ﰡ
٢ - عرف الإمام القرافي العزم بقوله: "الإرادة الكائنة على وفق الداعية، ميل يحصل في النفس لما شعرت به من اشتمال المراد على مصلحة خالصة أو راجحة أو درء مفسدة خالصة أو راجحة". الأمنية...: ٤٩١..
٣ - قال الإمام القرافي: "لا جرم لا يقال في حق تعالى: "عزم". بمعنى أراد الإرادة المصممة بل عزائم الله تعالى طلبه الراجح، أي: كلامه النفساني". نفسه: ٤٩١..
بأي الحشى أمسى الخليط المباين.
أي : من ناحية. ( الاستغناء : ٤٢ ).
٨ :﴿ ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ﴾ ٣١.
٧١٩- فيه : كيف صح سلب الحقيقة وهي البشرية عن يوسف عليه السلام وهو قطعا، مع أنه تقرر في كتب الفقه أن من علامة الحقيقة تعذر سلبها وعلامة المجاز صحة السلب : فمن رأى رجلا شجاعا وقال : " رأيت أسدا "، يمكن أن يقال : ما رأيت أسدا. ومن رأى أسدا – الذي هو الحيوان المفترس- لا يمكن أن يقال : ما رأى أسدا. وهاهنا قد سلبت الحقيقة فبطل ذلك الضابط ؟ وما المستثنى والمستثنى منه في هذه الآية ؟.
والجواب : أما قول الأصوليين : إن علاقة الحقيقة خاصتها تعذر السلب فكلام صحيح، وكيف يصح سلب الحقيقة وهو سلب الشيء عن نفسه، والشيء واجب الثبوت لنفسه عقلا، وما وجب عقلا استحال سلبه عقلا. ويكون الإنسان لا إنسان أو الجماد لا جماد، هذا محال عقلا.
وأما ما وقع فيه سلب الحقائق فيتعين تأويله، ووجبه تأويله في جميع موارده شيء واحد، وهو اعتبار صفة زائدة على الحقيقة منوية في النفس يقع السلب باعتبارها. فقوله تعالى :﴿ ما هذا بشرا ﴾، أي : " ما كماله كمال البشر "، بل انضاف إليه أمور عظيمة من الكمالات حتى وصل بذلك إلى خير كمال الملائكة على وجه المبالغة، فيصير معنى الكلام : " ما هذا بشرا مقتصرا على بشريته "، فنفيت حقيقة البشرية لا من حيث ذاتها، بل من حيث الاقتصار على كمالها. ومن هذا الباب قوله عليه السلام : " ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ٥. مع أن الصرعة شديد قطعا، فكيف تنتفي الشدة عنه،
وإنما صح ذلك باعتبار إضمار الصفة، تقديره : " ليس الشديد الشدة النافعة عند الله تعالى بالصرعة ". فنفي الشدة لا من حيث ذاتها، بل من حيث أنها نافعة عند الله تعالى النفع البليغ. وكذلك حيث وجدت الحقائق منفية، فليس ذلك إلا باعتبار صفة مقدرة لا باعتبار الذوات من حيث ذوات، فبهذا أظهر الجمع بين قول الأصوليين وبين هذه المواضع. فتأمل ذلك فهو من دقائق علم البيان.
فإن قلت : فعلى هذا التقدير إذا كانت الصيغة منوية والسلب باعتبارها يكون اللفظ حقيقة لا مجازا، فإن اللفظ لم يتعرض لسلبها فيه قد استعمل لفظها فيها فهي حقيقة لا مجاز.
قلت : بل اللفظ مجاز، لأن لفظ الحقيقة قد أطلق على الحقيقة مع الوصف، وهو لم يوضع لهذا المجموع، فهو مستعمل في غير ما وضع له، فيكون مجازا، وليس اللفظ مستعملا في الحقيقة من حيث هي هي حتى تكون حقيقة، بل في المسمى مع ذلك الوصف المتخيل.
وأما المستثنى والمستثنى منه فكلها أحوال، تقديره : " أن يوسف عليه السلام لم يوجد في حالة البشرية المقتصر على كمالها ولا في حالة هي دونها، بل في الحالة التي هي تليق بالملائكة ". فالمستثنى منه أحوال، والمستثنى حال منها. ( نفسه : ٢٠٧ إلى ٢٠٩ ).
٢ - قال مكي: "حجة من حذف الألف أنه جعل فعلا على (فاعل) (كقاض) على الحذف لحرف اللين... وحجة من أثبت الألف في الوصل أنه أتى بها على الأصل، وحذف الألف في الوقف لإتباع المصحف" ن: الكشف عن وجوه القراءات السبع: ٢/١٠..
٣ - هو إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج، عالم نحوي ولغوي (ت: ٣١١ هج) من مصنفاته: "معاني القرآن" و"الاشتقاق" و"الأمالي" ن: معجم الأدباء: ١/٤٧..
٤ - ن: معاني القرآن: ٣/١٠٦. بتصرف. يقال: "حاش لله" تنزيها له. ولا يقال: "حاش لك" قياسا عليه، وإنما يقال: حاشاك، وحاشى لك. ن: اللسان: ٦/١٩١..
٥ أخرجه احمد في مسنده: ١/٣٨٢. ومالك في موطئه، باب حسن الخلق، ح: ١٢..
وقوله :﴿ نبأتكما ﴾ فعل ماض مؤول بالمضارع لوجهين :
أحدهما : إنه مرتب على المضارع الذي تقدم، وهو :﴿ يأتيكما ﴾ والمرتب على المضارع أولى أن يكون مضارعا.
وثانيهما : أن الفعل الماضي لا يقع حالا إلا مع " قد " هاهنا. والمضارع مستغن عن " قد " في كونه حالا، تقول : " جاء زيد يضحك " من غير حاجة لزيادة. ( الاستغناء : ٥٤٥ ).
وفيه أسئلة وهي أن يقال : ما معنى " من " في قوله :﴿ من دونه ﴾ ؟ فإن قلتم : زائدة، ف " من " عند سيبويه لا تزاد في الواجب. وإن قلتم : ليست زائدة، فهل هي لابتداء الغاية أو لغير ذلك ؟ فإن كانت لابتداء غاية العبادة، فالقاعدة أن الذي يجعل ابتداء غاية لا يدخل في حكم المغيا، فيكون جملة ما يصدق عليه أنه دون الله تعالى لا يعبد منه شيء، وإنما عبد شيء غير ذلك، وهذا محال ألا يعبد الله تعالى، ولا يعبد شيء من الذي يصدق عليه أنه دون الله تعالى، ويعبد مع ذلك شيء آخر. فهذا مشكل في غاية الإشكال. وكيف حصر الأصنام في الأسماء ألفاظ، والصنم ليس لفظا ؟ وما المستثنى والمستثنى منه في الآية ؟
والجواب :
أما " من " فليست زائدة، لأن الكلام موجب و " من " لا تزاد في الموجب، وهي لابتداء الغاية أو التبعيض لا تخرج عنهما. و " دون " في أصلها ظرف مكان. فإذا قلنا : " زيد جلس دون عمرو " فمعناه في المكان النازل عنه ببعد ما. وقد يستعمل بمعنى " غير " مجازا على الاتساع، وقع ذلك في كلام العلماء في التفسير وغيره.
وكذلك اختلف العلماء في ابتداء الغاية وانتهائها، هل تدخل في الحكم المغيا أم لا ؟
فإذا قال القائل : " بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة "، هل تدخل الشجرتان أم لا ؟ أربعة أقوال : الفرق بين أن يكون من جنس الشجرة المبيع فيدخلان أولا يدخلان بأن يكونا رمانا والشجر المبيع تفاحا. والرابع : الفرق أن يكون الفصل بينهما جنسا، كقوله تعالى :﴿ ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾١ فلا يدخلان أولا فيدخلان، نحو قوله تعالى :﴿ وأيديكم إلى المرافق ﴾٢
فإذا تقررت هذه المقدمات، فنقول : أما كونها للتبعيض فلا يصح، لأن " من " التي للتبعيض هي التي يحسن مكانها لفظ " بعض ". الظرف هاهنا لا يكون معبودا فيتعين حملها على ابتداء الغاية. فإن فرعنا على عدم اندراج ابتداء الغاية فيها فيكون جملة ما هو " دون "، ويصدق عليه أنه دون الله تعالى لم يعبد، وعلى هذا تتعذر عبادة الله تعالى على الإطلاق في حق هؤلاء، وهو خلاف المقصود في الآية، لأن ما من شيء يفرض معبودا إلا هو دون الله خلاف، وعدم الاندراج هو الظاهر، فإنك إذا قلت : " سرت من النيل إلى مكة "، فالظاهر أنك تركت النيل بجملته وراءك، ولم يقع السير في بعضه، بل من جانبه الذي يلي مكة، وإن فرعنا على اندراجه، فيكون جملة ما هو موصوف بأنه دون الله تعالى معبودا.
لكن مقصود الآية : إن العبادة وقعت فيه وحده، فيحصل في الحكم ابتداء الغاية غير مضاف لغيرهن وابتداء الغاية لا يعقل إلا مضافا، فالشيء هو ابتداؤه، وهاهنا ليس كذلك في الآية، سواء جعلنا ابتداء الغاية مندرجا أم لا، وسواء جعلنا من للتبعيض أم لا. ولا يستقيم فيها إلا أن تكون زائدة على رأي سيبويه، ويكون معناها : " ما تعبدون دون الله "، أي كائنا دون الله، أي واقعا من هذا الظرف، لكنه أيضا يشكل لكونه خلاف مذهب سيبويه.
والتبعيض يشكل، لتعذر تقدير البعض مكانها، ودخول الغاية وخروجها يشكل أيضا، ثم في دخول ابتداء الغاية إشكال آخر من جهة أخرى، وهي أن من شرط الغاية أن يتكرر المغيا في ابتدائها ووسطها ونهايتها، يتكرر مرارا، حتى يصدق عليه أنه مغيا.
فإذا كان " دون الله " هو ابتداء الغاية فما بقي يمكن تكرر هذا الحكم إلا في حق الله تعالى، فيكون مقصودا بهذا الكلام وليس هو المقصود في هذه الآية، إنما المقصود الحكم على ما هو دون الله تعالى. فهذه الآية السلب فيها عام، والثبوت يحتمل العموم بأن يكون كل ما هو معبود دون الله تعالى أسماء ويحتمل عدم العموم بأن يكون ما هو دون الله تعالى بعضه لم يعبد البتة، فيعم السلب دون الثبوت. وبالجملة فهذه دقائق من النظر تحتاج إلى فكر سديد.
فإن قلت، قوله تعالى :﴿ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها ﴾ حكم في سياق النفي، و " من " عند سيبويه تزاد في النفي، فتكون زائدة، ولا يلزم خلاف مذهب سيبويه، وكذلك فيما ذكر منها من النظائر مثل قوله تعالى :﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ﴾ ونحوه.
قلت : النفي إذا دخل على الفعل انتفى الفعل، وكذلك فاعله ومفعوله، نحو : " ما قام أحد "، و " ما ضربت أحدا ". أما متعلقات الفعل البعيدة لا يلزم أن يكون مقضيا عليها بالنفي، كقولك : " ما قام أحد في الدار أو في الدور "، ليست الدور محكوما عليها بالنفي، وكذلك الظروف كلها والتوابع البعيدة لا تدخل في النفي، ولا يقال : " هي منفية "، ولا من فيها في سياق النفي. بل غيرها محكوم عليه بالنفي فيها، لا أنها محكوم عليها بالنفي.
فإذا قلت : " ما رأيت أحدا قبلك " فالقبل ليس محكوما عليه بالنفي، بل محكوم بالنفي على غيره فيه. فتأمل ذلك فهو يلتبس على كثير من النحاة والأصوليين، فعلى هذا من في الآية في الإيجاب لا في النفي، فلا تكون زائدة على رأي سيبويه.
وأما حضر الأصنام في الألفاظ مع أنها ليست ألفاظها، فهو صحيح على معنى المجاز والمبالغة لا على معنى الحقيقة، فإن الشيء لا يحصر فيما لا يصدق عليه، بل لا يجوز الحكم به عليه من غير حصر. فلولا قال القائل : الصنم لفظ، لم يصح، بل المقصود الآية أن هذه أصنام انتهت في عدم الاعتبار إلى أن حقائقها كأنها لم توجد حتى لم يبق منها إلا الأسماء.
ومعنى الكلام : ما هي إلا عبارات وألفاظ وليس تحتها معنى، ومثله قوله تعالى :﴿ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ﴾٣ أي : لا حاصل تحتها، فهو من باب القضاء على الشيء بالنفي، لنفي جدواه، كقوله تعالى :﴿ صم بكم عمي ﴾٤ وفي الآية الأخرى :﴿ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ﴾٥، نفوا عقولهم وأسماعهم لنفي جدواها. وقد أنشد البغاذة في الخلاوي الذي لهم هذا المعنى بعينه تأسيا بالكتاب العزيز، أو أنه معنى معقول في اللغة، فقال شاعرهم :
أغار من في إن كناك أو سمى*** وأنت في خاطري من ناظري أسمى
من هند من دعد من ليلى ومن أسما*** الكل أنت وهذي كلها أسما
أي : لا حقائق لها في الاعتبار. فهذا وجه الحصر في الأسماء على وجه المجاز والمبالغة. وأما المستثنى والمستثنى منه في هذه الآية، فإن المستثنى منه هاهنا هو الموجودات العامة.
ومعنى الكلام : " ما الأصنام موجودا من الموجودات إلا موجود هو لفظ فقط "، وأما سائر ما يوصف بمطلق الموجود فمنفي عنها على سبيل المبالغة. وكذلك الآية الأخرى، وهي قوله تعالى :﴿ إن هي إلا أسماء سميتموها ﴾، ويكون الاستثناء في اللفظ باعتبار خبر مبتدأ، فالأخبار المتوهمة لهذا المبتدإ كلها منفية إلا هذا الخبر وهو الألفاظ. وليس هذا من باب الاستثناء من الأحوال والصفات، لأن الأحوال والصفات إنما يتصرف فيها نفيا وإثباتا بعد ثبوت موجود متقرر، فتنفي عنه صفة أو حالة، وتثبت له أخرى.
فإذا قلنا : " لا حالة لزيد إلا السفر " فهذا فرع وجوده. وفي هاتين الآيتين أصل الوجود قد فرض نفيه على سبيل المبالغة، فلم يبق إلا مطلق الوجود هو الذي وقع التصرف فيه، فهذا فرق لا ينبغي إهماله فتأمله. فهذه الآية ونحوها من المشكلات بتحقيق استثنائها، وقد حركت فيها تحريكا وسطا من غير إسهاب يبين لك وجه إشكالها. ( نفسه ٢٠٩ إلى ٢١٥ ).
٢ - سورة المائدة: ٦..
٣ - سورة النجم: ٢٣..
٤ - سورة البقرة: ١٨ و١٧١..
٥ - سورة الملك: ١٠..
وأن تكون زمانية، تقديره : " إن النفس لأمارة بالسوء إلا زمان رحمة ربي " فيكون هذا استثناء من الأزمان متصلا، وليس من هذا الباب، إلا أن تقدرها : " إلا كائنة من زمان الرحمة " فتكون " كائنة " حالا مستثناة من الأحوال.
ويجوز أن تكون بمعنى " الذي " تقديره : " إلا الذي يرحمه ربي " فيكون استثناء من المنطوق من الأشخاص.
ويجوز أن يكون المصدر المتقدم مؤولا باسم المفعول، فيكون التقدير : " إن النفس لأمارة بالسوء إلا مرحومة " منصوبا على الحال مستثنى من الأحوال، من أعم العام استثناء متصلا. ( الاستغناء : ٥٤٥-٥٤٦ ).
( تنقيح الفصول : ١/ ٩٥ من الذخيرة، وشرح التنقيح : ٢٣٧ و٢٥٨. والاستغناء : ٥٤٦. والفروق : ٣/٦٨ ).
٧٢٩-تقدير الكلام : " لتأتنني به في جميع الأحوال إلا في حالة الإحاطة بكم ". فاستثنى حالة الإحاطة من جملة الأحوال، والأحوال ليست ملفوظا بها البتة، فهذه يدخل فيها الإخراج، وليست من الجملة، بل الإحاطة مخرجة. ولو سكت دونها لم يدل اللفظ عليها مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما١. ( الاستغناء : ٢٣ ).
٧٣٢- قال صاحب المقدمات : " في اللغة سبعة ألفاظ كلها مترادفة : الجميل والزعيم، والكفيل، والقبيل، والأذين، والصبير، والضامن. ( الذخيرة : ١/١٨٩ ).
٧٣٣- المراد هنا : الماهية بقيد الوحدة، ولكن في سياق الثبوت. ( العقد المنظوم : ١٤١٧ ).