تفسير سورة يس

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة يس من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
أهداف سورة يس
سورة يس مكية، نزل في الفترة المتوسطة من حياة المسلمين بمكة، أي فيما بين الهجرة على الحبشة والإسراء وآياتها ٨٣ آية نزلت بعد سورة الجن.
وللسورة اسمان : سورة يس لافتتاحها بها وسورة حبيب النجار لاشتمالها على قصته فقد جاء في تفسير قوله تعالى : وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين. ( يس : ٢٠ ).
أن هذا الرجل يسمى " حبيب النجار ".
مقصود السورة
قال الفيروزبادي معظم مقصود سورة يس : تأكيد أمر القرآن والرسالة وإلزام الحجة على أهل الضلالة وضرب المثل بأهل قرية أنطاكية في قوله تعالى : واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذا جاءها المرسلون. ( يس : ١٣ ).
وذكر قصة حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وبيان البراهين المختلفة في إحياء الأرض الميتة وإبداء الليل والنهار وسير الكواكب ودوران الأفلاك وجرى الجواري المنشآت في البحار وذلة الكفار عند الموت وحيرتهم ساعة البعث وسعادة المؤمنين المطيعين وشغلهم في الجنة وتميز المؤمن من الكافر في القيامة، وشهادة الجوارح على أهل المعاصي بمعاصيهم والمنة على الرسول صلى الله عليه وسلم بصيانته من الشعر ونظمه وإقامة البرهان على البعث ونفاذ أمر الحق في كن فيكون وكمال ملك ذي الجلال على كل حال١ في قوله سبحانه : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون. ( يس : ٨٣ ).
ملا مح السورة
سورة يس لها وقع خاص في نفوس المسلمين يرددون قراءتها في الصباح والمساء وتقرأعلى المريض للشفاء وعلى المحتضر لتيسير خروج الروح وعلى المقابر لتنزل الرحمة على الموتى وقد أخرج ابن حبان في صحيحه مرفوعا " من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له ". ٢
وتتميز سورة يس بقصر الآيات وسهولة القراءة وتتابع المشاهد وتنوعها من بدء السورة إلى نهايتها.
والموضوعات الرئيسية في السورة هي موضوعات السور المكية وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة فهي تتعرض لطبيعة الوحي والصدق الرسالة، وتسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة، وتعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه وقرب نهاية السورة تعود على الموضوع ذاته فتوضح أن ما يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ليس شعرا ولكنه ذكر وقرآن مبين.
كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية والوحدانية فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليعلن إيمانه بالمرسلين وهو يقول : ومالي لا اعبد الذي فطرني وإليه ترجعون. ( يس : ٢٢ ).
والقضية التي تشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور وهي تتردد في مواضع كثيرة من السورة تحكي السورة قصة أبي بن خلف حين جاء بعظم قد رم وبلى وصار ترابا ثم ضغط عليه بيديه ونفخ فيه فطار في الفضاء ثم قال : يا محمد تزعم أن ربك يبعث هذا بعدما رم وبلى وصار ترابا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم ويبعثك ويدخلك النار " قال تعالى : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم* قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. ( يس : ٧٨-٧٩ ).
والقضايا المتعلقة ببناء العقيدة تتكرر في السور المكية ولكنها تعرض كل مرة من زاوية معينة، تحت ضوء معين مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها وتتناسق مع إيقاعها وصورها.
" وهذه المؤثرات متنوعة في هذه السورة من مشاهد القيامة- بصفة خاصة ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها ومن مصارع الغابرين على مدار القرون ثم من المشاهد الكونية الكثيرة، المتفرعة الموحية : مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة، ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام ومشهد الشمس تجري لمستقر لها : ومشهد القمر يتدرج في منازله حتى يعود كالعرجون القديم، ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين ومشهد الأنعام مسخرة للآدميين ومشهد النطفة وتحولها في النهاية إلى إنسان فإذا هو خصيم مبين ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار التي يوقدون ". ٣
فصول السورة
يجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة فصول :
١- رسالة ورسول
يستغرق الفصل الأول من السورة الآيات من ( ١-٢٩ ) ويبدأ بالقسم بالحرفين " يا سين " وبالقرآن الحكيم على صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه على صراط مستقيم ثم يبين أن القرآن منزل من عند الله لإنذار العرب الذين لم ينذر آباؤهم من قبل، فوقعوا فيما وقعوا فيه من الغفلة، وحق العذاب على أكثرهم بسببها وقد جرت سنة الله ألا يعذب قوما إلا بعد أن يرسل إليهم من ينذرهم ثم وصف حرمانهم من الهداية وإمعانهم في الغواية كأنما وضعت أغلال في أعناقهم بلغت على أذقانهم ووضعت سدود بين أيديهم ومن خلفهم فصاروا لا يبصرون وبين أن الإنذار إنما ينفع من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فاستعد قلبه لاستقبال دلائل الهدى، وموحيات الإيمان ثم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يضرب لهم مثلا أصحاب القرية.
قصة أصحاب القرية :
ضرب الله لأهل مكة مثلا قصة أهل أنطاكية بالشام أرسل الله إليهم رسولين هما يوحنا وبولس من حواريي عيسى فكذبهما أهل القرية فأرسل الله ثالثا على درجة من الذكاء في توجيهه الدعوة، واستمر التكذيب من الكافرين وبيان الحجة وأدلة الإيمان من المرسلين ثم جاء رجل مؤمن يسمى حبيب النجار فدعا قومه إلى الإيمان بالرسل فاتهموه بأنه مؤمن فأعلن إيمانه في ظروف حرجة، وتعرض الرجل للإيذاء والقتل فحظي بالشهادة والجنة، وتمنى لو أن قومه يعلمون منزلته الآن عند الله.
أما القرية الظالمة فقد صاح بها ملك صيحة أهلكتها أفلا يعتبر أهل مكة بهذه القرية وبالقرون التي هلكت جزاء كفرها وسيجتمع الجميع أمام الله يوم القيامة ويتميز المؤمنون بحسن الثواب ويحل بالكافرين سوء العقاب.
٢- أدلة الإيمان :
بعد الحديث في الدرس الأول عن المشركين الذي واجهوا دعوة الإسلام بالتكذيب والمثل الذي ضربه الله لهم في قصة أصحاب القرية المكذبين وما انتهى إليه أمرهم من الهلاك بصيحة الملاك فإذا هم خامدون تحدثت الآيات ( ٣٠-٦٨ ) عن موقف المكذبين بكل ملة ودين وعرضت صور البشرية الضالة على مدار القرون ثم أخذت في استعراض الآيات الكونية التي يمرون عليها معرضين غافلين وهي مبثوثة في أنفسهم وفيما حولهم.
فالماء الذي يحيي الأرض بأنواع الجنان والنخيل والأعناب والليل والنهار والشمس والقمر والنبات والإنسان وكل ما في الكون قد أبدع بنظام دقيق فللشمس مدارها وللقمر مساره ولليل وقته، وللنهار أوانه لا يتأخر كوكب عن موعده ولا يختل نظام ولا تضطرب حركات الكون : وكل في فلك يسبحون. ( يس : ٤٠ ).
ثم تحدثت الآيات عن عناد المشركين واستعجالهم بالعذاب غير مصدقين : ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين. ( يس : ٤٨ ).
وبمناسبة ذلك يستعرض مشهدا من مشاهد القيامة، يرون فيه مصيرهم الذي به يستعجلون كأنه حاضر تراه العيون.
٣- وحي لا شعر :
يشتمل الدرس الثالث على الآيات من ٦٩ على آخر السور ويكاد هذا الفصل يلخص موضوعات السورة كلها فينفى في أوله أن جاءه به محمد صلى الله عليه وسلم شعر وينفى عن الرسول كل علاقة بالشعر أصلا، ثم يعرض بعض المشاهد واللمسات الدالة على الألوهية المنفردة، وينعى عليهم اتخاذ آلهة من دون الله يبتغون عندهم النصر وهم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة المدعاة، ويتناول قضية البعث والنشور، فيذكرهم بالنشأة الأولى من نطفة، ليروا أن إحياء العظام وهي رميم كتلك النشأة ولا غرابة ويذكرهم بالشجر الأخضر الذي تكون فيه النار وهما في الظاهر بعيدان، ويخلق السموات والأرض وهذا الخلق شاهد بالقدرة على خلق أمثالهم من البشر في الأولى والآخرة، وفي ختام السورة نجد برهان القدرة الإلهية والإرادة الربانية فالله مالك كل شيء في الدنيا والآخرة وإليه المآب والمرجع قال تعالى : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون. ( يس : ٨٢-٨٣ ).
***

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يس( ١ ) والقرءان الحكيم( ٢ ) إنك لمن المرسلين( ٣ ) على صراط مستقيم ( ٤ )تنزيل العزيز الرحيم( ٥ ) لتنذر قوما ما أنذر ءاباؤهم فهم غافلون( ٦ ) لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون( ٧ ) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون( ٨ ) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون( ٩ ) وسواء عليهم آنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون( ١٠ ) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم( ١١ ) إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين( ١٢ ) ﴾
المفردات :
يس : تقرا ( يا سين ) بعد السين وإظهار النون الساكنة أو بإدغام نون السين في الواو التي بعدها والمراد من هذه الحروف المقطعة : الاستفتاح والتنبيه مثل : ألا ويا والإشارة إلى أن القرآن مؤلف من حروف عربية تنطقون بها وقد عجزتم عن الإتيان بمثله فدل ذلك على أنه ليس من صنع بشر.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
التفسير :
﴿ يس ﴾
قال ابن عباس معناها يا إنسان والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم كما يشير إليه الخطاب بعده في قوله تعالى : إنك لمن المرسلين.
وقيل : إن يس اسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم فاسمه طه واسمه محمد وأحمد ومزمل ومدثر وبشير ونذير واسمه العاقب الذي لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم.
وقيل : إنها حروف للتنبيه يفتتح بها الكلام مثل : ألا، ويا.
وقيل : إنها حروف للتحدي والإعجاز.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ والقرءان الحكيم ﴾
المفردات :
والقرآن الحكيم : الواو للقسم يقسم بالقران ذي الحكمة.
التفسير :
وأقسم بالقران الحكيم المشتمل على الحكمة، والحكمة صفة العاقل وقد كان القرآن حكيما في دعوته ورسالته وعرض أدلة الله في هذا الكون، وحديثه عن قصص السابقين وعرضه لشرائع هذا الدين وآدابه ووصوله إلى الفكر والقلب والوتر الحساس للإنسان في حديثه عن بدء الخليقة، وعن تكوين الإنسان وعن تصوير الميعاد والحساب والجزاء وعن ذلة الأصنام وضياع الشركاء المزعومين وعن تفرد الله تعالى بالقدرة والعزة والملك والملكوت.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ إنك لمن المرسلين ﴾
المفردات :
إنك لمن المرسلين : أقسم : إنك من الأنبياء المرسلين إلى قومهم.
التفسير :
أقسم الحق تعالى بحروف مقطعة، وأقسم بالقرآن الحكيم على أن محمدا صلى الله عليه وسلم من جنس المرسلين الذين أرسلهم الله تعالى إلى عباده لتعليمهم وإرشادهم وفي هذا رد على الكافرين الذين كذبوه ووصفوه بأنه شاعر أو مجنون.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ على صراط مستقيم ﴾
المفردات :
على صراط مستقيم : طريق قويم، من عقائد صحيحة وشرائع حقة.
التفسير :
أنت على طريق قويم واضح سهل ميسر وشريعة سهلة سمحة لا تعنت فيها ولا التواء وكتاب واضح في بيان العقيدة والشريعة، والحق والباطل والحلال والحرام وهذا الكتاب وهذه الشريعة وهي الإسلام بسيطة سهلة يفهمها الأمي والمتعلم وساكن الكوخ وساكن القصر ورجل البادية ورجل المدينة والقرآن يعطي لكل إنسان ما يناسبه والإسلام دين الله المستقيم وقد مدح القرآن الاستقامة.
قال سبحانه : إن الذين قالوا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا... ( فصلت : ٣٠ ).
وفي سورة الفاتحة : اهدنا الصراط المستقيم. ( الفا تحة : ٦ ).
وقال رجل : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا وأقلل فيه لعلي أعيه فقال له صلى الله عليه وسلم : " قل آمنت بالله ثم استقم ". ٥
وقال تعالى : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.. ( الأنعام : ١٥٣ ).
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ تنزيل العزيز الرحيم ﴾
التفسير :
استئناف لإظهار فخامة القرآن الكريم الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية بالقسم به ووصفه بالحكمة، فهذا القرآن كلام الله وهو تنزيل العزيز الغالب الرحيم بعباده، ولهذا ففيه عزة المؤمنين وقوتهم وتماسكهم وهم به خير أمة أخرجت للناس وهم بالقرآن والتمسك به أهل لرحمة الرحيم.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ لتنذر قوما ما أنذر ءاباؤهم فهم غافلون ﴾
التفسير :
أنزل عليك القرآن لتنذر به أمة العرب الذين بعد عهدهم بالرسالة فقد أرسل إسماعيل منذ فترة بعيدة وبعد عهد العرب بالرسالة والرسل لذلك ساد بينهم الجهل والغفلة عن الإيمان وأسبابه لأنهم لم يأتهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم فكثرت فيهم الغفلة وتجاهل قوانين الله وأحكامه وآياته في خلق الكون وإرسال الرسل فكان محمد صلى الله عليه وسلم بشيرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ﴾
المفردات :
حق القول : ثبت ووجب الحكم بالعذاب على أكثر أهل مكة.
التفسير :
لقد حق قضاء الله فيهم حين قال : لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين... ( السجدة : ١٣ ).
لقد حق عليهم عدم الإيمان بسبب تعنتهم وكفرهم وإصرارهم على الضلال والغواية فسلب الله عنهم الهدى وتركهم في غوايتهم.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ﴾
المفردات :
أغلالا : جمع غل، وهو ما تجمع به اليد على العنق للتعذيب.
مقمحون : رافعون رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، غاضون أبصارهم في عدم التفاتهم إلى الحق وهو تمثيل يراد به أنهم لا يذعنون للإيمان ولا يخفضون نفوسهم له.
التفسير :
قمح البعير : إذا أصابه داء يفرض عليه أن يظل رأسه مرفوعا فالكفار أعرضوا عن الحق واستكبروا وأصروا على الكفر كأن في أعناقهم طوقا من الحديد يكون ملتقى طرفيه تحت الذقن فلا يمكن أحدهم من أن يطأطئ رأسه فلا يزال مقمحا، رأسه مرفوع إلى أعلى ونظره منخفض إلى أسفل والمراد أنهم بتكبرهم وتجبرهم كأنهم ممنوعون عن اتباع الحق مصورون بصورة إنسان لا يكاد يرى الحق أو يلتفت إلى جهته أو يحني له رأسه.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ﴾
المفردات :
من بين أيديهم : أمامهم.
فأغشيناهم : فغطينا أبصارهم وأعميناهم.
التفسير :
لقد عاشوا في ظلام النفس وظلام الكفر وظلام الإعراض عن الحق كأن سدا عظيما أمامهم يحجب رؤيتهم وكأن سدا عظيما خلفهم وغطينا أبصارهم فهم لا يقدرون على إبصار شيء أصلا لا من أمامهم ولا من خلفهم.
وقيل : إن الآيتين نزلتا في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمد صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالأولى أن تظل الآية عامة، لتشمل كل معرض عن الحق ولا مانع أن يكون أبو جهل ضمن من اشتملت عليهم من المشركين الذين حق القول على أكثرهم.
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ﴾
التفسير :
لكون إعراضهم عن الحق إعراضا قويا أصيلا فقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا كأنما سد أمامهم، وسد خلفهم، واشتد العمى في أبصارهم، فلا يرون الحق ولا يهتدون إليه، ونتيجة لذلك أن إنذارك إياهم أو عدم إنذارك سواء عندهم، فإذا أنذرتهم لا يومنون وإذا لم تنذرهم لا يومنون، فلا تأس على كفرهم ولا تتعذب بإعراضهم، فلا فائدة ترجى منهم، فقد ماتت قلوبهم، وعميت بصائرهم، وكلت عقولهم عن رؤية الحق، أو البحث عن الهداية، وقريب من هذا المعنى قوله تعالى :{ إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم و على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم { . ( البقرة : ٦ – ٧ ).
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم ﴾
المفردات :
الذكر : القرآن.
خشي الرحمان : خشي عقابه.
بالغيب : قبل حلوله ومعاينة أهواله.
وأجر كريم : هو الجنة.
التفسير :
إنما ينفع الإنذار وتفيد الدعوة إلى الإسلام القلوب الصالحة، التي اتبعت القرآن وهدايته وأدامت فيه الفكر والنظر وتأملت في معانيه ولم تصر على اتباع الشيطان بل راقبت ربها في السر والعلن وخشيته في الخلوة والجلوة، فمن كان هذا حاله وذاك سلوكه فهو حري بأن تبشره بمغفرة واسعة وأجر عظيم لا يقدر قدره.
قال تعالى : وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحا ثم اهتدى. ( طه : ٨٢ ).
أسباب النزول :
ورد أن الآيات من ١- ٧ نزلت حين حاول جمع من كفار قريش أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم ليمنعوه من تلاوة القرآن وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا بهم عمي لا يبصرون فلم يستطيعوا إيذاءه صلى الله عليه وسلم.
وأن الآية الثامنة : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... نزلت في أبي جهل حين قال لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم لأفعلن به فقالوا له هذا محمد، فكان يقول : أين هو، أين هو ؟ لا يبصره ".
وورد في سبب نزول الآية الثانية عشرة : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم... أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم ". ٤
﴿ إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ﴾
المفردات :
إنا نحن نحي الموتى : نبعثهم بعد الموت.
ما قدموا : ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة.
وآثارهم : ما أبقوه من الحسنات التي لا ينقطع نفعها بعد الموت، كالعلم والكتاب والمسجد والمستشفى والمدرسة أو من السيئات كنشر البدع والمظالم والأضرار والضلالات بين الناس.
إمام مبين : أصل يؤتم به أو اللوح المحفوظ، أو صحائف الأعمال.
التفسير :
إنا قادرون على إحياء الموتى، وبعثهم من قبورهم للحساب والجزاء وقد سجلنا لجميع الموتى مؤمنين أو كافرين ما قدموه وأسلفوه من عمل صالح أو سيء وما تركوه من أثر صالح أو خبيث فنجزيهم على كل عمل قدموه في حياتهم أو تركوا أثره بعد وفاتهم نجازيهم بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا وقد ضبطنا كل شيء وأحصيناه في سجل مضبوط.
لقد كان كفار مكة ينكرون البعث ويقولون : ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر والسور مكية تواجه كفار مكة، وتخبرهم أن البعث حق وأن الجزاء من جنس العمل، واتلله سيحصي على كل إنسان ما قدمه وما أخره ما قدمه من عمل صالح كالصلاة والزكاة والصدقة، وما أخره وما خلفه بعد موته من وصية نافعة أو بناء ملجأ أو مدرسة أو مستشفى، أو كتاب علم أو تفسير قرآن أو علم تطبيقي يفيد الأمة ويأخذ بيدها إلى التقدم والقوة، كل ذلك يسجله الله ويحاسب عليه كما يسجل على الكافرين والفاسقين والعابثين ما قدموا من ضلالات ورذائل وما أخروا من عمل على نشر الرذيلة والسوء في الملاهي أو الكتب الخليعة أو الأفكار الضالة.
﴿ وكل شيء أحصيناه في إمام مبين... ﴾ وكل عمل كائنا ما كان قليلا أو كبيرا عظيما أو صغيرا نافعا أو ضارا بيناه وحفظناه في إمام مبين وأصل عظيم الشأن مظهرا لما كان وما سيكون وهو اللوح المحفوظ الذي يؤتم به ويقتدى ويتبع ولا يخالف.
قال تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. ( الإسراء : ١٣-١٤ ).
وقال عز شأنه : علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. ( طه : ٥٢ ).
وقال سبحانه : وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر. ( القمر : ٥٢-٥٣ ).
وقال سبحانه : إنا كنا نستنتج ما كنتم تعملون. ( الجاثية : ٣٩ ).
وقال تعالى : أحصاه الله ونسوه... ( المجادلة : ٦ ).
وذهب بعض المفسرين إلى أنه يمكن تفسير هذه الآية بأن الله تعالى يحيي قلوب الكافرين ويهديهم إلى الإيمان كما صنع يوم فتح مكة، حين دخل الناس في دين الله أفواجا وحين اتسع صدر الإسلام فعفا عن كفار مكة وتحول كفار الأمس إلى مؤمنين مجاهدين يفتحون فارس والروم ومصر وشمال أفريقيا حتى دانت ثلاثة أرباع المعمور بالإسلام خلال مائة عام من الرسالة المحمدية ونطق باللغة العربية كثيرون ممن دخلوا في الإسلام وكانت الثقافة الإسلامية واللغة العربية والقرآن الكريم وعلومه التي نشأت حوله موردا صافيا للأمم التي دخلت في الإسلام وساعد على ذلك أن الإسلام رسالة عامة للعرب والعجم، والإنس والجن والناس أجمعين.
قال تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. ( الأنبياء : ١٠٧ ).
من تفسير ابن كثير :
﴿ إنا نحن نحيي الموتى... ﴾ أي : يوم القيامة، وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب من يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة، فيهديهم بعد ذلك إلى الحق كما قال الله تعالى بعد ذكر قسوة القلوب : اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون. ( الحديد : ١٧ ).
وقوله تعالى :﴿ ونكتب ما قدموا ﴾ أي : من الأعمال.
وفي قوله تعالى :﴿ وءاثارهم ﴾ : قولان : أحدهما : نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم وآثارهم التي أثروها من بعدهم فنجزيهم على ذلك أيضا إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : فيما أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي " من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها واجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا ". ٦
وهكذا الحديث الآخر الذي أخرجه مسلم عن أبيس هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية من بعده ". ٧
وقال مجاهد في قوله تعالى : ونكتب ما قدموا وءاثارهم. ما أورثوا من الضلالة.
وقال سعيد بن جبير وءاثارهم يعني : ما أثروا.
يقول : ما سنوا من سنة فعمل بها قوم من بعد موتهم وهذا القول هو اختيار البغوي.
والقول الثاني : أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية قال مجاهد : ما قدموا أعمالهم وءاثارهم قال : خطاهم بأرجلهم.
وقال قتادة : لو كان الله عز وجل مغفلا شيئا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفى الرياح من هذه الآثار ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى أو من معصيته فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله تعالى فليفعل.
وقد وردت في هذا المعنى أحاديث منها ما أخرجه الإمام أحمد، والإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : " إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد " قالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال صلى الله عليه وسلم " يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم ". ٨
أي : ألزموا دياركم حتى تكتب آثار خطواتكم إلى المسجد.
﴿ وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ﴾ أي وجميع الكائنات مكتوبة في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ.
﴿ إمام مبين ﴾ ههنا هو أم الكتاب : قاله مجاهد وقتادة وكذا في قوله تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم. ( الإسراء : ٧١ ).
أي : بكتاب أعمالهم الشاهد عليهم بما عملوه من خير أو شر كما قال عز وجل : ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء.. ( الزمر : ٦٩ ).
وقال تعالى : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. ( الكهف : ٤٩ ) ٩
***
قصة أصحاب القرية
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( ١٣ ) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا( ١٤ ) ما أنتم إلا بشر مثلنا وما انزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون( ١٥ ) قالوا ربنا يعلم إنا لكم لمرسلون( ١٦ ) وما علينا إلا البلاغ المبين( ١٧ ) قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( ١٨ ) قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون ( ١٩ )وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( ٢٠ ) أتعبوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون( ٢١ ) ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( ٢٢ ) أأتخذ من دونه ءالهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقدون( ٢٣ ) إني إذا لفي ضلال مبين( ٢٤ ) إني ءامنت بربكم فاسمعون( ٢٥ ) قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( ٢٦ ) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( ٢٧ ) ﴾
المفردات :
واضرب لهم مثلا : اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية، وضرب المثل يستعمل تارة في تشبيه حال غريبة بأخرى مثلها، مثل وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امرأت فرعون... الآية ( التحريم : ١١ ) وتارة أخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تشبيهها بنظيرة لها مثل قوله تعالى : وضربنا لكم الأمثال ( إبراهيم : ٤٥ ) أي : وبينا لكم أحوالا غاية في الغرابة كالأمثال.
القرية : قال القرطبي : هذه القرية هي أنطاكية، في قول جميع المفسرين ( وهي قرية ببلاد الشام شمالي سورية ).
المرسلون : هم أصحاب عيسى أرسلهم مقررين لشريعته. ويرى أ عبد الكريم الخطيب أن المرسلين هم موسى وهارون والثالث هو مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه وقيل : هم رسل أرسلهم الله إلى القرية مستقلين بالرسالة.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
التفسير :
﴿ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ﴾
واضرب أيها الرسول الكريم لكفار مكة، قصة عجيبة تنطبق على حالهم قصة رسل من رسل الله تعالى أرسلوا على قرية ما يدعون للإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر.
وقد ذهب القرطبي إلى أن هذه القرية هي أنطاكية وهي قرية ببلاد الشام تقع شمال سوريا وقيل إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء على الله تعالى.
ونلاحظ أن سياق القصة يدل على أن هؤلاء الرسل كانوا من عند الله تعالى.
قال تعالى : إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث.. ( يس : ١٤ ).
كما نلاحظ أن أهل أنطاكية آمنوا برسل عيسى، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح عليه السلام ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربع اللاتي فيهن بطاركة وهي :( القدس ) لأنها بلد المسيح و( أنطاكية ) لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها و( الإسكندرية ) لن فيها اصطلحوا على اتخاذ البطاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة، ثم ( روبية ) لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم ووطده.
وقد اختار هذا الرأي ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات وأيده بعدة أدلة. ١٠
ونلحظ أن القرآن الكريم أهمل أسماء أشخاص وبلاد لأن العبرة لا تتعلق باسم الشخص أو اسم القرية ومن ثم أغفل القرآن التحديد ومضى إلى صميم العبرة ولبابها.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ﴾
المفردات :
عززنا : قوينا وشددنا.
التفسير :
فهي قرية أرسل الله إليها رسولين، كما أرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه فكذبهما أهل تلك القرية، فعززهما الله وقواهما برسول ثالث يؤكد أنهم جميعا من عند الله وتقدم ثلاثتهم بدعوتهم إلى أهل القرية فقالوا :﴿ إنا إليكم مرسلون... ﴾ أي : فأطيعونا فيما ندعوكم إليه من إخلاص العبادة لله تعالى ونبذ عبادة الأصنام.
وبعض المفسرين ذكر أن الرسولين هما : يحيى، وبولس وأن الله عززهما برسول ثالث اسمه شمعون.
وقال آخرون أسماء أخرى : والعبرة لا تتوقف على معرفة الأسماء ويكفينا معرفة الصفة بأنهم رسل الله إلى قرية من القرى إذ إن هذا التحديد ربما أدخلنا في الإسرائيليات أو الروايات الضعيفة.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون ﴾
التفسير :
أي : احتج أصحاب القرية عليهم بأنهم بشر مثلهم فلم أوحى إلى الرسل دون الباقين من أهل القرية ولم لا يوحى إلى أهل القرية كما أوحى إلى الرسل وهذه شبهة راودت كثيرا من الأمم المكذبة حيث توقعوا أن يكون الرسول ملاكا، أو متميزا بميزات حتى يؤمنوا به.
وقد أراد الله أن يكون الرسول بشرا يأكل ويشرب وينام ويتزوج ويتعرض للمرض والألم كما يتعرض للسرور والنصر لتتم القدوة العملية به في سائر شئون الحياة.
قال تعالى : ذالك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا.. ( التغابن : ٦ ).
وقال تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا.. ( الإسراء : ٩٤ ).
ثم تدرج أصحاب القرية من تكذيب الرسل الثلاثة إلى إنكار الوحي والرسالة وجحود ما أنزله الله على رسوله واتهام الرسل الثلاثة بالكذب صراحة ودون مواربة حيث قالوا : وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾
التفسير :
أقسموا لهم أنهم صادقون في الرسالة، والأمر أمر اختيار من السماء لبعض البشر المؤهلين لهذه المهمة السامية حيث ينزل الله عليهم الوحي والهداية ويكلفهم بالبلاغ الواضح.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾
المفردات :
البلاغ المبين : التبليغ الواضح الظاهر للرسالة.
التفسير :
مهمتنا تبليغ الرسالة تبليغا واضحا، بالآيات الشاهدة على صدقنا وبذلك التبليغ نكون قد أدينا المهمة، لأن الهداية من الله وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم ﴾
المفردات :
تطيرنا : تشاءمنا وأصل التطير التفاؤل والتشاؤم بالطير.
لنرجمنكم : لنرمينكم بالحجارة.
ليمسنكم : ليصيبنكم.
أليم : موجع.
التفسير :
قال أصحاب القرية للرسل : إنا تشاءمنا منكم وضاقت نفوسنا برؤيتكم وكرهنا دعوتكم وهذه عادة الجهال عندما يضيقون بأمر ويكرهونه فإنهم يتشاءمون به ولا يطيقون رؤيته أو الاستماع لمن يدعو إليه.
ثم هددوا الرسل وزجرهم قائلين : إن لم تنتهوا عن الاستمرار في تبليغ رسالتكم لنقتلكم رميا بالحجارة ولينزلن عليكم منا صنوف العذاب والآلام.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون ﴾
المفردات :
طائركم : سبب شؤمكم.
مسرفون : مجاوزون الحد في العصيان.
التفسير :
قالوا لهم : إن تطيركم وتشاؤمكم من داخل أنفسكم ومن تفكيركم السيئ فنحن لم نفعل شيئا يقتضي تشاؤمكم كل ما فعلناه أن ذكرناكم بالله ودعوناكم للإيمان به وخوفناكم من عذابه وهذا كله خير وداع للتفاؤل والسرور والهدى والإيمان.
﴿ بل أنتم قوم مسرفون... ﴾ متجاوزون الحد في الظلم والعتو ممعنون في الشرك تعيشون فيه وتقيمون عليه والمصائب التي حاقت بكم من سوء أعمالكم.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ﴾
المفردات :
أقصى المدينة : أبعد مكان فيها.
رجل : قيل هو حبيب النجار.
يسعى : يعد ويسرع.
التفسير :
وصلت دعوة الرسل فيما سبق إلى مرحلة حرجة، أهل القرية يكذبونهم ويهددونهم ويرفضون دعوتهم ونجد رجلا في آخر المدينة قد استقر الإيمان في قلبه واطمأن اليقين في فؤاده فلم يقبع ساكنا بل جاء يعدو مسرعا ينصح قومه بالإيمان ويقول لهم : يا قوم اتبعوا المرسلين، الذين يحملون هدى السماء ووحي الله العلي القدير ويرشدونكم إلى توحيد الله والإيمان به وبملائكته ورسله واليوم الآخر.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون ﴾
التفسير :
إن هؤلاء الرسل لا يطلبون منكم مالا ولا يبتغون كسبا ولا نفعا وإنما يقومون بأعمالهم ابتغاء وجه الله ورجاء هدايتكم وإرشادكم إلى ما فيه استقامة دنياكم وسعادة آخرتكم.
لقد سلكت الهداية والإيمان قلوبهم فأرادوا أن ينقلوا إليكم هذه الهداية وذلك الإيمان بالله احتسابا لوجهه وطمعا في رحمته.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ﴾
المفردات :
فطرني : خلقني وابتدأ وجودي.
ترجعون : تردون من الموت إلى الحياة بالبعث.
التفسير :
لم لا أعبد الذي خلقني وبيده الخلق والأمر وملك الدنيا والآخرة وإليه ترجعون يوم القيامة فيحكم بينكم بالعدل ويكافئ المؤمنين ويعاقب المجرمين إن هذا الخالق الذي فطرنا وأوجدنا من العدم، من حقه أن يعبد وأن يوحد وألا يعبد معه آلهة أخرى.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ ءأتخذ من دونه ءالهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون ﴾
المفردات :
لا تغن : لا تنفع.
ولا ينقذون : لا يخلصوني من الضر الذي أرادني الرحمان به.
التفسير :
أثبت في الآية السابقة أن الذي خلقه هو الله وأن العبادة ينبغي أن تتجه إلى الخالق سبحانه وتعالى لا إلى الأصنام التي لم تخلق وهي لا تنفع ولا تضر ولا تشفع ولا تنقذ عابدها من عذاب النار.
ومعنى الآية :
إنه لا يصح لي أن أتخذ من دون الله أصناما أو آلهة أخرى، كائنة ما كانت هذه الآلهة لأنه : إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون.
لأن هذه الآلهة لا تملك شيئا وبيد الله كل شيء وإذا أراد الرحمان أن يصيبني بضرر فإن هذه الآلهة لا تنفعني بشيء ولا يملك حتى أن تشفع لي عند الله ولا تملك أن تنقذني من عذاب الله وبهذا المنطق العقلي ظل هذا المؤمن يناقش قومه ويقدم الأدلة العقلية على وجود الله وعلى أن بيده سبحانه النفع والضر وحده وأن الأصنام والأوثان التي يعبدونها لا تملك شفاعة له إلى الله ولا نملك إنقاذه من عذاب الله فلماذا يعبدها إذا.
﴿ ولا ينقذون... ﴾ ولا تستطيع هذه الآلهة إنقاذي وتخليصي مما يصيبني من ضر أراد الرحمان أن ينزله بي.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ إني إذا لفي ضلال مبين ﴾
المفردات :
إني إذا : إذا اتخذت من دونه آلهة.
مبين : واضح.
التفسير :
إني إذا عبدت من دونه آلهة لا تملك نفعا ولا ضرا ولا شفاعة، ولا إنقاذا لي فإني أكون في ضلال مبين وهلاك أكيد فعبادة غير الله سفه بين وضلال واضح يضر فاعله في الدنيا والآخرة.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ إني ءامنت بربكم فاسمعون ﴾
التفسير :
أعلن إيمانه بالله في غير مواربة ولا تردد وجعلها صيحة قوية ليسمعوها فقال : فاسمعون فاسمعوا إيماني وسجلوه علي وقيل : إن أهل القرية قالوا لحبيب النجار، أولهذا الرجل المؤمن الذي جاء ساعيا : أو أنت على دين هؤلاء الرسل ؟ فأجابهم بالإيجاب وورد أن أهل القرية عذبوه عذابا أليما حتى خرجت أمعاؤه من دبره فاتجه جهة الرسل وأعلن إيمانه بربهم في جهر وإعلان ليسمعوا إيمانه ويشهدوا له عند الله.
والسياق يحتمل هذا وذاك أي أن يكون خطاب لأهل القرية أو للرسل كما يثبت لهذا المؤمن الروح الفدائية في تأييد الرسل والإيمان بالله تعالى والجهر بهذا الإيمان وتقديم الأدلة على صدق الإيمان وعلى بطلان عبادة الأصنام.
قال قتادة : جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول :( اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون ) فلم يزالوا به كذلك حتى فارق الحياة.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون ﴾
المفردات :
قيل ادخل الجنة : قيل له عند موته ادخل الجنة.
يا ليت قومي يعلمون : تمنى أن يعلموا بحاله وحميد عاقبته فيؤمنوا مثل إيمانه.
التفسير :
لقد قتله قومه، وعذبوه عذابا أليما فقال له : الله تعالى عند خروج روحه مؤمنا بالله مجاهدا في سبيل الله ادخل الجنة مع الشهداء الأبرار الذي هم في حياة برزخية تسبح في الجنة وترد أنهارها وأشجارها وتتمتع بنعيم الجنة وخيراتها وظلالها ورحماتها.
وحين دخل هذا المؤمن الجنة ورأى نعيمها تمنى لقومه أن يعلموا هذا الثواب العظيم الذي آل إليه والنعمة الكبرى التي من الله بها عليه.
تمهيـــد :
هذه قصة رسل الله إلى قرية ما، ومقاومة أصحاب القرية للرسل وقيامهم بتعللات باطلة لعدم الإيمان مثل بشرية الرسل ومثل أن الرسل شؤم عليهم وهي تهم باطلة ناقشها القران في عدد من قصص المرسلين.
فقد شاء الله أن يكون الرسل بشرا من الناس يأكلون ويشربون ويمرضون وتصيبهم الآفات والأمراض والأحزان فيصبرون ويأتيهم النصر والفتح فيشكرون وبهذا تتم القدوة والأسوة وهي قصة فيها تضحية من الرسل وتضحية من حبيب النجار أو من شخص مؤيد للرسل جاء من أقصى المدية وأعلن إيمانه بالرسل في شجاعة، وقدم الأدلة لقومه عن أسباب إيمانه ثم تعرض للبلاء المبين حتى مات قتيلا شهيدا فدخل الجنة، وتمنى لقومه الهداية.
﴿ بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ﴾
التفسير :
ليتهم يعلمون بمآلي وحسن حالي ومغفرة ربي لذنوبي وما نالني من الكرامة وحسن الجزاء حتى يعملوا مثل عملي وينالوا مثل جزائي.
قال العلماء نصح قومه حيا ونصح قومه ميتا وهذا شان المؤمن المخلص يحب الخير للناس جميعا.
قال قتادة : لا تلقى المؤمن إلا ناصحا لا تلقاه غاشا.
وقال القرطبي في تفسيره : في هذه الآية تنبيه عظيم ودلالة على وجوب كظم الغيظ، والحلم على أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة والدعاء عليه ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام أه.
والحمد حمدا كثيرا طيبا طاهرا مباركا فيه كما يرضي ربنا ويحب اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
ربنا ءاتنا من لدنك رحمة و هيئ لنا من أمرنا رشدا. ( الكهف : ١٠ ).
***
ثم تفسير الجزء الثاني والعشرين من كتاب الله العزيز، مساءي يوم الأحد ٢٦ ربيع الآخر سنة ١٤٢٠ ه الموافق ٨ أغسطس سنة ١٩٩٩ م بمدينة بورسعيد بجمهورية مصر العربية.
والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين.
تعذيب مكذّبي الرسل

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ( ٢٨ ) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ( ٢٩ ) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٣٠ ) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ( ٣١ ) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ( ٣٢ ) ﴾
التفسير :
٢٨ ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ﴾.
أفادت الآيات السابقة أن أصحاب القرية قد اعتدوا على هذا الرجل المؤمن، الذي جاء يسعى من آخر المدينة لنصرة المرسلين، وقدم لقومه أدلة عقلية ليؤمنوا بالله، لكنهم كذبوا هذا الداعية وقتلوه، فأدخله الله الجنة، وتمنى لقومه الهداية والإيمان، وهنا يخبر القرآن الكريم أن الله لم يعتب على قوم هذا المؤمن، ولم ينزل عليهم وحيّا بعد ذلك، فقد أرسل إليهم الرسل، وأنزل الوحي على هؤلاء الرسل، فكذَّبهم أصحاب القرية، وقتلوا الرجل المؤمن الذي أخلص لهم النصيحة، وكان في هذا ما يكفي من البلاغ والإنذار، فلم ينزل عليهم من السماء وحي ولا عتاب، بل نزل العذاب والهلاك.
ويفيد بعض المفسرين : أن الكفار كانوا يستغربون أن يكون الرسول بشرا، ويقولون :﴿ لولا أنزل إليه ملك... ﴾[ الفرقان : ٧ ].
فأفاد القرآن أنه لم ينزل ملك كما طلب المشركون، وما ينبغي أن يكون الرسول ملكا، بل الحكمة تقتضي أن يكون الرسول إلى البشر بشرا مثلهم.
وقال بعض المفسرين : ما أنزلنا لعذابهم جنود السماء، كما حدث في غزوتي بدر وحنين مع محمد صلى الله عليه وسلم، بل كانوا أهون من ذلك، حيث أخذتهم صيحة، خرجت معها أرواحهم، فأصبحوا جثثا هامدة، والله تعالى له حكمة في إهلاك بعض الناس بالصيحة، أو الخسف، أو الغرق، أو غير ذلك
قال تعالى :﴿ فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( ٤٠ ) ﴾ [ العنكبوت : ٤٠ ].
قال ابن كثير في تفسير الآية :
﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ﴾.
يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه، غضبّا منه تعالى عليهم، لأنهم كذّبوا رسله، وقتلوا وليّه، ويذكر عز وجل أنه ما أنزل عليهم جندا من السماء، وما احتاج في إهلاكهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم، بل الأمر كان أيسر من ذلك.
قال ابن مسعود : ما كاثرناهم بالجموع، الأمر كان أيسر علينا من ذلك.
﴿ إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾.
فأهلك الله تعالى ذلك الملك، وأهلك أهل أنطاكية فبادوا على وجه الأرض، فلم يبق منهم باقية.
وقيل :
﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ... ﴾
أي : من رسالة أخرى إليهم، قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ١١.
المفردات :
صيحة : صوتا قويا.
خامدون : ميتون، وخامدون كما تخمد النار.
التفسير :
٢٩ ﴿ إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾.
ما كان إهلاكهم وعقوبتهم إلا بصيحة واحدة أرسلناها عليهم، فإذا هم ساكنون سكون الميّت، كالنار الخامدة، وفي ذلك تحقير لهم وتقليل لشأنهم.
قال الآلوسي والنيسابوري وغيرهما :
بعث الله عليهم جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا، ثم شبّه هلاكهم بخمود النار وهو صيرورتها رمادا، لأنهم كانوا كالنار الموقدة في القوة الغضبية، حيث قتلوا من نصحهم، وتجبَّروا على من أظهر المعجزة لديهم. ا ه.
والسياق محتمل أن تكون الصيحة من جبريل، كما قد تكون من صوت العذاب النازل من السماء.
المفردات :
يا حسرة : الحسرة : الغم والنَّدم.
التفسير :
٣٠ ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾.
الحسرة انفعال نفسي على حال مؤسفة، لا يملك الإنسان شيئا حيالها، سوى أن يتحسر وتألم نفسه، والله سبحانه وتعالى لا يتحسر على العباد، ولكنه يقرر أن حال هؤلاء العباد مما يستحق حسرة المتحسرين، فهي حال بائسة مؤسفة، تنتهي بأصحابها إلى شر وخيم وبلاء عظيم.
قال الزمخشري :
قوله :﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ﴾. نداء للحسرة عليهم. كأنما قيل لها : تعالى يا حسرة، فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها، وهي حال استهزائهم بالرسل.
والمعنى : أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون، ويتلهف عليهم المتلهفون. ا ه.
فما أعظم الحسرة عليهم : تتاح لهم فرصة النجاة فيعرضون عنها، وأمامهم مصارع الهالكين قبلهم لا يتدبّرونها، ولا ينتفعون بها، ويفتح الله لهم أبواب رحمته، بإرسال الرسل إليهم الحين بعد الحين، ولكنهم يتجافون أبواب الرحمة، ويسيئون الأدب مع الله.
قال الراغب : الحسرة : الغمّ على ما فات، والندم عليه، والمراد بالعباد : مكذبو الرسل، ويدخل فيهم المهلكون المتقدمون دخولا أوليا.
المفردات :
القرون : جمع قرن : والمراد بهم : القوم المقترنون في زمن واحد.
التفسير :
٣١ ﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾.
ألم يتدبر الكافرون وينظروا نظر اعتبار وتأمّل إلى حال الأمم السابقة التي كذبت أنبياءها، وجحدت رسالات السماء، كيف أهلك الله هذه الأمم بصنوف الهلاك، فبادوا وماتوا، وانقطع نسبهم ونسلهم، ولن يعودوا إلى الحياة مرة أخرى، راجعين إلى الدنيا.
٣٢ ﴿ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾١٢.
وسيجتمع أهل القرون السابقة، مثل قوم نوح وعاد وثمود وأمثالهم، كما يبعث أهل مكة وغيرهم، كل هؤلاء سيحشرون في موقف الحساب والجزاء.
قال تعالى :﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [ آل عمران : ١٨٥ ].
قال ابن كثير :
﴿ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾.
أي : وإن جميع الأمم الماضية والآتية ستحضر للحساب يوم القيامة، بين يدي الله جل وعلا، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها، وهذا كقوله جل وعلا :﴿ وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ... ﴾ [ هود : ١١١ ].
دلائل القدرة الإلهية
﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ( ٣٣ ) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ( ٣٤ ) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ( ٣٥ ) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ( ٣٦ ) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ( ٣٧ ) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( ٣٨ ) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ( ٣٩ ) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( ٤٠ ) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٤١ ) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ( ٤٢ ) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ ( ٤٣ ) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ( ٤٤ ) ﴾
المفردات :
الميتة : المجدبة التي لا نبات فيها.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
التفسير
٣٣ ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴾.
ودليل واضح على قدرتنا على البعث وإحياء الموتى، هذه الأرض الجدباء التي لا نبات فيها ولا زروع ولا ثمار، نسوق الماء إليها، ويضع الزراع فيها الحب وأنواع الزرع، فتهتز الأرض وينمو النبات، كأنما هو أرواح صغار، تنمو وتتحرك، وتكسو الخضرة هذه الأرض، وتجد في الأرض الحبّ والذرة والقمح والشعير، وهي مصدر الأكل الأساسي الذي يعيش عليه الإنسان والحيوان، فالذي أحيا الأرض بعد موتها، قادر على إحياء الإنسان بعد موته.
قال تعالى :﴿ إن الذي أحياها لمحيي الموتى.. ﴾ [ فصلت : ٣٩ ].
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
المفردات :
جنات : بساتين من شجر النخيل والأعناب.
فجرنا : شققنا وأنبعنا فيها عيونا كثيرة.
التفسير :
٣٤ ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴾.
وجعلنا في الأرض بساتين من النخيل الذي ينبت التمر والبلح والرطب والبُسر وسائر أنواع التمور، وأشجارا من العنب والزبيب، وبجوار ذلك توجد العيون التي تفور بالمياه الجوفية، وخص الله التمر والعنب بالذكر لأنهما غذاء ودواء وفاكهة.
والجنات جمع جنة، وهي كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنّة، من الجَنّ وهو الستر، وكذلك الجِن مستور لا يرى، والمِجنّ يستر المقاتل ويحميه من النِّبال والسِّهام والرصاص والقذائف، وجَنّ الظلام ستر كلّ ما تحته، والمجنون من عقله غائب مستور لا أثر له، والجنين في بطن أمه، والأجنّة في بطون الأمهات مستورة لا ترى، فمادة : جنّ، وجِنّة وجنين، وأجنة، ومجنون، كلها من السَّتر.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
﴿ ٣٥ { لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ﴾.
ليأكلوا من ثمار النخيل والأعناب، طعاما وغذاء وفاكهة، لم تعمله أيديهم، فالمطر لم ينزلوه، والنبات لم ينبتوه، والهواء والماء والليل والنهار والفضاء والتربة، كل ذلك لم يصنعوه، وهي عناصر أساسية لاستكمال حياة التمر والعنب وسائر النباتات، فهلاّ شكروا الله الخالق الرازق.
ويجوز أن يكون معنى الآية :
ليأكلوا من ثمار التمر والعنب، ومما صنعته أيديهم من التمر، كالعصير والدِّبّس والتمور المصنَّعة المعلبة، والزبيب المجفف.
وقال الزمخشري :
وما عملته أيديهم من الغرس والسقي والآبار، وغير ذلك من الأعمال إلى أن بلغ منتهاه، وإبّان أكله، يعني أنّ الثمر في نفسه فعل الله وخلقه، وفيه آثار من كدّ بني آدم. ا ه.
﴿ أَفَلا يَشْكُرُونَ ﴾. الخالق الذي يسر لهم ذلك، وأرشدهم إلى الاستفادة به، وحثهم على الشكر، واستخدام النعمة فيما خلقت له، وإخراج زكاتها، وإطعام الناس منها.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
المفردات :
سبحان : تنزيها لله عما لا يليق به.
الأزواج : الأصناف والأنواع المختلفة، وقال قتادة. الذكر والأنثى.
التفسير :
٣٦ ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ﴾.
تنزه الله الخالق القادر، الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى، فالنبات أزواج، والإنسان أزواج، والحيوان أزواج، وحتى السحابة والأمطار، سببها تلقيح بسحابة موجبة بسحابة سالبة.
وثبت علميا أن بعض النجوم مشدود في مساره بنجم آخر، وكذلك حركة الأفلاك والشموس والأقمار، وغير ذلك مما لا نعلمه والله يعلمه، بل لا يبعد أن يكون الجماد نفسه أزواجا حتى الذرَّة والمجرة.
قال تعالى :﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ الذاريات : ٤٩ ].
جاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم :
الحرف : مِنْ، في هذه الآية للبيان، أي أن الله تعالى جعل الذكور والإناث في مخلوقاته كلها، سواء في ذلك النباتات والحيوانات والبشر، وما لا يعلمه الناس من الأحياء غير المنظورة.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
المفردات :
نسلخ منه النهار : ننزع من مكانة الضوء. ونزيله ونفصله فيظلم.
التفسير :
٣٧ ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ﴾.
من دلائل قدرة الله تعالى تعاقب الليل والنهار، فإذا سلخ الله الضوء عن الظلام، انتهى النهار وجاء الليل، وفي الحديث : " إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " ١٣.
وربما أشارت الآية إلى أن الأصل في هذا الكون هو الظلام، وأن النور طارئ عليه، فإذا سلخ الله جلد النور عن الظلام، صار الناس في الليل، وإذا كسا الله الظلام بالضوء والنور، صار الناس في النهار.
قال في ظلال القرآن :
والتعبير القرآني في الآية تعبير فريد، فهو يصوّر النهار متلبسا بالليل، ثم ينزع الله النهار من الليل فإذا هم مظلمون، ولعلنا ندرك شيئا من سرّ هذا التعبير الفريد حين نتصور الأمر على حقيقته، فالأرض الكروية في دورتها حول نفسها في مواجهة الشمس، تمرّ كل نقطة منها بالشمس، فإذا هذه النقطة نهار، حتى إذا دارت الأرض، وانزوت تلك النقطة عن الشمس، انسلخ منها النهار، ولفها الظلام، وهكذا تتوالى هذه الظاهرة على كل نقطة بانتظام، وكأنما نور النهار ينزع أو يسلخ فيحل محله الظلام، فهو تعبير مصوّر للحقيقة الكونية أدق تصوير.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
المفردات :
لمستقر لها : لحد معين من فلكها تنتهي إليه في آخر السنة، والشمس حجمها يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا، وهي تجري في الفضاء لا يسندها شيء، سوى قدرة القدير سبحانه وتعالى.
التفسير :
٣٨ ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَالِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾.
الشمس تتحرك حركة سريعة في مدارها الذي حدده السميع العليم، وقدَّره العزيز الغالب، الذي نظم وأبدع كل شيء، فالقمر له مساره، والشمس كذلك، والأرض والأفلاك والشموس والأقمار، كل شيء يَسْبح في الفضاء بنظام بديع متكامل، تحرِّكه يد السميع العليم، الذي أحسن كل شيء خلقه، " ونلاحظ أن الشمس تدور حول نفسها، وكان الظن أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها، ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها، إنما هي تجري، تجري فعلا، تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل، بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية، أي قرابة ( ٤٣٠٠٠ ) ثلاثة وأربعين ألف ميل في الساعة الواحدة، والله ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها يقول :
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا... ﴾
وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا هذه، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء، لا يسندها شيء، ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرّف هذا الوجود، عن قوة وعن علم " ١٤ ﴿ ذَالِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
المفردات :
قدرناه منازل : قدرنا له منازل، مجموعها ٢٧ منزلا، والمنازل جمع منزل، وهي المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة.
العرجون القديم : أصل شمراخ النخل القديم، وهو اليابس الذي دق وانحنى واصفر، وهو ( القحف ) من الجريد.
التفسير :
٣٩ ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾.
قدرنا نور القمر منازل، فله في كل ليلة منزلة، يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورا في الليلة الثانية، ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء، وإن كان مقتبسا من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير :﴿ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾. وهو أصل العنقود من الرطب، إذا قدم فدق وانحنى واصفرّ.
قال ابن عباس : وهو أصل العذق، أي : أصل العنقود من الرطب، إذا عتق ويبس وانحنى.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
المفردات :
في فلك : الفلك هو المدار الذي يدور فيه الكوكب، سمي به لاستدارته كفلكة المغزل.
يسبحون : يسيرون ويدورون بانبساط وسهولة.
التفسير :
٤٠ ﴿ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
للشمس مدار تسبح وتجري فيه، وللقمر مدار بعيد جدا عن مدار الشمس يسبح فيه، وللأرض حركة حول نفسها، وحركة حول الشمس، ولكل من الشمس والقمر والأرض مجال خاص بكل واحد منها، فهو يجري ويسبح، وخلفه سائر مجموعته، بسرعة هائلة، وتقدير عظيم، بحيث لا يصطدم أي كوكب بالآخر، ولا يتوانى أي كوكب عن حركته، فللشمس مجالها، وللقمر مجاله، وللأرض مجالها، ولليل مجاله، وللنهار مجاله.
ولا يتسنى للشمس أن تظهر ليلا فتطمس نور القمر، أو تنير الليل، ولا يتسنى لليل أن يتقدم عن موعده ليطمس نور النهار، بل هما جديدان متتابعان، يعقب النهار الليل ويعقب الليل النهار، بدون تخلّف أو تأخر، أو اضطراب أو اصطدام، لأن القدرة الإلهية هي التي تحرّك هذا الكون بكل ما فيه.
جاء في هامش المنتخب في تفسير القرآن الكريم :
وصفوة القول أن الآية الكريمة تنص على أن الشمس تجري لمستقر لها، ولم يتعرف على معانيها العلماء إلا في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، ولا يمكن أن تدرك الشمس القمر، لأن كلا منهما يجري في أفلاك متوازية، فيستحيل أن يتقابلا، كما يستحيل أن يسبق الليل النهار، حيث يتطلب ذلك أن تدور الأرض حول محورها من الشرق إلى الغرب، بدلا من اتجاهها الحالي من الغرب نحو الشرق، والقمر خلال دورته حول الأرض، ودورة الأرض حول الشمس يمر بمجموعات من النجوم تسمّى بمنازل القمر، وفي الربعين الأول والأخير من الشهر، يظهر القمر كالعرجون القديم، أي : يصير كالسباطة إذا قدمت ويبست واعوجت١٥.
وجاء في ظلال القرآن ما يأتي :
﴿ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
ولكل نجم أو كوكب فلك، أو مدار، لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه، والمسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة، فالمسافة بين أرضنا هذه وبين الشمس تقدر بنحو ثلاثة وتسعين مليونا من الأميال، والقمر يبعد عن الأرض بنحو أربعين ومائتي ألف من الأميال... ، وهذه المسافات على بعدها ليست شيئا يذكر حين تقاس ببعد مجموعتنا الشمسية، وأقرب نجم من نجوم السماء الأخرى إلينا، وهو يقدر بنحو أربع سنوات ضوئية، وسرعة الضوء تقدَّر بستة وثمانين ومائة ألف من الأميال في الثانية الواحدة ! ( أي أن أقرب نجم إلينا يبعد عنّا بنحو مائة وأربعة مليون مليون ميل ) وقد قدّر الله خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم والكواكب، ووضع تصميم الكون على هذا النحو ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع، حتى يأتي الأجل المعلوم، فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر، والليل لا يسبق النهار، ولا يزحمه في طريقه، لأن الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبدا، فلا يسبق أحدهما الآخر، أو يزحمه في الجريان !
﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
وحركة هذه الأجرام في الفضاء أشبه بحركة السفينة في الخضم الفسيح، فهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطة سابحة في ذلك الفضاء المرهوب، وإن الإنسان ليتضاءل، وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوّارة، والكواكب السيارة، متناثرة في ذلك الفضاء، سابحة في ذلك الخضّم، والفضاء من حولها فسيح فسيح، وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح١٦.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
المفردات :
المشحون : المملوء.
التفسير :
٤١ ﴿ وآية لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾.
تشير الآية إلى فضل الله سبحانه وتعالى على بني آدم، فحين كَذَّب قوم نوح نوحا، واستمروا في عنادهم أغرق الله الكافرين، وأمر نوحا عليه السلام أن يصنع السفينة، وأن يحمل فيها من كلِّ زوجين اثنين، فحمل ذكرا وأنثى من الإنسان والحيوان والنبات، وكانت السفينة مليئة موقرة ومشحونة بهذه الأصناف.
جاء في حاشية الجمل على الجلالين ما يأتي :
وإطلاق الذرية على الأصول صحيح، فإن لفظ الذرية مشترك بين الضدّين : الأصول والفروع، لأن الذرية من الذَّرء بمعنى الخلق، والفروع مخلوقون من الأصول، والأصول خلقت منها الفروع، فاسم الذرية يقع على الآباء، كما يقع على الأولاد.
ومعنى الآية :
وآية أخرى لهم، أنا حملنا ونجينا المؤمنين في سفينة نوح، التي كانت موقرة ومشحونة بآبائهم وأجدادهم وأصولهم، التي حملت الذرية في أصلابها، ثم تناسل الناس بعد ذلك إلى يوم القيامة، وبذلك دبّر الحقُّ سبحانه وتعالى صيانة الجنس البشري وسلامته، بنجاة الآباء في السفينة، أي : سفينة نوح عليه السلام.
من تفسير ابن كثير
ودلالة لهم أيضا على قدرته تبارك وتعالى، تسخيره البحر ليحمل السفن، فمن ذلك بل أوّله سفينة نوح عليه السلام، التي أنجاه الله تعالى فيها بمن معه من المؤمنين. ولهذا قال تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾. أي : آباءهم، ﴿ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾. أي : في السفينة المملوءة من الأمتعة والحيوانات، التي أمره الله تبارك وتعالى أن يحمل فيها ممن كلِّ زوجين اثنين. ا ه.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
٤٢ ﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾.
وخلقنا للناس السفن والزوارق التي كانت بعد سفينة نوح، ويسَّرنا لهم الهواء والماء وكلَّ شيء، ليستفيدوا بهذه السفن في نقل المؤن والتجارة وغيرها، أو خلقنا لهم الإبل والحمير والبغال وأشباهها، ليستفيدوا بها في البرّ، كما يستفيدون بالسفن في البحر.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
المفردات :
فلا صريخ : فلا مغيث لهم من الغرق.
التفسير :
٤٣ ﴿ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ ﴾.
هذه السفن الصغيرة أو الكبيرة في أعالي البحار، إذا اشتدت الريح، وقويت العواصف، وجدت هذه السفن كالريشة في مهبِّ الرياح، ويصبح الغرق والموت أقرب إلى الإنسان من شراك نعله، وحين تأتي العواصف والرياح العاتية، أو الدوّامات المائية المهلكة، تهلك السفينة في وقت قصير، فلا مغيث لهم يحفظهم مما نزل بهم، ولا هم ينجون من الغرق بعد وقوعه.
تمهيد :
هذه آيات تدل على مظاهر قدرة الله تعالى، وآية عملية على البعث والحشر والجزاء، ولفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع المنظم المرتب، وفي حركة الشمس والقمر والليل والنهار، والفضاء والهواء، وبدائع صنع الله العلي القدير.
٤٤ ﴿ إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾.
لكن برحمتنا الواسعة نحفظكم من المهالك، ونسيركم في البرّ والبحر، ونرزقكم بخيرات السماء والأرض، ونمتعكم بمتاع الدنيا إلى انتهاء آجالكم وإلى حين موتكم، فالإنسان وقد ولد وقد سجل معه أجله ورزقه وشقاؤه أو سعادته، وحين ينجو من الهلاك في البحر بفضل الله ورحمته، فهذا الإنقاذ إمتاع بالحياة الدنيا إلى وقت انتهاء أجله، وقريب من ذلك ما أنشده أبو الطيب المتنبي في وصف الحمّى حيث يقول :
أقمت بأرض مصر فلا ورائي تخب بي المطيّ ولا أمامي
وملني الفراش وكان جنبي يملّ لقاءه في كل عام
قليل عائدي أسف فؤادي كثير حاسدي صعب مرامي
وزائرتي كأنّ بها حياء فليس تزور إلا في الظلام
إذا ما فارقتني غسَّلتني كأنا عاكفان على حرام
كأن الصبح يطردها فتجري مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها والصدق شر إذ ألقاك في الكرب العظام
أبنت الدَّهر عندي كل بنت فكيف نجوت أنت من الزحام
جرحت مجرحا لم يبق فيه مكان للسيوف ولا السهام
فإن أمرض فما مرض اصطباري وإن أحمم فما حمّ اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن سلمت من الحمام إلى الحمام
وموضع الشاهد أنه إذا سلم من الحمّى فلن يخلّد في الدنيا، بل يسلم من الحمى لوقت محدد، ثم يلقى الحمام وهو الموت.
قال ابن كثير :
﴿ إِلا رَحْمَةً مِنَّا... ﴾ وهذا استثناء منقطع، تقديره : ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر، ونسلّمكم إلى أجل مسمى، ولهذا قال تعالى :﴿ وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾. إلى وقت معلوم عند الله عز وجل١٧.
إعراض الكافرين عن آيات الله
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ٤٥ ) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ( ٤٦ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( ٤٧ ) ﴾.
المفردات :
اتقوا ما بين أيديكم : خافوا واحذروا مثل عذاب الأمم التي قبلكم.
وما خلفكم : عذاب الآخرة، وقيل :﴿ ما بين أيديكم ﴾. ما تقدم من ذنوبكم، ﴿ وما خلفكم ﴾. ما يأتي منها.
تمهيد :
تأتي هذه الآيات لبيان إعراض الكافرين عن النصح، وعن التأمل والتبصر في آيات الله، مع شُحِّهم وبخلهم على الفقراء والمحتاجين.
التفسير :
٤٥ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكّرهم بالله ويعظهم، ويقرأ عليهم آيات القرآن الكريم، وفيها حديث عما أصاب المكذبين للرسل من العذاب والعقاب.
ومعنى الآية :
وإذا قيل لأهل مكة : احذروا مثل عذاب الأمم التي قبلكم، ﴿ وما خلفكم ﴾. أي : عذاب الآخرة الذي أعده الله لكم، لسوء عملكم وإصراركم على كفركم، أي : اتقوا ما بين أيديكم، واحذروا أن يصيبكم مثل عذاب قوم نوح وعاد وثمود، وخافوا الله واحذروا عقوبته بعد الموت، لعل هذا الخوف يكون سبيلا إلى رحمة الله ولطفه بكم، إذا قيل لهم ذلك، أعرضوا وسدُّوا آذانهم، وتكبروا، ودليل ذلك قوله تعالى :﴿ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾.
تمهيد :
تأتي هذه الآيات لبيان إعراض الكافرين عن النصح، وعن التأمل والتبصر في آيات الله، مع شُحِّهم وبخلهم على الفقراء والمحتاجين.
٤٦ ﴿ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾.
لقد تمرَّسوا بالضلال والكبرياء الكاذب، والإعراض عن آيات الله تعالى في الكون، وفي خلق السماء والأرض والجبال والبحار والليل والنهار.. ، ثم إعراضهم عن آيات الله التنزيلية التي أنزلها على رسوله، ومنها آيات القرآن الكريم، ومنها المعجزات التي أظهرها الله على يد محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها الحجج والعلامات الدالة على توحيد الله تعالى، وكمال قدرته، ودلائل تفرّده سبحانه بالخلق، واستحقاقه وحده للعبادة، وعدم إغناء الأصنام عنهم شيئا.
والخلاصة :
ما تظهر أمام عيونهم من آية من الآيات الدالة على ألوهيته سبحانه، وتفرّده بالألوهية، ﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾. تاركين للنظر الصحيح فيها، كبرا وعنادا.
تمهيد :
تأتي هذه الآيات لبيان إعراض الكافرين عن النصح، وعن التأمل والتبصر في آيات الله، مع شُحِّهم وبخلهم على الفقراء والمحتاجين.
٤٧ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾.
كان أهل مكة على جانب كبير من الغنى والجاه والمال، ولهم تجارة رابحة تتحرك إلى صيفا وإلى اليمن شتاء، ومع ذلك حافظوا على التكبّر والعتوّ، والاستزادة من الخمر والمتعة، والزهد في ثواب الآخرة، وإذا قيل لهم : أخرجوا شيئا من المال للفقراء والمساكين، وأطمعوا الجائع واكسوا العاري واقضوا حاجة المحتاجين، رفضوا ذلك وتعللوا بأن الله هو الذي أفقر هؤلاء الفقراء، ولو الله لأطعمهم، فنحن ننفذ مشيئة الله ولا نطعمهم، وهذه أفكار ضالة، لأن الله تعالى له حكمة، حيث أغنى بعض عباده، وأفقر بعضهم، وحثّ الأغنياء على العطف، وإخراج الزكاة والصدقة للفقراء، وبذلك يصبح المال وسيلة للتعاون والتراحم والترابط، ونشر المودة والرحمة، فالله تعالى أفقر وأغنى، ولكنه ذم البخل والشح.
قال تعالى :﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [ الحشر : ٩ ].
وحث القرآن على الصدقة، وأمر بالزكاة، وحث على مساعدة الفقراء واليتامى والمساكين، ورعاية الجار وصلة الرحم، وبذلك أصبح للفقير حق معلوم من الزكاة والصدقة والمساعدة، وأصبح الغنى موظفا في ماله، يتاجر ويربح لكنه مطالب بالزكاة، وبسدّ حاجة المحتاجين إذا لم تكف الزكاة.
وعن ابن عباس : كان بمكة زنادقة، فإذا أُمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله، أيفقرهم الله ونطعمهم نحن ؟ !
وورد في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآية روايات، منها ما يأتي :
روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يطعم مساكين المسلمين، فلقيه أبو جهل، فقال له يا أبا بكر، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟ قال : نعم، قال : فما باله لم يطعمهم ؟ قال أبو بكر : ابتلى سبحانه قوما بالفقر، وقوما بالغنى، وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالإعطاء، فقال أبو جهل : والله يا أبا بكر إن أنت إلا في ظلال، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم، ثم تطعمهم أنت ؟ فنزلت هذه الآية
وقيل : كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين، قال له : اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك، ثم يقول : قد منعه الله فأطعمه أنا١٨.
الموت والبعث
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ٤٨ ) مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ( ٤٩ ) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ( ٥٠ ) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ( ٥١ ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ( ٥٢ ) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ( ٥٣ ) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٥٤ ) ﴾.
المفردات
الوعد : وعد البعث.
التفسير :
تمهيد :
تصف الآيات تشكك الكافرين في البعث والحساب، وسؤالهم عنهما سؤال مُستبعد مستنكر لوقوعهما، وعلى طريقة القرآن الكريم في عرض مشاهدة القيامة، فقد عرض نفخة إسرافيل الأولى في الصور، التي تباغت الناس فيموتون في اللحظة توّا، حيث لا يستطيع أحد أن يقدّم وصية، أو يرجع إلى أهله، وبعد هذه النفخة الأولى يصعق الناس ويموتون، ثم ينفخ إسرافيل نفخة أخرى، تجتمع بعدها الأجسام، ويقوم الناس من القبور، يتساءلون عما حدث، ويلقون الجواب بأنَّه وعد الله، الذي وعدكم بالبعث والحشر، وأرسل الرسل بذلك، وقد صدقت الرسل، وتأيد ذلك بما تشاهدونه من الموازين والكتب، والحساب والجنة والنار، حيث يلقى كل إنسان جزاء عمله.
التفسير :
٤٨ ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
كان الكفار يستنكرون البعث والحشر، والحساب والجزاء، ويقولون : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر، فلما نزل القرآن الكريم، وكثر حديثه عن البعث والقيامة وأهوالها، قال الكفار للمؤمنين : متى هذا الوعد الذي تعدوننا به ؟ سؤال استبعاد لوقوعه.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾. في قولكم عنه، فأخبرونا بوقت مجيئه، والله تعالى لا يَعْجَل لعجلة العباد، وقد قدَّر في الأزل أجل كل إنسان، وهنا يجيب القرآن بالحديث عن القيامة وأهوالها، لا عن وقتها.
تمهيد :
تصف الآيات تشكك الكافرين في البعث والحساب، وسؤالهم عنهما سؤال مُستبعد مستنكر لوقوعهما، وعلى طريقة القرآن الكريم في عرض مشاهدة القيامة، فقد عرض نفخة إسرافيل الأولى في الصور، التي تباغت الناس فيموتون في اللحظة توّا، حيث لا يستطيع أحد أن يقدّم وصية، أو يرجع إلى أهله، وبعد هذه النفخة الأولى يصعق الناس ويموتون، ثم ينفخ إسرافيل نفخة أخرى، تجتمع بعدها الأجسام، ويقوم الناس من القبور، يتساءلون عما حدث، ويلقون الجواب بأنَّه وعد الله، الذي وعدكم بالبعث والحشر، وأرسل الرسل بذلك، وقد صدقت الرسل، وتأيد ذلك بما تشاهدونه من الموازين والكتب، والحساب والجنة والنار، حيث يلقى كل إنسان جزاء عمله.
المفردات :
صيحة واحدة : نفخة واحدة هي نفخة إسرافيل في الصور، حيث يموت جميع الناس.
تأخذهم : تقهرهم وتستولي عليهم فيهلكون.
يخصمون : يختصمون ويتنازعون في أمورهم غافلين عنها.
التفسير :
٤٩ ﴿ مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾.
ما ينتظرون إلا صيحة واحدة، لا ثانية لها، حيث يموت الناس.
النفخ في الصور
الصور هو القرن أو النفير، ونجد شيئا قريبا من ذك في الجيش حيث نجد بروجي ( عسكري ) ينفخ في مكبّر للصوت، نوبة صحيان، فيستيقظ جميع المعسكر، وهكذا نوبة غذاء، ونوبة عشاء.
وقد أفاد القرآن والسنّة وتفسير ابن كثير وغيره، أن هناك ثلاث نفخات في الصور :
النفخة الأولى : نفخة الفَزَع، حيث تفْزَع جميع الخلائق.
النفخة الثانية : نفخة الموت، حيث يموت جميع الخلائق، ولا يبقى حيا سوى الرحمان جل جلاله.
النفخة الثالثة : نفخة البعث، حيث يقوم الناس لرب العالمين.
ومن العلماء من أدمج النفخة الأولى في الثانية، حيث أفاد أن هناك نفختين :
الأولى : يصعق الناس جميعا ويموتون أربعين عاما.
الثانية : يبعثون للحساب.
قال تعالى :﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [ الزمر : ٦٨ ٧٠ ].
وقد أفادت السنة الصحيحة أن هذه النفخة الأولى، تأخذ الناس وتفاجئهم بالموت والحتف ونهاية حياتهم، فلا يستطيع إنسان أن يتم أكل اللقمة التي في فمه، أو يشرب من الحوض الذي بناه بالجصّ والطين، ولا يتم أي موضوع بدأ فيه.
أخرج الشيخان وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوْبَهُما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة والرجل يليط حوضه أي يسده بالطين والجصّ فلا يُسقى منه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن نعجته فلا يطَعمُه، ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته١٩ إلى فمه فلا يطعمها " ٢٠.
تمهيد :
تصف الآيات تشكك الكافرين في البعث والحساب، وسؤالهم عنهما سؤال مُستبعد مستنكر لوقوعهما، وعلى طريقة القرآن الكريم في عرض مشاهدة القيامة، فقد عرض نفخة إسرافيل الأولى في الصور، التي تباغت الناس فيموتون في اللحظة توّا، حيث لا يستطيع أحد أن يقدّم وصية، أو يرجع إلى أهله، وبعد هذه النفخة الأولى يصعق الناس ويموتون، ثم ينفخ إسرافيل نفخة أخرى، تجتمع بعدها الأجسام، ويقوم الناس من القبور، يتساءلون عما حدث، ويلقون الجواب بأنَّه وعد الله، الذي وعدكم بالبعث والحشر، وأرسل الرسل بذلك، وقد صدقت الرسل، وتأيد ذلك بما تشاهدونه من الموازين والكتب، والحساب والجنة والنار، حيث يلقى كل إنسان جزاء عمله.
٥٠ –﴿ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾.
ترتبط هذه الآية بما قبلها، أي : حين ينفخ إسرافيل في الصور نفخة واحدة، فإن صوت هذه النفخة يأخذهم ويميتهم وتنتهي حياتهم بنفخة واحدة، لا يحتاجون إلى تكرارها، تأتي هذه النفخة وهم سائرون في حياتهم، يتبايعون ويتخاصمون، فلا يستطيع أيّ واحد منهم أن يُتم ما بدأه، أو أن يكمل ما عمله، لأن الموت يفاجئهم، وينهي حياتهم في لحظة، فلا يستطيع أحدهم أن يكتب وصيته، أو يتكلم بها لمن حوله، ولا يستطيع أن يرجع إلى بيته، لأن الموت قد أعجله، ومنعه من كل ذلك، بل إن الموت ينزل به وبمن حوله، وبأهل بيته.
تمهيد :
تصف الآيات تشكك الكافرين في البعث والحساب، وسؤالهم عنهما سؤال مُستبعد مستنكر لوقوعهما، وعلى طريقة القرآن الكريم في عرض مشاهدة القيامة، فقد عرض نفخة إسرافيل الأولى في الصور، التي تباغت الناس فيموتون في اللحظة توّا، حيث لا يستطيع أحد أن يقدّم وصية، أو يرجع إلى أهله، وبعد هذه النفخة الأولى يصعق الناس ويموتون، ثم ينفخ إسرافيل نفخة أخرى، تجتمع بعدها الأجسام، ويقوم الناس من القبور، يتساءلون عما حدث، ويلقون الجواب بأنَّه وعد الله، الذي وعدكم بالبعث والحشر، وأرسل الرسل بذلك، وقد صدقت الرسل، وتأيد ذلك بما تشاهدونه من الموازين والكتب، والحساب والجنة والنار، حيث يلقى كل إنسان جزاء عمله.
المفردات :
الصور : القرن حيث ينفخ فيه إسرافيل النفخة الثانية.
الأجداث : القبور، واحدها جدث بفتحتين، أي : قبر.
ينسلون : يسرعون.
التفسير :
٥١ ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ﴾.
هذه هي النفخة الثاني، وقد ورد أن أهل القبور يهجعون أو ينامون قبل النفخة الثانية، فإذا نفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية، قام الناس من قبورهم، يسرعون السير إلى ربهم للحساب والجزاء، والآية تعبير مصور لمرحلة البعث.
فقد أفادت الآية السابقة موت الناس بعد النفخة الأولى موتا مفاجئا، لا يستطيعون معه إنجاز أي عمل في أيديهم، وبينما هم في نومهم يأتي موضوع هذه الآية :
﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ﴾.
أي : بعد الموت يأتي دور البعث، فينفخ إسرافيل في الصور، وهو القرن أو النَّفير، فإذا هؤلاء الموتى في أجداثهم أي قبورهم قد قاموا من قبورهم يسيرون سيرا حثيثا، مسرعا سرعة إجبارية إلى ربهم للحساب والجزاء.
تمهيد :
تصف الآيات تشكك الكافرين في البعث والحساب، وسؤالهم عنهما سؤال مُستبعد مستنكر لوقوعهما، وعلى طريقة القرآن الكريم في عرض مشاهدة القيامة، فقد عرض نفخة إسرافيل الأولى في الصور، التي تباغت الناس فيموتون في اللحظة توّا، حيث لا يستطيع أحد أن يقدّم وصية، أو يرجع إلى أهله، وبعد هذه النفخة الأولى يصعق الناس ويموتون، ثم ينفخ إسرافيل نفخة أخرى، تجتمع بعدها الأجسام، ويقوم الناس من القبور، يتساءلون عما حدث، ويلقون الجواب بأنَّه وعد الله، الذي وعدكم بالبعث والحشر، وأرسل الرسل بذلك، وقد صدقت الرسل، وتأيد ذلك بما تشاهدونه من الموازين والكتب، والحساب والجنة والنار، حيث يلقى كل إنسان جزاء عمله.
المفردات :
الويل : الهلاك.
من مرقدنا : من منامنا، أو من موتنا.
التفسير :
٥٢ ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾.
وحين بُعث الناس من قبورهم، تساءل الكفار، وقالوا : يا هلاكنا من هول ما نشاهد، من الذي أحيانا وبعثنا من قبورنا ؟ ! وهو تساؤل الإنسان عندما يشاهد هولا، فيقول : يا ويلتي، أي : يا هلاكي احضر فهذا أول حضورك، وهي كلمة تقال للتعبير عن الحزن والأسى لما يراه الإنسان مثل قوله تعالى :﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا ﴾ [ الفرقان : ٢٨، ٢٩ ].
ونلاحظ أن الكفار كانوا ينكرون البعث والحساب والجزاء، والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، والقبر أصعب مما قبله وأخفّ مما بعده، فإذا شاهد الكفار جهنم وأيقنوا بما فيها من عذاب، رأوا أنّ ما كانوا فيه في القبر مثل الرقاد.
وروي عن ابن عباس : أن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون، فإذا بعثوا بالنفخة الثانية، وشاهدوا الأهوال قالوا ذلك :﴿ يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا... ﴾
فيقول لهم الله تعالى :﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾. وقيل : من جهة الملائكة.
وقال قتادة ومجاهد : من قبل المؤمنين.
وقال ابن زيد : هذا الجواب من قبل الكفار، على أنهم أجابوا أنفسهم، حيث تذكّروا ما سمعوه من المرسلين، أو أجاب بعضهم بعضا :﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾.
أي : هذا ما وعد الرحمان عباده، بالبعث والحشر والجزاء، وقد صدق المرسلون في رسالاتهم التي حملوها إلينا، مذكّرين بالبعث بعد الموت، والجزاء العادل لكل إنسان بما عمله.
قال ابن كثير : ولا منافاة بين هذه الأقوال إذ الجمع ممكن. ا ه.
أي أن هؤلاء الكفار يسمعون الجواب من عند الله، وتحمله الملائكة، وينطق به المؤمنون، ويردده الكفار أنفسهم، بل الكون والمشهد كله ينطق بلسان الحال ولسان المقال :﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾.
وفي معنى الآية قوله تعالى :﴿ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [ الصافات : ٢٠، ٢١ ].
وقوله تعالى :﴿ وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب... ﴾ [ النحل : ٧٧ ].
تمهيد :
تصف الآيات تشكك الكافرين في البعث والحساب، وسؤالهم عنهما سؤال مُستبعد مستنكر لوقوعهما، وعلى طريقة القرآن الكريم في عرض مشاهدة القيامة، فقد عرض نفخة إسرافيل الأولى في الصور، التي تباغت الناس فيموتون في اللحظة توّا، حيث لا يستطيع أحد أن يقدّم وصية، أو يرجع إلى أهله، وبعد هذه النفخة الأولى يصعق الناس ويموتون، ثم ينفخ إسرافيل نفخة أخرى، تجتمع بعدها الأجسام، ويقوم الناس من القبور، يتساءلون عما حدث، ويلقون الجواب بأنَّه وعد الله، الذي وعدكم بالبعث والحشر، وأرسل الرسل بذلك، وقد صدقت الرسل، وتأيد ذلك بما تشاهدونه من الموازين والكتب، والحساب والجنة والنار، حيث يلقى كل إنسان جزاء عمله.
٥٣-﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ﴾.
أي : ما كانت التي تمّت إلا صيحة واحدة، نفخها إسرافيل في الصور، فإذا هم مجموعون عندنا، وفي محل حكمنا، محضرون للحساب من غير تأخّر، وفيه من تهوين أمر البعث والحشر، والإيذان بقدرة القدير، وتنفيذ الأوامر فور صدورها.
وفي معنى الآية :
قوله تعالى :﴿ فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة ﴾ [ النازعات : ١٣، ١٤ ].
وقوله سبحانه :﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا ﴾ ( الإسراء : ٥٢ ).
تمهيد :
تصف الآيات تشكك الكافرين في البعث والحساب، وسؤالهم عنهما سؤال مُستبعد مستنكر لوقوعهما، وعلى طريقة القرآن الكريم في عرض مشاهدة القيامة، فقد عرض نفخة إسرافيل الأولى في الصور، التي تباغت الناس فيموتون في اللحظة توّا، حيث لا يستطيع أحد أن يقدّم وصية، أو يرجع إلى أهله، وبعد هذه النفخة الأولى يصعق الناس ويموتون، ثم ينفخ إسرافيل نفخة أخرى، تجتمع بعدها الأجسام، ويقوم الناس من القبور، يتساءلون عما حدث، ويلقون الجواب بأنَّه وعد الله، الذي وعدكم بالبعث والحشر، وأرسل الرسل بذلك، وقد صدقت الرسل، وتأيد ذلك بما تشاهدونه من الموازين والكتب، والحساب والجنة والنار، حيث يلقى كل إنسان جزاء عمله.
٥٤ ﴿ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
﴿ فاليوم ﴾، أي : فهذا يوم القيامة، ويوم الفصل والحكم بين الناس، والحكم لله تعالى في ذلك اليوم، وهو سبحانه عادل، وقد حرّم الظلم على نفسه، لذلك فهو سبحانه لا يبخس الناس شيئا من أعمالهم، ولا يُنقص حسنة لمحسن، ولا يزيد في سيئات مسيء، بل إن الجزاء من جنس العمل، والجزاء العادل بالجنة ونعيمها للمتقين، وبالنار وعذابها للكافرين والظالمين.
قال تعالى :﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٤٨ ].
وقال تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [ النساء : ٤٠ ].
وقال سبحانه :﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [ يونس : ٤٤ ].
وقال تعالى :﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾ [ الكهف : ٤٩ ].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تضلّون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل سائل مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما ينقص المخيط إذا وضع في البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه " ٢١.
نعيم المؤمنين في الجنة
﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٥٥ ) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ( ٥٦ ) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ( ٥٧ ) سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ( ٥٨ ) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ( ٥٩ )* ﴾
المفردات :
الشغل : الشأن الذي يصدّ الإنسان، ويشغله عما سواه، من شئونه وأحواله لأهميته لديه، إما لأنه يحصّل مسرة كاملة، أو مساءة عظيمة.
فاكهون : متلذذون، أو فرحون، والفاكه : الطيب النفس الضحوك.
تمهيد :
تصف الآية نعيم أهل الجنة، فهم في نعيم مقيم، وهو فاكهون مع زوجاتهم يتمتعون بوارف الظلال، ومُريح الأسِرَّة، يتمتعون بالفاكهة، وبكل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ويأتيهم السلام من الربّ الرحيم.
التفسير :
٥٥ ﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ﴾.
لقد وعد الحق سبحانه بأن يجازي كل إنسان الجزاء المناسب بعمله، في الآية السابقة، ثم تكلّم سبحانه عن نعيم أهل الجنة وسرورهم، فهم مستغرقون في النعيم، قد ملأ عليهم نفوسهم، وتمتعوا بالملاذّ والنعيم المقيم، ولهم في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
قال بعض المفسرين :
شُغُل وأي شغل، عَزْف الأوتار على ضفاف الأنهار، تحت أشجار الثمار، وضيافة الجبار.
والشغل هو الشأن الذي يشغل الإنسان، ويصدّه عما سواه من شئون، لكونه أهم عنده من الكلّ، وإما لإيجابه كمال المسرة أو كمال المساءة، والمراد هنا الأول، وتنكيره لتعظيم، كأنه شغل لا يدرك كنهه، والمراد به النعيم الذي شغلهم عن كل ما سواه.
وعن ابن كسان : الشغل : التزاور وضيافة الله.
﴿ فاكهون ﴾ متلذذون، متنعمون بالنعمة التي تحيط بهم، معجبون بما أكرمهم الله به، والفاكه والفكه : المتنعم المتلذذ، ومنه الفاكهة لأنها مما تلذذ بها، وكذلك الفكاهة التي هي المزاحة.
تمهيد :
تصف الآية نعيم أهل الجنة، فهم في نعيم مقيم، وهو فاكهون مع زوجاتهم يتمتعون بوارف الظلال، ومُريح الأسِرَّة، يتمتعون بالفاكهة، وبكل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ويأتيهم السلام من الربّ الرحيم.
المفردات :
الظلال : واحدها ظلّ، وهو ضد الضحّ ( ما تصيبه الشمس ).
الأرائك : واحدها أريكة، وهي سرير منجّد مزيّن، في قبة أو في بيت.
التفسير :
٥٦ ﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ﴾٢٢.
إن أصحاب الجنة هم وحلائلهم قد اجتمع شملهم في ظلال وارفة ممدودة، يجلسون على الأسِرَّة، ويتكئون على الفُرش الوثيرة في متعة ولذة.
والظلال الوارفة نعمة ومسَرَّة، فلا يستوي الظل ولا الحرور، وقد صح من رواية الشيخين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها، فاقرءُوا إن شئتم :﴿ وظل ممدود ﴾٢٣ [ الواقعة : ٣٠ ].
﴿ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ﴾.
على السرر المنجدة المزينة بالستور متكئون في لذة ومتعة ورضا.
تمهيد :
تصف الآية نعيم أهل الجنة، فهم في نعيم مقيم، وهو فاكهون مع زوجاتهم يتمتعون بوارف الظلال، ومُريح الأسِرَّة، يتمتعون بالفاكهة، وبكل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ويأتيهم السلام من الربّ الرحيم.
المفدرات :
لهم ما يدعون : لهم ما يطلبون، أي : يتمنون.
التفسير :
٥٧ ﴿ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ﴾.
لهم في الجنة فاكهة كثيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، مذلَّلة لهم، إن شاءوا أكلوا وإن شاءوا أمسكوا، ولهم فيها كل ما يطلبونه ويتمنونه.
قال أبو عبيدة : العرب تقول : ادَّع عليّ ما شئت، أي : تمنّ عليّ، وتقول : فلان في خير ما ادَّعى، أي : في خير ما تمنَّى.
تمهيد :
تصف الآية نعيم أهل الجنة، فهم في نعيم مقيم، وهو فاكهون مع زوجاتهم يتمتعون بوارف الظلال، ومُريح الأسِرَّة، يتمتعون بالفاكهة، وبكل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ويأتيهم السلام من الربّ الرحيم.
٥٨ ﴿ سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾.
ما أعظم نعيم أهل الجنة، فهم في أنس مع أزواجهم، وراحة وعدم وحدة مع حسن المكان، وإعطائهم كل ما يحتاجون إليه، وتلذذهم بالنعيم، وتلقيهم لأجمل تحية، كما يقول الفخر الرازي في تفسيره.
إن نعيم الجنة عظيم، ومعه سعادة ونضارة، وسرور مقيم، ورضوان من الله أكبر.
روى ابن أبي حاتم بسنده، وابن ماجة في كتاب السنّة من سننه، وجماعة، عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بينما أهل الجنة في نعيم، إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم، فإذا الربُّ قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة، فذلك قوله تعالى :﴿ سلام قولا من رب رحيم ﴾. قال : فينظر إليهم، وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم، ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم " ٢٤.
وقيل : يسلّم الله على أهل الجنة عن طريق الملائكة.
لقوله تعالى :﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٣، ٢٤ ].
وعند التحقيق نجد أنه لا منافاة بين القولين، فالله تعالى يسلّم على أهل الجنة، والملائكة تسلّم عليهم، فما أعظم نعيمهم، وما أكرم جزاءهم، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، واجعلنا من أهل رضوانك ونورك وبركتك في الدنيا والآخرة.
تمهيد :
تصف الآية نعيم أهل الجنة، فهم في نعيم مقيم، وهو فاكهون مع زوجاتهم يتمتعون بوارف الظلال، ومُريح الأسِرَّة، يتمتعون بالفاكهة، وبكل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ويأتيهم السلام من الربّ الرحيم.
المفردات :
امتازوا : تميزوا وانفردوا عن المؤمنين.
التفسير :
٥٩ ﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾.
أي تفرقوا وانفردوا عن المؤمنين، واذهبوا إلى جهنم، فهم في عذاب النار، وهم في عذاب آخر، وهو عذاب الوحدة، والبعد عن المؤمنين، وعدم الأنس وعدم السعادة.
يقال : امتاز وتميز القوم بعضهم عن بعض، إذا انفصل كل فريق عن غيره.
قال تعالى :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [ الروم : ١٤ ١٦ ].
وقال تعالى :﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ﴾ [ يونس : ٢٨ ].
جزاء المجرمين
﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( ٦٠ ) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ( ٦١ ) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ( ٦٢ ) ﴾.
المفردات :
ألم أعهد إليكم : العهد : الوصية وعرض ما فيه خير ومنفعة.
عبادة الشيطان : يراد بها عبادة غير الله من الآلهة الباطلة، وأضيفت إلى الشيطان لأنه الآمر بها، والمزين لها.
عدو مبين : عدو واضح العداوة.
التفسير :
٦٠ ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾.
تحدث القرآن طويلا عن خلافة الإنسان في الأرض، وعن خلق آدم وإسكانه الجنة، وإباحة الأكل له من ثمار الجنة جميعها ما عدا شجرة واحدة، ثم إغواء الشيطان لآدم وحواء، وأكلهما من الشجرة، وخروجهما من الجنة، وتنبيه الله لبني آدم، وتحذيرهم من طاعة الشيطان، الذي أخرج آدم من الجنة، واستمرّ في عداوته لأبناء آدم والتزيين والفتنة، رغبة في غواية الإنسان.
قال تعالى :﴿ يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ... ﴾ [ الأعراف : ٢٧ ].
وقال تعالى :﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [ فاطر : ٦ ].
فالله تعالى بيّن في كتبه المنزَّلة، وعلى لسان الرسل المرسلة، جِدّ الشيطان في إغواء الإنسان كما بين القرآن أن كيد الشيطان كان ضعيفا، فإذا استعان الإنسان بالله، واستعان بالله من الشيطان الرجيم. أعانه الله ونصره.
قال تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠١ ].
وقال سبحانه :﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [ النحل : ١٠٠، ٩٩ ].
وقد ورد تحذيرنا من الشيطان في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وفي سورتي الفلق والناس استعاذة، أي : تحصّن واستعانة بالله، والتجاء إليه، ليحفظنا من وسوسة الشيطان.
وفي موقف القيامة يذكّر الله الناس بما أنزله في كتبه وعلى لسان رسله، بعدم عبادة الشيطان أي بعدم طاعته والسير وراء وسوسته وتزيينه، بعبادة آلهة أخرى غير الله، كالأصنام والأوثان والجاه والسلطان والهوى، والمرأة والمظهر والدينار والدرهم.
وفي صحيح البخاري : " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد المرأة، تعس عبد الخميصة، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعت رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الساقة ففي الساقة، وإن كان في المقدمة ففي المقدمة، وإن استأذن لم يؤذن له " ٢٥.
وذكر بعض المفسرين أن العهد المذكور في الآية هو الميثاق المأخوذ على بني آدم في عالم الذرّ، والمشار إليه بقوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا.. ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ].
وفسر بعضهم عهد :﴿ ألست بربكم ﴾.
بأن الله أودع في الفطرة والعقول، والأفهام والأفئدة والقلوب، ما لو تأملت في هذا الكون وما فيه، وفي الدنيا وما فيها، وفي المخلوقات ونظام الليل والنهار، وسير الشمس والقمر، وحركة الأرض والسماء والفضاء وسائر الأشياء، لو تأمّلت بفطرتها ومواهبها وعقولها لاهتدت إلى طاعة الرحمان والفرار من طاعة الشيطان.
ومعنى الآية :
ألم أوصكم يا بني آدم، وأنزل إليكم هدى السماء، وأنصحكم بعدم عبادة الشيطان وعدم طاعته، ولأنه لكم عدو بالغ العداوة.
المفردات :
هذا صراط مستقيم : هذا العهد طريق لا عوج فيه.
التفسير :
٦١ ﴿ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾.
هذه الآية مكملة لما سبقها، فالله تعالى عهد ووصى بني آدم بعدم عبادة الشيطان وعدم طاعته، كما وصاهم بعبادة الله تعالى وحده، فهذا هو الصراط المستقيم والطريق القويم، أي الاهتداء بهدى الله وطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، والابتعاد عن إغواء الشيطان وفتنته.
وفي معنى الآيتين السابقتين، وردت آيات كثيرة، كلها تؤكد عداوة الشيطان للإنسان، ووجوب الحذر من طاعة الشيطان والحذر من استدراجه للإنسان، وأن كيد الشيطان ضعيف، وأنه سيتبرأ ممن أطاعه يوم القيامة.
قال تعالى :﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ].
وقال عز شأنه :﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ البقرة : ٢٦٨ ].
المفردات :
جبلا كثيرا : جماعة عظيمة، وخلقا كثيرا، قال الراغب : الجِبِلّ : الجماعة العظيمة، وقال غيره : الجِبِلّ : الأمة وهي معان متقاربة.
التفسير :
٦٢ ﴿ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ( ٦٢ ) ﴾.
لقد زين الشيطان للكافرين كفرهم حتى كذَّبوا الرسل، واستحقوا عذاب الدنيا والآخرة.
﴿ جِبِلّا كثيرا ﴾. أي : أمما كثيرة، وجماعات عظيمة، وخلقا كثيرا، فهذا الشيطان قد اخترق صفوفكم، وأضل جمعا كبيرا، من الكافرين والمبطلين، أفلم تشاهدوا ما أصاب المكذبين الذين استهوتهم الشياطين، فخسروا دنياهم وآخرتهم، حتى تَعْدِلوا عن طاعة الشيطان، وتكونوا في طريق الرحمان، وعلى هديه وأمره وصراطه المستقيم.
قال تعالى :﴿ ومن يكن الشيطان له، قرينا فساء قرينا ﴾. [ النساء : ٣٨ ].
وقال سبحانه :﴿ وكان الشيطان للإنسان خذولا ﴾. [ الفرقان : ٢٩ ].
وقال سبحانه وتعالى :﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [ المجادلة : ١٩ ].
مشاهد القيامة
﴿ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( ٦٣ ) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ( ٦٤ ) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( ٦٥ ) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ( ٦٦ ) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ ( ٦٧ ) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ( ٦٨ ) ﴾.
تمهيد :
تشمل الآيات على تهديد ووعيد للكافرين بجهنم وسعيرها، ونطق للجوارح عليهم بالذنوب والسيئات التي ارتكبوها في الدنيا.
وقدرة الله لا حدود لها، فالله قادر على أن يطمس على عيونهم فينعدم البصر، ثم يتسابقون إلى السير في الطريق، فكيف يبصرون مع عَمى العيون ؟
ولو شاء لمسخهم في أماكنهم، وسلب منهم الحياة، فلا يستطيعون تقدما للأمام ولا رجوعا للخلف، وهب أنه لم ينزل بهم العمى ولا المسخ، فهناك ظاهرة طبيعية تصيب جميع البشر، هي كبر السن والضعف والشيخوخة، مع تقهقر الحواس، أفلا يعقلون، ويغتنمون الوقت، ويسارعون إلى الإيمان قبل عقوبة الآخرة، أو أقبل ضياع الفرصة في الدنيا ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شُغلك ".
التفسير :
٦٣ ﴿ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾.
من شأن القرآن أن يتحدث عن الآخرة، وأن يعرض القيامة كأنها ماثلة أمام الإنسان، وفي ذلك اليوم يقال للكفار :﴿ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾.
أي : هذه جهنم، بما فيها من عذاب وسعير، وحريق ومهانة، التي وعدكم بها رسلي وكتبي، فهي مآل كل كافر.
قال تعالى :﴿ إن جهنم كانت مرصادا * للطاغين مئابا ﴾. [ النبأ : ٢١، ٢٢ ].
تمهيد :
تشمل الآيات على تهديد ووعيد للكافرين بجهنم وسعيرها، ونطق للجوارح عليهم بالذنوب والسيئات التي ارتكبوها في الدنيا.
وقدرة الله لا حدود لها، فالله قادر على أن يطمس على عيونهم فينعدم البصر، ثم يتسابقون إلى السير في الطريق، فكيف يبصرون مع عَمى العيون ؟
ولو شاء لمسخهم في أماكنهم، وسلب منهم الحياة، فلا يستطيعون تقدما للأمام ولا رجوعا للخلف، وهب أنه لم ينزل بهم العمى ولا المسخ، فهناك ظاهرة طبيعية تصيب جميع البشر، هي كبر السن والضعف والشيخوخة، مع تقهقر الحواس، أفلا يعقلون، ويغتنمون الوقت، ويسارعون إلى الإيمان قبل عقوبة الآخرة، أو أقبل ضياع الفرصة في الدنيا ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شُغلك ".
المفردات :
اصلوها : ادخلوها وقاسوا سعيرها.
التفسير :
٦٤ ﴿ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾.
ذوقوا سعيرها ولهيبها وعذابها، بسبب إصراركم على الكفر في الدنيا، والإعراض عن الرسل.
وقريب من هذا قوله تعالى :﴿ يوم يدعون إلى نار جهنم دعا * هذه النار التي كنتم بها تكذبون ﴾ [ الطور : ١٣، ١٤ ].
تمهيد :
تشمل الآيات على تهديد ووعيد للكافرين بجهنم وسعيرها، ونطق للجوارح عليهم بالذنوب والسيئات التي ارتكبوها في الدنيا.
وقدرة الله لا حدود لها، فالله قادر على أن يطمس على عيونهم فينعدم البصر، ثم يتسابقون إلى السير في الطريق، فكيف يبصرون مع عَمى العيون ؟
ولو شاء لمسخهم في أماكنهم، وسلب منهم الحياة، فلا يستطيعون تقدما للأمام ولا رجوعا للخلف، وهب أنه لم ينزل بهم العمى ولا المسخ، فهناك ظاهرة طبيعية تصيب جميع البشر، هي كبر السن والضعف والشيخوخة، مع تقهقر الحواس، أفلا يعقلون، ويغتنمون الوقت، ويسارعون إلى الإيمان قبل عقوبة الآخرة، أو أقبل ضياع الفرصة في الدنيا ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شُغلك ".
المفردات :
نختم على أفواههم : نمنعها من الكلام.
وتكلمنا أيديهم : كلام دلالة أو نطق.
التفسير :
٦٥ ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾.
في ذلك اليوم ينكر الكفار كفرهم وجرائمهم التي فعلوها في الدنيا، فيختم الله على أفواههم فلا تنطق، ويأمر الجوارح أن تشهد عليهم بما اجترحوه من المعاصي، فتنطق اليد وترشد إلى المعاصي التي ارتكبتها، وتنطق الرِّجل وتشهد بالمعاصي التي اجترحتها وفعلتها.
قال المفسرون :
وشهادة الأيدي والأرجل عليهم دلالتها على أفعالها، وظهور آثار معاصيها عليها.
وقيل : ذلك على الحقيقة، بأن ينطقها الله فتتكلَّم وتشهد، ويؤيد ذلك ما ورد في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة.
قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [ النور : ٢٤، ٢٥ ].
وقال تعالى :﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [ فصلت : ١٩ ٢١ ].
وفي كتب السنة النبوية ما يفيد أن الله يضع كَنَفَهُ على المؤمن ويذكّره بذنوبه التي فعلها في الدنيا، فيعترف بها لربّه، ولا ينكر منها شيئا، فيقول له الله : لقد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الكافر فينكر أنه فعل شيئا من الذنوب، فتنطق جوارحه عليه، وتفضحه جوارحه على رؤوس الأشهاد.
روى ابن أبي حاتم، والإمام مسلم، والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال صلى الله عليه وسلم : " أتدرون مم أضحك ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم :" من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجردني من الظلم ؟ فيقول : بلى فيقول : لا أجيز عليّ إلا شاهدا من نفسي، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، وبالكرام الكاتبين شهودا، فيختم الله على فيه، ويقال لأركانه : انطقي، فتنطق بعمله، ثم يخلّى بينه وبين الكلام فيقول : بُعْدا لكنّ وسحقا، فعنكنّ كنت أناضل " ٢٦
وخلاصة معنى الآية :
اليوم نغطِّي على أفواههم فلا تنطق، وتكلمنا أيديهم، وتنطق أرجلهم شاهدة عليهم بما كانوا يعملون. وجاء في حاشية الجمل على الجلالين ما يأتي :
قال الكرخي : أسند سبحانه فعل الختم إلى نفسه، وأسند الكلام والشهادة إلى الأيدي والأرجل، لئلا يكون فيه احتمال أن ذلك منهم كان جبرا، أو قهرا، والإقرار مع الإجبار غير مقبول، فقال :﴿ وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم... ﴾ أي باختيارها، بعد إقرار الله لها على الكلام ليكون أدل على صدور الذنب منهم. ا ه.
تمهيد :
تشمل الآيات على تهديد ووعيد للكافرين بجهنم وسعيرها، ونطق للجوارح عليهم بالذنوب والسيئات التي ارتكبوها في الدنيا.
وقدرة الله لا حدود لها، فالله قادر على أن يطمس على عيونهم فينعدم البصر، ثم يتسابقون إلى السير في الطريق، فكيف يبصرون مع عَمى العيون ؟
ولو شاء لمسخهم في أماكنهم، وسلب منهم الحياة، فلا يستطيعون تقدما للأمام ولا رجوعا للخلف، وهب أنه لم ينزل بهم العمى ولا المسخ، فهناك ظاهرة طبيعية تصيب جميع البشر، هي كبر السن والضعف والشيخوخة، مع تقهقر الحواس، أفلا يعقلون، ويغتنمون الوقت، ويسارعون إلى الإيمان قبل عقوبة الآخرة، أو أقبل ضياع الفرصة في الدنيا ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شُغلك ".
المفردات :
لطمسنا على أعينهم : لمحونا وأزلنا معالمها.
فاستبقوا الصراط : فسارعوا إلى الطريق.
فأنى يبصرون : فكيف يبصرون الحق ويهتدون إليه ؟
التفسير :
٦٦ –﴿ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ﴾.
إنهم جميعا داخل سيطرة القدير، الفعال لما يريد، فلو شاء سبحانه لطمس عيونهم، وسلب نورها، ثم يتسابقون إلى الطريق المستقيم، فكيف يبصرون والعمى قد أذهب أبصارهم ؟
وتحتمل الآية معنى آخر هو :
لو نشاء سلبنا عنهم الهداية، وأعمينا بصيرتهم، فإذا حاولوا السير في طريق الإيمان والإسلام، فلن يتذّوقوا حلاوته، ولن يبصروا هدايته، وكماله وجماله.
قال ابن عباس : ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى فكيف يهتدون ؟
وقال الحسن البصري : لو شاء الله لطمس على أعينهم، فجعلهم عميا يترددون.
وقال ابن زيد :﴿ فاستبقوا الصراط... ﴾ يعني بالصراط هنا الحق، فأنى يبصرون وقد طمسنا على أعينهم ؟
تمهيد :
تشمل الآيات على تهديد ووعيد للكافرين بجهنم وسعيرها، ونطق للجوارح عليهم بالذنوب والسيئات التي ارتكبوها في الدنيا.
وقدرة الله لا حدود لها، فالله قادر على أن يطمس على عيونهم فينعدم البصر، ثم يتسابقون إلى السير في الطريق، فكيف يبصرون مع عَمى العيون ؟
ولو شاء لمسخهم في أماكنهم، وسلب منهم الحياة، فلا يستطيعون تقدما للأمام ولا رجوعا للخلف، وهب أنه لم ينزل بهم العمى ولا المسخ، فهناك ظاهرة طبيعية تصيب جميع البشر، هي كبر السن والضعف والشيخوخة، مع تقهقر الحواس، أفلا يعقلون، ويغتنمون الوقت، ويسارعون إلى الإيمان قبل عقوبة الآخرة، أو أقبل ضياع الفرصة في الدنيا ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شُغلك ".
المفردات :
لمسخناهم : المسخ : تحويل الصورة إلى صورة أخرى قبيحة.
على مكانتهم : في أماكنهم حيث يرتكبون القبائح.
التفسير :
٦٧- ﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ﴾.
ولو نشاء لغيّرنا صُورهم إلى صور قبيحة، أو حجارة أو قردة أو خنازير أو جعلناهم قعودا على أرجلهم، مع ما لهم من مكانة ومنزلة في الدنيا، فإنا قادرون على سلب القوة منهم، وجعلهم يتحجَّرون في أماكنهم، فلا يستطيعون مضيّا وتقدُّما للأمام، ولا يستطيعون رجوعا وتقهقرا للخلف، فقد سُلبت منهم القدرة على الحركة.
ومقصود هذه الآية، والآية السابقة عليها التهديد، وبيان أنهم يستحقون العمى، أو المسخ، ولو شاء الله لفعل بهم ذلك، لكنّه يمهلهم، علّهم أن يتوبوا أو يتذكروا، على حد قوله سبحانه :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ﴾. [ فاطر : ٤٥ ]
تمهيد :
تشمل الآيات على تهديد ووعيد للكافرين بجهنم وسعيرها، ونطق للجوارح عليهم بالذنوب والسيئات التي ارتكبوها في الدنيا.
وقدرة الله لا حدود لها، فالله قادر على أن يطمس على عيونهم فينعدم البصر، ثم يتسابقون إلى السير في الطريق، فكيف يبصرون مع عَمى العيون ؟
ولو شاء لمسخهم في أماكنهم، وسلب منهم الحياة، فلا يستطيعون تقدما للأمام ولا رجوعا للخلف، وهب أنه لم ينزل بهم العمى ولا المسخ، فهناك ظاهرة طبيعية تصيب جميع البشر، هي كبر السن والضعف والشيخوخة، مع تقهقر الحواس، أفلا يعقلون، ويغتنمون الوقت، ويسارعون إلى الإيمان قبل عقوبة الآخرة، أو أقبل ضياع الفرصة في الدنيا ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شُغلك ".
المفردات :
نعمره : نطل عمره.
ننكسه في الخلق : نقلبه فيه، فلا يزال ضعفه يتزايد، وانتقاص بنيته يكثر، بعكس ما كان عليه في بدء أمره، حتى يُرَّد إلى أرذل العمر.
التفسير :
٦٨ – ﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ﴾.
أي : ماذا ينتظر هؤلاء الكافرون الذين أعرضوا عن الهدى، واستمروا في هذا الضلال، إن الله تعالى إن شاء أعماهم أو مسخهم، وحتى إذا تركوا على حالهم فلا بد أن تتقدم بهم السنّ، حيث يردون إلى أرذل العمر، فتضعف قواهم، ويتحلون من النموّ والزيادة في حالة الطفولة والشباب، إلى النقص والذبول في حالة الشيخوخة، حيث يضعف السمع والبصر والجوارح.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر " ٢٧
وفي معنى الآية قوله تعالى :﴿ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ﴾. [ الروم : ٥٤ ].
وقوله سبحانه :﴿ ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا... ﴾ [ الحج : ٥ ]
قال ابن كثير في تفسير الآية :
والمراد من هذا – والله أعلم – الإخبار عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجلّ :﴿ أفلا يعقلون ﴾ ؟
أي : يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة، ثم إلى الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة ٢٨.
وجاء في هوامش المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما يأتي :
ومن نطل عمره نردّه إلى عكس ما كان عليه من القوة، فيصبح ضعيفا، وذلك لأن حياة الإنسان تأخذ ثلاث مراحل : نموّ، ونضج، وضمور النسيج الحشوي، في الكلي والكبد والغدّة الدرقية والبنكرياس، وهذا له أثر في إضعاف الجسم كله، وتبدأ كذلك الشرايين في التصلّب والضمور، وبذلك يقلّ الدم الذاهب إلى جميع أعضاء الجسم، فيزيده ضعفا على ضعف، ومن أسباب الشيخوخة زيادة قوى الهدم، على قوى البناء في الجسم، MCTABOLISM وذلك أن خلايا الجسم كلها في تغير مستمر، وكذلك خلايا الدم، ما عدا خلايا المخ والنخاع، فإنها لا تتغير مدى الحياة، فإذا كانت نسبة تجدد الخلايا كنسبة هلاكها، لا تظهر الأعراض، أما إذا زادت نسبة هلاك الخلايا، على تجددها في أي عضو، ظهر ضمور هذا العضو، وعلى ذلك فكلما تقدمت السنّ تضاءلت نسبة التجدد، وزادت نسبة الانحلال الخلوي، وظهر الضمور العام، وتختلف نسبة التجدد والضمور باختلاف نوع الأنسجة، فالظاهر منها كالبشرة الكاسية للجسم، والغشية المبطنة للقنوات الهضمية، وقنوات الغدد، تضمر بنسبة أكبر، كلما تقدمت السنّ بالإنسان، وهذا هو السبب المباشر لأعراض الشيخوخة. ٢٩
محمد ليس شاعرا بل رسول الله
﴿ وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ( ٦٩ ) لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ( ٧٠ ) ﴾
المفردات :
وما ينبغي له : لا يليق به ولا يصلح له.
ذكر : عظة من الله وإرشاد للثقلين.
وقرآن مبين : وكتاب مقروء واضح يقرأ للاعتبار.
التفسير :
٦٩- ﴿ وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ﴾.
لاشك أن القرآن الكريم قد أدهش العرب، ودخل عليهم من كل باب، وحاكمهم إلى الحسّ، ولفت أنظارهم إلى الكون وما فيه، وذكّرهم بالأمم السابقة، ووضع أمامهم القيامة والبعث والحشر، والحساب والصراط والميزان والجنة والنار، وقد أحسّ الكفار أنه كلام فوق طاقتهم، وقال بعضهم : إن له حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن فرعه لجناه، وما يقول هذا بشر، لكنّهم لم يؤمنوا بالقرآن، ولم يتّبعوا الرسول، وتعددت اتهاماتهم للرسول وللقرآن، ومن هذه التهم : أن محمدا شاعر يجيش صدره بالكلام فيخرجه رفيعا عاليا، فنفي عنه القرآن هذه التهمة.
ومعنى الآية :
ما نزل جبريل ليعلمه الشعر، وليس ذلك في طبيعة محمد، فالشعر خيالات وأوهام، وله بحور وقواف، وأغراض معروفة وأعذبه أكذبه، والقرآن هداية من الله، ومواعظ معلومة، ووحي نزل من السماء، داعيا إلى توحيد الله، متحدثا عن العقيدة الإسلامية، وما ينبغي لله من كمال وصفات، كالقدرة والإرادة والسمع والبصر، وما يحتاج إليه الناس من صنوف العبادات والمعاملات، فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس شاعرا، والقرآن ليس شعرا، ولا فنّا من فنون القول، لأن القرآن كتاب الإسلام قد أحيا أمّة، وقدم فكرة، وأنشأ دولة، وعلّم الناس أجمعين آدابا وأحكاما وهدايات، ولو أنصف الكفار لقالوا : القرآن شيء فوق الطّاقة، فيه مالا نقدر عليه، ونحن نتخَرّص في القول، ونوجّه التهم إليه وإلى محمد، ولو أنصفوا صادقين لقالوا : القرآن وحي من السماء.
قال تعالى :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم... ﴾ [ النمل : ١٤ ].
وقال سبحانه :﴿ فإنهم لا يكذبوك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ﴾. [ الأنعام : ٣٣ ].
وقد حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعض عبارات قابلة لأوزان الشعر، مثل قوله يوم حنين : " أنا النبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلب " ٣٠.
وهذا لا يجعل صاحبه شاعرا، لأنه كلام يرد على الخاطر من غير قصد إلى الشعر، ولا تكلّف له، ولا التفات منه إليه، إن جاء موزونا كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس، في خطبهم ورسائلهم أشياء موزونة، ولا يسمّيها أحدا شعرا، ولا يخطر ببال السامع ولا المتكلم أنها شعر.
وقد ذكر الزمخشري في الكشاف، والآلوسي في تفسيره وغيرهما الحكمة من ذلك.
فقال الزمخشري :
﴿ وما ينبغي له... ﴾ أي وما يصح له، ولا يتطلبه إن طلبه، أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأتّ له، ولم يتسهل كما جعلناه أمّيا.. لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض... ا ه.
موقف الإسلام من الشعر.
نزل القرآن الكريم عربيا مبينا، مشتملا على صنوف البيان، وألوان الإعجاز، وأرقى الأساليب، وأفصح ألوان البيان وكان النبي صلى الله عليه وسلم فصيحا بليغا وقال صلى الله عليه وسلم : " أنا أفصح العرب بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن بكر ".
فقد جمع الله له البيان، والقول الحسن، والمعرفة الكاملة بسياسة المم، وحسن الدعوة، وتألّف القوم، حتى كان سببا في جمع كلمة الإسلام، وإحياء أمّته.
قال تعالى :﴿ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا* وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ﴾. [ الأحزاب : ٤٦، ٤٥ ].
وقد وردت أحاديث صحيحة تذم الشعر وتنهى عنه، كما وردت أحاديث صحيحة تمدح الشعر وتحث عليه، وقد بين العلماء الثقات طريقة التوفيق بين هذه الأحاديث فقالوا : المنهيّ عنه من الشعر ما كان في الهجاء وذكر العورات والفخر الممقوت والمدح الكاذب، والمحمود من الشعر ما كان فيه تمجيد للفضائل، ودعوة إلى مكارم الأخلاق، وآداب الإسلام، والمحامد والمثل العليا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطرب للقول الجيد، والخطب الفصيحة، والشعر الحسن، فكانت الخنساء تنشد بين يديه، وكان يستجيد شعرها، ويقول : " هيه يا خناس ". وقال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه : " هل تحفظ شيئا من شعر أمية بن أبي الصلت " ؟ قال نعم فأنشد بيتا، فقال صلى الله عليه وسلم : " هيه " فأنشده آخر حتى أنشده مائة بيت، وقال صلى الله عليه وسلم عن أمية بن أبي الصلت " ؟ أسلم شعره، وكفر قلبه ". وقال صلى الله عليه وسلم : " إن كاد أمية ليسلم ".
وقد استجاد النبي صلى الله عليه وسلم شعر كعب بن زهير، وكان صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه عند فتح مكة، مع عدد ممكن كثرت جرائمهم، وحاول كعب بن زهير أن يتشفع بأبي بكر الصديق فأبى عليه، فجاء كعب بن زهير وأنشد بين يدي النبي قصيدة مشهورة جاء فيها ما يأتي :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذا ظهرت إلا أغن غضيض الطرف مكحول.
ثم يقول :
وقال كل صديق كنت آمله لا ألفينك إني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلي لا أبالكمو فكل ما قدر الرحمان مأمول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل
إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول
وهنا خلع النبي صلى الله عليه وسلم البردة التي كان يلبسها، وأعطاها هدية لكعب بن زهير كدليل على استجادته لشعره.
لقد كان صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا في الفصاحة والبلاغة، وتذوق الشعر، وكان يضع لحسان بن ثابت منبرا في المسجد، ليلقى عليه الشعر، ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم : " اهجهم وروح القدس معك "
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك ما لم تزود بالأخبار
فقال أبو بكر رضي الله عنه : ليس هكذا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم : " إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي "
وأخرج ابن سعد، وابن أبي حاتم، عن الحسن : أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت هكذا : " كفى بالإسلام والشيب ناهيا للمرء ".
والرواية : كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا.
قال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله، ما علمك الشعر وما ينبغي لك.
لقد أراد الله أن يكون النبي أميّا لتكون الحجة أتمّ، والبرهان على المشركين أقوم، كذلك منعه قول الشعر، حتى لا يكون لهم حجة، أن يدَّعوا عليه أن القرآن من المفتريات التي يتقولها، والأباطيل التي ينمّقها وليس بوحي من عند ربه.
وقد سبق أن تكلمنا باستفاضة في هذا الموضوع عند تفسير قوله تعالى :﴿ والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون مالا يفعلون* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ﴾ [ الشعراء : ٢٢٤-٢٢٧ ]
فمن أراد المزيد في هذا الموضوع فليرجع إلى تفسيري لهذه الآيات.
المفردات :
حيا : حيّ القلب مستنير البصيرة.
ويحق القول : ويثبت القول بالعذاب، ويجب على الكافرين.
التفسير :
٧٠ –﴿ لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ﴾.
القرآن الكريم ليس شعرا، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس شاعرا، وما ينبغي أن يكون شاعرا، وما الوحي إلا وعظ وهداية وتوجيه، وقرآن واضح المنهج منير للطريق.
﴿ لينذر من كان حيا... ﴾
ليحذر من كان في قلبه حياة وتفتح، وبعد عن الكفر والهوى، فيستجيب لكتاب الله وينتفع به.
﴿ ويحق القول على الكافرين ﴾.
وتجب كلمة العذاب على من كفر بالله، وبعد أن تقوم عليه الحجة. وتصله الرسالة وآيات القرآن المبين.
قال تعالى :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾ [ النساء : ١٦٥ ]
من تفسير ابن كثير
ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، ولكن تبعا لقول أصحابه، رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون :
لا هم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لقينا
إن أولاء قد بغوا علينا إذ أردوا فتنة أبينا ٣١
ويرفع صلى الله عليه وسلم صوته، بقوله : " أبينا " ويمدّها، وقد روى هذا بزحاف في الصحيحين أيضا.
وكذلك ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، قال : كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار، فنكبت أصبعه فقال صلى الله عليه وسلم :
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ٣٢
وكل هذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم ما عُلّم شعرا وما ينبغي له، فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم : ٣٣ ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ﴾. [ فصلت : ٤٢ ].
منافع الأنعام
﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ( ٧١ ) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ( ٧٢ ) ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ( ٧٣ ) ﴾
المفردات :
مما عملت أيدينا : مما صنعته قدرتنا، وخلقناه، ولم يخلقه غيرنا.
أنعاما : جمع نعم، وهي الإبل والبقر والغنم والمعز.
ثمانية أزواج، من الإبل اثنين : ذكر وأنثى، وهما الجمل والناقة، وكذلك البقر والغنم والمعز، خلق الله الثور والبقرة، والخروف والنعجة، والتيس والعنزة.
تمهيد :
يستعرض القرآن أمامهم أدلة القدرة الإلهية، فبيد القدرة وحدها خلق الله لهم الأنعام كالإبل والبقر والغنم، فهم يتصرفون فيها تصرف المالك بالبيع والشراء، والهبة والتسمين وسائر أنواع الانتفاع.
وقد ذلل الله لهم هذه الحيوانات فهم يركبونها ويذبحونها فيأكلون لحمها، ويشربون لبنها، ولهم فيها طائفة من المنافع كالاستفادة بجلودها وأشعارها وأوبارها أفلا يشكرون الله تعالى على هذه النعم السامية
التفسير
٧١-﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ﴾.
من شأن القرآن أن يفتح العيون، ويلفت الأنظار إلى ما في الكون من جمال وإبداع، ومن ذلك إرشاده إلى قدرة الله وحده، الذي خلق للإنسان أنواع الحيوانات، بسائر أشكالها وألوانها :
فخلق من الإبل اثنين هما الجمل والناقة.
ومن البقر اثنين هما الثور والبقرة.
ومن الغنم اثنين هما الكبش والنعجة.
ومن المعز اثنين وهما التيس والعنزة.
وهذا الخلق بيده سبحانه أي بقدرته وحده، كما تقول : عملت هذا العمل بيدي وحدي.
﴿ فهم لها مالكون ﴾. يستفيدون بهذه الأنعام، بالبيع والشراء، ويتصرفون فيها تصرف الملاك، وكان من الواجب أن يقولوا : سبحان الذي سخَّر لنا هذا، وذلّله ومكننا منه، فلله الحمد والمنة.
تمهيد :
يستعرض القرآن أمامهم أدلة القدرة الإلهية، فبيد القدرة وحدها خلق الله لهم الأنعام كالإبل والبقر والغنم، فهم يتصرفون فيها تصرف المالك بالبيع والشراء، والهبة والتسمين وسائر أنواع الانتفاع.
وقد ذلل الله لهم هذه الحيوانات فهم يركبونها ويذبحونها فيأكلون لحمها، ويشربون لبنها، ولهم فيها طائفة من المنافع كالاستفادة بجلودها وأشعارها وأوبارها أفلا يشكرون الله تعالى على هذه النعم السامية
المفردات :
وذللناها لهم : جعلناها مذللة منقادة لهم، فهم يركبونها ويسخرونها ويأكلون لحمها ويشربون لبنها.
التفسير :
٧٢-﴿ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾.
سخرنا لهم هذه الأنعام، تطيعهم وتخدمهم، فمنها ما يركبونه كالجمل والحمار والبغل والفرس، ومنها يأكلون لحمه كالبقر والغنم، وما يستفيدون بثمنه أو يشربون لبنه.
ولو شاء الله لجعل هذه الحيوانات نافرة غير مطواعة، لكنه سبحانه ذلّلها وسخّرها للصغير والكبير. كما قال قائل :
لقد عظم البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير
يصرّفه الصبيّ بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير ٣٤
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير ٣٥
تمهيد :
يستعرض القرآن أمامهم أدلة القدرة الإلهية، فبيد القدرة وحدها خلق الله لهم الأنعام كالإبل والبقر والغنم، فهم يتصرفون فيها تصرف المالك بالبيع والشراء، والهبة والتسمين وسائر أنواع الانتفاع.
وقد ذلل الله لهم هذه الحيوانات فهم يركبونها ويذبحونها فيأكلون لحمها، ويشربون لبنها، ولهم فيها طائفة من المنافع كالاستفادة بجلودها وأشعارها وأوبارها أفلا يشكرون الله تعالى على هذه النعم السامية
٧٣- ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ﴾.
يعدد الله سبحانه وتعالى بعض نعمه في خلق الأنعام، فيذكر أن للناس في هذه الأنعام منافع متعددة أخرى، مثل الاستفادة بجلودها وعظامها وتسخيرها في حرث الأرض، وسقي الزرع وهم يشربون ألبانها ويستفيدون بنتاجها، وينتفعون بأثمانها.
﴿ أفلا يشكرون ﴾. هلا شكروا الله الخالق القادر، الذي ذلل لهم هذه الأنعام وسخرها لهم، ويسر لهم منافعها والاستفادة بركوبها، والانتفاع بأشعارها وأوبارها، وجلودها في صناعة الخيام والأحذية والحقائب، ثم الاستفادة بشرب الألبان، ونتاج الحيوان والتجارة في الحيوان وفي منتجاته، أفلا يشكر الإنسان ربّه على هذه النعم، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ركب الدابة يقول :﴿ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ﴾. [ الزخرف : ١٣ ].
أي أن الله سخر لنا هذا الحيوان الضخم القويّ، وذلّله لخدمتنا وما كنّا له مطيقين لو كان غير مذلل.
قال تعالى :﴿ والذي خلق الزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون* لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون ﴾. [ الزخرف ١٢-١٤ ].
وقال عز شأنه :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم * والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ﴾. [ النحل ٥-٨ ]
وجود الله ووحدانيته
﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ( ٧٤ ) لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ( ٧٥ ) فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون( ٧٦ ) ﴾
المفردات :
من دون الله : من غير الله.
التفسير :
٧٤- ﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ﴾.
ومع هذه النعم التي أنعم الله بها عليكم، ومن بينها الأنعام التي كانوا يرونها في الجزيرة العربية. ويستفيدون بها في تنقلاتهم ورحلاتهم، وأكلهم وشربهم ومنافعهم، مع هذه النعم المتعددة، فإن هؤلاء المشركين لم يعبدوا الله وحده، وعبدوا من دون الله أصناما، يرجعون أن تنصرهم في الدنيا، وأن تشفع لهم يوم القيامة.
المفردات :
جند محضرون : جند معدون لحفظهم، أو محضرون في النار.
التفسير :
٧٥- ﴿ لا يستطيعون نصرهم لهم جند محضرون ﴾.
لا تستطيع هذه الأصنام أن تقدم لهم معونة في الدنيا، ولا شفاعة في الآخرة، لأنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها، بدليل أن هؤلاء المشركين قد جندوا أنفسهم لحفظ هذه الأصنام، وخدمتها ونظافتها والدفاع عنها.
ويجوز أن يعود الضمير على الأصنام، أي : وهذه الأصنام ستكون جنودا حاضرة يوم القيامة في النار، حيث ستكون حصب جهنم، ووقودها حين تحمى هذه الأصنام في النار ليعذب بها المشركون.
أو محضرون عند حساب الكفار، لإظهار عجز الأطباء وإقناط المشركين من شفاعتهم.
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله سبحانه :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ﴾ [ الأنبياء : ٩٩، ٩٨ ].
٧٦- ﴿ فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾.
فلا تحزن يا محمد مما يقولون فيك، ومن اتهامهم لك بالسحر والكهانة والشعر، ومن اتهامهم للقرآن بأنه شعر أو أساطير الأولين أو غير ذلك، فما حملهم على ذلك إلا الحسد، ونحن نعرف دخائلهم وخباياهم، وسرَّهم وعلنهم، وسنحاسبهم على ذلك وسنجازيهم عليه، فطب نفسا، ولا تأس ولا تحزن عليهم، لأن جزاءهم وعقابهم سيكون على يد السميع العليم، الخبير بل صغيرة وكبيرة من عملهم، البصير بالسر وما هو أخفى من السرّ، وبالعلانية والجهر.
ختام سورة يس وإثبات البعث
﴿ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ( ٧٧ ) وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم ( ٧٨ ) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ( ٧٩ )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ( ٨٠ ) أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ( ٨١ ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( ٨٢ ) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ( ٨٣ ) ﴾
المفردات :
أولم ير : أو لم يعلم.
من نطفة : من مني يصب في الرّحم
خصيم مبين : شديد الخصومة واضحها.
تمهيد :
تختم سورة يس بهذه الآيات التي تدل على عظمة الخالق وجليل قدرته، فهو قد خلق الإنسان من منى يمنى، وجعله سميعا بصيرا، لكن هذا الإنسان تحول إلى مجادل واضح الخصومة، حيث يأخذ العظام البالية فيفتتها، ويستدل بذلك على عدم إمكان البعث، وقد رد عليه القرآن بأن الذي خلق الإنسان أول مرة، قادر على إعادته عند البعث، إذ كل من أوجد عملا تكون إعادته أهون عليه، ثم ذكر بعض أمثلة القدرة ومنها استخلاص النار من الشجر الأخضر، وخلق السماوات والأرض، ومن قدر على خلق الأكبر يكون قادرا على خلق الأهون.
وفي الختام يبين القرآن أن جميع ما في الكون يطيع الله إطاعة المأمور للآمر، بلا توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
التفسير :
٧٧- ﴿ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ﴾.
من نطفة مذرة، ومن مني يمنى، ومن ماء مهين، يصبُّ في رحم المرأة، ويتم الإخصاب، ويتحول الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام، ثم يكسو الله العظام لحما، ثم يُنشئه خلقا آخر بديعا، فيه الحواس والعقل والسمع والبصر والإدراك.
وكان الأولى به أن يكون عارفا بقدره، مؤمنا بقدرة ربّه لكنه حاول أن يجادل، وأن يثبت استبعاد البعث والحشر، لأن الميت يتحول إلى عظام بالية، بعيدة عن الحياة في رأيه، وما علم أن الذي خلقه أوّل مرة قادر على ان يبعثه حيا مرة أخرى.
قال تعالى :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إن كنا فاعلين ﴾ [ الأنبياء : ١٠٤ ]
تمهيد :
تختم سورة يس بهذه الآيات التي تدل على عظمة الخالق وجليل قدرته، فهو قد خلق الإنسان من منى يمنى، وجعله سميعا بصيرا، لكن هذا الإنسان تحول إلى مجادل واضح الخصومة، حيث يأخذ العظام البالية فيفتتها، ويستدل بذلك على عدم إمكان البعث، وقد رد عليه القرآن بأن الذي خلق الإنسان أول مرة، قادر على إعادته عند البعث، إذ كل من أوجد عملا تكون إعادته أهون عليه، ثم ذكر بعض أمثلة القدرة ومنها استخلاص النار من الشجر الأخضر، وخلق السماوات والأرض، ومن قدر على خلق الأكبر يكون قادرا على خلق الأهون.
وفي الختام يبين القرآن أن جميع ما في الكون يطيع الله إطاعة المأمور للآمر، بلا توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
المفردات :
وضرب لنا مثلا : أورد في شأننا قصة عجيبة هي في غرابتها كالمثل، إذا أنكر إحياءها للعظام النخرة.
الرميم : البالي أشد البلى كالرمّة والرفات.
التفسير :
٧٨- ﴿ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم ﴾.
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن أبيّ بن خلف ( الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ) جاء هذا الرجل في مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يفتته ويذرّيه في الهواء ويقول : يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار "، ونزلت هذه الآية إلى آخر السورة.
ومعنى الآية :
إن الإنسان الكافر المسمى أبيّ بن خلف ٣٦ قد استبعد البعث، ونسي أن الله خلقه من مني يمنى وأنّه قادر على بعثه وحسابه، فعمد إلى عظم رميم فتته وذرّاه في الريح، وقال يا محمد : أتزعم أن ربك يبعث هذا بعدما رمّ وبلى وصار ترابا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم، ويبعثك ويدخلك النار "، والمثل يطلق على القصة العجيبة الغريبة، والموضوع أشبه بالقصة، أو الأمر العجيب بالنسبة للكفار، حيث اعتقدوا أن الموت يترتب عليه وهن العظام، واستبعاد الحياة، فكان البعث أشبه بالشيء العجيب بالنسبة لهم.
انظر إلى قوله تعالى :﴿ وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد... ﴾[ السجدة : ١٠ ].
وقوله أيضا على طريق الحكاية :﴿ أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون* أو آباؤنا الأولون ﴾. ]الواقعة : ٤٧-٤٨ ]
وقد ناقش القرآن الكريم هذا الموضوع، وقدم أدلة متعددة على إمكان البعث والحشر والحساب، والجزاء، وبيّن أنّه بدون ذلك يصبح الخلق عبثا، فالدنيا ليست دار جزاء، فقد ينجح الفاجر والمرتشي والوصولي، وقد يستشهد الشخص الفاضل الفدائي، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فلا بدّ من دار جزاء عادل، هي الدار الآخرة.
قال تعالى :﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ﴾. [ المؤمنون ١١٥، ١١٦ ].
وقريب من ذلك قوله تعالى :﴿ أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ﴾. [ البقرة : ٢٥٩ ].
وإجمال معنى الآية :
إن بعض المشركين استبعد إعادة الحياة للأجساد وللعظام الرميم، ونسوا أنفسهم، وأنه تعالى خلقهم من العدم، فكيف هم بعد هذا يستبعدون أو يجحدون.
تمهيد :
تختم سورة يس بهذه الآيات التي تدل على عظمة الخالق وجليل قدرته، فهو قد خلق الإنسان من منى يمنى، وجعله سميعا بصيرا، لكن هذا الإنسان تحول إلى مجادل واضح الخصومة، حيث يأخذ العظام البالية فيفتتها، ويستدل بذلك على عدم إمكان البعث، وقد رد عليه القرآن بأن الذي خلق الإنسان أول مرة، قادر على إعادته عند البعث، إذ كل من أوجد عملا تكون إعادته أهون عليه، ثم ذكر بعض أمثلة القدرة ومنها استخلاص النار من الشجر الأخضر، وخلق السماوات والأرض، ومن قدر على خلق الأكبر يكون قادرا على خلق الأهون.
وفي الختام يبين القرآن أن جميع ما في الكون يطيع الله إطاعة المأمور للآمر، بلا توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
٧٩- ﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾.
قل أيها الرسول لهذا السائل القائل :﴿ من يحي العظام وهي رميم ﴾. قل له : يحيها الذي خلقها أول مرة، ولم تكن شيئا، وهو العليم بالعظام وأين تفرقت في سائر أقطار الأرض، وأين ذهبت ؟ لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه، وهو القدير على جمع هذا الرفات وبعث الحياة فيه.
قال تعالى :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده... ﴾ [ الأنبياء : ١٠٤ ].
وكان الفارابي الفيلسوف المسلم يقول : وددت لو أنّ أرسطو وقف على القياس الجلي في قوله تعالى :﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة... ﴾ " وهو الله تعالى، أنشأ العظام وأحياها أوّل مرة، وكل من أنشأ شيئا أولا قادر على إنشائه وإحيائه ثانيا ؛ فيلزم أن الله عز وجل قادر على إنشائها وإحيائها بقواها ثانيا ". ا ه.
﴿ وهو بل خلق عليم ﴾.
وهو بكل مخلوق واسع العلم، ولهذا يعلم من كل إنسان صفاته التي كان عليها في الدنيا، وتفاصيل أجزائه وأوضاعها ؛ فيعيد كل ذلك على النمط الذي كان عليه.
قال تعالى :﴿ كما بدأكم تعودون ﴾. [ الأعراف : ٢٩ ].
تمهيد :
تختم سورة يس بهذه الآيات التي تدل على عظمة الخالق وجليل قدرته، فهو قد خلق الإنسان من منى يمنى، وجعله سميعا بصيرا، لكن هذا الإنسان تحول إلى مجادل واضح الخصومة، حيث يأخذ العظام البالية فيفتتها، ويستدل بذلك على عدم إمكان البعث، وقد رد عليه القرآن بأن الذي خلق الإنسان أول مرة، قادر على إعادته عند البعث، إذ كل من أوجد عملا تكون إعادته أهون عليه، ثم ذكر بعض أمثلة القدرة ومنها استخلاص النار من الشجر الأخضر، وخلق السماوات والأرض، ومن قدر على خلق الأكبر يكون قادرا على خلق الأهون.
وفي الختام يبين القرآن أن جميع ما في الكون يطيع الله إطاعة المأمور للآمر، بلا توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
٨٠- ﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾.
الله سبحانه وتعالى أنبت لنا النبات والأشجار حيث نستفيد من أخشابها وأعوادها بالوقود والدفء وسائر المنافع، وكثير من المفسرين يرون أن المراد بالشجر الأخضر نوعان : أحدهما : المرخُ، والثاني : العَفار، بفتح العين، نقطع منهما عصوين مثل السواكين، وهما خضراوان، يقطر منهما الماء، فيسحق المرخ – وهو ذكر – على العفار – وهو أنثى- فتقدح النار بإذن الله ٣٧.
وفي المثل : في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار، أي : استكثروا من النار، كأنهما أخذا من النار ما هو حسبهما وأجاز بعضهم – جميعا بين الرأيين- أن يكون المعنى : الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا بالفِعْل، بقدح المرخ بالعفار، فإذا أنتم من الشجر الأخضر المذكور توقدون النار من سواه.
وقد حدثني من أثق به أنه شاهد العودين الأخضرين هذين يقطران الماء والخضرة، وعند سحق أحدهما بالآخر تتقد النار، وهم وسيلة المحتاج إلى النار.
والقرآن بهذا يلفت النظر إلى بدائع القدرة الإلهية، فمن يَسّر للإنسان استخراج النار من الشجر الأخضر وهما ضدان، قادر على بعث الحياة في الموتى، فهو على كل شيء قدير.
تمهيد :
تختم سورة يس بهذه الآيات التي تدل على عظمة الخالق وجليل قدرته، فهو قد خلق الإنسان من منى يمنى، وجعله سميعا بصيرا، لكن هذا الإنسان تحول إلى مجادل واضح الخصومة، حيث يأخذ العظام البالية فيفتتها، ويستدل بذلك على عدم إمكان البعث، وقد رد عليه القرآن بأن الذي خلق الإنسان أول مرة، قادر على إعادته عند البعث، إذ كل من أوجد عملا تكون إعادته أهون عليه، ثم ذكر بعض أمثلة القدرة ومنها استخلاص النار من الشجر الأخضر، وخلق السماوات والأرض، ومن قدر على خلق الأكبر يكون قادرا على خلق الأهون.
وفي الختام يبين القرآن أن جميع ما في الكون يطيع الله إطاعة المأمور للآمر، بلا توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
المفردات :
بلى : كلمة جواب كنعم، تأتي بعد كلام منفي، لتحويل النفي إلى إثبات.
التفسير :
٨١- ﴿ أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ﴾.
تتوج هذه الآية آثار القدرة الإلهية الظاهرة للعيان، فهو سبحانه الذي خلق الإنسان أوّل مرة، وهو سبحانه الذي جعل من الشجر الأخضر نارا، وهو الذي خلق السماوات وما فيها، والأرض وما عليها، أليس خالق هذا الكون العليم بقادر على أن يعيد خلق الناس أجمعين ؟ وقد أجاب الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ بلى وهو الخلاق العليم ﴾.
أي : بلى هو قادر على خلق الناس وبعثهم مرة أخرى وهو الخلاق، كثير الخلق والإبداع، العليم بحال عباده فلا يند عن علمه شيء، وقد استدل سبحانه وتعالى بخلق الأكبر والأعظم وهو الكون، على قدرته على خلق الأهون وهو الناس، أي بعثهم وإعادة الحياة فيهم.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس... ﴾ [ غافر : ٥٧ ].
ويقول تعالى :﴿ أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ﴾ [ الأحقاف : ٣٣ ].
إن قدرته تعالى لا حدود لها فهو الخلاّق ذو القوة المتين، وهو سبحانه فعّال لما يريد.
تمهيد :
تختم سورة يس بهذه الآيات التي تدل على عظمة الخالق وجليل قدرته، فهو قد خلق الإنسان من منى يمنى، وجعله سميعا بصيرا، لكن هذا الإنسان تحول إلى مجادل واضح الخصومة، حيث يأخذ العظام البالية فيفتتها، ويستدل بذلك على عدم إمكان البعث، وقد رد عليه القرآن بأن الذي خلق الإنسان أول مرة، قادر على إعادته عند البعث، إذ كل من أوجد عملا تكون إعادته أهون عليه، ثم ذكر بعض أمثلة القدرة ومنها استخلاص النار من الشجر الأخضر، وخلق السماوات والأرض، ومن قدر على خلق الأكبر يكون قادرا على خلق الأهون.
وفي الختام يبين القرآن أن جميع ما في الكون يطيع الله إطاعة المأمور للآمر، بلا توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
المفردات :
أمره : شانه في الإيجاد.
التفسير :
٨٢- ﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾.
وهذا أثر من آثار قدرته، فهو سبحانه الخالق المبدع، الذي أبدع نظام الكون على غير مثال سابق، وهو خالق الإنسان حيث استخلفه في الأرض، وهو رافع السماء، وباسط الأرض، ومسخر السحاب، ومسيّر الشمس والقمر، وهو فعال لما يريد.
ومعنى الآية :
إنما شأنه تعالى إذا أراد فعل شيء، أن يتجه إلى إيجاده فيقول له : تكوّن فيتكوّن، ويحدث فورا بلا تأخير، وهذا ولا شك تمثيل لتأثير قدرته فيما يريد، بأمر المطاع لمن يطيعه في حصول المأمور به بلا توقف، ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
قال الشاعر :
إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له ( كن ) قولة فيكون.
أي : هو سبحانه نافذ القدرة، فعال لما يريد، لا يعجزه فعل شيء في هذا الكون، فهو قادر على إعادة خلق الناس، وهو على كل شيء قدير.
تمهيد :
تختم سورة يس بهذه الآيات التي تدل على عظمة الخالق وجليل قدرته، فهو قد خلق الإنسان من منى يمنى، وجعله سميعا بصيرا، لكن هذا الإنسان تحول إلى مجادل واضح الخصومة، حيث يأخذ العظام البالية فيفتتها، ويستدل بذلك على عدم إمكان البعث، وقد رد عليه القرآن بأن الذي خلق الإنسان أول مرة، قادر على إعادته عند البعث، إذ كل من أوجد عملا تكون إعادته أهون عليه، ثم ذكر بعض أمثلة القدرة ومنها استخلاص النار من الشجر الأخضر، وخلق السماوات والأرض، ومن قدر على خلق الأكبر يكون قادرا على خلق الأهون.
وفي الختام يبين القرآن أن جميع ما في الكون يطيع الله إطاعة المأمور للآمر، بلا توقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
المفردات :
ملكوت : مبالغة في الملك، كالرحموت في الرحمة، والرهبوت في الرهبة، ومعناه الملك التام.
التفسير :
٨٣- ﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ﴾.
بهذا الختام القويّ الرهيب تختم سورة يس.
أي : فتنزه الله عن النقائص، وتنزه عن العجز، ووجب له كل كمال، كما وجب تنزهه عن كل نقص، وبيده ملك كل شيء، وبيده مقاليد السماوات والأرض، وكل شيء في هذا الوجود في قبضته وملكه، وخاضع لمشيئته، فلا يعجز عن شيء، وهو القدير على كل شيء، وإليه ترجع الخلائق أجمعون فيحاسبهم ويجازيهم بما يستحقون.
قال تعالى :﴿ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ﴾. [ الملك : ١ ]
وقال سبحانه وتعالى :﴿ قل من بيده ملكوت كل شيء... ﴾ [ المؤمنون : ٨٨ ].
ويترنم بعض الدّعاة بهذا النظم :
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيرا لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداكا
قل للمريض نجا وعوفى بعد ما عجرت فنون الطب من عافاكا
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أرداكا
بل سائل الأعمى يمرّ في وسط الزحام بلا اصطدام من ذا يقود خطاكا
قل للجنين يعيش معزولا بلا راع ولا مرعى من ذا الذي يرعاكا
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا وقل للشهد من حلاكا
الله في كل الحقائق ماثل إن لم تكن لتراه فهو يراكا
والحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد، حمدا كثيرا طيبا طاهرا مباركا فيه، كما ترضى ربنا وتحب، اللهم لك الحمد، ولك الشكر، ولك النعمة، ولك الفضل، ولك الثناء الحسن الجميل، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء.
﴿ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ﴾ [ الحديد : ٣ ]
Icon