ﰡ
﴿ الر ﴾ هذه الأحرف التي تبدأ بها السور، قيل إنها أسرار علوية، وقيل إنها أقسام لله تعالى، وقيل أسماء له، وقيل إشارات لابتداء كلام وانتهاء كلام، وقيل هي أسماء للسور. ﴿ الكتاب المبين ﴾ أي الواضح المعاني المنزه عن الغموض والإبهام.
تفسير المعاني :
الر، تلك آيات الكتاب الواضح المعاني أنزلناه قرآنا عربيا لكي تفهموه فتعقلوا ما فيه.
﴿ نقص ﴾ أي نحكي. يقال قص عليه الخبر يقصه قصا، حكاه. ﴿ القصص ﴾ الشيء الذي يقص أي يحكي. وهو اسم مفعول جاء على وزن فعل مثل السلب أي الشيء المسلوب.
تفسير المعاني :
نحن نروي لك أحسن الأخبار بإيحائنا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين.
﴿ يا أبت ﴾ أصله يا أبي فعوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما في الزيادة.
تفسير المعاني :
إذ قال يوسف لأبيه، وقد رأى رؤيا ذات ليلة : يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين لي.
﴿ فيكيدوا لك كيدا ﴾ أي فيحتالوا لإهلاكك حيلة، وأصل الكيد هو الاحتيال على إنسان لإيقاعه.
تفسير المعاني :
فقال له أبوه : يا بني لا تحك رؤيتك هذه لأخوتك فيدبروا حيلة لإهلاكك، إن الشيطان للإنسان عدو مبين.
﴿ يجتبيك ﴾ أي يصطفيك من جبيت الشيء إذ حصلته لنفسك. ﴿ تأويل الأحاديث ﴾ أي تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة، وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة.
تفسير المعاني :
وكما اصطفاك ربك فأراك هذه الرؤيا، يصطفيك للنبوة والملك، ويعلمك تعبير الرؤى، ويتم نعمته عليك بالنبوة وعلى آل يعقوب بالتقوى والصلاح، كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق، إن ربك عليم بالمستأهلين لفضله، حكيم لا يفعل إلا ما ينبغي عمله.
لقد كان في يوسف وإخوته دلائل للسائلين على قدرة الله وحكمته.
﴿ وأخوه ﴾ هو بنيامين. ﴿ ونحن عصبة ﴾ أي جماعة أقوياء أحق بالمحبة.
تفسير المعاني :
إذ قال إخوة يوسف إن يوسف وأخاه بنيامين أحب إلى أبينا منا ونحن جماعة أقوياء نافعون أحق بحبه وأجدر بكلفه، إن أبانا لفي ضلال مبين.
﴿ أو اطرحوه أرضا ﴾ أي ارموه في أرض بعيدة.
تفسير المعاني :
اقتلوا يوسف أو اقذقوا به إلى أرض مجهولة ليخلو لكم وجه أبيكم ثم تتوبوا إلى الله وتكونوا بعدها صالحين.
﴿ وألقوه في غيابة الجب ﴾ أي في قعره، سمي به لغيبوبته عن أعين الناظرين. ﴿ يلتقطه ﴾ أي يأخذه. ﴿ بعض السيارة ﴾ أي بعض الذين يسيرون في الأرض. السيارة جمع سيار.
تفسير المعاني :
فقال واحد منهم : لا تقتلوا أخاكم فإن القتل ذنب كبير، بل ألقوه في قعر بئر يلتقطه بعض المارة إن كنتم ولابد فاعلين.
فأقروا هذا الرأي وذهبوا لأبيهم فقالوا له : ما لك لا تأمنا على يوسف، والحال إنا عليه مشفقون وله ناصحون ؟
﴿ يرتع ﴾ يتوسع في أكل الفواكه وغيرها، من الرتع وهو أكل البهائم. يقال رتع يرتع رتعا ورتوعا أي أكل البهيم وتوسع.
تفسير المعاني :
أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا عليه لمحافظون.
قال : إنه يكدرني أي تذهبوا به، لشدة وقع فراقه على نفسي، وأخاف أن يختطفه منكم الذئب فيأكله وأنتم عنه لاهون.
قالوا : لئن أكله الذئب ونحن جماعة كثيرون إنا إذن لخاسرون.
﴿ فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب ﴾ هنا جواب لما محذوف وتقديره ضربوه أو آذوه.
تفسير المعاني :
فلما ذهبوا به وعزموا أن يضعوه في قعر البئر آذوه وأهانوه، وأوحينا إليه وهو في تلك الحالة إنك لتنبئنهم بما يفعلونه بك وهم لا يشعرون بأنك أنت يوسف.
وعادوا إلى أبيهم عشية باكين.
﴿ متاعنا ﴾ أي ثيابنا. والمتاع لغة كل ما ينتفع به على وجه ما، جمعه أمتعة.
تفسير المعاني :
قالوا : يا أبانا إننا ذهبنا نتسابق وتركنا يوسف عند ثيابنا فوثب عليه ذئب فأكله، وما أنت بمصدقنا وإن كنا صادقين.
﴿ بدم كذب ﴾ أي ذي كذب، بمعنى مكذوب فيه. ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة. ﴿ سولت ﴾ أي سهلت، مشتق من السول وهو الاسترخاء. ﴿ والله المستعان على ما تصفون ﴾ أي على احتمال ما تصفون.
تفسير المعاني :
وجاءوا بقميصه ملوثا بدم مكذوب مصداقا لما يدعون. قال يعقوب : بل سهلت لكم أنفسكم ارتكاب أمر عظيم، فصبر جميل، وربي المعين على احتمال ما تقولون.
﴿ سيارة ﴾ أي رفقة يسيرون جمع سيار. ﴿ واردهم ﴾ الذي يرد الماء ويستسقي لهم. ﴿ وأسروه ﴾ أي وأخفوه.
تفسير المعاني :
واتفق أن مرت جماعة فبعثوا من يستسقي لهم، فأرسل دلوه إلى البئر التي بها يوسف فتعلق به، فصاح الرجل يا بشرى هذا غلام ! وأخفوه بضاعة والله عليم بما يعملون.
﴿ وشروه ﴾ أي وباعوه. شري وباع يؤدي كل منهما معنى الآخر.
تفسير المعاني :
فلما وصلوا مصر باعوه بثمن بخس وكانوا زاهدين فيه.
﴿ أكرمي مثواه ﴾ أي اجعلي مقامه عندنا كريما. المثوى هو المقام والمنزل. يقال ثوى بالمكان يثوي ثواء أي أقام به.
تفسير المعاني :
وقال الذي اشتراه لامرأته، وهو عزيز مصر المتولي خزائنها : أكرمي مقامه عندنا لعله ينفعنا أو نتخذه ولدا، وكان عقيما، وكما أنجيناه، مكنا له في الأرض ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه من تأويل الرؤى، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
﴿ ولما بلغ أشده ﴾ أي منتهى اشتداد جسمه وقوته وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين والأربعين، وقيل سن الشباب ومبدؤه بلوغ الحلم. ﴿ آتيناه حكما ﴾ أي حكمة، وهي العلم المؤيد بالعمل، وقيل حكما أي حكما بين الناس.
تفسير الألفاظ :
﴿ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ﴾ أي طلبت إليه، من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء. ﴿ هيت لك ﴾ أي أقبل وبادر وهو اسم فعل. ﴿ معاذ الله ﴾ أي أعوذ بالله معاذا أي ألتجئ إليه التجاء. ﴿ مثواي ﴾ أي مقامي. يقال ثوى بالمكان يثوي به ثواء أي أقام به. وقوله : إنه ربي أحسن مثواي أي إنه سيدي، يعني زوجها، أحسن تعهدي وأكرمني فلا أخونه أبدا.
تفسير المعاني :
لا نرى موجبا لتفسير معاني هذه الصفحة فهي لا تحتاج لبيان إلا أننا نلفت النظر إلى الإيجاز المعجز في هذه الآيات كقوله تعالى :﴿ يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبك ﴾.
﴿ ولقد همت به وهم بها ﴾ أي قصدت مخالطته وقصد هو مخالطتها. والهم بالشيء قصده والعزم عليه. والمراد بهم يوسف منازعة الشهوة إياه لا القصد الاختياري، وهذا لا يدخل تحت التكليف قط، بل يثاب المرء على الامتناع عن مجاراته وهذا لا يقدح في يوسف فإنه عام في جميع الناس وإنما يتفاضلون في ضبط نفوسهم وكف رعوناتها. ﴿ لولا أن رأى برهان ربه ﴾ هنا جواب الشرط محذوف وتقديره لولا أن رأي برهان ربه لخالطها. أما هذا البرهان فقيل إنه رأي جبريل، وقيل رأى يعقوب، وقيل نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ؟ ﴿ كذلك ﴾ أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه. ﴿ المخلصين ﴾ بفتح اللام أي الذين أخلصهم الله لطاعته.
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة
﴿ واستبقا الباب ﴾ أي تسابقا إليه. ﴿ قدت ﴾ أي شقت. ﴿ من دبر ﴾ أي من خلف. ﴿ وألفيا ﴾ أي ووجدا. يقال ألفى يلفي إلفاء أي وجد. ﴿ لدى ﴾ أي عند.
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة
﴿ وشهد شاهد من أهلها ﴾ قيل ابن عمها، وقيل ابن خالها وكان صبيا في المهد أنطقه الله معجزة له. ﴿ قد ﴾ أي شق. يقال قده يقده قدا شقه. ﴿ من قبل ﴾ أي من أمام.
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة
﴿ من كيدكن ﴾ أي من حيلتكن. يقال كاده يكيده كيدا احتال عليه حتى أوقعه.
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة
﴿ يوسف أعرض عن هذا ﴾ أي يا يوسف اكتمه ولا تذكره. ﴿ واستغفري لذنبك ﴾ يا راعيل وهي زوجته. ﴿ من الخاطئين ﴾ أي من المذنبين من خطئ يخطأ خطأ أي أذنب متعمدا، أما أخطأ فمعناه أذنب غير متعمد.
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة
﴿ تراود فتاها عن نفسه ﴾ أي تطلب إليه، من راد يرود رودا أي ذهب وجاء لطلب شيء. ﴿ قد شغفها حبا ﴾ أي شق شغاف قلبها حبا حتى وصل إلى فؤادها، وشغاف القلب حجابه المغشي له.
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة
﴿ فلما سمعت بمكرهن ﴾ أي باغتيابهن، وإنما سماه مكرا لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره. ﴿ وأعتدت لهن متكأ ﴾ أي وأعدت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد. يقال اعتد الشيء أي أعده وهو من العتاد أي الأداة. ﴿ وآتت ﴾ أي وأعطت. ﴿ أكبرنه ﴾ أي عظمنه وهبن حسنه، من أكبر الشيء أي رآه كبيرا. ﴿ وقطعن أيديهن ﴾ أي جرحن أيديهن من فرط الدهش. ﴿ حاش لله ﴾ أي تنزيها لله من صفات الهجر، أصل حاش حاشا فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفا، وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع موضع التنزيه. ﴿ إن هذا إلا ملك ﴾ أي ما هذا إلا ملك.
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة
﴿ فذلكن الذي لمتنني فيه ﴾ أي هذا الذي عبتنني فيه. ﴿ فاستعصم ﴾ أي فامتنع طلبا للعصمة. ﴿ وليكونن من الصاغرين ﴾ أي وليكونن من الأذلاء المهانين، صغر يصغر صغرا وصغارا أي ذل وهان. وصغر يصغر صغرا أي قل حجمه.
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة
﴿ كيدهن ﴾ احتيالهن. الكيد ضرب من الاحتيال. قد يكون محمودا ومذموما، وهو في المذموم أكثر. ﴿ أصب ﴾ أي أمل إليهن. يقال صبا إليه يصبو صبوا أي مال إليه. والصبوة هي الميل مع الهوى.
تفسير المعاني :
قال يوسف : رب السجن أحب إلي نفسي وأهون عليها مما يطلبنه إلي، وإلا تصرف عني احتيالهن أمل إليهن وأكن من الجاهلين.
فاستجاب له ربه دعاءه فدفع عنه احتيالهن، إنه هو السميع لدعاء المستغيثين، العليم بما يصلحهم.
﴿ ثم بدا لهم ﴾ أي ثم ظهر لهم.
تفسير المعاني :
ثم ظهر لهم من بعد رؤيتهم الآيات، أي العلامات الدالة على براءة يوسف، أن يسجنوه مدة ليحسب أنه مجرم.
ودخل معه السجن فتيان، أحدهما خباز الملك والآخر ساقيه، فقال أحدهما : إني رأيت في الرؤيا إني أعصر خمرا، وقال الآخر : إني رأيتني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل منه الطير، أخبرنا يا يوسف بتأويل هاتين الرؤييين إنا نراك من المحسنين. فرأى يوسف أن يدعوهما إلى التوحيد قبل أن يسعفهما بطلبهما، فشرع يذكرهما بما يبديه من المعجزات ليكون دليلا على صدقه فيما يدعو إليه.
﴿ ملة ﴾ أي دين.
تفسير المعاني :
فقال لهما : لقد رأيتما أنه لا يأتيكما طعام من رزق الله إلا أخبرتكما بتأويله، يعني ببيان ماهيته وكيفيته قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون.
واتبعت دين آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب، فلا ينبغي لنا، ونحن أهل بيت النبوة، أن نشرك بالله شيئا، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، يبعثنا إليهم لإرشادهم، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
﴿ يا صاحبي السجن ﴾ أي يا ساكنيه أو يا صاحبي فيه.
تفسير المعاني :
ثم قال يوسف عليه السلام : يا صاحبي في السجن أآلهة متفرقون متعددون خير أم الله ؟
﴿ سلطان ﴾ أي حجة. ﴿ إن الحكم ﴾ أي ما الحكم. ﴿ القيم ﴾ أي القويم.
تفسير المعاني :
إنكم لا تعبدون من دون الله في الواقع إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من دليل. ما الحكم إلا لله، أمر أن لا تعبدوا غيره، ذلك هو الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يا صاحبي السجن، أما أحدكما فسيعود لما كان عليه ويسقي مولاه خمرا.
وأما الثاني فيصلب فتأكل الطير من رأسه، قضى الأمر الذي تسألاني فيه.
﴿ عند ربك ﴾ أي عند مولاك عزيز مصر. ﴿ بضع سنين ﴾ البضع من الثلاثة إلى العشرة.
تفسير المعاني :
وقال للذي اعتقد أنه ناج منهما : اذكرني عند سيدك عساه يتحقق أن هذه التهم الموجهة إلى محض افتراء، فأنساه الشيطان ذكره عند ربه، فمكث يوسف في السجن بضع سنين.
﴿ عجاف ﴾ أي مهازيل جمع أعجف وهو المهزول. يقال عجف يعجف عجفا أي هزل. ﴿ الملأ ﴾ الأشراف الذين يملئون العين مهابة. ﴿ تعبرون ﴾ أي تفسرون، وهو من العبور أي المجاوزة. وعبر الرؤيا يعبرها عبارة أثبت من عبرها تعبيرا.
تفسير المعاني :
وحدث بعد ذلك أن الملك نفسه رأي رؤيا فجمع لها أكبر المعبرين فلم يستطيعوا تأويلها. وقال لهم : إني رأيت سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات مهازيل، ورأيت سبع سنابل خضر ومثلها يابسات، يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي هذه إن كنتم للرؤيا تعبرون.
﴿ أضغاث أحلام ﴾ أي تخاليط أحلام. أضغاث جمع ضغث وهو ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة.
تفسير المعاني :
فقالوا له : هذه تخالط أحلام فليس لها تأويل عندنا.
﴿ الذي نجا ﴾ هو ساقي الملك. ﴿ وادكر بعد أمة ﴾ أي وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة، وقرئ واذكر بعد أمه أي بعد نسيان، من أمه يأمه أمها أي نسى.
تفسير المعاني :
وقال ساقي الملك، وهو نجا من اللذين كانا سجينين، وقد تذكر يوسف بعد طائفة من الزمان : أنا أنبئكم بتأويله فأرسلوني.
﴿ عجاف ﴾ أي مهازيل جمع أعجف. يقال عجف يعجف عجفا هزل.
تفسير المعاني :
فقابل يوسف فقال له : يا أيها الصديق أفتنا في رؤيا الملك، وقصها عليه.
فقال له : تزرعون سبع سنين دأبا، أي على عادتكم المستمرة، فما حصدتموه فاتركوه في سنابله إلا ما لا بد منه لتموين البلاد.
﴿ سبع شداد ﴾ أي سنين من القحط. ﴿ مما تحصنون ﴾ أي مما تحرزون لبذور الزراعة.
تفسير المعاني :
فيأتي بعد ذلك سنون من القحط يأكلن ما ادخرتم لهن إلا قليلا مما تحرزون للبذر.
﴿ يغاث الناس ﴾ أي يمطرون. من الغيث وهو المطر.
تفسير المعاني :
ثم يلي تلك السنين عام فيه يمطر الناس وفيه يعصرون العنب والزيتون والسمسم وأمثالها، وقيل يعصرون أي يحلبون، إشارة إلى امتلاء الضروع باللبن.
﴿ بكيدهن ﴾ أي باحتيالهن.
تفسير المعاني :
فأمر الملك باستحضار يوسف فأبى، وقال للرسول : ارجع إلى مولاك فاسأله ما حال النساء اللاتي جرحن أيديهن.
﴿ ما خطبكن ﴾ أي ما شأنكن. والخطب أمر يحق أن يخاطب فيه صاحبه، ومن هنا سميت الشدائد بالخطوب. ﴿ حاش لله ﴾ تنزيها لله من صفات النقص، وأصله حاشا فحذفت ألفه تخفيفا. وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء. ﴿ حصحص ﴾ أي ثبت واستقر، من حصحص البعير إذا ألقى مباركه ليناخ، أو معناه ظهر، من حص شعره إذا استأصله بحيث تظهر بشرة رأسه.
تفسير المعاني :
فسألهن الملك، فقلن : ما علمنا عليه من سوء. فقالت امرأته : الآن ظهر الحق، واعترفت بأنها راودته عن نفسه، وأنه من الصادقين.
﴿ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ﴾ هذا كلام يوسف لما عاد إليه الرسول.
تفسير المعاني :
فلما رجع الرسول إلى يوسف وأخبره بما تم، قال له يوسف : ذلك التثبت مني ليعلم الملك أني لم أخنه في غيبته والله لا يهدي كيد الخائنين.
﴿ إلا ما رحم ربي ﴾ أي إلا وقت رحمة ربي، أو إلا ما رحمه الله من النفوس.
تفسير المعاني :
وإني ما فعلت ذلك تزكية لنفسي وعجبا بها، فإن النفس أمارة بالسوء، إلا النفوس التي يرحمها الله فيعصمها.
﴿ أستخلصه لنفسي ﴾ أي أجعله خالصا لنفسي. ﴿ مكين ﴾ أي ذو مكانة.
تفسير المعاني :
وأمر الملك بإحضاره ليستخلصه لنفسه، فلما كلمه قال له : إنك لدينا اليوم ذو مكانة ومؤتمن على كل شيء.
فقال يوسف : ولني خزائن أرض مصر إني حفيظ عليها، عليم بوجوه تصريفها.
﴿ يتبوأ ﴾ أي يسكن وينزل ويقيم.
تفسير المعاني :
وكذلك مكنا ليوسف في مصر ينزل منها حيث يشاء، نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين.
ولثواب الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون الشرك والفواحش.
﴿ وهم له منكرون ﴾ أي لم يعرفوه.
تفسير المعاني :
وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم لم يعرفوه.
﴿ ولما جهزهم بجهازهم ﴾ أي أصلحهم بعدتهم، أصل الجهاز ما يعد من الأمتعة للنقلة، كعدد السفر وما يحمل من بلدة إلى أخرى وما تزف به المرأة إلى بيت زوجها. ﴿ خير المنزلين ﴾ أي خير المنزلين للضيوف، وكان أحسن إنزالهم وأكرمهم.
تفسير المعاني :
ولما أصلحهم بعدتهم التي جاءوا لأجلها، قال لهم : ائتوني في الدفعة المقبلة بأخ لكم من أبيكم، ألا ترون أني أتمم لكم الكيل وأنا خير المنزلين للأضياف ؟
فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تدخلوا بلادي.
﴿ سنراود عنه أباه ﴾ أي سنجتهد في طلبه من أبيه. يقال راوده عنه يراوده مراودة أي طلبه إليه.
تفسير المعاني :
قالوا : سنحاول أن نرضى أباه بترحيله معنا وإنا لفاعلون ذلك بغير توان.
﴿ لفتيانه ﴾ أي لغلمانه جمع فتى. ﴿ بضاعتهم ﴾ التي بادلوا بها القمح الذي أخذوه.
تفسير المعاني :
وقال يوسف لغلمانه : ضعوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا رجعوا إلى أهلهم، عساهم يرجعون.
فلما رجع هؤلاء الأخوة إلى أبيهم قالوا : يا أبانا منع الملك منا الكيل إلا إذا استصحبنا أخانا الصغير بنيامين فأرسله معنا لنكتال وإنا له لحافظون.
قال : أآمنكم عليه إلا كما ائتمنتكم على أخيه من قبل، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين. وقرئ فالله خير حفظا، وقرئ أيضا فالله خير حافظ، وقرئ فالله خير الحافظين.
﴿ متاعهم ﴾ المتاع كل ما يتمتع باستعماله، جمعه أمتعة. ﴿ ما نبغي ﴾ أي ما نطلب. يقال بغى يبغي بغية أي طلب. ﴿ ونمير أهلنا ﴾ معطوف على محذوف، وتقديره ردت إلينا فنستظهر بها ونمير أهلنا أي نجلب لهم الميرة وهي ما يؤكل.
تفسير المعاني :
ولما فتحوا أمتعتهم وجدوا بضاعتهم التي كانوا دفعوها ليوسف في مقابل ما أخذوه من الطعام قد ردت إليهم، قالوا : يا أبانا ماذا نريد بعد هذا ؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا فنتقوى بها ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير، ذلك الذي نأتي به مكيل قليل.
﴿ موثقا ﴾ أي عهدا، جمعه مواثق ومواثيق. ﴿ إلا أن يحاط بكم ﴾ أي إلا أن تغلبوا على أمركم. أو إلا أن تهلكوا جميعا.
تفسير المعاني :
قال أبوهم : لن أرسله معكم حتى تعطوني عهدا من الله لتأتنني به إلا أن تغلبوا على أمركم، فلما أعطوه عهدهم قال : الله على ما نقول وكيل.
﴿ إن الحكم إلا لله ﴾ أي ما الحكم إلا لله.
تفسير المعاني :
ثم قال لهم : يا أولادي لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة، وكانوا ذوي جمال وأبهة، فخاف عليهم النظرة، وما أدفع عنكم من الله شيئا، ما الحكم إلا له يصيبكم إذا كتب لكم ذلك ولا ينفعكم ما أنصحكم به، عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون.
ولما دخلوا إلى مصر من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم ما كان ذلك ليدفع عنهم شيئا مما قضاه عليهم، ولكنها حاجة في نفس يعقوب قضاها، أي أن شفقته من أن يصابوا بالعين حملته على أن يأمرهم بهذا، وهو في الواقع عالم بذلك بسبب ما علمناه من توالي الوحي إليه ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نقول : إن لعيون بعض الناس قدرة على الإيذاء، وهذا التأثير مظهر قوة نفسية عظيمة لا يجعلها مكروهة إلا انصرافها إلى الشر، وأما هي في ذاتها فقوة من أعجب القوى.
﴿ آوى إليه أخاه ﴾ أي ضمه إليه وجعله يقيم عنده. يقال آواه يؤاويه إيواء ضمه إليه وأخذه عنده. ﴿ فلا تبتئس ﴾ أي فلا تحزن.
تفسير المعاني :
ولما دخلوا على أخيهم ضم إليه أخاه بنيامين وأسر إليه بأنه أخوه.
﴿ بجهازهم ﴾ الجهاز هو ما يعد من الأمتعة للنقلة كعدد السفر، وما يحمل من بلدة إلى أخرى، وما تزف به المرأة إلى بيت زوجها. ﴿ السقاية ﴾ المشربة. ﴿ رحل أخيه ﴾ الرحل ما يوضع على البعير للركوب، ثم يعبر به تارة عن البعير وتارة عما يجلس عليه في المنزل، جمعه رحال.
﴿ أذن مؤذن ﴾ أي نادى مناد. ﴿ أيتها العير ﴾ أي أيتها القافلة، وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال، ثم أطلق أيضا على قافلة الحمير، ثم استعير لكل قافلة.
تفسير المعاني :
ولما جهز إخوته للسفر جعل مشربته في أمتعة أخيه، ثم نادى مناد بأنكم أيها الراحلون سارقون.
﴿ الصواع ﴾ المكيال.
﴿ صواع ﴾ الصواع المشربة. ﴿ وأنا به زعيم ﴾ أي كفيل.
تفسير المعاني :
فلما سألوهم عن الذي فقدوه، أخبروهم بأنها مشربة الملك.
قالوا : والله ما جئنا لنفسد في الأرض وما نحن بسارقين.
قال : فما جزاء من توجد في أمتعته ؟
قالوا : جزاؤه أن يؤخذ فيه.
﴿ بأوعيتهم ﴾ جمع وعاء ما يوضع فيه الشيء، كالجوالق والجراب وغيره. ﴿ كدنا ليوسف ﴾ أي احتلنا ليوسف، والاحتيال مستحيل على الله، فيكون المعنى ألهمناه هذا التدبير الذي حصل به على أخيه. ﴿ ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ﴾ أي ما كان ليأخذ أخاه على مقتضى شريعة ملك مصر لأنها لا توجب أسر السارق.
تفسير المعاني :
فبدأ يفتش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين، ثم استخرجها من وعائه. كذلك علمنا يوسف هذا التدبير الذي به حصل على أخيه، وما كان ليستطيع أن يأخذه على مقتضى شريعة ملك مصر ؛ لأن فيها ضربا وتغريما، وليس فيه استرقاق السارق، نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم.
﴿ فأسرها ﴾ أي فكتمها. ﴿ قال أنتم شر مكانا ﴾ أي قال في نفسه أنتم شر منزلة في السرقة لسرقتكم أخاكم.
تفسير المعاني :
قالوا : إن يسرق فقد سبق أن سرق أخ له من قبل، فأخفى يوسف هذه التهمة السيئة في نفسه، وقال في نفسه أيضا : أنتم شر منزلة إذ سرقتموني من أبي، والله أعلم بمبلغ صدقكم فيما تقولون.
قالوا : يا أيها العزيز إن لهذا الغلام أبا شيخا هرما لا يقوى على مفارقته، فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين.
﴿ معاذ الله ﴾ أي أعوذ بالله معاذا معناه ألتجئ إليه.
تفسير المعاني :
قال : معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا صواعنا عنده، إنا إذن لظالمون.
﴿ فلما استيئسوا منه ﴾ أي فلما يئسوا منه. ﴿ خلصوا ﴾ أي انفردوا واعتزلوا الناس. ﴿ نجيا ﴾ أي متناجين، إنما وحده لأنه مصدر. يقال ناجيته أناجيه مناجاة أي ساررته، وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض، وهي المكان المرتفع، والنجوى مصدر، وقد يوصف به. يقال هو نجوى وهم نجوى. والنجي المناجي يقال للواحد والجمع، ومنه قوله تعالى :﴿ خلصوا نجيا ﴾، أي انفردوا يتناجون فيما يعملون. ﴿ موثقا ﴾ أي عهدا، جمعه مواثق ومواثيق. ﴿ ومن قبل ﴾ أي ومن قبل هذا.
تفسير المعاني :
فلما يئسوا، انفردوا يتناجون. فقال كبيرهم : ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم عهدا لتحافظن عليه ولتمنعنه حتى يحاط بكم، ومن قبل بنيامين ما فرطتم في يوسف أي قصرتم فيه، فلن أبرح هذه الأرض حتى يأذن لي أبي بالرجوع أو يحكم الله بالخروج منها وهو خير الحاكمين.
ارجعوا إلى أبيكم فقولوا له : يا أبانا إن ابنك سرق، وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمنا ذلك عن مشاهدة ؛ إذ وجدنا الصواع في أمتعته، وما كنا للغيب عالمين.
﴿ واسأل القرية ﴾ يعنون مصر أو قرية بقربها. ﴿ والعير التي أقبلنا فيها ﴾ أي واسأل أصحابها، والعير الإبل التي تحمل الأثقال، وتقال للحمير أيضا، ثم استعيرت لكل قافلة.
تفسير المعاني :
فلم ندر، حين أعطيناك الموثق، أنه سيسرق، أو أنك ستفرط في حبه كما أفرطت في حب يوسف.
قال إخوة يوسف لأبيهم : واسأل القرية التي كنا فيها وأصحاب الإبل التي جئنا عليها فإنا صادقون.
﴿ سولت ﴾ أي سهلت وزينت. ﴿ عسى ﴾ فعل جامد معناه يتوقع ويرجى.
تفسير المعاني :
قال : بل زينت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل لعل الله يأتيني بهم جميعا، إنه عليم بحالي، حكيم في تدبيره.
﴿ يا أسفي ﴾ أي يا حزني، والأسف أشد الحزن والحسرة، والألف بدل من ياء المتكلم. ﴿ فهو كظيم ﴾ أي مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه، من كظم غيظه يكظمه كظما إذا اجترعه وأمسكه في نفسه.
تفسير المعاني :
ثم أعرض عنهم واشتد أسفه حتى ابيضت عيناه وقال له بنوه : لا تزال تذكر يوسف حتى تمرض فلا تستطيع النهوض، أو تكون من الهالكين.
﴿ تفتأ تذكر يوسف ﴾ أي لا تفتأ ومعناه لا تزال. ﴿ حرضا ﴾ أي مريضا مشفيا على الهلاك.
تفسير المعاني :
ثم أعرض عنهم واشتد أسفه حتى ابيضت عيناه وقال له بنوه : لا تزال تذكر يوسف حتى تمرض فلا تستطيع النهوض، أو تكون من الهالكين.
﴿ بثى ﴾ البث هو الحزن الذي لا يمكن كتمانه. مشتق من البث وهو النشر. يقال بث الخبر يبثه بثا نشره.
تفسير المعاني :
قال : إنما أشكو ما بي إلى الله، وأعلم منه ما لا تعلمون.
﴿ فتحسسوا ﴾ أي فتفحصوا، والتحسس طلب الإحساس.
تفسير المعاني :
يا بني اذهبوا فتفحصوا من يوسف وأخيه، ولا تيأسوا من رحمة الله، إنه لا ييئس من رحمته إلا الكافرون.
﴿ ببضاعة مزجاة ﴾ رديئة أو قليلة ترد رغبة عنها، من أزجاه أي دفعه.
تفسير المعاني :
فرجعوا إلى عزيز مصر، فلما دخلوا عليه قالوا : لقد مسنا وأهلنا الجوع، وجئناك ببضاعة رديئة فأتم لنا الكيل، وتصدق علينا إن الله يحب المتصدقين.
﴿ إذ أنتم جاهلون ﴾ أي حين كنتم جاهلين بقبحه.
تفسير المعاني :
قال العزيز لإخوة يوسف : هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه حين كنتم تجهلون شناعته ؟
﴿ إنك لأنت يوسف ﴾ استفهام تقرير ولذلك حقق بأن ودخول اللام عليه.
تفسير المعاني :
قالوا به : أأنت يوسف ؟ قال : نعم أنا يوسف وهذا أخي قد منّ الله علينا، إنه يتق الله ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
﴿ آثرك ﴾ أي فضلك واختارك. ﴿ لخاطئين ﴾ أي لمذنبين، من خطئ يخطأ خطأ أي أذنب عن تعمد، أما أخطأ فمعناه أذنب بغير تعمد.
تفسير المعاني :
قالوا : والله لقد اختارك الله علينا ولقد علمنا أننا كنا خاطئين فيما فعلناه معك.
﴿ لا تثريب ﴾ أي لا لوم ولا تأنيب.
تفسير المعاني :
قال : لا لوم ولا تأنيب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
ارجعوا بقميصي هذا فارموه على وجه أبي يرتد بصيرا كما كان وائتوني بأهلكم أجمعين.
﴿ ولما فصلت العير ﴾ أي انفصلت الإبل التي تحمل أثقالهم أو قافلتهم عن مصر. ﴿ لولا أن تفندون ﴾ أي لولا أن تنسبوني إلى الفند وهو نقصان العقل من الهرم، وجواب الشرط محذوف تقديره لصدقتموني أو لقلت إنه قريب.
تفسير المعاني :
ولما انفصلت القافلة عن أرض مصر قال أبوهم لمن كان معه : إني لأشم ريح يوسف، ولولا خوفي من أن تنسبوني إلى ضعف العقل لقلت لكم إنه قريب منا.
﴿ لفي ضلالك القديم ﴾ أي لفي بعدك عن الصواب كما كنت قديما.
تفسير المعاني :
قال الحاضرون : والله إنك لفي بعدك القديم عن الصواب.
فلما جاء البشير الذي أرسله أبناؤه بالقميص، وهو أحدهم، ألقاه على وجه يعقوب فرجع مبصرا كما كان. قال : ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ؟
قال إخوة يوسف : يا أبانا اطلب لنا من الله المغفرة إنا أذنبنا متعمدين.
قال : سوف أفعل، إن ربي غفور رحيم.
﴿ آوى إليه ﴾ أي ضم إليه.
تفسير المعاني :
فلما دخلوا على يوسف ضم إليه أباه وخالة له كان قد تزوجها أبوه بعد وفاة أمه، وقال : ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله من القحط وأنواع المكاره.
﴿ يا أبت ﴾ أي يا أبي حذفت ياء النسبة وعوض بدلها بتاء. ﴿ من البدو ﴾ أي من البادية لأنهم كانوا أصحاب مواش. ﴿ نزغ ﴾ أي أفسد، من نزغ الرائض الدابة ينزغها نزغا أي نخسها وحملها على الجري. ﴿ لطيف لما يشاء ﴾ أي لطيف التدبير له.
تفسير المعاني :
ورفع أبويه على العرش، وهو سرير الملك، وخر إخوته سجدا على عادتهم في تحية الملوك، وقال يوسف : يا أبت هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقا، وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البادية من بعد أن أفسد الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف التدبير لما يشاء، عليم بوجوه المصالح، حكيم يفعل كل شيء على أقصى وجوه الإحكام.
( تأويل الأحديث ) أي تأويل الكتب وغوامض العلوم والرؤى. ﴿ فاطر ﴾ أي خالق. يقال فطر الله الأرض يفطرها فطرا أي خلقها. ﴿ أنت وليي ﴾ أي متولي أمري.
تفسير المعاني :
رب قد منحتني من الملك، وعلمتني من تأويل العلوم والرؤى، خالق السموات والأرض، أنت متولي أمري في الدنيا والآخرة، اقبضني إليك مسلما وألحقني بالصالحين.
قيل : عاش معه يعقوب أبوه أربعا وعشرين سنة، ولما مات نقله إلى الشام، وعاش هو مائة وعشرين سنة.
﴿ أنباء ﴾ أخبار. ﴿ إذ أجمعوا أمرهم ﴾ أي إذ أجمع إخوة يوسف أمرهم على إبعاده.
تفسير المعاني :
هذه الأخبار التي نقصها عليك عن يوسف من الأمور الغيبية أوحيناها إليك، فإنك لم تكن مع إخوة يوسف حين أجمعوا رأيهم على إبعاده عن أبيه.
وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على هدايتهم، وبالغت في نصيحتهم.
وما تطلب إليهم على نشر الدين والقرآن من أجر، فما هو إلا ذكر للعالمين.
﴿ وكأين ﴾ أي وكم.
تفسير المعاني :
وكم من علامة باهرة ودلالة نيرة في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون لا يعيرونها التفاتة منهم.
وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون به باتخاذ علمائهم أربابا أو بنسبة الولد إلى الله، أو غير ذلك.
﴿ غاشية ﴾ أي نائبة تغشاهم وتجللهم. وأصل الغاشية كل ما يغطي الشيء جمعها غواش. يقال غشية يغشاه غشيا أي ستره، ومثله غشاه تغشية. ﴿ بغتة ﴾ أي فجأة. يقال بغته يبغته بغتا أي فجئه.
تفسير المعاني :
أفأمنوا أن تحل بهم نائبة من عذاب الله، أو تأتيهم القيامة فجأة وهم لا يشعرون بإتيانها.
﴿ على بصيرة ﴾ أي على طريقة مبصرة غير عمياء، ودليل واضح. ﴿ وسبحان الله ﴾ أي وتنزيها لله يقال سبح الله أي نزهه عن النقائص.
تفسير المعاني :
قل : هذه طريقتي أدعو إلى الله على بينة واضحة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين.
وما أرسلنا إلى الأمم قبلك إلا رجالا مثلك من أهل البلدان نميزهم عن الكافة بالوحي ونسند إليهم هداية الناس إلى سبيل الرشاد، ألم يسيحوا في أقطار الأرض فينظروا كيف كان مصير الذين من قبلهم، ولدار الآخرة خير للذين خافوا ربهم، أفلا تعقلون ؟
﴿ استيئس ﴾ أي أيس أو يئس. ﴿ قد كذبوا ﴾ أي كذبتهم أنفسهم حين أوهمتهم بأنهم سينصرون، وقيل بل معناه قد أخلفوا ما وعدوا به من النصر.
تفسير المعاني :
حتى إذا أيس الرسل، وظنوا أنهم أخلفوا ما وعدوا من النصر على الكافرين، جاءهم نصرنا فنجى من نريد، ولا يرد عذابنا عن القوم المجرمين.
﴿ عبرة ﴾ أي موعظة. ﴿ لأولي الألباب ﴾ أي لأصحاب العقول. والألباب جمع لب وهو العقل.
تفسير المعاني :
لقد كان في أخبار الأنبياء اتعاظ لأصحاب العقول، ما كان هدا القرآن حديثا يمكن افتراءه، ولكن فيه تصديق الكتب التي تقدمته وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.