿هَذَا﴾ الغلام ﴿إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ على الله فإن (٢) الجمعَ بين الجمال الرائق، والكمال الفائق، والعصمةِ البالغةِ من خواصِّ الملائكة، أو لأنَّ جَمَالَهُ فوقَ جَمَال البشر، ولا يَفُوقه فيه إلا المَلَكُ، وقَصَرْنَهُ (٣) على الملكِيَّة مع علمهن أنه بشر؛ لأنَّه ثَبَتَ في النفوس أنه لا أكمل ولا أحسن خلقًا من المَلَك، يعني رَكَزَ في العقول أن لا حيَّ أحسنَ من الملك، كما ركزَ فيها أن لا أقبح مِنَ الشيطان. ولذلك لا يزال يشبَّه بهما كل متناه في الحسن والقبح، وغرضهن وصفه بأقصى مراتب الحسن والجمال.
وروي أنه كان يُوسُفُ إذا مشى في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه، كما يُرى نور الشمس من السماء عليها، وكان يُشْبِهُ آدمَ يوم خلقه ربه؛ وكانت أمه رَاحِيلُ وجدَّتُه سَارَة جميلتين جدًّا.
أي: وقلن على سبيل (٤) التعجب والتنزيه لله تعالى، ما صَحَّ أن يكونَ هذا الشخص الذي لم يُعْهَد مثاله في جماله، وعفَّتِه من النوع الإنساني إن هو إلَّا
(١) روح البيان.
(٢) البيضاوي.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.
(٢) البيضاوي.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.
389
ملك تمثَّلَ في تلك الصورة البديعة، التي تخبل العقولَ، وتدهِشُ الأبصارَ.
رُوِيَ عن زيد بن أسلم من مفسِّري السلف: أعطَتْهُنَّ أُتْرُنْجًا "ثمر من نوع الليمون الحامض كبيرٌ مستطيلٌ يؤكَلَ بعد إزالة قشرته" وعسلًا فكن يحززنَ بالسكين ويأكلنه بالعسل، فلَمَّا قيل له: اخرج عَلَيْهِنَّ خَرَجَ، فلما رأينَه أعظمنه، وتَهَيَّمْنَ به حتى جعلن يحززن أيْدِيَهُن بالسكين، وفيها الترنجُ، ولا يعقلنَ ولا يحسبنَ، إلا أنهن يحززن الأترنج، قد ذهبَتْ عقولهن مما رأينَ، وقلْنَ حاش لله ما هذا بشرًا؛ أي: ما هكذا يكون البشرُ ما هذا إلا ملك كريم. وقرأ (١) الزهري، وأبو جعفر، وشيبة: ﴿متَّكى﴾ مشددَ التَّاءِ من غير همز على وزن متقى، فاحتمل ذلك وجهين:
أحدهما: أن يكون من الاتكاء، وفيه تخفيفُ الهمز كما قالوا في توضأت: توضيتُ.
والثاني: أن يَكُونَ مفتعلًا من أوكيت السقاءَ إذا شددتَه؛ أي: ما يشتددنَ عليه إما بالاتكاء، وإما بالقطع بالسكين. وقرأ الأعرج: ﴿مُتْكًا﴾ بوزن مفعلًا من تكأَ يَتْكَأَ إذا اتَّكَأَ. وقرأ الحسن، وابن هرمز: ﴿متكاءً﴾ بالمد والهمز وهو مفتعل من الاتكاء إلا أنه أشبع الفتحة فتولَّدَتْ منها الألفُ كما قال الشاعر:
وقرأ ابن عباسَ، وابن عمر، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والجحدري، والكلبي، وأبان بن تغلب ﴿مُتْكئًا﴾ بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف. وجاء كذلك عن ابن هرمز. وقرأ عبد الله، ومعاذ، كذلك إلا أنهما فَتَحَا الميم. وقرأ الجمهور: ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ بغير ألف بعد الشين، والله بلام الجر. وقرأ أبو عمرو: ﴿حاشا لله﴾ بألف ولام جر. وقرأت فرقة منهم الأعمش: ﴿حَشَى﴾ على وزن رمى، ﴿لله﴾ بلام الجر. وقرأ الحسن: ﴿حاش﴾ بسكون الشين وصلًا، ووقفًا، وبلام الجر. وقرأ أبي وعبد الله: ﴿حاش الله﴾ بالإضافة، وعنهما كقراءة أبي
رُوِيَ عن زيد بن أسلم من مفسِّري السلف: أعطَتْهُنَّ أُتْرُنْجًا "ثمر من نوع الليمون الحامض كبيرٌ مستطيلٌ يؤكَلَ بعد إزالة قشرته" وعسلًا فكن يحززنَ بالسكين ويأكلنه بالعسل، فلَمَّا قيل له: اخرج عَلَيْهِنَّ خَرَجَ، فلما رأينَه أعظمنه، وتَهَيَّمْنَ به حتى جعلن يحززن أيْدِيَهُن بالسكين، وفيها الترنجُ، ولا يعقلنَ ولا يحسبنَ، إلا أنهن يحززن الأترنج، قد ذهبَتْ عقولهن مما رأينَ، وقلْنَ حاش لله ما هذا بشرًا؛ أي: ما هكذا يكون البشرُ ما هذا إلا ملك كريم. وقرأ (١) الزهري، وأبو جعفر، وشيبة: ﴿متَّكى﴾ مشددَ التَّاءِ من غير همز على وزن متقى، فاحتمل ذلك وجهين:
أحدهما: أن يكون من الاتكاء، وفيه تخفيفُ الهمز كما قالوا في توضأت: توضيتُ.
والثاني: أن يَكُونَ مفتعلًا من أوكيت السقاءَ إذا شددتَه؛ أي: ما يشتددنَ عليه إما بالاتكاء، وإما بالقطع بالسكين. وقرأ الأعرج: ﴿مُتْكًا﴾ بوزن مفعلًا من تكأَ يَتْكَأَ إذا اتَّكَأَ. وقرأ الحسن، وابن هرمز: ﴿متكاءً﴾ بالمد والهمز وهو مفتعل من الاتكاء إلا أنه أشبع الفتحة فتولَّدَتْ منها الألفُ كما قال الشاعر:
أُعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْعَقْرَابِ | الشَّائِلاَتِ عُقَدَ الأَذْنَابِ |
(١) البحر المحيط.
390
عمرو، قاله صاحب "اللوامح". وقرأ الحسن: ﴿حاش الإله﴾ قال ابن عطية: محذوفًا من حاشى. وقرأ أبو السمال: ﴿حاشا للَّه﴾ بالتنوين كرعيًا لِلّهِ.
فأما القراءات ﴿للَّه﴾ بلام الجر في غير قراءة أبي السمال، فلا يجوز أن يكون ما قبلها مِن حَاشَى، أو حاشَ، أو حَشَى، أو حَاشَ حرف جر؛ لأنَّ حرف الجر لا يدخل على حرف الجر، ولأنه تصرُّف فيها بالحذف. وأصل التصريف بالحذف أن لا يكون في الحروف. وزعم المبرِّد وغيره، كابن عطية، أنه يتعيَّن فعليتها، ويكون الفاعل ضمير يُوسُفَ؛ أي: حاشى يوسف أن يفارِقَ ما رَمَتْهُ به زليخا، وعلى هذا تكون اللامُ في ﴿لله﴾ للتعليل؛ أي: جانَبَ يوسف المعصيةَ لأجل طاعةِ الله. وذهب غير المبرد إلى أنها اسم، وانتصابها على المصدرية انتصابَ المصدر الواقع بدلًا من اللفظ بالفعل، كأنه قَالَ تنزيهًا لله، ويدل على اسميتها قراءة أبي السمال: ﴿حاشا﴾ منونًا. وعلى هذا القول يتعلَّق لله بمحذوف على البيان كَلام لَكَ بعد سقيًا، ولم ينوَّن في القراءات المشهورة مراعاةً لأصله الذي نقِل منه، وهو الحرف.
وأما قراءةُ الحسن، وأبي بالإضافة فهو مصدر مضاف إلى فاعله، كما قالوا: سبحانَ الله، وهذا اختيار الزمخشري. وقال ابن عطية: وأما قراءة أبي بن كعب، وابن مسعود، فقال أبو علي: إنَّ حاشى حرفُ استثناء، كما قال الشاعر:
حَاشَى أبِي ثَوْبَانَ
انتهى. وأما قراءة حاش بالتسكين ففيها جَمْعٌ بين ساكنين، وقد ضعَّفوا ذلك. وقرأ الحسن، وأبو الحويرث الحنفي: ﴿ما هذا بشراء﴾ على أنَّ الباء حرف جر، والشين مكسورة، فالشراء حينئذ مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: ما هذا بعبد يُشْتَرى. وهذه قراءة ضعيفة لا تناسب ما بعدها من قوله: ﴿إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ وتابَعهُما عبد الوارث عن أبي عَمْرو على ذلك، وزَادَ عليهما: ﴿إلا ملك﴾ بكسر اللام، واحد الملوك فهم نفَوا بذلك عنه ذل المماليك، وجعلوه في حيِّزِ الملوك، والله أعلم، انتهى. ونسب ابن عطية كسْرَهَا للحسن، وابن الحويرث اللذَين قرآ: ﴿بشرى﴾.
فأما القراءات ﴿للَّه﴾ بلام الجر في غير قراءة أبي السمال، فلا يجوز أن يكون ما قبلها مِن حَاشَى، أو حاشَ، أو حَشَى، أو حَاشَ حرف جر؛ لأنَّ حرف الجر لا يدخل على حرف الجر، ولأنه تصرُّف فيها بالحذف. وأصل التصريف بالحذف أن لا يكون في الحروف. وزعم المبرِّد وغيره، كابن عطية، أنه يتعيَّن فعليتها، ويكون الفاعل ضمير يُوسُفَ؛ أي: حاشى يوسف أن يفارِقَ ما رَمَتْهُ به زليخا، وعلى هذا تكون اللامُ في ﴿لله﴾ للتعليل؛ أي: جانَبَ يوسف المعصيةَ لأجل طاعةِ الله. وذهب غير المبرد إلى أنها اسم، وانتصابها على المصدرية انتصابَ المصدر الواقع بدلًا من اللفظ بالفعل، كأنه قَالَ تنزيهًا لله، ويدل على اسميتها قراءة أبي السمال: ﴿حاشا﴾ منونًا. وعلى هذا القول يتعلَّق لله بمحذوف على البيان كَلام لَكَ بعد سقيًا، ولم ينوَّن في القراءات المشهورة مراعاةً لأصله الذي نقِل منه، وهو الحرف.
وأما قراءةُ الحسن، وأبي بالإضافة فهو مصدر مضاف إلى فاعله، كما قالوا: سبحانَ الله، وهذا اختيار الزمخشري. وقال ابن عطية: وأما قراءة أبي بن كعب، وابن مسعود، فقال أبو علي: إنَّ حاشى حرفُ استثناء، كما قال الشاعر:
حَاشَى أبِي ثَوْبَانَ
انتهى. وأما قراءة حاش بالتسكين ففيها جَمْعٌ بين ساكنين، وقد ضعَّفوا ذلك. وقرأ الحسن، وأبو الحويرث الحنفي: ﴿ما هذا بشراء﴾ على أنَّ الباء حرف جر، والشين مكسورة، فالشراء حينئذ مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: ما هذا بعبد يُشْتَرى. وهذه قراءة ضعيفة لا تناسب ما بعدها من قوله: ﴿إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ وتابَعهُما عبد الوارث عن أبي عَمْرو على ذلك، وزَادَ عليهما: ﴿إلا ملك﴾ بكسر اللام، واحد الملوك فهم نفَوا بذلك عنه ذل المماليك، وجعلوه في حيِّزِ الملوك، والله أعلم، انتهى. ونسب ابن عطية كسْرَهَا للحسن، وابن الحويرث اللذَين قرآ: ﴿بشرى﴾.
391
٣٢ - ﴿قَالَتْ﴾ امرأة العزيز للنسوة لما رأين يوسفَ ودهشْنَ عند رؤيته ﴿فَذَلِكُنَّ﴾، والخطاب في (كن) للنسوة، والإشارة في ذا ليوسف، ولم تَقُلْ فهذا مع أنه حاضر رفعًا لمنزلته في الحسن، واسم الإشارة مبتدأ، والموصول خبرَه، وهو ﴿الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾؛ أي: فذلكن الخارج الذي ظَهَرَ لكم هو الغلام الذي لمتنَّنِي؛ وعيبتُنَّنِي في شأنه ومحبته. وإنما قالت ذلك لإقامة عُذْرِهَا عندهن، حِينَ قلْنَ إنَّ امرأة العزيز قد شَغَفَها فَتَاها الكنعانيُّ حبًّا، وإنما قالت فذلكن الخ، بعدما قام من المجلس، وذهَبَ ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ﴾؛ أي: والله لقد راودتْه، وطلَبْت منه أَن يمكنني ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ حسبما قلتن وسمعتن ﴿فَاسْتَعْصَمَ﴾؛ أي: فامتنعَ من ذلك الفعل الذي طلبته منه، وإنَّما صرحت بذلك لأنَّها علمت أنه لا مَلامَةَ عليها منهن، وإنهن قد أصابَهُنَ ما أصابها عند رؤيته؛ أي: طلَب العصمةَ من الله مبالِغًا في الامتناع؛ لأنه يدلُّ على الامتناع البليغ، والتحفظ الشديد، كأنَّه في عصمة، وهو مجتهد في الاستزادة منها. وفيه برهان نيِّرٌ على أنه لم يصدر عنه شيء مخل باستعصامه، بقوله: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾ من الهم وغيره. ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ﴾؛ أي: والله لئن لم يَفْعَلْ يُوسُفُ ﴿مَا آمُرُهُ﴾ به مستقبلًا من قضاء شهوتي كما لم يفعله ماضيًا والله ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾ بالنون الثقيلة آثَرَتْ بِناء الفعل للمفعول (١) جَرْيًا على رَسْمِ الملوك؛ أَي: واللهِ ليعاقبنَّ على إباءه بالسجن والحبس ﴿وَلَيَكُونًا﴾ بالنون الخَفِيفَة، وإنما كتبت الألف إتباعًا لخط المصحف مثل ﴿لَنَسْفَعًا﴾ على حكم الوقف يعني أنَّ النون الخفيفة يبدل منها في الوقف الألف لشبهها بالتنوين، كقول الأعشى:
وَلاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا
﴿مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾؛ أي: من الأذلاء المقهورين في السجن، وهو من (٢) صغر بالكسر، والصغيرُ من صَغُرَ بالضم؛ أي: والله لَيَكُونَنْ يُوسُفُ من الصاغرين المهانين في السجن، فإن زوجي لا يخالف لي رغبةً ولا يَعْصِيني في أمر وسيعاقبه بما أريد؛ ويُلْقِيهِ في غَيَابَاتِ السجون، ويجعله كغيره من العبيد بعد إكرام مثواه؛ وجعلِه كولده. وقرأت فرقة: ﴿وليكوننَّ﴾ بالنون المشددة.
وَلاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا
﴿مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾؛ أي: من الأذلاء المقهورين في السجن، وهو من (٢) صغر بالكسر، والصغيرُ من صَغُرَ بالضم؛ أي: والله لَيَكُونَنْ يُوسُفُ من الصاغرين المهانين في السجن، فإن زوجي لا يخالف لي رغبةً ولا يَعْصِيني في أمر وسيعاقبه بما أريد؛ ويُلْقِيهِ في غَيَابَاتِ السجون، ويجعله كغيره من العبيد بعد إكرام مثواه؛ وجعلِه كولده. وقرأت فرقة: ﴿وليكوننَّ﴾ بالنون المشددة.
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
وفي ذلك (١) إيماء إلى أنها ستشدِّد العقوبةَ عليه أكثرَ مما توعَّدت به أولًا، فهناك أنذرته بسجن قد يكون على أخفِّ صورة، وأقلِّها وعذاب بأهون أنواعه، وألطفها كحَبْسٍ في حجرة الدار، أو لَطْمة على خَدَّيْهِ تُزِيلُ منها الاحمرار. وهنا أَنْذرَتْهُ بسجن مؤكَّد، وذل وصغار تأباه الأنفسُ الكريمةُ كنفس يوسف عليه السلام، فأشق الأعمال أهْوَنُ على كِرامِ الناس من الهوانِ والصَّغَارِ.
وفي هذا التهديد ليُوسُفَ من ثقتها بسلطانها على زوجها مع علمه بأمرها، واستعظامه لكيدها، ما كان مِنْ حقه أن يجعلَ يُوسُفَ يَخَافُ من تنفيذ إرادتها، ويثبتَ لديه عَدَم غيرته عليها، كما هو الحالُ لدى كثير من العظماء المُتْرفينَ العاجزين عن إحصان أزواجهم، والمحرومين من نِعْمَةِ الأولاد منهن، ورُبَّما تكون مُبَالَغَتُها في تهديده بمحضر من هؤلاء النسوة لما في قَلْبها منه من غل، وجَوى بظهور كذبها، وصدقه، وتصميمِه على عِصْيَان أمرها، ولتُظْهِرَ لِيُوسُفَ أنها ليسَت في أمرها على خِيفةٍ من أحد، فتضيِّقَ عليه، ولينصَحْنَه في موافقتها، ويرشِدنَه إلى الخلاص من عذابها.
٣٣ - فلمَّا سمع يوسف مقالَتَها هذه، وعَرَف أنها عُزْمَةٌ منها مع ما قد علمه من نفاذ قولها عند زوجها العزيز، قال مناجيًا لربه سبحانه وتعالى: ﴿رَبِّ السِّجْنُ﴾؛ أي: قال: يا ربي أنت العلم بالسر، والنجوى، والقدير، على كشف تلك البلوى؛ إنَّ دُخُولَ السجن الذي هدَّدَتْ به، والمكث في بيئة المجرمين على شَظْفِ العيش، ورقة الحال ﴿أَحَبُّ إِلَيّ﴾؛ أي: أحبُّ عندي ﴿مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾؛ أي: مما تدعو إليه أولئك النسوة في مُؤَأتَاتِها التي تؤدِّي إلى الشقاءِ، والعذاب الأليم؛ أي: من الاستمتاع بها في ترف القصور والاشتغال بحبها عن حبِّك، وبقُرْبها عن قربك. وفي قوله: ﴿مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ إيماءٌ إلى أنهن خوفنه مُخَالفَتَها، وزيَّنَ له مطاوعتَها، فقلنَ لهُ: أطع مولاتَك، وأنِلها ما تهوَى لتكفى شرَّها، وتأمَنَ عقوبتَها. إن قلتَ هو مجاب الدعوة فلِمَ طَلَب النجاة بالسِّجْنِ ولم
وفي هذا التهديد ليُوسُفَ من ثقتها بسلطانها على زوجها مع علمه بأمرها، واستعظامه لكيدها، ما كان مِنْ حقه أن يجعلَ يُوسُفَ يَخَافُ من تنفيذ إرادتها، ويثبتَ لديه عَدَم غيرته عليها، كما هو الحالُ لدى كثير من العظماء المُتْرفينَ العاجزين عن إحصان أزواجهم، والمحرومين من نِعْمَةِ الأولاد منهن، ورُبَّما تكون مُبَالَغَتُها في تهديده بمحضر من هؤلاء النسوة لما في قَلْبها منه من غل، وجَوى بظهور كذبها، وصدقه، وتصميمِه على عِصْيَان أمرها، ولتُظْهِرَ لِيُوسُفَ أنها ليسَت في أمرها على خِيفةٍ من أحد، فتضيِّقَ عليه، ولينصَحْنَه في موافقتها، ويرشِدنَه إلى الخلاص من عذابها.
٣٣ - فلمَّا سمع يوسف مقالَتَها هذه، وعَرَف أنها عُزْمَةٌ منها مع ما قد علمه من نفاذ قولها عند زوجها العزيز، قال مناجيًا لربه سبحانه وتعالى: ﴿رَبِّ السِّجْنُ﴾؛ أي: قال: يا ربي أنت العلم بالسر، والنجوى، والقدير، على كشف تلك البلوى؛ إنَّ دُخُولَ السجن الذي هدَّدَتْ به، والمكث في بيئة المجرمين على شَظْفِ العيش، ورقة الحال ﴿أَحَبُّ إِلَيّ﴾؛ أي: أحبُّ عندي ﴿مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾؛ أي: مما تدعو إليه أولئك النسوة في مُؤَأتَاتِها التي تؤدِّي إلى الشقاءِ، والعذاب الأليم؛ أي: من الاستمتاع بها في ترف القصور والاشتغال بحبها عن حبِّك، وبقُرْبها عن قربك. وفي قوله: ﴿مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ إيماءٌ إلى أنهن خوفنه مُخَالفَتَها، وزيَّنَ له مطاوعتَها، فقلنَ لهُ: أطع مولاتَك، وأنِلها ما تهوَى لتكفى شرَّها، وتأمَنَ عقوبتَها. إن قلتَ هو مجاب الدعوة فلِمَ طَلَب النجاة بالسِّجْنِ ولم
(١) المراغي.
393
يطلُبِ النجاةَ العامَّة؟ أجيب: بأنه اطَّلَعَ على أنَّ السِّجْنَ محتمٌ عليه، فدعا به، لأن النبيَّ لا ينطِقُ عن الهوى ذكره "الصاوي". وقرأ عثمان (١)، ومولاه طارقٌ، وزيد بن علي، والزهري، وابن أبي إسحاق، وابن هرمز، ويعقوب: ﴿السَّجْنِ﴾ بفتح السين، وهو مصدر سجن؛ أي: حبسُهم إيَّايَ في السجن أحب إليّ، وأفعل التفضيل هنا ليس على بابه من التفضيل؛ لأنه لم يحب (٢) ما يَدْعُونَهُ إليه قط، وإنما هذان شران فآثر أحدَ الشرين على الآخر، وإن كان في أحدهما مشقَّةٌ، وفي الآخر لَذَّة لكن لما يترتَّبُ على تلك اللذة من معصية الله، وسوء العاقبة لَمْ يُخْطُرْ له ببال. وإسناد (٣) الدعوة إليهن جميعًا؛ لأنهن خَوَّفْنَه من مخالَفَتِها، وزيَّنَّ له مُطاوَعَتها أو دَعَوْنَهُ إلى أنفسهن، وقيل: إنما ابتلي بالسجن لقوله: ﴿هذا﴾ وإنما كان الأولى له أن يسأل الله العافِيَة من شرها، ولذلك رَدَّ رسُولُ الله - ﷺ - على مَنْ كان يسأل الصبرَ.
﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ﴾؛ أي: وإنْ لم تصرف وتدفع ﴿عَنِّي﴾ يا إلهي ﴿كَيْدَهُنَّ﴾ ومكرهن؛ أي: وإن لم تبعد عني شِراكَ كيدهن، وتثبتني على ما أنا عليه من العصمة ﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ مجزوم على أنه جواب الشرط؛ أي: أمِلْ إلى موافقتهن على أهوائهن، وأقَعُ في شباكِ صيدهن، وأرتَعُ في حمأة غوايتهن، وقد لجأ يوسف إلى ألطاف ربه، وسلكَ سبيل المرسلينَ من قبله في فزعهم إلى مولاهم، لينيلهم الخيرات، ويُبعُدَ عنهم الشرور، والموبقات، وإظهارَهم أن لا طاقةَ لهم إلا بمعونته سبحانه مبالغةً في استدعاء لطفه، وعظيم كرمه ومنِّه. ﴿وَأَكُنْ﴾؛ أي: وأصر ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾؛ أي: من الذين لا يعملون بعِلْمهم؛ لأنَّ من لا جدوى لعلمه فهو ومَنْ لا يعلم سواء؛ أي: من السفهاءِ الذين تستخِفُّهم الأهواء والشهوات، فيَجْنَحُون إلى ارتكاب الموبقات، واجتراح السيئات، فمَنْ يعِشْ بين هؤلاءِ النسوة الماكرات المترفات، لا مهربَ له من الجهل إلّا أن تَعْصِمَهُ بما هو فوقَ الأسباب، والسنن العادية. وقرىء (٤): ﴿أصب إليهن﴾ من صبب صبابةً فأنا
﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ﴾؛ أي: وإنْ لم تصرف وتدفع ﴿عَنِّي﴾ يا إلهي ﴿كَيْدَهُنَّ﴾ ومكرهن؛ أي: وإن لم تبعد عني شِراكَ كيدهن، وتثبتني على ما أنا عليه من العصمة ﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ مجزوم على أنه جواب الشرط؛ أي: أمِلْ إلى موافقتهن على أهوائهن، وأقَعُ في شباكِ صيدهن، وأرتَعُ في حمأة غوايتهن، وقد لجأ يوسف إلى ألطاف ربه، وسلكَ سبيل المرسلينَ من قبله في فزعهم إلى مولاهم، لينيلهم الخيرات، ويُبعُدَ عنهم الشرور، والموبقات، وإظهارَهم أن لا طاقةَ لهم إلا بمعونته سبحانه مبالغةً في استدعاء لطفه، وعظيم كرمه ومنِّه. ﴿وَأَكُنْ﴾؛ أي: وأصر ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾؛ أي: من الذين لا يعملون بعِلْمهم؛ لأنَّ من لا جدوى لعلمه فهو ومَنْ لا يعلم سواء؛ أي: من السفهاءِ الذين تستخِفُّهم الأهواء والشهوات، فيَجْنَحُون إلى ارتكاب الموبقات، واجتراح السيئات، فمَنْ يعِشْ بين هؤلاءِ النسوة الماكرات المترفات، لا مهربَ له من الجهل إلّا أن تَعْصِمَهُ بما هو فوقَ الأسباب، والسنن العادية. وقرىء (٤): ﴿أصب إليهن﴾ من صبب صبابةً فأنا
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البيضاوي.
(٤) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البيضاوي.
(٤) البحر المحيط.
394
صَبَبٌ، والصَّبَابَةُ: إفراطَ الشوق، كأنه ينْصَب فيما يَهْوَى. وقرأه الجمهور: ﴿أَصْبُ﴾ من صبا إلى اللهو ويصبو صبًا، صبوًا، ويقال: صَبَا يَصْبا صِبًّا والصِّبا بالكسر اللهو واللعبُ.
وفي هذه الجملة الشرطية إيماء إلى أنه ما صَبَا إليهن، ولا أحبَّ أن يَعِيشَ معهن، بل سأَلَ ربه أن يُدِيمَ له ما عوَّده من كشف السوء عنه في قوله: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾.
٣٤ - ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ﴾؛ أي: فأجاب له ربُّه دعاءه، الذي تضمنه قوله: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ﴾ الخ، فإنَّ فيه التجاءً إلى الله تعالى، جَرْيًا على سننِ الأنبياء والصالحينَ في قَصر نيل الخيرات، وطلبِ النجاة من الشرور، على جناب الله تعالى، كقول المستغيث: أدركني وإلا هلكتُ، فكأنه قال: اللهم اصرف عني كَيْدَهن. ﴿فَصَرَفَ﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿عَنْهُ﴾؛ أي: عن يوسف ﴿كَيْدَهُنَّ﴾؛ أي: كيدَ تلك النسوةَ، ومكْرَهُن، وعَصَمُه من الجهل والسفه، باتباع أهوائهن حَسْبَ دعائِه، وثبَّتَهُ على العصمة والعفة حتى وطَّنَ نَفْسَه على مشقة السجن ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿هُوَ السَّمِيعُ﴾ لدعاء مَنْ تَضرَّعَ إليه، وأخلص الدعاءَ له ﴿الْعَلِيمُ﴾ بصدق إيمانهم، وبما يُصْلِح أحوالهم. وفي هذا إرشاد إلى أنَّ ربه حَرَسه بعنايته في جميع أطواره، وشُؤُونه وربَّاه أكْمَلَ تربية، ما خَلاهُ ونَفْسَه في أهون أموره. وهذه الجملةُ تعليلٌ (١) لما قبلها من صرف كيد النسوة عنه؛ أي: إنَّه هو السميع لدعوات الداعينَ له، العلم بأحوال الملتجئينَ إليه.
٣٥ - ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ﴾؛ أي: ثم ظهر العزيز وامرأته ومَنْ يُهِمُّه أمْرهُمَا من أصحابه المتصدِّين للحل والعقد رأي، أي: ظَهَرَ لهم من الرأي ما لم يظهر لهم من قبلُ. وثُمَّ تدلُّ على تغيُّرِ رأيهم في حقه. ﴿مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ﴾؛ أي: منْ بعد أنْ رأوا الآيات، والشواهدَ الدالة على بَراءة يوسفَ وصدقه كشهادة الصبي، وقَدِّ القميص من دُبر، وقطع النساء أيديَهن، وذهاب عقولهن عند رؤيته؛ أي: ظَهَرَ
وفي هذه الجملة الشرطية إيماء إلى أنه ما صَبَا إليهن، ولا أحبَّ أن يَعِيشَ معهن، بل سأَلَ ربه أن يُدِيمَ له ما عوَّده من كشف السوء عنه في قوله: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾.
٣٤ - ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ﴾؛ أي: فأجاب له ربُّه دعاءه، الذي تضمنه قوله: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ﴾ الخ، فإنَّ فيه التجاءً إلى الله تعالى، جَرْيًا على سننِ الأنبياء والصالحينَ في قَصر نيل الخيرات، وطلبِ النجاة من الشرور، على جناب الله تعالى، كقول المستغيث: أدركني وإلا هلكتُ، فكأنه قال: اللهم اصرف عني كَيْدَهن. ﴿فَصَرَفَ﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿عَنْهُ﴾؛ أي: عن يوسف ﴿كَيْدَهُنَّ﴾؛ أي: كيدَ تلك النسوةَ، ومكْرَهُن، وعَصَمُه من الجهل والسفه، باتباع أهوائهن حَسْبَ دعائِه، وثبَّتَهُ على العصمة والعفة حتى وطَّنَ نَفْسَه على مشقة السجن ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿هُوَ السَّمِيعُ﴾ لدعاء مَنْ تَضرَّعَ إليه، وأخلص الدعاءَ له ﴿الْعَلِيمُ﴾ بصدق إيمانهم، وبما يُصْلِح أحوالهم. وفي هذا إرشاد إلى أنَّ ربه حَرَسه بعنايته في جميع أطواره، وشُؤُونه وربَّاه أكْمَلَ تربية، ما خَلاهُ ونَفْسَه في أهون أموره. وهذه الجملةُ تعليلٌ (١) لما قبلها من صرف كيد النسوة عنه؛ أي: إنَّه هو السميع لدعوات الداعينَ له، العلم بأحوال الملتجئينَ إليه.
٣٥ - ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ﴾؛ أي: ثم ظهر العزيز وامرأته ومَنْ يُهِمُّه أمْرهُمَا من أصحابه المتصدِّين للحل والعقد رأي، أي: ظَهَرَ لهم من الرأي ما لم يظهر لهم من قبلُ. وثُمَّ تدلُّ على تغيُّرِ رأيهم في حقه. ﴿مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ﴾؛ أي: منْ بعد أنْ رأوا الآيات، والشواهدَ الدالة على بَراءة يوسفَ وصدقه كشهادة الصبي، وقَدِّ القميص من دُبر، وقطع النساء أيديَهن، وذهاب عقولهن عند رؤيته؛ أي: ظَهَرَ
(١) الشوكاني.
395
لهم سجنُه بعد هذه الآيات، قائلين: والله ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾؛ أي: لَيَسْجُنُنَّ يوسُفَ في السجن ﴿حَتَّى حِينٍ﴾؛ أي: إلى حين انقطاع مقالة الناس في المدينة، وهذا باديَ الرأي عند العزيز، وخواصِّه، وأمَّا عندها فحتى يُذَلِّلَهُ السجنُ، ويُسَخِّره لها؛ ويَحْسب الناس أنه المجرمَ فلبث في السجن خَمْسَ سنين، أو سبع سنين، ولا دَلالَةَ في الآية على تعيين مدة حبسه؛ لأنَّ الحينَ عند أهل اللغة وقْتٌ من الزمان غير محدود، ويقع على القصير منه والطويل؛ أى (١): إن زليخَا لما أيِسَتْ من يُوسُفَ بجميع حِيَلها كي تحملَه على موافقة مرادها، قالت لزوجها: إنَّ هذا العَبْدَ العِبْرانِيَّ فَضَحني في الناس، يقول لهم: إنى راودتُه عن نفسه، فإمَّا أنْ تأذَن لي فأخرج وأعتذرَ إليهم، وإما أن تَسْجُنه فسَجَنَه؛ لأنه كان مِطْواعًا لها. وقرأ الحسن: ﴿لتسجننه﴾ بالتاء على خطاب بعضهم، العزيزَ، ومن يليه، أو العزيز وحده على وجه التعظيم. وقرأ (٢) ابن مسعود: ﴿عَتى﴾ بإبدالِ حاءِ حتى عينًا، وهي لغة هذيل، وأقرأ بذلك فكَتَبَ إليه عُمَرُ يَأْمُرُه أن يُقرِىءَ بلغة قريش ﴿حَتَّى﴾ لا بِلُغَةِ هُذَيْلٍ.
والمعنى (٣): أي ثُمَّ ظهر للعزيز وامرأتِه، ومَنْ يهمه أمْرَهُمَا كالشاهد الذي شهِدَ عليها من أهلها من الرأي ما لم يكن ظاهرًا لهم من قبلُ. بعد أنْ رأوا من الآيات ما اختبَرُوه بأنفسهم، وشهدوه بأعينهم، ممَّا يدلُّ على أنَّ يوسف لم يكن إنسانًا كالذين عرفوا في أخلاقه، وعفَّتِه، واحتقاره للشهوات، واللذات التي يَتَمتع بها سكانُ القصور.
وفي إيمانه بأنَّ ربه لن يَتْرُكَهُ بل يكلؤه بعين عنايته، ويَحْرُسَه بوافر رعايته، وقد اسْتبَانَ لهم ذلك من وجوه:
١ - إنَّ افتتانَ سيدته في مراودته وجَذْبها خَلَسات نَظَرِه لم تؤثِّر في ميل قلبه إيها، بل ظلَّ معرِضًا عنها، مُتَجَاهِلًا لها حتى إذا ما صَارَحَتْهُ بما تريد، استعاذَ
والمعنى (٣): أي ثُمَّ ظهر للعزيز وامرأتِه، ومَنْ يهمه أمْرَهُمَا كالشاهد الذي شهِدَ عليها من أهلها من الرأي ما لم يكن ظاهرًا لهم من قبلُ. بعد أنْ رأوا من الآيات ما اختبَرُوه بأنفسهم، وشهدوه بأعينهم، ممَّا يدلُّ على أنَّ يوسف لم يكن إنسانًا كالذين عرفوا في أخلاقه، وعفَّتِه، واحتقاره للشهوات، واللذات التي يَتَمتع بها سكانُ القصور.
وفي إيمانه بأنَّ ربه لن يَتْرُكَهُ بل يكلؤه بعين عنايته، ويَحْرُسَه بوافر رعايته، وقد اسْتبَانَ لهم ذلك من وجوه:
١ - إنَّ افتتانَ سيدته في مراودته وجَذْبها خَلَسات نَظَرِه لم تؤثِّر في ميل قلبه إيها، بل ظلَّ معرِضًا عنها، مُتَجَاهِلًا لها حتى إذا ما صَارَحَتْهُ بما تريد، استعاذَ
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
396
بربه، ورَبِّ آبائه، وعَيَّرَها بالخيانة لزوجها.
٢ - أنها لَمَّا غَضِبَت وهمَّتْ بالبطش به، هَمَّ بمقاومتها، والبطشِ بها، ولم يمنعه إلّا ما رأى في دَخِيلةِ نفسه من برهان ربه، الذي يَدُلُّ على أنَّ ربَّه صارف السوء والفحشاء.
٣ - أنها حين اتهمته بالتعدِّي عليها شَهِدَ شاهدٌ من أهلها، أنَّها كاذبةٌ في اتهامها إياه، وهو صادقٌ فيما ادَّعاه من مراودتها إياه عن نفسه، بدلالة القميص على ذلك. كلُّ هذا أثبتَ لهم أنَّ بَقَاءَه في هذه الدار بَيْنَ رَبَّتِهَا وصَدِيقَاتِهَا مَثارُ فتنة تدرك غَايتها، وأنَّ الحِكْمَة هو تنفيذُ رأيها الأول بسجنه لإخفاء ذكره، وكَفِّ ألسنة الناس عنها في أمره، وأقسموا ليسجننه حتى حين، دُونَ تقييد بزمن معين، ليَرَوا ماذا يكون فيه من تأثير السجن، وحديث الناس عنه.
وفي تنفيذ هذا العزم، دَلالةٌ على ما كان لهذه المرأة الماكرة من سلطان على زوجها، تَقُودُه كيف شاءَتْ، حتى فَقَدَ الغَيْرةَ عليها، فهو يَجري وراءَ هواها، ويستجلب رِضَاها، حتى أنساه ذلك، ما رَأَى من الآيات وعَمِلَ برأيها في سجنه، لإلحاق الهَوَان، والصَّغار به، حتى أيست من طاعته، وطَمِعَتْ في أن يذلِّلَهُ السجنُ لأمرها، ويَقِفَ به عند مشيئتِها، والله أعلم.
الإعراب
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢١)﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِي﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿اشْتَرَاهُ﴾ فعل ومفعول. ﴿مِنْ مِصْر﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿لِامْرَأَتِهِ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قَالَ﴾. ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ إلى قوله: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئتَ قلت: ﴿أَكْرِمِي﴾ فعل وفاعل. ﴿مَثْوَاهُ﴾ مفعول به، ومضاف إليه؛ والجملة في محل النصب مقول
٢ - أنها لَمَّا غَضِبَت وهمَّتْ بالبطش به، هَمَّ بمقاومتها، والبطشِ بها، ولم يمنعه إلّا ما رأى في دَخِيلةِ نفسه من برهان ربه، الذي يَدُلُّ على أنَّ ربَّه صارف السوء والفحشاء.
٣ - أنها حين اتهمته بالتعدِّي عليها شَهِدَ شاهدٌ من أهلها، أنَّها كاذبةٌ في اتهامها إياه، وهو صادقٌ فيما ادَّعاه من مراودتها إياه عن نفسه، بدلالة القميص على ذلك. كلُّ هذا أثبتَ لهم أنَّ بَقَاءَه في هذه الدار بَيْنَ رَبَّتِهَا وصَدِيقَاتِهَا مَثارُ فتنة تدرك غَايتها، وأنَّ الحِكْمَة هو تنفيذُ رأيها الأول بسجنه لإخفاء ذكره، وكَفِّ ألسنة الناس عنها في أمره، وأقسموا ليسجننه حتى حين، دُونَ تقييد بزمن معين، ليَرَوا ماذا يكون فيه من تأثير السجن، وحديث الناس عنه.
وفي تنفيذ هذا العزم، دَلالةٌ على ما كان لهذه المرأة الماكرة من سلطان على زوجها، تَقُودُه كيف شاءَتْ، حتى فَقَدَ الغَيْرةَ عليها، فهو يَجري وراءَ هواها، ويستجلب رِضَاها، حتى أنساه ذلك، ما رَأَى من الآيات وعَمِلَ برأيها في سجنه، لإلحاق الهَوَان، والصَّغار به، حتى أيست من طاعته، وطَمِعَتْ في أن يذلِّلَهُ السجنُ لأمرها، ويَقِفَ به عند مشيئتِها، والله أعلم.
الإعراب
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢١)﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِي﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿اشْتَرَاهُ﴾ فعل ومفعول. ﴿مِنْ مِصْر﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة الفعلية صلة الموصول. ﴿لِامْرَأَتِهِ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿قَالَ﴾. ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ إلى قوله: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئتَ قلت: ﴿أَكْرِمِي﴾ فعل وفاعل. ﴿مَثْوَاهُ﴾ مفعول به، ومضاف إليه؛ والجملة في محل النصب مقول
397
﴿قَالَ﴾. ﴿عَسَى﴾ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على يوسف. ﴿أَنْ يَنْفَعَنَا﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على يوسف، وجملة ﴿يَنْفَعَنَا﴾ في تأويل مصدر منصوب على كونه خَبَر ﴿عَسَى﴾ ولكنه في تأويل اسم الفاعل تقديرُهُ: عسى نَفْعُه إيانا؛ أي: نَافِعًا لنا، وجملة ﴿عَسَى﴾ مسوقة لتعليل ما قبلها على كونها مقولَ القول. ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ فعل ومفعولان معطوف على ﴿يَنْفَعَنَا﴾ وفاعله ضمير يعود على المشترَى، والتقديرُ: عسى نَفْعُهُ إيانا، أو اتخاذُنا إياه ولدًا؛ أي: عسى هو نافعًا لنا، أو مُتخَذًا لنا ولدًا. ﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿كذلك﴾ جار ومجرور صفةٌ لمصدر محذوف، تقديره: تمكينًا مثل ذلك التمكين السابق من اجتبائه، وإنجائه من القَتْل والجُبِّ. ﴿مَكَّنَّا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿لِيُوسُفَ﴾ متعلق بـ ﴿مَكَّنَّا﴾. وكذلك قوله: ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلق به. ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة على محذوف متعلق بـ ﴿مَكَّنَّا﴾ تقديره: وكذلك مكنا ليوسف في الأرض، لينشأ منه ما جَرَى بينه وبين امرأة العزيز، وليتصرَّفَ فيها بالعَدْل. ﴿لنعلمه﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل. ﴿نعلمه﴾ فعل، ومفعول أول منصوب بأن مضمرةً جوازًا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ جار ومجرور متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: وكذلك مكنَّا له في الأرض لتصرُّفه فيها بالعدل، ولتعليمنا إياه تأويلَ الأحاديث. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿عَلَى أَمْرِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿غَالِبٌ﴾. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ ناصب واسمه. وجملة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لكنَّ﴾، والجملة الاستدراكية معطوفةٌ على الجملة التي قبلها.
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢)﴾.
﴿وَلَمَّا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿لَمَّا﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿بَلَغَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿أَشُدَّهُ﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿بَلَغَ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لما﴾. ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ فعل وفاعل ومفعولان. ﴿وَعِلْمًا﴾ معطوف على ﴿حُكْمًا﴾ والجملة الفعلية جواب ﴿لمَّا﴾، وجملةُ ﴿لما﴾
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢)﴾.
﴿وَلَمَّا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿لَمَّا﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿بَلَغَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿أَشُدَّهُ﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿بَلَغَ﴾، والجملة فعل شرط لـ ﴿لما﴾. ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ فعل وفاعل ومفعولان. ﴿وَعِلْمًا﴾ معطوف على ﴿حُكْمًا﴾ والجملة الفعلية جواب ﴿لمَّا﴾، وجملةُ ﴿لما﴾
398
مستأنفة. ﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿كذلك﴾ جار ومجرور صفةٌ لمصدر محذوف. ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والتقدير: ونجزي المحسنين جزاء مثل جزائنا ليوسف، والجملة معطوفة على جملة ﴿لما﴾.
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣)﴾.
﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿راودته﴾ فعل ومفعول. ﴿الَّتِي﴾ فاعل، والجملة مستأنفة. ﴿هُوَ﴾ مبتدأ. ﴿فِي بَيْتِهَا﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة الموصول. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿راودت﴾. ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة معطوفة على جملة ﴿راودت﴾. ﴿وَقَالَتْ﴾ فعل ماض والفاعل ضمير يعود على زليخا ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿هَيْتَ﴾ بفتح الهاء، والتاء اسم فعل أمر بمعنى أقبِلْ وتعَالَ مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًّا، وفاعله ضمير يعود على يوسف، وجملة اسم الفعل في محل النصب مقولُ ﴿قَالَ﴾. ﴿لَكَ﴾ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: الخطاب كائن لك، أو معكَ، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. وفي "السمين": ﴿لَكَ﴾ متعلق بمحذوف على سبيل البيان، كأنها قالت: أقول لك أو الخِطابُ لك كهي، في سَقْيًا لك، ورَعْيًا لك، اهـ.
فائدة في لغات ﴿هيت﴾: وفي "الفتوحات": ﴿هَيتَ﴾ بفتح الهاء، والتاء ككيف ولَيْت و ﴿هِيْتَ﴾ بكسر الهاء وفتح التاء كقِيلَ وغِيضَ، و ﴿هَيْتُ﴾ بفتح الهاء وضم التاء، كحيثُ و ﴿هئْتُ﴾ بكسر الهاء وبالهمزة الساكنة وفتح التاء أو ضمها. وهذه خمسُ قراءات، وكلها سبعية، وكلُّها لغات في هذه الكلمة، وهي في كلها اسم فعل أمر بمعنى هَلُمَّ؛ أي: أقبل وتعال، اهـ شيخنا. فمن فَتَحَ التاء بناها على الفتح للتخفيف نحو: أيْنَ وكيف، ومن ضمَّها كابن كثير، فقد شَبَّهَها بحيثُ. ومَنْ كَسَرَها فعلى أصل التقاء الساكنين، اهـ "سمين". وذكر فيها قراءات أربعٌ أُخَرُ شاذة كما مرَّتْ في مبحث القراءة.
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣)﴾.
﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿راودته﴾ فعل ومفعول. ﴿الَّتِي﴾ فاعل، والجملة مستأنفة. ﴿هُوَ﴾ مبتدأ. ﴿فِي بَيْتِهَا﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة الموصول. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿راودت﴾. ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة معطوفة على جملة ﴿راودت﴾. ﴿وَقَالَتْ﴾ فعل ماض والفاعل ضمير يعود على زليخا ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿هَيْتَ﴾ بفتح الهاء، والتاء اسم فعل أمر بمعنى أقبِلْ وتعَالَ مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًّا، وفاعله ضمير يعود على يوسف، وجملة اسم الفعل في محل النصب مقولُ ﴿قَالَ﴾. ﴿لَكَ﴾ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: الخطاب كائن لك، أو معكَ، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. وفي "السمين": ﴿لَكَ﴾ متعلق بمحذوف على سبيل البيان، كأنها قالت: أقول لك أو الخِطابُ لك كهي، في سَقْيًا لك، ورَعْيًا لك، اهـ.
فائدة في لغات ﴿هيت﴾: وفي "الفتوحات": ﴿هَيتَ﴾ بفتح الهاء، والتاء ككيف ولَيْت و ﴿هِيْتَ﴾ بكسر الهاء وفتح التاء كقِيلَ وغِيضَ، و ﴿هَيْتُ﴾ بفتح الهاء وضم التاء، كحيثُ و ﴿هئْتُ﴾ بكسر الهاء وبالهمزة الساكنة وفتح التاء أو ضمها. وهذه خمسُ قراءات، وكلها سبعية، وكلُّها لغات في هذه الكلمة، وهي في كلها اسم فعل أمر بمعنى هَلُمَّ؛ أي: أقبل وتعال، اهـ شيخنا. فمن فَتَحَ التاء بناها على الفتح للتخفيف نحو: أيْنَ وكيف، ومن ضمَّها كابن كثير، فقد شَبَّهَها بحيثُ. ومَنْ كَسَرَها فعلى أصل التقاء الساكنين، اهـ "سمين". وذكر فيها قراءات أربعٌ أُخَرُ شاذة كما مرَّتْ في مبحث القراءة.
399
﴿قَالَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على يوسفَ، والجملة مستأنفة. ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾ منصوب على المصدرية بفعل محذوف وجوبًا تقديره: أعوذ بالله معاذًا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ ناصب واسمه وخبره، والضمير يعود على الباري جَلَّ وعلا، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونِها تعليلًا لما قبلَها. ﴿أَحْسَنَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿رَبِّي﴾. ﴿مَثْوَايَ﴾ مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب حال لازمة من ربي. ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه، والضمير للشأن. وجملة: ﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة إنَّ في محل النصب قول ﴿قَالَ﴾.
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿قد﴾ حرف تحقيق. ﴿هَمَّتْ﴾ فعل ماض، وفاعلُه يعود على زليخا. ﴿بِهِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية جوابُ القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القَسمِ مستأنفة. ﴿وَهَمَّ﴾ فعل ماض. ﴿بِهَا﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة معطوفة على جملة ﴿هَمَّتْ﴾. ﴿لَوْلَا﴾ حرف امتناع لوجود. ﴿أن﴾ حرف نصب ومصدر. ﴿رَأَى﴾ فعل ماض وفاعله ضمير على يوسف، ﴿رَأَى﴾ بصرية. ﴿بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، وجملة ﴿رَأَى﴾ في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، تقديره: لولا رؤيته برهانَ ربه، والخَبرُ محذوف وجوبًا، تقديره: موجودة، وجوابُ ﴿لولا﴾ محذوف تقديره: لولا رؤيته برهانَ ربه موجودةٌ لقَدْ همَّ بها، وجملةُ ﴿لولا﴾ مستأنفةٌ، والمعنى: انتفَى وامتنع جماعه لها لوجود رؤية برهان ربه. ﴿كَذَلِكَ﴾ جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: أريناه برهانَ ربه، ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾. ﴿لِنَصْرِفَ﴾ ﴿اللام﴾ حرفُ جر وتعليل. ﴿نصرف﴾ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَنْهُ﴾ متعلق به. ﴿السُّوءَ﴾ مفعول به. ﴿وَالْفَحْشَاءَ﴾ معطوف عليه، والجملة
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿قد﴾ حرف تحقيق. ﴿هَمَّتْ﴾ فعل ماض، وفاعلُه يعود على زليخا. ﴿بِهِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية جوابُ القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القَسمِ مستأنفة. ﴿وَهَمَّ﴾ فعل ماض. ﴿بِهَا﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة معطوفة على جملة ﴿هَمَّتْ﴾. ﴿لَوْلَا﴾ حرف امتناع لوجود. ﴿أن﴾ حرف نصب ومصدر. ﴿رَأَى﴾ فعل ماض وفاعله ضمير على يوسف، ﴿رَأَى﴾ بصرية. ﴿بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، وجملة ﴿رَأَى﴾ في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، تقديره: لولا رؤيته برهانَ ربه، والخَبرُ محذوف وجوبًا، تقديره: موجودة، وجوابُ ﴿لولا﴾ محذوف تقديره: لولا رؤيته برهانَ ربه موجودةٌ لقَدْ همَّ بها، وجملةُ ﴿لولا﴾ مستأنفةٌ، والمعنى: انتفَى وامتنع جماعه لها لوجود رؤية برهان ربه. ﴿كَذَلِكَ﴾ جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: أريناه برهانَ ربه، ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾. ﴿لِنَصْرِفَ﴾ ﴿اللام﴾ حرفُ جر وتعليل. ﴿نصرف﴾ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَنْهُ﴾ متعلق به. ﴿السُّوءَ﴾ مفعول به. ﴿وَالْفَحْشَاءَ﴾ معطوف عليه، والجملة
400
في تأويل مصدر مجرور باللام، و ﴿اللام﴾ متعلقة بذلك المحذوف، والتقدير: أرَيناه كذلك لصرفنا عنه السوءَ والفحشاءَ. ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه. ﴿مِنْ عِبَادِنَا﴾ جار ومجرور خبر ﴿إن﴾. ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ صفة لـ ﴿عِبَادِنَا﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾.
﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ ﴿استبقا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿الباب﴾ منصوب بنزع الخافض؛ أي: إلى الباب أو ضمن استبقَ معنى ابتدر. ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة معطوفة على جملة ﴿استبقا﴾. ﴿مِنْ دُبُرٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿قدت﴾. ﴿وَأَلْفَيَا﴾ فعل وفاعل، وهو من أخوات ظن. ﴿سَيِّدَهَا﴾ مفعول أول. ﴿لَدَى الْبَابِ﴾ ظرف، ومضاف إليه، والظرف في محل المفعول الثاني لألْفَى تقديره: وألفيَا سيدها كائنًا لدى الباب، والجملةُ الفعلية معطوفة على جملة ﴿استبقا﴾.
﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
﴿قَالَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة مستأنفة. ﴿مَا جَزَاءُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قَالَتْ﴾ وإن شئت قلت: ﴿مَا﴾ اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. ﴿جَزَاءُ﴾ خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَتْ﴾. ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾ نافية. ﴿جَزَاءُ﴾ مبتدأ ﴿جَزَاءُ﴾ مضاف. ﴿مَنْ﴾ اسم موصول في محل الجر، مضاف إليه. ﴿أَرَادَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿بِأَهْلِكَ﴾ متعلق به. ﴿سُوءًا﴾ مفعول به، والجملة صلةُ ﴿من﴾ الموصولة. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء. ﴿أَنْ يُسْجَنَ﴾ ناصب وفعل مغير، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة في تأويل مصدر منصوب على الاستثناء إن قلنا: ﴿ما﴾ استفهامية، أو مرفوع على الخبر إن قلنا: ﴿ما﴾ نافية، تقدير ما جزاء مَنْ أراد بأهلك سوءًا إلّا السِّجْن. ﴿أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ معطوف على المصدر المؤول من الفعل على كونه خَبَرَ المبتدأ فـ (أو) للتنويع.
{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ
﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾.
﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ ﴿استبقا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿الباب﴾ منصوب بنزع الخافض؛ أي: إلى الباب أو ضمن استبقَ معنى ابتدر. ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة معطوفة على جملة ﴿استبقا﴾. ﴿مِنْ دُبُرٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿قدت﴾. ﴿وَأَلْفَيَا﴾ فعل وفاعل، وهو من أخوات ظن. ﴿سَيِّدَهَا﴾ مفعول أول. ﴿لَدَى الْبَابِ﴾ ظرف، ومضاف إليه، والظرف في محل المفعول الثاني لألْفَى تقديره: وألفيَا سيدها كائنًا لدى الباب، والجملةُ الفعلية معطوفة على جملة ﴿استبقا﴾.
﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
﴿قَالَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة مستأنفة. ﴿مَا جَزَاءُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قَالَتْ﴾ وإن شئت قلت: ﴿مَا﴾ اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. ﴿جَزَاءُ﴾ خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَتْ﴾. ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾ نافية. ﴿جَزَاءُ﴾ مبتدأ ﴿جَزَاءُ﴾ مضاف. ﴿مَنْ﴾ اسم موصول في محل الجر، مضاف إليه. ﴿أَرَادَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿بِأَهْلِكَ﴾ متعلق به. ﴿سُوءًا﴾ مفعول به، والجملة صلةُ ﴿من﴾ الموصولة. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء. ﴿أَنْ يُسْجَنَ﴾ ناصب وفعل مغير، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة في تأويل مصدر منصوب على الاستثناء إن قلنا: ﴿ما﴾ استفهامية، أو مرفوع على الخبر إن قلنا: ﴿ما﴾ نافية، تقدير ما جزاء مَنْ أراد بأهلك سوءًا إلّا السِّجْن. ﴿أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ معطوف على المصدر المؤول من الفعل على كونه خَبَرَ المبتدأ فـ (أو) للتنويع.
{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ
401
قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦)}.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة مستأنفة. ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿هِيَ﴾ مبتدأ ﴿رَاوَدَتْنِي﴾ فعل ومفعول، و ﴿نون﴾ وقاية. ﴿عَنْ نَفْسِي﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على زليخَا، والجملة الفعلية في محل الرفع خَبرِ المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿قَالَ﴾. ﴿مِنْ أَهْلِهَا﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿شَاهِدٌ﴾. ﴿إن﴾ حرف شرط. ﴿كَانَ قَمِيصُهُ﴾ فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فِعل شرط لها. ﴿قُدَّ﴾ فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على قميص. ﴿مِنْ قُبُلٍ﴾ متعلق بـ ﴿قد﴾، وجملة ﴿قد﴾ في محل النصب خبر ﴿كَانَ﴾. ﴿فَصَدَقَتْ﴾ الفاء رابطة الجواب جوازًا، وقيل: إنه على تقدير: قد؛ أي: فقد صدقت لِيَكُونَ من المواضع التي تَجِبَ فيها الفاء. ﴿صدقت﴾ فعل ماض في محل الجزم على كونه جوابَ الشرط، وفاعله ضمير يعود على زليخَا، وجملة (إن) الشرطية في محل النصب مقول لقول محذوف حال من ﴿شَاهِدٌ﴾، تقديره: وشهد شاهد من أهلها حَالةَ كونه قائِلًا: إن كانَ قميصه قد من قبل.. فصدقت. ﴿وَهُوَ﴾ مبتدأ. ﴿مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ جار ومجرور خبره، والجملة الاسمية في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿صدقت﴾.
﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)﴾.
﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ﴾ جازم وفعل ناقص واسمه. وجملة ﴿قُدَّ﴾ في محل النصب خبر ﴿كَانَ﴾. ﴿مِنْ دُبُر﴾ متعلق بـ ﴿قُدَّ﴾. وجملة ﴿فَكَذَبَتْ﴾ جواب الشرط، والجملة الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة الشرط الأولى. ﴿وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ مبتدأ وخبر معطوف على جملة ﴿كذبت﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفْصَحَت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتَ ما شَهِدَ الشاهدُ وأردتَ بيانَ ما قال العزيز. فأقولُ لك.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة مستأنفة. ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿هِيَ﴾ مبتدأ ﴿رَاوَدَتْنِي﴾ فعل ومفعول، و ﴿نون﴾ وقاية. ﴿عَنْ نَفْسِي﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على زليخَا، والجملة الفعلية في محل الرفع خَبرِ المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿قَالَ﴾. ﴿مِنْ أَهْلِهَا﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿شَاهِدٌ﴾. ﴿إن﴾ حرف شرط. ﴿كَانَ قَمِيصُهُ﴾ فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فِعل شرط لها. ﴿قُدَّ﴾ فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على قميص. ﴿مِنْ قُبُلٍ﴾ متعلق بـ ﴿قد﴾، وجملة ﴿قد﴾ في محل النصب خبر ﴿كَانَ﴾. ﴿فَصَدَقَتْ﴾ الفاء رابطة الجواب جوازًا، وقيل: إنه على تقدير: قد؛ أي: فقد صدقت لِيَكُونَ من المواضع التي تَجِبَ فيها الفاء. ﴿صدقت﴾ فعل ماض في محل الجزم على كونه جوابَ الشرط، وفاعله ضمير يعود على زليخَا، وجملة (إن) الشرطية في محل النصب مقول لقول محذوف حال من ﴿شَاهِدٌ﴾، تقديره: وشهد شاهد من أهلها حَالةَ كونه قائِلًا: إن كانَ قميصه قد من قبل.. فصدقت. ﴿وَهُوَ﴾ مبتدأ. ﴿مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ جار ومجرور خبره، والجملة الاسمية في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿صدقت﴾.
﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)﴾.
﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ﴾ جازم وفعل ناقص واسمه. وجملة ﴿قُدَّ﴾ في محل النصب خبر ﴿كَانَ﴾. ﴿مِنْ دُبُر﴾ متعلق بـ ﴿قُدَّ﴾. وجملة ﴿فَكَذَبَتْ﴾ جواب الشرط، والجملة الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة الشرط الأولى. ﴿وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ مبتدأ وخبر معطوف على جملة ﴿كذبت﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفْصَحَت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتَ ما شَهِدَ الشاهدُ وأردتَ بيانَ ما قال العزيز. فأقولُ لك.
402
﴿لَمَّا﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿رَأَى قَمِيصَهُ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على العزيز. ﴿قُدَّ﴾ فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على قميصه، والجملة في محل النصب حال من قميصه؛ لأنَّ ﴿رَأَى﴾ بصرية، والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿مِنْ دُبُر﴾ متعلقا بـ ﴿قُدَّ﴾ ﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على العزيز، وجملة ﴿قَالَ﴾ جواب لمَّا، وجملةُ ﴿لَمَّا﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: إنه ناصب واسمه. ﴿مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾ خبره، وجملة إنَّ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ﴾ ناصب واسمه ومضاف إليه. ﴿عَظِيمٌ﴾ خبره، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)﴾.
﴿يُوسُفُ﴾ منادى مفرد العلم حُذِف منه حرف النداء للتخفيف، وجملةُ النداء في محل النصب مقولُ ﴿قَالَ﴾. ﴿أَعْرِضْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿عَنْ هَذَا﴾ متعلق به، وجملة ﴿أَعْرِضْ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها جوابَ النداء. ﴿وَاسْتَغْفِرِي﴾ فعل وفاعل. ﴿لِذَنْبِكِ﴾ متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَعْرِضْ﴾. ﴿إِنَّكِ﴾ ناصب واسمه. ﴿كُنْتِ﴾ فعل ناقص واسمه. ﴿مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ خبره، وجملة (كان) في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة (إن) في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها تعليلًا لما قبلَها.
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠)﴾.
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿نِسْوَةٌ﴾. ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ مبتدأ، ومضاف إليه. ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المرأة، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ متعلق بـ ﴿تُرَاوِدُ﴾. ﴿قَدْ﴾ حرف
﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)﴾.
﴿يُوسُفُ﴾ منادى مفرد العلم حُذِف منه حرف النداء للتخفيف، وجملةُ النداء في محل النصب مقولُ ﴿قَالَ﴾. ﴿أَعْرِضْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿عَنْ هَذَا﴾ متعلق به، وجملة ﴿أَعْرِضْ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها جوابَ النداء. ﴿وَاسْتَغْفِرِي﴾ فعل وفاعل. ﴿لِذَنْبِكِ﴾ متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَعْرِضْ﴾. ﴿إِنَّكِ﴾ ناصب واسمه. ﴿كُنْتِ﴾ فعل ناقص واسمه. ﴿مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ خبره، وجملة (كان) في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة (إن) في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها تعليلًا لما قبلَها.
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠)﴾.
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿نِسْوَةٌ﴾. ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ مبتدأ، ومضاف إليه. ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المرأة، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ متعلق بـ ﴿تُرَاوِدُ﴾. ﴿قَدْ﴾ حرف
403
تحقيق. ﴿شَغَفَهَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الفتى. ﴿حُبًّا﴾ تمييز محول عن الفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال عن الفتى. ﴿إِنَّا﴾ ناصب واسمه. ﴿لَنَرَاهَا﴾ ﴿اللام﴾ حرف ابتداء. ﴿نرى﴾ فعل مضارع. (ها) مفعوله، وفاعله ضمير يعود على النسوة. ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ متعلق بـ ﴿نرى﴾ وهو في محل المفعول الثاني، وجملة ﴿لَنَرَاهَا﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة (إن) مستأنفة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة. ﴿لما﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿سَمِعَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على امرأة العزيز. ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾ جار ومجرور متعلّق به، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿أَرْسَلَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على امرأة العزيز. ﴿إِلَيْهِنَّ﴾ متعلق بـ ﴿أرسل﴾، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملةُ لَمَّا معطوفة على جملة قوله: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾. ﴿وَأَعْتَدَتْ﴾ فعل ماض. ﴿لَهُنَّ﴾ متعلق به. ﴿مُتَّكَأً﴾ مفعول به، وفاعله ضمير يعود على امرأة العزيز، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَرْسَلَتْ﴾. ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ﴾ فعل، ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على امرأة العزيز، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَرْسَلَتْ﴾. ﴿مِنْهُنَّ﴾ صفة لـ ﴿واحدة﴾. ﴿سِكِّينًا﴾ مفعول ثان. ﴿وَقَالَتِ﴾ فعل ماض معطوف على ﴿أَرْسَلَتْ﴾، وفاعله ضمير يعود على المرأة. ﴿اخْرُجْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿عَلَيْهِنَّ﴾ تعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ (الفاء) عاطفة. ﴿لما﴾ حرف شرط. ﴿رَأَيْنَهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة فعل شرط لـ ﴿لما﴾. ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة جوابُ ﴿لَمَّا﴾ والجملة معطوفة على جملة ﴿لمَّا﴾ الأولى. ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنّ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾.
﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾.
﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة. ﴿لما﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿سَمِعَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على امرأة العزيز. ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾ جار ومجرور متعلّق به، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿أَرْسَلَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على امرأة العزيز. ﴿إِلَيْهِنَّ﴾ متعلق بـ ﴿أرسل﴾، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾، وجملةُ لَمَّا معطوفة على جملة قوله: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾. ﴿وَأَعْتَدَتْ﴾ فعل ماض. ﴿لَهُنَّ﴾ متعلق به. ﴿مُتَّكَأً﴾ مفعول به، وفاعله ضمير يعود على امرأة العزيز، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَرْسَلَتْ﴾. ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ﴾ فعل، ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على امرأة العزيز، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَرْسَلَتْ﴾. ﴿مِنْهُنَّ﴾ صفة لـ ﴿واحدة﴾. ﴿سِكِّينًا﴾ مفعول ثان. ﴿وَقَالَتِ﴾ فعل ماض معطوف على ﴿أَرْسَلَتْ﴾، وفاعله ضمير يعود على المرأة. ﴿اخْرُجْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿عَلَيْهِنَّ﴾ تعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ (الفاء) عاطفة. ﴿لما﴾ حرف شرط. ﴿رَأَيْنَهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة فعل شرط لـ ﴿لما﴾. ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة جوابُ ﴿لَمَّا﴾ والجملة معطوفة على جملة ﴿لمَّا﴾ الأولى. ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنّ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾.
﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾.
404
﴿وَقُلْنَ﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾. ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿حَاشَ﴾ فعل ماض بمعنى بعد وتنزَّه، ويتصرَّفُ منه المضارع أحاشِي، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿لِلَّهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿حَاشَ﴾ و (اللام) فيه للتعليل، والمعنى: بَعُدَ يوسفُ عن المعصية لأجل طاعة الله تعالى، وخَوْفِه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْنَ﴾. ﴿مَا﴾ نافية تعمل عمل ﴿ليس﴾. ﴿هَذَا﴾ اسمها. ﴿بَشَرًا﴾ خبَرُها، والجملة في محل النصب مقول ﴿قلن﴾. ﴿إِنْ﴾ نافية. ﴿هَذَا﴾ مبتدأ. ﴿إلا﴾ أداة استثناء مفرغ. ﴿مَلَكٌ﴾ خبر المبتدأ. ﴿كَرِيمٌ﴾ صفة ﴿مَلَكٌ﴾، والجملة الاسمية في حل النصب مقول ﴿قُلْنَ﴾.
﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)﴾.
﴿قَالَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة مستأنفةٌ. ﴿فَذَلِكُنَّ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿فَذَلِكُنَّ﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أَفْصَحَتْ عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا رأيتن ما رأيتن، وأردتُنَ بَيَانَ ما شغلني فأقولُ لَكُنَّ ﴿ذَلِكُنَّ﴾. ﴿ذلكن﴾ مبتدأ. ﴿الَّذِي﴾ خبره. ﴿لُمْتُنَّنِي﴾ فعل وفاعل، وفعول ونون وقاية. ﴿فِيهِ﴾ متعلق به، وهو العائد على الموصول، والجملة الفعلية صلة الموصول، والجملة الاسمية في محل النصب، مقولٌ لجواب إذا المقدرة، وجملة إذَا المقدرة في محل النصب مقولُ ﴿قَالَتْ﴾. ﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿قد﴾ حرف تحقيق. ﴿رَاوَدْتُهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ هو متعلق به، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم في محل النصب معطوفة على جملة قوله ﴿فَذَلِكُنَّ﴾. ﴿فَاسْتَعْصَمَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة. ﴿استعصم﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ﴾ ﴿وَلَئِنْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿إن﴾ حرف شرط جازم. ﴿لَمْ يَفْعَلْ﴾ جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على يوسف والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾
﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)﴾.
﴿قَالَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة مستأنفةٌ. ﴿فَذَلِكُنَّ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿فَذَلِكُنَّ﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أَفْصَحَتْ عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا رأيتن ما رأيتن، وأردتُنَ بَيَانَ ما شغلني فأقولُ لَكُنَّ ﴿ذَلِكُنَّ﴾. ﴿ذلكن﴾ مبتدأ. ﴿الَّذِي﴾ خبره. ﴿لُمْتُنَّنِي﴾ فعل وفاعل، وفعول ونون وقاية. ﴿فِيهِ﴾ متعلق به، وهو العائد على الموصول، والجملة الفعلية صلة الموصول، والجملة الاسمية في محل النصب، مقولٌ لجواب إذا المقدرة، وجملة إذَا المقدرة في محل النصب مقولُ ﴿قَالَتْ﴾. ﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿قد﴾ حرف تحقيق. ﴿رَاوَدْتُهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ هو متعلق به، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم في محل النصب معطوفة على جملة قوله ﴿فَذَلِكُنَّ﴾. ﴿فَاسْتَعْصَمَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة. ﴿استعصم﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ﴾ ﴿وَلَئِنْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿إن﴾ حرف شرط جازم. ﴿لَمْ يَفْعَلْ﴾ جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على يوسف والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾
405
على كونِها فِعْلَ شرطِ لها. ﴿مَا﴾ موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿آمُرُهُ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، وجواب الشرط محذوف دَلَّ عليه جواب القسم تقديره: ولئن لم يفعل ما آمره يسجن، وجملة الشرط معترضة بين القسم وجوابه. ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾ (اللام) موطئة للقسم مؤكدةً للأولى. ﴿يسجنن﴾ فعل مضارع مغير الصيغة في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونائب فاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة جوابُ القسم لا محلَّ لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب معطوفة على جملة القسم الأول، على كونه مقولًا لـ ﴿قالت﴾. ﴿وَلَيَكُونًا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿يكونا﴾ فعل مضارع ناقص في محل الرفع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألِفًا للتخفيف، واسمها ضمير يعود على يوسف. ﴿مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ جار ومجرور خبرها، والجملة جواب القسم لا محلَّ لها من الإعراب، وجملة القسم معطوفة على جملة القسم في قوله ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾.
﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة مستأنفة. ﴿رَبِّ السِّجْنُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبِّ﴾ منادى مضاف حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ﴾ مبتدأ، وخبر، والجملة في محل النصب مقول القولِ على كونها جَوابَ النداءِ. ﴿إِلَيَّ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَحَبُّ﴾. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَحَبُّ﴾ أيضًا. ﴿يَدْعُونَنِي﴾ فعل وفاعل و (نون) وقاية ومفعول به؛ لأنه فعل مضارع مبني على سكون الواو، والنون الأولى للنسوة فاعل، والثانية: نون وقاية، وهو مثل النسوة يَعْفُون، فالواو ليست ضميرًا بل لام كلمة. ﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق به، وهو العائد على ﴿ما﴾ الموصولة، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَإِلَّا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿إلا﴾ ﴿إِنْ﴾ حرف شرط جازم مبني
﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة مستأنفة. ﴿رَبِّ السِّجْنُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبِّ﴾ منادى مضاف حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ﴾ مبتدأ، وخبر، والجملة في محل النصب مقول القولِ على كونها جَوابَ النداءِ. ﴿إِلَيَّ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَحَبُّ﴾. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَحَبُّ﴾ أيضًا. ﴿يَدْعُونَنِي﴾ فعل وفاعل و (نون) وقاية ومفعول به؛ لأنه فعل مضارع مبني على سكون الواو، والنون الأولى للنسوة فاعل، والثانية: نون وقاية، وهو مثل النسوة يَعْفُون، فالواو ليست ضميرًا بل لام كلمة. ﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق به، وهو العائد على ﴿ما﴾ الموصولة، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَإِلَّا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿إلا﴾ ﴿إِنْ﴾ حرف شرط جازم مبني
406
بسكون على النون المدغمة في لام ﴿لا﴾ لا نافية. ﴿تَصْرِفْ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿عَنِّي﴾ متعلق بـ ﴿تصرف﴾. ﴿كَيْدَهُنَّ﴾ مفعول به. ﴿أَصْبُ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وعلامةُ جزمه حذفُ حرف العلة. ﴿إِلَيْهِنَّ﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود يوسف، وجملة الشرط في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾ على كونها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَأَكُنْ﴾ فعل مضارع ناقص معطوف على ﴿أَصْبُ﴾ واسمها ضمير يعود على يوسف. ﴿مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ خبرها.
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)﴾.
﴿فَاسْتَجَابَ﴾ (الفاء) حرف عطف وتفريغ. ﴿استجاب﴾ فعل ماض. ﴿لَهُ﴾ متعلق به. ﴿رَبُّهُ﴾ فاعل، والجملة معطوفة على جملة قال. ﴿فَصَرَفَ﴾ (الفاء) حرف عطف وتفريع. ﴿صرف﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَنْهُ﴾ متعلق به. ﴿كَيْدَهُنَّ﴾ مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿استجاب﴾. ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه. ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل. ﴿السَّمِيعُ﴾ خبره الأول. ﴿الْعَلِيمُ﴾ خبر ثان، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقةٌ لتعليل ما قبلها.
﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف وترتيب. ﴿بَدَا﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على السجن المعلوم من قوله: ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ كما في "البحر". ﴿لَهُمْ﴾ جار ومجرور متعلق به. ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ جار ومجرور متعلق به أيضًا، وجملة ﴿بَدَا﴾ معطوفة على جملة محذوفة، تقديرها: تَشَاوَرُوا في شأن يوسف، ثمَّ بدا لهم السجن من بعد ما رأوا الآيات. ﴿مَا﴾ مصدرية. ﴿رَأَوُا الْآيَاتِ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملةُ في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه، تقديره: من بعد رؤيتهم الآيات الدالة على صدق يوسف. ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ (اللام) موطئة للقسم. ﴿يسجننه﴾ فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، و ﴿الواو﴾ المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الرفع فاعل والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة. {حَتَّى
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)﴾.
﴿فَاسْتَجَابَ﴾ (الفاء) حرف عطف وتفريغ. ﴿استجاب﴾ فعل ماض. ﴿لَهُ﴾ متعلق به. ﴿رَبُّهُ﴾ فاعل، والجملة معطوفة على جملة قال. ﴿فَصَرَفَ﴾ (الفاء) حرف عطف وتفريع. ﴿صرف﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿عَنْهُ﴾ متعلق به. ﴿كَيْدَهُنَّ﴾ مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿استجاب﴾. ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه. ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل. ﴿السَّمِيعُ﴾ خبره الأول. ﴿الْعَلِيمُ﴾ خبر ثان، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقةٌ لتعليل ما قبلها.
﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف وترتيب. ﴿بَدَا﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على السجن المعلوم من قوله: ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ كما في "البحر". ﴿لَهُمْ﴾ جار ومجرور متعلق به. ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ جار ومجرور متعلق به أيضًا، وجملة ﴿بَدَا﴾ معطوفة على جملة محذوفة، تقديرها: تَشَاوَرُوا في شأن يوسف، ثمَّ بدا لهم السجن من بعد ما رأوا الآيات. ﴿مَا﴾ مصدرية. ﴿رَأَوُا الْآيَاتِ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملةُ في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه، تقديره: من بعد رؤيتهم الآيات الدالة على صدق يوسف. ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ (اللام) موطئة للقسم. ﴿يسجننه﴾ فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، و ﴿الواو﴾ المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الرفع فاعل والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة. {حَتَّى
407
حِينٍ} جار ومجرور متعلق بـ ﴿يسجنن﴾، والجملة الفعلية جوابُ القسم المحذوف، وجملة القسم في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: ثم بدا لهم السجن حالَةَ كونهم قائلين: ليسجننه حتى حين.
التصريف ومفردات اللغة
﴿مَثْوَاهُ﴾ المثوى: اسم لمكان الثواء والإقامة، يقال: ثويَ بالمكان من باب: رِضي إذا أقام به؛ أي: أحْسَن تعهدَه. ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾؛ أي: جعلنا له مَكَانةً رفيعةً، ودرجة عاليةً في أرض مصر؛ أي: جَعَلْنَاهُ على خزائنها، ومَكَّنَ يَتَعَدَّى بنفسه على حد قوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ و (باللام) كما هنا، والمراد نعطيه مكانةً ورتبةً عاليةً في الأرض. ﴿مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾؛ أي: بعض تعبير الرؤيا التي عَمَدَتْها رؤيا الملك، وصاحبي السجن. ﴿غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾؛ أي: لا يمنع عما يشاء، ولا يُنازَع فيما يريد. ﴿أَشُدَّهُ﴾ والأشُدُّ: هو وقت رشده، وكمال قوته، باستكمال نموه الجسمانيِّ، والعَقْلِيِّ، ثم يكون بعده النقصانُ، قيل: هو ثلاث وثلاثون سنة، وقيل: ثماني عشرة، وقيل غير ذلك. وفي "الفتوحات": في الأشد ثلاثةُ أقوال:
أحدُها: وهو قول سيبويه أنه جمعٌ مفرده شدَّةُ نحو: نعمة وأَنْعُم.
والثاني: قول الكسائي أنَّ مفرده شُدّ بزنة قُفل.
الثالث: أنه جمعٌ لا واحِدَ له من لفظه قاله أبو عبيدة، وخَالَفه الناس في ذلك، وهو من الشدِّ، وهو الرَّبْطُ على الشيء والعَقْدُ عليه. قال الراغب: وفيه تنبيه على أنَّ الإنسان إذا بلغ هذا القَدْرَ يتقوَّى خلقه الذي هو عليه، فلا يكادُ يُزايله، اهـ "سمين".
ولم يَقُلْ هنا: واستوى كما قال في شأن موسى في سورة القصص؛ لأنَّ موسى كان قد بلغ أربعين سنة، وهي مدة النبوة، فقدِ استوى وتهيأ لحمل أسرار النبوة. وأما يُوسُفُ فلم يكن يوسف إذ ذاك قد بلَغَ هذا السن، اهـ شيخنا، اهـ "فتوحات". ﴿حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ والحكم: هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان
التصريف ومفردات اللغة
﴿مَثْوَاهُ﴾ المثوى: اسم لمكان الثواء والإقامة، يقال: ثويَ بالمكان من باب: رِضي إذا أقام به؛ أي: أحْسَن تعهدَه. ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾؛ أي: جعلنا له مَكَانةً رفيعةً، ودرجة عاليةً في أرض مصر؛ أي: جَعَلْنَاهُ على خزائنها، ومَكَّنَ يَتَعَدَّى بنفسه على حد قوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ و (باللام) كما هنا، والمراد نعطيه مكانةً ورتبةً عاليةً في الأرض. ﴿مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾؛ أي: بعض تعبير الرؤيا التي عَمَدَتْها رؤيا الملك، وصاحبي السجن. ﴿غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾؛ أي: لا يمنع عما يشاء، ولا يُنازَع فيما يريد. ﴿أَشُدَّهُ﴾ والأشُدُّ: هو وقت رشده، وكمال قوته، باستكمال نموه الجسمانيِّ، والعَقْلِيِّ، ثم يكون بعده النقصانُ، قيل: هو ثلاث وثلاثون سنة، وقيل: ثماني عشرة، وقيل غير ذلك. وفي "الفتوحات": في الأشد ثلاثةُ أقوال:
أحدُها: وهو قول سيبويه أنه جمعٌ مفرده شدَّةُ نحو: نعمة وأَنْعُم.
والثاني: قول الكسائي أنَّ مفرده شُدّ بزنة قُفل.
الثالث: أنه جمعٌ لا واحِدَ له من لفظه قاله أبو عبيدة، وخَالَفه الناس في ذلك، وهو من الشدِّ، وهو الرَّبْطُ على الشيء والعَقْدُ عليه. قال الراغب: وفيه تنبيه على أنَّ الإنسان إذا بلغ هذا القَدْرَ يتقوَّى خلقه الذي هو عليه، فلا يكادُ يُزايله، اهـ "سمين".
ولم يَقُلْ هنا: واستوى كما قال في شأن موسى في سورة القصص؛ لأنَّ موسى كان قد بلغ أربعين سنة، وهي مدة النبوة، فقدِ استوى وتهيأ لحمل أسرار النبوة. وأما يُوسُفُ فلم يكن يوسف إذ ذاك قد بلَغَ هذا السن، اهـ شيخنا، اهـ "فتوحات". ﴿حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ والحكم: هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان
408
مصر. والعلم: هو العلم بالحكم الذي يحكمه. وقيل: العقل والفهم والنبوة. وقيل: الحكم هو النبوة، والعلم هو العلم بالدين. وقيل: علم الرؤيا.
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ المراودة: الإرادةُ والطلبُ برفق ولين. وقيل: هي مأخوذةٌ من الرَّود؛ أي: الرفق، والتأني، ويقال: أَرْوِدْنِي بمعنى أمهلني. وقيل: المراودة مأخوذة من راد يَرُود إذا جَاءَ، وذهب، كأن المعنى أنها فعلَتْ في مراودتها له فعل المخادع، ومنه الرائد لِمَنْ يطلُب الماءَ والكلأ. وقد يُخَصُّ بمحاولة الوقاع، فيقال: راود فلان جَارِيتَهُ عن نفسها، وراودته هي عن نفسه، إذا حاول كُلُّ واحد منهما الوطء والجماع، وهي مفاعلة، وأصلها أن تَكونَ من الجانِبَيْنِ فجعل السبب هنا في أحد الجانبين قَائِمًا مقام المسبَّب، فكأنَّ يُوسُفَ عليه السلام - لما كان ما أعطيه من كمال الخَلْقِ والزيادة في الحسن سببًا لمراودة امرأة العزيز له - مراود. ويجوز أن يُرادَ بصيغة المفاعلة مجردُ المبالغَةِ. وقيل (١): الصِّيغَةُ على بابها بمعنى أنَّها طلبت منه الفعلَ، وهو طَلَب منها الترْك، وقال الراغب: المراودة أن تنازعَ غيرك في الإرادة، فتريد منه غيرَ ما يريد، كما قالَ إخوة يوسف ﴿سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ﴾؛ أي: نحتالُ عليه، ونخدعه عن إرادته، ليرسل بنيامين معنا، اهـ.
﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾، وفي هذه (٢) الصيغة ما يدل على التكثير، فيقال: غلق الأبوابَ، ولا يقال: غلَّق البابَ، بل يقال: أغلق البابَ، وقد يقال: أغلق الأبوابَ، ومنه قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء:
قيل: وكانت الأبواب سبعةً. ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ بفتح الهاء وكسرها مع فتح التاء وضمها وكسرها، اسمُ فعل بمعنى هَلُمَّ وأقبل وبَادِرْ. قال النحويون: هيت جاء بالحركات الثلاث، فالفتحُ للخفة، والكسر لالتقاء الساكنين، والضم تشبيهًا يحيثُ، وإذا بين باللام نحو: هَيْتَ لك، فهو صوتٌ قائمٌ مَقامَ المصدر، كأفّ
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ المراودة: الإرادةُ والطلبُ برفق ولين. وقيل: هي مأخوذةٌ من الرَّود؛ أي: الرفق، والتأني، ويقال: أَرْوِدْنِي بمعنى أمهلني. وقيل: المراودة مأخوذة من راد يَرُود إذا جَاءَ، وذهب، كأن المعنى أنها فعلَتْ في مراودتها له فعل المخادع، ومنه الرائد لِمَنْ يطلُب الماءَ والكلأ. وقد يُخَصُّ بمحاولة الوقاع، فيقال: راود فلان جَارِيتَهُ عن نفسها، وراودته هي عن نفسه، إذا حاول كُلُّ واحد منهما الوطء والجماع، وهي مفاعلة، وأصلها أن تَكونَ من الجانِبَيْنِ فجعل السبب هنا في أحد الجانبين قَائِمًا مقام المسبَّب، فكأنَّ يُوسُفَ عليه السلام - لما كان ما أعطيه من كمال الخَلْقِ والزيادة في الحسن سببًا لمراودة امرأة العزيز له - مراود. ويجوز أن يُرادَ بصيغة المفاعلة مجردُ المبالغَةِ. وقيل (١): الصِّيغَةُ على بابها بمعنى أنَّها طلبت منه الفعلَ، وهو طَلَب منها الترْك، وقال الراغب: المراودة أن تنازعَ غيرك في الإرادة، فتريد منه غيرَ ما يريد، كما قالَ إخوة يوسف ﴿سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ﴾؛ أي: نحتالُ عليه، ونخدعه عن إرادته، ليرسل بنيامين معنا، اهـ.
﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾، وفي هذه (٢) الصيغة ما يدل على التكثير، فيقال: غلق الأبوابَ، ولا يقال: غلَّق البابَ، بل يقال: أغلق البابَ، وقد يقال: أغلق الأبوابَ، ومنه قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء:
مَا زِلْتُ أُغْلِقُ أَبْوَابًا وَأَفْتَحُهَا | حَتَّى أَتَيْتُ أبَا عَمْرِو بْنَ عَمَّارِ |
(١) الفتوحات.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
409
له؛ أي: لَكَ أقول هذا، وإن لم يبين باللام فهو صوت قائم مَقَامَ مصدر الفعل، فيكون اسمَ فعل، إما خبر؛ أي: تهيأت، وإما أمرٌ؛ أي: أقْبلْ. وقال في "الصحاح": يُقال: هوت به، وهيت به إذا صَاحَ به، ودَعاهُ، ومنه قول الشاعر:
يَحْدُوْ بِهَا كُلُّ فَتَى هَيَّاتُ
وقد روي عن ابن عباس، والحسن، أنَّها كلمةٌ سريانية معناها، أنها تَدْعُوه إلى نفسها. قال أبو عبيدة: كان الكسائي يقول: هي لغة لأهل حورانَ، وقعت إلى أهل الحجاز، معناها: تَعَالَ. قال أبو عبيدة: فسألت شَيْخًا عَالِمًا منْ حورانَ فذكر أنها لُغَتُهم. ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾ مصدر منصوب بفعل محذوفٍ، وجوبًا على أنه نائب عن فعله مضاف إلى اسم الله سبحانه؛ أي: أعوذ بالله مَعاذًا ممَّا تدعونني إليه، كسبحانَ الله بمعنى أسبِّح اللهَ، ويقال: عَاذ يعوذ عِيَاذًا، وعياذةً ومعاذًا، وعوذًا، اهـ "سمين".
والمعنى: أعُوذ وأتحصَّن بالله من أن أكونَ من الجاهلينَ الفاسِقِينَ. وقال في "روح البيان": هو من جملة المصادر التي ينصبُها العربُ بأفعال مضمرة، ولا يستعمل إظهارُها كقولهم: سبحانَ اللهِ، وغفرانَكَ وعونك، اهـ. ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ﴾؛ أي: هَمَّتْ (١) وقصدت لتبطش به لعصيانه أمرها، وهم بها ليقهرها في الدفع عما أرادته، ويَرُدَّ عنفها بمثله. وفي "الشهاب" قال الإِمام: المراد بالهمِّ؛ أي: بهم يوسفَ في الآية: خطور الشيء بالبال، أو ميل الطبع كالصائم، يَرَى الماء البارد فتحمله نفسه على الميل إليه، وطلب شربه، ولكنه يَمْنَعُه دينُه عنه، اهـ. ﴿المخلِصين﴾ بكسر اللام؛ أي: مُخْلصين أعمالهم لله تعالى، وبفتحها هم الذين أخلصهم الله تعالى، واجتباهم واخْتَارَهم لطاعته. ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾؛ أي: تَسَابَقَا إلى الباب، وقصد كل منهما سَبْقَ الآخر إليه، فهو ليخرج، وهي لِتَمْنَعَه من الخروج. ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ﴾؛ أي: قطعته، وشقته طولًا من خلف، فهو من المضاعف المعدى من باب شدَّ. ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا﴾؛ أي: وَجداه، والسيد (٢):
يَحْدُوْ بِهَا كُلُّ فَتَى هَيَّاتُ
وقد روي عن ابن عباس، والحسن، أنَّها كلمةٌ سريانية معناها، أنها تَدْعُوه إلى نفسها. قال أبو عبيدة: كان الكسائي يقول: هي لغة لأهل حورانَ، وقعت إلى أهل الحجاز، معناها: تَعَالَ. قال أبو عبيدة: فسألت شَيْخًا عَالِمًا منْ حورانَ فذكر أنها لُغَتُهم. ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾ مصدر منصوب بفعل محذوفٍ، وجوبًا على أنه نائب عن فعله مضاف إلى اسم الله سبحانه؛ أي: أعوذ بالله مَعاذًا ممَّا تدعونني إليه، كسبحانَ الله بمعنى أسبِّح اللهَ، ويقال: عَاذ يعوذ عِيَاذًا، وعياذةً ومعاذًا، وعوذًا، اهـ "سمين".
والمعنى: أعُوذ وأتحصَّن بالله من أن أكونَ من الجاهلينَ الفاسِقِينَ. وقال في "روح البيان": هو من جملة المصادر التي ينصبُها العربُ بأفعال مضمرة، ولا يستعمل إظهارُها كقولهم: سبحانَ اللهِ، وغفرانَكَ وعونك، اهـ. ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ﴾؛ أي: هَمَّتْ (١) وقصدت لتبطش به لعصيانه أمرها، وهم بها ليقهرها في الدفع عما أرادته، ويَرُدَّ عنفها بمثله. وفي "الشهاب" قال الإِمام: المراد بالهمِّ؛ أي: بهم يوسفَ في الآية: خطور الشيء بالبال، أو ميل الطبع كالصائم، يَرَى الماء البارد فتحمله نفسه على الميل إليه، وطلب شربه، ولكنه يَمْنَعُه دينُه عنه، اهـ. ﴿المخلِصين﴾ بكسر اللام؛ أي: مُخْلصين أعمالهم لله تعالى، وبفتحها هم الذين أخلصهم الله تعالى، واجتباهم واخْتَارَهم لطاعته. ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾؛ أي: تَسَابَقَا إلى الباب، وقصد كل منهما سَبْقَ الآخر إليه، فهو ليخرج، وهي لِتَمْنَعَه من الخروج. ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ﴾؛ أي: قطعته، وشقته طولًا من خلف، فهو من المضاعف المعدى من باب شدَّ. ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا﴾؛ أي: وَجداه، والسيد (٢):
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
410
فيعل من سَادَ يسودُ يطلق على المالك، وعلى رئيس القوم، وفَيْعَل: بناء مختص بالمعتل، وشذ بيئس وصيقل اسم امرأة. ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾ والنسوة (١): اسمُ جمع لا واحد له من لفظه، بل من معناه، وهو امرأةٌ وتأنيثها غير حقيقي، بل باعتبار الجماعةِ، ولذلك لم يَلْحَقْ فعلَها تاء التأنيث، والمشهور كسر نونها. ويجوز ضمها في لغة ونقلها أبو البقاء قراءة ولم أحفظه وإذا ضُمَّت نونه كان اسمَ جمعَ بلا خِلاف. والنساء: جمع كثرة أيضًا، ولا واحدَ له من لفظه، اهـ "سمين". ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ وألف الفتى منقلبة عن ياءٍ، لقولهم: فَتَيانِ، والفتوة شاذ؛ أي: رَقِيقَها وعَبْدَها. ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ والشِّغَافُ: الغلاف المحيط بالقلب، ويقال: شَغَفْتُ فلانًا إذا أَصَبْتَ شِغَافَ قلبه كما يقال: كبدته إذا أصبتَ كبده. وفي "المصباح": شَغَفَ الهوى قَلْبَه شغفا من باب نَفَع، والاسم الشَّغَفُ بفتحتين بلَغَ شغافه بالفتح، وهو غشاؤه، وشغفه المال زين له فأحَبَّهُ فهو مشغوف به، اهـ.
﴿ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، والضلال: الحيدة عن طريق الرشد، وسنَنِ العَقل. ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾؛ أي: بِقَوْلِهِنّ وسمِّي ذلك مكرًا لأنهن كن يردن إغْضَابَها كي تعرض عَليهنَّ يُوسُفَ لتبديَ عُذْرَهَا فَيَفُزْنَ بمشاهدته. ﴿وَأَعْتَدَتْ﴾؛ أي: أعدَّتْ وهيَّأتْ. ﴿مُتَّكَأً﴾ والمتكأ: ما يجلس عليه من كراسي، وأرائك. وأصل (٢) الكلمة: موتكأ لأنه من توكأت، فأبدلت الواو تاءً وأدغمت. ويجوز أن يكون من أوكيت السِّقَاءَ: فتكونُ الألفُ بدلًا من الياءِ، ووزنُه مفتعل من ذلك ذكره أبو البقاء. ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾؛ أي: أعظمنَه ودَهِشْن من جماله الرائع. ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾؛ أي: جَرَحْنَها.
﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾؛ أي: تنزيهًا لله أن يكون هذا المخلوقُ العجيبُ من جنس البشر، قال أبو البقاء: ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ يقرأ بألفين، وهو الأصل، والجمهور على أنه هنا فعل ماض، وقد صُرِّفَ منه أحاشي، وأيَّدَ ذلك دخول اللام على اسم الله تعالى، ولو كان حرفَ جر لَمَا دَخَل على حرف جر، وفاعلُه مضمر تقديره: حَاشَى يوسفُ؛ أي: بَعُدَ من المعصية لخوفِ الله تعالى. وأصل الكلمة: حاشَيْتُ
﴿ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، والضلال: الحيدة عن طريق الرشد، وسنَنِ العَقل. ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾؛ أي: بِقَوْلِهِنّ وسمِّي ذلك مكرًا لأنهن كن يردن إغْضَابَها كي تعرض عَليهنَّ يُوسُفَ لتبديَ عُذْرَهَا فَيَفُزْنَ بمشاهدته. ﴿وَأَعْتَدَتْ﴾؛ أي: أعدَّتْ وهيَّأتْ. ﴿مُتَّكَأً﴾ والمتكأ: ما يجلس عليه من كراسي، وأرائك. وأصل (٢) الكلمة: موتكأ لأنه من توكأت، فأبدلت الواو تاءً وأدغمت. ويجوز أن يكون من أوكيت السِّقَاءَ: فتكونُ الألفُ بدلًا من الياءِ، ووزنُه مفتعل من ذلك ذكره أبو البقاء. ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾؛ أي: أعظمنَه ودَهِشْن من جماله الرائع. ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾؛ أي: جَرَحْنَها.
﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾؛ أي: تنزيهًا لله أن يكون هذا المخلوقُ العجيبُ من جنس البشر، قال أبو البقاء: ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ يقرأ بألفين، وهو الأصل، والجمهور على أنه هنا فعل ماض، وقد صُرِّفَ منه أحاشي، وأيَّدَ ذلك دخول اللام على اسم الله تعالى، ولو كان حرفَ جر لَمَا دَخَل على حرف جر، وفاعلُه مضمر تقديره: حَاشَى يوسفُ؛ أي: بَعُدَ من المعصية لخوفِ الله تعالى. وأصل الكلمة: حاشَيْتُ
(١) الفتوحات.
(٢) العكبري.
(٢) العكبري.
411
الشيءَ، فَحَاشَا صَارَ في حاشيةٍ أي ناحيةٍ. وقال بعضهم: هي حرف جر، و (اللام) زائدة، وهو ضعيف، لأنَّ موضعَ مثلِ هذا ضرورةُ الشعر، اهـ. ﴿استعصم﴾؛ أي: اعتصَمَ وامتنعَ، فالسين فيه زائدة، أو المعنى: استمسك بعروة عصمتِه التي ورثها عمَّن (نَشَؤُا) عليها. ﴿رَبِّ السِّجْنُ﴾ بكسر السين اسمٌ للمكان، والمحبوبُ له، دخوله لا ذاته؛ أي: دخول السجن. ﴿أَحَبُّ إِلَيَّ﴾؛ أي: عندي. ﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ الصبوة الميلُ إلى الهوى، ومنه ريح الصَّبَا لأن النَّفْسَ تستطِيبُها، وتميل إليها، اهـ "بيضاوي". وفي "المصباح": صَبَا يَصْبُو صَبْوًا من باب قعد، وصَبْوةً أيضًا مثل شَهْوَةٍ إذا مَالَ. ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ﴾؛ أي: أجاب دُعاءَه فالسين والتاء زَائِدتان.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآياتُ أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الكناية في قوله: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ لأنه كناية عن إحسان تعهده.
ومنها: التشبيه المجمل في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾.
ومنها: إطلاق العامّ وإرادةُ الخاصِّ في قوله: ﴿الْأَرْضِ﴾ لأنَّ المرادَ أرض مصر.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿أَشُدَّهُ﴾ لأنّه كناية عن استكمالِ زمان قوته ورُجولته.
ومنها: التشبيهُ في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
ومنها: العدول (١) عن ذكر اسمها في قوله: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ للمحافظة على الستر، أو للاستهجان بذكره.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآياتُ أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الكناية في قوله: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ لأنه كناية عن إحسان تعهده.
ومنها: التشبيه المجمل في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾.
ومنها: إطلاق العامّ وإرادةُ الخاصِّ في قوله: ﴿الْأَرْضِ﴾ لأنَّ المرادَ أرض مصر.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿أَشُدَّهُ﴾ لأنّه كناية عن استكمالِ زمان قوته ورُجولته.
ومنها: التشبيهُ في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
ومنها: العدول (١) عن ذكر اسمها في قوله: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ للمحافظة على الستر، أو للاستهجان بذكره.
(١) الفتوحات.
412
ومنها: إيراد الموصول لتقرير المراودَةِ، فإنَّ كونَه في بيتها مما يَدْعُو إلى ذلك. قيل لواحدة: ما حَمَلَكِ على ما أنت عليه ممّا لا خَيْرَ فيه؟ قالت: قُرْبُ الوِسَادِ وطُولُ السَّوَادِ، ولإظهار كمال نزاهته عليه السلام، فإنَّ عَدَمَ ميله إليها مع دوام مشاهدته لِمَحَاسِنِها، واستعصائِه عليها مع كونه تحت مِلكها، ينادي بكونه عليه السلام في أعلى معارج العفة والنزاهة، اهـ أبو السعود.
ومنها: ذكر الخاص بعد العام اهتمامًا بشأنه في قوله: ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾.
ومنها: الحَصْرُ في قوله: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
ومنها: الطباق بين قوله: ﴿قُبُلٍ﴾ و ﴿دبر﴾، وبين ﴿صدقت﴾ و ﴿كذبت﴾، وبين ﴿الْكَاذِبِينَ﴾ و ﴿الصَّادِقِينَ﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق بين ﴿صدقت﴾ و ﴿الصَّادِقِينَ﴾، وبين ﴿كذبت﴾ و ﴿الْكَاذِبِينَ﴾.
ومنها: تغليبُ الذكور على الإناث في قوله: ﴿مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ ومقتضَى السياق أن يقال من الخاطئات.
ومنها: الاستعارة التصريحيةُ الأصلية في قوله: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ حيث استعار المكر للغِيْبة بجامع الاختِفاءِ في كل منهما.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ شبَّهَ الجُرْحَ بالقطع بجامع الإيلام في كلٍّ، فاستعارَ لفظ القطع للجرحِ، ثمَّ اشتقَّ من القطع بمعنى الجرح، قطَّعْنَ بمعنى جَرَحْنَ على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: الحصْرُ في قوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا﴾.
ومنها: الجناس المغاير بين ﴿يسجنن﴾ و ﴿السِّجْنُ﴾.
ومنها: ذكر الخاص بعد العام اهتمامًا بشأنه في قوله: ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾.
ومنها: الحَصْرُ في قوله: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
ومنها: الطباق بين قوله: ﴿قُبُلٍ﴾ و ﴿دبر﴾، وبين ﴿صدقت﴾ و ﴿كذبت﴾، وبين ﴿الْكَاذِبِينَ﴾ و ﴿الصَّادِقِينَ﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق بين ﴿صدقت﴾ و ﴿الصَّادِقِينَ﴾، وبين ﴿كذبت﴾ و ﴿الْكَاذِبِينَ﴾.
ومنها: تغليبُ الذكور على الإناث في قوله: ﴿مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ ومقتضَى السياق أن يقال من الخاطئات.
ومنها: الاستعارة التصريحيةُ الأصلية في قوله: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ حيث استعار المكر للغِيْبة بجامع الاختِفاءِ في كل منهما.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ شبَّهَ الجُرْحَ بالقطع بجامع الإيلام في كلٍّ، فاستعارَ لفظ القطع للجرحِ، ثمَّ اشتقَّ من القطع بمعنى الجرح، قطَّعْنَ بمعنى جَرَحْنَ على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: الحصْرُ في قوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا﴾.
ومنها: الجناس المغاير بين ﴿يسجنن﴾ و ﴿السِّجْنُ﴾.
413
ومنها: التشنيع، والتقبيحُ في قوله: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ لأن في إضافتها إلى العزيز مبالغة في التشنيع؛ لأنَّ النفوسَ أميل لسماع أخبار ذوي الجاه.
ومنها: الإتيانُ بالمضارع في قوله: ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ للدلالة على أنَّ ذلك سَجيَّةٌ لها؛ لأنَّ المضارعَ يفيد التجدد، والاستمرارَ.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ شبه يوسفَ بالملك، بجامع الحُسن، والجمال في كل ثمَّ استعار له اسم الملك على طريقة الاستعارة التصريحية الأصلية.
ومنها: الإشارة إلى القريب باسم إشارة البعيد في قوله: ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ تنزيلًا لبُعْدِ مرتبته عن غيره منزلة البعد الحسِّي.
ومنها: الدلالة على فَخَامَةِ شأن المشار إليه في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ لأنَّ ذلك إشارةٌ إلى مصدر الفعل المؤخر، على أن يكونَ عبارة عن التمكين، في قلب العزيز، أو في منزله، وكون ذلك تَمْكينًا في الأرض بملابسة أنه عزيز فيها، لا عن تمكين آخر يشبه به، فالكاف مقحم للدلالة على فَخَامة شأنِ المشار إليه، إقحامًا، لا يترك في لغة العرب، ولا في غيرها، ومن ذلك قولهم: مِثْلُكَ لا يَبْخَلُ؛ أي: مثل ذلك التمكين البديع، مكنا ليوسف في الأرض، وجعلناه محبًّا في قلب العزيز، ومكْرمًا في منزله، ليترتَّب عليه ما ترتب بما جرى بينه وبين امرأة العزيز، ذكره في "روح البيان".
ومنها: الحَذْفُ والزيادةُ في عدَّة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الإتيانُ بالمضارع في قوله: ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا﴾ للدلالة على أنَّ ذلك سَجيَّةٌ لها؛ لأنَّ المضارعَ يفيد التجدد، والاستمرارَ.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ شبه يوسفَ بالملك، بجامع الحُسن، والجمال في كل ثمَّ استعار له اسم الملك على طريقة الاستعارة التصريحية الأصلية.
ومنها: الإشارة إلى القريب باسم إشارة البعيد في قوله: ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ تنزيلًا لبُعْدِ مرتبته عن غيره منزلة البعد الحسِّي.
ومنها: الدلالة على فَخَامَةِ شأن المشار إليه في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ لأنَّ ذلك إشارةٌ إلى مصدر الفعل المؤخر، على أن يكونَ عبارة عن التمكين، في قلب العزيز، أو في منزله، وكون ذلك تَمْكينًا في الأرض بملابسة أنه عزيز فيها، لا عن تمكين آخر يشبه به، فالكاف مقحم للدلالة على فَخَامة شأنِ المشار إليه، إقحامًا، لا يترك في لغة العرب، ولا في غيرها، ومن ذلك قولهم: مِثْلُكَ لا يَبْخَلُ؛ أي: مثل ذلك التمكين البديع، مكنا ليوسف في الأرض، وجعلناه محبًّا في قلب العزيز، ومكْرمًا في منزله، ليترتَّب عليه ما ترتب بما جرى بينه وبين امرأة العزيز، ذكره في "روح البيان".
ومنها: الحَذْفُ والزيادةُ في عدَّة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
414
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (٤١) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (٤٣) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (٤١) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (٤٣) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات
415
لما قبلها: أن الله سبحانه (١) وتعالى لمَّا ذكر مكْر النسوة بامرأة العزيز لتريهن يوسف، ثم مكر امرأةِ العزيز بهن حتى قَطَعْنَ أيدِيَهُنَّ، وقلنَ في يوسف ما قلنَ من وصف جماله، ثم إظهارُ امرأة العزيز المعذرةَ لنفسها، فيما فعلتْ وعزمَها على سجنه إن لم يكن مطواعًا لها، ثمَّ حمايةُ الله له من كيدها بعد دعائه إياه، ثم تدبيرُ مُؤَامرة بين العزيز وامرأته وأهلها على إدخاله السجن، مع كل ما رَأوا من الآياتِ حتى ينسَى الناس هذا الحديث، وتَسكُن تلك الثائرة في المدينة.. ذَكَرَ هنا تَنْفِيذهم لما عزموا عليه من إدخالهم إياه السجن، وما كان من لطف الله به، إذ آتاه من علم تعبير الرؤيا ما يستطيع به أن يُعَبِّرَ لكل حالمٍ عمّا يراه، ويُخْبرَ كلَّ أحد عما يسأله عنه، مما لم يكن حاضرًا لديه، وما سيأتي له من طعام، وشراب، ونحوِ ذلك. ثمَّ ذكَر قولَ يُوسُفَ إنَّ هذا كلَّه نعمة من نعم الإيمان بالله عليه وعلى آبائه إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ.
قوله تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن (٢) يوسف لمّا ذَكَرَ ما هو عليه من الدين الحنيفي.. تلطَّفَ في حُسْنِ الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفَتَيين من عبادة الأصنام فَنَاداهما باسم الصحبة في المكانِ الشَّاقِّ الذي تَخْلُص فيه المودةُ، وتتمحض فيه النصيحةُ.
وعبارة المراغي هنا (٣): بعد أن أبطلَ يوسف عليه السلام ما هما عليه من الشرك فيما سَلَفَ، وذكر أنه قد اتبعَ ملةَ آبائه إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وبيَّن أنَّ هذا فضلٌ من الله تعالى، ومنة منه عليهم، وعلى سائر الناس، وكثير من الناس لا يشكرون الخالقَ، لهذه النعم، فيعبدوه وحده دون أن يشركوا به شيئًا.. دَعَاهُما إلى التوحيد الخالص، وأيدَهُ يالبرهان الذي لا يَجدُ العقل محيصًا من التسليم به، والإقرار بصحته قال: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩)﴾ الآيتين.
قوله تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن (٢) يوسف لمّا ذَكَرَ ما هو عليه من الدين الحنيفي.. تلطَّفَ في حُسْنِ الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفَتَيين من عبادة الأصنام فَنَاداهما باسم الصحبة في المكانِ الشَّاقِّ الذي تَخْلُص فيه المودةُ، وتتمحض فيه النصيحةُ.
وعبارة المراغي هنا (٣): بعد أن أبطلَ يوسف عليه السلام ما هما عليه من الشرك فيما سَلَفَ، وذكر أنه قد اتبعَ ملةَ آبائه إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وبيَّن أنَّ هذا فضلٌ من الله تعالى، ومنة منه عليهم، وعلى سائر الناس، وكثير من الناس لا يشكرون الخالقَ، لهذه النعم، فيعبدوه وحده دون أن يشركوا به شيئًا.. دَعَاهُما إلى التوحيد الخالص، وأيدَهُ يالبرهان الذي لا يَجدُ العقل محيصًا من التسليم به، والإقرار بصحته قال: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩)﴾ الآيتين.
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
416
قوله تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا...﴾ الآيتين، مناسبتُهما لما قبلهما: أنَّ يُوسُفَ (١) لمَّا أَلْقَى إليهما ما كان أهم وهو أمر الدين رجاء في إيمانهما.. ناداهما ثانيًا لتجتمع أنفسهما لسماع الجواب.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ...﴾ الآيات، مناسبتُها لما قبلها: أنه لما دنا فَرَج يُوسُفَ عليه السلام.. رأى ملك مصر الريان بن الوليد رُؤيا عجيبةً هالته فرأى سبع بقراتٍ سمانٍ، الخ.
التفسير وأوجه القراءة
٣٦ - ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ﴾؛ أي: مع يوسف ﴿السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾، وفي الكلام (٢) حذفٌ تقديره: فسجنوه فدخلَ معه السجنَ غلامان. و (مع) تدلُّ على الصحبة واستحداثِها، فدلَّ على أنهم سَجَنُوا الثَّلاثَةَ في ساعةٍ واحدةٍ. ولمَّا دخل يُوسُفُ السِّجنَ، استمالَ النَّاس بحسن حديثه وفضله ونَبْلِهِ.
وكان يسلِّي حَزِينَهم، ويعود مريضَهم، ويسأل لفقيرهم، ويندبهم إلى الخير، فأَحبَّه الفتيان، ولزماه، وأحبَّه صاحب السجن، والقيِّمُ عليه، وقال له: كُنْ في أيِّ البيوت شئت، فقال له يوسف: لا تحبَّني يرحمك الله، فلقد أدخلت عليَّ المحبة مضرات أحبتني عمتي فامتحنت بمحبتها، وأحبَّني أَبي، فامتحِنت بمحبته، وأحبَّتنِي امرأة العزيز، فامتحنت بمحبتها بما ترَى.
وكان يوسف عليه السلام قد قال لأهل السجن: إنَّي أُعبِّر الرؤيا، وأُجيدُ - أي: ودخل (٣) معه السجنَ غلامان مملوكان مِنْ غلمان ملك مصر الأعظم، وهو الريَّانُ بن الوليد بن نَزْوَانَ العِملِيقِ، أحدهما خَبَّازه، وصاحب طعامه، والآخرُ سَاقِيه، وصاحب شرابه، وكان قد غَضِبَ عليهما المَلِكُ فحبسهما. وكان السَّببُ في ذلك أنَّ جماعةً من أشراف مصر أرادوا المَكْرَ بالمَلِكِ واغتياله، وقتله،
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ...﴾ الآيات، مناسبتُها لما قبلها: أنه لما دنا فَرَج يُوسُفَ عليه السلام.. رأى ملك مصر الريان بن الوليد رُؤيا عجيبةً هالته فرأى سبع بقراتٍ سمانٍ، الخ.
التفسير وأوجه القراءة
٣٦ - ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ﴾؛ أي: مع يوسف ﴿السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾، وفي الكلام (٢) حذفٌ تقديره: فسجنوه فدخلَ معه السجنَ غلامان. و (مع) تدلُّ على الصحبة واستحداثِها، فدلَّ على أنهم سَجَنُوا الثَّلاثَةَ في ساعةٍ واحدةٍ. ولمَّا دخل يُوسُفُ السِّجنَ، استمالَ النَّاس بحسن حديثه وفضله ونَبْلِهِ.
وكان يسلِّي حَزِينَهم، ويعود مريضَهم، ويسأل لفقيرهم، ويندبهم إلى الخير، فأَحبَّه الفتيان، ولزماه، وأحبَّه صاحب السجن، والقيِّمُ عليه، وقال له: كُنْ في أيِّ البيوت شئت، فقال له يوسف: لا تحبَّني يرحمك الله، فلقد أدخلت عليَّ المحبة مضرات أحبتني عمتي فامتحنت بمحبتها، وأحبَّني أَبي، فامتحِنت بمحبته، وأحبَّتنِي امرأة العزيز، فامتحنت بمحبتها بما ترَى.
وكان يوسف عليه السلام قد قال لأهل السجن: إنَّي أُعبِّر الرؤيا، وأُجيدُ - أي: ودخل (٣) معه السجنَ غلامان مملوكان مِنْ غلمان ملك مصر الأعظم، وهو الريَّانُ بن الوليد بن نَزْوَانَ العِملِيقِ، أحدهما خَبَّازه، وصاحب طعامه، والآخرُ سَاقِيه، وصاحب شرابه، وكان قد غَضِبَ عليهما المَلِكُ فحبسهما. وكان السَّببُ في ذلك أنَّ جماعةً من أشراف مصر أرادوا المَكْرَ بالمَلِكِ واغتياله، وقتله،
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.
417
فضمنوا لهذين الغلامين مالًا على أن يَسُمَّا المَلِكَ في طعامِه وشرابِه، فأجابا إلى ذلك، ثمَّ إنَّ الساقيَ ندم، فرجَعَ عن ذلك، وقَبِلَ الخبَّازُ الرَّشْوةَ، وسَمَّ الطعامَ. فلما حضر الطعامُ بين يدي الملك قال السَّاقي: لا تأكل أيها الملك، فإنَّ الطَّعامَ مسموم. وقال الخبَّاز: لا تَشْرَبْ فإنَّ الشَّرَاب مسموم. فقال للساقي: إِشْرَبْ، فَشَرِبَه به فلم يضره. وقال للخباز: كل من طعامك، فأَبَى. فأطعم من ذلك الطعام دابة فهلكت. فأمر الملك بحبسهما فحبسَا مع يُوسُفَ. وكان يُوسُفُ لما دخَلَ السِّجْنَ جَعَل ينشر علمه، ويقول: إني أعبِّر الأحلامَ فقال أحد الغُلامين لصاحبه: هلم فلنجرب هذا الغلام العبراني، فتَرَائيَا له رؤيا فسألاه من غير أن يكونا قد رَأيَا رؤيا حقيقةً.
قال ابن مسعود: ما رأيا شيئًا إنما تحالما لِيُجَرِّبا يُوسُفَ، وقال قوم: بل كانَا قد رأيا رؤية حقيقةً فرآهما يوسف وهما مهمومان، فسألَهما عن شأنهما، فذَكَرا أنهما غُلامانِ للملك، وقد حبَسهما، وقد رَأَيا رؤيا قد غمتهما، فقال يوسف قصَّا عليَّ ما رأيتما فقصا عليه ما رأياهُ. فذلك قولُه تعالى: ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا﴾؛ أي: أحد الفتيين، وهو صاحب شراب الملك، اسمه سَرْهَم، أو مَرْطَش؛ أي: قال أحَدُهما ليوسف: ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾؛ أي: رأيت نفسي ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾؛ أي: أعصِرُ عِنَبًا، فيصيرُ خَمرًا، وأسقِي المَلِكَ. وسمَّى العِنَبَ خَمَرًا باعتبار ما يؤول إليه. إذ الخَمْرُ لا يُعْصَرُ. وقيل: إنَّ عَربَ غسان وعُمَان يسمون العِنَبَ خَمْرًا. رُوي أنه قال: رأيت حَبْلَةً من كرم حسنةً، لها ثلاثة أغصان، فيها عناقيدُ، فكنت أعصرها، وأسقي. وقرأ أبي وعبد الله: ﴿أعصر عنبًا﴾ وينبغي أن يحمل ذلك على التفسير لمخالفته سَوادَ المصحف، والثابتُ عنهما بالتواتر قرائتهما: ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾. وفي مصحف عبد الله: ﴿فوق رأسي ثَرِيدًا تأكل الطير منه﴾ وهو أيضًا تفسير لا قراءة ذكره في "البحر".
﴿وَقَالَ الْآخَرُ﴾ وهو الخباز، واسمه بُرْهَمُ، أو رَأْسَانُ ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾؛ أي: رأيت نفسي كأني ﴿أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾؛ أي: من ذلك الخبز. وفوق بمعنى على؛ أي: على رأسي. ومثله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ﴾ كما في
قال ابن مسعود: ما رأيا شيئًا إنما تحالما لِيُجَرِّبا يُوسُفَ، وقال قوم: بل كانَا قد رأيا رؤية حقيقةً فرآهما يوسف وهما مهمومان، فسألَهما عن شأنهما، فذَكَرا أنهما غُلامانِ للملك، وقد حبَسهما، وقد رَأَيا رؤيا قد غمتهما، فقال يوسف قصَّا عليَّ ما رأيتما فقصا عليه ما رأياهُ. فذلك قولُه تعالى: ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا﴾؛ أي: أحد الفتيين، وهو صاحب شراب الملك، اسمه سَرْهَم، أو مَرْطَش؛ أي: قال أحَدُهما ليوسف: ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾؛ أي: رأيت نفسي ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾؛ أي: أعصِرُ عِنَبًا، فيصيرُ خَمرًا، وأسقِي المَلِكَ. وسمَّى العِنَبَ خَمَرًا باعتبار ما يؤول إليه. إذ الخَمْرُ لا يُعْصَرُ. وقيل: إنَّ عَربَ غسان وعُمَان يسمون العِنَبَ خَمْرًا. رُوي أنه قال: رأيت حَبْلَةً من كرم حسنةً، لها ثلاثة أغصان، فيها عناقيدُ، فكنت أعصرها، وأسقي. وقرأ أبي وعبد الله: ﴿أعصر عنبًا﴾ وينبغي أن يحمل ذلك على التفسير لمخالفته سَوادَ المصحف، والثابتُ عنهما بالتواتر قرائتهما: ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾. وفي مصحف عبد الله: ﴿فوق رأسي ثَرِيدًا تأكل الطير منه﴾ وهو أيضًا تفسير لا قراءة ذكره في "البحر".
﴿وَقَالَ الْآخَرُ﴾ وهو الخباز، واسمه بُرْهَمُ، أو رَأْسَانُ ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾؛ أي: رأيت نفسي كأني ﴿أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾؛ أي: من ذلك الخبز. وفوق بمعنى على؛ أي: على رأسي. ومثله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ﴾ كما في
418
"التبيان". وقد روي أنه قال: رأيتُ أني أَخْرجُ من مطبخ الملك، وعلى رأسي ثلاثُ سلال فيها خبز، والطير تأكل من أعلاه. ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: أخبرنا بتفسير ما رأينا، وما يؤول إليه أمرُ هذه الرؤيا ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾؛ أي: من العالمين بتعبير الرؤيا. والإحسان هنا بمعنى العلم، أو من المحسنين إلى أهل السجن، فيسليهم، ويقول: اصبروا وأبشروا تؤجَروا، فقالوا: بارك الله فيك، يا فتى، ما أحسن وجهك، وما أحسن خلقك، لقد بورك لنا في جوارك، فمَنْ أنت يا فتى؟ فقال: أنا يوسف بن صفيِّ الله يعقوبُ بن ذبيح الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم عليهم الصلاة والسلام. فقال له عامل السجنِ: لو استطعت خلَّيْتُ سبيلك، ولكني أُحْسِن جِوارَكَ فكن في أيِّ بيوت السجن شئت.
فلمَّا (١) قصَّا عليه رؤياهما كره يوسف أن يعبِّرها لهما حينَ سألاه، لما علم ما في ذلك من المكروه لأحدهما: وأعرض (٢) عن سؤالهما، وأخذ في غيره من إظهار المعجزة، والنبوة والدعاء إلى التوحيد. وقيل: إنه عليه السلام أراد أن يبين لهما أنَّ دَرَجَتهُ في العلم أعلى وأعظم مما اعتقدَا فيه، وذلك أنهما طَلَبَا منه علم التعبير، ولا شكَّ أنَّ هذا العلم مبني على الظن، والتخمين، فأراد أن يعلمهما أنه يمكنه الإخبار عن الغيوب على سبيل القطع واليقين، وذلك مما يعجز الخلق عنه، وإذا قدَرَ على الإخبار عن المغيبات، كان أقْدَرَ على تعبير الرؤيا بطريق الأولى. وقيل: إنما عدل عن تعبير رؤياهما إلى إظهار المعجزة؛ لأنه علم أنَّ أحدهما سيصلب، فأراد أن يُدخِلَهُ في الإِسلام، ويخلِّصه من الكفر، ودخول النار، فأظْهَرَ له المعجزة لهذا السبب.
٣٧ - ﴿قَالَ﴾ يوسف ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾ في اليقظة في منزلكما على حسب عادتكما، المطَّرِدَةِ ﴿إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا﴾ وأخبرتكما ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: بقدَرَهِ ولونه، والوقت الذي يصل إليكما فيه، والاستثناء (٣) مفرَّغ من أعمِّ الأحوال؛ أي: لا
فلمَّا (١) قصَّا عليه رؤياهما كره يوسف أن يعبِّرها لهما حينَ سألاه، لما علم ما في ذلك من المكروه لأحدهما: وأعرض (٢) عن سؤالهما، وأخذ في غيره من إظهار المعجزة، والنبوة والدعاء إلى التوحيد. وقيل: إنه عليه السلام أراد أن يبين لهما أنَّ دَرَجَتهُ في العلم أعلى وأعظم مما اعتقدَا فيه، وذلك أنهما طَلَبَا منه علم التعبير، ولا شكَّ أنَّ هذا العلم مبني على الظن، والتخمين، فأراد أن يعلمهما أنه يمكنه الإخبار عن الغيوب على سبيل القطع واليقين، وذلك مما يعجز الخلق عنه، وإذا قدَرَ على الإخبار عن المغيبات، كان أقْدَرَ على تعبير الرؤيا بطريق الأولى. وقيل: إنما عدل عن تعبير رؤياهما إلى إظهار المعجزة؛ لأنه علم أنَّ أحدهما سيصلب، فأراد أن يُدخِلَهُ في الإِسلام، ويخلِّصه من الكفر، ودخول النار، فأظْهَرَ له المعجزة لهذا السبب.
٣٧ - ﴿قَالَ﴾ يوسف ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾ في اليقظة في منزلكما على حسب عادتكما، المطَّرِدَةِ ﴿إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا﴾ وأخبرتكما ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: بقدَرَهِ ولونه، والوقت الذي يصل إليكما فيه، والاستثناء (٣) مفرَّغ من أعمِّ الأحوال؛ أي: لا
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.
419
يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلّا حالَ ما نبأتكما؛ أي: بينت لكما ماهيَتَهُ وكيفيته ﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾؛ أي: قبل أن يَصِلَ إليكما، وأيُّ طعام أكلتم، وكم أكلتم؟ ومتى أكلتم؟
وهذا مِثْلُ معجزة عيسى عليه السلام، حيث قال: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾. فقالا ليوسف عليه السلام: هذا من علم العرَّافِينَ والكهنة، فمن أين لك هذا العلم؟ فقال: ما أنا بكاهن، ولا عرَّاف، وإنما ذلك مما علَّمنِيه رَبي، كما سيأتي بيانه. وقيل: أراد به في النوم، يقول: لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما إلا أخبرتكما خبره في اليقظة.
والمعنى (١): أي قال لهما لا يأتيكما طعام إلا أخبرتكما به، وهو عند أهله، وبما يريدون من إرساله، وما ينتهي إليه بعد وصولِهِ إليكما. روي أنَّ رِجَالَ الدولة كانوا يرسلون إلى المجرمين طعامًا مسمومًا، يقتلونهم به، وأنَّ يوسف أراد هذا من كلامه.
وفي ذلك إيماء إلى أنه أُوتي عِلم الغيب، وهذا يجري مجرى قول عيسى عليه السلام: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾.
ومن هذا يعلم أن وحيَ الله جاءَهُ وهو في السجن، وبذلك تَحَقَّقَ قوله: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾. كما أنَّ وَحْي الإلهام جَاءه حين إلقائه في غيابة الجب، كما تقدم ذكره. وكأنه سبحانه جَعَلَ في كلَّ مِحْنَةٍ مِنْحَةً، وفي كلِّ ما ظاهره بلاءً نِعْمةً.
﴿ذَلِكُمَا﴾؛ أي: ذلك الذي أنبأتكما به أيها الفَتَيان. ﴿مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾؛ أي: بعض ما علمني ربي سبحانه بوحي، وإلهام منه، لا بكهانة ولا عرافة، ولا يشبه ذلك من تعليم بشرى يلتبس به الحق بالباطل، ويَشْتَبِهُ فيه الصواب بالخطأ. وذلك (٢) أنه لما نَبَّأَهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قَبْلَ أن يَأتِيَهُما ويَصِفُه لهما، ويقول: اليومَ يأتيكما طعام من صفته كيت وكيتَ، قالا هذا من
وهذا مِثْلُ معجزة عيسى عليه السلام، حيث قال: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾. فقالا ليوسف عليه السلام: هذا من علم العرَّافِينَ والكهنة، فمن أين لك هذا العلم؟ فقال: ما أنا بكاهن، ولا عرَّاف، وإنما ذلك مما علَّمنِيه رَبي، كما سيأتي بيانه. وقيل: أراد به في النوم، يقول: لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما إلا أخبرتكما خبره في اليقظة.
والمعنى (١): أي قال لهما لا يأتيكما طعام إلا أخبرتكما به، وهو عند أهله، وبما يريدون من إرساله، وما ينتهي إليه بعد وصولِهِ إليكما. روي أنَّ رِجَالَ الدولة كانوا يرسلون إلى المجرمين طعامًا مسمومًا، يقتلونهم به، وأنَّ يوسف أراد هذا من كلامه.
وفي ذلك إيماء إلى أنه أُوتي عِلم الغيب، وهذا يجري مجرى قول عيسى عليه السلام: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾.
ومن هذا يعلم أن وحيَ الله جاءَهُ وهو في السجن، وبذلك تَحَقَّقَ قوله: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾. كما أنَّ وَحْي الإلهام جَاءه حين إلقائه في غيابة الجب، كما تقدم ذكره. وكأنه سبحانه جَعَلَ في كلَّ مِحْنَةٍ مِنْحَةً، وفي كلِّ ما ظاهره بلاءً نِعْمةً.
﴿ذَلِكُمَا﴾؛ أي: ذلك الذي أنبأتكما به أيها الفَتَيان. ﴿مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾؛ أي: بعض ما علمني ربي سبحانه بوحي، وإلهام منه، لا بكهانة ولا عرافة، ولا يشبه ذلك من تعليم بشرى يلتبس به الحق بالباطل، ويَشْتَبِهُ فيه الصواب بالخطأ. وذلك (٢) أنه لما نَبَّأَهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قَبْلَ أن يَأتِيَهُما ويَصِفُه لهما، ويقول: اليومَ يأتيكما طعام من صفته كيت وكيتَ، قالا هذا من
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
420
فعل العرافين، والكهَّان، فمن أيْنَ لك هذا العلم، فقال: ما أنا بكاهن؛ وإنما ذلك العلم مما علمني ربي.
وفيه دلالة على أنه له علومًا جَمَّةً ما سَمِعاه قِطْعةً من جملتها، وشعبة من دَوْحَتها.
وكأنَّه قيل: لماذا علمك ربُّك تلك العلوم البديعة؟ فقيل: ﴿إِنِّي﴾؛ أي: لأني ﴿تَرَكْتُ﴾؛ أي: رفضتُ من أول أمري ﴿مِلَّةَ قَوْمٍ﴾؛ أي: دينَ قوم؛ أيَّ قوم كانوا من قوم مصر وغيرهم ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾؛ أي: لا يُصَدِّقُون بوحدانية الله تعالى. والمراد بالقوم (١) هنا: الكنعانيون وغيرهم من سكان أرض الميعاد، والمصريون الذين هم بينهم، فقد كانوا يعبدون آلهةً منها الشمس، وعجلهم، وفراعنتهم، وكان التوحيد خاصًّا بحكمائهم وعلمائهم. ومعنى تركها أنه تَركَ دخولها، واتباعَ أهلها من عبدة الأوثان على كثرة أهلها. وفي ذلك لفت لأنظارهما لأن يَتْرُكَا تلك الملةَ التي هم عليها.
والمعنى: إني بَرِئْتُ من ملة مَنْ لا يصدق بالله، ولا يقرُّ بوحدانيته، وأنه خَالِقُ السموات والأرض وما بينهما. وعبارة "روح البيان" هنا: والمراد (٢) بتركها، الامتناع عنها رَأْسًا، لا تركها بعد ملابستها، وإنما عَبَّرَ بذلك لكونه أدخلَ بحسب الظاهر في اقتدائهما به عليه السلام.
﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ﴾ وما فيها من الجزاء ﴿هُمْ كَافِرُونَ﴾؛ أي: هم مختصون بذلك دون غيرهم، لإفراطهم في الكفر باللهِ تعالى. والمعنى: أي: وهم يكفرون (٣) بالآخرة، والحساب، والجزاء على الوجه الذي دعا إليه الأنبياء، إذ أنهم كانوا يصورون حياةَ الآخرة على صور مبتدعةٍ، منها: أنَّ فراعنتهم يعودون إلى الحياة الآخرة بأجسادهم المحنطة، ويَرجع إليهم الحكم والسلطان، كما كانوا في الدنيا، ومن ثَمَّ كانوا يَضَعُونَ معهم في مقابرهم جواهرهم، وحليهم، ويبنون
وفيه دلالة على أنه له علومًا جَمَّةً ما سَمِعاه قِطْعةً من جملتها، وشعبة من دَوْحَتها.
وكأنَّه قيل: لماذا علمك ربُّك تلك العلوم البديعة؟ فقيل: ﴿إِنِّي﴾؛ أي: لأني ﴿تَرَكْتُ﴾؛ أي: رفضتُ من أول أمري ﴿مِلَّةَ قَوْمٍ﴾؛ أي: دينَ قوم؛ أيَّ قوم كانوا من قوم مصر وغيرهم ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾؛ أي: لا يُصَدِّقُون بوحدانية الله تعالى. والمراد بالقوم (١) هنا: الكنعانيون وغيرهم من سكان أرض الميعاد، والمصريون الذين هم بينهم، فقد كانوا يعبدون آلهةً منها الشمس، وعجلهم، وفراعنتهم، وكان التوحيد خاصًّا بحكمائهم وعلمائهم. ومعنى تركها أنه تَركَ دخولها، واتباعَ أهلها من عبدة الأوثان على كثرة أهلها. وفي ذلك لفت لأنظارهما لأن يَتْرُكَا تلك الملةَ التي هم عليها.
والمعنى: إني بَرِئْتُ من ملة مَنْ لا يصدق بالله، ولا يقرُّ بوحدانيته، وأنه خَالِقُ السموات والأرض وما بينهما. وعبارة "روح البيان" هنا: والمراد (٢) بتركها، الامتناع عنها رَأْسًا، لا تركها بعد ملابستها، وإنما عَبَّرَ بذلك لكونه أدخلَ بحسب الظاهر في اقتدائهما به عليه السلام.
﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ﴾ وما فيها من الجزاء ﴿هُمْ كَافِرُونَ﴾؛ أي: هم مختصون بذلك دون غيرهم، لإفراطهم في الكفر باللهِ تعالى. والمعنى: أي: وهم يكفرون (٣) بالآخرة، والحساب، والجزاء على الوجه الذي دعا إليه الأنبياء، إذ أنهم كانوا يصورون حياةَ الآخرة على صور مبتدعةٍ، منها: أنَّ فراعنتهم يعودون إلى الحياة الآخرة بأجسادهم المحنطة، ويَرجع إليهم الحكم والسلطان، كما كانوا في الدنيا، ومن ثَمَّ كانوا يَضَعُونَ معهم في مقابرهم جواهرهم، وحليهم، ويبنون
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
421
الأهرام لحفظ جثَّتِهم، وما معهم، ولهم معتقدات أُخرى في تلك الحياة، لا تشاكل ما جاء منها على ألسنة الرسل عليهم السلامُ.
٣٨ - قوله: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ معطوف على (تركت). وقرأ (١) الأشهب العقيلي والكوفيون: ﴿آبائي﴾ بإسكان الياء، وهي مروية عن أبي عمرو، وسماهم جميعًا آباء؛ لأنَّ الأجدادَ آباء، وقدَّمَ الجد الأعلى ثم الجدَّ الأقرب، ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التي كان عليها أولاده، ثم تلقاها عنه إسحاق، ثم يعقوبُ. وفي ذكر ذلك ترغيب لصاحبيه في الإيمان بالله، والتوحيد، وتنفير لهما عما هما فيه من الشرك والضلال؛ أي: واتبعت ملةَ آبائي الذين دعوا إلى التوحيد، الخالص، وهم إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب. وعَرَّف (٢) شرَفَ نَسَبِه، وأنه من أهل بيت النبوة، لتتقوى رغبتهما في الاستماع منه، والوثوق عليه، وكان فضل إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب أمرًا مشهورًا في الدنيا، فإذا ظَهَرَ أنه ولدهم عظموه، ونظروا إليه بعين الإجلال وأخذوا منه. ولذلك جوِّز للعالم إذا جهلت منزلته في العلم، أن يَصِفَ نَفْسَه، ويعلم الناسَ بفضله حتى يعرف، فيقتبس منه، وينتفع به في الدين، وفي الحديث: "إنّ الله يسألُ الرجلَ عن فضل علمه كما يسأل عن فضل ماله". وقدم ذكر ترك ملة الكفرة على ذكر أتباعه لملة آبائه، لأن التخليَة بالمعجمة متقدمة على التحلية بالمهملة. وفيه إشارة إلى أنَّ الاتباعَ سبب للفوز بالكمالات، والظفر بجميع المرادات.
ثم بيَّن أساسَ الملة التي وَرِثَها عن أولئك الآباءِ الكرام، فكانت يقينًا له بقوله: ﴿مَا كَانَ﴾؛ أي ما صحَّ، وما استقام، فضلًا عن الوقوع ﴿لَنَا﴾ معاشر الأنبياء لقوة نفوسنا، ووفور علومنا ﴿أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: شيء كان من ملك أو جنيِّ أو إنسي فضلًا عن الجماد الذي لا يضر ولا ينفع؛ أي (٣): لا ينبغي لنا مَعْشرَ الأنبياء أن نشرك بالله شيئًا فنتخذه ربًّا مدبرًا معه، ولا إلَهًا معبودًا
٣٨ - قوله: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ معطوف على (تركت). وقرأ (١) الأشهب العقيلي والكوفيون: ﴿آبائي﴾ بإسكان الياء، وهي مروية عن أبي عمرو، وسماهم جميعًا آباء؛ لأنَّ الأجدادَ آباء، وقدَّمَ الجد الأعلى ثم الجدَّ الأقرب، ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التي كان عليها أولاده، ثم تلقاها عنه إسحاق، ثم يعقوبُ. وفي ذكر ذلك ترغيب لصاحبيه في الإيمان بالله، والتوحيد، وتنفير لهما عما هما فيه من الشرك والضلال؛ أي: واتبعت ملةَ آبائي الذين دعوا إلى التوحيد، الخالص، وهم إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب. وعَرَّف (٢) شرَفَ نَسَبِه، وأنه من أهل بيت النبوة، لتتقوى رغبتهما في الاستماع منه، والوثوق عليه، وكان فضل إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب أمرًا مشهورًا في الدنيا، فإذا ظَهَرَ أنه ولدهم عظموه، ونظروا إليه بعين الإجلال وأخذوا منه. ولذلك جوِّز للعالم إذا جهلت منزلته في العلم، أن يَصِفَ نَفْسَه، ويعلم الناسَ بفضله حتى يعرف، فيقتبس منه، وينتفع به في الدين، وفي الحديث: "إنّ الله يسألُ الرجلَ عن فضل علمه كما يسأل عن فضل ماله". وقدم ذكر ترك ملة الكفرة على ذكر أتباعه لملة آبائه، لأن التخليَة بالمعجمة متقدمة على التحلية بالمهملة. وفيه إشارة إلى أنَّ الاتباعَ سبب للفوز بالكمالات، والظفر بجميع المرادات.
ثم بيَّن أساسَ الملة التي وَرِثَها عن أولئك الآباءِ الكرام، فكانت يقينًا له بقوله: ﴿مَا كَانَ﴾؛ أي ما صحَّ، وما استقام، فضلًا عن الوقوع ﴿لَنَا﴾ معاشر الأنبياء لقوة نفوسنا، ووفور علومنا ﴿أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: شيء كان من ملك أو جنيِّ أو إنسي فضلًا عن الجماد الذي لا يضر ولا ينفع؛ أي (٣): لا ينبغي لنا مَعْشرَ الأنبياء أن نشرك بالله شيئًا فنتخذه ربًّا مدبرًا معه، ولا إلَهًا معبودًا
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
من الملائكة، أو البشر كالفراعنة فضلًا عمَّا دونهما من البقر، كالعجل أو من الشمس والقمر أو ما يُتَّخَذُ من التماثيل والصور لهذه الآلهة. ﴿ذَلِكَ﴾ التوحيد المدلول عليه بقوله: ﴿مَا كَانَ لَنَا﴾ إلخ ناشئ ﴿مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا﴾ بالوحي ﴿وَعَلَى النَّاسِ﴾ كافَةً بواسطتنا، وإرسالنا لإرشادهم؛ إذ وجود القائد للأعمى رحمة من الله أيُّ رحمة.
والمعنى: أي عدم الإشراك من فضل الله علينا؛ إذ هدانا إلى معرفته وتوحيده في ربوبيته، وألوهيته بوحيه وآياته في الأنفس والآفاق. وعلى الناس بإرسالنا إليهم، ننشر فيهم الدعوةَ، ونقيم عليهم الحجة، فنهديهم سبيل الرشاد، ونبين لهم محجة الصواب، ونبعدهم عن طرف الغواية والضلال. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ المبعوث إليهم ﴿لَا يَشْكُرُونَ﴾ نِعَم الله عليهم فيشركون به أرْبابًا وآلهة من خلقه يذلون أنفسَهم بعبادتهم، وهم مخلوقون لله مثلهم، أو أدنى منهم.
٣٩ - والإضافة في قوله: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ من باب (١) الإضافة إلى الظرف؛ إذ الأصل: يا صاحبين لي في السجن، ويجوز أن يكونَ من باب الإضافة إلى التشبيه بالمفعول به، والمعنى: يا ساكني السجن كقوله: أصحاب النار، اهـ "سمين". والاستفهام في قوله: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ تقريري؛ أي: لطلب الإقرار بجواب الاستفهام؛ أي: أقروا واعلموا أنَّ الله هو الخير، اهـ "جمل".
ومعنى التفرق هنا (٢): هو التفرق في الذوات، والصفات، والعدد، كذهب، وفضة، وحديد، وخشب، وحجارة، وغير ذلك، وجماد، وحيوان، وحي وميت.
والمعنى: هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم المختلفون في صفاتهم، المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن، أم الله المعبود بحق المتفرد في ذاته، وصفاته الذي لا ضدَّ له ولا نِدَّ ولا شريك القهار الذي لا يغالبه مغالب، ولا يعانده معاند، أورد يوسف عليه السلام على صاحبي السجن هذه
والمعنى: أي عدم الإشراك من فضل الله علينا؛ إذ هدانا إلى معرفته وتوحيده في ربوبيته، وألوهيته بوحيه وآياته في الأنفس والآفاق. وعلى الناس بإرسالنا إليهم، ننشر فيهم الدعوةَ، ونقيم عليهم الحجة، فنهديهم سبيل الرشاد، ونبين لهم محجة الصواب، ونبعدهم عن طرف الغواية والضلال. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ المبعوث إليهم ﴿لَا يَشْكُرُونَ﴾ نِعَم الله عليهم فيشركون به أرْبابًا وآلهة من خلقه يذلون أنفسَهم بعبادتهم، وهم مخلوقون لله مثلهم، أو أدنى منهم.
٣٩ - والإضافة في قوله: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ من باب (١) الإضافة إلى الظرف؛ إذ الأصل: يا صاحبين لي في السجن، ويجوز أن يكونَ من باب الإضافة إلى التشبيه بالمفعول به، والمعنى: يا ساكني السجن كقوله: أصحاب النار، اهـ "سمين". والاستفهام في قوله: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ تقريري؛ أي: لطلب الإقرار بجواب الاستفهام؛ أي: أقروا واعلموا أنَّ الله هو الخير، اهـ "جمل".
ومعنى التفرق هنا (٢): هو التفرق في الذوات، والصفات، والعدد، كذهب، وفضة، وحديد، وخشب، وحجارة، وغير ذلك، وجماد، وحيوان، وحي وميت.
والمعنى: هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم المختلفون في صفاتهم، المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن، أم الله المعبود بحق المتفرد في ذاته، وصفاته الذي لا ضدَّ له ولا نِدَّ ولا شريك القهار الذي لا يغالبه مغالب، ولا يعانده معاند، أورد يوسف عليه السلام على صاحبي السجن هذه
(١) الجمل.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
الحجةَ القاهرة على طريق الاستفهام، لأنهما كانا ممن يَعبُد الأصنام، وقد قيل: إنه كان بَيْنَ أيديهما أصنامٌ يعبدونها، عند أن خاطبهما بهذا الخِطَاب.
وعبارة المراغي: وهذا الاستفهام لتقرير ما يذكر بعده، وتوكيده، والمرادُ بالتفرق التفرقُ في الذوات، والصفات المعنوية التي يَنْعتونهم بها، والصفات الحسية التي يصوِّرها لهم بها الكَهَنة والرؤساء من رسوم منقوشة وتماثيل منصوبة في المعابد والهياكل.
والمعنى (١): أأرباب كثيرون متفرِّقون شأنهم التنازعُ والاختلاف في الأعمال، والتدبير الذي يُفْسِدُ النظام خير لكما، ولغيركما فيما تطلبون من كشف الضر، وجلب النفع، وكلِّ ما تحتاجون فيه إلى المعونة من عالم الغيب، أم اللَّهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمد الذي لا ينارع ولا يعارض في تصرفه، وتدبيره، وله القدرة التامَّةُ، والإرادةُ العامَّةُ، وهو المسخر لجميع القوى، والنواميس الظاهرة التي تَقُوم بها نظم العوالم السماوية، والأرضية، من نور وهواء وماء، والغائبة عنا كالملائكة، والشياطين مما كان الجهل بحقيقتها، هو سبب عبادتها، والقولُ بربوبيتها، ولا شكَّ أنَّ الجوابَ عن هذا مما لا يختلف فيه عاقلٌ، فلا خيرَ في تفرق المعبودات التي لا تستطيع ضرًّا ولا نفعًا في السموات والأرض.
٤٠ - ثم بين لهما أنَّ ما يعبدونه، ويسمونه آلهة إنما هي جَعْلٌ منهم، وتسمية من تلقاء أنفسهم، تَلَقَّاها خلف عن سلف، ليس لها مستندٌ من العقل، ولا الوحي السماويّ فقال: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ﴾؛ أي: ما تعبدون من دون الواحد القهار ﴿إِلَّا أَسْمَاءً﴾ لمسميات ﴿سَمَّيْتُمُوهَا﴾؛ أي: وضعتموها ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ من قِبَلِكُم وتحملتموها صفات الربوبية، وأعمالها، وما هي بأرباب تَخْلُق، وترزق وتضر وتنفعُ ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾؛ أي: ما أنزل الله حجةً وبرهانًا على أحد من رسله بتسميتها أربابًا، حتى يقالَ: إنكم تتبعونها تعبدًا له وحده، وطاعةً لرسله.
وعبارة المراغي: وهذا الاستفهام لتقرير ما يذكر بعده، وتوكيده، والمرادُ بالتفرق التفرقُ في الذوات، والصفات المعنوية التي يَنْعتونهم بها، والصفات الحسية التي يصوِّرها لهم بها الكَهَنة والرؤساء من رسوم منقوشة وتماثيل منصوبة في المعابد والهياكل.
والمعنى (١): أأرباب كثيرون متفرِّقون شأنهم التنازعُ والاختلاف في الأعمال، والتدبير الذي يُفْسِدُ النظام خير لكما، ولغيركما فيما تطلبون من كشف الضر، وجلب النفع، وكلِّ ما تحتاجون فيه إلى المعونة من عالم الغيب، أم اللَّهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمد الذي لا ينارع ولا يعارض في تصرفه، وتدبيره، وله القدرة التامَّةُ، والإرادةُ العامَّةُ، وهو المسخر لجميع القوى، والنواميس الظاهرة التي تَقُوم بها نظم العوالم السماوية، والأرضية، من نور وهواء وماء، والغائبة عنا كالملائكة، والشياطين مما كان الجهل بحقيقتها، هو سبب عبادتها، والقولُ بربوبيتها، ولا شكَّ أنَّ الجوابَ عن هذا مما لا يختلف فيه عاقلٌ، فلا خيرَ في تفرق المعبودات التي لا تستطيع ضرًّا ولا نفعًا في السموات والأرض.
٤٠ - ثم بين لهما أنَّ ما يعبدونه، ويسمونه آلهة إنما هي جَعْلٌ منهم، وتسمية من تلقاء أنفسهم، تَلَقَّاها خلف عن سلف، ليس لها مستندٌ من العقل، ولا الوحي السماويّ فقال: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ﴾؛ أي: ما تعبدون من دون الواحد القهار ﴿إِلَّا أَسْمَاءً﴾ لمسميات ﴿سَمَّيْتُمُوهَا﴾؛ أي: وضعتموها ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ من قِبَلِكُم وتحملتموها صفات الربوبية، وأعمالها، وما هي بأرباب تَخْلُق، وترزق وتضر وتنفعُ ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾؛ أي: ما أنزل الله حجةً وبرهانًا على أحد من رسله بتسميتها أربابًا، حتى يقالَ: إنكم تتبعونها تعبدًا له وحده، وطاعةً لرسله.
(١) المراغي.
424
والخلاصة: أنها تسمية لا دليلَ عليها من نقل سماوي، فتكونُ أصلًا من أصول الإيمان، ولا دليل عليها من عقل، فتكون من نتاج الحجة والبرهان.
وقيل المعنى (١): ما تعبدون من دون الله تعالى إلا مسميات أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم آلهةً من عند أنفسكم، وليس لها من الإلهية شيء إلا مجردَ الأسماء لكونها جمادات لا تَسمع، ولا تبصر، ولا تنفع، ولا تضر. ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا﴾؛ أي: بتلك التسمية ﴿مِنْ سُلْطَانٍ﴾؛ أي: من حُجَّةٍ تدل على صحتها، وإنما قال: ما تعبدون على خطاب الجَمع، وكذلك ما بعده من الضمائر؛ لأنه قَصَدَ خطاب صاحبي السجن، ومَنْ كان على دينهم. ومفعول سَمَّيتموها، الثاني محذوف كما قدرناه آنِفًا؛ أي: آلهةً من عند أنفسكم. ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾؛ أي: ما الحكم (٢) الحق في الربوبية، والعبادة إلا لله سبحانه وتعالى وحده، يوحيه لِمَن اصطفاه من رسله، ولا يمكن بشرًا أن يَحْكُم فيه بهواه، ورأيه، ولا بعَقْله، واستدلاله ولا باجتهاده واستحسانه. وهذه قاعدة اتفقت عليها كلُّ الأديان دونَ اختلاف الأمكنة والأزمان.
ثمَّ بيَّنَ ما حَكَمَ به الله تعالى فقال: ﴿أَمَرَ﴾ سبحانه وتعالى على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام بـ ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي (٣): أمَرَ ألَّا تعبدوا غَيْرَه، ولا تَدْعُوا سِوَاه، فله وحده اركعوا، واسجدوا، وإليه وحده توَجَّهوا حنفاءَ غير مشركين به شيئًا من مَلَك من الملائكة ولا ملك من الملوك الحاكمين، ولا شمس، ولا قمر، ولا نجم، ولا شجر، ولا حيوان كالعِجْل (أبِيسُ) لدى المصريين؛ لأنَّ (٤) العبادَة نهاية التعظيم، فلا تليق إلا بمَنْ حَصَلَ منه نهاية الإنعام، وهو الله تعالى؛ لأنَّ منه الخلق والإحياء، والرزق والهداية، ونعم الله كثيرة، وجهاتُ إحسانه إلى الخلق غير متناهية، فالمؤمن الصادق الإيمان، لا يذِلُّ ولا يَخْضَعُ لأحد غير الله تعالى مما خلق بدعاء ولا استغاثة، ولا طلب فرج من
وقيل المعنى (١): ما تعبدون من دون الله تعالى إلا مسميات أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم آلهةً من عند أنفسكم، وليس لها من الإلهية شيء إلا مجردَ الأسماء لكونها جمادات لا تَسمع، ولا تبصر، ولا تنفع، ولا تضر. ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا﴾؛ أي: بتلك التسمية ﴿مِنْ سُلْطَانٍ﴾؛ أي: من حُجَّةٍ تدل على صحتها، وإنما قال: ما تعبدون على خطاب الجَمع، وكذلك ما بعده من الضمائر؛ لأنه قَصَدَ خطاب صاحبي السجن، ومَنْ كان على دينهم. ومفعول سَمَّيتموها، الثاني محذوف كما قدرناه آنِفًا؛ أي: آلهةً من عند أنفسكم. ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾؛ أي: ما الحكم (٢) الحق في الربوبية، والعبادة إلا لله سبحانه وتعالى وحده، يوحيه لِمَن اصطفاه من رسله، ولا يمكن بشرًا أن يَحْكُم فيه بهواه، ورأيه، ولا بعَقْله، واستدلاله ولا باجتهاده واستحسانه. وهذه قاعدة اتفقت عليها كلُّ الأديان دونَ اختلاف الأمكنة والأزمان.
ثمَّ بيَّنَ ما حَكَمَ به الله تعالى فقال: ﴿أَمَرَ﴾ سبحانه وتعالى على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام بـ ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي (٣): أمَرَ ألَّا تعبدوا غَيْرَه، ولا تَدْعُوا سِوَاه، فله وحده اركعوا، واسجدوا، وإليه وحده توَجَّهوا حنفاءَ غير مشركين به شيئًا من مَلَك من الملائكة ولا ملك من الملوك الحاكمين، ولا شمس، ولا قمر، ولا نجم، ولا شجر، ولا حيوان كالعِجْل (أبِيسُ) لدى المصريين؛ لأنَّ (٤) العبادَة نهاية التعظيم، فلا تليق إلا بمَنْ حَصَلَ منه نهاية الإنعام، وهو الله تعالى؛ لأنَّ منه الخلق والإحياء، والرزق والهداية، ونعم الله كثيرة، وجهاتُ إحسانه إلى الخلق غير متناهية، فالمؤمن الصادق الإيمان، لا يذِلُّ ولا يَخْضَعُ لأحد غير الله تعالى مما خلق بدعاء ولا استغاثة، ولا طلب فرج من
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) المراح.
425
ضيق، لإيمانه بأنه هو الرب المدبر لكل شيء، وأن كلَّ ما سواه فهو خاضع لسلطانه، ولا يملك لنفسه، ولا لغيره غير ما أعطَاه من القوى، فإليه وحده المَلْجَأُ في كل ما يعجز عنه الإنسانُ، أو يجهله من الأسباب، وإليه المصير في الجزاء على الأعمال يومَ يقوم الحساب والمعنى أنه (١) أمركم بتخصيصه بالعبادة دُونَ غيره مما تزعمون أنه معبودٌ.
ثم بين لهم أنَّ عبَادَته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره، فقال: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: تخصيصه بالعبادة ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾؛ أي: المستقيم الثابت؛ أي: إنَّ تَخْصِيصَه بالعبادة هو الدينُ الحق، الذي لا عِوَج فيه، والذي دعا إليه جميع الرسل، ودلَّتْ عليه براهينُ العقل والنقل. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أنَّ ذلك هو الدين الحق المستقيم، الذي لا اعْوِجَاجَ فيه، لا ما سَارُوا عليه تبعًا لآبائهم الوثنيين من الاعتقاد، بأرباب متفرقين لجهلهم بتلك البراهين.
٤١ - ولما فرغ يوسف عليه السلام من بيان الحق لهما في مسألة التوحيد، وعبادة الله تعالى وحدَه، شرع في تعبير رؤياهما فقال: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ الإضافة فيه بمعنى في؛ أي: يا صاحبين لي في السجن ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا﴾ وهو الساقي الذي رأى أنه يعصِرُ خَمْرًا، ولم يعينه ثقةً بدلالة الحال، ورعايةً لِحُسْن الصحبة، أو لكراهةِ التصريح للخبَّاز بأنه الذي سَيُصلب ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾؛ أي: فيسقي سيده، ومالكَ رقبته خَمْرًا. وقد رُويَ أنَّ يُوسُفَ قال له في تعبير رؤياه: ما أحْسنَ ما رأيتَ؟ أمَّا الكرمة فهي الملك، وحسنها حسن حالك عنده برجوعك إلى منزلتك الأولى، بل إلى أحسنَ منها، وأما الأغصان الثلاثة: فثلاثة أيام، تَمْضي في السجن، ثم تخرج، وتعود إلى عملك. وقرأ الجمهور: ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ﴾ من سقَى، وفرقة: ﴿فيسقي﴾ من أسقى، وهما لغتان بمعنى واحد. وقال ابن عطية: وقرأ عكرمة والجحدري: ﴿فيُسْقَى ربه خمرًا﴾ بضم الياء، وفتح القاف؛ أي: ما يرويه، ذكره أبو حيان. ﴿وَأَمَّا الْآخَرُ﴾ وهو الخبَّاز الذي رَأَى أنه يحمل خبزًا تأكل الطير
ثم بين لهم أنَّ عبَادَته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره، فقال: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: تخصيصه بالعبادة ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾؛ أي: المستقيم الثابت؛ أي: إنَّ تَخْصِيصَه بالعبادة هو الدينُ الحق، الذي لا عِوَج فيه، والذي دعا إليه جميع الرسل، ودلَّتْ عليه براهينُ العقل والنقل. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أنَّ ذلك هو الدين الحق المستقيم، الذي لا اعْوِجَاجَ فيه، لا ما سَارُوا عليه تبعًا لآبائهم الوثنيين من الاعتقاد، بأرباب متفرقين لجهلهم بتلك البراهين.
٤١ - ولما فرغ يوسف عليه السلام من بيان الحق لهما في مسألة التوحيد، وعبادة الله تعالى وحدَه، شرع في تعبير رؤياهما فقال: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ الإضافة فيه بمعنى في؛ أي: يا صاحبين لي في السجن ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا﴾ وهو الساقي الذي رأى أنه يعصِرُ خَمْرًا، ولم يعينه ثقةً بدلالة الحال، ورعايةً لِحُسْن الصحبة، أو لكراهةِ التصريح للخبَّاز بأنه الذي سَيُصلب ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾؛ أي: فيسقي سيده، ومالكَ رقبته خَمْرًا. وقد رُويَ أنَّ يُوسُفَ قال له في تعبير رؤياه: ما أحْسنَ ما رأيتَ؟ أمَّا الكرمة فهي الملك، وحسنها حسن حالك عنده برجوعك إلى منزلتك الأولى، بل إلى أحسنَ منها، وأما الأغصان الثلاثة: فثلاثة أيام، تَمْضي في السجن، ثم تخرج، وتعود إلى عملك. وقرأ الجمهور: ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ﴾ من سقَى، وفرقة: ﴿فيسقي﴾ من أسقى، وهما لغتان بمعنى واحد. وقال ابن عطية: وقرأ عكرمة والجحدري: ﴿فيُسْقَى ربه خمرًا﴾ بضم الياء، وفتح القاف؛ أي: ما يرويه، ذكره أبو حيان. ﴿وَأَمَّا الْآخَرُ﴾ وهو الخبَّاز الذي رَأَى أنه يحمل خبزًا تأكل الطير
(١) الشوكاني.
منه ﴿فَيُصْلَبُ﴾؛ أي: فيقتل صَلْبًا ﴿فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ﴾ الكواسر، كالحدأة، والرخمة، ونحوهما ﴿مِنْ رَأْسِهِ﴾ رُوي أنه عليه السلام قال له: بئس ما رأيتَ؟ أمَّا خروجك من المطبخ، فخُروجُك من عملك، وأما السلال الثلاث فَثلاثَةَ أيامٍ تمُرُّ ثم يُوجه الملك إليكَ عند انقضائهن، فيصلبك فتأكل الطير من رأسك. وفي "الكواشي": أكْلُ الطير من أعلاها إخراجه في اليوم الثالث، انتهى.
﴿قُضِيَ﴾؛ أي: نُفذَ وفرغ، وأتِمَّ، وأحكِم ﴿الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾؛ أي: تطلبان فتواهُ، وتأويلَه، وهو ما رأياه من الرؤيين.
وإسناد (١) القضاء إليه مع أنه من أحوال مآله، وهو نَجَاةُ أحدهما، وهلاك الآخر؛ لأنه في الحقيقة عَيْنُ ذلك المآل، وقد ظَهر في عالم المثال بتلك الصورةِ؛ أي: تَمَّ الأمر الذي تسألان عنه، رأيتما أو لم تَرَيَا، فكما قلتما، وقُلْتُ لكما كذلك يكونُ. رُوِيَ أنَّه لمَّا عَبَّر رؤياهما جَحَدا، وقَالا: ما رأينا شَيئًا فأخْبَرَ أنَّ ذلك كائن صدقتما، أو كذبتما، ولعَلَّ الجحودَ من الخباز؛ إذ لا داعي إلى جحود الساقي إلَّا أن يكون ذلك لمراعاة جانبه، فكان الأمر كما عبَّر يُوسُف. قال ابن مسعود (٢) رضي الله عنه: فلما سمعا تعبيرَ يوسف عليه السلام، وقَولَه ذلك قالا: ما رأينا شيئًا، إنما كنا نَلْعَبُ قال يوسف: ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾؛ أي: فُرغَ من الأمر الذي سألتما عنه، ووجب حُكْمُ الله عليكما بالذي أخبرتكما به، رأيتما شيئًا أم لم تَرَيا.
٤٢ - ﴿وَقَالَ﴾ يوسف عليه السلام ﴿لِلَّذِي ظَنَّ﴾؛ أي: يوسف؛ أي: عِلمَ وتَحَقَّق، فالظَّنُّ بمعنى العلم، والظان (٣) هو يوسف عليه السلام؛ لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الساقي، وهلاك الخَبَّاز، وهكذا قال جمهور المفسرين. وقيل: الظن على ظاهره، ومعناه: لأنَّ عابِرَ الرؤيا إنما يَظُنُّ ظَنًّا، والأُولى أَولى، وأنسبُ بحال الأنبياء، ولا سيما وقد أخبَر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلَعه الله على شيء مِنْ علم الغيب كما في قوله: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ
﴿قُضِيَ﴾؛ أي: نُفذَ وفرغ، وأتِمَّ، وأحكِم ﴿الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾؛ أي: تطلبان فتواهُ، وتأويلَه، وهو ما رأياه من الرؤيين.
وإسناد (١) القضاء إليه مع أنه من أحوال مآله، وهو نَجَاةُ أحدهما، وهلاك الآخر؛ لأنه في الحقيقة عَيْنُ ذلك المآل، وقد ظَهر في عالم المثال بتلك الصورةِ؛ أي: تَمَّ الأمر الذي تسألان عنه، رأيتما أو لم تَرَيَا، فكما قلتما، وقُلْتُ لكما كذلك يكونُ. رُوِيَ أنَّه لمَّا عَبَّر رؤياهما جَحَدا، وقَالا: ما رأينا شَيئًا فأخْبَرَ أنَّ ذلك كائن صدقتما، أو كذبتما، ولعَلَّ الجحودَ من الخباز؛ إذ لا داعي إلى جحود الساقي إلَّا أن يكون ذلك لمراعاة جانبه، فكان الأمر كما عبَّر يُوسُف. قال ابن مسعود (٢) رضي الله عنه: فلما سمعا تعبيرَ يوسف عليه السلام، وقَولَه ذلك قالا: ما رأينا شيئًا، إنما كنا نَلْعَبُ قال يوسف: ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾؛ أي: فُرغَ من الأمر الذي سألتما عنه، ووجب حُكْمُ الله عليكما بالذي أخبرتكما به، رأيتما شيئًا أم لم تَرَيا.
٤٢ - ﴿وَقَالَ﴾ يوسف عليه السلام ﴿لِلَّذِي ظَنَّ﴾؛ أي: يوسف؛ أي: عِلمَ وتَحَقَّق، فالظَّنُّ بمعنى العلم، والظان (٣) هو يوسف عليه السلام؛ لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الساقي، وهلاك الخَبَّاز، وهكذا قال جمهور المفسرين. وقيل: الظن على ظاهره، ومعناه: لأنَّ عابِرَ الرؤيا إنما يَظُنُّ ظَنًّا، والأُولى أَولى، وأنسبُ بحال الأنبياء، ولا سيما وقد أخبَر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلَعه الله على شيء مِنْ علم الغيب كما في قوله: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ
(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.
427
تُرْزَقَانِهِ} الآية. ﴿أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا﴾؛ أي قال يوسف للرجل الذي ظَنَّهُ نَاجِيًا من القتل منهما؛ أي: من صاحبيه، وهو الساقي. وجملة قوله: ﴿اذْكُرْنِي﴾ أيُّها الساقي ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾؛ أي: سيدك الملك الأكبر، هي مقول القول؛ أي: اذكر حالي عند سيدك، فقل له: إنَّ في السجن غلامًا مَحبوسًا، مظلومًا، طال حبسه نحوَ خمسِ سنينَ. يعني أمره بأن يذكره عند سيده، ويصفه بما شاهده منه من جودة التعبير، والاطلاع على شيء من علم الغيب. ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ﴾؛ أي: فأنسى الشيطان الساقي ﴿ذِكْرَ رَبِّهِ﴾؛ أي: أن يذكر يوسُفَ عند الملك؛ أي: أنسَى الشيطان بوسوسته الساقيَ ذكره ليوسف عند الملك، فالإنساء في الحقيقة لله تعالى، وهذا قول عامَّة المفسرين، قالوا: لأنَّ صَرْفَ وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل الساقي، حتى أنساه ذكرَ يوسف أولى من صرفها إلى يوسف. وقيل: الضمير في أنساه عائد على يوسف.
والمعنى: أن الشيطان أنْسَى يوسفَ ذكرَ ربه عَزَّ وَجَلَّ حتى طَلَب الفَرَجَ من مخلوق مثله، وتلك غفلة عرضت ليوسف عليه السلام، فإنَّ الاستعانة بالمخلوق في دفع الضرر جائزة في الشريعة، إلا أنه لما كان يوسف في أشرف المراتب، والمقامات، وهي منصب النبوة، والرسالة، لا جَرَمَ صارَ يوسف مؤاخذًا بهذا القدر من الاستعانة، فإنَّ حسنات الأبرار سيئات المقربين.
فإن قلتَ (١): كيف تمَكَّن الشيطان من يوسف حين أنساه ذكر ربّه؟.
قلت: بشغل الخاطر، وإلقَاءِ الوسوسة، فإنه قد صحَّ في الحديث: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرى الدم"، فأما النِّسيان الذي هو عبارة عن ترك الذكر، وإزالته عن القلب بالكلية، فلا يقدر عليه. وبالجملة: فالأولى بالصدِّيقين أن لا يشتغلوا إلا بمسبب الأسباب، ولذلك جوزي يُوسُفُ بسنتين في الحبس كما قال: ﴿فَلَبِثَ﴾ يوسف ﴿فِي السِّجْنِ﴾ بسبب ذلك القول ﴿بِضْعَ سِنِينَ﴾؛ أي: سبعَ سنينَ خَمْسًا منها قبل ذلك القول، وثنتين بعده، هذا هو الصحيح. وقيل: لَبِثَ
والمعنى: أن الشيطان أنْسَى يوسفَ ذكرَ ربه عَزَّ وَجَلَّ حتى طَلَب الفَرَجَ من مخلوق مثله، وتلك غفلة عرضت ليوسف عليه السلام، فإنَّ الاستعانة بالمخلوق في دفع الضرر جائزة في الشريعة، إلا أنه لما كان يوسف في أشرف المراتب، والمقامات، وهي منصب النبوة، والرسالة، لا جَرَمَ صارَ يوسف مؤاخذًا بهذا القدر من الاستعانة، فإنَّ حسنات الأبرار سيئات المقربين.
فإن قلتَ (١): كيف تمَكَّن الشيطان من يوسف حين أنساه ذكر ربّه؟.
قلت: بشغل الخاطر، وإلقَاءِ الوسوسة، فإنه قد صحَّ في الحديث: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرى الدم"، فأما النِّسيان الذي هو عبارة عن ترك الذكر، وإزالته عن القلب بالكلية، فلا يقدر عليه. وبالجملة: فالأولى بالصدِّيقين أن لا يشتغلوا إلا بمسبب الأسباب، ولذلك جوزي يُوسُفُ بسنتين في الحبس كما قال: ﴿فَلَبِثَ﴾ يوسف ﴿فِي السِّجْنِ﴾ بسبب ذلك القول ﴿بِضْعَ سِنِينَ﴾؛ أي: سبعَ سنينَ خَمْسًا منها قبل ذلك القول، وثنتين بعده، هذا هو الصحيح. وقيل: لَبِثَ
(١) الخازن.
428
بعد هذا القول سبعَ سِنين، وقَبْلَه خمسًا، فالجملة اثنتا عشرةَ سنةً. وهذه الجملة تؤيِّدَ (١) عَوْدَ الضمير في أنساه إلى يوسف، ويؤيِّد عوده إلى الذي نجا منهما قوله فيما سيأتي: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ أي سنة.
والمعنى: وقال يوسف (٢) للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند سيدك الملك، بما رأيتَ مني، وما سمعتَ، وعلمت من أمري عَلَّه ينصفني ممَّنْ ظلمني، ويخرجني من ضائقة السجن، ومما هو جدير أن يذكره به من دَعْوَتِهِ إياهم إلى التوحيد، وتأويله للرؤيا، وإنبائهم بكل ما يأتيهم من طعام وشراب، وغيرهما، قبل إتيانه، وفُتْيَاه التي أفتى بها ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾؛ أي: فأنسى الشيطانُ ذلك الساقيَ النَّاجيَ تذكر إخبار ربه؛ أي: أن يَذْكُرَ يوسف للملك ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ منسيًّا مظلومًا. والبضع من ثلاث إلى تسع، وأكثرُ ما يطلق على السبع، وعليه الأكثرون في مدة سجن يوسف. وقيل: ثنتا عشرة سَنَةً. وقيل: أربع عشرةَ سنةً. وقيل: خَمس سنينَ.
رؤيا ملك مصر وتأويل يوسف عليه السلام لها
٤٣ - ولما دنا فرج يوسف عليه السلام، وأراد الله عَزَّ وَجَلَّ إخراجَه من السجن رأى مَلِكَ مِصْرَ الأكبر رُؤيا عجيبةً هالته، وذلك أنه رَأَى في منامه سَبعَ بقرات سمان، قد خَرَجْنَ من البحر، ثُمَّ خَرَجَ عَقِيبَهن سبع بقرات عجاف، في غاية الهزال، فابتلع العِجافُ السمانَ، ودَخَلْن في بطونهن، ولم ير منهن شيء، ولم يتبين على العجاف منها شيء، ورأى سنبلات خضرًا قد انعَقَد حبها، وسبعَ سنبلات أخر اليابسات، قد استحصدت، فالتوت يابسات على الخُضْر، حتى علون عليهن، ولم يبقَ من خضرتها شيء، فجَمَع السحرة والكهنة والمعبّرين، وقص عليهم رؤياه التي رآها فذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾؛ أي: ملك مصر الأكبرُ، وهو الريَّانُ بن الوليد الذي كَانَ العزيز، وزيرًا له، ﴿إِنِّي أَرَى﴾ في المنام عَبَّر بالمضارع حكايةً للحال الماضية، وكذلك قوله الآتي: ﴿يَأْكُلُهُنَّ﴾؛ أي:
والمعنى: وقال يوسف (٢) للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند سيدك الملك، بما رأيتَ مني، وما سمعتَ، وعلمت من أمري عَلَّه ينصفني ممَّنْ ظلمني، ويخرجني من ضائقة السجن، ومما هو جدير أن يذكره به من دَعْوَتِهِ إياهم إلى التوحيد، وتأويله للرؤيا، وإنبائهم بكل ما يأتيهم من طعام وشراب، وغيرهما، قبل إتيانه، وفُتْيَاه التي أفتى بها ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾؛ أي: فأنسى الشيطانُ ذلك الساقيَ النَّاجيَ تذكر إخبار ربه؛ أي: أن يَذْكُرَ يوسف للملك ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ منسيًّا مظلومًا. والبضع من ثلاث إلى تسع، وأكثرُ ما يطلق على السبع، وعليه الأكثرون في مدة سجن يوسف. وقيل: ثنتا عشرة سَنَةً. وقيل: أربع عشرةَ سنةً. وقيل: خَمس سنينَ.
رؤيا ملك مصر وتأويل يوسف عليه السلام لها
٤٣ - ولما دنا فرج يوسف عليه السلام، وأراد الله عَزَّ وَجَلَّ إخراجَه من السجن رأى مَلِكَ مِصْرَ الأكبر رُؤيا عجيبةً هالته، وذلك أنه رَأَى في منامه سَبعَ بقرات سمان، قد خَرَجْنَ من البحر، ثُمَّ خَرَجَ عَقِيبَهن سبع بقرات عجاف، في غاية الهزال، فابتلع العِجافُ السمانَ، ودَخَلْن في بطونهن، ولم ير منهن شيء، ولم يتبين على العجاف منها شيء، ورأى سنبلات خضرًا قد انعَقَد حبها، وسبعَ سنبلات أخر اليابسات، قد استحصدت، فالتوت يابسات على الخُضْر، حتى علون عليهن، ولم يبقَ من خضرتها شيء، فجَمَع السحرة والكهنة والمعبّرين، وقص عليهم رؤياه التي رآها فذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾؛ أي: ملك مصر الأكبرُ، وهو الريَّانُ بن الوليد الذي كَانَ العزيز، وزيرًا له، ﴿إِنِّي أَرَى﴾ في المنام عَبَّر بالمضارع حكايةً للحال الماضية، وكذلك قوله الآتي: ﴿يَأْكُلُهُنَّ﴾؛ أي:
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
429
قال: إني رأي فيما يَرَى النائم رُؤْيا جَلِيَّةً كأني أراها الآن ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ﴾ جمع سمين، وسمينة خرجن من نهر يابس في إثرهن سبع عجاف؛ أي: مهازيلُ ﴿يَأْكُلُهُنَّ﴾؛ أي: يأكل تلك السمان ﴿سَبْعٌ عِجَافٌ﴾؛ أي: فابتلعت العجاف السمان. والعجاف: جمع عجفاءَ على غير قياس. وقياس جمعه: عُجْفٌ؛ لأنَّ فَعْلاَءَ وأفْعل لا يجمع على فعال كما سيأتي في مبحث الصرف إن شاء الله تعالى، ولكنه عَدَلَ عن القياس حَمْلًا على سمان. ﴿و﴾ إني رأيت ﴿سبع سنبلات﴾ جمع سنبلة، وهي ما يكون فيه الحب كسنبلة الحنطة ﴿خُضْرٍ﴾ قد انعَقَدَ حبها جمع خضراء، وهي التي لم تبلغ أوانَ الحصاد ﴿و﴾ رأيت سبعًا ﴿أُخَرَ يابسات﴾ قَدْ أدركت، وبلغت أوانَ الحصاد جمع يابسة، واليابس من السنبل ما آن حصاده، فالْتَوَتْ اليابساتُ على الخضر، حتى غلبن عليها، واستغنى عن بيان حالها، بما قصَّ مِنْ حال البقرات.
فلما (١) استيقظ من منامه، اضطرب بسبب أنَّهُ شاهَدَ أنَّ الناقص الضعيفَ، استولى على الكامل القوي، فشهدت فطرته بأنَّ هذه الرؤيا صورة شر عظيم، يقع في المملكة إلا أنه ما عَرَفَ كَيفية الحال فيه، فاشتاقَ ورغِبَ في تحصيل المعرفة بتعبير رؤياه، فجمع أعْيَانَ مملكته من العلماء والحكماء، وكذا الكهنة والمنجمين، وأخْبرهم بما رأى في منامه، وسألهم عن تأويلها فأعجزهم الله تعالى عن تأويل هذه الرؤيا؛ ليكون ذلك سببًا لخلاص يُوسُفَ من السجن، وذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ﴾ والأشراف من قومي المعبرون للرؤيا فهو خطاب للأشراف من العلماء، والحكماء، أو للسحرة، والكهنة، والمنجمين، وغيرهم ﴿أَفْتُونِي﴾ وأجيبوا لي ﴿فِي﴾ تأويل ﴿رُؤْيَايَ﴾ هذه؛ أي: عبِّروها لي وبيِّنوا حكمَها، وما تؤول إليه من العاقبة ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾؛ أي: إن كنتم تعلمون تعبيرَ جنس الرؤيا، وتفسيرَ المنام؛ أي: عبروها (٢) لي إنْ كنتم تعبرون الرؤيا، وتبينونَ المعنى الحقيقيَّ المرادَ من المعنى المثاليّ، فيكون حالكم حالَ
فلما (١) استيقظ من منامه، اضطرب بسبب أنَّهُ شاهَدَ أنَّ الناقص الضعيفَ، استولى على الكامل القوي، فشهدت فطرته بأنَّ هذه الرؤيا صورة شر عظيم، يقع في المملكة إلا أنه ما عَرَفَ كَيفية الحال فيه، فاشتاقَ ورغِبَ في تحصيل المعرفة بتعبير رؤياه، فجمع أعْيَانَ مملكته من العلماء والحكماء، وكذا الكهنة والمنجمين، وأخْبرهم بما رأى في منامه، وسألهم عن تأويلها فأعجزهم الله تعالى عن تأويل هذه الرؤيا؛ ليكون ذلك سببًا لخلاص يُوسُفَ من السجن، وذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ﴾ والأشراف من قومي المعبرون للرؤيا فهو خطاب للأشراف من العلماء، والحكماء، أو للسحرة، والكهنة، والمنجمين، وغيرهم ﴿أَفْتُونِي﴾ وأجيبوا لي ﴿فِي﴾ تأويل ﴿رُؤْيَايَ﴾ هذه؛ أي: عبِّروها لي وبيِّنوا حكمَها، وما تؤول إليه من العاقبة ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾؛ أي: إن كنتم تعلمون تعبيرَ جنس الرؤيا، وتفسيرَ المنام؛ أي: عبروها (٢) لي إنْ كنتم تعبرون الرؤيا، وتبينونَ المعنى الحقيقيَّ المرادَ من المعنى المثاليّ، فيكون حالكم حالَ
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
430
من يعبرُ النَّهْرَ من ضفةٍ إلى أخرى. وأصلُ العبارة (١): مشتقة من عبور النهر، فمعنى عبرت النهر: بلغت شَاطِئَه، فعابرُ الرؤيا يخبر بما يؤول إليه أمرها. قال الزجاج: (اللام) في (للرؤيا) للتبيين؛ أي: إن كنتم تعبرون، ثمّ بَيَّن فقال: (للرؤيا). وقيل: هي للتقوية وتأخير الفعل العامل فيه لرعاية الفَواصل.
٤٤ - وجملة قوله: ﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ مستأنفة استئنافًا بيانيًّا واقعًا في جواب سؤال مقدر، فكأنه قيل: فماذا قال الملأ للملك؟ فقيل: قالوا، إلخ. والأضْغَاثُ (٢): جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما. والأحلامُ: جمع حلم، وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقةَ لها، كما يكون من حديث النفس، ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من أو من قبيل إضافة لجين الماء، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رُؤْيَا واحدة مبالغةً منهم، في وصفها بالبطلان، ويجوز أن يَكُونَ رأى مع هذه الرؤية غيرها مما لم يَقُصَّه الله تعالى علينا، أو لتضمنها أشياءً مختلفةً من السبع السمان، والسبع العجاف: والسنابل السبع: الخضر والأخر اليابسات؛ أي: قالوا هذه الرؤيا أضْغَاثُ أحلام؛ أي: أخالِيطُ الأحلام وأباطيلها وأكاذيبها من حديث نفس أو وسوسة شيطانٍ؛ أي: هذه أحلام مختلطَةُ ورؤيا كاذبة، لا حقيقةً، ولا معنى لها ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ﴾؛ أي: بتعبير المنامات الباطلة التي لا أصل لها ﴿بِعَالِمِينَ﴾؛ لأنه لا تأويلَ لها، وإنما التأويل للمنامات الصادقةِ لا لأنَّ لها تأويلًا، ولكن لا نعلمه. قال الزجاج: المعنى: بتأويل الأحلام المختلَطَة، نفُوا عن أنفسهم عِلْمَ ما لا تأويلَ له، لا مطلقَ العلم بالتأويل. وقيل: إنَّهُم نَفَوْا عن أنفسهم عِلْمَ التعبير مطلقًا، ولم يَدَّعُوا أنه لا تعبيرَ لهذه الرؤيا. وقيل: إنهم قَصدوا مَحْوَها من صدرِ المَلِكِ حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه مِنْ نَفْيِ العلم حقيقةً.
ويجوز (٣) أن يكون ذلك اعترافًا منهم بقصور علمهم، وأنَّهم لَيسوا بِنَحَارِير في تأويل الأحلام، مع أنَّ لها تأويلًا فكأنهم قالوا: هذه الرؤيا مختلطة من أشياء
٤٤ - وجملة قوله: ﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ مستأنفة استئنافًا بيانيًّا واقعًا في جواب سؤال مقدر، فكأنه قيل: فماذا قال الملأ للملك؟ فقيل: قالوا، إلخ. والأضْغَاثُ (٢): جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما. والأحلامُ: جمع حلم، وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقةَ لها، كما يكون من حديث النفس، ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من أو من قبيل إضافة لجين الماء، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رُؤْيَا واحدة مبالغةً منهم، في وصفها بالبطلان، ويجوز أن يَكُونَ رأى مع هذه الرؤية غيرها مما لم يَقُصَّه الله تعالى علينا، أو لتضمنها أشياءً مختلفةً من السبع السمان، والسبع العجاف: والسنابل السبع: الخضر والأخر اليابسات؛ أي: قالوا هذه الرؤيا أضْغَاثُ أحلام؛ أي: أخالِيطُ الأحلام وأباطيلها وأكاذيبها من حديث نفس أو وسوسة شيطانٍ؛ أي: هذه أحلام مختلطَةُ ورؤيا كاذبة، لا حقيقةً، ولا معنى لها ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ﴾؛ أي: بتعبير المنامات الباطلة التي لا أصل لها ﴿بِعَالِمِينَ﴾؛ لأنه لا تأويلَ لها، وإنما التأويل للمنامات الصادقةِ لا لأنَّ لها تأويلًا، ولكن لا نعلمه. قال الزجاج: المعنى: بتأويل الأحلام المختلَطَة، نفُوا عن أنفسهم عِلْمَ ما لا تأويلَ له، لا مطلقَ العلم بالتأويل. وقيل: إنَّهُم نَفَوْا عن أنفسهم عِلْمَ التعبير مطلقًا، ولم يَدَّعُوا أنه لا تعبيرَ لهذه الرؤيا. وقيل: إنهم قَصدوا مَحْوَها من صدرِ المَلِكِ حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه مِنْ نَفْيِ العلم حقيقةً.
ويجوز (٣) أن يكون ذلك اعترافًا منهم بقصور علمهم، وأنَّهم لَيسوا بِنَحَارِير في تأويل الأحلام، مع أنَّ لها تأويلًا فكأنهم قالوا: هذه الرؤيا مختلطة من أشياء
(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
كثيرة، والانتقال فيها من الأمور المخَيلة إلى الحقائق العقلية الروحانية، ليس بسهلٍ، وما نحن بمتبحِّرين في علم التعبير، حتى نهتدي إلى تعبير مثلها، ويَدُلُّ على قصورهم قول الملك ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾، فإنه لو كان هنا متبحِّر: لبت القولَ بالإفتاء، ولم يعلِّقْه بالشرطِ، وهو اللائحُ بالبال، وعلى تقديرِ تبحرهم عَمى اللَّهُ عليهم، وأَعْجَزَهم عن الجواب؛ ليصير ذلك سببًا لخلاص يوسف من الحبس، وظهور كماله وفَضْلِهِ. وقرأ (١) أبو جعفر بالإدغام في (الرؤيا) وبَابُه (بعد) قلب الهمزة واوًا، ثمَّ قلبها ياءً لاجتماع الواو والياء، وقد سَبَقَتْ إحداهما بالسكون، ونصُّوا على شُذُوذِه؛ لأنَّ الواوَ هي بدلٌ غيرُ لازم و (اللام) في ﴿لِلرُّؤْيَا﴾ مقوية لوصول الفعل إلى مفعوله، إذا تقدَّمَ عليه، فلو تأخَّرَ لم يَحْسُن ذلك بخلاف اسم الفاعل، فإنه لِضَعْفِهِ قد تَقوَّى بها، فتقول: زيد ضاربٌ لعمرٍو فصيحًا.
وقد كان حديث الملك في رؤياه، مع كهنته، وعلمائه، ورجال دولته، مذكرًا للذي نجا من الفَتَيَيْنِ بِيُوسُفَ، وحُسْنِ تعبيره للرؤيا بعد أن مضَى على ذلك مدَّةً من الزمان، كما يشير إلى هذا ما بعده.
٤٥ - ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا﴾ وخرج من السجن ﴿مِنْهُمَا﴾؛ أي: من صاحبي يوسف، وهو السَّاقي ﴿و﴾ الحال أنه قد ﴿ادَّكَرَ﴾؛ أي: قد تذكَّر يوسفَ وما قاله ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾؛ أي: بعد مدة طويلة من الزمان. وادّكر: أصله: إذْتكر، فقلبت التاء دَالًا، والذال دالًا، وأدغمت كما سيأتي في مباحث الصرف. أي: تذكَّر (٢) الناجي منهما يوسفَ، وتأويلَه رؤياه، ورؤيا صاحبه، وطَلَبَه أن يَذْكُره عند الملك، فجَثى بين يَدَي الملك؛ أي: جَلَس النَّاجِي على ركبتيه، قُدَّامَ الملك فقال للملك: ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أي: أنا أُخبركم ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: بتأويل هذا المنام الذي أَشْكَلَ عليكم وتعبيره. خَاطبه بلفظِ الجمع تعظيمًا له ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾؛ أي: فابعثون إلى السجن، فإن فيه رجلًا حكيمًا من آل يعقوب، يقال له: يُوسُفُ يعرِفُ تعبير الرؤيا، قد عَبَّر لنا قبلَ ذلِكَ فأرسلوه إلى يوسف، فأتاه فاعتذَرَ إليه، فاسْتَفْتَاه فيما عَجَزُوا عنه،
٤٦ - وقال: يا ﴿يُوسُفُ﴾، ويا
وقد كان حديث الملك في رؤياه، مع كهنته، وعلمائه، ورجال دولته، مذكرًا للذي نجا من الفَتَيَيْنِ بِيُوسُفَ، وحُسْنِ تعبيره للرؤيا بعد أن مضَى على ذلك مدَّةً من الزمان، كما يشير إلى هذا ما بعده.
٤٥ - ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا﴾ وخرج من السجن ﴿مِنْهُمَا﴾؛ أي: من صاحبي يوسف، وهو السَّاقي ﴿و﴾ الحال أنه قد ﴿ادَّكَرَ﴾؛ أي: قد تذكَّر يوسفَ وما قاله ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾؛ أي: بعد مدة طويلة من الزمان. وادّكر: أصله: إذْتكر، فقلبت التاء دَالًا، والذال دالًا، وأدغمت كما سيأتي في مباحث الصرف. أي: تذكَّر (٢) الناجي منهما يوسفَ، وتأويلَه رؤياه، ورؤيا صاحبه، وطَلَبَه أن يَذْكُره عند الملك، فجَثى بين يَدَي الملك؛ أي: جَلَس النَّاجِي على ركبتيه، قُدَّامَ الملك فقال للملك: ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أي: أنا أُخبركم ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: بتأويل هذا المنام الذي أَشْكَلَ عليكم وتعبيره. خَاطبه بلفظِ الجمع تعظيمًا له ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾؛ أي: فابعثون إلى السجن، فإن فيه رجلًا حكيمًا من آل يعقوب، يقال له: يُوسُفُ يعرِفُ تعبير الرؤيا، قد عَبَّر لنا قبلَ ذلِكَ فأرسلوه إلى يوسف، فأتاه فاعتذَرَ إليه، فاسْتَفْتَاه فيما عَجَزُوا عنه،
٤٦ - وقال: يا ﴿يُوسُفُ﴾، ويا
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
432
﴿أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾؛ أي: أيها البالغ غاية الكمال في الصدق، وإنما وَصَفَهُ بذلك، لأنه جَرَّب أحوالَه، وعرف صِدْقه في تأويل رؤياه، ورؤيا صاحبه. وجملةُ مجيء الرسول ليوسف في السجن أربعَ مرات، الأولى في قوله: ﴿فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ﴾، والثانية في قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾، والثالثة في قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ﴾ إلخ، والرابعة في قوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ إلخ؛ أي: يا يُوسُفُ البالغُ غَايَةَ الكمال بصدقك في أقوالك وأفعالك، وتأويل الأحاديث وتعبير الأحلام ﴿أَفْتِنَا﴾؛ أي: أخْبِرنَا، وبيّنَ لنا ﴿فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾؛ أي: أخْبِرْنا في رؤيا مَنْ رَأَى في منامه سبع بقرات سمان، يَبْتَلِعهُنَّ سبعُ بقرات مهازِيلُ، وفي رؤيا مَن رأى سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خضر، وسبعًا أخرى يابسات، فإنّ الملِكَ قَدْ رَأَى هذه الرؤيا، وعَجَز المعبّرون عن تعبيرها. ففي قوله (١): ﴿أَفْتِنَا﴾ مع أن المستفتي واحد إشعارٌ بأن الرؤيا لَيْسَتْ له، بل لغيره ممن له ملابسةٌ بأمور العامة، وأنه في ذلك سَفِيرٌ، ولم يُغَيّر لفظ الملك، وأصاب فيه، إذ قد يكون بعض عبارات الرؤيا متعلقة باللفظ ﴿لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ﴾؛ أي: إلى الملك ومَنْ عنده من الملأ، وأعود إليهم بفَتْوَاك ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ما تأتي به في تأويل هذه الرؤيا، أو يعلمون فَضْلَكَ ومعرفِتَكَ فنَّ التعبير، فيطلبوك ويُخَلِّصوك من محنتك.
والمعنى: أفتِنا (٢) في هذا المنام الذي رآه الملك، وإنّي لأرجو أن يحقِّقَ اللَّهُ أمَلَكَ بالخروج من السجن، وانتفاعَ المَلِكِ وملئه بفضلك، وعِلْمِك، وإنَّما لم يبتَّ الكلامُ فيهما لأنه لم يكن جازمًا بالرجوع، فرُبَّما اخْتَرَمَتْهُ المنية دونه، ولا يُعْلِمهم. ذكره "البيضاوي". وقرأ (٣) الجمهورُ: ﴿وَادَّكَرَ﴾ بالدال المهملة المشدَّدة. وقرأ الحسن: ﴿واذكر﴾ بإبدال التاء ذالًا، وإدغام الذال فيها. وقرأ الأشْهَبُ العقيليُّ: ﴿بعد إمَّة﴾ بكسر الهمزة؛ أي: بعدَ نعمة أنْعَم الله عليه بالنجاة من القَتْل. وقال ابن عطية: بعد نعمةٍ أنعم الله بها على يوسف في تقريب إطلاقه
والمعنى: أفتِنا (٢) في هذا المنام الذي رآه الملك، وإنّي لأرجو أن يحقِّقَ اللَّهُ أمَلَكَ بالخروج من السجن، وانتفاعَ المَلِكِ وملئه بفضلك، وعِلْمِك، وإنَّما لم يبتَّ الكلامُ فيهما لأنه لم يكن جازمًا بالرجوع، فرُبَّما اخْتَرَمَتْهُ المنية دونه، ولا يُعْلِمهم. ذكره "البيضاوي". وقرأ (٣) الجمهورُ: ﴿وَادَّكَرَ﴾ بالدال المهملة المشدَّدة. وقرأ الحسن: ﴿واذكر﴾ بإبدال التاء ذالًا، وإدغام الذال فيها. وقرأ الأشْهَبُ العقيليُّ: ﴿بعد إمَّة﴾ بكسر الهمزة؛ أي: بعدَ نعمة أنْعَم الله عليه بالنجاة من القَتْل. وقال ابن عطية: بعد نعمةٍ أنعم الله بها على يوسف في تقريب إطلاقه
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي
(٢) المراغي.
(٣) المراغي
433
من السجن، والإمَّةُ النِّعْمَةُ قال الشاعر:
قال الأعلم: الإمَّةُ النِّعمة، والحالُ الحَسَنَةُ. وقرأ ابنُ عباس، وزيد بن علي، والضحاك، وقتادةُ، وأبو رجاء، وشبيل بن عزرة الضبعي، وربيعة بن عَمرو: ﴿بعد أَمَةٍ﴾ بفتح الهمزة، والميم مخففةً، وهاءٍ، والأَمَهُ: النِّسيانُ. وكذلك قرأ ابنُ عُمَرَ، ومجاهد، وعكرمة، واختلف عنهم. وقرأ عِكْرَمة، وأيضًا مجاهد، وشبيل بن عزرة: ﴿بعد أَمَهٍ﴾ بسكون الميم مصدر أمَهَ على غير قياس. وقال الزمخشري: ومَنْ قرأ بسكون الميم فَقَدْ أخطأ، انتهى. وهذا على عادته في نسبته الخطأ إلى القرَّاء. وقرأ الحسن: ﴿أنا آتيكم﴾ مضارعٌ آتى مِن الإتْيان، وكذا في مصحف أُبيٍّ. وقرأ يعقوب: ﴿فأرسلوني﴾ بالياء.
٤٧ - وجملة قوله: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ﴾ مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، واقعةٌ في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال يوسف في التأويل؟ فقيل: قال يوسفُ لهم: تزرعون إن شاء الله تعالى في المستقبل. ﴿سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾؛ أي: متواليةً متتابعةً، فدأبًا مصدرٌ واقع موقعَ الصفة؛ أي: دائبةً متواليةً فهو مصدرٌ دَأَب في العمل، إذا جَدَّ فيه، وتعبَ، أو واقع موقِعَ الحال من فاعل ﴿تَزْرَعُونَ﴾ بمعنى دائبين؛ أي: مُستَمَرِّينَ على الزراعة على عادتكم بجِدٍّ واجتهاد. وقرأ حفص: (دَأَبًا) بفتح الهمزة والجمهور بإسكانها وهما مصدران لدأب. والفرق بين الحرثِ والزرع أنَّ الحرثَ إلقاء البذْر، وتهيئة الأرضِ، والزرعُ مراعاتُه، وإنباتُه. فعَبَّر يوسف عليه السلام السبعَ البقراتِ السمانَ بسبع سنين فيها، خصبٌ والعجافَ بسبع سنين فيها جَدْبٌ. وهكذا عبَّر السبع السنبلات الخضرَ، والسبع السنبلات اليابسات، واستَدَلَّ بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله: ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ﴾ وقطعتم من الزروع في كل سنة من السنين المُخْصِبة ﴿فَذَرُوهُ﴾؛ أي: فاتركوا ذلك المحصودَ ﴿فِي سُنْبُلِهِ﴾؛ أي: كَوافرِهِ، وبقَصَبِهِ ليكون القصب عَلَفًا للدوابِّ، ولا
أَلاَ لاَ أَرَى ذَا إِمَّةٍ أَصْبَحَتْ بِهِ | فَتَتْرُكُهُ الأيَّامُ وَهِيَ كَمَا هِيَا |
٤٧ - وجملة قوله: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ﴾ مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، واقعةٌ في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال يوسف في التأويل؟ فقيل: قال يوسفُ لهم: تزرعون إن شاء الله تعالى في المستقبل. ﴿سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾؛ أي: متواليةً متتابعةً، فدأبًا مصدرٌ واقع موقعَ الصفة؛ أي: دائبةً متواليةً فهو مصدرٌ دَأَب في العمل، إذا جَدَّ فيه، وتعبَ، أو واقع موقِعَ الحال من فاعل ﴿تَزْرَعُونَ﴾ بمعنى دائبين؛ أي: مُستَمَرِّينَ على الزراعة على عادتكم بجِدٍّ واجتهاد. وقرأ حفص: (دَأَبًا) بفتح الهمزة والجمهور بإسكانها وهما مصدران لدأب. والفرق بين الحرثِ والزرع أنَّ الحرثَ إلقاء البذْر، وتهيئة الأرضِ، والزرعُ مراعاتُه، وإنباتُه. فعَبَّر يوسف عليه السلام السبعَ البقراتِ السمانَ بسبع سنين فيها، خصبٌ والعجافَ بسبع سنين فيها جَدْبٌ. وهكذا عبَّر السبع السنبلات الخضرَ، والسبع السنبلات اليابسات، واستَدَلَّ بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله: ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ﴾ وقطعتم من الزروع في كل سنة من السنين المُخْصِبة ﴿فَذَرُوهُ﴾؛ أي: فاتركوا ذلك المحصودَ ﴿فِي سُنْبُلِهِ﴾؛ أي: كَوافرِهِ، وبقَصَبِهِ ليكون القصب عَلَفًا للدوابِّ، ولا
(١) البحر المحيط.
تَدُوسوه، وتفصلوه عن سنبله، لئلا يأكله السُّوسُ كما هو شأن غلال مصر، ونواحيها، فإن ذلك أبقى له على طول الزمان. ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ في هذه السنين المخصبة؛ فإنه لا بدَّ لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها، وقتَ حاجتكم إليه، واقتصر على استثناء المَأْكُول دونَ ما يحتاجون إليه من البذر الذي يبذرونه في أموالهم؛ لأنه قد علم من قوله: ﴿تَزْرَعُونَ﴾. وفيه إرشاد منه عليه السلام إلى التقليل في الأكل. وقرأ السلمي: ﴿مما يأكلون﴾ بالياء على الغيبة؛ أي: يأكل الناس، وهذا تأويل السبع السمان، والسبع الخضر.
٤٨ - ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾؛ أي: من بعدِ السبع السنين المخصِبَة ﴿سَبْعٌ شِدَادٌ﴾؛ أي: سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس، وهذا تأويل السبع العجاف، والسبع اليابسات، ﴿يَأْكُلْنَ﴾؛ أي: يأكل أهلُهُنَّ؛ أي: يأكل أهل السبع الشداد فيهن ﴿مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾؛ أي: ما ادَّخرتم لأجلهن مِن الحبوب المتروكة في سَنَابِلِها. وإسناد الأكل إلى السنين مجاز، فهو من باب نهارُه صائمٌ؛ أي: تأكلون الحَبَّ المزروعَ وَقْتَ السنين المخصبة المتروك في سنبله في السنين المجدبة. ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾؛ أي: مما تَحْبِسُون من الحب لتزرعوا به، لأن في استبقاء البذر تحصين الأَقْوات. وقال أبو عبيدة: معنى تُحْصِنُون تُحْرِزُون. وقيل: تَدَّخِرُون للبَذْرِ. والمعنى واحدٌ: فَأَكْلُ ما جُمِع أيامَ السنين المخصبة في السنين المجدبة، تأويل ابتلاع العجاف السمان.
٤٩ - ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾؛ أي: من بعد ما ذُكِرَ من السنين المجدبات ﴿عَامٌ﴾؛ أي: سنة ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في ذلك العام ﴿يُغَاثُ النَّاسُ﴾؛ أي: يمطر الناسُ، وينقذون فيه من كرب الجدب بالغيث ﴿وَفِيهِ﴾؛ أي: وفي ذلك العام ﴿يَعْصِرُونَ﴾ ما منْ عادته أن يُعْصَر كالعنب، والقصب، والزيتون، والسمسم، ونحوها من الفواكه لِكَثْرَتِها.
وقيل: معنى ﴿يَعْصِرُونَ﴾: يَحْلِبون الضُّروعَ. وقيل معناه: يمطرون. وقيل معناه: ينجون من الشدة. وعلى هذين المعنيَيْنِ يقرأ بالبناء للمفعول. قال
٤٨ - ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾؛ أي: من بعدِ السبع السنين المخصِبَة ﴿سَبْعٌ شِدَادٌ﴾؛ أي: سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس، وهذا تأويل السبع العجاف، والسبع اليابسات، ﴿يَأْكُلْنَ﴾؛ أي: يأكل أهلُهُنَّ؛ أي: يأكل أهل السبع الشداد فيهن ﴿مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾؛ أي: ما ادَّخرتم لأجلهن مِن الحبوب المتروكة في سَنَابِلِها. وإسناد الأكل إلى السنين مجاز، فهو من باب نهارُه صائمٌ؛ أي: تأكلون الحَبَّ المزروعَ وَقْتَ السنين المخصبة المتروك في سنبله في السنين المجدبة. ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾؛ أي: مما تَحْبِسُون من الحب لتزرعوا به، لأن في استبقاء البذر تحصين الأَقْوات. وقال أبو عبيدة: معنى تُحْصِنُون تُحْرِزُون. وقيل: تَدَّخِرُون للبَذْرِ. والمعنى واحدٌ: فَأَكْلُ ما جُمِع أيامَ السنين المخصبة في السنين المجدبة، تأويل ابتلاع العجاف السمان.
٤٩ - ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾؛ أي: من بعد ما ذُكِرَ من السنين المجدبات ﴿عَامٌ﴾؛ أي: سنة ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في ذلك العام ﴿يُغَاثُ النَّاسُ﴾؛ أي: يمطر الناسُ، وينقذون فيه من كرب الجدب بالغيث ﴿وَفِيهِ﴾؛ أي: وفي ذلك العام ﴿يَعْصِرُونَ﴾ ما منْ عادته أن يُعْصَر كالعنب، والقصب، والزيتون، والسمسم، ونحوها من الفواكه لِكَثْرَتِها.
وقيل: معنى ﴿يَعْصِرُونَ﴾: يَحْلِبون الضُّروعَ. وقيل معناه: يمطرون. وقيل معناه: ينجون من الشدة. وعلى هذين المعنيَيْنِ يقرأ بالبناء للمفعول. قال
أبو حيان (١): والجمهور على أنه من عَصَر النباتَ كالعنب، والقصب، والفجل، وجميع ما يعصر، ومصر بلد عصير لأشياء كثيرة، والحلب منه، لأنه عَصْرٌ للضروع. وروي أنهم لم يَعْصِرُوا شيئًا مدة الجدب، انتهى. وهذا مِن (٢) مدلولات المَنام، لأنه لما كانت العجاف سبعًا دَلَّ ذلك على أنَّ السِّنينَ المجدبة لا تزيدُ على هذا العدد.
فالحاصلُ بعده: هو الخِصبُ على العادة الإلهية حيث يُوسِّع الله سبحانه وتعالى على عباده بعد تضييقه عليهم. وقيل: إنَّ الإنباءَ بهذا العام زَائِدٌ على تأويل الرؤيا، ولم يعرفه يوسف على التخصيص والتفصيل إلَّا بِوَحي من الله عَزَّ وَجَلَّ. وقرأ (٣) الأخوان حمزة، والكسائي: ﴿تعصرون﴾ بالتاء على الخطاب، وباقي السبعة بالياء على الغيبة. وقَرأ جعفر بن محمَّد، والأعرج، وعيسى البصرة: ﴿يُعصَرون﴾ بضم الياء، وفتح الصاد مبنيًّا للمفعول. وعن عيسى أيضًا: ﴿تعصرون﴾ بالتاء على الخطاب مبنيًّا للمفعول، ومعناه: يُنْجَونَ من عصره إذا أنجاه، وهو مناسب لقوله: ﴿فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾. وحكى النقاش أنه قُرِىء: ﴿يعصرون﴾ بضم الياء وكسر الصاد، وشدِّها من عَصَّر مشددًا للتكثير. وقرأ زيد بن علي: ﴿وفيه تعصرون﴾ بكسر التاء، والعين، والصاد، وشدها وأصلُه تعتصرون فأدغم التاء في الصاد، ونقَلَ حركتها إلى العين، وأتبع حركة التاءِ لحركة العين، واحتمل أن يكونَ من اعتصر العنبَ، ونحوَه، ومن اعتصر بمعنى نجا.
٥٠ - فلما رجع الساقي إلى المَلِك وأخْبَره بما ذكره يوسف استَحْسَنَه المَلِك ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾؛ أي: ملك مصر، وهو رَيَّان بن الوليد ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾، أي: جيئوني بيُوسُفَ عليه السلام كي أستمع كَلاَمَه مِنْ فمه، وأعْرِفُ دَرَجَة عَقْلِهِ، وأعلم تفضيلَ رَأْيِهِ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ﴾؛ أي: يوسف ﴿الرَّسُولُ﴾؛ أي: رسول الملك، وهو الساقي، وبلغه أمر الملك، وطلب إليه إنفاذه ﴿قَالَ﴾ يوسف للرسول ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾؛ أي: سيدك قبل شخوصي إليه، ومثولي بَيْنَ يديه ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ والبَالُ هو (٤) الأمر الذي
فالحاصلُ بعده: هو الخِصبُ على العادة الإلهية حيث يُوسِّع الله سبحانه وتعالى على عباده بعد تضييقه عليهم. وقيل: إنَّ الإنباءَ بهذا العام زَائِدٌ على تأويل الرؤيا، ولم يعرفه يوسف على التخصيص والتفصيل إلَّا بِوَحي من الله عَزَّ وَجَلَّ. وقرأ (٣) الأخوان حمزة، والكسائي: ﴿تعصرون﴾ بالتاء على الخطاب، وباقي السبعة بالياء على الغيبة. وقَرأ جعفر بن محمَّد، والأعرج، وعيسى البصرة: ﴿يُعصَرون﴾ بضم الياء، وفتح الصاد مبنيًّا للمفعول. وعن عيسى أيضًا: ﴿تعصرون﴾ بالتاء على الخطاب مبنيًّا للمفعول، ومعناه: يُنْجَونَ من عصره إذا أنجاه، وهو مناسب لقوله: ﴿فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾. وحكى النقاش أنه قُرِىء: ﴿يعصرون﴾ بضم الياء وكسر الصاد، وشدِّها من عَصَّر مشددًا للتكثير. وقرأ زيد بن علي: ﴿وفيه تعصرون﴾ بكسر التاء، والعين، والصاد، وشدها وأصلُه تعتصرون فأدغم التاء في الصاد، ونقَلَ حركتها إلى العين، وأتبع حركة التاءِ لحركة العين، واحتمل أن يكونَ من اعتصر العنبَ، ونحوَه، ومن اعتصر بمعنى نجا.
٥٠ - فلما رجع الساقي إلى المَلِك وأخْبَره بما ذكره يوسف استَحْسَنَه المَلِك ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾؛ أي: ملك مصر، وهو رَيَّان بن الوليد ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾، أي: جيئوني بيُوسُفَ عليه السلام كي أستمع كَلاَمَه مِنْ فمه، وأعْرِفُ دَرَجَة عَقْلِهِ، وأعلم تفضيلَ رَأْيِهِ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ﴾؛ أي: يوسف ﴿الرَّسُولُ﴾؛ أي: رسول الملك، وهو الساقي، وبلغه أمر الملك، وطلب إليه إنفاذه ﴿قَالَ﴾ يوسف للرسول ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾؛ أي: سيدك قبل شخوصي إليه، ومثولي بَيْنَ يديه ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ والبَالُ هو (٤) الأمر الذي
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
436
يَبْحَثُ عنه، ويُهْتَمُّ به؛ أي: واسأله عن حال النسوة اللاتي قطَّعْنَ أيدِيَهُنَّ ليعرِفَ حَقِيقةَ أمره؛ إذ لا أحبُّ أن آتيه، وأنا متَّهَمٌ بقضيَّةٍ عوقبت من أجلِهَا بالسجن، وقد طال مكثِي فيه دُونَ تعرف الحقيقة، ولا البحث في صميم التهمة.
ولم يذكر (١) سيدته تأدُّبًا ومراعاةً لحقها، واحترازًا من مكرها، حيث اعتقدَها مقيمةً في عَدْوَةِ العَداوة، وأما النسوة فقد كان يَطْمَعُ في صَدْعهن بالحقِّ وشهادتهن بإقرارها، بأنها رَاوَدَتهُ عن نفسِهِ ﴿فَاسْتَعْصَمَ﴾.
قال العلماء (٢): إنما أبَى يُوسُفَ عليه السلام أن يخرجَ من السجن، إلا بعد أن يتفحَّص المَلِكُ عن حاله مع النسوة. لتنكشفَ حقيقة الحال، عنده لا سيما عند العزيز، ويَعلم أنه سجِنَ ظُلمًا، فلا يقدِر الحاسد إلى تقبيح أمره، وليظْهَر كمال عقله، وصبْرِه ووقَارِه، فإن مَنْ بَقِيَ في السجن ثنتي عشرة سنةً إذا طلبه الملك، وأمر بإخراجه، ولم يبادر إلى الخروج، وصَبَرَ إلى أن تتبين براءتَهُ من الخيانة في حق العزيز، وأهله دَلَّ ذلك على براءته من جميع أنواع التُّهَمِ. وفي الحديث: "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَم". ومنه قال عليه السلام للمارين به في معتكفه وعنده بعض نساءه: "هِيَ فُلانةُ" نفيًا للتهمة.
وروي عن النبي - ﷺ - أنه اسْتَحْسَنَ حَزْمَ يُوسُفَ وصَبْره حين دعاه الملك، فلم يُبَادِر إلى الخروج حيث قال عليه السلام: "لقد عَجِبْتُ من يوسُفَ وكرمه، وصبْرِه، والله يَغْفِرُ له حينَ سُئل عن البقرات العِجاف والسمانِ، ولو كنتُ مَكَانَه ما أخبرتهم حتى اشْتَرطت أن يُخْرِجوني، ولقد عَجِبْتُ حين أتاه الرسول فقال: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾، الآية. ولو كنت مكانَه ولبثتُ في السجن ما لَبث.. لأسْرَعْتُ الإجابة، وبادَرْتُهم الباب، وما ابتغيت العذرَ، إنه كان حليمًا ذَا أناة". الحِلْمُ، بكسر الحاء: تأخير مكافأة الظُلّم، والأَناة على وزن القَنَاة: التأني وترك العجلة. قال ابن الملك: هذا ليس إخبارًا عن نبينا عليه الصلاة والسلام بتَضَجُّره، وقلة صبره، بل فيه دلالة على مدح صبر يوسف، وترك الاستعجال بالخروج، لِيَزُولَ
ولم يذكر (١) سيدته تأدُّبًا ومراعاةً لحقها، واحترازًا من مكرها، حيث اعتقدَها مقيمةً في عَدْوَةِ العَداوة، وأما النسوة فقد كان يَطْمَعُ في صَدْعهن بالحقِّ وشهادتهن بإقرارها، بأنها رَاوَدَتهُ عن نفسِهِ ﴿فَاسْتَعْصَمَ﴾.
قال العلماء (٢): إنما أبَى يُوسُفَ عليه السلام أن يخرجَ من السجن، إلا بعد أن يتفحَّص المَلِكُ عن حاله مع النسوة. لتنكشفَ حقيقة الحال، عنده لا سيما عند العزيز، ويَعلم أنه سجِنَ ظُلمًا، فلا يقدِر الحاسد إلى تقبيح أمره، وليظْهَر كمال عقله، وصبْرِه ووقَارِه، فإن مَنْ بَقِيَ في السجن ثنتي عشرة سنةً إذا طلبه الملك، وأمر بإخراجه، ولم يبادر إلى الخروج، وصَبَرَ إلى أن تتبين براءتَهُ من الخيانة في حق العزيز، وأهله دَلَّ ذلك على براءته من جميع أنواع التُّهَمِ. وفي الحديث: "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَم". ومنه قال عليه السلام للمارين به في معتكفه وعنده بعض نساءه: "هِيَ فُلانةُ" نفيًا للتهمة.
وروي عن النبي - ﷺ - أنه اسْتَحْسَنَ حَزْمَ يُوسُفَ وصَبْره حين دعاه الملك، فلم يُبَادِر إلى الخروج حيث قال عليه السلام: "لقد عَجِبْتُ من يوسُفَ وكرمه، وصبْرِه، والله يَغْفِرُ له حينَ سُئل عن البقرات العِجاف والسمانِ، ولو كنتُ مَكَانَه ما أخبرتهم حتى اشْتَرطت أن يُخْرِجوني، ولقد عَجِبْتُ حين أتاه الرسول فقال: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾، الآية. ولو كنت مكانَه ولبثتُ في السجن ما لَبث.. لأسْرَعْتُ الإجابة، وبادَرْتُهم الباب، وما ابتغيت العذرَ، إنه كان حليمًا ذَا أناة". الحِلْمُ، بكسر الحاء: تأخير مكافأة الظُلّم، والأَناة على وزن القَنَاة: التأني وترك العجلة. قال ابن الملك: هذا ليس إخبارًا عن نبينا عليه الصلاة والسلام بتَضَجُّره، وقلة صبره، بل فيه دلالة على مدح صبر يوسف، وترك الاستعجال بالخروج، لِيَزُولَ
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
437
عن قلب الملك ما كان مُتَّهَمًا به من الفاحشة، ولا يُنْظَر إليه بعين مشكوكة، انتهى.
وقال الطَّيبِي: هذا من رسول الله - ﷺ - على سبيل التواضع لا أنه كان مستعجلًا في الأمور غير متأن، والتَّواضُعُ لا يصغِّر كبيرًا، ولا يَضعُ رفيعًا، بل يُرحِّب لصاحبه فَضلًا، ويُورِثُه جَلالًا وقدرًا.
﴿إِنَّ رَبِّي﴾ سبحانه وتعالى، أو إن سيدي (١) ومربي، وهو ذلك الملك، قاله ابن عطية، ورُدَّ عليه. ﴿بِكَيْدِهِنَّ﴾؛ أي: بمكرهن ﴿عَلِيمٌ﴾ حين، قلنَ لي: أطع مَوْلاَتَكَ. وفيه استشهاد بعلم الله على أنهن كِدْنَه، وأنه بريء من التهمة كأنه قيل: احمله على التعرف، يتبيَّنُ له براءة ساحتي، فإنَّ الله يعلم أنَّ ذلك كان كيدًا منهن. والمعنى: أنه (٢) تعالى هو العالم بخفيات الأمور، وهو الذي صرَف عنِّي كيدهُن، فلم يَمْسَسْنِي منه سوء.
وقد دلَّ هذا التمهل، والتأني من يوسف عليه السلام عن إجابة طلب الملك له حتى تحقق براءته على جملة أمور:
١ - جميلُ صبره، وحُسْنُ أناته، ولا عَجَب، فمِثْلُه ممَّن لقيَ الشدائد جدير به أن يكون صبورًا حليمًا، ولا سيما ممن ورَثَ النبوة كابرًا عن كابر، وقد وَرد في "الصحيحين" مرفوعًا: "ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الدَّاعي"، وفي رواية أحمد: "لو كنت أنا لأسرعت الإجابة، وما ابتغَيْتُ العُذْرَ".
٢ - عِزَّة نفسه وصون كرامته، إذ لم يَرْضَ أن تكون التهمة بالباطل عالقةً به، فطلب إظهار براءته، وعفَّتِه عن أن يَزِنَ بريبة، أو تَحُومَ حول اسمه شائبة السوء.
٣ - أنه عَفَّ عن اتهام النسوة بالسوء، والتصريح بالطعن عليهن، حتى يتحقق الملك بنفسه، حِينَ ما يسألهن عن السبب في تقطيع الأيدي، ويعلمُ ذلك
وقال الطَّيبِي: هذا من رسول الله - ﷺ - على سبيل التواضع لا أنه كان مستعجلًا في الأمور غير متأن، والتَّواضُعُ لا يصغِّر كبيرًا، ولا يَضعُ رفيعًا، بل يُرحِّب لصاحبه فَضلًا، ويُورِثُه جَلالًا وقدرًا.
﴿إِنَّ رَبِّي﴾ سبحانه وتعالى، أو إن سيدي (١) ومربي، وهو ذلك الملك، قاله ابن عطية، ورُدَّ عليه. ﴿بِكَيْدِهِنَّ﴾؛ أي: بمكرهن ﴿عَلِيمٌ﴾ حين، قلنَ لي: أطع مَوْلاَتَكَ. وفيه استشهاد بعلم الله على أنهن كِدْنَه، وأنه بريء من التهمة كأنه قيل: احمله على التعرف، يتبيَّنُ له براءة ساحتي، فإنَّ الله يعلم أنَّ ذلك كان كيدًا منهن. والمعنى: أنه (٢) تعالى هو العالم بخفيات الأمور، وهو الذي صرَف عنِّي كيدهُن، فلم يَمْسَسْنِي منه سوء.
وقد دلَّ هذا التمهل، والتأني من يوسف عليه السلام عن إجابة طلب الملك له حتى تحقق براءته على جملة أمور:
١ - جميلُ صبره، وحُسْنُ أناته، ولا عَجَب، فمِثْلُه ممَّن لقيَ الشدائد جدير به أن يكون صبورًا حليمًا، ولا سيما ممن ورَثَ النبوة كابرًا عن كابر، وقد وَرد في "الصحيحين" مرفوعًا: "ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الدَّاعي"، وفي رواية أحمد: "لو كنت أنا لأسرعت الإجابة، وما ابتغَيْتُ العُذْرَ".
٢ - عِزَّة نفسه وصون كرامته، إذ لم يَرْضَ أن تكون التهمة بالباطل عالقةً به، فطلب إظهار براءته، وعفَّتِه عن أن يَزِنَ بريبة، أو تَحُومَ حول اسمه شائبة السوء.
٣ - أنه عَفَّ عن اتهام النسوة بالسوء، والتصريح بالطعن عليهن، حتى يتحقق الملك بنفسه، حِينَ ما يسألهن عن السبب في تقطيع الأيدي، ويعلمُ ذلك
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
438
منهن حينَ الإجابة.
٤ - أنه لم يذكر سيدَتَهُ معهن، وهي السبب في تلك الفتنة الشَّعواء وَفاءً لزوجها ورحمةً بها، وإنما اتَّهمها أولًا دِفاعًا عن نفسه، حين وَقَفَ موقفَ التهمة لدى سيدها، وبعد أن طَعنَتْ فيه. وقرأ (١) أبو حيوة، وأبو بكر، عن عاصم في رواية ﴿النُّسوة﴾ بضم النون وقرأت فرقة ﴿اللائي﴾ بالياء وكلاهما جمع التي.
ومعنى قوله: ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾؛ أي: إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى عَالِمُ بصنيعهنّ، وما احتَلْنَ في هذه الواقعة من الحِيل العظيمة؛ فلمَّا أبي يُوسُفُ أن يَخْرُجَ من السجن، قبل تبين الأمر رَجَعَ الرسول إلى المَلِكِ، فأخبره بما قال يوسف عليه السلام، فأمر الملك بإحضارهنَّ، وكانت زليخا معهن،
٥١ - فلما حَضَرْنَ ﴿قَالَ﴾ الملك لهن ﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾؛ أي: ما شأنكن وأمركن ﴿إِذْ رَاوَدْتُنَّ﴾ وطالبتن ﴿يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ﴾ والخطب: الشَّأْنُ (٢) العظيم الذي يقع فيه التخاطب، إما لغرابته، وإما لإنكاره، ومنه قولُه تعالى حكايةً عن إبراهيم عليه السلام: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧)﴾، وعن موسى عليه السلام: ﴿فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾. وإنما (٣) خاطَبَ الملكُ جميعَ النسوة بهذا الخطاب، والمراد بذلك امرأةُ العزيز، وَحْدَها لِيَكُون أسْتَر لها. وقيل: إنَّ امرأة العزيز راودته عن نفسه، وَحْدَها وسَائِر النسوة أمَرْنَه بطاعتها، فلذلك خاطبهن بهذا الخطاب؛ أي: فلمَّا اجْتَمَعْنَ بأمره سألهن بقوله: ما خطبكن الذي حَمَلَكُنَّ على مراودته عن نفسه، هل كان عن ميل منه إليكن؟ وهل رأيتُنَّ منه مواتاة واستجابةً بعدها؟ وماذا كان السببُ في إلقائِهِ في السجن مع المجرمين؟ ﴿قُلْنَ﴾؛ أي: جماعةُ النسوة مجيبات للملك ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾؛ أي: مَعاذًا وتنزيهًا لله تعالى عن كلِّ ما لا يليقُ به. وأصله: حَاشَا بالألف فحُذِفَت للتخفيف، وهو في الأصل حَرفٌ وضِعَ هنا موضعَ المصدر؛ أي: التنزيه، و (اللام) لبيان من يبرأ، وينزَّهُ وقد سبقَ في هذه السورة، فهو تنزيه له
٤ - أنه لم يذكر سيدَتَهُ معهن، وهي السبب في تلك الفتنة الشَّعواء وَفاءً لزوجها ورحمةً بها، وإنما اتَّهمها أولًا دِفاعًا عن نفسه، حين وَقَفَ موقفَ التهمة لدى سيدها، وبعد أن طَعنَتْ فيه. وقرأ (١) أبو حيوة، وأبو بكر، عن عاصم في رواية ﴿النُّسوة﴾ بضم النون وقرأت فرقة ﴿اللائي﴾ بالياء وكلاهما جمع التي.
ومعنى قوله: ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾؛ أي: إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى عَالِمُ بصنيعهنّ، وما احتَلْنَ في هذه الواقعة من الحِيل العظيمة؛ فلمَّا أبي يُوسُفُ أن يَخْرُجَ من السجن، قبل تبين الأمر رَجَعَ الرسول إلى المَلِكِ، فأخبره بما قال يوسف عليه السلام، فأمر الملك بإحضارهنَّ، وكانت زليخا معهن،
٥١ - فلما حَضَرْنَ ﴿قَالَ﴾ الملك لهن ﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾؛ أي: ما شأنكن وأمركن ﴿إِذْ رَاوَدْتُنَّ﴾ وطالبتن ﴿يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ﴾ والخطب: الشَّأْنُ (٢) العظيم الذي يقع فيه التخاطب، إما لغرابته، وإما لإنكاره، ومنه قولُه تعالى حكايةً عن إبراهيم عليه السلام: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧)﴾، وعن موسى عليه السلام: ﴿فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾. وإنما (٣) خاطَبَ الملكُ جميعَ النسوة بهذا الخطاب، والمراد بذلك امرأةُ العزيز، وَحْدَها لِيَكُون أسْتَر لها. وقيل: إنَّ امرأة العزيز راودته عن نفسه، وَحْدَها وسَائِر النسوة أمَرْنَه بطاعتها، فلذلك خاطبهن بهذا الخطاب؛ أي: فلمَّا اجْتَمَعْنَ بأمره سألهن بقوله: ما خطبكن الذي حَمَلَكُنَّ على مراودته عن نفسه، هل كان عن ميل منه إليكن؟ وهل رأيتُنَّ منه مواتاة واستجابةً بعدها؟ وماذا كان السببُ في إلقائِهِ في السجن مع المجرمين؟ ﴿قُلْنَ﴾؛ أي: جماعةُ النسوة مجيبات للملك ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾؛ أي: مَعاذًا وتنزيهًا لله تعالى عن كلِّ ما لا يليقُ به. وأصله: حَاشَا بالألف فحُذِفَت للتخفيف، وهو في الأصل حَرفٌ وضِعَ هنا موضعَ المصدر؛ أي: التنزيه، و (اللام) لبيان من يبرأ، وينزَّهُ وقد سبقَ في هذه السورة، فهو تنزيه له
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
تعالى، وتعجب من قدرته على خَلْقٍ عَفيفٍ مِثله. ﴿مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾؛ أي: خيانَةٍ في شيء من الأشياء؛ أي: تَنْزِيهًا لله سبحانه وتعالى، ما عَلِمْنَا على يوسف سوءًا، ولا ذَنْبًا يَشِينَهُ ويسوؤه لا قليلًا، ولا كثيرًا في شيء من الأشياء. ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ زُليخَا ﴿الْآنَ﴾؛ أي: في هذا الوقت الحاضر ﴿حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾؛ أي: ظَهَرَ، وتَبَيَّنَ أنه مع يوسف بعد أن كانَ خَفِيًّا؛ أي: إنَّ الحقَّ في هذه القضية كان في رَأْي مَنْ بَلَغهم موزَّع التبعة بيننا معشر النسوة، وبين يُوسُفَ لكل منَّا حِصَّة بقدر ما عرض فيها من شبهة، والآن قد ظَهَرَ الحق في جانب واحد، لا خَفَاءَ فيه، وهُنَّ قد شَهِدْنَ بما علِمْنَ شهادة نَفْي، وها أنا ذَا أشهد على نفْسِي شهادةَ إيجاب بقولي: ﴿أَنَا رَاوَدْتُهُ﴾ وطلبته ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ لا أنَّه راودني بل اسْتَعْصَمَ، وأعرض عني ﴿وَإِنَّهُ﴾؛ أي: وإنَّ يوسف ﴿لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في قوله: حين افتريت عليه ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾.
وإنَّما أقرَّت زُليخَا واعترفت بذنبها، وشَهِدَتْ ببراءة يوسف من الذنب، مُكَافأةً ليوسف على فعله، حيثُ تَرَكَ ذِكْرَهَا، وقال: ما بال النسوة اللَّاتي قَطَّعْنَ أيديهن، مع أنَّ الفِتَنَ كُلَّها إنما نشأت من جهَتِها، وقد عَرَفَتْ أنَّ ذلك لرعاية حقها، ولتعظيمها، ولإخفاء الأمر عليها. وفي هذا الاعتراف شهادةٌ مُريحة من امرأة العزيز، ببراءة يوسف من كلِّ الذنوب، وطهارته من كلِّ العيوب.
٥٢ - ﴿ذَلِكَ﴾ الاعترافُ منّي بالحق له، والشهادة بالصدق الذي علِمْتُهُ منه ﴿لِيَعْلَمَ﴾ يوسف ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ عنه منذ سجن إلى الآن، فلم أَنَلْ من أمانته، أو أطْعَنَ في شَرَفِه، وعفَّتِه بالغيبة، بل صرَّحَت لأولئك النسوة بأني راودته عن نفسه، فاستعصم، وها أنا ذا أُقِر بهذا أمام الملك، ورجال دولته، وهو غائب عنَّا، وإن كنتُ قد قلت فيه ما قلت في حضرته، ثمَّ بالغت في تأكيد هذا القول فقالت ﴿و﴾ ليعلم يوسف ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾؛ أي: لا ينفذه، ولا يسدِّدُهُ بل يبطله، ويُزْهِقُهُ، وتكون عاقبته الفَضِيحَةُ، والنَّكال، ولقد كِدنا له، فصرف رَبّهُ عنه كيدنا، وسجَّنَّاه فبَرَّأه الله تعالى، وفَضَحَ مكرنا حتى شَهِدْنَا على أنفسنا في مثل هذا الحفل الرهيب، والمقام المنيف، ببراءته من كل
وإنَّما أقرَّت زُليخَا واعترفت بذنبها، وشَهِدَتْ ببراءة يوسف من الذنب، مُكَافأةً ليوسف على فعله، حيثُ تَرَكَ ذِكْرَهَا، وقال: ما بال النسوة اللَّاتي قَطَّعْنَ أيديهن، مع أنَّ الفِتَنَ كُلَّها إنما نشأت من جهَتِها، وقد عَرَفَتْ أنَّ ذلك لرعاية حقها، ولتعظيمها، ولإخفاء الأمر عليها. وفي هذا الاعتراف شهادةٌ مُريحة من امرأة العزيز، ببراءة يوسف من كلِّ الذنوب، وطهارته من كلِّ العيوب.
٥٢ - ﴿ذَلِكَ﴾ الاعترافُ منّي بالحق له، والشهادة بالصدق الذي علِمْتُهُ منه ﴿لِيَعْلَمَ﴾ يوسف ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ عنه منذ سجن إلى الآن، فلم أَنَلْ من أمانته، أو أطْعَنَ في شَرَفِه، وعفَّتِه بالغيبة، بل صرَّحَت لأولئك النسوة بأني راودته عن نفسه، فاستعصم، وها أنا ذا أُقِر بهذا أمام الملك، ورجال دولته، وهو غائب عنَّا، وإن كنتُ قد قلت فيه ما قلت في حضرته، ثمَّ بالغت في تأكيد هذا القول فقالت ﴿و﴾ ليعلم يوسف ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾؛ أي: لا ينفذه، ولا يسدِّدُهُ بل يبطله، ويُزْهِقُهُ، وتكون عاقبته الفَضِيحَةُ، والنَّكال، ولقد كِدنا له، فصرف رَبّهُ عنه كيدنا، وسجَّنَّاه فبَرَّأه الله تعالى، وفَضَحَ مكرنا حتى شَهِدْنَا على أنفسنا في مثل هذا الحفل الرهيب، والمقام المنيف، ببراءته من كل
440
العيوب، وسلامته من كل سوء. وعلى الجملة فالتحقيقُ أسْفَرَ عن أنَّ يُوسُفَ كان مثلَ الكَمال الإنساني في عفته ونزاهته، لم يمسسه سوء من فتنة أولئك النسوة، وأنَّ امرأة العزيز أقرَّتْ في خَاتِمَةِ المطاف بذنبها في مجلس الملك، إيثارًا للحق، وإثباتًا لبراءة يُوسُفَ عليه السلام.
تنبيه: واختلفَ المفسِّرون في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ على قولين (١):
أحدهما: أنه من قول المرأة، وهو الظاهر كما جَرَيْنا عليه في حَلِّنا سابقًا. ووجه هذا القول: أنَّ هذا كلام متَّصِلٌ بما قبله، وهو قول المرأة: ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾، ثم قالت: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ إلخ. والمعنى عليه (٢): كما تقدَّم ذلك الإقرار، والاعتراف بالحق، ليعلم يوسُفُ أنّي لم أخنه في غيبته، وهو في السجن، ولم أكذب عليه بذنب، وهو بريء منه، بل قلت: أنا راودته عن نفسه، ثم اعتذرت عمَّا وقعت فيه، ممَّا يقع فيه البشرُ من الشهوات بقولها: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾. والنفوسُ مائِلةٌ إلى الشهوات، أمَّارةٌ بالسوء. وقال الزمخشري: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ مع ذلك من الخيانة، فإني قَدْ خنته حين قذفته وقلتُ: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ﴾ تريد الاعتذارَ لما كان منها؛ بأنَّ كل نفس لأمارة بالسوء إلّا نفسًا رَحِمَها الله تعالى بالعصمة، إنَّ ربي غفورٌ رحيمٌ، استغفرت ربَّها واسْتَرْحَمْتُهُ ممَّا ارتَكَبْت.
والقول الثاني: أنه من كلام يُوسُفَ عليه السلام اتصلَ بقول امرأة العزيز: أنا راودتُه عن نفسه من غير تمييز بين الكلامين لمعرفة السامعين، لذلك مع غموض فيه؛ لأنه ذَكَرَ كلامَ إنسان، ثمَّ أتْبَعَه بكلام إنسان آخر، من غير فصل بين الكلامين.
وقال الفراء: ولا يبعد وصْلُ كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلَّتِ القرينة
تنبيه: واختلفَ المفسِّرون في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ على قولين (١):
أحدهما: أنه من قول المرأة، وهو الظاهر كما جَرَيْنا عليه في حَلِّنا سابقًا. ووجه هذا القول: أنَّ هذا كلام متَّصِلٌ بما قبله، وهو قول المرأة: ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾، ثم قالت: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ إلخ. والمعنى عليه (٢): كما تقدَّم ذلك الإقرار، والاعتراف بالحق، ليعلم يوسُفُ أنّي لم أخنه في غيبته، وهو في السجن، ولم أكذب عليه بذنب، وهو بريء منه، بل قلت: أنا راودته عن نفسه، ثم اعتذرت عمَّا وقعت فيه، ممَّا يقع فيه البشرُ من الشهوات بقولها: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾. والنفوسُ مائِلةٌ إلى الشهوات، أمَّارةٌ بالسوء. وقال الزمخشري: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ مع ذلك من الخيانة، فإني قَدْ خنته حين قذفته وقلتُ: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ﴾ تريد الاعتذارَ لما كان منها؛ بأنَّ كل نفس لأمارة بالسوء إلّا نفسًا رَحِمَها الله تعالى بالعصمة، إنَّ ربي غفورٌ رحيمٌ، استغفرت ربَّها واسْتَرْحَمْتُهُ ممَّا ارتَكَبْت.
والقول الثاني: أنه من كلام يُوسُفَ عليه السلام اتصلَ بقول امرأة العزيز: أنا راودتُه عن نفسه من غير تمييز بين الكلامين لمعرفة السامعين، لذلك مع غموض فيه؛ لأنه ذَكَرَ كلامَ إنسان، ثمَّ أتْبَعَه بكلام إنسان آخر، من غير فصل بين الكلامين.
وقال الفراء: ولا يبعد وصْلُ كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلَّتِ القرينة
(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
441
الفارقة لكل منهما إلى ما يليق به. ونظيرُ هذا قوله تعالى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ﴾ هذا من قول الملأ: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ هذا من قول فرعون. ومثله قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ هذا من كلام بلقيس ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ من قوله عَزَّ وَجَلَّ تصديقًا لقولها.
ومعنى الآية على هذا القول ﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: طَلَب (١) البراءة أو ذلك التثبتُ، والتَّشَمُّرُ لظهور البراءة ﴿لِيَعْلَمَ﴾ أي العزيز ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ﴾ في حرمه؛ لأنَّ المعصية خيانة ﴿بِالْغَيْبِ﴾؛ أي: بظهر الغيب، وهو حال من الفاعل؛ أي: لم أخنْهُ، وأنا غائِبٌ عنه خفي على عينه، أو من المفعول؛ أي: وهو غائب عني خفي عن عيني، أو ظرف؛ أي: بمكان الغيب؛ أي: وراءَ الأستار والأبواب المغلَقة. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾؛ أي: وليعلم العزيز أنَّ الله سبحانه وتعالى ﴿لَا يَهْدِي﴾ ولا ينفذ، ولا يسدِّد، ولا يتمِّم ﴿كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ بل يبطله، ويزهقه كما لم يسدد كَيْدَ امرأته، حتى أقرت بخيانة أمانة زوجها، وسُمِّي فعل الخائن كيدًا؛ لأنَّ شأنَه أنْ يُفْعَلَ بطريق الاحتيال، والتلبيس، فمعنى هداية الكيد، إتمامُه وجعله مؤدِّيًا إلى ما قُصِدَ به. وفيه تعريض، بامرأة العزيز في خِيَانَتِها أمانَتَهُ، وبنفس العزيز في خيانة أمانة الله تعالى حين ساعدها على حبسِ يوسف بعدما رأوا آيات نَزَاهَتِه. ويجوز أن يكون ذلك لتأكيد أمانته، وأنه لو كان خائنًا.. لمَا هَدَى الله أمره وأحسن عاقِبَتَهُ. وفيه إشارة إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى يُوصِلُ عبادَه الصَّادِقين بعد الغمِّ إلى السرور، ويُخرِجُهم من الظلمات إلى النور. وفي (٢) الآية دلالة على أنَّ الخيانة من الصفات الذميمة، كما أنَّ الأمانَةَ من الخصال المحمودة. ثمَّ أراد (٣) يُوسُفُ أن يَتَوَاضَعَ لله، ويهضم نفسه لئلا يكون مُزَكِّيِّا لها، ولحالها في الأمانة مُعْجِبًا، وليبيِّنَ أنَّ ما فيه من الأَمانةِ ليس به وحده، وإنما هو بتوفيق الله، ولُطْفِهِ، وعصمته فقال: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ من الزلل، وما أشهدُ لها بالبراءة بالكلية، ولا أزكِّيها ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ بالعصمةِ ﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
ومعنى الآية على هذا القول ﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: طَلَب (١) البراءة أو ذلك التثبتُ، والتَّشَمُّرُ لظهور البراءة ﴿لِيَعْلَمَ﴾ أي العزيز ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ﴾ في حرمه؛ لأنَّ المعصية خيانة ﴿بِالْغَيْبِ﴾؛ أي: بظهر الغيب، وهو حال من الفاعل؛ أي: لم أخنْهُ، وأنا غائِبٌ عنه خفي على عينه، أو من المفعول؛ أي: وهو غائب عني خفي عن عيني، أو ظرف؛ أي: بمكان الغيب؛ أي: وراءَ الأستار والأبواب المغلَقة. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾؛ أي: وليعلم العزيز أنَّ الله سبحانه وتعالى ﴿لَا يَهْدِي﴾ ولا ينفذ، ولا يسدِّد، ولا يتمِّم ﴿كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ بل يبطله، ويزهقه كما لم يسدد كَيْدَ امرأته، حتى أقرت بخيانة أمانة زوجها، وسُمِّي فعل الخائن كيدًا؛ لأنَّ شأنَه أنْ يُفْعَلَ بطريق الاحتيال، والتلبيس، فمعنى هداية الكيد، إتمامُه وجعله مؤدِّيًا إلى ما قُصِدَ به. وفيه تعريض، بامرأة العزيز في خِيَانَتِها أمانَتَهُ، وبنفس العزيز في خيانة أمانة الله تعالى حين ساعدها على حبسِ يوسف بعدما رأوا آيات نَزَاهَتِه. ويجوز أن يكون ذلك لتأكيد أمانته، وأنه لو كان خائنًا.. لمَا هَدَى الله أمره وأحسن عاقِبَتَهُ. وفيه إشارة إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى يُوصِلُ عبادَه الصَّادِقين بعد الغمِّ إلى السرور، ويُخرِجُهم من الظلمات إلى النور. وفي (٢) الآية دلالة على أنَّ الخيانة من الصفات الذميمة، كما أنَّ الأمانَةَ من الخصال المحمودة. ثمَّ أراد (٣) يُوسُفُ أن يَتَوَاضَعَ لله، ويهضم نفسه لئلا يكون مُزَكِّيِّا لها، ولحالها في الأمانة مُعْجِبًا، وليبيِّنَ أنَّ ما فيه من الأَمانةِ ليس به وحده، وإنما هو بتوفيق الله، ولُطْفِهِ، وعصمته فقال: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ من الزلل، وما أشهدُ لها بالبراءة بالكلية، ولا أزكِّيها ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ بالعصمةِ ﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
442
وعلى هذا القول الأخير: اختلفوا (١) أيْنَ كان يُوسُفُ حين قال هذه المقالة على قولين؛ أحدهما: أنَّه كان في السجن، وذلك أنَّه لمّا رَجَعَ إليه رسولُ الملك، وهو في السجن، وأَخْبره بجواب امرأة العزيز، للْمَلِك حينئذ قال: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾، وهذه رواية أبي صالح عن ابن عباس، وبه قال ابن جريج. والقولُ الثاني: أنه قال هذه المقالَةَ عند حضوره عند الملك، وهذه روايةُ عطاء عن ابن عباس، رضي الله عنهما، والله أعلم.
الإعراب
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)﴾.
﴿وَدَخَلَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. (دخل) فعل ماض. ﴿مَعَهُ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق به. ﴿السِّجْنَ﴾ منصوب على الظرفية متعلق به. ﴿فَتَيَانِ﴾ فاعل مرفوع بالألف، والجملة معطوفة على محذوف، تقديره: فسجنوه، ودَخَل معه السجن. ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا﴾ فعل وفاعل، والجملةُ مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾ وإن شئتَ قلت: ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿أَرَانِي﴾ فعل ومفعول أول ونون وقاية وفاعله ضمير يعود على أحدهما. ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على أحدهما، وجملة ﴿أَعْصِرُ﴾ في محل النصب مفعول ثاني لـ ﴿أَرَى﴾ الحلمية، وجملة ﴿أَرَانِي﴾ في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَقَالَ الْآخَرُ﴾ فعل وفاعل، معطوف على قال الأول. ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿أَرَانِي﴾ فعل ومفعول أول و (نون) وقاية وفاعله ضمير يعود على الآخر. ﴿أَحْمِلُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الآخر. ﴿فَوْقَ رَأْسِي﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَحْمِلُ﴾. ﴿خُبْزًا﴾ مفعول لـ ﴿أَحْمِلُ﴾. ﴿تَأْكُلُ الطَّيْرُ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِنْهُ﴾ متعلق به، وجملة
الإعراب
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)﴾.
﴿وَدَخَلَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. (دخل) فعل ماض. ﴿مَعَهُ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق به. ﴿السِّجْنَ﴾ منصوب على الظرفية متعلق به. ﴿فَتَيَانِ﴾ فاعل مرفوع بالألف، والجملة معطوفة على محذوف، تقديره: فسجنوه، ودَخَل معه السجن. ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا﴾ فعل وفاعل، والجملةُ مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾ وإن شئتَ قلت: ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿أَرَانِي﴾ فعل ومفعول أول ونون وقاية وفاعله ضمير يعود على أحدهما. ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على أحدهما، وجملة ﴿أَعْصِرُ﴾ في محل النصب مفعول ثاني لـ ﴿أَرَى﴾ الحلمية، وجملة ﴿أَرَانِي﴾ في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَقَالَ الْآخَرُ﴾ فعل وفاعل، معطوف على قال الأول. ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿أَرَانِي﴾ فعل ومفعول أول و (نون) وقاية وفاعله ضمير يعود على الآخر. ﴿أَحْمِلُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الآخر. ﴿فَوْقَ رَأْسِي﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَحْمِلُ﴾. ﴿خُبْزًا﴾ مفعول لـ ﴿أَحْمِلُ﴾. ﴿تَأْكُلُ الطَّيْرُ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِنْهُ﴾ متعلق به، وجملة
(١) الخازن.
443
﴿تَأْكُلُ﴾ صفة لـ ﴿خُبْزًا﴾، ولكنّها صفةٌ سببية، وجملة ﴿أَحْمِلُ﴾ في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿أَرَانِي﴾، وجملة ﴿أَرَانِي﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنِّي﴾، وجملة ﴿إِنِّي﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿نَبِّئْنَا﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾ متعلِّق به، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّا﴾ ناصب واسمه. ﴿نَرَاكَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الفتيين. ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ جار ومجرور في محل النصب مفعول ثان، أو حال من (الكاف)، وجملة ﴿نَرَاكَ﴾ في محل الرفع خَبر (إنَّ)، وجملة (إنَّ) مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة مستأنفة. ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿لا﴾ نافية. ﴿يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ﴾ فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿تُرْزَقَانِهِ﴾ فعل ونائب فاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع صفة لـ ﴿طَعَامٌ﴾. ﴿إلا﴾ أداة استثناء مفرغ من أعم الأحوال. ﴿نَبَّأْتُكُمَا﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾ متعلِّق به، والجملة في محل الجر بإضافة المستثنى المحذوف، والتقدير: لا يأتيكما طعام ترزقانه في حال من الأحوال إلا في حال تنبئني إياكما بتأويله. ﴿قَبْلَ﴾ منصوب على الظرفية. ﴿أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الطعام، والجملةُ في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه، تقديره: قبل إتيانه إياكما، والظرفُ متعلق بـ ﴿نَبَّأْتُكُمَا﴾. ﴿ذَلِكُمَا﴾ مبتدأ. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور خبرُ المبتدأ، والجملة مستأنفة. ﴿عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ فعل ومفعول أول، وفاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره: مما علَّمنِيه ربي، والجملة صلةٌ لـ (ما) أو صفةٌ لها، والعائد، أو الرابطُ الضمير المحذوف. ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿تَرَكْتُ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِلَّةَ قَوْمٍ﴾ مفعول، ومضاف إليه، وجملةُ ﴿تَرَكْتُ﴾ في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إنَّ) مستأنفة على كونها مقولَ ﴿قَالَ﴾. ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ فعل وفاعل. ﴿بِاللَّهِ﴾ متعلق به والجملة في محل الجر
﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة مستأنفة. ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلتَ: ﴿لا﴾ نافية. ﴿يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ﴾ فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿تُرْزَقَانِهِ﴾ فعل ونائب فاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع صفة لـ ﴿طَعَامٌ﴾. ﴿إلا﴾ أداة استثناء مفرغ من أعم الأحوال. ﴿نَبَّأْتُكُمَا﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾ متعلِّق به، والجملة في محل الجر بإضافة المستثنى المحذوف، والتقدير: لا يأتيكما طعام ترزقانه في حال من الأحوال إلا في حال تنبئني إياكما بتأويله. ﴿قَبْلَ﴾ منصوب على الظرفية. ﴿أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الطعام، والجملةُ في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه، تقديره: قبل إتيانه إياكما، والظرفُ متعلق بـ ﴿نَبَّأْتُكُمَا﴾. ﴿ذَلِكُمَا﴾ مبتدأ. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور خبرُ المبتدأ، والجملة مستأنفة. ﴿عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ فعل ومفعول أول، وفاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره: مما علَّمنِيه ربي، والجملة صلةٌ لـ (ما) أو صفةٌ لها، والعائد، أو الرابطُ الضمير المحذوف. ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿تَرَكْتُ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِلَّةَ قَوْمٍ﴾ مفعول، ومضاف إليه، وجملةُ ﴿تَرَكْتُ﴾ في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إنَّ) مستأنفة على كونها مقولَ ﴿قَالَ﴾. ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ فعل وفاعل. ﴿بِاللَّهِ﴾ متعلق به والجملة في محل الجر
444
صفة لـ ﴿قَوْمٍ﴾. ﴿وَهُمْ﴾ مبتدأ. ﴿بِالْآخِرَةِ﴾ متعلق بـ ﴿كَافِرُونَ﴾. ﴿هُمْ﴾ الثاني تأكيد للأول. ﴿كَافِرُونَ﴾ خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجر معطوفة على جملة ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ على كونها صفةً لـ ﴿قَوْمٍ﴾.
﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
﴿وَاتَّبَعْتُ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِلَّةَ آبَائِي﴾ مفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿تَرَكْتُ﴾ على كونها خبرًا لـ (إن). ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ بدل من ﴿آبَائِي﴾ بدل تفصيل من مجمل مجرور بالفتحة. ﴿وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ معطوفان على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿مَا﴾ نافية. ﴿كَانَ﴾ فعل ماض ناقص. ﴿لَنَا﴾ خبرها مقدم على اسمها. ﴿أَنْ نُشْرِكَ﴾ ناصب وفعل، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿بِاللَّهِ﴾ متعلق بـ ﴿نُشْرِكَ﴾. ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ مفعول ﴿نُشْرِكَ﴾ و (من) زائدة، وجملة ﴿نُشْرِكَ﴾ في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم ﴿كَانَ﴾ والتقدير: ما كان إشراكُنَا بالله شيئًا كائنًا لنا، والجملة مستأنفة على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾.
﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ. ﴿مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾. ﴿عَلَيْنَا﴾ متعلق بـ ﴿فَضْلِ اللَّهِ﴾. ﴿وَعَلَى النَّاسِ﴾ معطوف على ﴿عَلَيْنَا﴾. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ ناصب واسمه. وجملة ﴿لَا يَشْكُرُونَ﴾ خبر ﴿لكن﴾ والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾.
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩)﴾.
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، وهو من إضافة الوصف إلى الظرف؛ أي: يا صاحبين لي في السجن، أو من باب الإضافة إلى الشبيه بالمفعول، والمعنى: يا ساكني السجن. ﴿أَأَرْبَابٌ﴾ (الهمزة) للاستفهام التقريري. ﴿أرباب﴾ مبتدأ. ﴿مُتَفَرِّقُونَ﴾ صفة له، والجملة
﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
﴿وَاتَّبَعْتُ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِلَّةَ آبَائِي﴾ مفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿تَرَكْتُ﴾ على كونها خبرًا لـ (إن). ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ بدل من ﴿آبَائِي﴾ بدل تفصيل من مجمل مجرور بالفتحة. ﴿وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ معطوفان على ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. ﴿مَا﴾ نافية. ﴿كَانَ﴾ فعل ماض ناقص. ﴿لَنَا﴾ خبرها مقدم على اسمها. ﴿أَنْ نُشْرِكَ﴾ ناصب وفعل، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿بِاللَّهِ﴾ متعلق بـ ﴿نُشْرِكَ﴾. ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ مفعول ﴿نُشْرِكَ﴾ و (من) زائدة، وجملة ﴿نُشْرِكَ﴾ في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم ﴿كَانَ﴾ والتقدير: ما كان إشراكُنَا بالله شيئًا كائنًا لنا، والجملة مستأنفة على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾.
﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ. ﴿مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾. ﴿عَلَيْنَا﴾ متعلق بـ ﴿فَضْلِ اللَّهِ﴾. ﴿وَعَلَى النَّاسِ﴾ معطوف على ﴿عَلَيْنَا﴾. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ ناصب واسمه. وجملة ﴿لَا يَشْكُرُونَ﴾ خبر ﴿لكن﴾ والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ على كونها مقولًا لـ ﴿قَالَ﴾.
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩)﴾.
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، وهو من إضافة الوصف إلى الظرف؛ أي: يا صاحبين لي في السجن، أو من باب الإضافة إلى الشبيه بالمفعول، والمعنى: يا ساكني السجن. ﴿أَأَرْبَابٌ﴾ (الهمزة) للاستفهام التقريري. ﴿أرباب﴾ مبتدأ. ﴿مُتَفَرِّقُونَ﴾ صفة له، والجملة
445
في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها جواب النداء ﴿خَيْرٌ أَمِ﴾ عاطفة متصلة. ﴿اللَّهُ﴾ معطوف على ﴿أرباب﴾. ﴿الْوَاحِدُ﴾ صفة أولى للجلالة. ﴿الْقَهَّارُ﴾ صفة ثانية له.
﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)﴾.
﴿مَا﴾ نافية. ﴿تَعْبُدُونَ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ متعلق به، والمستثنى منه محذوف تقديره: ما تعبدون من دونه شيئًا. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء. ﴿أَسْمَاءً﴾ منصوب على الاستثناء. ﴿سَمَّيْتُمُوهَا﴾ فعل وفاعل ومفعول أول. ﴿أَنْتُمْ﴾ تأكيد لتاء المخاطبين، ليُعْطَفَ عليه ما بعده. ﴿وَآبَاؤُكُمْ﴾ معطوف على (تاء) الفاعل والمفعول الثاني لـ ﴿سميتم﴾ محذوف تقديره: سميتموها آلهةً، وجملة ﴿سَمَّى﴾ في محل النصب صفة لـ ﴿أسماء﴾. ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ (ما) نافية. ﴿أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿بِهَا﴾ متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾. ﴿مِنْ سُلْطَانٍ﴾ مفعول ﴿أَنْزَلَ﴾ و ﴿من﴾ زائدة. ﴿إِنِ الْحُكْمُ﴾ ﴿إن﴾ نافية. ﴿الْحُكْمُ﴾ مبتدأ. ﴿إلا﴾ أداة استثناء مفرغ. ﴿لِلَّهِ﴾ جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَمَرَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة على كَوْنِها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾ ﴿أن﴾ حرف نصب ومصدر. ﴿لا﴾ نافية. ﴿تَعْبُدُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بـ (أن). ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ. ﴿إِيَّاهُ﴾ ضمير نصب منفصل في محل النصب مفعول ﴿تَعْبُدُوا﴾، وجملة ﴿تَعْبُدُوا﴾ في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: أمَرَ بعدم عِبَادَتِكم إلَّا إياه. ﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ. ﴿الدِّينُ﴾ خبره. ﴿الْقَيِّمُ﴾ صفة لـ ﴿الدِّينُ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ ناصب، واسمه. وجملة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لكن﴾، وجملة ﴿لكن﴾ في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها.
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾.
﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)﴾.
﴿مَا﴾ نافية. ﴿تَعْبُدُونَ﴾ فعل وفاعل. ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ متعلق به، والمستثنى منه محذوف تقديره: ما تعبدون من دونه شيئًا. ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء. ﴿أَسْمَاءً﴾ منصوب على الاستثناء. ﴿سَمَّيْتُمُوهَا﴾ فعل وفاعل ومفعول أول. ﴿أَنْتُمْ﴾ تأكيد لتاء المخاطبين، ليُعْطَفَ عليه ما بعده. ﴿وَآبَاؤُكُمْ﴾ معطوف على (تاء) الفاعل والمفعول الثاني لـ ﴿سميتم﴾ محذوف تقديره: سميتموها آلهةً، وجملة ﴿سَمَّى﴾ في محل النصب صفة لـ ﴿أسماء﴾. ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ (ما) نافية. ﴿أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿بِهَا﴾ متعلق بـ ﴿أَنْزَلَ﴾. ﴿مِنْ سُلْطَانٍ﴾ مفعول ﴿أَنْزَلَ﴾ و ﴿من﴾ زائدة. ﴿إِنِ الْحُكْمُ﴾ ﴿إن﴾ نافية. ﴿الْحُكْمُ﴾ مبتدأ. ﴿إلا﴾ أداة استثناء مفرغ. ﴿لِلَّهِ﴾ جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَمَرَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة على كَوْنِها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾ ﴿أن﴾ حرف نصب ومصدر. ﴿لا﴾ نافية. ﴿تَعْبُدُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بـ (أن). ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ. ﴿إِيَّاهُ﴾ ضمير نصب منفصل في محل النصب مفعول ﴿تَعْبُدُوا﴾، وجملة ﴿تَعْبُدُوا﴾ في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: أمَرَ بعدم عِبَادَتِكم إلَّا إياه. ﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ. ﴿الدِّينُ﴾ خبره. ﴿الْقَيِّمُ﴾ صفة لـ ﴿الدِّينُ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ ناصب، واسمه. وجملة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لكن﴾، وجملة ﴿لكن﴾ في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها.
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾.
446
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَمَّا﴾ حرف شرط وتفصيل. ﴿أَحَدُكُمَا﴾ مبتدأ، ومضاف إليه. ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾ فعل ومفعولان، و (الفاء) رابطة لجواب ﴿أما﴾ واقعة في غير موضعها، وفاعله ضمير يعود على الأحد. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية جواب ﴿أما﴾ لا محلَّ لها من الإعراب، وجملة ﴿أما﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها مستأنفة استئنافًا بيانيًّا.
﴿وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾.
﴿وَأَمَّا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿أما﴾ حرف شرط. ﴿الْآخَرُ﴾ مبتدأ. ﴿فَيُصْلَبُ﴾ (الفاء) رابطة لجواب ﴿أما﴾. ﴿يصلب﴾ فعل مضارع مغيَّر الصيغة ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿الآخر﴾ والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية جواب ﴿أما﴾، وجملة ﴿أما﴾ معطوفة على جملة ﴿أما﴾ الأولى. ﴿فَتَأْكُلُ﴾ (الفاء) عاطفة. ﴿تأكل الطير﴾ فعل وفاعل. ﴿مِنْ رَأْسِهِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة (يصلب). ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿الَّذِي﴾ في محل الرفع صفة لـ ﴿الأمر﴾. ﴿فِيهِ﴾ متعلق بما بعده. ﴿تَسْتَفْتِيَانِ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير فيه.
﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)﴾.
﴿وَقَالَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿قال﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾. ﴿لِلَّذِي﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿قَالَ﴾. ﴿ظَنَّ﴾ فعل ماض ناسخ، وفاعله ضمير يعود على الموصول والجملة صلة الموصول. ﴿أَنَّهُ نَاجٍ﴾ ناصب واسمه وخبره. ﴿مِنْهُمَا﴾ جار ومجرور حال من الضمير المستتر في ﴿نَاجٍ﴾؛ أي: حَالَة الناجي من جملة الاثنين، وجملة (أن) في تأويل مصدر سَادٍّ مسدَّ مفعولي ﴿ظَنَّ﴾ تقديره:
﴿وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾.
﴿وَأَمَّا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿أما﴾ حرف شرط. ﴿الْآخَرُ﴾ مبتدأ. ﴿فَيُصْلَبُ﴾ (الفاء) رابطة لجواب ﴿أما﴾. ﴿يصلب﴾ فعل مضارع مغيَّر الصيغة ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿الآخر﴾ والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية جواب ﴿أما﴾، وجملة ﴿أما﴾ معطوفة على جملة ﴿أما﴾ الأولى. ﴿فَتَأْكُلُ﴾ (الفاء) عاطفة. ﴿تأكل الطير﴾ فعل وفاعل. ﴿مِنْ رَأْسِهِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة (يصلب). ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿الَّذِي﴾ في محل الرفع صفة لـ ﴿الأمر﴾. ﴿فِيهِ﴾ متعلق بما بعده. ﴿تَسْتَفْتِيَانِ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير فيه.
﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)﴾.
﴿وَقَالَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿قال﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾. ﴿لِلَّذِي﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿قَالَ﴾. ﴿ظَنَّ﴾ فعل ماض ناسخ، وفاعله ضمير يعود على الموصول والجملة صلة الموصول. ﴿أَنَّهُ نَاجٍ﴾ ناصب واسمه وخبره. ﴿مِنْهُمَا﴾ جار ومجرور حال من الضمير المستتر في ﴿نَاجٍ﴾؛ أي: حَالَة الناجي من جملة الاثنين، وجملة (أن) في تأويل مصدر سَادٍّ مسدَّ مفعولي ﴿ظَنَّ﴾ تقديره:
447
وقال للذي ظن نجاته حَالَةَ كونه منهما. ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿اذْكُرْنِي﴾ فعل ومفعول و (نون) وقاية وفاعله ضمير يعود على ﴿الناجي﴾. ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ﴾ (الفاء) عاطفة. ﴿أنساه الشيطان﴾ فعل ومفعول أول وفاعل. ﴿ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ مفعول ثان، ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿قَالَ﴾. ﴿فَلَبِثَ﴾ (الفاء) عاطفة. ﴿لبث﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿فِي السِّجْنِ﴾ متعلق بـ ﴿لبث﴾ والجملة معطوفة على جملة ﴿أنساه﴾. ﴿بِضْعَ﴾ منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ ﴿لبث﴾ بضع مضاف. ﴿سِنِينَ﴾ مضاف إليه.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي أَرَى﴾ إلى قوله: ﴿قَالُوا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿أَرَى﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الملك. ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾ مفعول به، ومضاف إليه. ﴿سِمَانٍ﴾ صفة لـ ﴿بَقَرَاتٍ﴾. ﴿يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ﴾ فعل ومفعول وفاعل. ﴿عِجَافٌ﴾ صفة لـ ﴿سَبْع﴾ وجملة ﴿يَأْكُلُهُنَّ﴾ في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿أَرَى﴾ وجملة ﴿أَرَى﴾ في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ﴾ معطوف على ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾. ﴿خُضْرٍ﴾ صفة لـ ﴿سُنْبُلَاتٍ﴾. ﴿وَأُخَرَ﴾ معطوف على ﴿سَبْعَ﴾ لا على ﴿سُنْبُلَاتٍ﴾ ويكون، قد حُذِفَ اسمُ العدد من قوله: ﴿وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾ والتقدير: وسبعًا آخر، وإنما حذفَ لأن التقسيم في البقرات يقتضي التقسيم في السنبلات، اهـ "سمين". ﴿يَابِسَاتٍ﴾ صفة لـ ﴿أُخر﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾.
﴿يا﴾ حرف نداء. ﴿أي﴾ منادى نكرة مقصودة. ﴿ها﴾ حرف تنبيه زائد. ﴿الْمَلَأُ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَفْتُونِي﴾
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿إِنِّي أَرَى﴾ إلى قوله: ﴿قَالُوا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿أَرَى﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الملك. ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾ مفعول به، ومضاف إليه. ﴿سِمَانٍ﴾ صفة لـ ﴿بَقَرَاتٍ﴾. ﴿يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ﴾ فعل ومفعول وفاعل. ﴿عِجَافٌ﴾ صفة لـ ﴿سَبْع﴾ وجملة ﴿يَأْكُلُهُنَّ﴾ في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿أَرَى﴾ وجملة ﴿أَرَى﴾ في محل الرفع خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ﴾ معطوف على ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾. ﴿خُضْرٍ﴾ صفة لـ ﴿سُنْبُلَاتٍ﴾. ﴿وَأُخَرَ﴾ معطوف على ﴿سَبْعَ﴾ لا على ﴿سُنْبُلَاتٍ﴾ ويكون، قد حُذِفَ اسمُ العدد من قوله: ﴿وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾ والتقدير: وسبعًا آخر، وإنما حذفَ لأن التقسيم في البقرات يقتضي التقسيم في السنبلات، اهـ "سمين". ﴿يَابِسَاتٍ﴾ صفة لـ ﴿أُخر﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾.
﴿يا﴾ حرف نداء. ﴿أي﴾ منادى نكرة مقصودة. ﴿ها﴾ حرف تنبيه زائد. ﴿الْمَلَأُ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَفْتُونِي﴾
448
فعل وفاعل ومفعول، و (نون) وقاية. ﴿فِي رُؤْيَايَ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونِها جوابَ النداء. ﴿إن﴾ حرف شرط. ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ (إن) الشرطية على كونه فعلَ شرط لها. ﴿لِلرُّؤْيَا﴾ (اللام) زائدة في المفعول. ﴿الرؤيا﴾ مفعول مقدم لـ ﴿تَعْبُرُونَ﴾. ﴿تَعْبُرُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجواب ﴿إن﴾ الشرطية محذوفٌ معلوم ممَّا قبله تقديره: إن كنتم تعبرون الرؤيا، فأفتوني في رؤياي، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محلَّ النصب مقول ﴿قال﴾.
﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤)﴾.
﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا﴾ مقول محكي، لـ ﴿قَالُوا﴾، وإن شئتَ قلت: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذه أضغاث أحلام، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿ما﴾ نافية حجازية، أو تميمية. ﴿نَحْنُ﴾ اسمها أو مبتدأ. ﴿بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بما بعده. ﴿بِعَالِمِينَ﴾ خبر ﴿ما﴾ الحجازية أو خبر المبتدأ و ﴿الباء﴾ زائدة، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ على كونها مقول ﴿قَالُوا﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥)﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِي﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿قَالُوا﴾. ﴿نَجَا﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنْهُمَا﴾ جار ومجرور حال من فاعل ﴿نَجَا﴾. ﴿وَادَّكَرَ﴾ ﴿الواو﴾ واو الحال. ﴿ادكر﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الَّذِي نَجَا﴾. ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿ادكر﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿نَجَا﴾. ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿تَزْرَعُونَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت:
﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤)﴾.
﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا﴾ مقول محكي، لـ ﴿قَالُوا﴾، وإن شئتَ قلت: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذه أضغاث أحلام، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿ما﴾ نافية حجازية، أو تميمية. ﴿نَحْنُ﴾ اسمها أو مبتدأ. ﴿بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بما بعده. ﴿بِعَالِمِينَ﴾ خبر ﴿ما﴾ الحجازية أو خبر المبتدأ و ﴿الباء﴾ زائدة، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ على كونها مقول ﴿قَالُوا﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥)﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِي﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿قَالُوا﴾. ﴿نَجَا﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنْهُمَا﴾ جار ومجرور حال من فاعل ﴿نَجَا﴾. ﴿وَادَّكَرَ﴾ ﴿الواو﴾ واو الحال. ﴿ادكر﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الَّذِي نَجَا﴾. ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿ادكر﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿نَجَا﴾. ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿تَزْرَعُونَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت:
449
﴿أَنَا﴾ مبتدأ. ﴿أُنَبِّئُكُمْ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الَّذِي نَجَا﴾. ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾ مفعول ثان، و (الباء) زائدة، والجملة الفعلية في محل الرفع خَبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ (الفاء) عاطفة. (أرسلوا) فعل أمر مبني على حذف النون، و ﴿الواو﴾ فاعل، والنون للوقاية و (ياء) المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسرة (نون) الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ﴾.
﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿يُوسُفُ﴾ منادى مفرد العلم حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَيُّهَا﴾ منادى نكرة مقصودة حذفت منه حرف النداء للتخفيف. ﴿الصِّدِّيقُ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿أَفْتِنَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها جَوابَ النداء. ﴿فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أَفْتِنَا﴾. ﴿سِمَانٍ﴾ صفة لـ ﴿بَقَرَاتٍ﴾. ﴿يَأْكُلُهُنَّ﴾ فعل ومفعول. ﴿سَبْعٌ﴾ فاعل. ﴿عِجَافٌ﴾ صفة لـ ﴿سَبْعٌ﴾، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ ﴿سَبْعٌ﴾، ولكنها سببية، أو في محل النصب حال من ﴿سَبْعٌ﴾. ﴿وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ﴾ معطوف على ﴿سَبْعِ بَقَرَاتٍ﴾. ﴿خُضْرٍ﴾ صفة لـ ﴿سَبْعِ﴾. ﴿وَأُخَرَ﴾ معطوف على ﴿سَبْعِ﴾ على كونه صفة لمحذوف تقديره: وسبعًا أخر مجرور بالفتحة للوصفية، والعدل؛ لأنه معدول عن الآخَر. ﴿يَابِسَاتٍ﴾ صفة لـ ﴿أُخر﴾. ﴿لَعَلِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿أَرْجِعُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الَّذِي نَجَا﴾. ﴿إِلَى النَّاسِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿لَعَلِّي﴾ وجملة ﴿لعل﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾ على كونها مسوقة لتعليل قوله ﴿أَفْتِنَا﴾. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ ناصب واسمه، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعلَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾ على كونها مسوقة لتعليل الترجي قبلها.
﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿يُوسُفُ﴾ منادى مفرد العلم حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿أَيُّهَا﴾ منادى نكرة مقصودة حذفت منه حرف النداء للتخفيف. ﴿الصِّدِّيقُ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿أَفْتِنَا﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها جَوابَ النداء. ﴿فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أَفْتِنَا﴾. ﴿سِمَانٍ﴾ صفة لـ ﴿بَقَرَاتٍ﴾. ﴿يَأْكُلُهُنَّ﴾ فعل ومفعول. ﴿سَبْعٌ﴾ فاعل. ﴿عِجَافٌ﴾ صفة لـ ﴿سَبْعٌ﴾، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ ﴿سَبْعٌ﴾، ولكنها سببية، أو في محل النصب حال من ﴿سَبْعٌ﴾. ﴿وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ﴾ معطوف على ﴿سَبْعِ بَقَرَاتٍ﴾. ﴿خُضْرٍ﴾ صفة لـ ﴿سَبْعِ﴾. ﴿وَأُخَرَ﴾ معطوف على ﴿سَبْعِ﴾ على كونه صفة لمحذوف تقديره: وسبعًا أخر مجرور بالفتحة للوصفية، والعدل؛ لأنه معدول عن الآخَر. ﴿يَابِسَاتٍ﴾ صفة لـ ﴿أُخر﴾. ﴿لَعَلِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿أَرْجِعُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الَّذِي نَجَا﴾. ﴿إِلَى النَّاسِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿لَعَلِّي﴾ وجملة ﴿لعل﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾ على كونها مسوقة لتعليل قوله ﴿أَفْتِنَا﴾. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ ناصب واسمه، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾ خبره، وجملة ﴿لعلَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾ على كونها مسوقة لتعليل الترجي قبلها.
450
﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة مستأنفة. ﴿تَزْرَعُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ﴾ فعل، وفاعل، ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿دَأَبًا﴾ مصدر واقع موقع الصفة، فهو صفة لـ ﴿سَبْعَ سِنِينَ﴾؛ أي: سبع سنين متواليةً متتابعة، أو واقع موقِع الحال، فهو حال من (واو) ﴿تَزْرَعُونَ﴾؛ أي: حَالَة كونكم متدائبين؛ أي: مستمرين في الزراعة في تلك السبع. ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ﴾ (الفاء) فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنَّكم تزرعون سَبْعَ سنين، وأرَدْتُم بَيَانَ ما تفعلون بالمحصود من الزرع، فأقول لكم: ﴿ما حصدتم﴾. ﴿مَا﴾ اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما على الخلاف المذكور في محله. ﴿حَصَدْتُمْ﴾ فعل، وفاعل في محل الجزم بما، والرابط محذوف تقديره: فما حصدتموه. ﴿فَذَرُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة الجواب. ﴿ذروه﴾ فعل وفاعل، ومفعول في محل الجزم على كونه جواب الشرط. ﴿فِي سُنْبُلِهِ﴾ متعلق به، وجملة ﴿ما﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب ﴿إذا﴾ المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿إلا﴾ أداة استثناء. ﴿قَلِيلًا﴾ منصوب على الاستثناء. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿قَلِيلًا﴾. ﴿تَأْكُلُونَ﴾ فعل وفاعل صلة لـ (ما)، أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف، تقديره: مما تأكلونه.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف. ﴿يَأْتِي﴾ فعل مضارع. ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ متعلق بـ ﴿يَأْتِي﴾. ﴿سَبْعٌ﴾ فاعل. ﴿شِدَادٌ﴾ صفة أولى له. ﴿يَأْكُلْنَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صفة ثانية لـ ﴿سَبْعٌ﴾ ولكنها صفة سببية، وجملة ﴿يَأْتِي﴾ في محل النصب معطوفة على جملة ﴿تَزْرَعُونَ﴾ على كونها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿مَا﴾ موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يَأْكُلْنَ﴾. ﴿قَدَّمْتُمْ﴾ فعل وفاعل. ﴿لَهُنَّ﴾ متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة مستأنفة. ﴿تَزْرَعُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ﴾ فعل، وفاعل، ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿دَأَبًا﴾ مصدر واقع موقع الصفة، فهو صفة لـ ﴿سَبْعَ سِنِينَ﴾؛ أي: سبع سنين متواليةً متتابعة، أو واقع موقِع الحال، فهو حال من (واو) ﴿تَزْرَعُونَ﴾؛ أي: حَالَة كونكم متدائبين؛ أي: مستمرين في الزراعة في تلك السبع. ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ﴾ (الفاء) فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنَّكم تزرعون سَبْعَ سنين، وأرَدْتُم بَيَانَ ما تفعلون بالمحصود من الزرع، فأقول لكم: ﴿ما حصدتم﴾. ﴿مَا﴾ اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما على الخلاف المذكور في محله. ﴿حَصَدْتُمْ﴾ فعل، وفاعل في محل الجزم بما، والرابط محذوف تقديره: فما حصدتموه. ﴿فَذَرُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة الجواب. ﴿ذروه﴾ فعل وفاعل، ومفعول في محل الجزم على كونه جواب الشرط. ﴿فِي سُنْبُلِهِ﴾ متعلق به، وجملة ﴿ما﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب ﴿إذا﴾ المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿إلا﴾ أداة استثناء. ﴿قَلِيلًا﴾ منصوب على الاستثناء. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿قَلِيلًا﴾. ﴿تَأْكُلُونَ﴾ فعل وفاعل صلة لـ (ما)، أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف، تقديره: مما تأكلونه.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف. ﴿يَأْتِي﴾ فعل مضارع. ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ متعلق بـ ﴿يَأْتِي﴾. ﴿سَبْعٌ﴾ فاعل. ﴿شِدَادٌ﴾ صفة أولى له. ﴿يَأْكُلْنَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صفة ثانية لـ ﴿سَبْعٌ﴾ ولكنها صفة سببية، وجملة ﴿يَأْتِي﴾ في محل النصب معطوفة على جملة ﴿تَزْرَعُونَ﴾ على كونها مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿مَا﴾ موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿يَأْكُلْنَ﴾. ﴿قَدَّمْتُمْ﴾ فعل وفاعل. ﴿لَهُنَّ﴾ متعلق به، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾
451
أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: ما قدمتموه لهن. ﴿إلا﴾ أداة استثناء. ﴿قَلِيلًا﴾ منصوب على الاستثناء. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿قَلِيلًا﴾. ﴿تُحْصِنُونَ﴾ فعل وفاعل صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: تحصنونه.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف. ﴿يَأْتِي﴾ فعل مضارع. ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ متعلق به. ﴿عَامٌ﴾ فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿ثُمَّ يَأْتِي﴾ الأول. ﴿فِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿يُغَاثُ﴾. ﴿يُغَاثُ النَّاسُ﴾ فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الرفع صفة لـ ﴿عَامٌ﴾. ﴿وَفِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿يَعْصِرُونَ﴾. وجملة ﴿يَعْصِرُونَ﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يُغَاثُ﴾.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠)﴾.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ فعل، وفاعل معطوف على محذوف تقديره: فلما رجع الساقي إلى الملك، وأخبره بما ذكره يوسف استحسنه الملك، وقال: ائتوني به، كما مرَّ في مبحث التفسير. ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ائتوني﴾ فعل وفاعل، ومفعول. ﴿بِهِ﴾ متعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة. ﴿لما﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿جَاءَهُ الرَّسُولُ﴾ فعل ومفعول، وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة جواب ﴿لما﴾، وجملة ﴿لما﴾ معطوفة على محذوف تقديره: فرجع الرسول إلى يوسف من عند الملك ليخرجه من السجن، فلما جاءه الرسول، قال يوسف: ارجع إلى ربك. ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ إلى قوله: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ارْجِعْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على الرسول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾ متعلق به. ﴿فَاسْأَلْهُ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة. ﴿اسأله﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على الرسول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف. ﴿يَأْتِي﴾ فعل مضارع. ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ متعلق به. ﴿عَامٌ﴾ فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿ثُمَّ يَأْتِي﴾ الأول. ﴿فِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿يُغَاثُ﴾. ﴿يُغَاثُ النَّاسُ﴾ فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الرفع صفة لـ ﴿عَامٌ﴾. ﴿وَفِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿يَعْصِرُونَ﴾. وجملة ﴿يَعْصِرُونَ﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يُغَاثُ﴾.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠)﴾.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ فعل، وفاعل معطوف على محذوف تقديره: فلما رجع الساقي إلى الملك، وأخبره بما ذكره يوسف استحسنه الملك، وقال: ائتوني به، كما مرَّ في مبحث التفسير. ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ائتوني﴾ فعل وفاعل، ومفعول. ﴿بِهِ﴾ متعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة. ﴿لما﴾ حرف شرط غير جازم. ﴿جَاءَهُ الرَّسُولُ﴾ فعل ومفعول، وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على يوسف، والجملة جواب ﴿لما﴾، وجملة ﴿لما﴾ معطوفة على محذوف تقديره: فرجع الرسول إلى يوسف من عند الملك ليخرجه من السجن، فلما جاءه الرسول، قال يوسف: ارجع إلى ربك. ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ إلى قوله: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ارْجِعْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على الرسول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾ متعلق به. ﴿فَاسْأَلْهُ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة. ﴿اسأله﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على الرسول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة
452
﴿ارْجِعْ﴾. ﴿مَا بَالُ النِّسْوَةِ﴾ ﴿ما﴾ اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ. ﴿بَالُ النِّسْوَةِ﴾ خبر، ومضاف إليه، والجملة الاسمية في محل النصب سادة مسد المفعول الثاني لـ ﴿سأل﴾. ﴿اللَّاتِي﴾ صفة لـ ﴿النسوة﴾. ﴿قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول. ﴿إِنَّ رَبِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿بِكَيْدِهِنَّ﴾ متعلق بـ ﴿عَلِيمٌ﴾. ﴿عَلِيمٌ﴾ خبر (إن)، وجملة (إن) في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الملك، والجملة مستأنفة. ﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ﴾ مقول محكي، لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿ما﴾ اسم استفهام للاستفهام الاستخباري في محل الرفع مبتدأ. ﴿خَطْبُكُنَّ﴾ خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية متعلق بـ ﴿خَطْبُكُنَّ﴾ لأنه في معنى الفعل إذ المعنى ما فعلتن، وما أردتن به في ذلك الوقت، اهـ "سمين". ﴿رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ متعلق بـ ﴿رَاوَدْتُنَّ﴾، والجملة الفعلية في محل الجر، مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾. ﴿قُلْنَ﴾ فعل، وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْنَ﴾ وإن شئت قلت ﴿حَاشَ﴾ فعل ماض بمعنى بَعُدَ مبني بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة، للتخفيف لكثرة الاستعمال، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿لِلَّهِ﴾ جار ومجرور متعلق به، ولكنه على حذف مضاف، والتقدير: حاش يوسف عن المعصية لطاعة الله تعالى وخوفه كما ذكره أبو البقاء، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿مَا﴾ نافية. ﴿عَلِمْنَا﴾ فعل وفاعل ﴿عَلَيْهِ﴾ متعلق به. ﴿مِنْ﴾ زائدة. ﴿سُوءٍ﴾ مفعول به؛ لأن علم هنا بمعنى عرف، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ فعل وفاعل، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾
﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)﴾.
﴿قَالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الملك، والجملة مستأنفة. ﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ﴾ مقول محكي، لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿ما﴾ اسم استفهام للاستفهام الاستخباري في محل الرفع مبتدأ. ﴿خَطْبُكُنَّ﴾ خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية متعلق بـ ﴿خَطْبُكُنَّ﴾ لأنه في معنى الفعل إذ المعنى ما فعلتن، وما أردتن به في ذلك الوقت، اهـ "سمين". ﴿رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ متعلق بـ ﴿رَاوَدْتُنَّ﴾، والجملة الفعلية في محل الجر، مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾. ﴿قُلْنَ﴾ فعل، وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْنَ﴾ وإن شئت قلت ﴿حَاشَ﴾ فعل ماض بمعنى بَعُدَ مبني بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة، للتخفيف لكثرة الاستعمال، وفاعله ضمير يعود على يوسف. ﴿لِلَّهِ﴾ جار ومجرور متعلق به، ولكنه على حذف مضاف، والتقدير: حاش يوسف عن المعصية لطاعة الله تعالى وخوفه كما ذكره أبو البقاء، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿مَا﴾ نافية. ﴿عَلِمْنَا﴾ فعل وفاعل ﴿عَلَيْهِ﴾ متعلق به. ﴿مِنْ﴾ زائدة. ﴿سُوءٍ﴾ مفعول به؛ لأن علم هنا بمعنى عرف، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ فعل وفاعل، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾
453
إلى قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿الْآنَ﴾ ظرف للزمان الحاضر في محل النصب على الظرفية، متعلق بـ ﴿حَصْحَصَ﴾. ﴿حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ فعل، وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَتِ﴾. ﴿أَنَا﴾ مبتدأ. ﴿رَاوَدْتُهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿عَنْ نَفْسِهِ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قَالَتِ﴾. ﴿وَإِنَّهُ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿إنه﴾ ناصب واسمه. ﴿لَمِنَ﴾ ﴿اللام﴾ حرف ابتداء. ﴿مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ جار ومجرور خبر ﴿إن﴾ والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجملة الاسمية المذكورة قبلها. ﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ. ﴿لِيَعْلَمَ﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل. ﴿يعلم﴾ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على يوسف على القول، بأنه من كلام زليخا، وهو الظاهر من السياق، أو يعود على العزيز إن قلنا: إنه من كلام يوسف، وفيه تكلف ظاهر كما مرت الإشارة إليه، في مبحث التفسير. والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ذلك الاعتراف كائن مني لكي يعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب. ﴿أَنِّي﴾ ناصب واسمه. ﴿لَمْ أَخُنْهُ﴾ جازم وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على زليخا، والجملة في محل الرفع خبر (أن) وجملة (أن) في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿علم﴾ تقديره: ذلك ليعلم يوسف عدم خيانتي إياه في الغيب. ﴿بِالْغَيْبِ﴾ جار ومجرور إما حال من فاعل ﴿أَخُنْهُ﴾ تقديره: حَالَةَ كوني غَائِبًا عن عينيه أو من المفعول تقديره: حَالَةَ كونه غَائِبًا عن عيني، ويجوز أن تكون (الباء) ظرفية متعلقة بـ ﴿أَخُنْهُ﴾؛ أي: لم أخنه في مكان الغيب، ذكره "السمين". ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه. ﴿لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ فعل ومفعول، ومضاف إليه، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الرفع خبر ﴿أن﴾، وجملة ﴿أن﴾ معطوفة على جملة ﴿أن﴾ المذكورة قبلها على كونها في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿علم﴾ تقديره: ذلك الاعتراف ﴿لِيَعْلَمَ﴾ يوسف عدمَ خيانتي إياه، في الغيب، وعدم هداية الله تعالى كَيدَ الخائنين؛ أي: عَدَمَ إتمامه لهم مرادَهم من الكيد والمكر.
454
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ﴾؛ أي: في صحبته؛ أي: صَاحَبَاهُ في الدخول فَدَخَلَ الثلاثةُ في وقت واحد. ﴿فَتَيَانِ﴾ تثنية فتى قلبت ألفه ياء في التثنية، لكونها أصله؛ لأنه من فتِيَ بوزن رَضِيَ بمعنى شَبَّ، وذلك يدل على أنهما عبدان للملك الأكبر. ويحتمل أن يكون الفتى اسمًا للخادم، وإن لم يكن مملوكًا. ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾؛ أي: عِنبًا فسمَّاه باسم ما يؤول إليه لكونه المقصود. ﴿خُبْزًا﴾ الخُبْزُ معروف، وجمعه خبز ومعانيه خبَّازٌ. ﴿الطَّيْرُ﴾ اسم جنس مفرده الطائر. ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: أَخبرنا بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين، أو بتأويل المذكور لك من كلامنا. ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾؛ أي: من العالمين بتعبير الرؤيا، والإحسان هنا: بمعنى العلم. وكذا قال الفراء: إن مَعْنَى ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ من العالمين الذين أحسنوا العِلْمَ. وقال ابن إسحاق: من المحسنين إلينا، إن فسرت ذلك، أو من المحسنين إلى أهل السجن. ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ﴾ التَّرْكُ هنا عبارةٌ عن عدم التلبُّس بالشيء من أول الأمر، وعدم الالتفات إليه بالكلية، اهـ "خازن". ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾؛ أي: مُصَاحبين للسجن لطول مقامهما فيه. وقيل: المرادُ يا صاحبي في السجن؛ لأن السِّجْنَ ليس بمصحوب، بل مصحوب فيه، وأنَّ ذلك من باب يا سارق الليلة، وعلى الأول من باب قوله: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾، ﴿أَصْحَابَ النَّارِ﴾. ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ﴾؛ أي: من أجناس مختلفة من حيوان، أو جماد، كذهب، وفضة، وحديد، وخشب، وحجارة.
﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ السجن: المَحْبَسُ. والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع، قاله قتادة. وقال مجاهد: من الثلاثة إلى السبعة. وقال أبو عبيدة: البضع لا يبلغ العقد، وإنما هو من الواحد إلى العشرة. وقال الفراء: ولا يُذْكَر البِضع إلا مع العشرات، ولا يُذْكَر مع مئة ولا ألف. ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ﴾ جمع سمينة، ويُجمع سَمِينٌ أيضًا عليه يقال: رِجالٌ سِمَانٌ كما يقال: نساء كرام، ورجال كرام. والسِّمَنَ مصدر سَمِن، يَسْمَنُ من باب فَرِح فهو سمين، فالمصدر واسم الفاعل جاءا على غير قياس، إذ قياسُهُما سَمْنًا بالفتح، فهو سَمِنٌ نحو: فَرِحَ فَرَحًا فهو فَرِح. وفي "المصباح": سَمِنَ يسمن من باب تَعِبَ، وفي لغة: من
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ﴾؛ أي: في صحبته؛ أي: صَاحَبَاهُ في الدخول فَدَخَلَ الثلاثةُ في وقت واحد. ﴿فَتَيَانِ﴾ تثنية فتى قلبت ألفه ياء في التثنية، لكونها أصله؛ لأنه من فتِيَ بوزن رَضِيَ بمعنى شَبَّ، وذلك يدل على أنهما عبدان للملك الأكبر. ويحتمل أن يكون الفتى اسمًا للخادم، وإن لم يكن مملوكًا. ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾؛ أي: عِنبًا فسمَّاه باسم ما يؤول إليه لكونه المقصود. ﴿خُبْزًا﴾ الخُبْزُ معروف، وجمعه خبز ومعانيه خبَّازٌ. ﴿الطَّيْرُ﴾ اسم جنس مفرده الطائر. ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾؛ أي: أَخبرنا بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين، أو بتأويل المذكور لك من كلامنا. ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾؛ أي: من العالمين بتعبير الرؤيا، والإحسان هنا: بمعنى العلم. وكذا قال الفراء: إن مَعْنَى ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ من العالمين الذين أحسنوا العِلْمَ. وقال ابن إسحاق: من المحسنين إلينا، إن فسرت ذلك، أو من المحسنين إلى أهل السجن. ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ﴾ التَّرْكُ هنا عبارةٌ عن عدم التلبُّس بالشيء من أول الأمر، وعدم الالتفات إليه بالكلية، اهـ "خازن". ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾؛ أي: مُصَاحبين للسجن لطول مقامهما فيه. وقيل: المرادُ يا صاحبي في السجن؛ لأن السِّجْنَ ليس بمصحوب، بل مصحوب فيه، وأنَّ ذلك من باب يا سارق الليلة، وعلى الأول من باب قوله: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾، ﴿أَصْحَابَ النَّارِ﴾. ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ﴾؛ أي: من أجناس مختلفة من حيوان، أو جماد، كذهب، وفضة، وحديد، وخشب، وحجارة.
﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ السجن: المَحْبَسُ. والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع، قاله قتادة. وقال مجاهد: من الثلاثة إلى السبعة. وقال أبو عبيدة: البضع لا يبلغ العقد، وإنما هو من الواحد إلى العشرة. وقال الفراء: ولا يُذْكَر البِضع إلا مع العشرات، ولا يُذْكَر مع مئة ولا ألف. ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ﴾ جمع سمينة، ويُجمع سَمِينٌ أيضًا عليه يقال: رِجالٌ سِمَانٌ كما يقال: نساء كرام، ورجال كرام. والسِّمَنَ مصدر سَمِن، يَسْمَنُ من باب فَرِح فهو سمين، فالمصدر واسم الفاعل جاءا على غير قياس، إذ قياسُهُما سَمْنًا بالفتح، فهو سَمِنٌ نحو: فَرِحَ فَرَحًا فهو فَرِح. وفي "المصباح": سَمِنَ يسمن من باب تَعِبَ، وفي لغة: من
455
باب قتل إذا كَثُر لَحْمُهُ وشَحْمُه، ويتعدى بالهمزة والتضعيف. ﴿عِجَافٌ﴾ جمع عجفاء جمعًا سماعِيًّا، والقياسُ عُجْف كحمراء وحُمْر على حد قول ابن مالك:
فُعْلٌ لِنَحْوِ أحْمَرٍ وَحَمْرَا
لكنه حُمِل على سمان، لأنه نَقِيضُه كما ذكره "البيضاوي". والعجفاء: المهزولة جِدًّا. ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ عبَر الرؤيا إذا فَسَّرها من باب نصر، ينصر، ويستعمل أيضًا بالتشديد، كعلَّم يعلِّم تَعْلِيمًا، اهـ شيخنا؛ أي: إن كنتم عَالِمين بعبارة الرؤيا، وهي الانتقالُ من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالُها من العبور، وهو المجاوزة، وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عبرتها بالتشديد تعبيرًا، واللام للبيان أو لتقوية العامل، اهـ "بيضاوي". وفي "السمين": وحقيقةُ عَبَرْتُ الرؤيا ذَكَرْتُ عَاقِبَتَها وآخِرَ أمرها كما تقول: عَبرت النهر إذا قطعته حتى تبلغ أخر عرضه، اهـ. وفي "المصباح": عبرت النهر عَبْرًا من باب قتل، وعُبُورًا أيضًا إذا قطعته إلى الجانب الآخر، وعَبَرْت الرؤيا عَبْرًا أيضًا، وعبارةً إذا فسرتها، وبالتثقيل مبالغةً، وفي التنزيل: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ اهـ. ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾؛ أي: هي تخاليط المنامات الباطلة التي لا معنَى لها جمع ضغث، وأصله: ما جمِعَ وحُزِم من أخلاط النبات، كالحزمة من الحشيش، فاستعير للرؤيا الكاذبة، والأحلام: جمع حلم، وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها، والإضافةُ على معنى منْ؛ أي: هي أضغاث من أحلام أخرجوها من جنس الرؤيا التي لها عاقبة تؤولُ إليها، والأضغاث: جمع ضِغْثٍ بكسر الضاد، وهو ما جمع من النبات، سواءٌ كان جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة، وهو أصغر من الحزمة وأكبر من القبضة.
﴿وَادَّكَرَ﴾ أصله: إذْتَكَرَ بوزن افْتَعَلَ من الدَّكر فوقعت تاء الافتعال بعد الذال، فأبدلت دالًا، فاجتمع متقاربان، فأبدل الأولُ من جنس الثاني، وأدغم، وكذا الحكمُ في (مدّكر) كما سيأتي في صورته إن شاء الله تعالى. ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ بضم الهمزة، وتشديد الميم، وتاء منونة، وهيَ المدة الطويلة. وقرأ ابنُ عبَّاسٍ وغيره: (بعد أَمَهٍ) بفتح الهمزة وتخفيف الميم، وهاء منونةٌ والأَمهُ: هو النسيان يقال: أمَهَ يأْمَهُ أَمَهًا، وأَمْهًا، والسكونُ غيرُ مقيس، والمعنى: ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾؛ أي: بعد حين، وهو سنتان، أو سبع، أو تسع، وسمِّي الحين من الزمان، أمة لأنه
فُعْلٌ لِنَحْوِ أحْمَرٍ وَحَمْرَا
لكنه حُمِل على سمان، لأنه نَقِيضُه كما ذكره "البيضاوي". والعجفاء: المهزولة جِدًّا. ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ عبَر الرؤيا إذا فَسَّرها من باب نصر، ينصر، ويستعمل أيضًا بالتشديد، كعلَّم يعلِّم تَعْلِيمًا، اهـ شيخنا؛ أي: إن كنتم عَالِمين بعبارة الرؤيا، وهي الانتقالُ من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالُها من العبور، وهو المجاوزة، وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عبرتها بالتشديد تعبيرًا، واللام للبيان أو لتقوية العامل، اهـ "بيضاوي". وفي "السمين": وحقيقةُ عَبَرْتُ الرؤيا ذَكَرْتُ عَاقِبَتَها وآخِرَ أمرها كما تقول: عَبرت النهر إذا قطعته حتى تبلغ أخر عرضه، اهـ. وفي "المصباح": عبرت النهر عَبْرًا من باب قتل، وعُبُورًا أيضًا إذا قطعته إلى الجانب الآخر، وعَبَرْت الرؤيا عَبْرًا أيضًا، وعبارةً إذا فسرتها، وبالتثقيل مبالغةً، وفي التنزيل: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ اهـ. ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾؛ أي: هي تخاليط المنامات الباطلة التي لا معنَى لها جمع ضغث، وأصله: ما جمِعَ وحُزِم من أخلاط النبات، كالحزمة من الحشيش، فاستعير للرؤيا الكاذبة، والأحلام: جمع حلم، وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها، والإضافةُ على معنى منْ؛ أي: هي أضغاث من أحلام أخرجوها من جنس الرؤيا التي لها عاقبة تؤولُ إليها، والأضغاث: جمع ضِغْثٍ بكسر الضاد، وهو ما جمع من النبات، سواءٌ كان جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة، وهو أصغر من الحزمة وأكبر من القبضة.
﴿وَادَّكَرَ﴾ أصله: إذْتَكَرَ بوزن افْتَعَلَ من الدَّكر فوقعت تاء الافتعال بعد الذال، فأبدلت دالًا، فاجتمع متقاربان، فأبدل الأولُ من جنس الثاني، وأدغم، وكذا الحكمُ في (مدّكر) كما سيأتي في صورته إن شاء الله تعالى. ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ بضم الهمزة، وتشديد الميم، وتاء منونة، وهيَ المدة الطويلة. وقرأ ابنُ عبَّاسٍ وغيره: (بعد أَمَهٍ) بفتح الهمزة وتخفيف الميم، وهاء منونةٌ والأَمهُ: هو النسيان يقال: أمَهَ يأْمَهُ أَمَهًا، وأَمْهًا، والسكونُ غيرُ مقيس، والمعنى: ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾؛ أي: بعد حين، وهو سنتان، أو سبع، أو تسع، وسمِّي الحين من الزمان، أمة لأنه
456
جماعة أيّامٍ؛ والأمَّةُ: الجماعة، اهـ "خازن".
﴿دَأَبًا﴾ قرأ حفص بفتح الهمزة والباقون بسكونها، وهما لغتان في مصدر دَأَبَ يَدْأَبُ؛ أي: دَاومَ على الشيء ولازمه، وهذا كما قالوا: ضَأَنَ وضَأْن ومعَز ومعْز، بفتح العين وسكونها، وأصل معنى الدأب التعب، ويُكنى به عن العادة المستمرة، لأنها تنشأ عن مداومة العمل اللازم له التعبُ، اهـ "شهاب". ﴿فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ﴾ وفي "المصباح": وسُنبُل بضم الفاء والعين، الواحدة سُنْبلةً، والسبل مثله، الواحدة سَبَلَة، مثل قَصَب وقَصَبَة، وسَنْبَل الزرع أخرج سُنْبُلَهُ وأسبل أخرج سبله، اهـ.
﴿عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ من الغيث على أنَّ الألف منقلبة عن ياءٍ، أو من الغوث على أنها منقلبة عن واو. والغيث مصدر غاث الله البلادَ يغيثها غيثًا، إذا أنزل بها الغيثَ، وهو المطر، والغوث الفرجُ، وزوالُ الهم، والكرب، وعلى هذا يكون فعله رُباعِيًّا يقال: استغاثَ اللهَ، فأغاثه؛ أي: أنْقَذَه من الكرب الذي هو فيه، كالحقط، اهـ "زاده". وفي "السمين": قوله: يغاث الناس، يجوز أن تَكُونَ الألف عن واو، وأن تكونَ عن ياء إمَّا من الغَوْثِ، وهو: الفَرَجُ، وفعلُه رباعي، يقال: أغاثنا الله من الغيث، اهـ. وفي "المصباح" أغاثه إغاثةً إذا أَعانَهُ، ونَصَره، فهو مُغِيث والغوث اسم منه، واستغاث به فأَغَاثَه، وأَغاثهم الله برحمته، كَشَفَ شدتَهم، وأغاثَنا المطر من ذلك فهو مغيث، وأغاثنا الله بالمَطر، والاسم الغِيَاث بالكسر، اهـ. وفيه أيضًا: الغَيْثُ المطرُ وغاث الله البلاد غَيثًا من باب ضَرب، أنزلَ بها الغيثَ، ويبنى للمفعول: فيقال: غِيثتِ الأرضُ تُغاثُ، وغاث الغيث الأرض غيثًا، من باب ضرَبَ نزل بها. وسمى النَّبَات غَيْثًا تسمية باسم السبب، ويقال: رعينا الغيثَ، اهـ. ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ بكسر الصاد من باب ضرب كما في "المصباح" و"القاموس".
﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾ والخطب الأمر والشأن الذي فيه خطر، وهو في الأصل مصدر خطب يخْطُب، وإنما يُخْطَبُ في الأمور العظام، اهـ "سمين". وفي "المختار": الخَطْبُ: الأمر، تقول: ما خَطْبُك. قال الأزهري: أي: ما أمْرُكَ، وتقول: هذا خطب جليل، وخَطْبُ يسير، وجمعه خُطُوب، اهـ. ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾؛ أي: ظَهَرَ ووضح، وتبيَّنَ بعد خفاء، قاله الخليل. قال بعضهم: هو
﴿دَأَبًا﴾ قرأ حفص بفتح الهمزة والباقون بسكونها، وهما لغتان في مصدر دَأَبَ يَدْأَبُ؛ أي: دَاومَ على الشيء ولازمه، وهذا كما قالوا: ضَأَنَ وضَأْن ومعَز ومعْز، بفتح العين وسكونها، وأصل معنى الدأب التعب، ويُكنى به عن العادة المستمرة، لأنها تنشأ عن مداومة العمل اللازم له التعبُ، اهـ "شهاب". ﴿فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ﴾ وفي "المصباح": وسُنبُل بضم الفاء والعين، الواحدة سُنْبلةً، والسبل مثله، الواحدة سَبَلَة، مثل قَصَب وقَصَبَة، وسَنْبَل الزرع أخرج سُنْبُلَهُ وأسبل أخرج سبله، اهـ.
﴿عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ من الغيث على أنَّ الألف منقلبة عن ياءٍ، أو من الغوث على أنها منقلبة عن واو. والغيث مصدر غاث الله البلادَ يغيثها غيثًا، إذا أنزل بها الغيثَ، وهو المطر، والغوث الفرجُ، وزوالُ الهم، والكرب، وعلى هذا يكون فعله رُباعِيًّا يقال: استغاثَ اللهَ، فأغاثه؛ أي: أنْقَذَه من الكرب الذي هو فيه، كالحقط، اهـ "زاده". وفي "السمين": قوله: يغاث الناس، يجوز أن تَكُونَ الألف عن واو، وأن تكونَ عن ياء إمَّا من الغَوْثِ، وهو: الفَرَجُ، وفعلُه رباعي، يقال: أغاثنا الله من الغيث، اهـ. وفي "المصباح" أغاثه إغاثةً إذا أَعانَهُ، ونَصَره، فهو مُغِيث والغوث اسم منه، واستغاث به فأَغَاثَه، وأَغاثهم الله برحمته، كَشَفَ شدتَهم، وأغاثَنا المطر من ذلك فهو مغيث، وأغاثنا الله بالمَطر، والاسم الغِيَاث بالكسر، اهـ. وفيه أيضًا: الغَيْثُ المطرُ وغاث الله البلاد غَيثًا من باب ضَرب، أنزلَ بها الغيثَ، ويبنى للمفعول: فيقال: غِيثتِ الأرضُ تُغاثُ، وغاث الغيث الأرض غيثًا، من باب ضرَبَ نزل بها. وسمى النَّبَات غَيْثًا تسمية باسم السبب، ويقال: رعينا الغيثَ، اهـ. ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ بكسر الصاد من باب ضرب كما في "المصباح" و"القاموس".
﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾ والخطب الأمر والشأن الذي فيه خطر، وهو في الأصل مصدر خطب يخْطُب، وإنما يُخْطَبُ في الأمور العظام، اهـ "سمين". وفي "المختار": الخَطْبُ: الأمر، تقول: ما خَطْبُك. قال الأزهري: أي: ما أمْرُكَ، وتقول: هذا خطب جليل، وخَطْبُ يسير، وجمعه خُطُوب، اهـ. ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾؛ أي: ظَهَرَ ووضح، وتبيَّنَ بعد خفاء، قاله الخليل. قال بعضهم: هو
457
مأخوذ من الحصة، والمعنى: بانَتْ حصة الحق من حصة الباطل، كما تتميز حصحص الأراضي وغيرها. وقيل بمعنى: ثَبَتَ واستَقَرَّ. وقال الراغب: حَصْحَصَ الحق، وذلك بانكشاف ما يغمِزُه وحص، وحصحص، نحو: كف، وكَفْكَفَ وحصه قَطَعَه إما بالمباشرة، وإما بالحكم، والحصة القطعة من الجملة، وتُسْتَعمل استعمالَ النصيب، اهـ "سمين". ﴿لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾؛ أي: لا ينفذه، ولا يُمضيه، ولا يسدِّده، أو لا يهدي الخائنين بكيدهم فأوقع الفعلَ على الكَيْدِ مبالغةٌ، اهـ "بيضاوي".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ لأنه أطْلَقَ الخمر على العنب، باعتبار ما يؤول إليه، كما يطلق الشيء على الشيء، باعتبار ما كان كقوله تعالى: ﴿وءاتُواْ الْيَتامَي﴾.
ومنها: التعبير بالمضارع في قوله: ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾ في الموضعين حكايةً للحال الماضية، وحق العبارة أن يقال: إني رأيتني، وكذا قول الملك: ﴿إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾ فيه حكايةٌ للحال الماضية، وحق العبارة أن يقال: إني رأيتُ.
ومنها: الطّباق بين قوله: ﴿سِمَانٍ﴾، وقوله: ﴿عِجَافٌ﴾، وبين قوله: ﴿خُضْرٍ﴾، وقوله: ﴿يَابِسَاتٍ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ فإنَّها من أبلغِ الاستعارة وألْطفها، فإن الأضغاثَ حقيقةُ في المختلط من الحشيش المضموم بعضه إلى بعض، فشبَّه اختِلاطَ الأحلام، وما فيها من المحبوب، والمكروه، والخير، والشر باختلاط الحشيش المجموع من أصناف كثيرةٍ.
ومنها: براعة الاستهلال في قوله: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ حيث قدَّم الثناء قبل السؤال، طَمَعًا في إجابة مطلبه.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ لأن السِّنينَ لا تأكل،
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ لأنه أطْلَقَ الخمر على العنب، باعتبار ما يؤول إليه، كما يطلق الشيء على الشيء، باعتبار ما كان كقوله تعالى: ﴿وءاتُواْ الْيَتامَي﴾.
ومنها: التعبير بالمضارع في قوله: ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾ في الموضعين حكايةً للحال الماضية، وحق العبارة أن يقال: إني رأيتني، وكذا قول الملك: ﴿إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾ فيه حكايةٌ للحال الماضية، وحق العبارة أن يقال: إني رأيتُ.
ومنها: الطّباق بين قوله: ﴿سِمَانٍ﴾، وقوله: ﴿عِجَافٌ﴾، وبين قوله: ﴿خُضْرٍ﴾، وقوله: ﴿يَابِسَاتٍ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ فإنَّها من أبلغِ الاستعارة وألْطفها، فإن الأضغاثَ حقيقةُ في المختلط من الحشيش المضموم بعضه إلى بعض، فشبَّه اختِلاطَ الأحلام، وما فيها من المحبوب، والمكروه، والخير، والشر باختلاط الحشيش المجموع من أصناف كثيرةٍ.
ومنها: براعة الاستهلال في قوله: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ حيث قدَّم الثناء قبل السؤال، طَمَعًا في إجابة مطلبه.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ لأن السِّنينَ لا تأكل،
458
وإنما يأكل الناسُ ما إدخروه فيها، فهو من باب الإسناد إلى الزمان كقول الفصحاء نهار الزاهد صائم، وليلُه قائم.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾، وفي قوله: ﴿سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ وفي غير ذلك.
ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾، وفي قوله: ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾؛ لأن هدايةَ الكيد مجاز عن تنفيذه، وإمضائه، أو المراد لا يَهْدِي الخَائِنين بسبب كيدِهم، فأوقع الهدايةَ المنفيةَ على الكيد، وهي واقعة عليهم تجوزًا للمبالغة؛ لأنه إذا لم يهد السببُ علمَ منه عدم هداية مسببه بالطريق الأولى، اهـ "شهاب".
ومنها: الزيادة والحذفُ في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم بمراد كلامه
* * *
_________
(١) إلى هنا تَمَّ ما أردنا إيرادَهُ من تفسير الجزء الثاني عشر من القرآن الكريم، وكان الفراغُ من تأليفه ليلةَ الخميس المباركة، الخامس عشر من ربيع الأول، الشهر الثالث من شهور سنة إحدى عشرة وأربع مئة وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة، وأزكَى التحية، والحمد لله في هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأسأل الله الإعانةَ على الكمال والتمام، وأن يُضَاعِفَ لنا البركةَ في أعمارنا إلى تمامه، ونشره بين المسلمين، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا دائمًا إلى يوم الدين.
تمَّ المجلد الثالث عشر من تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن في تاريخ ١٥/ ٣/ ١٤١١ هـ ويليه المجلد الرابع عشر وأوّلُه قوله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ الآية.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾، وفي قوله: ﴿سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ وفي غير ذلك.
ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾، وفي قوله: ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾.
ومنها: المجاز في قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾؛ لأن هدايةَ الكيد مجاز عن تنفيذه، وإمضائه، أو المراد لا يَهْدِي الخَائِنين بسبب كيدِهم، فأوقع الهدايةَ المنفيةَ على الكيد، وهي واقعة عليهم تجوزًا للمبالغة؛ لأنه إذا لم يهد السببُ علمَ منه عدم هداية مسببه بالطريق الأولى، اهـ "شهاب".
ومنها: الزيادة والحذفُ في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم بمراد كلامه
* * *
_________
(١) إلى هنا تَمَّ ما أردنا إيرادَهُ من تفسير الجزء الثاني عشر من القرآن الكريم، وكان الفراغُ من تأليفه ليلةَ الخميس المباركة، الخامس عشر من ربيع الأول، الشهر الثالث من شهور سنة إحدى عشرة وأربع مئة وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة، وأزكَى التحية، والحمد لله في هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأسأل الله الإعانةَ على الكمال والتمام، وأن يُضَاعِفَ لنا البركةَ في أعمارنا إلى تمامه، ونشره بين المسلمين، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا دائمًا إلى يوم الدين.
تمَّ المجلد الثالث عشر من تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن في تاريخ ١٥/ ٣/ ١٤١١ هـ ويليه المجلد الرابع عشر وأوّلُه قوله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ الآية.
459
شعرٌ
آخرُ
وَقُلْ بِذُلٍّ رَبِّ لا تَقْطَعْنِي | عَنْكَ بقَاطِعٍ وَلاَ تحْرِمْنِي |
منْ سِرِّكَ الأبْهَى الْمُزِيلِ لِلْعَمَى | وَاخْتِمْ بِخَيْرٍ يَا رحِيْمَ الرُّحَمَا |