تفسير سورة الصف

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الصف من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿سَبَّحَ لِلَّهِ﴾ نزهه وقدسه ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ أي من فيها من الملائكة، والكواكب والأفلاك؛ مما أحاط به علمنا، وما لم يحط به ﴿وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ من إنس وجن، ووحش وطير، وهواء وماء، ونبات وجماد ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ وهو أن يأمر الإنسان أخاه بالمعروف ولا يأتمر به، وينهاه عن المنكر ولا ينتهي عنه؛ وقد عناه الشاعر بقوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
تصف الدواء لذي السقام، وذي الضنا
كيما يصح به وأنت سقيم
﴿كَبُرَ مَقْتاً﴾ كبر: عظم. والمقت: أشد البغض
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً﴾ مصطفين، متساندين، متعاونين، مقدمين على لقاء العدو ﴿كَأَنَّهُم﴾ لإقدامهم وتمسكهم ﴿بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ لا ينهار؛ لشدته واستوائه
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ بالتكذيب والمعاندة ﴿وَقَد تَّعْلَمُونَ﴾ بما قدمت لكم من البراهين
﴿أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ لا شك في رسالتي؛ بعد وضوح صدقي، وقيام معجزاتي ﴿فَلَمَّا زَاغُواْ﴾ مالوا عن الحق ﴿أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ صرفها عن الحق، وأمالها عن الهداية؛ عقوبة لهم على زيغهم، وعدم إيمانهم
-[٦٨٤]- ﴿مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ أي مصدقاً لما تقدمني من الأنبياء، والكتب التي جاءوا بها ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ هو إمام الرسل: نبينا محمد؛ وهو محمد، وأحمد، ومحمود، وحامد؛ وله عليه الصلاة والسلام من الأسماء مائتا اسم وواحد؛ منها: الطاهر، المطهر، الطيب، رسول الرحمة، المدثر، المزمل، حبيب الله، صفيالله، نجيالله، كليم الله، المحيي، المنجي، البشير، النذير، النور، السراج المنير، البشرى، الغوث، الغيث، نعمة الله، صراط الله، سيف الله، المختار، الشفيع، المشفع. وهي مدونة بكتب الحديث والسير؛ مزينة بها حوائط مسجده الشريف بالمدينة المنورة. (انظر آية ١٥٧ من سورة الأعراف) ﴿فَلَمَّا جَاءَهُم﴾ أحمد عليه الصلاة والسلام؛ الذي بشروا به. وقيل: الضمير في «جاءهم» عائد إلى عيسى عليه الصلاة والسلام؛ لأنه المحدث عنه ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالحجج الظاهرات، والآيات الواضحات: كفروا به و ﴿قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ واضح بيَّن
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ أي لا أحد أظلم ﴿مِمَّنِ افْتَرَى﴾ اختلق ﴿عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ بأن كذب بآياته وبرسله ﴿وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ﴾ الذي ينجيه من الضلالة والجهالة، ويخلصه من ظلمات الكفر ﴿وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي﴾ إلى دينه ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ الذين يدفعون المعجزات بالتكذيب، والآيات بالإنكار
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ﴾ أي ليبطلوا نور الحق الذي جاء به محمد؛ بما يقولونه ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ من أنه ساحر، وأن ما جاء به سحر
﴿وَدِينِ الْحَقِّ﴾ الإسلام؛ الذي هو حق كله ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ ليعليه ﴿عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ اسم جنس؛ أي ليظهره على سائر الأديان
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ لما كان الله تعالى بمنه وكرمه يثيب على الإيمان والعمل الصالح؛ شبه هذا الثواب، والنجاة من العذاب بالتجارة؛ فمن قدم عملاً صالحاً: لقي جزاء رابحاً، ومن قدم إحساناً: لقي جناناً، ومن أرضى مولاه: أرضاه ربه وكرمه ونعمه فلا تجارة أنجح من هذه التجارة، ولا فوز أربح من هذا الفوز
﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ما يصلحكم، وما ينجيكم
﴿فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ جنات الإقامة؛ من عدن بالمكان: إذا أقام فيه
﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ أي ويمن عليكم بخصلة أخرى تحبونها؛ وهي النصر، والفتح القريب ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يا محمد - في الدنيا - بالنصر والفتح القريب، وفي الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ﴿ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ وهم أنصار عيسى عليه السلام، وحواري الرجل: خاصته وأنصاره ﴿فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ﴾ غالبين.
685
سورة الجمعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

685
Icon