تفسير سورة الحاقة

تفسير البيضاوي
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي .
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة الحاقة مكية وآيها اثنتان وخمسون آية.

(٦٩) سورة الحاقة
مكية، وآيها اثنتان وخمسون آية
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)
الْحَاقَّةُ أي الساعة أو الحالة التي يحق وقوعها، أو التي تحق فيها الأمور أي تعرف حقيقتها، أو تقع فيها حواق الأمور من الحساب والجزاء على الإِسناد المجازي، وهي مبتدأ خبرها:
مَا الْحَاقَّةُ وأصله ما هي أي: أي شيء هي على التعظيم لشأنها والتهويل لها، فوضع الظاهر موضع الضمير لأنه أهول لها.
وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ وأي شيء أعلمك ما هي، أي أنك لا تعلم كنهها فإنها أعظم من أن تبلغها دراية أحد، وما مبتدأ وأَدْراكَ خبره.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤ الى ٨]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ بالحالة التي تقرع فيها الناس بالإِفزاع والأجرام بالانفطار والانتشار، وإنما وضعت موضع ضمير الْحَاقَّةُ زيادة في وصف شدتها.
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة وهي الصيحة، أو الرجفة لتكذيبهم بِالْقارِعَةِ، أو بسبب طغيانهم بالتكذيب وغيره على أنها مصدر كالعاقبة وهو لا يطابق قوله:
وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ أي شديدة الصوت أو البرد من الصر أو الصر. عاتِيَةٍ شديدة العصف كأنها عتت على خزانها فلم يستطيعوا ضبطها، أو على عادٌ فلم يقدروا على ردها.
سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سلطها عليهم بقدرته، وهو استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اتصالات فلكية، إذ لو كانت لكان هو المقدر لها والمسبب. سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً متتابعات جمع حاسم من حسمت الدابة إذا تابعت بين كيها، أو نحسات حسمت كل خير واستأصلته، أو قاطعات قطعت دابرهم، ويجوز أن يكون مصدراً منتصباً على العلة بمعنى قطعاً، أو المصدر لفعله المقدر حالاً أي تحسمهم حُسُوماً ويؤيده القراءة بالفتح، وهي كانت أيام العجوز من صبيحة أربعاء إلى غروب الأربعاء الآخر، وإنما سميت عجوزاً لأنها عجز الشتاء، أو لأن عجوزاً من عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في الثامن فأهلكتها. فَتَرَى الْقَوْمَ إن كنت حاضرهم فِيها في مهابها أو في الليالي والأيام. صَرْعى موتى جمع صريع. كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ أصول نخل. خاوِيَةٍ متأكلة الأجواف.
فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ من بقية أو نفس باقية، أو بقاء.

[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٩ الى ١٢]

وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢)
وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ ومن تقدمه، وقرأ البصريان والكسائي وَمَنْ قَبْلَهُ أي ومن عنده من أتباعهِ، ويدل عليه أنه قرئ «ومن معه». وَالْمُؤْتَفِكاتُ قرى قوم لوط والمراد أهلها. بِالْخاطِئَةِ بالخطأ أو بالفعلة، أو الأفعال ذات الخطأ.
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ أي فعصت كل أمة رسولها. فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً زائدة في الشدة زيادة أعمالهم في القبح.
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ جاوز حده المعتاد، أو طغى على خزانه وذلك في الطوفان وهو يؤيد من قبله.
حَمَلْناكُمْ أي آباءكم وأنتم في أصلابهم. فِي الْجارِيَةِ في سفينة نوح عليه الصلاة والسلام.
لِنَجْعَلَها لَكُمْ
لنجعل الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين. تَذْكِرَةً
عبرة ودلالة على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته. وَتَعِيَها
وتحفظها، وعن ابن كثير تَعِيَها
بسكون العين تشبيهاً بكتف، والوعي أن تحفظ الشيء في نفسك والإِيعاء أن تحفظه في غيرك. أُذُنٌ واعِيَةٌ
من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره وإشاعته والتفكر فيه والعمل بموجبه، والتنكير للدلالة على قلتها وأن من هذا شأنه مع قلته تسبب لانجاء الجم الغفير وإدامة نسلهم. وقرأ نافع أُذُنٌ
بالتخفيف.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٣ الى ١٥]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥)
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها تفخيماً لشأنها وتنبيهاً على مكانها عاد إلى شرحها، وإنما حسن إسناد الفعل إلى المصدر لتقيده وحسن تذكيره للفصل، وقرئ «نَفْخَةً» بالنصب على إسناد الفعل إلى الجار والمجرور والمراد بها النفخة الأولى التي عندها خراب العالم.
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ رفعت من أماكنها بمجرد القدرة الكاملة، أو بتوسط زلزلة أو ريح عاصفة.
فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فضربت الجملتان بعضها ببعض ضربة واحدة فيصير الكل هباء، أو فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضاً لا عوج فيها ولا أمتا لأن الدك سبب للتسوية، ولذلك قيل ناقة دكاء للتي لا سنام لها، وأرض دكاء للمتسعة المستوية.
فَيَوْمَئِذٍ فحينئذ. وَقَعَتِ الْواقِعَةُ قامت القيامة.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٦ الى ١٧]
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ لنزول الملائكة. فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ضعيفة مسترخية.
وَالْمَلَكُ والجنس المتعارف بالملك. عَلى أَرْجائِها جوانبها جمع رجا بالقصر، ولعله تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء أهلها إلى أطرافها وحواليها، وإن كان على ظاهره فلعل هلاك الملائكة أثر ذلك. وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء، أو فوق الثمانية لأنها في نية التقديم. يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ثمانية أملاك، لما
روي مرفوعاً «أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله
بأربعة آخرين».
وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، ولعله أيضاً تمثيل لعظمته بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام وعلى هذا قال:
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ تشبيهاً للمحاسبة بعرض السلطان العسكر لتعرف أحوالهم، وهذا وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسماً لزمان متسع تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار صح جعله ظرفاً للكل. لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ سريرة على الله تعالى حتى يكون العرض للاطلاع عليها، وإنما المراد منه إفشاء الحال والمبالغة في العدل، أو على الناس كما قال الله تعالى:
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ وقرأ حمزة والكسائي بالياء للفصل.
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ تفصيل للعرض. فَيَقُولُ تبجحاً. هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ هاء اسم لخذ، وفيه لغات أجودها هاء يا رجل وهاء يا امرأة وهاؤما يا رجلان أو امرأتان، وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة، ومفعوله محذوف وكِتابِيَهْ مفعول اقْرَؤُا لأنه أقرب العاملين، ولأنه لو كان مفعول هاؤُمُ لقيل اقرءوه إذ الأولى اضماره حيث أمكن، والهاء فيه وفي حِسابِيَهْ ومالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ للسكت تثبت في الوقف وتسقط في الوصل واستحب الوقف لثباتها في الإِمام ولذلك قرئ بإثباتها في الوصل.
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ أي علمت، ولعله عبر عنه بالظن إشعاراً بأنه لا يقدح في الاعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالبا.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ذات رضا على النسبة بالصيغة. أو جعل الفعل لها مجازاً وذلك لكونها صافية عن الشوائب دائمة مقرونة بالتعظيم.
فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ مرتفعة المكان لأنها في السماء، أو الدرجات أو الأبنية والأشجار.
قُطُوفُها جمع قطف وهو ما يجتنى بسرعة والقطف بالفتح المصدر. دانِيَةٌ يتناولها القاعد.
كُلُوا وَاشْرَبُوا بإضمار القول وجمع الضمير للمعنى. هَنِيئاً أكلاً وشرباً هَنِيئاً أو هنئتم هَنِيئاً. بِما أَسْلَفْتُمْ بما قدمتم من الأعمال الصالحة. فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ الماضية من أيام الدنيا.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ (٢٦) يَا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة. يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ.
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ يَا لَيْتَها يا ليت الموتة التي متها. كانَتِ الْقاضِيَةَ القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها، أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت علي لأنه صادفها أمر من الموت فتمناه عندها، أو يا ليت حياة الدنيا كانت الموتة ولم أخلق فيها حياً.
مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ مالي من المال والتبع وما نفى والمفعول محذوف، أو استفهام إنكار مفعول لأغنى.
هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ملكي وتسلطي على الناس، أو حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا، وقرأ حمزة «عني مالي عني سلطاني» بحذف الهاءين في الوصل والباقون بإثباتها في الحالين.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)
خُذُوهُ يقوله الله تعالى لخزنة النار. فَغُلُّوهُ.
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى لأنه كان يتعظم على الناس.
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً أي طويلة. فَاسْلُكُوهُ فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة، وتقديم ال سِلْسِلَةٍ كتقديم الْجَحِيمَ للدلالة على التخصيص والاهتمام بذكر أنواع ما يعذب به، وثُمَّ لتفاوت ما بينها في الشدة.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٣ الى ٣٧]
إِنَّهُ كانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)
إِنَّهُ كانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة، وذكر الْعَظِيمِ للإشعار بأنه هو المستحق للعظمة فمن تعظم فيها استوجب ذلك.
وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ولا يحث على بذل طعامه أو على إطعامه فضلاً عن أن يبذل من ماله، ويجوز أن يكون ذكر الحض للإِشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل. وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع، ولعل تخصيص الأمرين بالذكر لأن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب.
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ قريب يحميه.
وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ غسالة أهل النار وصديدهم فعلين من الغسل.
لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ أصحاب الخطايا من خطئ الرجل إذا تعمد الذنب لا من الخطأ المضاد للصواب، وقرئ «الخاطيون» بقلب الهمزة ياء و «الخاطون» بطرحها.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لاَ تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠)
فَلا أُقْسِمُ لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم، أو ف أُقْسِمُ ولا مزيدة أو فلا رد لإنكارهم البعث وأُقْسِمُ مستأنف. بِما تُبْصِرُونَ وَما لاَ تُبْصِرُونَ بالمشاهدات والمغيبات وذلك يتناول الخالق والمخلوقات بأسرها.
إِنَّهُ إن القرآن. لَقَوْلُ رَسُولٍ يبلغه عن الله تعالى فإن الرسول لا يقول عن نفسه. كَرِيمٍ على الله تعالى وهو محمد أو جبريل عليهما الصلاة والسلام.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤١ الى ٤٣]
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ كما تزعمون تارة. قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ تصدقون لما ظهر لكم صدقه تصديقاً قليلاً لفرط عنادكم.
وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ كما تدعون أخرى. قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تذكرون تذكراً قليلاً، فلذلك يلتبس الأمر
عليكم وذكر الإِيمان مع نفي الشاعرية والتذكر مع نفي الكاهنية، لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند بخلاف مباينته للكهانة، فإنها تتوقف على تذكر أحوال الرسول ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة ومعاني أقوالهم. وقرأ ابن كثير ويعقوب بالياء فيهما.
تَنْزِيلٌ هو تنزيل. مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ نزله على لسان جبريل عليه السلام.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤٤ الى ٤٧]
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧)
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ سمي الافتراء تقولاً لأنه قول متكلف والأقوال المفتراة أقاويل تحقيراً لها كأنه جمع أفعولة من القول كالأضاحيك.
لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ بيمينه.
ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ أي نياط قلبه بضرب عنقه، وهو تصوير لإِهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه، وهو أن يأخذ القتال بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب به جيده، وقيل اليمين بمعنى القوة.
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ عن القتل أو المقتول. حاجِزِينَ دافعين وصف لأحد فإنه عام والخطاب للناس.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)
وَإِنَّهُ وإن القرآن. لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ لأنهم المنتفعون به.
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ فنجازيهم على تكذيبهم.
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ إذا رأوا ثواب المؤمنين به.
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ لليقين الذي لا ريب فيه.
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فسبح الله بذكر اسمه العظيم تنزيهاً له عن الرضا بالتقول عليه وشكراً على ما أوحى إليك.
عن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله تعالى حساباً يسيرا».
Icon