ﰡ
وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)
قال الزمخشري: هو حرف توقع.
قال ابن عرفة: هذه عبارة المتقدمين والمتأخرون، يقولون إنها حرف تحقيق مع الماضي ولا ينافي ذلك أنها مع المضارع للتوقع، قال: وتارة يكون التوقع صادقا، وتارة يكون كاذبا، وذلك أن القائل: يقوم زيد هو على أربعة أقسام:
تارة باقي حرف التوقع، والقيام متوقع عند الناس عنه، لكن لم يقع في الخارج، وتارة يكون القيام متوقعا عند النَّاس، ويقع مدلوله في الخارج ولا يأتي المتكلم بحرف التوقع فهذه ثلاثة أقسام: المتوقع فيها صادق، وبقي قسم رابع: وهو إتيانه بحرف التوقع حاله كون القيام غير متوقع عند النَّاس، ولكنه يقع في المستقبل على حسب ما أخبر به، فهل هذا توقع صادق؟ أو مطروق فيه نظر، واللغو هو الكلام الذي لَا فائدة فيه.
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)﴾
قال الإمام الغزالي: الخشوع في الصلاة واجب وإلا جرى تحصيل ما يراه الدين خاصة، وأما القبول والثواب فأمر آخر.
ابن عرفة: وهذا على خلاف الأصوليين في هل هي موافقة؟ ويراه الذمة والجروح من العهدة.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥)﴾
وقيل: أي مانعون، وقيل: أي: [عافون*].
ابن عرفة: وتقدم لما خصه أنه يلزم عليه أن يكون المعنى مخصوص كقولك: قصرت المال على الصدقة أي خصصته، فالمراد: (وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِم أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم) فإنهم لَا يخصونهم بذلك فيلزم نقيض المطلوب.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩)﴾
قال ابن عرفة: ترتيب هذه المعطوفات بدني، والخشوع في الصلاة أمر قلبي، والقلب أشرف ما في الإنسان، واللغو من أفعال اللسان، وهو ترجمان عن القلب،
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً... (١٤)﴾
عطف الأول بـ ثم، والثاني بالفاء قيل لبعد ما بين النطفة والعلقة، وقرب ما بين النطفة والمضغة، ورد بأن الشارع ساوى بينهما في قوله، ثم تكون نطفة أربعين ثم علقة أربعين، وأجيب: بمكان إفساد النطفة بخلاف العلقة.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥)﴾
عبر عن الأول مؤكدا بأن واللام، وأما في الثاني بأن فقط والمتبادر للذهن العكس، بأن الموت لم ينكره أحد، والبعث ينكره الكفار، والحكماء والفلاسفة، وأجيب: أنه من باب حمل اللفظ على غير ظاهره مثل: جَاء شَقيقٌ [عَارضاً*] رُمْحَهُ... إِنَّ [بَنِي عَمكَ فِيهمْ رِماحْ*] فهم بعصيانهم ومخالفتهم لم يعملوا على الموت، فحالهم كحال [... ]، وما كانت دليل البعث ظاهره صادقا للثابت.
قال ابن عرفة: [هذا*] لَا يتم إلا على مذهب المعتزلة في قاعدة التحسين والتقبيح [ووجوب*] الإعادة، قلت: إما أن يجيب [بأن أدلة البعث*] العقلية ظاهره، ونحن نقول [أدلة*] البعث السمعية [عندنا*] ظاهره، فإن قلت: لم عبر عن الموت بالاسم، وعن البعث بالفعل؟ قلنا: لما تقدم من الجواب في التأكيد.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ... (١٧)﴾
قوله تعالى. (طَرَائِقَ).
طرق بينها للملائكة.
قال ابن عرفة: هذا دليل على أنها ليست ملتصقة إلا أن يقال: الطرق فوق أعلاها بينها وإنها متلاصقة، وفيها خلاف، قيل: إنها سبع، وقيل: تسع على الجملة، وعلى التفصيل أربع وعشرون، حكوا ذلك في كتب الهيئة وأشار إليه البيضاوي.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (١٨)﴾
قال ابن عرفة: فيه دليل على تعلق القدرة بالعدم الإضافي، وكذلك ما في الحديث فإن قدر الله علي ليعذبني".
قوله تعالى: ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ... (١٩)﴾
قال ابن عرفة: الإنشاء هو ابتداء الشيء على أكمل وجه، والضمير في به عائد على الماء، هل الماء هو الأصل في النبات والتراب وهما معا، قال: والظاهر أن الماء مكمل للإنبات إذ التراب وحده لَا ينبت فهو الجزء المكمل فلذلك نسب إليه الإنشاء.
قوله تعالى: (لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ).
قال ابن عرفة: كان بعضهم يقول الكثرة إما راجعة لآحاد الفاكهة أو لأصنافها؛ لأن العنب أصناف، والتمر أصناف، وكل صنف من ماله آحاد منعقدة، وكل نوع لا يشبه الآخر، قال: واشتملت هذه الآية على العلل الأربعة، وهي المادة، والفعل، والغاية، والصورة بالماء، هو العلة المادية التي استمد منها النبات، والأقل هو العلة الغائية، والمنفكة هو الصورة باعتبار صور الفاكهة وأنواعها، والفاعل راجع لقوله تعالى: (فَأَنْشَأْنَا) لأن الفاعل [**معالي وكثر بالنقلة عن الأول]؛ لأن غالب التمر والزيت
قوله تعالى: (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ).
الصبغ قال الزمخشري: هو غمس الأيدي في زيتها للأكل به.
قوله تعالى: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا... (٢١)﴾
أعاد الضمير على بعض الجمع، وهو المؤنث منها.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً... (٢٤)﴾
قال ابن عرفة: هذا تناقض منهم؛ لأنه أول رسول بعث، فلم يتقدم قبله رسول، فلم يعلموا الملائكة إلا من قوله وهم قد كذبوه، قيل له: قد قيل: إن آدم أرسل إلى بنيه فلعلهم علموا بالسماع منه، وخلق الله لهم علما ضروريا أو خاطبوه على تقدير صحة قوله.
قوله تعالى: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ).
مفهومة أنهم لو سمعوا ذلك لقتلوه فيؤخد منه أن خبر التواتر تقييد العلم، وقوله تعالى قبل هذا (فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ).
قال ابن عرفة: هذه مثالية لَا معدولة؛ لأن موضعها غير موجود بوجه؛ لأن وجود غير الله محال بل الموضع موجود تقديره: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، فالموضع هو أنتم فهي معدولة وليس موضعها الله غيره.
قوله تعالى: ﴿فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥)﴾
قال ابن عرفة: هو انتظار لأمر مؤلم.
قوله تعالى: ﴿فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨)﴾
قال ابن عرفة: الألف واللام للجنس، قيل لابن عرفة: حكى الشيخ النواوي رحمه الله تعالى في الأذكار أن الحافظ أبا عمرو بن الصلاح، سئل عمن حلف أنه يحمد بجميع محامده، فأجاب: بأنه ليس بقوله الحمد لله، وإنما يريد بقوله: "الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه، ويقول: الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه، ويقول: الحمد لله حمداً [يوافي نعمه ويكافئ مزيده*] ونقله حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إن قلت: قد خاطبه بقوله: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)، قلنا: سأله عن سبب نزوله، ولم يطلب منه رفع العذاب، وإنما سأله ليعرف موجب قدرته؛ لأنه كان وعده تنجية أهله وهو يعتقد أنه منهم وعطف: قال الأولى بالفاء، لأنها في قضية نوح عليه السلام، وهو أول من بعث فناسب مبادرة قومه بالتكذيب لعقب الرسالة؛ لأنه لم يتقدم له نظر في ذلك، فجاءهم بأمر غير معهود لهم، وأما الثاني فهي قضية هود وصالح، وقد تقدم قبله إرسال نوح عليه السلام بزمان متطاول وغيره، فعطفه بالواو التي تقتضي الترتيب والتعقيب ولا تنفيهما، فيحتمل أنهم قالوا ذلك عقب إرساله أو بعده بزمان طويل، إن قلت: لم قال أولا (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)، وقال تعالى ثانيا [(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) *]، قلنا: الجواب كالجواب المتقدم، فإن القضية الأولى من قوم لم يعهدوا الرسالة فالكفر فيهم متصل ثابت فبدأ به تنبيها على أنه حاصل لهم على هذه المقالة، وأما الثانية فابتدأ فيها بالقوم إشارة إلى أن كفرهم غير عام فيهم، وأن القائل بعض القوم لَا كلهم، ويحتمل أن يجاب بأنه قدم القول وهنا العطف على وصفهم بالكفر غيره من الصفات.
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا... (٢٩)﴾
عطف على جواب الشرط فظاهره أنه يقول: تعقب الاستواء على الفلك مع أنه إنما يقول ذلك حين تركه في الفلك في الأرض، إما أن يكون اكتفى بدلالة القرائن على ذلك أو يكون أمر أن يدعوا بذلك حين الاستواء لينزل إلى الأرض مطمئنا، أو المراد أنزل على الذي أنا فيه فيكون دعاء بأن ينزل السفينة في محل يصلح لها خشية أن ينزل في محل يفسدها فيصادف حينئذ بكسرها.
قوله تعالى: (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).
الكلام فيه كالكلام في (تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
قوله تعالى: (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ).
ولم يقل فقولوا الحمد لله، وإنما أفرده بالخطاب؛ لأنه هو المقصد [من*] الأمر بالذات، و (منزل) إما اسم مصدر أو اسم مكان.
قال ابن عرفة: والصواب أنه اسم مكان؛ لأن المصدر معنى من المعاني، والمعاني تجمل ولا تثبت بخلاف المكان.
قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا... (٣٢)﴾
ابن عرفة: فتارة يجعل متعلق الفعل محلا له، وتارة يجعله [ظرفا*].
قوله تعالى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ... (٣٥)﴾
قال ابن عطية: الاستفهام يعني التوقيف على جهة الاستبعاد والاستهزاء.
قال ابن عرفة: الاستبعاد في الممكن الرجوع، والاستهزاء في المستحيل الوقوع، فإن استبعدوا وقوعه على سبيل التقرير والإنكار، وإن نفوا الإعادة وجعلوا وقوعها محالا، فهو استهزاء إما بالرسول الذي وعد بذلك، أو بالمخاطبين الموعودين به، قال: والتوقيف إما بنفي المقتضى له أن يوجد المانع له منه فهم أنكروا عليهم واحتجوا بنفي المقتضي، بقوله تعالى: (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ)، من وجهين:
الأول: المثلية تمنع من اتباعكم له، [ولَا يتبع الإنسان إلا من هو أعلى منه*].
الثاني: أن المثلية تقتضي التساوي فاتباعهم له ترجيح، إذ ليس اتباعهم له بأولى من اتباعه لهم، وأما وجود المانع فباعتبار أنه آتاهم بالمحال مانع من قبول قوله: هذا عندهم دليل على بطلان قوله: فكيف يتبعونه على بطلان ما جاء به.
قوله تعالى: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (٣٦)﴾
قال ابن عرفة: كيف الجمع بين هذه وهي من أوعد وبين قوله تعالى: في أول الآية (أَيَعِدُكُمْ)، وهو من وعد، فأجاب: بأن الأول راجع إليهم في الحال والوجود، فلذلك قرنه بالوعد، والثاني: راجع لحالتهم بعد الموت والعدم، فناسب اقترانه بالوعيد.
قوله تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا... (٣٧)﴾
الضمير عائد على مطلق الحياة، وفسرها بحياة مخصوصة.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (٤٢)﴾
الإنشاء أخص من الابتداء، والقرن إما القطعة من الزمان أو الجماعة المجتمعون في وقت ما، فإن أريد الأول: كان على حذف مضاف، أي أهل قرون، والوصف بآخرين تأكيدا، وكان بعض الطلبة يجعله تأسيسا ويرده بأنك إذا قلت: رأيت رجلا
قوله تعالى: ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣)﴾
إن قلت: هلا قيل وما يستأخرون.
قال ابن عرفة: تقدم لنا الجواب من وجهين:
الأول: مراعاة رءوس الآي، الثاني: لو قيل وما يستأخرون، لأفاد أن مجموع الأمة لَا يستأخرون عن آجالهم، وما يلزم منه أن لَا يتأخر بعضهم، فعدل عنه إلى هذا التقييد، أن كل واحد منهم لَا يتأخر عن أجله فيكون كليا [... ] مع أن التقدم على الأجل مكروه للنفوس، والتأخر عنه محبوب لها من كل أحد؛ لأن كل أحد يكره الموت، فلذلك جمعهم؛ لأن كل أحد يحب أن يتأخر عن أجله، فقيل لابن عرفة: قد قالت المعتزلة: إن المقتول له أجلان.
[... ]
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٤٥)﴾
قال ابن عرفة: يؤخذ من الآية صحة صدور المعجزة على غير يدي من تجرأ بها، [والآية*] إنما تجرأ بها موسى، وقد صدرت على يدي موسى ويدي هارون، فإما أن يكون هارون شريكا له، فيؤخذ منه جواز صدور المعجزة على يدي شخصين مشتركين فيها، أو نقول أنها صدرت على يدي موسى دلالة على صدقه في جميع ما جاء به موسى، [وأن*] أخاه هارون نبي، فتكون نبوة هارون ثبتت بقول موسى إنه نبي، مع ثبوث صدقه في مقالته، ونبوة موسى ثبتت بالمعجزة ورسالته ثبتت بالمعجزة، قال ابن عطية: والآية هي اليد والعصا، وسائر [آياتهما*]، كالبحر، والمرسلات الست.
قوله تعالى: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ... (٥٠)﴾
قال الزمخشري: هي بيت أرض المقدس، وهي كبد الأرض، وأقرب الأرض إلى السماء ثمانية عشر ميلا، فينقص بعدها من السماء عن بعد غيرها منها ثمانية عشر ميلا.
قوله تعالى قبل هذا (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ).
قال ابن عرفة: هذا على ما فسروه من عطف الصفات لَا من عطف الموضوعات، وكأنه يقول: وأرسلنا موسى بمعجزات وبسلطان مبين للاحتجاج بها والتحدي بها.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا... (٥١)﴾
قال المفسرون: الخطاب هذا إما لعيسى وحده، أو لمحمد صلى الله عليهما وعلى آله وسلم وحده، ويكون من خطاب الواحد خطاب الجماعة اعتبارا باختلاف الآية كقوله:
فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلِّها... يمينا ومهوى النّسر من عن شمالك
وكما قال الفخر: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)، أو يكون من قبيل الجمع عن تفريق، كقوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، أي قال: كل فريق منهم ذلك.
قال ابن عرفة: وهذا كله على القول بمنع خطاب المعدوم، وأما الزمخشري فهو مذهبه، وأجابنا ابن عطية بكلامه بناء على أن هذا القول، وأما على القول بجوازه فيهم أن يراد بيانها جميعها، قيل له: القول بجواز خطاب المعدوم، إنما هو على تقرير وجوده مستوف فيه شرائط تكليفه، والرسل هنا حين نزول الآية قد مضوا وانقرضوا، وليسوا مقدرين الموجود إذ زمن تطبيقهم قد مضى وعودهم [محال*]، وقال: كلام الله قديم أزلي سابق على وجود جميعهم، وهذا أيضا حكاية عما كلف به كل واحد منهم، أن للأكل الطيب تأثيرا في العمل الصالح.
قوله تعالى: (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).
وعد ووعيد ولفظ الرسل غير مقصود هنا، بل المراد المرسلون والأنبياء أتباعهم.
إن قلت: الخشية الخوف، والإشفاق الخوف، فكيف هم خائفون من الخوف؟ قلنا: الإشفاق وقوع متعلق الخوف فهم خائفون من وقوع العذاب بهم خائفون، وذكر ابن عطية: إن من [لبيان الجنس*]، والصواب أنها للسبب، ويؤخذ منه جواز أن يقال: سبحان من تواضع كل شيء لعظمته، وتقدم نحوه في سورة الأنبياء في قوله تعالى: (وَهُمْ مِن خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، فإن التواضع للعظمة من حيث كونها صفة لله بالتواضع، إنما هو للذات فكذلك الخوف، وما وجه من منع أن يقال: سبحان من تواضع كل شيء لعظمته إلا أنه فهم اللام التعدية لَا للسبب، وإن جعلناها للسبب زال الإشكال، ويكون التواضع للذات لأجل العظمة، قال: سلك في الآية مسلك الترقي بالانتقال من حالة الوقف والتردد، وهي حالة العمل بالفروع، وبقى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ... (٦٠).. ، فالأول هو زمن النظر لهم فهم مشفقون خائفون من عدم العثور على الوجه الذي منه يدل الدليل على وجود الصانع، وكذلك اختلف الأصوليون في أول الواجبات، فقيل: النظر، وقيل: القصد إلى النظر، وقال أبو هاشم [الشَّكُّ*].
قال ابن عرفة: وأكد الثلاثة الأول: بضمير الجمع، لأنها لبيان الأصول المستلزم للسلامة من صغير الكفر المقطوع لتعذيب صاحبها، والرابع: إيمانه بالفروع المستلزم للسلامة من صفة العصيان التي تحتاجها في المشيئة غير مقطوع بتعذيبه، فلذلك لم يقل (وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوْا)، أو (وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، احتراس لقوله تعالى: (وَهُمْ لَهَا سَابقُونَ)، خشية أن يتوهم مسابقتهم إلى فعل ما لَا يطاق، ويؤخذ منه جواز تكليف ما لَا يطاق، وعدم وقوعه، قال الفخر: والتكليف إنما يقع بدون الوسع لَا بالوسع بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
قال ابن عرفة: [التكليف بالمتعذر ساقط، والتكليف بالمشقة*] واقع بوقوف الواحد للعشرة، وقد ورد التكليف به، وكوقوف المائة للألف يعني للجهاد.
قوله تعالى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا... (٦٣)﴾
قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ... (٦٤)﴾
قال ابن عطية: حتى حرف ابتداء لَا غير [وإِذا والثانية التي هي جواب تمنعان من أن تكون حَتَّى غاية لـ (عامِلُونَ) *].
قال ابن عرفة: انظر كيف يمنعان ذلك، قيل له: ؛ لأن عملهم سابق على أخذهم بالعذاب، وليس مقارنا له بوجه حتى يقتضي دخول ما بعدها فيما قبلها (لَهَا عَامِلُونَ)، حين وقت أخذ مترفيهم بالعذاب.
قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ... (٦٨)﴾
[يفهم*] على عدم تدبير مطلق القول، فيستلزم ذمهم على عدم [تدبر*] قول الرسول، من باب [أحرى*] [**الصدقة وعلى منزلته].
قوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ... (٦٩)﴾
أضافه إليهم.
قال الزمخشري: لمعرفتهم به وكونه نشأ فيهم، وربا بينهم، ورده ابن عرفة: بأنه يلزم عليه أن لَا يكون رسولهم إلا من عرفوه، قال: وإنما أضافه لما عليه لهم؛ لأنه من جنس البشر، وليس بطائر، ولا ملك.
قوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ... (٧٢)﴾
قال ابن عرفة: وجه مناسبتها لما قبلها أنهم ذموا على إنكارهم رسالته، مع قيام الدليل المقتضي لصحتها سمعا، وعقلا، وقع نفي المانع منها، أما الاضطرار، [فبقوله*] تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ)، وأما الاختياري فبقوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ)، هو جامع أن الكهان والسحرة كانوا يأخذون منهم
قوله تعالى: (فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ).
أخذ منه الطلبة جواز أخذ الأجرة على إقراء الحديث، وترويته وتعليم العلم، لأن ظاهر الآية مرجوحية ذلك لَا تحريمه فدل على أنه جائز، وأن كان مرجوحا، وقرأ حمزة والكسائي: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ [خَرَاجًا*] فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ)، وقرأ ابن عباس؛ (خَرْجًا [فَخَرْجُ*] رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ)، وقرأ الباقون (خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ)، قال الشاطبي في سورة الكهف: [وَحَرِّكْ بِهاَ وَالمُؤْمِنينَ وَمُدَّهُ... خَرَاجاً شَفَا وَاعْكِسْ فَخَرْجُ لَهُ مُلَا*] فاختصر اختصارا حسنا، وقال في الشعراء: [**وفي خراج مع الريح خلفهم، وكلهم فخراج بالثبوت قرا] (١)، وليس المراد أن الجميع اتفقوا على قراءتها بالألف، وإنَّمَا مراده أن الجميع اتفقوا على أن من قرأها بالألف يكتبها ألفا ثابتة لَا ألفا محذوفة، وهي في الخط ثابتة كسائر الألقاب المحذوفة في الخط.
قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)﴾
الاستكانة: الخضوع والتذلل، وأورد الزمخشري سؤالا قال: لأي شيء أتى الأول ماضيا، وبالثانية مضارعا، وهلا كانا ماضيين، أو مضارعين، فيقال: فما استكانوا وما تضرعوا، وفما يستكانون وما يتضرعون، وأجاب: بأنه نفى في الأول الاستكانة باعتبار الحصول، وفي الثانية نفى الخضوع باعتبار القابلية له في المستقبل، فإن قلت: هلا قيل: فما تضرعوا لربهم وما يستكينون، فلم خصصت الاستكانة بالماضي؟ فالجواب: أن الاستكانة أخص من سبب التضرع؛ لأن الخشوع يحصل بمجرد العذاب، والتضرع إنما هو يرد به العذاب الشديد، فالتضرع أخص، فإن قلت: نفي الأخص يستلزم نفي الأعم، قلت: نفي الأخص هنا يستلزم ذلك باعتبار سببه، فإن انتفى سبب الذي [... ] سمعي، فإن قلت: ما معنى الغاية في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ... (٧٧).. ، فيلزم عليه إذا فتح عليهم العذاب الشديد تضرعوا، قلنا: نعم وكذلك هو لكن لَا يفيدهم التضرع.
قال الزمخشري: وأخذهم بالسنين حتى أكلوا العلهز.
ابن عرفة: هو الدم المخلط بالشعر، وقيل: إنه كبير.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ... (٧٨)﴾
ابن عرفة: الإنشاء أخص من الإيجاد أن يكون تقدير بإيجاد بعض الأجزاء [وكلها*] هو، فإن قلت: لم أفرد السمع؟ قلت: أجاب الزمخشري: بأنه إما مصدر أو اسم [مختص*].
ابن عرفة: وعادتهم يجيبون: بأنه أفرده؛ لأنه مفرد، ومتعلقاته متعددة، والبصر متعدد بتعدد متعلقاته، فكل جهة لها إبصار خاص بها بخلاف السمع، فإنه سمع واحد يسمع به من كل جهة، وليس المراد الخارجة وهي الأذن، فالمراد بالسمع السماع لا الحاسة، بدليل قوله في المدونة فيمن ضرب رجلا بآلة حادة فأذهب سمعه، أن عليه الدية، مع أن أذنه لم تزل أذنه باقية؟ والعطف هنا ترق؛ لأن عدم الرؤية أشد من الصمم، قيل له: قد كان يعقوب وشعيب عليهما السلام: لَا يبصران، ولم يكن أحد من الأنبياء عليهم السلام أصم بوجه، فقال: العمى طارئ عليهما وليس ابتدائيا بوجه، والمراد بالأفئدة هنا العقل؛ لأن الآية خرجت مخرج الامتنان بهذه النعم، ولا يكون الامتنان إلا بالعقل، لَا بمجرد الفؤاد.
قوله تعالى: (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ).
قال ابن عرفة: كانت الطلبة يقولون: يحتمل أن يزيد القدر المتحرى من الشكر هو قليل، ويحتمل أن يرد الشكر الأعم، فعلى الأول: من صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يفعل الطاعات هو شاكر قليلا، وعلى الثاني: من وحد الله ولم يصدق بالنبي صلى الله عليه وسلم، هو شاكر مطلق شكر.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ... (٧٩)﴾
قوله تعالى: (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)،
تقديم المجرور إما للحصر أو لرءوس الآي أو للنشر.
فقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ.. (٨٠).. ، في إسناد الإحياء والإماتة إلى الله تعالى، رد على الحكماء القائلين بالطبع والطبيعة، وفيه دليل على أن الموت أمر وجودي، لخروجها مخرج الامتنان، والامتنان إنما يقع بالموجود لَا [بالمعدوم*]، أو؛ لأن الموت تفريق الأعضاء، والتفريق أمر وجودي.
قوله تعالى: (وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ).
وانتقل من ذات الامتنان إلى الاستدلال بأمر خارجي عنه، وهو العالم العلوي.
قوله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا... (٨١)﴾.. إضراب إبطال؛ لأن نتيجة ما تقدم الاعتبار والإنابة والخضوع، فأضرب عن ذلك، والإضراب عنه يستلزم فعل نقيضه، بل بمعني مسكون عنه محتملا لفعل النقيض ولعدم فعله، فقال: لم تفعلوه بل فعلوا نقيضه، والمثلية تقدم في الأصول هل هي بديهية أو نظيرية؟ والخلاف هل هي عملية، أو إضافية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا... (٨٤)﴾
قال ابن عرفة: حذف المقول له، إما لكونه معلوما من السياق، أو لدلالة حال سيقولون عليه، قال: والآية دالة على وجود الله ووحدانيته، قال: ويستفاد منها أمران:
أحدهما: تقرير النعمة لنصب هذه المذكورات دليلا على وجود مالكهما ووحدانيته.
الثاني: نفي القدر عمن خالف وجحد، قال: وخصص الأول بالتذكير؛ لأن الإنسان في أول أحواله يتذكر الدليل ليعلم ماذا تقرر عنده، فإذا تقرر عنده العلم حصلت له التقوى، فالقدرة ناشئة عن التذكر فهي في ثاني رتبة، وبدأ أولا بالأمر الحسي القريب، الوجود منهم ثم بالحسي العلوي الأعظم خلقه، فالمعنوي في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ... (٨٨).. ، فقرن الأول بالعلم، وحذفها من الثانية
قوله تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ).
قال ابن عرفة: الآية حجة المقول بإمكان معرفة حقيقة ذات الله عز وجل، والقول بالعلم بها، وهما مبطلان، ذكر الخلاف فيهما ابن التلمساني شارح المعالم فأما إمكان معرفة ذات الله تعالى، فقال الفلاسفة والحكماء: أنه محال، ومذهب الجمهور جوازه، وأما وقوع ذلك في مذهب الفخر وجماعة: أنه واقع، ومذهب القاضي أبي بكر، والأشعري، وجماعة: الوقف، والوقف ما وقف حياة، أو وقف استرشاد، والسؤال بمن إنما يكون على الحقيقة، والأفلاك من حيث الجملة، اختلف فيها فقيل: سبعة، وقيل: ثمانية، وقيل: تسعة، وقيل: عشرة، ومن حيث التفصيل اتفقوا أنها أربعة وعشرون فلك.
قوله تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ).
قال الشهرستاني، والغزالي: الفلك عبارة عما وجد في الخارج، مما هو مشاهد الموجود، والملكوت: عبارة عما وجدوه، مما لم تشاهده، ولم يوجد.
وقال ابن عرفة: الملك أعم فيطلق على ما قدر وجوده سواء وجد أو لم يوجد، والملكوت: عبارة عما وجد في الخارج، فظاهر الآية أن المستحيل لَا يصدق عليه شىء.
قوله تعالى: (وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ).
أي هو يمنع غيره ولا يمانع فيما يفعل، يقال: أجرت فلانا من فلان أي منعته منه، وهذه الجملة إما في موضع الحال، أو معطوفة، أي ومن يجير، ولأن بعضهم يرجح العطف؛ لأنه يقتضي تعديد هذه الأدلة، وتقدر الدليل أولى من إيراده.
قوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ... (٩١)﴾
يعني اتخاذ الولد أعم من نفي الولد، فيدل باللزوم عن نفي الولد. لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، وما ينفي الحال، والمراد به ما وقع ودام، والقرينة هنا تدل على عموم النفي في كل الأزمنة.
قوله تعالى: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ).
قال ابن عرفة: الجواب عن الإشكال، أن المراد وقوع الخلق بالفعل، وتقريره في الآية أنه لو فرض تعدد الآلهة مع [ضميمة*] وقوع الخلق منهم في الوجود الخارجي للزم عليه استقلال كل واحد منهم بمخلوقه، وعلى بعضهم على بعض، واللازم باطل باللزوم مثله بيان الملازمة، أن الفرض وجود المخلوقات، فهذه المخلوفات إما أن لا تضاف خلقها لواحد منهم، وهو باطل؛ لأنه خلاف الفرض، أو يكون معدودة للجميع وهو باطل لاستلزامه اجتماع أثرين على مؤثر واحد، أو تكون مقدورة لأحدهما دون الآخر، وهو ترجيح من غير مرجح، فلم يبق إلا أن يضاف بعضها إلى هذا، فيكون مقدراً له، وبعضها إلى الآخر والبعض الذي اختص به أحدهما، إما أن يكون الآخر قادر على إيجاده، وهو تحصيل الحاصل، أو على إعدامه فيلزمه التناقض والعجز، فصح أن كل واحد منهم إله للآخر فيما اختص به عنه، وهو معنى علو بعضهم على بعض.
قوله تعالى: (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ).
راجع إلى اتخاذ الولد والأنداد.
قوله تعالى: ﴿فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢)﴾
راجع إلى نسبتهم لشريك الله.
قوله تعالى: ﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (٩٣)﴾
يحتمل أن يكون من وعد في الخير، أو من أوعد في الشر، وهي هنا من أوعد.
قوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤)﴾
دعواه بذلك مع عصمته منه لَا يقال: إنه تحصيل الحاصل، بل هو إما من تعليمه لأمته، أو كما قال الزمخشري: إنه إظهار للتذلل والخضوع، قال: واقتران الفعل [بـ في*] دون (من)، إما مبالغة [في*] النفي؛ لأن قولك: زيد من الظالمين، فإنه يقتضي صحبته لهم أعم من أن [يكون*] شريكا لهم في الظلم، بخلاف قولك: زيد من الظالمين، فإنه يقتضي مشاركته لهم في وصفهم، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (٩٥)﴾
قال ابن عرفة: والآية حجة لأهل السنة لاقتضائها عموم تعلق قدرة الله تعالى، بأن جعل نبيه مبصر الجميع، ما وعد به من أنواع المهالك في الدنيا؛ لأن الرؤية بصرية، وقد مات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل استيفاء ذلك، لهلاك جمع كثير منهم ممن ارتد بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم على يدي أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما وقد نص الله تعالى على تعلق القدرة بذلك.
قوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ... (٩٦)﴾
المراد إما بالخاصة، أو بالحالة، أو بالفعلة التي هي أحسن، ويتناول الحالة القاصرة والتعدية، وهو أن يدفع عجزه عن الطاعة بنشاطه وعمله، وانتقامه لنفسه بعفوه عن الجاني.
قوله تعالى: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ).
هذا تسلية له صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي افرغ وسعك وقاتلهم بما في كسبك، وما سوى ذلك [مما*] لم يبلغه وسعك*] فنحن أعلم به ونجازيهم عليه، وكان بعضهم يأخذ من الآية ترجيح القول بتخفيف العقوية في المسائل التي اختلف في منتهى العقوبة فيها بالكثرة والقلة بنا، على أن المراد بالأحسن الأخف، ويحتمل أن يراد الأحسن شرعا فينعكس الأمر ويكون الأحسن الشديد.
قوله تعالى: ﴿مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧)﴾
إما على [أن*] لكل شيطان همزة، أو لكل شيطان همزات.
قوله تعالى: ﴿وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)﴾
ئأسيس؛ لأن الحضور أعم من الهمز، وقد دعا بنفيه، ونفي الأعم أخص من نفي الأخص.
قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ... (٩٩)﴾
أمر وجودي أو عدمي، فإن كان عدميا، فالمراد بمجيئه مجيء [علة الموت*]، وإن كان وجوديا فهو عرض من الأعراض، كما أن الحياة عرض، وهي أمر وجودي،
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ... (١٠٠)﴾
أي من أمامهم، وعبر بلفظ الواو إشارة إلى تحقيق وقوعه، وأنه أمر واجب لَا بد منه، فهو طالب [لهم*]، كطلب من يتبع الإنسان من [خلفه*]، لأنه لَا مفر له عنه بوجه، بخلاف من هو أمامه، فإنه قد [يجيئه*] شمالا ويمينا.
قوله تعالى: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)﴾
أي الأنساب ثابتة أي نافعة، وإلا فالأنساب موجودة، ويحتمل أن يكون على التوزيع أو بين كل شخصين نسب، ويحتمل الجميع، لأنه قد يكون بين كل شخصين أنساب، فيكونان ابني عم وزوجان، أو أخوين، وإلا [فاللفظ*] عام للجميع، وقوله تعالى: (فَلا أَنْسَابَ)، إشارة إلى الآباء عدوهم الأصحاب، فلا يسأل أحدهما الآخر عن حاله، بل كل أحد مشغول بنفسه.
قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا... (١٠٦)﴾
يدل على اتصافهم بمذهب الجبرية القائلين: بأن لَا قدرة للعبد ولا كسب، لأنهم آتوا هذا عذرا لهم، أن هذا أمر قدر علينا لَا طاقة لنا به، كقول آدم لموسى صلى الله على نبينا محمد وعليهما وسلم: [تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ*]، وقولهم (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا... (١٠٧) يدل على اعتقادهم أن لهم كسبا [واختيارا*].
قوله تعالى: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)﴾
قال الزمخشري: وعن ابن عباس رضي الله عنهما [إنّ لهم ست دعوات: إذا دخلوا النار قالوا ألف سنة: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فيجابون: حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي*].
ابن عرفة: يحتمل أن يجابوا بذلك في كل مرة، أو في المرة الأخيرة، وهو وكذلك الحكم في الست دعوات إلى آخرها، قال ابن عطية: ونهيهم عن الكلام، وهم لَا يستطيعون الكلام مبالغة في المنع، [ورده*] ابن عرفة: بوجهين:
الأول: أنهم يستطيعون الكلام وقد قالوا: [(يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) *] وتكلموا بغير هذا، وقد ورد الدعاء بالواجب، فكذلك النهي عما هو غير مستطاع.
قوله تعالى: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ).
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي... (١٠٩)﴾
[إِنَّ رُؤَسَاءَ قُرَيْشٍ مِثْلَ أَبِي جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَضْحَكُونَ بِالْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ مِثْلِ بِلَالٍ وَخَبَّابٍ وَعَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ - رضي الله عنهم*]
قوله تعالى: (يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا).
ويؤخذ منه قول ترجيح، قول ابن سحنون: في إجازته قول القائل: من غير تقييد بالنسبة؛ لأن هذا إنشاء لَا خبر عن معنى والقطع فالمعتقد دوامه، وقد حكى عياض: أن رجلا ضرب الباب على ابن سحنون، فقال: كيف تقول أنا مؤمن؟ فقال: أنا مؤمن إن شاء الله فبصق في وجهه، فأصيب الرجل بلكمة واعورت أحد عينيه.
قال ابن عرفة: والتحقيق أنه قصد الإعلام بحالته، فلا شيء فيه، وإن قصد الإعلام بعاقبة أمره فلا بد من الاستثناء.
قوله تعالى: (فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا).
دليل على التوبة غير مقطوع بقبولها إلا أن يجاب فيه بصحة الدعاء بالواجب إظهار التذلل والخضوع.
قوله تعالى: (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).
ولم يقل: أنت خير الغافرين؛ لأن الرحمة سبب في المغفرة، وإسناد الحكم إلى السبب أقوى من إسناده إلى سببه، ولذلك فرق الفخر بين [بُرْهَانِ اللِّمَ وبُرْهَانِ الْآنِ*].
قوله تعالى: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا... (١١٠)﴾
أي خدمة وهو بضم السين، وقرئ بكسرها، أي فعله، واستهزاء وقيل: العكس.
قوله تعالى: (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي).
قيل: حتى [للتعليل*]، وقيل: غاية، فإن قلت: مفهوم الغاية على أن نسيانهم ذكر الله واقع لاتخاذهم المؤمنين سخريا، قلنا: واقع العموم السخرية، ويبقي أخصها، وهي السخرية الأخصية الشديدة [... ] فهو آخر مدخر.
قوله تعالى: ﴿أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (١١١)﴾
وجه الحصر هنا إما باعتبار قسمهم وهم الكفار أو للمحصور فيهم فوز خاص وسائر المؤمنين حصلوا فوزا عاما.
قال ابن عرفة: كلام الشاطبي هنا مشكل؛ لأنه قال:
[وَفي قَالَ كَمْ قُلْ دُونَ شَكٍّ وَبَعْدَهُ | شَفَا وَبِهَا يَاءٌ لَعَلِّيَ عُلِّلَا*] |
قوله تعالى: (الْمَلِكُ الْحَقُّ)، هو القادر على كل شيء، النافذ أمره في كل شيء. وصلى الله على مولانا وسيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى سائر إخوانه ساداتنا من الأنبياء والمرسلين والملائكة والمقربين، وعلى آلهم وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين، آمين.
* * *