تفسير سورة سورة الكهف من كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
المعروف بـفتح القدير
.
لمؤلفه
الشوكاني
.
المتوفي سنة 1250 هـ
سورة الكهف
وهي مائة وإحدى عشرة آية
قال القرطبي : وهي مكية في قول جميع المفسرين. وروي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله :" جرزاً " والأول أصح انتهى. ومن القائلين إنها مكية جميعها ابن عباس، أخرجه عنه النحاس وابن مردويه ومنهم ابن الزبير، أخرجه عنه ابن مردويه. وقد ورد في فضلها أحاديث : منها ما أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ). وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن حبان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ). وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء قال ( قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال : اقرأ فلان، فإن السكينة نزلت القرآن )، وهذا الذي كان يقرأ هو أسيد بن حضير كما بينه الطبراني. وأخرج الترمذي وصححه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ) وفي قراءة العشر الآيات من أولها أو من آخرها أحاديث. وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج الدجال عصم منه ). وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي والضياء عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ سورة الكهف كانت له نوراً من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره ). وأخرج الحاكم وصححه من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ). وأخرجه البيهقي أيضاً في السنن من هذا الوجه ومن وجه آخر. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين ). وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض ولكاتبها من الأجر مثل ذلك ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه بعثه الله من أي الليل شاء ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : سورة أصحاب الكهف ). وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( البيت الذي تقرأ فيه سورة الكهف لا يدخله شيطان تلك الليلة ) وفي الباب أحاديث وآثار، وفيما أوردناه كفاية مغنية.
وهي مائة وإحدى عشرة آية
قال القرطبي : وهي مكية في قول جميع المفسرين. وروي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله :" جرزاً " والأول أصح انتهى. ومن القائلين إنها مكية جميعها ابن عباس، أخرجه عنه النحاس وابن مردويه ومنهم ابن الزبير، أخرجه عنه ابن مردويه. وقد ورد في فضلها أحاديث : منها ما أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ). وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن حبان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ). وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء قال ( قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال : اقرأ فلان، فإن السكينة نزلت القرآن )، وهذا الذي كان يقرأ هو أسيد بن حضير كما بينه الطبراني. وأخرج الترمذي وصححه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ) وفي قراءة العشر الآيات من أولها أو من آخرها أحاديث. وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج الدجال عصم منه ). وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي والضياء عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ سورة الكهف كانت له نوراً من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره ). وأخرج الحاكم وصححه من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ). وأخرجه البيهقي أيضاً في السنن من هذا الوجه ومن وجه آخر. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين ). وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض ولكاتبها من الأجر مثل ذلك ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه بعثه الله من أي الليل شاء ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : سورة أصحاب الكهف ). وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( البيت الذي تقرأ فيه سورة الكهف لا يدخله شيطان تلك الليلة ) وفي الباب أحاديث وآثار، وفيما أوردناه كفاية مغنية.
ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١ الى ٨]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (٤)مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨)
عَلَّمَ عِبَادَهُ كَيْفَ يَحْمَدُونَهُ عَلَى إِفَاضَةِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، وَوَصْفُهُ بِالْمَوْصُولِ يُشْعِرُ بِعِلِّيَّةِ مَا فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ لِمَا قَبْلَهُ، وَوَجْهُ كَوْنِ إِنْزَالِ الْكِتَابِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، نِعْمَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوْنُهُ اطَّلَعَ بِوَاسِطَتِهِ عَلَى أَسْرَارِ التَّوْحِيدِ، وَأَحْوَالِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَعَلَى كَيْفِيَّةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَعَبَّدَهُ اللَّهُ وَتَعَبَّدَ أُمَّتَهُ بِهَا، وَكَذَلِكَ الْعِبَادُ كَانَ إِنْزَالُ الْكِتَابِ عَلَى نَبِيِّهِمْ نِعْمَةً لَهُمْ لِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي النَّبِيِّ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً أَيْ: شَيْئًا مِنَ الْعِوَجِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِلَالِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، والعوج بِالْكَسْرِ فِي الْمَعَانِي، وَبِالْفَتْحِ فِي الْأَعْيَانِ كَذَا قِيلَ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً «١» يَعْنِي الْجِبَالَ، وَهِيَ مِنَ الْأَعْيَانِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا اخْتِلَافًا كَمَا قَالَ: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً «٢». وَالْقَيِّمُ:
الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا مَيْلَ فِيهِ، أَوِ الْقَيِّمُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، أَوِ الْقَيِّمُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ مُهَيْمِنًا عَلَيْهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ تَأْكِيدًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ نَفْيُ الْعِوَجِ، فَرُبَّ مُسْتَقِيمٍ فِي الظَّاهِرِ لَا يَخْلُو عَنْ أَدْنَى عِوَجٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَانْتِصَابُ قَيِّمًا بِمُضْمَرٍ، أَيْ: جَعَلَهُ قَيِّمًا، وَمَنَعَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْكِتَابِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَجْعَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْزَلَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ، فَجَاعِلُهُ حَالًا من الكتاب فاصل بَيْنَ الْحَالِ وَذِي الْحَالِ بِبَعْضِ الصِّلَةِ. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: هُمَا حَالَانِ مُتَوَالِيَانِ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ جُمْلَةٌ وَالثَّانِي مُفْرَدٌ، وَهَذَا صَوَابٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَجْعَلْ لَمْ يَكُنْ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ بَلِ الْوَاوُ لِلْحَالِ، فَلَا فَصْلَ بَيْنَ الْحَالِ وَذِي الْحَالِ بِبَعْضِ الصِّلَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ قَيِّماً حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ، وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، ثُمَّ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُفَصِّلَ مَا أَجْمَلَهُ فِي قَوْلِهِ قَيِّمًا فَقَالَ: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً وَحُذِفَ الْمُنْذَرُ لِلْعِلْمِ بِهِ مَعَ قَصْدِ التَّعْمِيمِ، وَالْمَعْنَى لِيُنْذِرَ الْكَافِرِينَ. وَالْبَأْسُ الْعَذَابُ، وَمَعْنَى مِنْ لَدُنْهُ صَادِرًا مِنْ لَدُنْهُ نَازِلًا مِنْ عِنْدِهِ. رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ مِنْ لَدُنِهِ بِإِشْمَامِ الدَّالِ الضَّمَّةَ، وَبِكَسْرِ النُّونِ وَالْهَاءِ. وَهِيَ لُغَةُ الْكِلَابِيِّينَ. وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ فَتَحَ اللَّامَ وَضَمَّ الدَّالِ وَسُكُونَ النُّونِ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ قُرِئَ يُبَشِّرُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، وَأُجْرِيَ الْمَوْصُولُ على موصوفه الْمَذْكُورِ، لِأَنَّ مَدَارَ قَبُولِ الْأَعْمَالِ هُوَ الْإِيمَانُ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً
(١). طه: ١٠٧.
(٢). النساء: ٨٢.
(٢). النساء: ٨٢.
319
وَهُوَ الْجَنَّةُ حَالَ كَوْنِهِمْ ماكِثِينَ فِيهِ أَيْ: فِي ذَلِكَ الْأَجْرِ أَبَداً أَيْ: مُكْثًا دَائِمًا لَا انْقِطَاعَ لَهُ، وَتَقْدِيمُ الْإِنْذَارِ عَلَى التَّبْشِيرِ لِإِظْهَارِ كَمَالِ الْعِنَايَةِ بِزَجْرِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ كَرَّرَ الْإِنْذَارَ وَذَكَرَ الْمُنْذَرَ لِخُصُوصِهِ وَحَذَفَ الْمُنْذَرَ بِهِ، وَهُوَ الْبَأْسُ الشَّدِيدُ، لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فَقَالَ: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَبَعْضُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ. الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَوَّلًا قَضِيَّةً كُلِّيَّةً، وَهِيَ إِنْذَارُ عُمُومِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا قَضِيَّةً خَاصَّةً هِيَ بَعْضُ جُزْئِيَّاتِ تِلْكَ الْكُلِّيَّةِ، تَنْبِيهًا عَلَى كَوْنِهَا أَعْظَمَ جُزْئِيَّاتِ تِلْكَ الْكُلِّيَّةِ. فَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أَيْ: بِالْوَلَدِ، أَوِ اتِّخَاذِ اللَّهِ إياه، ومن مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ هِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَالْمَعْنَى:
مَا لَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمٌ أَصْلًا وَلا لِآبائِهِمْ عِلْمٌ، بَلْ كَانُوا فِي زَعْمِهِمْ هَذَا عَلَى ضَلَالَةٍ، وَقَلَّدَهُمْ أَبْنَاؤُهُمْ فَضَلُّوا جَمِيعًا كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ انْتِصَابُ كَلِمَةً عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَبُرَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ كَلِمَةً. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَبُرَتْ مَقَالَتُهُمْ كَلِمَةً، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ هِيَ قَوْلُهُمْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا. ثُمَّ وَصَفَ الْكَلِمَةَ بِقَوْلِهِ: تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَفَائِدَةُ هَذَا الْوَصْفِ اسْتِعْظَامُ اجْتِرَائِهِمْ عَلَى التَّفَوُّهِ بِهَا، وَالْخَارِجُ مِنَ الْفَمِ وَإِنْ كَانَ هُوَ مُجَرَّدَ الْهَوَى، لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ كَيْفِيَّاتٍ قَائِمَةً بِالْهَوَى أَسْنَدَ إِلَى الْحَالِ مَا هُوَ مِنْ شَأْنِ الْمَحَلِّ. ثُمَّ زَادَ فِي تَقْبِيحِ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ فَقَالَ: إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً أَيْ:
مَا يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا لَا مَجَالَ لِلصِّدْقِ فِيهِ بِحَالٍ، ثُمَّ سلّى رسوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: الْبَخْعُ: الْجُهْدُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: بَخَعْتُ الْأَرْضَ بِالزِّرَاعَةِ إِذَا جَعَلْتَهَا ضَعِيفَةً بِسَبَبِ مُتَابَعَةِ الْحِرَاثَةِ، وَبَخَعَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ إِذَا نَهَكَهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ مُهْلِكُ نَفْسَكَ، وَمِنْهُ قول ذي الرمّة:
ألا أيّهذا الْبَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ «١»
.....................
فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَعَلَّكَ مُجْهِدٌ نَفْسَكَ أَوْ مُضْعِفُهَا أَوْ مُهْلِكُهَا عَلى آثارِهِمْ عَلَى فِرَاقِهِمْ وَمِنْ بَعْدِ تَوَلِّيهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَيْ: الْقُرْآنِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ. وَقُرِئَ بِفَتْحِ أَنْ: أَيْ لِأَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أَسَفاً أَيْ غَيْظًا وَحُزْنًا وَهُوَ مَفْعُولٌ لَهُ أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها هَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ. وَالْمَعْنَى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ زِينَةً لَهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتِ وَالْجَمَادِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «٢» وَانْتِصَابُ زِينَةً عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَعَلَ، وَاللَّامُ فِي لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا مُتَعَلِّقَةٌ بِجَعَلْنَا، وَهِيَ إِمَّا لِلْغَرَضِ أَوْ لِلْعَاقِبَةِ، وَالْمُرَادُ بِالِابْتِلَاءِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةً لَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُعَامَلَةُ مِنْ غَيْرِهِ لَكَانَتْ مِنْ قَبِيلِ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيُّهُمْ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ إِلَّا أَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمَعْنَى: لِنَمْتَحِنَ أَهَذَا أَحْسَنُ عَمَلًا أَمْ ذَاكَ؟ قَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهُمْ أَزْهَدُ، وَقَالَ مقاتل: أيّهم أصلح
مَا لَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمٌ أَصْلًا وَلا لِآبائِهِمْ عِلْمٌ، بَلْ كَانُوا فِي زَعْمِهِمْ هَذَا عَلَى ضَلَالَةٍ، وَقَلَّدَهُمْ أَبْنَاؤُهُمْ فَضَلُّوا جَمِيعًا كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ انْتِصَابُ كَلِمَةً عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَبُرَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ كَلِمَةً. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَبُرَتْ مَقَالَتُهُمْ كَلِمَةً، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ هِيَ قَوْلُهُمْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا. ثُمَّ وَصَفَ الْكَلِمَةَ بِقَوْلِهِ: تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَفَائِدَةُ هَذَا الْوَصْفِ اسْتِعْظَامُ اجْتِرَائِهِمْ عَلَى التَّفَوُّهِ بِهَا، وَالْخَارِجُ مِنَ الْفَمِ وَإِنْ كَانَ هُوَ مُجَرَّدَ الْهَوَى، لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ كَيْفِيَّاتٍ قَائِمَةً بِالْهَوَى أَسْنَدَ إِلَى الْحَالِ مَا هُوَ مِنْ شَأْنِ الْمَحَلِّ. ثُمَّ زَادَ فِي تَقْبِيحِ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ فَقَالَ: إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً أَيْ:
مَا يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا لَا مَجَالَ لِلصِّدْقِ فِيهِ بِحَالٍ، ثُمَّ سلّى رسوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: الْبَخْعُ: الْجُهْدُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: بَخَعْتُ الْأَرْضَ بِالزِّرَاعَةِ إِذَا جَعَلْتَهَا ضَعِيفَةً بِسَبَبِ مُتَابَعَةِ الْحِرَاثَةِ، وَبَخَعَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ إِذَا نَهَكَهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ مُهْلِكُ نَفْسَكَ، وَمِنْهُ قول ذي الرمّة:
ألا أيّهذا الْبَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ «١»
.....................
فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَعَلَّكَ مُجْهِدٌ نَفْسَكَ أَوْ مُضْعِفُهَا أَوْ مُهْلِكُهَا عَلى آثارِهِمْ عَلَى فِرَاقِهِمْ وَمِنْ بَعْدِ تَوَلِّيهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَيْ: الْقُرْآنِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ. وَقُرِئَ بِفَتْحِ أَنْ: أَيْ لِأَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أَسَفاً أَيْ غَيْظًا وَحُزْنًا وَهُوَ مَفْعُولٌ لَهُ أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها هَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ. وَالْمَعْنَى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ زِينَةً لَهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتِ وَالْجَمَادِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «٢» وَانْتِصَابُ زِينَةً عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَعَلَ، وَاللَّامُ فِي لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا مُتَعَلِّقَةٌ بِجَعَلْنَا، وَهِيَ إِمَّا لِلْغَرَضِ أَوْ لِلْعَاقِبَةِ، وَالْمُرَادُ بِالِابْتِلَاءِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةً لَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُعَامَلَةُ مِنْ غَيْرِهِ لَكَانَتْ مِنْ قَبِيلِ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيُّهُمْ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ إِلَّا أَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمَعْنَى: لِنَمْتَحِنَ أَهَذَا أَحْسَنُ عَمَلًا أَمْ ذَاكَ؟ قَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهُمْ أَزْهَدُ، وَقَالَ مقاتل: أيّهم أصلح
(١). وعجزه: لشيء نحته عن يديك المقادر.
(٢). البقرة: ٢٩.
(٢). البقرة: ٢٩.
320
فيما أوتي من المال، ثُمَّ أَعْلَمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مُبِيدٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ وَمُفْنِيهِ، فَقَالَ: وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً أَيْ: لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا مِنْ هَذِهِ الزِّينَةِ عِنْدَ تَنَاهِي عُمْرِ الدُّنْيَا صَعِيدًا تُرَابًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الصَّعِيدُ الْمُسْتَوِي مِنَ الْأَرْضِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْجُرُزُ الْأَرْضُ الَّتِي لَا نبات فيها، ومن قولهم: امرأة جرزا إذا كانت أكولا، وسيفا جرازا إِذَا كَانَ مُسْتَأْصِلًا، وَجَرُزَ الْجَرَادُ وَالشَّاةُ وَالْإِبِلُ الْأَرْضَ إِذَا أَكَلَتْ مَا عَلَيْهَا. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
طَوَى النَّحْزُ وَالْإِجْرَازُ مَا فِي بُطُونِهَا «١»
...............
وَمَعْنَى النَّظَمِ: لَا تَحْزَنْ يَا مُحَمَّدُ مِمَّا وَقَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ التَّكْذِيبِ فَإِنَّا قَدْ جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لِاخْتِبَارِ أَعْمَالِهِمْ، وَإِنَّا لَمُذْهِبُونَ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عُمْرِ الدُّنْيَا فَمُجَازُوهُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ الْآيَةَ قَالَ: أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَدْلًا قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً مُلْتَبِسًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ قَيِّماً قَالَ: مُسْتَقِيمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ لَدُنْهُ أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ حَسَناً يَعْنِيَ الْجَنَّةَ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو جَهْلٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأُمِّيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وأبو البختري فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَبُرَ عَلَيْهِ مَا يَرَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ، وَإِنْكَارِهِمْ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ، فَأَحْزَنَهُ حُزْنًا شَدِيدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ باخِعٌ نَفْسَكَ يَقُولُ: قَاتِلٌ نَفْسَكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَسَفاً قَالَ:
جَزَعًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ أَسَفاً قَالَ: حُزْنًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها قَالَ:
الرِّجَالُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو نَصْرٍ السَّجْزِيُّ فِي الْإِبَانَةِ، مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْعُلَمَاءُ زِينَةُ الْأَرْضِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُمُ الرِّجَالُ الْعُبَّادُ الْعُمَّالُ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَقُلْتُ: مَا مَعْنَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَقْلًا وَأَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَأَسْرَعُكُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ». وَأَخْرَجَ
طَوَى النَّحْزُ وَالْإِجْرَازُ مَا فِي بُطُونِهَا «١»
...............
وَمَعْنَى النَّظَمِ: لَا تَحْزَنْ يَا مُحَمَّدُ مِمَّا وَقَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ التَّكْذِيبِ فَإِنَّا قَدْ جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لِاخْتِبَارِ أَعْمَالِهِمْ، وَإِنَّا لَمُذْهِبُونَ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عُمْرِ الدُّنْيَا فَمُجَازُوهُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ الْآيَةَ قَالَ: أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَدْلًا قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً مُلْتَبِسًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ قَيِّماً قَالَ: مُسْتَقِيمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ لَدُنْهُ أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ حَسَناً يَعْنِيَ الْجَنَّةَ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو جَهْلٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأُمِّيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وأبو البختري فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَبُرَ عَلَيْهِ مَا يَرَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ، وَإِنْكَارِهِمْ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ، فَأَحْزَنَهُ حُزْنًا شَدِيدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ باخِعٌ نَفْسَكَ يَقُولُ: قَاتِلٌ نَفْسَكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَسَفاً قَالَ:
جَزَعًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ أَسَفاً قَالَ: حُزْنًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها قَالَ:
الرِّجَالُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو نَصْرٍ السَّجْزِيُّ فِي الْإِبَانَةِ، مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْعُلَمَاءُ زِينَةُ الْأَرْضِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُمُ الرِّجَالُ الْعُبَّادُ الْعُمَّالُ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَقُلْتُ: مَا مَعْنَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَقْلًا وَأَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَأَسْرَعُكُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ». وَأَخْرَجَ
(١). وعجزه: فما بقيت إلا الضلوع الجراشع.
«النحز» : الضرب والدفع. «الجراشع» : الغلاظ، واحدها جرشع.
«النحز» : الضرب والدفع. «الجراشع» : الغلاظ، واحدها جرشع.
321
والقيم : المستقيم الذي لا ميل فيه، أو القيم بمصالح العباد الدينية والدنيوية، أو القيم على ما قبله من الكتب السماوية مهيمناً عليها، وعلى الأوّل يكون تأكيداً لما دل عليه نفي العوج، فربّ مستقيم في الظاهر لا يخلو عن أدنى عوج في الحقيقة، وانتصاب ﴿ قيماً ﴾ بمضمر، أي جعله قيماً، ومنع صاحب الكشاف أن يكون حالاً من الكتاب، لأن قوله ﴿ ولم يجعل ﴾ معطوف على ﴿ أنزل ﴾ فهو داخل في حيز الصلة، فجاعله حالاً من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة. وقال الأصفهاني : هما حالان متواليان إلا أن الأوّل جملة والثاني مفرد، وهذا صواب لأن قوله :﴿ وَلَمْ يَجْعَل ﴾ لم يكن معطوفاً على ما قبله بل الواو للحال، فلا فصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة، وقيل : إن ﴿ قيماً ﴾ حال من ضمير ﴿ لم يجعل له ﴾. وقيل : في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير : أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً، ثم أراد سبحانه أن يفصل ما أجمله في قوله قيماً فقال :﴿ ليُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا ﴾ وحذف المنذر للعلم به مع قصد التعميم، والمعنى : لينذر الكافرين، والبأس : العذاب، ومعنى ﴿ مِن لدُنْهُ ﴾ : صادراً من لدنه نازلاً من عنده. روى أبو بكر، عن عاصم : أنه «قرأ من لدنه » بإشمام الدال الضمة، وبكسر النون والهاء، وهي لغة الكلابيين. وروى أبو زيد عن جميع القراء فتح اللام وضم الدال وسكون النون ﴿ وَيُبَشّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات ﴾، قرئ «يبشر » بالتشديد والتخفيف، وأجرى الموصول على موصوفه المذكور، لأن مدار قبول الأعمال هو الإيمان ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ وهو الجنة حال كونهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾ الآية قال : أنزل الكتاب عدلاً قيماً ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا ﴾ ملتبساً. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ قَيِّماً ﴾ قال : مستقيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ مِن لدنه ﴾ أي : من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ حَسَنًا ﴾ يعني : الجنة ﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُوا اتخذ الله وَلَدًا ﴾ قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه :﴿ فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ﴿ باخع نفْسَكَ ﴾ يقول : قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : جزعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : حزناً. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لهَا ﴾ قال : الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال : العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم الرجال العباد العمل لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله ؟ قال :( ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله ). وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : ليختبرهم ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أيهم أتمّ عقلاً. وأخرج عن الحسن ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال : أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ قال : يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصعيد : التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعني بالجرز : الخراب.
﴿ ماكِثِينَ فِيهِ ﴾ أي : في ذلك الأجر ﴿ أَبَدًا ﴾ أي : مكثاً دائماً لا انقطاع له، وتقديم الإنذار على التبشير لإظهار كمال العناية بزجر الكفار.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾ الآية قال : أنزل الكتاب عدلاً قيماً ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا ﴾ ملتبساً. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ قَيِّماً ﴾ قال : مستقيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ مِن لدنه ﴾ أي : من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ حَسَنًا ﴾ يعني : الجنة ﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُوا اتخذ الله وَلَدًا ﴾ قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه :﴿ فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ﴿ باخع نفْسَكَ ﴾ يقول : قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : جزعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : حزناً. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لهَا ﴾ قال : الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال : العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم الرجال العباد العمل لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله ؟ قال :( ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله ). وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : ليختبرهم ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أيهم أتمّ عقلاً. وأخرج عن الحسن ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال : أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ قال : يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصعيد : التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعني بالجرز : الخراب.
ثم كرر الإنذار وذكر المنذر لخصوصه وحذف المنذر به، وهو البأس الشديد، لتقدّم ذكره فقال :﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُوا اتخذ الله وَلَدًا ﴾ وهم : اليهود والنصارى وبعض كفار قريش، القائلون بأن الملائكة بنات الله، فذكر سبحانه أوّلاً قضية كلية، وهي إنذار عموم الكفار، ثم عطف عليها قضية خاصة هي بعض جزئيات تلك الكلية، تنبيهاً على كونها أعظم جزئيات تلك الكلية. فأفاد ذلك أن نسبة الولد إلى الله سبحانه أقبح أنواع الكفر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾ الآية قال : أنزل الكتاب عدلاً قيماً ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا ﴾ ملتبساً. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ قَيِّماً ﴾ قال : مستقيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ مِن لدنه ﴾ أي : من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ حَسَنًا ﴾ يعني : الجنة ﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُوا اتخذ الله وَلَدًا ﴾ قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه :﴿ فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ﴿ باخع نفْسَكَ ﴾ يقول : قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : جزعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : حزناً. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لهَا ﴾ قال : الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال : العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم الرجال العباد العمل لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله ؟ قال :( ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله ). وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : ليختبرهم ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أيهم أتمّ عقلاً. وأخرج عن الحسن ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال : أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ قال : يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصعيد : التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعني بالجرز : الخراب.
﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ﴾ أي : بالولد، أو اتخاذ الله إياه، و«من » مزيدة لتأكيد النفي، والجملة في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة، والمعنى : ما لهم بذلك علم أصلاً ﴿ وَلاَ لآبَائِهِمْ ﴾ علم، بل كانوا في زعمهم هذا على ضلالة، وقلدهم أبناؤهم فضلوا جميعاً ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ انتصاب ﴿ كلمة ﴾ على التمييز، وقرئ بالرفع على الفاعلية. قال الفراء : كبرت تلك الكلمة كلمة. وقال الزجاج : كبرت مقالتهم كلمة، والمراد بهذه الكلمة هي : قولهم اتخذ الله ولداً. ثم وصف الكلمة بقوله :﴿ تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ وفائدة هذا الوصف استعظام اجترائهم على التفوّه بها، والخارج من الفم وإن كان هو مجرد الهوى، لكن لما كانت الحروف والأصوات كيفيات قائمة بالهوى أسند إلى الحال ما هو من شأن المحل. ثم زاد في تقبيح ما وقع منهم فقال :﴿ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا ﴾ أي : ما يقولون إلا كذباً لا مجال للصدق فيه بحال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾ الآية قال : أنزل الكتاب عدلاً قيماً ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا ﴾ ملتبساً. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ قَيِّماً ﴾ قال : مستقيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ مِن لدنه ﴾ أي : من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ حَسَنًا ﴾ يعني : الجنة ﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُوا اتخذ الله وَلَدًا ﴾ قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه :﴿ فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ﴿ باخع نفْسَكَ ﴾ يقول : قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : جزعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : حزناً. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لهَا ﴾ قال : الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال : العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم الرجال العباد العمل لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله ؟ قال :( ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله ). وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : ليختبرهم ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أيهم أتمّ عقلاً. وأخرج عن الحسن ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال : أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ قال : يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصعيد : التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعني بالجرز : الخراب.
ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله :﴿ فَلَعَلَّكَ باخع نَفْسَكَ على آثارهم ﴾ قال الأخفش والفراء : البخع : الجهد. وقال الكسائي : بخعت الأرض بالزراعة : إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة، وبخع الرجل نفسه إذا نهكها. وقال أبو عبيدة : معناه : مهلك نفسك، ومنه قول ذي الرمة :
ألا أيها ذا الباخع الوجد نفسه ***. . .
فيكون المعنى على هذه الأقوال : لعلك مجهد نفسك أو مضعفها أو مهلكها ﴿ على آثارهم ﴾ على فراقهم ومن بعد توليهم وإعراضهم ﴿ إِن لَمْ يُؤْمِنُوا بهذا الحديث ﴾ أي : القرآن وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله. وقرئ بفتح «أن ». أي : لأن لم يؤمنوا ﴿ أَسَفاً ﴾ أي : غيظاً وحزناً وهو مفعول له أو مصدر في موضع الحال، كذا قال الزجاج.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾ الآية قال : أنزل الكتاب عدلاً قيماً ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا ﴾ ملتبساً. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ قَيِّماً ﴾ قال : مستقيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ مِن لدنه ﴾ أي : من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ حَسَنًا ﴾ يعني : الجنة ﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُوا اتخذ الله وَلَدًا ﴾ قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه :﴿ فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ﴿ باخع نفْسَكَ ﴾ يقول : قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : جزعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : حزناً. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لهَا ﴾ قال : الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال : العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم الرجال العباد العمل لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله ؟ قال :( ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله ). وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : ليختبرهم ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أيهم أتمّ عقلاً. وأخرج عن الحسن ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال : أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ قال : يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصعيد : التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعني بالجرز : الخراب.
ألا أيها ذا الباخع الوجد نفسه ***. . .
فيكون المعنى على هذه الأقوال : لعلك مجهد نفسك أو مضعفها أو مهلكها ﴿ على آثارهم ﴾ على فراقهم ومن بعد توليهم وإعراضهم ﴿ إِن لَمْ يُؤْمِنُوا بهذا الحديث ﴾ أي : القرآن وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله. وقرئ بفتح «أن ». أي : لأن لم يؤمنوا ﴿ أَسَفاً ﴾ أي : غيظاً وحزناً وهو مفعول له أو مصدر في موضع الحال، كذا قال الزجاج.
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَهَا ﴾ هذه الجملة استئناف. والمعنى : إنا جعلنا ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها من الحيوانات والنبات والجماد، كقوله سبحانه :﴿ هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَا فِي الأرض جَمِيعاً ﴾ [ البقرة : ٢٩ ]، وانتصاب ﴿ زينة ﴾ على أنها مفعول ثانٍ ل﴿ جعل ﴾، واللام في ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ متعلقة ب﴿ جعلنا ﴾، وهي إما للغرض أو للعاقبة، والمراد بالابتلاء : أنه سبحانه يعاملهم معاملة لو كانت تلك المعاملة من غيره لكانت من قبيل الابتلاء والامتحان. وقال الزجاج :﴿ أيهم ﴾ رفع بالابتداء إلا أن لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى : لنمتحن أهذا أحسن عملاً أم ذاك ؟ قال الحسن : أيهم أزهد، وقال مقاتل : أيهم أصلح فيما أوتي من المال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾ الآية قال : أنزل الكتاب عدلاً قيماً ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا ﴾ ملتبساً. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ قَيِّماً ﴾ قال : مستقيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ مِن لدنه ﴾ أي : من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ حَسَنًا ﴾ يعني : الجنة ﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُوا اتخذ الله وَلَدًا ﴾ قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه :﴿ فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ﴿ باخع نفْسَكَ ﴾ يقول : قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : جزعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : حزناً. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لهَا ﴾ قال : الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال : العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم الرجال العباد العمل لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله ؟ قال :( ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله ). وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : ليختبرهم ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أيهم أتمّ عقلاً. وأخرج عن الحسن ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال : أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ قال : يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصعيد : التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعني بالجرز : الخراب.
ثم أعلم سبحانه أنه مبيد لذلك كله ومفنيه فقال :﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ أي : لجاعلون ما عليها من هذه الزينة عند تناهي عمر الدنيا ﴿ صعيداً ﴾ : تراباً. قال أبو عبيدة : الصعيد : المستوي من الأرض. وقال الزجاج : هو الطريق الذي لا نبات فيه. قال الفراء : الجرز : الأرض التي لا نبات فيها، ومن قولهم : امرأة جرزاً : إذا كانت أكولاً، وسيفاً جرازاً : إذا كان مستأصلاً، وجرز الجراد والشاة والإبل : الأرض إذا أكلت ما عليها. قال ذو الرمة :
طوى النحز والإجراز ما في بطونها ***. . .
ومعنى النظم : لا تحزن يا محمد مما وقع من هؤلاء من التكذيب، فإنا قد جعلنا ما على الأرض زينة لاختبار أعمالهم، وإنا لمذهبون ذلك عند انقضاء عمر الدنيا فمجازوهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾ الآية قال : أنزل الكتاب عدلاً قيماً ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا ﴾ ملتبساً. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ قَيِّماً ﴾ قال : مستقيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ مِن لدنه ﴾ أي : من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ حَسَنًا ﴾ يعني : الجنة ﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُوا اتخذ الله وَلَدًا ﴾ قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه :﴿ فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ﴿ باخع نفْسَكَ ﴾ يقول : قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : جزعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ أَسَفاً ﴾ قال : حزناً. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لهَا ﴾ قال : الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال : العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم الرجال العباد العمل لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله ؟ قال :( ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله ). وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : ليختبرهم ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أيهم أتمّ عقلاً. وأخرج عن الحسن ﴿ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ قال : أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال : أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ قال : يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصعيد : التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : يعني بالجرز : الخراب.
طوى النحز والإجراز ما في بطونها ***. . .
ومعنى النظم : لا تحزن يا محمد مما وقع من هؤلاء من التكذيب، فإنا قد جعلنا ما على الأرض زينة لاختبار أعمالهم، وإنا لمذهبون ذلك عند انقضاء عمر الدنيا فمجازوهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لِيَخْتَبِرَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قَالَ: أَيُّهُمْ أَتَمُّ عَقْلًا. وَأَخْرَجَ عَنِ الْحَسَنِ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قَالَ: أَشَدُّهُمْ لِلدُّنْيَا تَرْكًا. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ: أَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً قَالَ: يُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ وَيُبِيدُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الصَّعِيدُ: التُّرَابُ وَالْجِبَالُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: يعني بالجرز الخراب.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩ الى ١٦]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦)
قَوْلُهُ: أَمْ حَسِبْتَ «أَمْ» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الْمُقَدَّرَةُ بِبَلْ وَالْهَمْزَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَبِبَلْ وَحْدَهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ أَحَسِبْتَ، أَوْ: بَلْ حَسِبْتَ، وَمَعْنَاهَا الِانْتِقَالُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ، لَا لِإِبْطَالِ الْأَوَّلِ وَالْإِضْرَابِ عَنْهُ كَمَا هُوَ مَعْنَى بَلْ فِي الْأَصْلِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا تَعَجَّبُوا مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَسَأَلُوا عَنْهَا الرَّسُولَ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: بَلْ أَظْنَنْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّهُمْ كَانُوا عَجَبًا مِنْ آيَاتِنَا فَقَطْ؟
لَا تَحْسَبْ ذَلِكَ فَإِنَّ آيَاتِنَا كُلَّهَا عَجَبٌ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى جَعْلِ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِلِابْتِلَاءِ، ثُمَّ جَعْلِ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، لَا تَسْتَبْعِدْ قُدْرَتَهُ وَحِفْظَهُ وَرَحْمَتَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِصَّتُهُمْ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، فَإِنَّ آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك. وعَجَباً مُنْتَصِبَةٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، أَيْ ذَاتَ عَجَبٍ، أَوْ مَوْصُوفَةٌ بِالْعَجَبِ مُبَالَغَةً، وَ «مِنْ آياتِنا» في محل نصب على الحال، وإِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ ظَرْفٌ لِحَسِبْتَ أَوْ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ اذْكُرْ، أَيْ: صَارُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوهُ مَأْوَاهُمْ، وَالْفِتْيَةُ هُمْ أَصْحَابُ الْكَهْفِ، وَالْكَهْفُ: هُوَ الْغَارُ الْوَاسِعُ فِي الْجَبَلِ. فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا سُمِّيَ غَارًا، وَالرَّقِيمُ قَالَ كَعْبٌ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهُ اسْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَصْحَابُ الْكَهْفِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: إِنَّهُ لَوْحٌ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ رَصَاصٍ رُقِمَتْ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ جُعِلَ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُرْوَى أَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ رَقِيمًا لِأَنَّ أَسْمَاءَهُمْ كَانَتْ مَرْقُومَةً فِيهِ. وَالرَّقْمُ: الْكِتَابَةُ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ فِي أُرْجُوزَةٍ له:
ومستقرّ المصحف المرقّم وَقِيلَ: إِنَّ الرَّقِيمَ اسْمُ كَلْبِهِمْ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ الْوَادِي الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَقِيلَ: اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْغَارُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً قَالَ: يُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ وَيُبِيدُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الصَّعِيدُ: التُّرَابُ وَالْجِبَالُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: يعني بالجرز الخراب.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩ الى ١٦]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦)
قَوْلُهُ: أَمْ حَسِبْتَ «أَمْ» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الْمُقَدَّرَةُ بِبَلْ وَالْهَمْزَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَبِبَلْ وَحْدَهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ أَحَسِبْتَ، أَوْ: بَلْ حَسِبْتَ، وَمَعْنَاهَا الِانْتِقَالُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ، لَا لِإِبْطَالِ الْأَوَّلِ وَالْإِضْرَابِ عَنْهُ كَمَا هُوَ مَعْنَى بَلْ فِي الْأَصْلِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا تَعَجَّبُوا مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَسَأَلُوا عَنْهَا الرَّسُولَ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: بَلْ أَظْنَنْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّهُمْ كَانُوا عَجَبًا مِنْ آيَاتِنَا فَقَطْ؟
لَا تَحْسَبْ ذَلِكَ فَإِنَّ آيَاتِنَا كُلَّهَا عَجَبٌ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى جَعْلِ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِلِابْتِلَاءِ، ثُمَّ جَعْلِ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، لَا تَسْتَبْعِدْ قُدْرَتَهُ وَحِفْظَهُ وَرَحْمَتَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِصَّتُهُمْ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، فَإِنَّ آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك. وعَجَباً مُنْتَصِبَةٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، أَيْ ذَاتَ عَجَبٍ، أَوْ مَوْصُوفَةٌ بِالْعَجَبِ مُبَالَغَةً، وَ «مِنْ آياتِنا» في محل نصب على الحال، وإِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ ظَرْفٌ لِحَسِبْتَ أَوْ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ اذْكُرْ، أَيْ: صَارُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوهُ مَأْوَاهُمْ، وَالْفِتْيَةُ هُمْ أَصْحَابُ الْكَهْفِ، وَالْكَهْفُ: هُوَ الْغَارُ الْوَاسِعُ فِي الْجَبَلِ. فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا سُمِّيَ غَارًا، وَالرَّقِيمُ قَالَ كَعْبٌ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهُ اسْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَصْحَابُ الْكَهْفِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: إِنَّهُ لَوْحٌ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ رَصَاصٍ رُقِمَتْ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ جُعِلَ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُرْوَى أَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ رَقِيمًا لِأَنَّ أَسْمَاءَهُمْ كَانَتْ مَرْقُومَةً فِيهِ. وَالرَّقْمُ: الْكِتَابَةُ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ فِي أُرْجُوزَةٍ له:
ومستقرّ المصحف المرقّم وَقِيلَ: إِنَّ الرَّقِيمَ اسْمُ كَلْبِهِمْ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ الْوَادِي الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَقِيلَ: اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْغَارُ.
322
قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ لَيْسَتْ بِعَجِيبَةٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لِأَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا أَعْجَبُ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي: من عندك، ومن ابتدائية متعلقة بآتنا، أو لمحذوف وَقَعَ حَالًا، وَالتَّنْوِينُ فِي رَحْمَةً إِمَّا لِلتَّعْظِيمِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَتَقْدِيمُ مِنْ لَدُنْكَ لِلِاخْتِصَاصِ، أَيْ: رَحْمَةً مُخْتَصَّةً بِأَنَّهَا مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِكَ، وَهِيَ الْمَغْفِرَةُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأَمْنُ مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَالرِّزْقُ فِي الدُّنْيَا وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً أَيْ: أَصْلِحْ لَنَا، مِنْ قَوْلِكَ هَيَّأْتُ الْأَمْرَ فَتَهَيَّأَ، وَالْمُرَادُ بِأَمْرِهِمُ الْأَمْرُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ وهو مفارقتهم للكفار، والرشد نقيض الضلال، ومن لِلِابْتِدَاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّجْرِيدِ كَمَا فِي قَوْلِكَ رَأَيْتُ مِنْكَ رَشَدًا: وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورَيْنِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِمَا فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَنَمْنَاهُمْ.
والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سَمَاعِ الْأَصْوَاتِ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: ضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمِ الْحِجَابَ تَشْبِيهًا لِلْإِنَامَةِ الثَّقِيلَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ وُصُولِ الْأَصْوَاتِ إِلَى الْآذَانِ بِضَرْبِ الْحِجَابِ عَلَيْهَا، وفِي الْكَهْفِ ظَرْفٌ لِضَرَبْنَا، وَانْتِصَابُ سِنِينَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وعَدَداً صِفَةٌ لِسِنِينَ أَيْ: ذَوَاتَ عَدَدٍ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَوْ بِمَعْنَى مَعْدُودَةً عَلَى أَنَّهُ لِمَعْنَى الْمَفْعُولُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ وَصْفِ السِّنِينَ بِالْعَدَدِ الْكَثْرَةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الشَّيْءَ إِذَا قَلَّ فُهِمَ مِقْدَارُ عَدَدِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْعَدَدِ، وَإِنْ كَثُرَ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يُعَدَّ، وَقِيلَ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّقْلِيلُ لِأَنَّ الْكَثِيرَ قَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ «١». ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أَيْ: أَيْقَظْنَاهُمْ مِنْ تِلْكَ النَّوْمَةِ لِنَعْلَمَ أَيْ: لِيَظْهَرَ مَعْلُومُنَا، وَقُرِئَ بِالتَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا للفاعل على طريقة الالتفات، وأَيُّ الْحِزْبَيْنِ مُبْتَدَأٌ مُعَلَّقٌ عَنْهُ الْعِلْمُ لِمَا فِي أَيُّ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ، وَخَبَرُهُ أَحْصى وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، قِيلَ:
وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً لِلْبَعْثِ هُوَ الِاخْتِبَارُ مَجَازًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى بَعَثْنَاهُمْ لِنُعَامِلَهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يَخْتَبِرُهُمْ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ظُهُورُ مَعْلُومِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِزْبَيْنِ الْفَرِيقَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ. وَمَعْنَى أَحْصَى: أَضْبَطَ. وَكَأَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمْ تَنَازُعٌ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ، فَبَعَثَهُمُ اللَّهُ لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيَظْهَرَ مَنْ ضَبَطَ الحساب ممن لم يضبطه، وما فِي لِما لَبِثُوا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: أَحْصَى لِلُبْثِهِمْ، وقيل: اللام زائدة، وما: بمعنى الذي، وأَمَداً تَمْيِيزٌ، وَالْأَمَدُ: الْغَايَةُ، وَقِيلَ: إِنَّ أَحْصَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ، وَمَا وَرَدَ مِنَ الشَّاذِّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِمْ: أَفْلَسُ مِنِ ابْنِ الْمُذَلَّقِ «٢»، وَأَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنَ الْمَزِيدِ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَابْنِ عُصْفُورٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْحِزْبَيْنِ هُمْ أَصْحَابُ الْكَهْفِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ انْتِبَاهِهِمْ كَمْ لَبِثُوا، وَقِيلَ: إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ حِزْبٌ وَأَصْحَابَهُمْ حِزْبٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ هَذَا شُرُوعٌ فِي تَفْصِيلِ مَا أُجْمِلَ فِي قَوْلِهِ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ أي: نحن نخبرك بِالْحَقِّ، أَيْ: قَصَصْنَاهُ بِالْحَقِّ، أَوْ مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ أي: أحداث شبان، وآمَنُوا بِرَبِّهِمْ صِفَةٌ لِفِتْيَةٍ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ بِتَقْدِيرِ سُؤَالٍ،
والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سَمَاعِ الْأَصْوَاتِ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: ضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمِ الْحِجَابَ تَشْبِيهًا لِلْإِنَامَةِ الثَّقِيلَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ وُصُولِ الْأَصْوَاتِ إِلَى الْآذَانِ بِضَرْبِ الْحِجَابِ عَلَيْهَا، وفِي الْكَهْفِ ظَرْفٌ لِضَرَبْنَا، وَانْتِصَابُ سِنِينَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وعَدَداً صِفَةٌ لِسِنِينَ أَيْ: ذَوَاتَ عَدَدٍ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَوْ بِمَعْنَى مَعْدُودَةً عَلَى أَنَّهُ لِمَعْنَى الْمَفْعُولُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ وَصْفِ السِّنِينَ بِالْعَدَدِ الْكَثْرَةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الشَّيْءَ إِذَا قَلَّ فُهِمَ مِقْدَارُ عَدَدِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْعَدَدِ، وَإِنْ كَثُرَ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يُعَدَّ، وَقِيلَ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّقْلِيلُ لِأَنَّ الْكَثِيرَ قَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ «١». ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أَيْ: أَيْقَظْنَاهُمْ مِنْ تِلْكَ النَّوْمَةِ لِنَعْلَمَ أَيْ: لِيَظْهَرَ مَعْلُومُنَا، وَقُرِئَ بِالتَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا للفاعل على طريقة الالتفات، وأَيُّ الْحِزْبَيْنِ مُبْتَدَأٌ مُعَلَّقٌ عَنْهُ الْعِلْمُ لِمَا فِي أَيُّ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ، وَخَبَرُهُ أَحْصى وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، قِيلَ:
وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً لِلْبَعْثِ هُوَ الِاخْتِبَارُ مَجَازًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى بَعَثْنَاهُمْ لِنُعَامِلَهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يَخْتَبِرُهُمْ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ظُهُورُ مَعْلُومِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِزْبَيْنِ الْفَرِيقَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ. وَمَعْنَى أَحْصَى: أَضْبَطَ. وَكَأَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمْ تَنَازُعٌ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ، فَبَعَثَهُمُ اللَّهُ لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيَظْهَرَ مَنْ ضَبَطَ الحساب ممن لم يضبطه، وما فِي لِما لَبِثُوا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: أَحْصَى لِلُبْثِهِمْ، وقيل: اللام زائدة، وما: بمعنى الذي، وأَمَداً تَمْيِيزٌ، وَالْأَمَدُ: الْغَايَةُ، وَقِيلَ: إِنَّ أَحْصَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ، وَمَا وَرَدَ مِنَ الشَّاذِّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِمْ: أَفْلَسُ مِنِ ابْنِ الْمُذَلَّقِ «٢»، وَأَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنَ الْمَزِيدِ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَابْنِ عُصْفُورٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْحِزْبَيْنِ هُمْ أَصْحَابُ الْكَهْفِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ انْتِبَاهِهِمْ كَمْ لَبِثُوا، وَقِيلَ: إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ حِزْبٌ وَأَصْحَابَهُمْ حِزْبٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ هَذَا شُرُوعٌ فِي تَفْصِيلِ مَا أُجْمِلَ فِي قَوْلِهِ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ أي: نحن نخبرك بِالْحَقِّ، أَيْ: قَصَصْنَاهُ بِالْحَقِّ، أَوْ مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ أي: أحداث شبان، وآمَنُوا بِرَبِّهِمْ صِفَةٌ لِفِتْيَةٍ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ بِتَقْدِيرِ سُؤَالٍ،
(١). الحج: ٤٧.
(٢). ابن المذلق: من عبد شمس، لم يكن يجد بيت ليلة، ولا أبوه، ولا أجداده، فقيل: أفلس من ابن المذلّق.
(٢). ابن المذلق: من عبد شمس، لم يكن يجد بيت ليلة، ولا أبوه، ولا أجداده، فقيل: أفلس من ابن المذلّق.
323
والفتية جمع قلّة، وزِدْناهُمْ هُدىً بِالتَّثْبِيتِ وَالتَّوْفِيقِ، وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَيْ: قَوَّيْنَاهَا بِالصَّبْرِ عَلَى هَجْرِ الْأَهْلِ وَالْأَوْطَانِ، وَفِرَاقِ الْخِلَّانِ وَالْأَخْدَانِ إِذْ قامُوا الظَّرْفُ مَنْصُوبٌ بِرَبَطْنَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي هَذَا الْقِيَامِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا وَرَاءَ الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ مِيعَادٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ هُوَ أَكْبَرُ الْقَوْمِ: إِنِّي لَأَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا، إِنَّ رَبِّي رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَقَالُوا: وَنَحْنُ أَيْضًا كَذَلِكَ نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا، فَقَامُوا جَمِيعًا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ كَانَ لَهُمْ مَلِكٌ جَبَّارٌ يُقَالُ لَهُ دِقْيَانُوسُ، وَكَانَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ الطَّوَاغِيتِ، فَثَبَّتَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةَ وَعَصَمَهُمْ حَتَّى قَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُقَاتِلٌ: إِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عند قيامهم من النوم لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً أَيْ: لَنْ نَعْبُدَ مَعْبُودًا آخَرَ غَيْرَ اللَّهِ لَا اشْتِرَاكًا وَلَا اسْتِقْلَالًا لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً أَيْ: قَوْلًا ذَا شَطَطٍ، أَوْ قَوْلًا هُوَ نَفْسُ الشَّطَطِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ بِالْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ وَاللَّامُ هِيَ الْمُوطِئَةُ لِلْقَسَمِ، والشطط: الغلو ومجاوزة الحد. قال أعشى بني قَيْسٍ:
هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً هَؤُلَاءِ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ اتَّخَذُوا، وَقَوْمُنَا عَطْفُ بَيَانٍ، وَفِي هَذَا الْإِخْبَارِ مَعْنَى للإنكار، وَفِي الْإِشَارَةِ إِلَيْهِمْ تَحْقِيرٌ لَهُمْ لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ أَيْ: هَلَّا يَأْتُونَ بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ تَصْلُحُ لِلتَّمَسُّكِ بِهَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا فِي الْعِبَادَةِ، أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ أَيْ: فَارَقْتُمُوهُمْ وَتَنَحَّيْتُمْ عَنْهُمْ جَانِبًا، أَيْ: عَنِ الْعَابِدِينَ لِلْأَصْنَامِ، وَقَوْلُهُ: وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ، و «ما» موصولة أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَاعْتَزَلْتُمْ مَعْبُودَهُمْ أَوِ الَّذِي يَعْبُدُونَهُ، وَقَوْلُهُ: إِلَّا اللَّهَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا إِلَّا الأصنام، أو متّصل على تقدير أنهم أشركوها فِي الْعِبَادَةِ مَعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: هُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِهِ، أَيْ: إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمُ اعْتِزَالًا اعْتِقَادِيًا، فَاعْتَزِلُوهُمُ اعْتِزَالًا جُسْمَانِيًّا، وَإِذَا أَرَدْتُمُ اعْتِزَالَهُمْ فَافْعَلُوا ذَلِكَ بِالِالْتِجَاءِ إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ أَيْ: يَبْسُطْ وَيُوَسِّعْ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً أَيْ: يُسَهِّلْ وَيُيَسِّرْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ بِصَدَدِهِ مِرفَقاً الْمِرْفَقُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا، مَأْخُوذٌ مِنْ الِارْتِفَاقِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَقِيلَ: فَتْحُ الْمِيمِ أَقْيَسُ، وَكَسْرُهَا أَكْثَرُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ عَلَى كَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْأَمْرِ، وَمِنْ مِرْفَقِ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ تَفْتَحُ الْعَرَبُ الْمِيمَ فِيهِمَا، فَهُمَا لُغَتَانِ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ فَتَحُوا أَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمِرْفَقِ مِنَ الْأَمْرِ، وَالْمِرْفَقِ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْكَسْرُ فِي مِرْفَقِ الْيَدِ، وَقِيلَ: الْمِرْفَقُ بِالْكَسْرِ مَا ارْتَفَقْتَ بِهِ، وَالْمَرْفَقُ: بِالْفَتْحِ الْأَمْرُ الرَّافِقُ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَرْتَفِقُونَ بِهِ وَيَنْتَفِعُونَ بِحُصُولِهِ، وَالتَّقْدِيمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّقِيمُ: الْكِتَابِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ قَالَ: الرَّقِيمُ: وَادٍ دُونَ فِلَسْطِينَ قَرِيبٌ مِنْ أَيْلَةَ. وَالرَّاوِيَانِ
وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ كَانَ لَهُمْ مَلِكٌ جَبَّارٌ يُقَالُ لَهُ دِقْيَانُوسُ، وَكَانَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ الطَّوَاغِيتِ، فَثَبَّتَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةَ وَعَصَمَهُمْ حَتَّى قَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُقَاتِلٌ: إِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عند قيامهم من النوم لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً أَيْ: لَنْ نَعْبُدَ مَعْبُودًا آخَرَ غَيْرَ اللَّهِ لَا اشْتِرَاكًا وَلَا اسْتِقْلَالًا لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً أَيْ: قَوْلًا ذَا شَطَطٍ، أَوْ قَوْلًا هُوَ نَفْسُ الشَّطَطِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ بِالْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ وَاللَّامُ هِيَ الْمُوطِئَةُ لِلْقَسَمِ، والشطط: الغلو ومجاوزة الحد. قال أعشى بني قَيْسٍ:
| أَتَنْتَهُونَ وَلَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ | كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ وَالْفَتْلُ |
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّقِيمُ: الْكِتَابِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ قَالَ: الرَّقِيمُ: وَادٍ دُونَ فِلَسْطِينَ قَرِيبٌ مِنْ أَيْلَةَ. وَالرَّاوِيَانِ
324
و﴿ إِذْ أَوَى الفتية ﴾ ظرف لحسبت أو لفعل مقدّر، وهو أذكر، أي : صاروا إليه وجعلوه مأواهم، والفتية : هم أصحاب الكهف، والكهف : هو الغار الواسع في الجبل، فإن كان صغيراً سمي غاراً، والرقيم قال كعب والسدّي : إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف. وقال سعيد بن جبير ومجاهد : إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف. قال الفراء : ويروى أنه إنما سمي رقيماً لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه. والرقم : الكتابة. وروي مثل ذلك عن ابن عباس. ومنه قول العجاج في أرجوزة له :
ومستقري المصحف الرقيم ***. . .
وقيل : إن الرقيم : اسم كلبهم، وقيل : هو اسم الوادي الذي كانوا فيه، وقيل : اسم الجبل الذي فيه الغار. قال الزجاج : أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن خلق السماوات والأرض وما بينهما أعجب من قصة أصحاب الكهف ﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً ﴾ أي : من عندك، و«من » ابتدائية متعلقة ب﴿ آياتنا ﴾، أو لمحذوف وقع حالاً، والتنوين في ﴿ رحمة ﴾ : إما للتعظيم أو للتنويع، وتقديم ﴿ من لدنك ﴾ للاختصاص أي : رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك، وهي : المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء، والرزق في الدنيا ﴿ وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ أي : أصلح لنا، من قولك هيأت الأمر فتهيأ، والمراد بأمرهم : الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار، والرشد : نقيض الضلال، و«من » للابتداء. ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك : رأيت منك رشداً. وتقدم المجرورين للاهتمام بهما.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الرقيم : الكتاب. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال : الرقيم : وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة. والراويان عن ابن عباس ضعيفان. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال : هو الجبل الذي فيه الكهف. وأخرج ابن المنذر عنه، قال : والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان ؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال : وسألت كعباً فقال : اسم القرية التي خرجوا منها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : الرقيم : الكلب. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانُوا مِنْ آياتنا عَجَبًا ﴾ يقول : الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ يقول : أرقدناهم ﴿ ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة ﴿ أحصى لِمَا لَبِثُوا ﴾، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله :﴿ وزدناهم هُدًى ﴾ قال : إخلاصاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ قال : بالإيمان وفي قوله :﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ قال : كذباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : جوراً. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله :﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله ﴾ قال : كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
ومستقري المصحف الرقيم ***. . .
وقيل : إن الرقيم : اسم كلبهم، وقيل : هو اسم الوادي الذي كانوا فيه، وقيل : اسم الجبل الذي فيه الغار. قال الزجاج : أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن خلق السماوات والأرض وما بينهما أعجب من قصة أصحاب الكهف ﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً ﴾ أي : من عندك، و«من » ابتدائية متعلقة ب﴿ آياتنا ﴾، أو لمحذوف وقع حالاً، والتنوين في ﴿ رحمة ﴾ : إما للتعظيم أو للتنويع، وتقديم ﴿ من لدنك ﴾ للاختصاص أي : رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك، وهي : المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء، والرزق في الدنيا ﴿ وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ أي : أصلح لنا، من قولك هيأت الأمر فتهيأ، والمراد بأمرهم : الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار، والرشد : نقيض الضلال، و«من » للابتداء. ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك : رأيت منك رشداً. وتقدم المجرورين للاهتمام بهما.
﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ قال المفسرون : أنمناهم. والمعنى : سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سماع الأصوات، والمفعول محذوف أي : ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيهاً للإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها، و﴿ فِي الكهف ﴾ ظرف لضربنا، وانتصاب ﴿ سِنِينَ ﴾ على الظرفية، و﴿ عَدَدًا ﴾ صفة لسنين، أي : ذوات عدد على أنه مصدر، أو بمعنى : معدودة على أنه لمعنى المفعول، ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة.
قال الزجاج : إن الشيء إذا قلّ فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد، وإن كثر احتاج إلى أن يعدّ. وقيل : يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله :﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ ﴾ [ الحج : ٤٧ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الرقيم : الكتاب. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال : الرقيم : وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة. والراويان عن ابن عباس ضعيفان. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال : هو الجبل الذي فيه الكهف. وأخرج ابن المنذر عنه، قال : والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان ؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال : وسألت كعباً فقال : اسم القرية التي خرجوا منها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : الرقيم : الكلب. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانُوا مِنْ آياتنا عَجَبًا ﴾ يقول : الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ يقول : أرقدناهم ﴿ ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة ﴿ أحصى لِمَا لَبِثُوا ﴾، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله :﴿ وزدناهم هُدًى ﴾ قال : إخلاصاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ قال : بالإيمان وفي قوله :﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ قال : كذباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : جوراً. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله :﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله ﴾ قال : كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
قال الزجاج : إن الشيء إذا قلّ فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد، وإن كثر احتاج إلى أن يعدّ. وقيل : يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله :﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ ﴾ [ الحج : ٤٧ ].
﴿ ثُمَّ بعثناهم ﴾ أي : أيقظناهم من تلك النومة ﴿ لنعلم ﴾ أي : ليظهر معلومنا، وقرئ بالتحتية مبنياً للفاعل على طريقة الالتفات، و﴿ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ مبتدأ معلق عنه العلم لما في أيّ من الاستفهام، وخبره ﴿ أحصى ﴾ وهو فعل ماض، قيل : والمراد بالعلم الذي جعل علة للبعث هو : الاختبار مجازاً فيكون المعنى : بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم، والأولى ما ذكرناه من أن المراد به ظهور معلوم الله سبحانه لعباده، والمراد بالحزبين : الفريقان من المؤمنين والكافرين من أصحاب الكهف المختلفين في مدة لبثهم. ومعنى أحصى : أضبط. وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف، فبعثهم الله ليتبين لهم ذلك، ويظهر من ضبط الحساب ممن لم يضبطه، و «ما » في ﴿ لِمَا لَبِثُوا ﴾ مصدرية، أي : أحصى للبثهم، وقيل : اللام زائدة، و«ما » بمعنى : الذي، و﴿ أَمَدًا ﴾ تمييز، والأمد : الغاية، وقيل : إن ﴿ أحصى ﴾ أفعل تفضيل. وردّ بأنه خلاف ما تقرر في علم الإعراب، وما ورد من الشاذ لا يقاس عليه كقولهم : أفلس من ابن المذلق، وأعدى من الجرب. وأجيب بأن أفعل التفضيل من المزيد قياس مطرد عند سيبويه وابن عصفور، وقيل : إنهم الحزبين هم أصحاب الكهف اختلفوا بعد انتباههم كم لبثوا، وقيل : إن أصحاب الكهف حزب وأصحابهم حزب. وقال الفراء : إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الرقيم : الكتاب. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال : الرقيم : وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة. والراويان عن ابن عباس ضعيفان. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال : هو الجبل الذي فيه الكهف. وأخرج ابن المنذر عنه، قال : والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان ؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال : وسألت كعباً فقال : اسم القرية التي خرجوا منها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : الرقيم : الكلب. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانُوا مِنْ آياتنا عَجَبًا ﴾ يقول : الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ يقول : أرقدناهم ﴿ ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة ﴿ أحصى لِمَا لَبِثُوا ﴾، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله :﴿ وزدناهم هُدًى ﴾ قال : إخلاصاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ قال : بالإيمان وفي قوله :﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ قال : كذباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : جوراً. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله :﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله ﴾ قال : كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق ﴾ هذا شروع في تفصيل ما أجمل في قوله :﴿ إِذْ أَوَى الفتية ﴾ أي : نحن نخبرك بخبرهم بالحق، أي : قصصناه بالحق، أو متلبساً بالحق ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ﴾ أي : أحداث شبان، و﴿ آمنوا بربهم ﴾ صفة ل ﴿ فتية ﴾. والجملة مستأنفة بتقدير سؤال. والفتية جمع قلة، و﴿ زِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ بالتثبيت والتوفيق، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الرقيم : الكتاب. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال : الرقيم : وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة. والراويان عن ابن عباس ضعيفان. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال : هو الجبل الذي فيه الكهف. وأخرج ابن المنذر عنه، قال : والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان ؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال : وسألت كعباً فقال : اسم القرية التي خرجوا منها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : الرقيم : الكلب. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانُوا مِنْ آياتنا عَجَبًا ﴾ يقول : الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ يقول : أرقدناهم ﴿ ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة ﴿ أحصى لِمَا لَبِثُوا ﴾، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله :﴿ وزدناهم هُدًى ﴾ قال : إخلاصاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ قال : بالإيمان وفي قوله :﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ قال : كذباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : جوراً. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله :﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله ﴾ قال : كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ أي : قويناها بالصبر على هجر الأهل والأوطان، وفراق الخلان والأخدان ﴿ إِذْ قَامُوا ﴾ الظرف منصوب بربطنا. واختلف أهل التفسير في هذا القيام على أقوال فقيل : إنهم اجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد، فقال رجل منهم هو أكبر القوم : إني لأجد في نفسي شيئاً، إن ربي ربّ السماوات والأرض، فقالوا : ونحن أيضاً كذلك نجد في أنفسنا، فقاموا جميعاً ﴿ فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ * السماوات والأرض ﴾ قاله مجاهد. وقال أكثر المفسرين : إنه كان لهم ملك جبار يقال له : دقيانوس، وكان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت، فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى قاموا بين يديه ﴿ فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ * السماوات والأرض ﴾ وقال عطاء ومقاتل : إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم ﴿ لَن نَدْعُوا مِن دُونِهِ إلها ﴾ أي : لن نعبد معبوداً آخر غير الله لا اشتراكاً ولا استقلالاً ﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ أي : قولاً ذا شطط، أو قولاً هو نفس الشطط لقصد المبالغة بالوصف بالمصدر، واللام هي : الموطئة للقسم، والشطط : الغلو ومجاوزة الحد. قال أعشى بن قيس :
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الرقيم : الكتاب. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال : الرقيم : وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة. والراويان عن ابن عباس ضعيفان. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال : هو الجبل الذي فيه الكهف. وأخرج ابن المنذر عنه، قال : والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان ؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال : وسألت كعباً فقال : اسم القرية التي خرجوا منها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : الرقيم : الكلب. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانُوا مِنْ آياتنا عَجَبًا ﴾ يقول : الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ يقول : أرقدناهم ﴿ ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة ﴿ أحصى لِمَا لَبِثُوا ﴾، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله :﴿ وزدناهم هُدًى ﴾ قال : إخلاصاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ قال : بالإيمان وفي قوله :﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ قال : كذباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : جوراً. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله :﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله ﴾ قال : كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
| أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط | كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل |
﴿ هَؤُلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ هؤلاء مبتدأ، وخبره ﴿ اتخذوا ﴾، و﴿ قومنا ﴾ عطف بيان، وفي هذا الإخبار معنى للإنكار، وفي الإشارة إليهم تحقير لهم ﴿ لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بسلطان بَيّنٍ ﴾ أي : هلا يأتون بحجة ظاهرة تصلح للتمسك بها ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا ﴾ فزعم أن له شريكاً في العبادة أي : لا أحد أظلم منه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الرقيم : الكتاب. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال : الرقيم : وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة. والراويان عن ابن عباس ضعيفان. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال : هو الجبل الذي فيه الكهف. وأخرج ابن المنذر عنه، قال : والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان ؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال : وسألت كعباً فقال : اسم القرية التي خرجوا منها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : الرقيم : الكلب. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانُوا مِنْ آياتنا عَجَبًا ﴾ يقول : الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ يقول : أرقدناهم ﴿ ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة ﴿ أحصى لِمَا لَبِثُوا ﴾، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله :﴿ وزدناهم هُدًى ﴾ قال : إخلاصاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ قال : بالإيمان وفي قوله :﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ قال : كذباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : جوراً. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله :﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله ﴾ قال : كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم ﴾ أي : فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانباً، أي : عن العابدين للأصنام، وقوله :﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله ﴾ معطوف على الضمير المنصوب، و«ما » موصولة أو مصدرية أي : وإذ اعتزلتموهم واعتزلتم معبودهم أو الذي يعبدونه، وقوله :﴿ إِلاَّ الله ﴾ استثناء منقطع على تقدير : أنهم لم يعبدوا إلا الأصنام، أو متصل على تقدير : أنهم شركوها في العبادة مع الله سبحانه وقيل : هو كلام معترض إخبار من الله سبحانه عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله فتكون ما على هذا نافية ﴿ فَأْوُوا إِلَى الكهف ﴾ أي : صيروا إليه واجعلوه مأواكم. قال الفراء : هو جواب إذ، ومعناه : اذهبوا إليه واجعلوه مأواكم، وقيل : هو دليل على جوابه، أي إذ اعتزلتموهم اعتزالاً اعتقادياً، فاعتزلوهم اعتزالاً جسمانياً، وإذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف ﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم من رحْمَتِهِ ﴾ أي : يبسط ويوسع ﴿ وَيُهَيّئ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مرْفَقًا ﴾ أي يسهل وييسر لكم من أمركم الذي أنتم بصدده ﴿ مّرْفَقًا ﴾ المرفق بفتح الميم وكسرها لغتان قرئ بهما، مأخوذ من الارتفاق وهو الانتفاع، وقيل : فتح الميم أقيس، وكسرها أكثر. قال الفراء : وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن مرفق الإنسان، وقد تفتح العرب الميم فيهما فهما لغتان، وكأن الذين فتحوا أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر، والمرفق من الإنسان. وقال الكسائي : الكسر في مرفق اليد، وقيل : المرفق بالكسر : ما ارتفقت به، والمرفق بالفتح : الأمر الرافق، والمراد هنا : ما يرتفقون به وينتفعون بحصوله، والتقديم في الموضعين يفيد الاختصاص.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الرقيم : الكتاب. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال : الرقيم : وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة. والراويان عن ابن عباس ضعيفان. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال : هو الجبل الذي فيه الكهف. وأخرج ابن المنذر عنه، قال : والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان ؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال : وسألت كعباً فقال : اسم القرية التي خرجوا منها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : الرقيم : الكلب. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كَانُوا مِنْ آياتنا عَجَبًا ﴾ يقول : الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ ﴾ يقول : أرقدناهم ﴿ ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة ﴿ أحصى لِمَا لَبِثُوا ﴾، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله :﴿ وزدناهم هُدًى ﴾ قال : إخلاصاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ قال : بالإيمان وفي قوله :﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ قال : كذباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : جوراً. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله :﴿ وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله ﴾ قال : كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفَانِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا الرَّقِيمُ الْكِتَابُ أَمْ بُنْيَانٌ؟ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى قَالَ:
وَسَأَلْتُ كَعْبًا فَقَالَ: اسْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: الرَّقِيمُ: الْكَلْبُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً يَقُولُ: الَّذِي آتَيْتُكَ مِنَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ وَالْكِتَابِ أَفْضَلُ مِنْ شَأْنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ يَقُولُ: أَرْقَدْنَاهُمْ ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ مِنْ قَوْمِ الْفِتْيَةِ، أَهْلِ الْهُدَى، وَأَهْلِ الضَّلَالَةِ أَحْصى لِما لَبِثُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَتَبُوا الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجُوا فِيهِ وَالشَّهْرَ وَالسَّنَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: وَزِدْناهُمْ هُدىً قَالَ: إِخْلَاصًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ قَالَ: بِالْإِيمَانِ. وَفِي قَوْلِهِ: لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً قَالَ: كَذِبًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: جَوْرًا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ قَالَ: كَانَ قَوْمُ الْفِتْيَةِ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ آلِهَةً شَتَّى، فَاعْتَزَلَتِ الْفِتْيَةُ عِبَادَةَ تِلْكَ الْآلِهَةِ وَلَمْ تَعْتَزِلْ عِبَادَةَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الآي قَالَ: هِيَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَا يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
قَوْلُهُ: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِي بَيَانِ حَالِهِمْ، بَعْدَ مَا أَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ تَتَزاوَرُ قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِحَذْفِ تَاءِ التَّفَاعُلِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «تَزْوَرُّ» قَالَ الْأَخْفَشُ: لَا يُوضَعُ الْازْوِرَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، إِنَّمَا يُقَالُ هُوَ مُزْوَرٌّ عَنِّي، أَيْ: مُنْقَبِضٌ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَإِدْغَامِ تَاءِ التَّفَاعُلِ فِيهِ بَعْدَ تَسْكِينِهَا، وَتَزَاوَرَ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّوَرِ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهُوَ الْمَيْلُ، وَمِنْهُ زَارَهُ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ، وَالزَّوَرُ: الْمَيْلُ، فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تميل وتتنحّى عَنْ كَهْفِهِمْ، قال الرّاجز الكليبي:
جدب المندّى عَنْ هَوَانَا أَزْوَرُ أَيْ: مَائِلٌ ذاتَ الْيَمِينِ أَيْ: نَاحِيَةِ الْيَمِينِ، وَهِيَ الْجِهَةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْيَمِينِ، وَانْتِصَابُ ذَاتَ عَلَى الظَّرْفِ،
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا الرَّقِيمُ الْكِتَابُ أَمْ بُنْيَانٌ؟ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى قَالَ:
وَسَأَلْتُ كَعْبًا فَقَالَ: اسْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: الرَّقِيمُ: الْكَلْبُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً يَقُولُ: الَّذِي آتَيْتُكَ مِنَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ وَالْكِتَابِ أَفْضَلُ مِنْ شَأْنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ يَقُولُ: أَرْقَدْنَاهُمْ ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ مِنْ قَوْمِ الْفِتْيَةِ، أَهْلِ الْهُدَى، وَأَهْلِ الضَّلَالَةِ أَحْصى لِما لَبِثُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَتَبُوا الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجُوا فِيهِ وَالشَّهْرَ وَالسَّنَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: وَزِدْناهُمْ هُدىً قَالَ: إِخْلَاصًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ قَالَ: بِالْإِيمَانِ. وَفِي قَوْلِهِ: لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً قَالَ: كَذِبًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: جَوْرًا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ قَالَ: كَانَ قَوْمُ الْفِتْيَةِ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ آلِهَةً شَتَّى، فَاعْتَزَلَتِ الْفِتْيَةُ عِبَادَةَ تِلْكَ الْآلِهَةِ وَلَمْ تَعْتَزِلْ عِبَادَةَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الآي قَالَ: هِيَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَا يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
قَوْلُهُ: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِي بَيَانِ حَالِهِمْ، بَعْدَ مَا أَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ تَتَزاوَرُ قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِحَذْفِ تَاءِ التَّفَاعُلِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «تَزْوَرُّ» قَالَ الْأَخْفَشُ: لَا يُوضَعُ الْازْوِرَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، إِنَّمَا يُقَالُ هُوَ مُزْوَرٌّ عَنِّي، أَيْ: مُنْقَبِضٌ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَإِدْغَامِ تَاءِ التَّفَاعُلِ فِيهِ بَعْدَ تَسْكِينِهَا، وَتَزَاوَرَ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّوَرِ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهُوَ الْمَيْلُ، وَمِنْهُ زَارَهُ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ، وَالزَّوَرُ: الْمَيْلُ، فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تميل وتتنحّى عَنْ كَهْفِهِمْ، قال الرّاجز الكليبي:
جدب المندّى عَنْ هَوَانَا أَزْوَرُ أَيْ: مَائِلٌ ذاتَ الْيَمِينِ أَيْ: نَاحِيَةِ الْيَمِينِ، وَهِيَ الْجِهَةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْيَمِينِ، وَانْتِصَابُ ذَاتَ عَلَى الظَّرْفِ،
325
وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ الْقَرْضُ: الْقَطْعُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ وَالزَّجَّاجُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: تَعْدِلُ عَنْهُمْ وَتَتْرُكُهُمْ، قَرَضْتُ الْمَكَانَ: عَدَلْتَ عَنْهُ، تَقُولُ لِصَاحِبِكَ: هَلْ وَرَدْتَ مَكَانَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: إِنَّمَا قَرَضْتُهُ:
إِذَا مَرَّ بِهِ وَتَجَاوَزَ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مَالَتْ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ أَيْ: يَمِينِ الْكَهْفِ، وَإِذَا غَرَبَتْ تَمُرُّ ذاتَ الشِّمالِ أَيْ: شِمَالِ الْكَهْفِ لَا تُصِيبُهُ. بَلْ تَعْدِلُ عَنْ سِمَتِهِ إِلَى الْجِهَتَيْنِ، وَالْفَجْوَةُ:
الْمَكَانُ الْمُتَّسِعُ، وَجُمْلَةُ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ فِي مَكَانٍ مُنْفَتِحٍ انْفِتَاحًا وَاسِعًا فِي ظِلِّ جَمِيعِ نَهَارِهِمْ، لَا تُصِيبُهُمُ الشَّمْسُ فِي طُلُوعِهَا وَلَا فِي غُرُوبِهَا لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَجَبَهَا عَنْهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّ بَابَ ذَلِكَ الْكَهْفِ كَانَ مَفْتُوحًا إِلَى جَانِبِ الشِّمَالِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ كَانَتْ عَنْ يَمِينِ الْكَهْفِ، وَإِذَا غَرَبَتْ كَانَتْ عَنْ يَسَارِهِ، وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ فَإِنَّ صَرْفَ الشَّمْسِ عَنْهُمْ مَعَ تَوَجُّهِ الْفَجْوَةِ إِلَى مَكَانٍ تَصِلُ إِلَيْهِ عَادَةً أَنْسَبُ بِمَعْنَى كَوْنِهَا آيَةً، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا إِطْلَاقُ الْفَجْوَةِ وَعَدَمُ تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا إِلَى جِهَةِ كَذَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَجْوَةَ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
ثم أثنى سبحانه عليه بِقَوْلِهِ: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ أَيْ: إِلَى الْحَقِّ فَهُوَ الْمُهْتَدِ الَّذِي ظَفِرَ بِالْهُدَى، وَأَصَابَ الرُّشْدَ وَالْفَلَاحَ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً أَيْ: نَاصِرًا يَهْدِيهِ إِلَى الْحَقِّ كَدِقْيَانُوسَ وَأَصْحَابِهِ.
ثُمَّ حَكَى سُبْحَانَهُ طَرَفًا آخَرَ مِنْ غَرَائِبِ أَحْوَالِهِمْ، فَقَالَ: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً جَمْعُ يَقِظٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَهُمْ رُقُودٌ أَيْ: نِيَامٌ، وَهُوَ جَمْعُ رَاقِدٍ، كَقُعُودٍ فِي قَاعِدٍ. قِيلَ: وَسَبَبُ هَذَا الْحُسْبَانِ أَنَّ عُيُونَهُمْ كَانَتْ مُفَتَّحَةً وَهُمْ نِيَامٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِمْ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ أَيْ: نُقَلِّبُهُمْ فِي رَقْدَتِهِمْ إِلَى الْجِهَتَيْنِ لِئَلَّا تَأْكُلَ الْأَرْضُ أَجْسَادَهُمْ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٍ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَعْمَلُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هَرَبُوا مِنْ مَلِكِهِمْ لَيْلًا، فَمَرُّوا براع معه كلب فتبعهم. والوصيد، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ فِنَاءُ الْبَابِ، وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، وَقِيلَ:
الْعَتَبَةُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَهْفَ لَا يَكُونُ لَهُ عَتَبَةٌ وَلَا بَابٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْكَلْبَ مَوْضِعُ الْعَتَبَةَ مِنَ الْبَيْتِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً قَالَ الزَّجَّاجُ: فِرَارًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِمَعْنَى التَّوْلِيَةِ، وَالْفِرَارُ: الْهَرَبُ.
وَلَمُلِئْتَ قُرِئَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِهَا مِنْهُمْ رُعْباً قُرِئَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا، أَيْ: خَوْفًا يَمْلَأُ الصَّدْرَ، وَانْتِصَابُ رُعْبًا عَلَى التَّمْيِيزِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَسَبَبُ الرُّعْبِ الْهَيْبَةُ الَّتِي أَلْبَسَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا وقيل:
طول أظفارهم وشعور هم وَعِظَمُ أَجْرَامِهِمْ وَوَحْشَةُ مَكَانِهِمْ، وَيَدْفَعُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا مِنْ حَالِهِمْ شَيْئًا، وَلَا وَجَدُوا مِنْ أَظْفَارِهِمْ وَشُعُورِهِمْ مَا يدلّ على طول المدّة وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، أَيْ: وَكَمَا فَعَلْنَا بِهِمْ مَا فَعَلْنَا مِنَ الْكَرَامَاتِ بَعَثْنَاهُمْ مِنْ نَوْمِهِمْ، وَفِيهِ تَذْكِيرٌ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِمَاتَةِ وَالْبَعْثِ جَمِيعًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَمْرَ الَّذِي لِأَجْلِهِ بعثهم فقال:
لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ أَيْ: لِيَقَعَ التَّسَاؤُلُ بَيْنَهُمْ وَالِاخْتِلَافُ وَالتَّنَازُعُ فِي مُدَّةِ اللُّبْثِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ من
إِذَا مَرَّ بِهِ وَتَجَاوَزَ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مَالَتْ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ أَيْ: يَمِينِ الْكَهْفِ، وَإِذَا غَرَبَتْ تَمُرُّ ذاتَ الشِّمالِ أَيْ: شِمَالِ الْكَهْفِ لَا تُصِيبُهُ. بَلْ تَعْدِلُ عَنْ سِمَتِهِ إِلَى الْجِهَتَيْنِ، وَالْفَجْوَةُ:
الْمَكَانُ الْمُتَّسِعُ، وَجُمْلَةُ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ فِي مَكَانٍ مُنْفَتِحٍ انْفِتَاحًا وَاسِعًا فِي ظِلِّ جَمِيعِ نَهَارِهِمْ، لَا تُصِيبُهُمُ الشَّمْسُ فِي طُلُوعِهَا وَلَا فِي غُرُوبِهَا لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَجَبَهَا عَنْهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّ بَابَ ذَلِكَ الْكَهْفِ كَانَ مَفْتُوحًا إِلَى جَانِبِ الشِّمَالِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ كَانَتْ عَنْ يَمِينِ الْكَهْفِ، وَإِذَا غَرَبَتْ كَانَتْ عَنْ يَسَارِهِ، وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ فَإِنَّ صَرْفَ الشَّمْسِ عَنْهُمْ مَعَ تَوَجُّهِ الْفَجْوَةِ إِلَى مَكَانٍ تَصِلُ إِلَيْهِ عَادَةً أَنْسَبُ بِمَعْنَى كَوْنِهَا آيَةً، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا إِطْلَاقُ الْفَجْوَةِ وَعَدَمُ تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا إِلَى جِهَةِ كَذَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَجْوَةَ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
| أَلْبَسْتَ قَوْمَكَ مَخْزَاةً وَمَنْقَصَةً | حتى أبيحوا وحلّوا فجوة الدّار |
ثُمَّ حَكَى سُبْحَانَهُ طَرَفًا آخَرَ مِنْ غَرَائِبِ أَحْوَالِهِمْ، فَقَالَ: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً جَمْعُ يَقِظٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَهُمْ رُقُودٌ أَيْ: نِيَامٌ، وَهُوَ جَمْعُ رَاقِدٍ، كَقُعُودٍ فِي قَاعِدٍ. قِيلَ: وَسَبَبُ هَذَا الْحُسْبَانِ أَنَّ عُيُونَهُمْ كَانَتْ مُفَتَّحَةً وَهُمْ نِيَامٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِمْ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ أَيْ: نُقَلِّبُهُمْ فِي رَقْدَتِهِمْ إِلَى الْجِهَتَيْنِ لِئَلَّا تَأْكُلَ الْأَرْضُ أَجْسَادَهُمْ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٍ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَعْمَلُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هَرَبُوا مِنْ مَلِكِهِمْ لَيْلًا، فَمَرُّوا براع معه كلب فتبعهم. والوصيد، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ فِنَاءُ الْبَابِ، وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، وَقِيلَ:
الْعَتَبَةُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَهْفَ لَا يَكُونُ لَهُ عَتَبَةٌ وَلَا بَابٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْكَلْبَ مَوْضِعُ الْعَتَبَةَ مِنَ الْبَيْتِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً قَالَ الزَّجَّاجُ: فِرَارًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِمَعْنَى التَّوْلِيَةِ، وَالْفِرَارُ: الْهَرَبُ.
وَلَمُلِئْتَ قُرِئَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِهَا مِنْهُمْ رُعْباً قُرِئَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا، أَيْ: خَوْفًا يَمْلَأُ الصَّدْرَ، وَانْتِصَابُ رُعْبًا عَلَى التَّمْيِيزِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَسَبَبُ الرُّعْبِ الْهَيْبَةُ الَّتِي أَلْبَسَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا وقيل:
طول أظفارهم وشعور هم وَعِظَمُ أَجْرَامِهِمْ وَوَحْشَةُ مَكَانِهِمْ، وَيَدْفَعُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا مِنْ حَالِهِمْ شَيْئًا، وَلَا وَجَدُوا مِنْ أَظْفَارِهِمْ وَشُعُورِهِمْ مَا يدلّ على طول المدّة وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، أَيْ: وَكَمَا فَعَلْنَا بِهِمْ مَا فَعَلْنَا مِنَ الْكَرَامَاتِ بَعَثْنَاهُمْ مِنْ نَوْمِهِمْ، وَفِيهِ تَذْكِيرٌ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِمَاتَةِ وَالْبَعْثِ جَمِيعًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَمْرَ الَّذِي لِأَجْلِهِ بعثهم فقال:
لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ أَيْ: لِيَقَعَ التَّسَاؤُلُ بَيْنَهُمْ وَالِاخْتِلَافُ وَالتَّنَازُعُ فِي مُدَّةِ اللُّبْثِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ من
326
انْكِشَافِ الْحَالِ وَظُهُورِ الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى عِلَّةِ التَّسَاؤُلِ لَا يَنْفِي غَيْرَهَا، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِاسْتِتْبَاعِهِ لِسَائِرِ الْآثَارِ، وَجُمْلَةُ: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ مُبَيِّنَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ التَّسَاؤُلِ، أَيْ: كَمْ مُدَّةُ لُبْثِكُمْ فِي النَّوْمِ؟
قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا فِي أَنْفُسِهِمْ غَيْرَ مَا يَعْهَدُونَهُ فِي الْعَادَةِ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّهُمْ دَخَلُوا الْكَهْفَ غُدْوَةً، وَبَعَثَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آخِرَ النَّهَارِ، فَلِذَلِكَ قَالُوا يَوْمًا، فَلَمَّا رَأَوُا الشَّمْسَ قَالُوا: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ النَّهَارِ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ هَذَا الْجَوَابِ فِي قِصَّةِ عُزَيْرٍ فِي الْبَقَرَةِ: قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ، أَيْ: قَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ هَذَا الْقَوْلَ، إِمَّا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ إِلْهَامًا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ مُدَّةَ لُبْثِكُمْ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَعْرَضُوا عَنِ التَّحَاوُرِ فِي مُدَّةِ اللُّبْثِ، وَأَخَذُوا فِي شَيْءٍ آخَرَ، كَأَنَّهُ قَالَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ: اتْرُكُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ، وَخُذُوا فِي شَيْءٍ آخَرَ مِمَّا يُهِمُّكُمْ، وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ مَضْرُوبَةٌ أَوْ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِسُكُونِهَا، وَقُرِئَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِدْغَامِ الْقَافِ فِي الْكَافِ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ. وَفِي حَمْلِهِمْ لِهَذِهِ الْوَرِقِ مَعَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِمْسَاكَ بَعْضِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ، والمدينة دَقْسْوسُ، وَهِيَ مَدِينَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، وَيُقَالُ لَهَا الْيَوْمَ طَرَسُوسُ، كَذَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً أَيْ: يَنْظُرْ أَيَّ أَهْلِهَا أَطْيَبَ طَعَامًا، وَأَحَلَّ مَكْسَبًا، أَوْ أَرْخَصَ سِعْرًا وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى الْأَطْعِمَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا فِي الْمَقَامِ، كَمَا يُقَالُ:
زَيْدٌ طِبْتَ أَبًا عَلَى أَنَّ الْأَبَ هُوَ زَيْدٌ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى حِلِّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا كُفَّارًا، وَفِيهِمْ قَوْمٌ يُخْفُونَ إِيمَانَهُمْ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الطَّعَامَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ وَلْيَتَلَطَّفْ أَيْ: يُدَقِّقِ النَّظَرَ حَتَّى لَا يُعْرَفَ أَوْ لَا يغبن، والأوّل أَوْلَى، وَيُؤَيِّدُهُ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً أَيْ: لَا يَفْعَلَنَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الشُّعُورِ وَيَتَسَبَّبُ لَهُ، فَهَذَا النَّهْيُ يَتَضَمَّنُ التَّأْكِيدَ لِلْأَمْرِ بِالتَّلَطُّفِ. ثُمَّ عَلَّلَ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أَيْ: يَطَّلِعُوا عَلَيْكُمْ وَيَعْلَمُوا بِمَكَانِكُمْ، يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَرْجُمُوكُمْ يَقْتُلُوكُمْ بِالرَّجْمِ، وَهَذِهِ الْقَتْلَةُ هِيَ أَخْبَثُ قَتْلَةٍ، وكان ذلك عَادَةً لَهُمْ، وَلِهَذَا خَصَّهُ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ بِهِ الْقَتْلُ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ أَيْ: يَرُدُّوكُمْ إِلَى مِلَّتِهِمُ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَهْدِيَكُمُ اللَّهُ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْعَوْدِ هُنَا الصَّيْرُورَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى مِلَّتِهِمْ، وَإِيثَارُ كَلِمَةِ فِي عَلَى كَلِمَةِ إِلَى لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً فِي إِذًا مَعْنَى الشَّرْطِ، كَأَنَّهُ قَالَ:
إِنْ رَجَعْتُمْ إِلَى دِينِهِمْ فَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: تَتَزاوَرُ قَالَ: تَمِيلُ، وَفِي قَوْلِهِ: تَقْرِضُهُمْ قَالَ: تَذَرُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:
تَقْرِضُهُمْ قَالَ: تَتْرُكُهُمْ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ قَالَ: الْمَكَانُ الدَّاخِلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الْفَجْوَةُ: الْخَلْوَةُ مِنَ الْأَرْضِ، وَيَعْنِي بِالْخَلْوَةِ: النَّاحِيَةَ مِنَ الْأَرْضِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا فِي أَنْفُسِهِمْ غَيْرَ مَا يَعْهَدُونَهُ فِي الْعَادَةِ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّهُمْ دَخَلُوا الْكَهْفَ غُدْوَةً، وَبَعَثَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آخِرَ النَّهَارِ، فَلِذَلِكَ قَالُوا يَوْمًا، فَلَمَّا رَأَوُا الشَّمْسَ قَالُوا: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ النَّهَارِ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ هَذَا الْجَوَابِ فِي قِصَّةِ عُزَيْرٍ فِي الْبَقَرَةِ: قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ، أَيْ: قَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ هَذَا الْقَوْلَ، إِمَّا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ إِلْهَامًا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ مُدَّةَ لُبْثِكُمْ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَعْرَضُوا عَنِ التَّحَاوُرِ فِي مُدَّةِ اللُّبْثِ، وَأَخَذُوا فِي شَيْءٍ آخَرَ، كَأَنَّهُ قَالَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ: اتْرُكُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ، وَخُذُوا فِي شَيْءٍ آخَرَ مِمَّا يُهِمُّكُمْ، وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ مَضْرُوبَةٌ أَوْ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِسُكُونِهَا، وَقُرِئَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِدْغَامِ الْقَافِ فِي الْكَافِ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ. وَفِي حَمْلِهِمْ لِهَذِهِ الْوَرِقِ مَعَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِمْسَاكَ بَعْضِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ، والمدينة دَقْسْوسُ، وَهِيَ مَدِينَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، وَيُقَالُ لَهَا الْيَوْمَ طَرَسُوسُ، كَذَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً أَيْ: يَنْظُرْ أَيَّ أَهْلِهَا أَطْيَبَ طَعَامًا، وَأَحَلَّ مَكْسَبًا، أَوْ أَرْخَصَ سِعْرًا وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى الْأَطْعِمَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا فِي الْمَقَامِ، كَمَا يُقَالُ:
زَيْدٌ طِبْتَ أَبًا عَلَى أَنَّ الْأَبَ هُوَ زَيْدٌ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى حِلِّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا كُفَّارًا، وَفِيهِمْ قَوْمٌ يُخْفُونَ إِيمَانَهُمْ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الطَّعَامَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ وَلْيَتَلَطَّفْ أَيْ: يُدَقِّقِ النَّظَرَ حَتَّى لَا يُعْرَفَ أَوْ لَا يغبن، والأوّل أَوْلَى، وَيُؤَيِّدُهُ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً أَيْ: لَا يَفْعَلَنَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الشُّعُورِ وَيَتَسَبَّبُ لَهُ، فَهَذَا النَّهْيُ يَتَضَمَّنُ التَّأْكِيدَ لِلْأَمْرِ بِالتَّلَطُّفِ. ثُمَّ عَلَّلَ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أَيْ: يَطَّلِعُوا عَلَيْكُمْ وَيَعْلَمُوا بِمَكَانِكُمْ، يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَرْجُمُوكُمْ يَقْتُلُوكُمْ بِالرَّجْمِ، وَهَذِهِ الْقَتْلَةُ هِيَ أَخْبَثُ قَتْلَةٍ، وكان ذلك عَادَةً لَهُمْ، وَلِهَذَا خَصَّهُ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ بِهِ الْقَتْلُ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ أَيْ: يَرُدُّوكُمْ إِلَى مِلَّتِهِمُ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَهْدِيَكُمُ اللَّهُ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْعَوْدِ هُنَا الصَّيْرُورَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى مِلَّتِهِمْ، وَإِيثَارُ كَلِمَةِ فِي عَلَى كَلِمَةِ إِلَى لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً فِي إِذًا مَعْنَى الشَّرْطِ، كَأَنَّهُ قَالَ:
إِنْ رَجَعْتُمْ إِلَى دِينِهِمْ فَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: تَتَزاوَرُ قَالَ: تَمِيلُ، وَفِي قَوْلِهِ: تَقْرِضُهُمْ قَالَ: تَذَرُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:
تَقْرِضُهُمْ قَالَ: تَتْرُكُهُمْ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ قَالَ: الْمَكَانُ الدَّاخِلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الْفَجْوَةُ: الْخَلْوَةُ مِنَ الْأَرْضِ، وَيَعْنِي بِالْخَلْوَةِ: النَّاحِيَةَ مِنَ الْأَرْضِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
327
ثم حكى سبحانه طرفاً آخر من غرائب أحوالهم فقال :﴿ وَتَحْسبهُمْ أَيْقَاظًا ﴾ جمع يقظ بكسر القاف وفتحها ﴿ وَهُمْ رُقُودٌ ﴾ أي : نيام، وهو جمع راقد كقعود في قاعد. قيل : وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام. وقال الزجاج : لكثرة تقلبهم ﴿ وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال ﴾ أي : نقلبهم في رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم ﴿ وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ ﴾ حكاية حال ماضية، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضيّ كما تقرر في علم النحو. قال أكثر المفسرين : هربوا من ملكهم ليلاً، فمرّوا براع معه كلب فتبعهم. والوصيد، قال أبو عبيد وأبو عبيدة هو فناء الباب، وكذا قال المفسرون، وقيل : العتبة، وردّ بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب، وإنما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت ﴿ لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا ﴾ قال الزجاج : فراراً منصوب على المصدرية بمعنى : التولية، والفرار : الهرب ﴿ وَلَمُلِئْتَ ﴾ قرئ بتشديد اللام وتخفيفها ﴿ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾ قرئ بسكون العين وضمها أي : خوفاً يملأ الصدر، وانتصاب ﴿ رعباً ﴾ على التمييز، أو على أنه مفعول ثانٍ، وسبب الرّعب الهيبة التي ألبسهم الله إياها، وقيل : طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم، ويدفعه قوله تعالى :﴿ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئاً، ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدّة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تَزَاوَر ﴾ قال : تميل، وفي قوله :﴿ تَقْرِضُهُمْ ﴾ قال : تذرهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ تَقْرِضُهُمْ ﴾ قال : تتركهم، ﴿ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ منْهُ ﴾ قال : المكان الداخل. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال : الفجوة : الخلوة من الأرض، ويعني بالخلوة : الناحية من الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنُقَلّبُهُمْ ﴾ الآية قال : ستة أشهر على ذي الجنب اليمين، وستة أشهر على ذي الجنب الشمال. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في الآية قال : كي لا تأكل الأرض لحومهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن اسم كلبهم : قطمورا. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : اسمه قطمير. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ بالوصيد ﴾ قال : بالفناء. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال : بالباب. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أزكى طَعَامًا ﴾ قال : أحلّ ذبيحة، وكانوا يذبحون للطواغيت. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه ﴿ أزكى طَعَامًا ﴾ يعني : أطهر، لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت.
﴿ وكذلك بعثناهم لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ الإشارة إلى المذكور قبله أي : وكما فعلنا بهم ما فعلنا من الكرامات بعثناهم من نومهم، وفيه تذكير لقدرته على الإماتة والبعث جميعاً، ثم ذكر الأمر الذي لأجله بعثهم فقال : ليتساءلوا بينهم أي : ليقع التساؤل بينهم والاختلاف والتنازع في مدة اللبث لما يترتب على ذلك من انكشاف الحال وظهور القدرة الباهرة، والاقتصار على علة التساؤل لا ينفي غيرها، وإنما أفرده لاستتباعه لسائر الآثار، وجملة ﴿ قَالَ قَائِلٌ منْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ ﴾ مبينة لما قبلها من التساؤل أي : كم مدّة لبثكم في النوم ؟ قالوا ذلك لأنهم رأوا في أنفسهم غير ما يعهدونه في العادة ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ أي : قال بعضهم جواباً عن سؤال من سأل منهم، قال المفسرون : إنهم دخلوا الكهف غدوة، وبعثهم الله سبحانه آخر النهار، فلذلك قالوا يوماً، فلما رأوا الشمس قالوا أو بعض يوم، وكان قد بقيت بقية من النهار، وقد مرّ مثل هذا الجواب في قصة عزير في البقرة. ﴿ قَالُوا رَبكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ أي : قال البعض الآخر هذا القول، إما على طريق الاستدلال، أو كان ذلك إلهاماً لهم من الله سبحانه، أي : أنكم لا تعلمون مدّة لبثكم، وإنما يعلمها الله سبحانه ﴿ فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة ﴾ أعرضوا عن التحاور في مدّة اللبث، وأخذوا في شيء آخر، كأنه قال القائل منهم : اتركوا ما أنتم فيه من المحاورة، وخذوا في شيء آخر مما يهمكم، والفاء : للسببية، والورق : الفضة مضروبة أو غير مضروبة. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بكسر الراء، وقرأ أبو عمرو وحمزة، وأبو بكر عن عاصم بسكونها، وقرئ بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف، وقرأ ابن محيصن بكسر الواو وسكون الراء. وفي حملهم لهذه الورق معهم دليل على أن إمساك بعض ما يحتاج إليه الإنسان لا ينافي التوكل على الله، والمدينة : دقسوس، وهي مدينتهم التي كانوا فيها، ويقال لها اليوم : طرسوس، كذا قال الواحدي :﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أزكى طَعَامًا ﴾ أي : ينظر أيّ أهلها أطيب طعاماً، وأحلّ مكسباً، أو أرخص سعراً، وقيل : يجوز أن يعود الضمير إلى الأطعمة المدلول عليها في المقام كما يقال : زيد طبت أبا، على أن الأب هو زيد، وفيه بعد. واستدل بالآية على حلّ ذبائح أهل الكتاب لأن عامة أهل المدينة كانوا كفاراً، وفيهم قوم يخفون إيمانهم، ووجه الاستدلال أن الطعام يتناول اللحم كما يتناول غيره مما يطلق عليه اسم الطعام ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾ أي : يدقق النظر حتى لا يعرف أو لا يغبن، والأوّل أولى، ويؤيده ﴿ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ أي : لا يفعلنّ ما يؤدي إلى الشعور ويتسبب له، فهذا النهي يتضمن التأكيد للأمر بالتلطف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تَزَاوَر ﴾ قال : تميل، وفي قوله :﴿ تَقْرِضُهُمْ ﴾ قال : تذرهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ تَقْرِضُهُمْ ﴾ قال : تتركهم، ﴿ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ منْهُ ﴾ قال : المكان الداخل. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال : الفجوة : الخلوة من الأرض، ويعني بالخلوة : الناحية من الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنُقَلّبُهُمْ ﴾ الآية قال : ستة أشهر على ذي الجنب اليمين، وستة أشهر على ذي الجنب الشمال. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في الآية قال : كي لا تأكل الأرض لحومهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن اسم كلبهم : قطمورا. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : اسمه قطمير. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ بالوصيد ﴾ قال : بالفناء. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال : بالباب. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أزكى طَعَامًا ﴾ قال : أحلّ ذبيحة، وكانوا يذبحون للطواغيت. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه ﴿ أزكى طَعَامًا ﴾ يعني : أطهر، لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت.
ثم علل ما سبق من الأمر والنهي فقال :﴿ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ﴾ أي : يطلعوا عليكم ويعلموا بمكانكم، يعني : أهل المدينة ﴿ يَرْجُمُوكُمْ ﴾ يقتلوكم بالرجم، وهذه القتلة هي أخبث قتلة. [ فإن ذلك كان ] عادة لهم، ولهذا خصه من بين أنواع ما يقع به القتل ﴿ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ﴾ أي : يردّوكم إلى ملتهم التي كنتم عليها قبل أن يهديكم الله، أو المراد بالعود هنا : الصيرورة على تقدير أنهم لم يكونوا على ملتهم، وإيثار كلمة «في » على كلمة «إلى » للدلالة على الاستقرار ﴿ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ في إذاً معنى الشرط. كأنه قال : إن رجعتم إلى دينهم فلن تفلحوا إذاً أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تَزَاوَر ﴾ قال : تميل، وفي قوله :﴿ تَقْرِضُهُمْ ﴾ قال : تذرهم. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ تَقْرِضُهُمْ ﴾ قال : تتركهم، ﴿ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ منْهُ ﴾ قال : المكان الداخل. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال : الفجوة : الخلوة من الأرض، ويعني بالخلوة : الناحية من الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَنُقَلّبُهُمْ ﴾ الآية قال : ستة أشهر على ذي الجنب اليمين، وستة أشهر على ذي الجنب الشمال. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في الآية قال : كي لا تأكل الأرض لحومهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن اسم كلبهم : قطمورا. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : اسمه قطمير. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ بالوصيد ﴾ قال : بالفناء. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال : بالباب. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله :﴿ أزكى طَعَامًا ﴾ قال : أحلّ ذبيحة، وكانوا يذبحون للطواغيت. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه ﴿ أزكى طَعَامًا ﴾ يعني : أطهر، لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت.
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَنُقَلِّبُهُمْ الْآيَةَ قَالَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ عَلَى ذِي الْجَنْبِ الْيَمِينِ، وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ عَلَى ذِي الْجَنْبِ الشِّمَالِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَيْ لَا تَأْكُلَ الْأَرْضُ لُحُومَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ اسْمَ كَلْبِهِمْ قطمور. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: اسْمُهُ قِطْمِيرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: بِالْوَصِيدِ قَالَ: بِالْفِنَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: بِالْبَابِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: أَزْكى طَعاماً قَالَ: أَحَلُّ ذَبِيحَةً، وَكَانُوا يَذْبَحُونَ لِلطَّوَاغِيتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَزْكى طَعاماً: يَعْنِي أَطْهَرَ لأنهم كانوا يذبحون للطّواغيت.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢١ الى ٢٦]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)
قَوْلُهُ: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أَيْ: وَكَمَا أَنَمْنَاهُمْ وَبَعَثْنَاهُمْ، أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ أَيْ أَطْلَعْنَا النَّاسَ عَلَيْهِمْ، وَسَمَّى الْإِعْلَامَ إِعْثَارًا لِأَنَّ مَنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ شَيْءٍ فَعَثَرَ بِهِ نَظَرَ إِلَيْهِ وَعَرَفَهُ، فَكَانَ الْإِعْثَارُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَيْ: لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أَعْثَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنَّ وَعَدَ اللَّهِ بِالْبَعْثِ حَقٌّ. قِيلَ: وَكَانَ مَلِكُ ذَلِكَ الْعَصْرِ مِمَّنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ، فَأَرَاهُ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قِيلَ: وَسَبَبُ الْإِعْثَارِ عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي بَعَثُوهُ بِالْوَرِقِ، وَكَانَتْ مِنْ ضَرْبَةِ «١» دِقْيَانُوسَ، إِلَى السُّوقِ، لَمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ السُّوقِ اتَّهَمُوهُ بِأَنَّهُ وَجَدَ كَنْزًا، فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ وَجَدْتَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ؟ قَالَ: بِعْتُ بِهَا أَمْسَ شَيْئًا مِنَ التَّمْرِ، فَعَرَفَ الْمَلِكُ صِدْقَهُ، ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَرَكِبَ الْمَلِكُ وَرَكِبَ أَصْحَابُهُ مَعَهُ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْكَهْفِ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها أَيْ: وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْقِيَامَةَ لَا شَكَّ فِي حُصُولِهَا، فَإِنَّ مَنْ شَاهَدَ حَالَ أَهْلِ الْكَهْفِ عَلِمَ صِحَّةَ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَعْثِ إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْثَرْنَا، أَيْ: أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ وَقْتَ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَعْثَرَهُمُ اللَّهُ فِي أَمْرِ الْبَعْثِ وَقِيلَ: فِي أَمْرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِي
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢١ الى ٢٦]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)
قَوْلُهُ: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أَيْ: وَكَمَا أَنَمْنَاهُمْ وَبَعَثْنَاهُمْ، أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ أَيْ أَطْلَعْنَا النَّاسَ عَلَيْهِمْ، وَسَمَّى الْإِعْلَامَ إِعْثَارًا لِأَنَّ مَنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ شَيْءٍ فَعَثَرَ بِهِ نَظَرَ إِلَيْهِ وَعَرَفَهُ، فَكَانَ الْإِعْثَارُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَيْ: لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أَعْثَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنَّ وَعَدَ اللَّهِ بِالْبَعْثِ حَقٌّ. قِيلَ: وَكَانَ مَلِكُ ذَلِكَ الْعَصْرِ مِمَّنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ، فَأَرَاهُ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قِيلَ: وَسَبَبُ الْإِعْثَارِ عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي بَعَثُوهُ بِالْوَرِقِ، وَكَانَتْ مِنْ ضَرْبَةِ «١» دِقْيَانُوسَ، إِلَى السُّوقِ، لَمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ السُّوقِ اتَّهَمُوهُ بِأَنَّهُ وَجَدَ كَنْزًا، فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ وَجَدْتَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ؟ قَالَ: بِعْتُ بِهَا أَمْسَ شَيْئًا مِنَ التَّمْرِ، فَعَرَفَ الْمَلِكُ صِدْقَهُ، ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَرَكِبَ الْمَلِكُ وَرَكِبَ أَصْحَابُهُ مَعَهُ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْكَهْفِ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها أَيْ: وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْقِيَامَةَ لَا شَكَّ فِي حُصُولِهَا، فَإِنَّ مَنْ شَاهَدَ حَالَ أَهْلِ الْكَهْفِ عَلِمَ صِحَّةَ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَعْثِ إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْثَرْنَا، أَيْ: أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ وَقْتَ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَعْثَرَهُمُ اللَّهُ فِي أَمْرِ الْبَعْثِ وَقِيلَ: فِي أَمْرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِي
(١). ضرب الدرهم: سكّه وطبعه.
328
قَدْرِ مُكْثِهِمْ، وَفِي عَدَدِهِمْ، وَفِيمَا يَفْعَلُونَهُ بَعْدَ أَنِ اطَّلَعُوا عَلَيْهِمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَ وَأَصْحَابَهُ لَمَّا وَقَفُوا عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ أَمَاتَ اللَّهُ الْفِتْيَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا يَسْتُرُهُمْ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ حَاكِيًا لِقَوْلِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِمْ وَفِي عَدَدِهِمْ، وَفِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ، وَفِي نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِمْ، قَالُوا ذَلِكَ تَفْوِيضًا لِلْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، رَدًّا لِقَوْلِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِمْ أَيْ: دَعُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ التَّنَازُعِ، فَإِنِّي أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْكُمْ وَقِيلَ: إِنَّ الظَّرْفَ فِي إِذْ يَتَنازَعُونَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هُوَ اذْكُرْ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِعْثَارَ لَيْسَ فِي زَمَنِ التَّنَازُعِ بَلْ قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ مَا زَالُوا مُتَنَازِعِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، مُنْذُ أَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ إِلَى وَقْتِ الْإِعْثَارِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ خَبَرَهُمْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الغار، كتبه بعض المعاصرون لَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُخْفُونَ إِيمَانَهُمْ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ذِكْرُ اتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ يُشْعِرُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ هُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ السُّلْطَانِ وَالْمُلْكِ مِنَ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى أَمْرِ مَنْ عَدَاهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ الزَّجَّاجُ:
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُهُمْ غَلَبَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلْمُؤْمِنِينَ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، هُمُ الْمُتَنَازِعُونَ فِي عَدَدِهِمْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا قَالُوا جَمِيعَ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ بِكَذَا، وَبَعْضُهُمْ بِكَذَا، وَبَعْضُهُمْ بِكَذَا ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ أَيْ: هُمْ ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ، وَجُمْلَةُ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِ كَلْبِهِمْ جَاعِلَهُمْ أَرْبَعَةً بِانْضِمَامِهِ إِلَيْهِمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَانْتِصَابُ رَجْماً بِالْغَيْبِ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: رَاجِمِينَ أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: يَرْجُمُونَ رَجْمًا، وَالرَّجْمُ بِالْغَيْبِ: هُوَ الْقَوْلُ بِالظَّنِّ وَالْحَدْسِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ، وَالْمَوْصُوفُونَ بِالرَّجْمِ بِالْغَيْبِ هُمْ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ الْقَائِلَيْنِ بِأَنَّهُمْ ثَلَاثَةٌ، وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّهُمْ خَمْسَةٌ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ كَأَنَّ قَوْلَ هَذِهِ الْفِرْقَةِ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ بِدَلَالَةِ عَدَمِ إِدْخَالِهِمْ فِي سِلْكِ الرَّاجِمِينَ بِالْغَيْبِ. قِيلَ: وَإِظْهَارُ الْوَاوِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُرَادَةٌ فِي الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ قَوْلُهُ: رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَسَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، جُمْلَتَانِ اسْتُغْنِيَ عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ فِيهِمَا بِمَا تَضَمَّنَتَا مِنْ ذِكْرِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: هُمْ ثَلَاثَةٌ، هَكَذَا حَكَاهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ فِي دُخُولِ الْوَاوِ فِي وَثَامِنُهُمْ وَإِخْرَاجِهَا مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: هِيَ مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا وَاوُ الثَّمَانِيَةِ، وَإِنَّ ذِكْرَهُ مُتَدَاوَلٌ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ إِذَا وَصَلُوا إِلَى الثَّمَانِيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وقوله: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي عَدَدِهِمْ بِمَا يَقْطَعُ التَّنَازُعَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ:
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُخْتَلِفُونَ، ثُمَّ أَثْبَتَ عِلْمَ ذَلِكَ لِقَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: مَا يَعْلَمُهُمْ أَيْ: يَعْلَمُ ذَوَاتِهِمْ فَضْلًا عَنْ عَدَدِهِمْ، أَوْ مَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجِدَالِ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي شَأْنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَقَالَ: فَلا تُمارِ
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُهُمْ غَلَبَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلْمُؤْمِنِينَ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، هُمُ الْمُتَنَازِعُونَ فِي عَدَدِهِمْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا قَالُوا جَمِيعَ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ بِكَذَا، وَبَعْضُهُمْ بِكَذَا، وَبَعْضُهُمْ بِكَذَا ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ أَيْ: هُمْ ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ، وَجُمْلَةُ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِ كَلْبِهِمْ جَاعِلَهُمْ أَرْبَعَةً بِانْضِمَامِهِ إِلَيْهِمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَانْتِصَابُ رَجْماً بِالْغَيْبِ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: رَاجِمِينَ أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: يَرْجُمُونَ رَجْمًا، وَالرَّجْمُ بِالْغَيْبِ: هُوَ الْقَوْلُ بِالظَّنِّ وَالْحَدْسِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ، وَالْمَوْصُوفُونَ بِالرَّجْمِ بِالْغَيْبِ هُمْ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ الْقَائِلَيْنِ بِأَنَّهُمْ ثَلَاثَةٌ، وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّهُمْ خَمْسَةٌ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ كَأَنَّ قَوْلَ هَذِهِ الْفِرْقَةِ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ بِدَلَالَةِ عَدَمِ إِدْخَالِهِمْ فِي سِلْكِ الرَّاجِمِينَ بِالْغَيْبِ. قِيلَ: وَإِظْهَارُ الْوَاوِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُرَادَةٌ فِي الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ قَوْلُهُ: رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَسَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، جُمْلَتَانِ اسْتُغْنِيَ عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ فِيهِمَا بِمَا تَضَمَّنَتَا مِنْ ذِكْرِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: هُمْ ثَلَاثَةٌ، هَكَذَا حَكَاهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ فِي دُخُولِ الْوَاوِ فِي وَثَامِنُهُمْ وَإِخْرَاجِهَا مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: هِيَ مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا وَاوُ الثَّمَانِيَةِ، وَإِنَّ ذِكْرَهُ مُتَدَاوَلٌ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ إِذَا وَصَلُوا إِلَى الثَّمَانِيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وقوله: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي عَدَدِهِمْ بِمَا يَقْطَعُ التَّنَازُعَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ:
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُخْتَلِفُونَ، ثُمَّ أَثْبَتَ عِلْمَ ذَلِكَ لِقَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: مَا يَعْلَمُهُمْ أَيْ: يَعْلَمُ ذَوَاتِهِمْ فَضْلًا عَنْ عَدَدِهِمْ، أَوْ مَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجِدَالِ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي شَأْنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَقَالَ: فَلا تُمارِ
329
فِيهِمْ
الْمِرَاءُ فِي اللُّغَةِ الْجِدَالُ: يُقَالُ مَارَى يُمَارِي مُمَارَاةً وَمِرَاءً، أَيْ: جَادَلَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى سُبْحَانَهُ مِنَ الْمِرَاءِ مَا كَانَ ظَاهِرًا وَاضِحًا فَقَالَ: إِلَّا مِراءً ظاهِراً أَيْ: غَيْرَ مُتَعَمَّقٍ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُصَّ عَلَيْهِمْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَحَسْبُ. وَقَالَ الرَّازِيُّ: هُوَ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُمْ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْعَدَدِ، بَلْ يَقُولُ هَذَا التَّعْيِينُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ، ثُمَّ نَهَاهُ سُبْحَانَهُ عَنْ الِاسْتِفْتَاءِ فِي شَأْنِهِمْ فَقَالَ: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً أَيْ:
لَا تَسْتَفْتِ فِي شَأْنِهِمْ مِنَ الْخَائِضِينَ فِيهِمْ أَحْدًا مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنَ الْمُسْتَفْتِي، وَهَاهُنَا الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَلَا سِيَّمَا فِي وَاقِعَةِ أَهْلِ الْكَهْفِ، وَفِيمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ مَا يُغْنِيكَ عَنْ سُؤَالِ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً أَيْ: لِأَجْلِ شَيْءٍ تَعْزِمُ عَلَيْهِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْغَدِ، وَلَمْ يُرِدِ الْغَدَ بِعَيْنِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَدُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَمَّا سَأَلَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ عَنْ خَبَرِ الْفِتْيَةِ فَقَالَ: أُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَلَمْ يَقِلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاحْتَبَسَ الْوَحْيُ عَنْهُ حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يَأْمُرُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ يَقُولُ: إِذَا قُلْتَ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، فَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَالْمُبَرِّدُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: لَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَأَضْمَرَ الْقَوْلَ وَلَمَّا حَذَفَ تَقُولُ نَقْلَ شَاءَ إِلَى لَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ، قِيلَ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ، أَيْ: لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، إِلَّا حَالَ مُلَابَسَتِهِ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا وَقْتَ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقُولَهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ جَارٍ مَجْرَى التَّأْبِيدِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَقُولَنَّهُ أَبَدًا كَقَوْلِهِ: وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «١» لِأَنَّ عَوْدَهُمْ فِي مِلَّتِهِمْ مِمَّا لَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَيْ: فَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُدَّةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ إِلْحَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ فِي مَوَاضِعِهَا، وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَاذْكُرْ رَبَّكَ بالاستغفار إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ مِنْ هَذَا هُوَ نَبَأُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ عَسَى أَنْ يُوَفِّقَنِي رَبِّي لِشَيْءٍ أَقْرَبَ مِنْ هَذَا النَّبَأِ مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات عَلَى النُّبُوَّةِ مَا يَكُونُ أَقْرَبَ فِي الرَّشَدِ، وَأَدَلَّ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ حَيْثُ آتَاهُ مِنْ عِلْمِ غُيُوبِ الْمُرْسَلِينَ وَخَبَرِهِمْ مَا كَانَ أَوْضَحَ فِي الْحُجَّةِ، وَأَقْرَبَ إِلَى الرَّشَدِ مَنْ خَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلِهِ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أَيْ: عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي عِنْدَ هَذَا النِّسْيَانِ لِشَيْءٍ آخَرَ بَدَلَ هَذَا الْمَنْسِيِّ، وَأَقْرَبَ مِنْهُ رَشَدًا وَأَدْنَى مِنْهُ خَيْرًا وَمَنْفَعَةً، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِتَنْوِينِ مِائَةٍ وَنَصْبِ سِنِينَ، فَيَكُونُ سِنِينَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالزَّجَّاجُ وَالْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، والتقدير سنين ثلاثمائة. وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِإِضَافَةِ مِائَةٍ إِلَى سِنِينَ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَكُونُ سِنِينَ تَمْيِيزًا عَلَى وَضْعِ الْجَمْعِ مَوْضِعَ الْوَاحِدِ فِي التَّمْيِيزِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا «٢». قال الفراء: ومن العرب من يضع
الْمِرَاءُ فِي اللُّغَةِ الْجِدَالُ: يُقَالُ مَارَى يُمَارِي مُمَارَاةً وَمِرَاءً، أَيْ: جَادَلَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى سُبْحَانَهُ مِنَ الْمِرَاءِ مَا كَانَ ظَاهِرًا وَاضِحًا فَقَالَ: إِلَّا مِراءً ظاهِراً أَيْ: غَيْرَ مُتَعَمَّقٍ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُصَّ عَلَيْهِمْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَحَسْبُ. وَقَالَ الرَّازِيُّ: هُوَ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُمْ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْعَدَدِ، بَلْ يَقُولُ هَذَا التَّعْيِينُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ، ثُمَّ نَهَاهُ سُبْحَانَهُ عَنْ الِاسْتِفْتَاءِ فِي شَأْنِهِمْ فَقَالَ: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً أَيْ:
لَا تَسْتَفْتِ فِي شَأْنِهِمْ مِنَ الْخَائِضِينَ فِيهِمْ أَحْدًا مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنَ الْمُسْتَفْتِي، وَهَاهُنَا الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَلَا سِيَّمَا فِي وَاقِعَةِ أَهْلِ الْكَهْفِ، وَفِيمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ مَا يُغْنِيكَ عَنْ سُؤَالِ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً أَيْ: لِأَجْلِ شَيْءٍ تَعْزِمُ عَلَيْهِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْغَدِ، وَلَمْ يُرِدِ الْغَدَ بِعَيْنِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَدُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَمَّا سَأَلَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ عَنْ خَبَرِ الْفِتْيَةِ فَقَالَ: أُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَلَمْ يَقِلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاحْتَبَسَ الْوَحْيُ عَنْهُ حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يَأْمُرُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ يَقُولُ: إِذَا قُلْتَ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، فَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَالْمُبَرِّدُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: لَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَأَضْمَرَ الْقَوْلَ وَلَمَّا حَذَفَ تَقُولُ نَقْلَ شَاءَ إِلَى لَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ، قِيلَ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ، أَيْ: لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، إِلَّا حَالَ مُلَابَسَتِهِ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا وَقْتَ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقُولَهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ جَارٍ مَجْرَى التَّأْبِيدِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَقُولَنَّهُ أَبَدًا كَقَوْلِهِ: وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «١» لِأَنَّ عَوْدَهُمْ فِي مِلَّتِهِمْ مِمَّا لَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَيْ: فَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُدَّةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ إِلْحَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ فِي مَوَاضِعِهَا، وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَاذْكُرْ رَبَّكَ بالاستغفار إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ مِنْ هَذَا هُوَ نَبَأُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ عَسَى أَنْ يُوَفِّقَنِي رَبِّي لِشَيْءٍ أَقْرَبَ مِنْ هَذَا النَّبَأِ مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات عَلَى النُّبُوَّةِ مَا يَكُونُ أَقْرَبَ فِي الرَّشَدِ، وَأَدَلَّ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ حَيْثُ آتَاهُ مِنْ عِلْمِ غُيُوبِ الْمُرْسَلِينَ وَخَبَرِهِمْ مَا كَانَ أَوْضَحَ فِي الْحُجَّةِ، وَأَقْرَبَ إِلَى الرَّشَدِ مَنْ خَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلِهِ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أَيْ: عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي عِنْدَ هَذَا النِّسْيَانِ لِشَيْءٍ آخَرَ بَدَلَ هَذَا الْمَنْسِيِّ، وَأَقْرَبَ مِنْهُ رَشَدًا وَأَدْنَى مِنْهُ خَيْرًا وَمَنْفَعَةً، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِتَنْوِينِ مِائَةٍ وَنَصْبِ سِنِينَ، فَيَكُونُ سِنِينَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالزَّجَّاجُ وَالْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، والتقدير سنين ثلاثمائة. وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِإِضَافَةِ مِائَةٍ إِلَى سِنِينَ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَكُونُ سِنِينَ تَمْيِيزًا عَلَى وَضْعِ الْجَمْعِ مَوْضِعَ الْوَاحِدِ فِي التَّمْيِيزِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا «٢». قال الفراء: ومن العرب من يضع
(١). الأعراف: ٨٩.
(٢). الكهف: ١٠٣.
(٢). الكهف: ١٠٣.
330
سِنِينَ مَوْضِعَ سَنَةٍ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: هَذِهِ الْأَعْدَادُ الَّتِي تُضَافُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى الآحاد نحو ثلاثمائة رَجُلٍ وَثَوْبٍ قَدْ تُضَافُ إِلَى الْمَجْمُوعِ، وَفِي مصحف عبد الله «ثلاثمائة سَنَةٍ». وَقَالَ الْأَخْفَشُ: لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَقُولُ مائة سنين. وقرأ الضحّاك «ثلاثمائة سُنُونَ» بِالْوَاوِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «تِسْعًا» بِكَسْرِ التَّاءِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِهَا، وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَلَفُوا فِيمَا مَضَى لَهُمْ مِنَ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْإِعْثَارِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُمْ لَبِثُوا ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ هَذِهِ الْمُدَّةَ فِي كَوْنِهِمْ نِيَامًا، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمر اللَّهُ أَنْ يَرُدَّ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا لَبِثُوا الْأَوَّلُ يُرِيدُ فِي يَوْمِ الْكَهْفِ، وَلَبِثُوا الثَّانِي يُرِيدُ بَعْدَ الْإِعْثَارِ عَلَيْهِمْ إِلَى مُدَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَوْ إِلَى أَنْ مَاتُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَازْدَادُوا تِسْعاً لَمْ يَدْرِ النَّاسُ أَهْيَ سَاعَاتٌ أَمْ أَيَّامٌ أَمْ جُمَعٌ أَمْ شُهُورٌ أَمْ أَعْوَامٌ، وَاخْتَلَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِرَدِّ الْعِلْمِ إِلَيْهِ فِي التِّسْعِ، فَهِيَ عَلَى هَذَا مُبْهَمَةٌ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَفْهُومِ بِحَسَبِ لُغَتِهِمْ أَنَّ التِّسْعَ أَعْوَامٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ العدد في هذه الْكَلَامِ لِلسِّنِينَ لَا لِلشُّهُورِ وَلَا لِلْأَيَّامِ وَلَا لِلسَّاعَاتِ. وَعَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الزَّجَّاجِ عَلَى جِهَةِ التَّقْرِيبِ. ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ اخْتِصَاصَهُ بِعِلْمِ مَا لَبِثُوا بِقَوْلِهِ: لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ: مَا خَفِيَ فِيهِمَا وَغَابَ مِنْ أَحْوَالِهِمَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، ثُمَّ زَادَ فِي الْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ فَجَاءَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ إِدْرَاكِهِ لِلْمُبْصَرَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ، فَقَالَ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ فَأَفَادَ هَذَا التَّعَجُّبُ عَلَى أَنَّ شَأْنَهُ سُبْحَانَهُ فِي عِلْمِهِ بِالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ خَارِجٌ عَمَّا عَلَيْهِ إِدْرَاكُ الْمُدْرِكِينَ، وَأَنَّهُ يَسْتَوِي فِي عِلْمِهِ الْغَائِبُ وَالْحَاضِرُ، وَالْخَفِيُّ وَالظَّاهِرُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَاللَّطِيفُ وَالْكَثِيفُ، وَكَأَنَّ أَصْلَهُ مَا أَبْصَرَهُ وَمَا أَسْمَعَهُ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ لِلْإِنْشَاءِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَخَالَفَهُ الْأَخْفَشُ، وَالْبَحْثُ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ الضمير لأهل السموات وَالْأَرْضِ، وَقِيلَ: لِأَهْلِ الْكَهْفِ، وَقِيلَ: لِمُعَاصِرِي مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْكُفَّارِ، أَيْ: مَا لَهُمْ مِنْ مُوَالٍ يُوَالِيهِمْ أَوْ يَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ أَوْ يَنْصُرُهُمْ، وَفِي هَذَا بَيَانٌ لِغَايَةِ قُدْرَتِهِ وَأَنَّ الْكُلَّ تَحْتَ قَهْرِهِ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً قرأ الجمهور برفع الكاف في يشرك عَلَى الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَقَتَادَةُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم أن يجعل الله شَرِيكًا فِي حُكْمِهِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ بِالتَّحْتِيَّةِ وَالْجَزْمِ. قَالَ يَعْقُوبُ: لَا أَعْرِفُ وَجْهَهَا، وَالْمُرَادُ بِحُكْمِ اللَّهِ:
مَا يَقْضِيهِ، أَوْ عِلْمُ الْغَيْبِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيَدْخُلُ عِلْمُ الْغَيْبِ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، فَإِنَّ عِلْمَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ جُمْلَةِ قَضَائِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ قَالَ: أَطْلَعْنَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ قَالَ: الْأُمَرَاءُ، أَوْ قَالَ:
السَّلَاطِينُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ قَالَ: الْيَهُودُ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ قَالَ: النَّصَارَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: رَجْماً بِالْغَيْبِ قَالَ:
مَا يَقْضِيهِ، أَوْ عِلْمُ الْغَيْبِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيَدْخُلُ عِلْمُ الْغَيْبِ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، فَإِنَّ عِلْمَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ جُمْلَةِ قَضَائِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ قَالَ: أَطْلَعْنَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ قَالَ: الْأُمَرَاءُ، أَوْ قَالَ:
السَّلَاطِينُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ قَالَ: الْيَهُودُ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ قَالَ: النَّصَارَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: رَجْماً بِالْغَيْبِ قَالَ:
331
قَذْفًا بِالظَّنِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ قَالَ: أَنَا مِنَ الْقَلِيلِ، كَانُوا سَبْعَةً. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، فِي قَوْلِهِ: ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ قال: أنا من أُولَئِكَ الْقَلِيلِ، كَانُوا سَبْعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ. وَحَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَلا تُمارِ فِيهِمْ يَقُولُ: حَسْبُكَ مَا قَصَصْتُ عَلَيْكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً قَالَ: الْيَهُودُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ الْآيَةَ قَالَ: إِذَا نَسِيتَ أَنْ تَقُولَ لِشَيْءٍ إِنِّي أَفْعَلُهُ فَنَسِيتَ أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُلْ إِذَا ذَكَرْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى الِاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، ثُمَّ قَرَأَ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: هِيَ خَاصَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إِلَّا فِي صِلَةِ يَمِينٍ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ اسْتِثْنَاءٍ مَوْصُولٍ فَلَا حِنْثَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَوْصُولٍ فَهُوَ حَانِثٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، وَفِي رِوَايَةٍ: تِسْعِينَ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، فَطَافَ فَلَمْ يَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرْكًا لِحَاجَتِهِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عِكْرِمَةَ إِذا نَسِيتَ قَالَ: إِذَا غَضِبْتَ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ الْحَسَنِ إِذا نَسِيتَ قَالَ: إِذَا لَمْ تَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفَسِّرُ الْآيَةَ يَرَى أَنَّهَا كَذَلِكَ فَيَهْوِي أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ تَلَا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: كَمْ لَبِثَ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ، قَالَ: لَوْ كَانُوا لَبِثُوا كَذَلِكَ لَمْ يَقُلِ اللَّهُ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وَلَكِنَّهُ حَكَى مَقَالَةَ الْقَوْمِ فَقَالَ:
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: رَجْماً بِالْغَيْبِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ قَالَ: سَيَقُولُونَ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن قَتَادَةَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالُوا: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الْآيَةَ: يَعْنِي إِنَّمَا قَالَهُ النَّاسُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّامًا أَمْ أَشْهُرًا أَمْ سِنِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بِدُونِ ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ قَالَ: الله يقوله.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفَسِّرُ الْآيَةَ يَرَى أَنَّهَا كَذَلِكَ فَيَهْوِي أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ تَلَا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: كَمْ لَبِثَ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ، قَالَ: لَوْ كَانُوا لَبِثُوا كَذَلِكَ لَمْ يَقُلِ اللَّهُ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وَلَكِنَّهُ حَكَى مَقَالَةَ الْقَوْمِ فَقَالَ:
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: رَجْماً بِالْغَيْبِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ قَالَ: سَيَقُولُونَ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن قَتَادَةَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالُوا: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الْآيَةَ: يَعْنِي إِنَّمَا قَالَهُ النَّاسُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّامًا أَمْ أَشْهُرًا أَمْ سِنِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بِدُونِ ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ قَالَ: الله يقوله.
332
لأن المساجد للمؤمنين. ﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ هؤلاء القائلون بأنهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة، هم المتنازعون في عددهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب والمسلمين، وقيل : هم أهل الكتاب خاصة، وعلى كل تقدير فليس المراد أنهم جميعاً قالوا جميع ذلك، بل قال بعضهم بكذا، وبعضهم بكذا، وبعضهم بكذا ﴿ ثلاثة رابعهم كلبهم ﴾ أي : هم ثلاثة أشخاص، وجملة ﴿ رابعهم كلبهم ﴾ في محل نصب على الحال أي : حال كون كلبهم جاعلهم أربعة بانضمامه إليهم ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ الكلام فيه كالكلام فيما قبله، وانتصاب ﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ على الحال، أي : راجمين أو على المصدر، أي : يرجمون رجماً، والرجم بالغيب هو القول بالظن والحدس من غير يقين، والموصوفون بالرجم بالغيب هم كلا الفريقين القائلين بأنهم ثلاثة، والقائلين بأنهم خمسة ﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ كأن قول هذه الفرقة أقرب إلى الصواب بدلالة عدم إدخالهم في سلك الراجمين بالغيب. قيل : وإظهار الواو في هذه الجملة يدل على أنها مرادة في الجملتين الأوليين. قال أبو عليّ الفارسي : قوله ﴿ رابعهم كلبهم ﴾، و﴿ سادسهم كلبهم ﴾ جملتان استغني عن حرف العطف فيهما بما تضمنتا من ذكر الجملة الأولى وهي قوله :﴿ ثلاثة ﴾، والتقدير : هم ثلاثة، هكذا حكاه الواحدي عن أبي علي، ثم قال : وهذا معنى قول الزجاج في دخول الواو في :﴿ وثامنهم ﴾ وإخراجها من الأوّل، وقيل : هي مزيدة للتوكيد، وقيل : إنها واو الثمانية، وإن ذكره متداول على ألسن العرب إذا وصلوا إلى الثمانية كما في قوله تعالى :﴿ وَفُتِحَتْ أبوابها ﴾ [ الزمر : ٧٣ ] وقوله :﴿ ثيبات وَأَبْكَاراً ﴾ [ التحريم : ٥ ]. ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر المختلفين في عددهم بما يقطع التنازع بينهم فقال :﴿ قُل ربّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ﴾ منكم أيها المختلفون، ثم أثبت علم ذلك لقليل من الناس فقال :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ ﴾ أي : يعلم ذواتهم فضلاً عن عددهم، أو ما يعلم عددهم على حذف المضاف ﴿ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ من الناس، ثم نهى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم عن الجدال مع أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف فقال :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ المراء في اللغة : الجدال يقال : مارى يماري مماراة ومراءً أي : جادل، ثم استثنى سبحانه من المراء ما كان ظاهراً واضحاً فقال :﴿ إِلاَّ مِرَاء ظاهرا ﴾ أي : غير متعمق فيه وهو أن يقصّ عليهم ما أوحى الله إليه فحسب. وقال الرازي : هو أن لا يكذبهم في تعيين ذلك العدد، بل يقول : هذا التعيين لا دليل عليه، فوجب التوقف، ثم نهاه سبحانه عن الاستفتاء في شأنهم فقال :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ أي : لا تستفت في شأنهم من الخائضين فيهم أحداً منهم، لأن المفتي يجب أن يكون أعلم من المستفتي، وها هنا الأمر بالعكس، ولا سيما في واقعة أهل الكهف، وفيما قصّ الله عليك في ذلك ما يغنيك عن سؤال من لا علم له.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقرأ ابن عباس والحسن وأبو رجاء وقتادة بالتاء الفوقية وإسكان الكاف على أنه نهي للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل لله شريكاً في حكمه، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر. وقرأ مجاهد بالتحتية والجزم. قال يعقوب : لا أعرف وجهها، والمراد بحكم الله : ما يقضيه، أو علم الغيب. والأوّل أولى. ويدخل علم الغيب في ذلك دخولاً أوّلياً، فإن علمه سبحانه من جملة قضائه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء إِنّي فَاعِلٌ ذلك غَداً ﴾ أي : لأجل شيء تعزم عليه فيما يستقبل من الزمان، فعبر عنه بالغد، ولم يرد الغد بعينه، فيدخل فيه الغد دخولاً أوّلياً. قال الواحدي : قال المفسرون : لما سألت اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم عن خبر الفتية فقال :«أخبركم غداً »، ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي عنه حتى شقّ عليه، فأنزل الله هذه الآية يأمره بالاستثناء بمشيئة الله يقول : إذا قلت لشيء : إني فاعل ذلك غداً، فقل : إن شاء الله. وقال الأخفش والمبرد والكسائي والفراء : لا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن تقول إن شاء الله، فأضمر القول ولما حذف تقول نقل شاء إلى لفظ الاستقبال، قيل : وهذا الاستثناء مفرّغ، أي : لا تقولنّ ذلك في حال من الأحوال، إلا حال ملابسته لمشيئة الله وهو أن تقول إن شاء الله، أو في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله مطلقاً، وقيل : الاستثناء جار مجرى التأبيد كأنه قيل : لا تقولنه أبداً كقوله :﴿ وَمَا يكون لَنَا أَن نَعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله ﴾ [ الأعراف : ٨٩ ].
لأن عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله. ﴿ واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ الاستثناء بمشيئة الله أي : فقل إن شاء الله، سواء كانت المدّة قليلة أو كثيرة.
وقد اختلف أهل العلم في المدّة التي يجوز إلحاق الاستثناء فيها بعد المستثنى منه على أقوال معروفة في مواضعها وقيل : المعنى ﴿ واذكر ربَّكَ ﴾ بالاستغفار ﴿ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِي رَبّي لأقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا ﴾ المشار إليه بقوله :﴿ من هذا ﴾ هو نبأ أصحاب الكهف، أي : قل يا محمد عسى أن يوفقني ربي لشيء أقرب من هذا النبأ من الآيات والدلائل الدالة على نبوّتي. قال الزجاج : عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوّة ما يكون أقرب في الرشد وأدلّ من قصة أصحاب الكهف، وقد فعل الله به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف، وقيل : الإشارة إلى قوله :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ أي : عسى أن يهديني ربي عند هذا النسيان لشيء آخر بدل هذا المنسيّ، وأقرب منه رشداً وأدنى منه خيراً ومنفعة، والأوّل أولى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقرأ ابن عباس والحسن وأبو رجاء وقتادة بالتاء الفوقية وإسكان الكاف على أنه نهي للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل لله شريكاً في حكمه، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر. وقرأ مجاهد بالتحتية والجزم. قال يعقوب : لا أعرف وجهها، والمراد بحكم الله : ما يقضيه، أو علم الغيب. والأوّل أولى. ويدخل علم الغيب في ذلك دخولاً أوّلياً، فإن علمه سبحانه من جملة قضائه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
لأن عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله. ﴿ واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ الاستثناء بمشيئة الله أي : فقل إن شاء الله، سواء كانت المدّة قليلة أو كثيرة.
وقد اختلف أهل العلم في المدّة التي يجوز إلحاق الاستثناء فيها بعد المستثنى منه على أقوال معروفة في مواضعها وقيل : المعنى ﴿ واذكر ربَّكَ ﴾ بالاستغفار ﴿ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِي رَبّي لأقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا ﴾ المشار إليه بقوله :﴿ من هذا ﴾ هو نبأ أصحاب الكهف، أي : قل يا محمد عسى أن يوفقني ربي لشيء أقرب من هذا النبأ من الآيات والدلائل الدالة على نبوّتي. قال الزجاج : عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوّة ما يكون أقرب في الرشد وأدلّ من قصة أصحاب الكهف، وقد فعل الله به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف، وقيل : الإشارة إلى قوله :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ أي : عسى أن يهديني ربي عند هذا النسيان لشيء آخر بدل هذا المنسيّ، وأقرب منه رشداً وأدنى منه خيراً ومنفعة، والأوّل أولى.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء إِنّي فَاعِلٌ ذلك غَداً ﴾ أي : لأجل شيء تعزم عليه فيما يستقبل من الزمان، فعبر عنه بالغد، ولم يرد الغد بعينه، فيدخل فيه الغد دخولاً أوّلياً. قال الواحدي : قال المفسرون : لما سألت اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم عن خبر الفتية فقال :«أخبركم غداً »، ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي عنه حتى شقّ عليه، فأنزل الله هذه الآية يأمره بالاستثناء بمشيئة الله يقول : إذا قلت لشيء : إني فاعل ذلك غداً، فقل : إن شاء الله. وقال الأخفش والمبرد والكسائي والفراء : لا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن تقول إن شاء الله، فأضمر القول ولما حذف تقول نقل شاء إلى لفظ الاستقبال، قيل : وهذا الاستثناء مفرّغ، أي : لا تقولنّ ذلك في حال من الأحوال، إلا حال ملابسته لمشيئة الله وهو أن تقول إن شاء الله، أو في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله مطلقاً، وقيل : الاستثناء جار مجرى التأبيد كأنه قيل : لا تقولنه أبداً كقوله :﴿ وَمَا يكون لَنَا أَن نَعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله ﴾ [ الأعراف : ٨٩ ].
لأن عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله. ﴿ واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ الاستثناء بمشيئة الله أي : فقل إن شاء الله، سواء كانت المدّة قليلة أو كثيرة.
وقد اختلف أهل العلم في المدّة التي يجوز إلحاق الاستثناء فيها بعد المستثنى منه على أقوال معروفة في مواضعها وقيل : المعنى ﴿ واذكر ربَّكَ ﴾ بالاستغفار ﴿ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِي رَبّي لأقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا ﴾ المشار إليه بقوله :﴿ من هذا ﴾ هو نبأ أصحاب الكهف، أي : قل يا محمد عسى أن يوفقني ربي لشيء أقرب من هذا النبأ من الآيات والدلائل الدالة على نبوّتي. قال الزجاج : عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوّة ما يكون أقرب في الرشد وأدلّ من قصة أصحاب الكهف، وقد فعل الله به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف، وقيل : الإشارة إلى قوله :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ أي : عسى أن يهديني ربي عند هذا النسيان لشيء آخر بدل هذا المنسيّ، وأقرب منه رشداً وأدنى منه خيراً ومنفعة، والأوّل أولى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقرأ ابن عباس والحسن وأبو رجاء وقتادة بالتاء الفوقية وإسكان الكاف على أنه نهي للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل لله شريكاً في حكمه، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر. وقرأ مجاهد بالتحتية والجزم. قال يعقوب : لا أعرف وجهها، والمراد بحكم الله : ما يقضيه، أو علم الغيب. والأوّل أولى. ويدخل علم الغيب في ذلك دخولاً أوّلياً، فإن علمه سبحانه من جملة قضائه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
لأن عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله. ﴿ واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ الاستثناء بمشيئة الله أي : فقل إن شاء الله، سواء كانت المدّة قليلة أو كثيرة.
وقد اختلف أهل العلم في المدّة التي يجوز إلحاق الاستثناء فيها بعد المستثنى منه على أقوال معروفة في مواضعها وقيل : المعنى ﴿ واذكر ربَّكَ ﴾ بالاستغفار ﴿ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِي رَبّي لأقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا ﴾ المشار إليه بقوله :﴿ من هذا ﴾ هو نبأ أصحاب الكهف، أي : قل يا محمد عسى أن يوفقني ربي لشيء أقرب من هذا النبأ من الآيات والدلائل الدالة على نبوّتي. قال الزجاج : عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوّة ما يكون أقرب في الرشد وأدلّ من قصة أصحاب الكهف، وقد فعل الله به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف، وقيل : الإشارة إلى قوله :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ أي : عسى أن يهديني ربي عند هذا النسيان لشيء آخر بدل هذا المنسيّ، وأقرب منه رشداً وأدنى منه خيراً ومنفعة، والأوّل أولى.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سنين وازدادوا تِسْعًا ﴾ قرأ الجمهور بتنوين مائة ونصب سنين، فيكون سنين على هذه القراءة بدلاً أو عطف بيان. وقال الفراء وأبو عبيدة والزجاج والكسائي : فيه تقديم وتأخير، والتقدير سنين ثلثمائة، ورجح الأوّل أبو عليّ الفارسي. وقرأ حمزة والكسائي بإضافة مائة إلى سنين، وعلى هذه القراءة تكون سنين تمييزاً على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله تعالى :
﴿ بالأخسرين أعمالا ﴾ [ الكهف : ١٠٣ ] قال الفراء : ومن العرب من يضع سنين موضع سنة. قال أبو علي الفارسي : هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل وثوب قد تضاف إلى المجموع وفي مصحف عبد الله ( ثلاثمائة سنة ). وقال الأخفش : لا تكاد العرب تقول مائة سنين. وقرأ الضحاك ( ثلاثمائة سنون ) بالواو. وقرأ الجمهور ( تسعاً ) بكسر التاء. وقرأ أبو عمرو بفتحها، وهذا إخبار من الله سبحانه بمدّة لبثهم. قال ابن جرير : إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدّة بعد الإعثار عليهم، فقال بعضهم : إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن هذه المدّة في كونهم نياماً، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمر الله أن يردّ علم ذلك إليه، فقال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقرأ ابن عباس والحسن وأبو رجاء وقتادة بالتاء الفوقية وإسكان الكاف على أنه نهي للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل لله شريكاً في حكمه، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر. وقرأ مجاهد بالتحتية والجزم. قال يعقوب : لا أعرف وجهها، والمراد بحكم الله : ما يقضيه، أو علم الغيب. والأوّل أولى. ويدخل علم الغيب في ذلك دخولاً أوّلياً، فإن علمه سبحانه من جملة قضائه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
﴿ بالأخسرين أعمالا ﴾ [ الكهف : ١٠٣ ] قال الفراء : ومن العرب من يضع سنين موضع سنة. قال أبو علي الفارسي : هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل وثوب قد تضاف إلى المجموع وفي مصحف عبد الله ( ثلاثمائة سنة ). وقال الأخفش : لا تكاد العرب تقول مائة سنين. وقرأ الضحاك ( ثلاثمائة سنون ) بالواو. وقرأ الجمهور ( تسعاً ) بكسر التاء. وقرأ أبو عمرو بفتحها، وهذا إخبار من الله سبحانه بمدّة لبثهم. قال ابن جرير : إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدّة بعد الإعثار عليهم، فقال بعضهم : إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن هذه المدّة في كونهم نياماً، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمر الله أن يردّ علم ذلك إليه، فقال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ قال ابن عطية : فقوله على هذا : لبثوا الأوّل يريد في يوم الكهف، ولبثوا الثاني يريد بعد الإعثار عليهم إلى مدة محمد صلى الله عليه وسلم، أو إلى أن ماتوا. وقال بعضهم : إنه لما قال :﴿ وازدادوا تِسْعًا ﴾ لم يدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام ؟ واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك، فأمر الله برد العلم إليه في التسع، فهي على هذا مبهمة. والأوّل أولى، لأن الظاهر من كلام العرب المفهوم بحسب لغتهم أن التسع أعوام، بدليل أن العدد في هذا الكلام للسنين لا للشهور ولا للأيام ولا للساعات. وعن الزجاج أن المراد : ثلاثمائة سنة شمسية وثلاثمائة وتسع سنين قمرية، وهذا إنما يكون من الزجاج على جهة التقريب. ثم أكد سبحانه اختصاصه بعلم ما لبثوا بقوله :﴿ لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض ﴾ أي : ما خفي فيهما وغاب من أحوالهما ليس لغيره من ذلك شيء، ثم زاد في المبالغة والتأكيد فجاء بما يدلّ على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ فأفاد هذا التعجب على أن شأنه سبحانه في علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين، وأنه يستوي في علمه الغائب والحاضر، والخفيّ والظاهر، والصغير والكبير، واللطيف والكثيف، وكأن أصله ما أبصره وما أسمعه، ثم نقل إلى صيغة الأمر للإنشاء، والباء زائدة عند سيبويه وخالفه الأخفش، والبحث مقرر في علم النحو ﴿ مَا لَهُم من دُونِهِ مِن وَلِىّ ﴾ الضمير لأهل السماوات والأرض، وقيل : لأهل الكهف، وقيل : لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الكفار، أي : ما لهم من موالٍ يواليهم أو يتولى أمورهم أو ينصرهم، وفي هذا بيان لغاية قدرته وأن الكل تحت قهره ﴿ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ قرأ الجمهور برفع الكاف على الخبر عن الله سبحانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقرأ ابن عباس والحسن وأبو رجاء وقتادة بالتاء الفوقية وإسكان الكاف على أنه نهي للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل لله شريكاً في حكمه، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر. وقرأ مجاهد بالتحتية والجزم. قال يعقوب : لا أعرف وجهها، والمراد بحكم الله : ما يقضيه، أو علم الغيب. والأوّل أولى. ويدخل علم الغيب في ذلك دخولاً أوّلياً، فإن علمه سبحانه من جملة قضائه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ قال : أطلعنا. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قَالَ الذين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ ﴾ قال : الأمراء، أو قال : السلاطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ قال : اليهود ﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ ﴾ قال : النصارى. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ قال : قذفاً بالظنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من القليل كانوا سبعة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح في قوله :﴿ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة، ثم ذكر أسماءهم. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس في رواية قتادة وعطاء وعكرمة، ثم قال : فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس : أنهم كانوا سبعة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ يقول : حسبك ما قصصت عليك. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً ﴾ قال : اليهود. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء ﴾ الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء إني أفعله فنسيت أن تقول : إن شاء الله، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله. وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ :﴿ واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وإذا كان غير موصول فهو حانث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قال سليمان بن داود : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك : قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم يلد منهنّ إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته ). وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عكرمة ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا غضبت. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن ﴿ إِذَا نَسِيتَ ﴾ قال : إذا لم تقل إن شاء الله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال :( إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ﴾ الآية، ثم قال : كم لبث القوم ؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين، قال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾ ولكنه حكى مقالة القوم فقال :﴿ سَيَقُولُونَ ثلاثة ﴾ إلى قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال : سيقولون ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود، وقالوا :﴿ ولبثوا في كهفهم ﴾ الآية، يعني : إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال :﴿ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ﴾. وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة ﴾ قيل : يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين ؟ فأنزل الله ﴿ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا ﴾. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ قال : الله يقوله.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٧ الى ٣١]
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)قَوْلُهُ: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى تِلَاوَةِ الْكِتَابِ الْمُوحَى إِلَيْهِ، قِيلَ:
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَاتْلُ وَاتَّبِعْ، أَمْرًا مِنَ التِّلْوِ، لَا من التلاوة، ومِنْ كِتابِ رَبِّكَ بَيَانٌ لِلَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أَيْ: لَا قَادِرَ عَلَى تَبْدِيلِهَا وَتَغْيِيرِهَا، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ وَحْدَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَمَا أَمَرَ بِهِ فَلَا مُبَدِّلَ لَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا مُبَدِّلَ لِحُكْمِ كَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً الْمُلْتَحَدُ: الْمُلْتَجَأُ، وَأَصْلُ اللَّحْدِ: الْمَيْلُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَنْ تَجِدَ مَعْدِلًا عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَتْبَعِ الْقُرْآنَ وَتَتْلُهُ، وَتَعْمَلْ بِأَحْكَامِهِ لَنْ تَجِدَ مَعْدِلًا تَعْدِلُ إِلَيْهِ وَمَكَانًا تَمِيلُ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ آخِرُ قِصَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ. ثُمَّ شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِي نَوْعٍ آخَرَ، كَمَا هُوَ دَأْبُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَنْعَامِ نهيه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ عَنْ طَرْدِ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ:
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ «١» وَأَمَرَهُ سُبْحَانَهُ هَاهُنَا بِأَنْ يَحْبِسَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ، فَصَبْرُ النَّفْسِ هُوَ حَبْسُهَا، وَذِكْرُ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ كِنَايَةٌ عَنِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ. وَقِيلَ: فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ. وَقَرَأَ نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ عَامِرٍ «بِالْغَدْوَةِ» بِالْوَاوِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ كَذَلِكَ مَكْتُوبَةٌ بِالْوَاوِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُ لِكَتْبِهِمُ الْحَيَاةَ وَالصَّلَاةَ بِالْوَاوِ، وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَقُولُ الْغَدْوَةَ، وَمَعْنَى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِدُعَائِهِمْ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، ثُمَّ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ بِالْمُرَاقَبَةِ لِأَحْوَالِهِمْ، فَقَالَ: وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ أَيْ: لَا تَتَجَاوَزْ عَيْنَاكَ إِلَى غَيْرِهِمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ لَا تَصْرِفْ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا تَصْرِفْ بَصَرَكَ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَالزِّينَةِ، وَاسْتِعْمَالُهُ بِ «عَنْ» لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى النُّبُوِّ، مِنْ عَدَوْتُهُ عَنِ الْأَمْرِ، أَيْ: صَرَفْتُهُ مِنْهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَحْتَقِرْهُمْ عَيْنَاكَ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أَيْ: مُجَالَسَةَ أَهْلِ الشَّرَفِ وَالْغِنَى، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِكَ مُرِيدًا لِذَلِكَ، هَذَا إِذَا كَانَ فَاعِلُ تُرِيدُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ ضَمِيرًا يَعُودُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، فَالتَّقْدِيرُ: مُرِيدَةً زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِسْنَادُ الإرادة إلى العينين مجاز، وتوحيد
(١). الأنعام: ٥٢.
333
الضمير للتلازم كقول الشاعر:
لمن زحلوقة زلّ... بِهَا الْعَيْنَانِ تَنْهَلُّ
وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا أَيْ: جَعَلْنَاهُ غَافِلًا بِالْخَتْمِ عَلَيْهِ، نَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ طَاعَةِ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ قَلْبَهُ غَافِلًا عَنْ ذِكْرِهِ، كَأُولَئِكَ الَّذِينَ طَلَبُوا مِنْهُ أن ينحّي الفقراء عن مجلسه، فإنهم طالبو تَنْحِيَةَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَمَعَ هَذَا فَهُمْ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَآثَرَهُ عَلَى الْحَقِّ، فَاخْتَارَ الشِّرْكَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً أَيْ: مُتَجَاوِزًا عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَسٌ فَرْطٌ إِذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا لِلْخَيْلِ، فَهُوَ عَلَى هَذَا مِنَ الْإِفْرَاطِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّفْرِيطِ، وَهُوَ التَّقْصِيرُ وَالتَّضْيِيعُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَنْ قَدَّمَ الْعَجْزَ فِي أَمْرِهِ أَضَاعَهُ وَأَهْلَكَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُولُهُ لِأُولَئِكَ الْغَافِلِينَ، فَقَالَ: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ: قُلْ لَهُمْ: إِنَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ، وَأُمِرْتَ بِتِلَاوَتِهِ، هُوَ الْحَقُّ الْكَائِنُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ، لَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَتَّى يُمْكِنَ فِيهِ التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الصَّبْرُ مَعَ الْفُقَرَاءِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيِ: الَّذِي أَتَيْتُكُمْ بِهِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ يَعْنِي لَمْ آتِكُمْ بِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنَ اللَّهِ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ قِيلَ: هُوَ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَهُ، وَالْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا قَبْلَهَا عَلَى مَا بَعْدَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَبَعْدَ أَنْ تَقُولَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَيُصَدِّقَكَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَكْفُرَ بِهِ وَيُكَذِّبَكَ فَلْيَكْفُرْ. ثُمَّ أَكَّدَ الْوَعِيدَ وَشَدَّدَهُ فَقَالَ: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ أَيْ: أَعْدَدْنَا وَهَيَّأْنَا لِلظَّالِمِينَ الَّذِينَ اخْتَارُوا الْكُفْرَ بِاللَّهِ وَالْجَحْدَ لَهُ وَالْإِنْكَارَ لِأَنْبِيَائِهِ نَارًا عَظِيمَةً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها أَيِ: اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ. وَالسُّرَادِقُ: وَاحِدُ السُّرَادِقَاتِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهِيَ الَّتِي تُمَدُّ فَوْقَ صَحْنِ الدَّارِ، وَكُلُّ بَيْتٍ مِنْ كُرْسُفٍ «١» فَهُوَ سُرَادِقٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
يَا حَكَمُ بْنَ المنذر بن الجارود... سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
هُوَ الْمُدْخِلُ النُّعْمَانَ بَيْتًا سَمَاؤُهُ... صُدُورُ الْفُيُولِ بَعْدَ بيت مسردق
يقوله سلامة بْنُ جَنْدَلٍ لَمَّا قَتَلَ مَلِكُ الْفُرْسِ مَلِكَ الْعَرَبِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ تَحْتَ أَرْجُلِ الْفِيَلَةِ. وقال ابن الأعرابي: سرادقها: سورها. وقال القتبي: السُّرَادِقُ: الْحُجْرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْفُسْطَاطِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَحَاطَ بِالْكُفَّارِ سُرَادِقُ النَّارِ عَلَى تَشْبِيهِ مَا يُحِيطُ بِهِمْ مِنَ النَّارِ بِالسُّرَادِقِ الْمُحِيطِ بِمَنْ فِيهِ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا مِنْ حَرِّ النَّارِ يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ وَهُوَ الْحَدِيدُ الْمُذَابُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُمْ يُغَاثُونَ بِمَاءٍ كَالرَّصَاصِ الْمُذَابِ أَوِ الصُّفْرِ، وَقِيلَ: هُوَ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: هُوَ كُلُّ مَا أُذِيبَ مِنْ جواهر الأرض من
لمن زحلوقة زلّ... بِهَا الْعَيْنَانِ تَنْهَلُّ
وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا أَيْ: جَعَلْنَاهُ غَافِلًا بِالْخَتْمِ عَلَيْهِ، نَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ طَاعَةِ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ قَلْبَهُ غَافِلًا عَنْ ذِكْرِهِ، كَأُولَئِكَ الَّذِينَ طَلَبُوا مِنْهُ أن ينحّي الفقراء عن مجلسه، فإنهم طالبو تَنْحِيَةَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَمَعَ هَذَا فَهُمْ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَآثَرَهُ عَلَى الْحَقِّ، فَاخْتَارَ الشِّرْكَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً أَيْ: مُتَجَاوِزًا عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَسٌ فَرْطٌ إِذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا لِلْخَيْلِ، فَهُوَ عَلَى هَذَا مِنَ الْإِفْرَاطِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّفْرِيطِ، وَهُوَ التَّقْصِيرُ وَالتَّضْيِيعُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَنْ قَدَّمَ الْعَجْزَ فِي أَمْرِهِ أَضَاعَهُ وَأَهْلَكَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُولُهُ لِأُولَئِكَ الْغَافِلِينَ، فَقَالَ: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ: قُلْ لَهُمْ: إِنَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ، وَأُمِرْتَ بِتِلَاوَتِهِ، هُوَ الْحَقُّ الْكَائِنُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ، لَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَتَّى يُمْكِنَ فِيهِ التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الصَّبْرُ مَعَ الْفُقَرَاءِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيِ: الَّذِي أَتَيْتُكُمْ بِهِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ يَعْنِي لَمْ آتِكُمْ بِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنَ اللَّهِ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ قِيلَ: هُوَ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَهُ، وَالْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا قَبْلَهَا عَلَى مَا بَعْدَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَبَعْدَ أَنْ تَقُولَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَيُصَدِّقَكَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَكْفُرَ بِهِ وَيُكَذِّبَكَ فَلْيَكْفُرْ. ثُمَّ أَكَّدَ الْوَعِيدَ وَشَدَّدَهُ فَقَالَ: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ أَيْ: أَعْدَدْنَا وَهَيَّأْنَا لِلظَّالِمِينَ الَّذِينَ اخْتَارُوا الْكُفْرَ بِاللَّهِ وَالْجَحْدَ لَهُ وَالْإِنْكَارَ لِأَنْبِيَائِهِ نَارًا عَظِيمَةً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها أَيِ: اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ. وَالسُّرَادِقُ: وَاحِدُ السُّرَادِقَاتِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهِيَ الَّتِي تُمَدُّ فَوْقَ صَحْنِ الدَّارِ، وَكُلُّ بَيْتٍ مِنْ كُرْسُفٍ «١» فَهُوَ سُرَادِقٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
يَا حَكَمُ بْنَ المنذر بن الجارود... سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
هُوَ الْمُدْخِلُ النُّعْمَانَ بَيْتًا سَمَاؤُهُ... صُدُورُ الْفُيُولِ بَعْدَ بيت مسردق
يقوله سلامة بْنُ جَنْدَلٍ لَمَّا قَتَلَ مَلِكُ الْفُرْسِ مَلِكَ الْعَرَبِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ تَحْتَ أَرْجُلِ الْفِيَلَةِ. وقال ابن الأعرابي: سرادقها: سورها. وقال القتبي: السُّرَادِقُ: الْحُجْرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْفُسْطَاطِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَحَاطَ بِالْكُفَّارِ سُرَادِقُ النَّارِ عَلَى تَشْبِيهِ مَا يُحِيطُ بِهِمْ مِنَ النَّارِ بِالسُّرَادِقِ الْمُحِيطِ بِمَنْ فِيهِ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا مِنْ حَرِّ النَّارِ يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ وَهُوَ الْحَدِيدُ الْمُذَابُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُمْ يُغَاثُونَ بِمَاءٍ كَالرَّصَاصِ الْمُذَابِ أَوِ الصُّفْرِ، وَقِيلَ: هُوَ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: هُوَ كُلُّ مَا أُذِيبَ مِنْ جواهر الأرض من
(١). «الكرسف» : القطن.
334
حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَنُحَاسٍ. وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْقَطِرَانِ. ثُمَّ وَصَفَ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي يُغَاثُونَ بِهِ بِأَنَّهُ يَشْوِي الْوُجُوهَ إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِمْ صَارَتْ وُجُوهُهُمْ مَشْوِيَّةً لِحَرَارَتِهِ بِئْسَ الشَّرابُ شَرَابُهُمْ هَذَا وَساءَتْ النَّارُ مُرْتَفَقاً مُتَّكَأً، يُقَالُ ارْتَفَقْتُ: أَيِ: اتَّكَأْتُ، وَأَصْلُ الِارْتِفَاقِ نَصْبُ الْمِرْفَقِ، وَيُقَالُ:
ارْتَفَقَ الرَّجُلُ: إِذَا نَامَ عَلَى مِرْفَقِهِ، وَقَالَ القتبي: هُوَ الْمَجْلِسُ، وَقِيلَ: الْمُجْتَمَعُ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ هَذَا شُرُوعٌ فِي وَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ وَعِيدِ الْكَافِرِينَ. وَالْمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْحَقِّ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا هَذَا خَبَرُ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: مَنْ أَحْسَنَ مِنْهُمْ عَمَلًا، وَجُمْلَةُ أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ الْأَجْرِ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ خَبَرَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، وَتَكُونَ جُمْلَةُ إِنَّا لَا نُضِيعُ اعْتِرَاضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، وَفِي كَيْفِيَّةِ جَرْيِ الْأَنْهَارِ مِنْ تَحْتِهَا يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَسَاوِرَ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ، وَأَسْوِرَةٌ جَمْعُ سِوَارٍ، وَهِيَ زِينَةٌ تُلْبَسُ فِي الزَّنْدِ مِنَ الْيَدِ، وَهِيَ مِنْ زِينَةِ الْمُلُوكِ، قِيلَ: يُحَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ منهم ثلاثة أساور واحد من فضة واحد من لؤلؤ واحد مَنْ ذَهَبٍ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهَا جَمِيعَهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقَائِلِ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْآيَاتِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فِي آيَةٍ أخرى: أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ «١»، ولقوله في آية أخرى وَلُؤْلُؤاً «٢» ومن فِي قَوْلِهِ مِنْ أَسَاوِرَ لِلِابْتِدَاءِ، وَفِي مِنْ ذَهَبٍ لِلْبَيَانِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ يَحْلَوْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ، يُقَالُ: حَلِيَتِ الْمَرْأَةُ تَحْلَى، فَهِيَ حَالِيَةٌ إِذَا لَبِسَتِ الْحَلْيَ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ قَالَ الْكِسَائِيُّ: السُّنْدُسُ الرَّقِيقُ وَاحِدُهُ سُنْدُسَةٌ، وَالْإِسْتَبْرَقُ: مَا ثَخُنَ، وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، وَقِيلَ: الْإِسْتَبْرَقُ هُوَ الدِّيبَاجُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
.................
وَإِسْتَبْرَقُ الدِّيبَاجِ طَوْرًا لِبَاسُهَا «٣»
وقيل: هو المنسوج بالذهب. قال القتبي: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَتَصْغِيرُهُ أُبَيْرِقٌ، وَخُصَّ الْأَخْضَرُ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْبَصَرِ، وَلِكَوْنِهِ أَحْسَنَ الْأَلْوَانِ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ قَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَرَائِكُ:
جَمْعُ أَرِيكَةٍ، وَهِيَ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ، وَقِيلَ: هِيَ أَسِرَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَأَصْلُ اتَّكَأَ اوْتَكَأَ، وَأَصْلُ مُتَّكِئِينَ مُوْتَكِئِينَ، وَالِاتِّكَاءُ: التَّحَامُلُ عَلَى الشَّيْءِ نِعْمَ الثَّوابُ ذَلِكَ الذي أثابهم الله.
وَحَسُنَتْ تِلْكَ الْأَرَائِكُ مُرْتَفَقاً أَيْ: مُتَّكَأً، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: مُلْتَحَداً قَالَ: مُلْتَجَأً. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: جَاءَتِ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَلَسْتَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ، وَتَغَيَّبْتَ عَنْ هَؤُلَاءِ وَأَرْوَاحِ جِبَابِهِمْ، يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَأَبَا ذَرٍّ وَفُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ عَلَيْهِمْ جباب الصوف، جالسناك وحادثناك وأخذنا
ارْتَفَقَ الرَّجُلُ: إِذَا نَامَ عَلَى مِرْفَقِهِ، وَقَالَ القتبي: هُوَ الْمَجْلِسُ، وَقِيلَ: الْمُجْتَمَعُ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ هَذَا شُرُوعٌ فِي وَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ وَعِيدِ الْكَافِرِينَ. وَالْمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْحَقِّ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا هَذَا خَبَرُ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: مَنْ أَحْسَنَ مِنْهُمْ عَمَلًا، وَجُمْلَةُ أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ الْأَجْرِ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ خَبَرَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، وَتَكُونَ جُمْلَةُ إِنَّا لَا نُضِيعُ اعْتِرَاضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، وَفِي كَيْفِيَّةِ جَرْيِ الْأَنْهَارِ مِنْ تَحْتِهَا يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَسَاوِرَ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ، وَأَسْوِرَةٌ جَمْعُ سِوَارٍ، وَهِيَ زِينَةٌ تُلْبَسُ فِي الزَّنْدِ مِنَ الْيَدِ، وَهِيَ مِنْ زِينَةِ الْمُلُوكِ، قِيلَ: يُحَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ منهم ثلاثة أساور واحد من فضة واحد من لؤلؤ واحد مَنْ ذَهَبٍ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهَا جَمِيعَهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقَائِلِ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْآيَاتِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فِي آيَةٍ أخرى: أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ «١»، ولقوله في آية أخرى وَلُؤْلُؤاً «٢» ومن فِي قَوْلِهِ مِنْ أَسَاوِرَ لِلِابْتِدَاءِ، وَفِي مِنْ ذَهَبٍ لِلْبَيَانِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ يَحْلَوْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ، يُقَالُ: حَلِيَتِ الْمَرْأَةُ تَحْلَى، فَهِيَ حَالِيَةٌ إِذَا لَبِسَتِ الْحَلْيَ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ قَالَ الْكِسَائِيُّ: السُّنْدُسُ الرَّقِيقُ وَاحِدُهُ سُنْدُسَةٌ، وَالْإِسْتَبْرَقُ: مَا ثَخُنَ، وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، وَقِيلَ: الْإِسْتَبْرَقُ هُوَ الدِّيبَاجُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
.................
وَإِسْتَبْرَقُ الدِّيبَاجِ طَوْرًا لِبَاسُهَا «٣»
وقيل: هو المنسوج بالذهب. قال القتبي: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَتَصْغِيرُهُ أُبَيْرِقٌ، وَخُصَّ الْأَخْضَرُ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْبَصَرِ، وَلِكَوْنِهِ أَحْسَنَ الْأَلْوَانِ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ قَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَرَائِكُ:
جَمْعُ أَرِيكَةٍ، وَهِيَ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ، وَقِيلَ: هِيَ أَسِرَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَأَصْلُ اتَّكَأَ اوْتَكَأَ، وَأَصْلُ مُتَّكِئِينَ مُوْتَكِئِينَ، وَالِاتِّكَاءُ: التَّحَامُلُ عَلَى الشَّيْءِ نِعْمَ الثَّوابُ ذَلِكَ الذي أثابهم الله.
وَحَسُنَتْ تِلْكَ الْأَرَائِكُ مُرْتَفَقاً أَيْ: مُتَّكَأً، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: مُلْتَحَداً قَالَ: مُلْتَجَأً. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: جَاءَتِ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَلَسْتَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ، وَتَغَيَّبْتَ عَنْ هَؤُلَاءِ وَأَرْوَاحِ جِبَابِهِمْ، يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَأَبَا ذَرٍّ وَفُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ عَلَيْهِمْ جباب الصوف، جالسناك وحادثناك وأخذنا
(١). الإنسان: ٢١.
(٢). الحج: ٢٣، وفاطر: ٣٣. [.....]
(٣). وصدره: تراهنّ يلبسن المشاعر مرّة.
(٢). الحج: ٢٣، وفاطر: ٣٣. [.....]
(٣). وصدره: تراهنّ يلبسن المشاعر مرّة.
335
عَنْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَارًا زَادَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَلْتَمِسُهُمْ، حَتَّى أَصَابَهُمْ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَمَرَنِي أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، مَعَكُمُ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَبْيَاتِهِ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ، فَخَرَجَ يَلْتَمِسُهُمْ فَوَجَدَ قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْهُمْ ثَائِرُ الرأس وجاف الْجِلْدِ وَذُو الثَّوْبِ الْخَلَقِ، فَلَمَّا رَآهُمْ جَلَسَ مَعَهُمْ وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أَمَرَنِي أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ».
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْحِجْرِ أَوْ سُورَةَ الْكَهْفِ فَسَكَتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ» وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي قَوْلِهِ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ الْآيَةَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى أَمْرٍ كَرِهَهُ اللَّهُ مِنْ طَرْدِ الْفُقَرَاءِ عَنْهُ وَتَقْرِيبِ صَنَادِيدِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، يَعْنِي مَنْ خَتَمْنَا عَلَى قَلْبِهِ يَعْنِي التَّوْحِيدَ وَاتَّبَعَ هَواهُ يَعْنِي الشِّرْكَ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً يَعْنِي فُرُطًا فِي أَمْرِ اللَّهِ وَجَهَالَةً بِاللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حصن عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَعِنْدَهُ سَلْمَانُ عَلَيْهِ جبة صوف، فثار مِنْهُ رِيحُ الْعَرَقِ فِي الصُّوفِ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: يَا مُحَمَّدُ إِذَا نَحْنُ أَتَيْنَاكَ فَأَخْرِجْ هَذَا وضرباءه من عندك لا يؤذونا، فَإِذَا خَرَجْنَا فَأَنْتَ وَهُمْ أَعْلَمُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ الْآيَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «١» عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم: اطرد هؤلاء لا يجترءون عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ نَسِيتُ اسْمَهُمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً قَالَ: ضَيَاعًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقُلِ الْحَقُّ قَالَ: هُوَ الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْحِجْرِ أَوْ سُورَةَ الْكَهْفِ فَسَكَتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ» وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي قَوْلِهِ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ الْآيَةَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى أَمْرٍ كَرِهَهُ اللَّهُ مِنْ طَرْدِ الْفُقَرَاءِ عَنْهُ وَتَقْرِيبِ صَنَادِيدِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، يَعْنِي مَنْ خَتَمْنَا عَلَى قَلْبِهِ يَعْنِي التَّوْحِيدَ وَاتَّبَعَ هَواهُ يَعْنِي الشِّرْكَ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً يَعْنِي فُرُطًا فِي أَمْرِ اللَّهِ وَجَهَالَةً بِاللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حصن عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَعِنْدَهُ سَلْمَانُ عَلَيْهِ جبة صوف، فثار مِنْهُ رِيحُ الْعَرَقِ فِي الصُّوفِ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: يَا مُحَمَّدُ إِذَا نَحْنُ أَتَيْنَاكَ فَأَخْرِجْ هَذَا وضرباءه من عندك لا يؤذونا، فَإِذَا خَرَجْنَا فَأَنْتَ وَهُمْ أَعْلَمُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ الْآيَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «١» عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم: اطرد هؤلاء لا يجترءون عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ نَسِيتُ اسْمَهُمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً قَالَ: ضَيَاعًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقُلِ الْحَقُّ قَالَ: هُوَ الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ
(١). الأنعام: ٥٢.
336
يَقُولُ: مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْإِيمَانَ آمَنَ، وَمَنْ شَاءَ لَهُ الْكُفْرَ كَفَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ «١». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: فِي الآية هذه تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها قَالَ: حَائِطٌ مِنْ نَارٍ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِسُرَادِقِ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ، كَثَافَةُ كُلِّ جِدَارٍ مِنْهَا مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عن يعلى بن أمية قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «إن البحر هو من جهنم، ثم تلا ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها». وأخرج أحمد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: بِماءٍ كَالْمُهْلِ قَالَ: «كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كَالْمُهْلِ قَالَ: أَسْوَدُ كَعَكَرِ الزَّيْتِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُهْلِ فَقَالَ: مَاءٌ غَلِيظٌ كَدُرْدِيِّ الزَّيْتِ. وَأَخْرَجَ هَنَّادٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُهْلِ، فَدَعَا بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَأَذَابَهُ، فَلَمَّا ذَابَ قَالَ: هَذَا أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمُهْلِ الَّذِي هُوَ شَرَابُ أَهْلِ النَّارِ وَلَوْنُهُ لَوْنُ السَّمَاءِ، غَيْرَ أَنَّ شَرَابَ أَهْلِ النَّارِ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ هَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: هل تدرون ما المهل؟ مهل الزَّيْتِ، يَعْنِي آخِرَهُ «٢».
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَساءَتْ مُرْتَفَقاً قَالَ: مُجْتَمَعًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ». وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ تُنْبِتُ السُّنْدُسَ مِنْهُ يَكُونُ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْإِسْتَبْرَقُ: الدِّيبَاجُ الْغَلِيظُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لِيَتَّكِئُ الْمُتَّكَأَ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا يَتَحَوَّلُ مِنْهُ وَلَا يَمَلُّهُ، يَأْتِيهِ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَلَذَّتْ عَيْنُهُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَرَائِكُ: السُّرُرُ فِي جَوْفِ الْحِجَالِ، عَلَيْهَا الْفَرْشُ مَنْضُودٌ فِي السَّمَاءِ فَرْسَخٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْهُ قَالَ: لَا تَكُونُ أَرِيكَةً حَتَّى يَكُونَ السَّرِيرُ فِي الْحَجَلَةِ «٣». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَرَائِكِ فَقَالَ: هِيَ الْحِجَالُ على السرر.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كَالْمُهْلِ قَالَ: أَسْوَدُ كَعَكَرِ الزَّيْتِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُهْلِ فَقَالَ: مَاءٌ غَلِيظٌ كَدُرْدِيِّ الزَّيْتِ. وَأَخْرَجَ هَنَّادٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُهْلِ، فَدَعَا بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَأَذَابَهُ، فَلَمَّا ذَابَ قَالَ: هَذَا أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمُهْلِ الَّذِي هُوَ شَرَابُ أَهْلِ النَّارِ وَلَوْنُهُ لَوْنُ السَّمَاءِ، غَيْرَ أَنَّ شَرَابَ أَهْلِ النَّارِ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ هَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: هل تدرون ما المهل؟ مهل الزَّيْتِ، يَعْنِي آخِرَهُ «٢».
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَساءَتْ مُرْتَفَقاً قَالَ: مُجْتَمَعًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ». وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ تُنْبِتُ السُّنْدُسَ مِنْهُ يَكُونُ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْإِسْتَبْرَقُ: الدِّيبَاجُ الْغَلِيظُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لِيَتَّكِئُ الْمُتَّكَأَ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا يَتَحَوَّلُ مِنْهُ وَلَا يَمَلُّهُ، يَأْتِيهِ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَلَذَّتْ عَيْنُهُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَرَائِكُ: السُّرُرُ فِي جَوْفِ الْحِجَالِ، عَلَيْهَا الْفَرْشُ مَنْضُودٌ فِي السَّمَاءِ فَرْسَخٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْهُ قَالَ: لَا تَكُونُ أَرِيكَةً حَتَّى يَكُونَ السَّرِيرُ فِي الْحَجَلَةِ «٣». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَرَائِكِ فَقَالَ: هِيَ الْحِجَالُ على السرر.
(١). التكوير: ٢٩.
(٢). أي: الزيت العكر.
(٣). الحجلة: ساتر كالقبة يتخذ للعروس، يزين بالثياب والستور (ج: حجل، حجال).
(٢). أي: الزيت العكر.
(٣). الحجلة: ساتر كالقبة يتخذ للعروس، يزين بالثياب والستور (ج: حجل، حجال).
337
ثم شرح سبحانه في نوع آخر كما هو دأب الكتاب العزيز فقال :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ قد تقدّم في الأنعام نهيه صلى الله عليه وسلم عن طرد فقراء المؤمنين بقوله :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ] وأمره سبحانه ههنا بأن يحبس نفسه معهم، فصبر النفس هو حبسها، وذكر الغداة والعشي كناية عن الاستمرار على الدعاء في جميع الأوقات، وقيل : في طرفي النهار، وقيل المراد : صلاة العصر والفجر. وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن وابن عامر ( بالغدوة ) بالواو، واحتجوا بأنها في المصحف كذلك مكتوبة بالواو. قال النحاس : وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو، ولا تكاد العرب تقول : الغدوة، ومعنى ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ : أنهم يريدون بدعائهم رضي الله سبحانه، والجملة في محل نصب على الحال، ثم أمره سبحانه بالمراقبة لأحوالهم فقال :﴿ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ أي : لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم. قال الفراء : معناه لا تصرف عيناك عنهم، وقال الزجاج : لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة، واستعماله بعن لتضمنه معنى النبوّ، من عدوته عن الأمر، أي : صرفته منه، وقيل : معناه : لا تحتقرهم عيناك ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا ﴾ أي : مجالسة أهل الشرف والغنى، والجملة في محل نصب على الحال، أي : حال كونك مريداً لذلك، هذا إذا كان فاعل تريد هو النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإن كان الفاعل ضميراً يعود إلى العينين، فالتقدير : مريدة زينة الحياة الدنيا، وإسناد الإرادة إلى العينين مجاز، وتوحيد الضمير للتلازم كقول الشاعر :
لمن زحلوقة زل *** بها العينان تنهلّ
﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ أي : جعلناه غافلاً بالختم عليه، نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طاعة من جعل الله قلبه غافلاً عن ذكره كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحي الفقراء عن مجلسه، فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله، ومع هذا فهم ممن اتبع هواه وآثره على الحق فاختار الشرك على التوحيد ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ أي : متجاوزاً عن حدّ الاعتدال، من قولهم : فرس فرط : إذا كان متقدماً للخيل فهو على هذا من الإفراط. وقيل هو : من التفريط، وهو التقصير والتضييع. قال الزجاج : ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ مُلْتَحَدًا ﴾ قال : ملتجأً. وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب عن سلمان قال : جاءت المؤلفة قلوبهم : عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس قالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون : سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف، جالسناك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله ﴿ واتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ ﴾ إلى قوله :﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ﴾، زاد أبو الشيخ عن سلمان :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال :( الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا والممات ) وأخرج ابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي ﴾ فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله منهم ثائر الرأس وحاف الجلد وذو الثوب الخلق، فلما رآهم جلس معهم وقال :( الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم ). وأخرج البزار عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم )، وفي الباب روايات. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن نافع قال : أخبرني عبد الله بن عمر في هذه الآية :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ أنهم الذين يشهدون الصلوات الخمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه في قوله :﴿ واصبر نَفْسَكَ ﴾ الآية قال : نزلت في صلاة الصبح وصلاة العصر. وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ قال : نزلت في أمية بن خلف، وذلك أنه دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله هذه الآية، يعني : من ختمنا على قلبه يعني : التوحيد ﴿ واتبع هَوَاهُ ﴾ يعني الشرك ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ يعني : فرطاً في أمر الله وجهالة بالله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة قال : دخل عيينة بن حصن على النبيّ في يوم حارّ، وعنده سلمان عليه جبة صوف، فصار منه ريح العرق في الصوف، فقال عيينة : يا محمد إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وضرباءه من عندك لا يؤذينا، فإذا خرجنا فأنت وهم أعلم، فأنزل الله :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾ الآية. وقد ثبت في صحيح مسلم في سبب نزول الآية المتضمنة لمعنى هذه الآية، وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ]، عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدّث نفسه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ قال : ضياعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَقُلِ الحق ﴾ قال : هو القرآن. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ يقول : من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله :﴿ وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله رَبُّ العالمين ﴾ [ التكوير : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال في [ هذه ] الآية : هذا تهديد ووعيد. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ قال : حائط من نار. وأخرج أحمد، والترمذي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :( لسرادق النار أربعة جدر، كثافة كل جدار منها مسيرة أربعين سنة ). وأخرج أحمد، والبخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن البحر هو من جهنم، ثم تلا ﴿ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ ) وأخرج أحمد، والترمذي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ بِمَاء كالمهل ﴾ قال :( كعكر الزيت، فإذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه فيه ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كالمهل ﴾ قال : أسود كعكر الزيت. وأخرج ابن أبي شيبة، وهناد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطية قال : سئل ابن عباس عن المهل فقال : ماء غليظ كدرديّ الزيت. وأخرج هناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن مسعود : أنه سئل عن المهل، فدعا بذهب وفضة فأذابه، فلما ذاب قال : هذا أشبه شيء بالمهل الذي هو شراب أهل النار ولونه لون السماء، غير أن شراب أهل النار أشدّ حرّاً من هذا. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : هل تدرون ما المهل ؟ المهل : سهل الزيت، يعني : آخره. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا ﴾ قال : مجتمعاً.
وأخرج البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عكرمة قال : الإستبرق : الديباج الغليظ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل منه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأرائك : السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ. وأخرج البيهقي في البعث عنه قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر.
لمن زحلوقة زل *** بها العينان تنهلّ
﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ أي : جعلناه غافلاً بالختم عليه، نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طاعة من جعل الله قلبه غافلاً عن ذكره كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحي الفقراء عن مجلسه، فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله، ومع هذا فهم ممن اتبع هواه وآثره على الحق فاختار الشرك على التوحيد ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ أي : متجاوزاً عن حدّ الاعتدال، من قولهم : فرس فرط : إذا كان متقدماً للخيل فهو على هذا من الإفراط. وقيل هو : من التفريط، وهو التقصير والتضييع. قال الزجاج : ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه.
وأخرج البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عكرمة قال : الإستبرق : الديباج الغليظ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل منه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأرائك : السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ. وأخرج البيهقي في البعث عنه قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر.
ثم بيّن سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ما يقوله لأولئك الغافلين، فقال :﴿ وَقُلِ الحق مِن ربّكُمْ ﴾ أي قل لهم : إن ما أوحي إليك وأمرت بتلاوته هو الحق الكائن من جهة الله، لا من جهة غيره حتى يمكن فيه التبديل والتغيير، وقيل : المراد بالحق الصبر مع الفقراء. قال الزجاج : أي الذين أتيتكم به ﴿ الحق مِن ربّكُمْ ﴾ يعني : لم آتكم به من قبل نفسي إنما أتيتكم به من الله ﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ قيل : هو من تمام القول الذي أمر رسوله أن يقوله، والفاء لترتيب ما قبلها على ما بعدها، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه لا من القول الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه تهديد شديد، ويكون المعنى : قل لهم يا محمد الحق من ربكم وبعد أن تقول لهم هذا القول، من شاء أن يؤمن بالله ويصدّقك فليؤمن، ومن شاء أن يكفر به ويكذبك فليكفر. ثم أكد الوعيد وشدّده فقال :﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ ﴾ أي : أعددنا وهيأنا للظالمين الذين اختاروا الكفر بالله والجحد له والإنكار لأنبيائه ناراً عظيمة ﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ أي : اشتمل عليهم. والسرادق : واحد السرادقات. قال الجوهري : وهي التي تمد فوق صحن الدار، وكل بيت من كرسف فهو سرادق، ومنه قول رؤبة :
وقال الشاعر :
يقوله سلام بن جندل لما قتل ملك الفرس ملك العرب النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة. وقال ابن الأعرابي : سرادقها : سورها. وقال القتيبي : السرادق : الحجرة التي تكون حول الفسطاط. والمعنى : أنه أحاط بالكفار سرادق النار على تشبيه ما يحيط بهم من النار بالسرادق المحيط بمن فيه ﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُوا ﴾ من حرّ النار ﴿ يُغَاثُوا بِمَاء كالمهل ﴾ وهو : الحديد المذاب. قال الزجاج : إنهم يغاثون بماء كالرصاص المذاب أو الصفر، وقيل : هو درديّ الزيت. وقال أبو عبيدة والأخفش : هو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديد ورصاص ونحاس. وقيل : هو ضرب من القطران. ثم وصف هذا الماء الذي يغاثون به بأنه ﴿ يَشْوِى الوجوه ﴾ إذا قدّم إليهم صارت وجوههم مشوية لحرارته ﴿ بِئْسَ الشراب ﴾ شرابهم هذا ﴿ وَسَاءتْ ﴾ النار ﴿ مُرْتَفَقًا ﴾ متكأً، يقال : ارتفقت أي : اتكأت، وأصل الارتفاق : نصب المرفق، ويقال : ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه، وقال القتيبي : هو المجلس، وقيل، المجتمع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ مُلْتَحَدًا ﴾ قال : ملتجأً. وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب عن سلمان قال : جاءت المؤلفة قلوبهم : عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس قالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون : سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف، جالسناك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله ﴿ واتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ ﴾ إلى قوله :﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ﴾، زاد أبو الشيخ عن سلمان :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال :( الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا والممات ) وأخرج ابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي ﴾ فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله منهم ثائر الرأس وحاف الجلد وذو الثوب الخلق، فلما رآهم جلس معهم وقال :( الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم ). وأخرج البزار عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم )، وفي الباب روايات. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن نافع قال : أخبرني عبد الله بن عمر في هذه الآية :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ أنهم الذين يشهدون الصلوات الخمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه في قوله :﴿ واصبر نَفْسَكَ ﴾ الآية قال : نزلت في صلاة الصبح وصلاة العصر. وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ قال : نزلت في أمية بن خلف، وذلك أنه دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله هذه الآية، يعني : من ختمنا على قلبه يعني : التوحيد ﴿ واتبع هَوَاهُ ﴾ يعني الشرك ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ يعني : فرطاً في أمر الله وجهالة بالله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة قال : دخل عيينة بن حصن على النبيّ في يوم حارّ، وعنده سلمان عليه جبة صوف، فصار منه ريح العرق في الصوف، فقال عيينة : يا محمد إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وضرباءه من عندك لا يؤذينا، فإذا خرجنا فأنت وهم أعلم، فأنزل الله :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾ الآية. وقد ثبت في صحيح مسلم في سبب نزول الآية المتضمنة لمعنى هذه الآية، وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ]، عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدّث نفسه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ قال : ضياعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَقُلِ الحق ﴾ قال : هو القرآن. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ يقول : من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله :﴿ وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله رَبُّ العالمين ﴾ [ التكوير : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال في [ هذه ] الآية : هذا تهديد ووعيد. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ قال : حائط من نار. وأخرج أحمد، والترمذي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :( لسرادق النار أربعة جدر، كثافة كل جدار منها مسيرة أربعين سنة ). وأخرج أحمد، والبخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن البحر هو من جهنم، ثم تلا ﴿ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ ) وأخرج أحمد، والترمذي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ بِمَاء كالمهل ﴾ قال :( كعكر الزيت، فإذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه فيه ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كالمهل ﴾ قال : أسود كعكر الزيت. وأخرج ابن أبي شيبة، وهناد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطية قال : سئل ابن عباس عن المهل فقال : ماء غليظ كدرديّ الزيت. وأخرج هناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن مسعود : أنه سئل عن المهل، فدعا بذهب وفضة فأذابه، فلما ذاب قال : هذا أشبه شيء بالمهل الذي هو شراب أهل النار ولونه لون السماء، غير أن شراب أهل النار أشدّ حرّاً من هذا. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : هل تدرون ما المهل ؟ المهل : سهل الزيت، يعني : آخره. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا ﴾ قال : مجتمعاً.
وأخرج البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عكرمة قال : الإستبرق : الديباج الغليظ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل منه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأرائك : السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ. وأخرج البيهقي في البعث عنه قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر.
| يا حكم بن المنذر بن جارود | سرادق المجد عليك ممدود |
| هو المدخل النعمان بيتاً سماؤه | صدور الفيول بعد بيت مسردق |
وأخرج البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عكرمة قال : الإستبرق : الديباج الغليظ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل منه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأرائك : السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ. وأخرج البيهقي في البعث عنه قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر.
﴿ إِنَّ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات ﴾ هذا شروع في وعد المؤمنين بعد الفراغ من وعيد الكافرين، والمعنى : إن الذين آمنوا بالحق الذي أوحي إليك وعملوا الصالحات من الأعمال ﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ هذا خبر ﴿ إن الذين آمنوا ﴾، والعائد محذوف، أي : من أحسن منهم عملاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ مُلْتَحَدًا ﴾ قال : ملتجأً. وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب عن سلمان قال : جاءت المؤلفة قلوبهم : عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس قالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون : سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف، جالسناك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله ﴿ واتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ ﴾ إلى قوله :﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ﴾، زاد أبو الشيخ عن سلمان :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال :( الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا والممات ) وأخرج ابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي ﴾ فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله منهم ثائر الرأس وحاف الجلد وذو الثوب الخلق، فلما رآهم جلس معهم وقال :( الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم ). وأخرج البزار عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم )، وفي الباب روايات. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن نافع قال : أخبرني عبد الله بن عمر في هذه الآية :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ أنهم الذين يشهدون الصلوات الخمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه في قوله :﴿ واصبر نَفْسَكَ ﴾ الآية قال : نزلت في صلاة الصبح وصلاة العصر. وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ قال : نزلت في أمية بن خلف، وذلك أنه دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله هذه الآية، يعني : من ختمنا على قلبه يعني : التوحيد ﴿ واتبع هَوَاهُ ﴾ يعني الشرك ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ يعني : فرطاً في أمر الله وجهالة بالله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة قال : دخل عيينة بن حصن على النبيّ في يوم حارّ، وعنده سلمان عليه جبة صوف، فصار منه ريح العرق في الصوف، فقال عيينة : يا محمد إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وضرباءه من عندك لا يؤذينا، فإذا خرجنا فأنت وهم أعلم، فأنزل الله :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾ الآية. وقد ثبت في صحيح مسلم في سبب نزول الآية المتضمنة لمعنى هذه الآية، وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ]، عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدّث نفسه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ قال : ضياعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَقُلِ الحق ﴾ قال : هو القرآن. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ يقول : من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله :﴿ وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله رَبُّ العالمين ﴾ [ التكوير : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال في [ هذه ] الآية : هذا تهديد ووعيد. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ قال : حائط من نار. وأخرج أحمد، والترمذي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :( لسرادق النار أربعة جدر، كثافة كل جدار منها مسيرة أربعين سنة ). وأخرج أحمد، والبخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن البحر هو من جهنم، ثم تلا ﴿ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ ) وأخرج أحمد، والترمذي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ بِمَاء كالمهل ﴾ قال :( كعكر الزيت، فإذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه فيه ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كالمهل ﴾ قال : أسود كعكر الزيت. وأخرج ابن أبي شيبة، وهناد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطية قال : سئل ابن عباس عن المهل فقال : ماء غليظ كدرديّ الزيت. وأخرج هناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن مسعود : أنه سئل عن المهل، فدعا بذهب وفضة فأذابه، فلما ذاب قال : هذا أشبه شيء بالمهل الذي هو شراب أهل النار ولونه لون السماء، غير أن شراب أهل النار أشدّ حرّاً من هذا. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : هل تدرون ما المهل ؟ المهل : سهل الزيت، يعني : آخره. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا ﴾ قال : مجتمعاً.
وأخرج البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عكرمة قال : الإستبرق : الديباج الغليظ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل منه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأرائك : السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ. وأخرج البيهقي في البعث عنه قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر.
وأخرج البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عكرمة قال : الإستبرق : الديباج الغليظ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل منه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأرائك : السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ. وأخرج البيهقي في البعث عنه قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر.
وجملة :﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ استئناف لبيان الأجر، والإشارة إلى من تقدّم ذكره، وقيل : يجوز أن يكون ﴿ أولئك ﴾ خبر ﴿ إن الذين آمنوا ﴾، وتكون جملة :﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ ﴾ اعتراضاً، ويجوز أن يكون ﴿ أولئك ﴾ خبراً بعد خبر، وقد تقدّم الكلام ﴿ في جنات عدن ﴾، وفي كيفية جري الأنهار من تحتها ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ﴾ قال الزجاج : أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، وهي زينة تلبس في الزند من اليد وهي من زينة الملوك، قيل : يحلى كل واحد منهم ثلاثة أسورة : واحد من فضة، واحد من لؤلؤ، وواحد من ذهب، وظاهر الآية أنها جميعها من ذهب، ويمكن أن يكون قول القائل هذا جمعاً بين الآيات لقوله سبحانه في آية أخرى :﴿ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ﴾ [ الإنسان : ٢١ ]، ولقوله في آية أخرى :﴿ وَلُؤْلُؤاً ﴾ [ الحج : ٢٣ ]. و«من » في قوله :﴿ مِنْ أَسَاوِرَ ﴾ للابتداء، وفي ﴿ من ذهب ﴾ للبيان. وحكى الفراء " يحلون " بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام، يقال : حليت المرأة تحلى فهي حالية : إذا لبست الحليّ ﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾ قال الكسائي : السندس : الرقيق، واحده سندسة، والإستبرق : ما ثخن وكذا قال المفسرون، وقيل : الإستبرق : هو الديباج كما قال الشاعر :
وإستبرق الديباج طوراً لباسها ***. . .
وقيل : هو المنسوج بالذهب. قال القتيبي : هو فارسيّ معرّب. قال الجوهري : وتصغيره أبيرق، وخصّ الأخضر لأنه الموافق للبصر، ولكونه أحسن الألوان ﴿ متَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك ﴾ قال الزجاج : الأرائك : جمع أريكة، وهي السرر في الحجال، وقيل : هي أسرة من ذهب مكللة بالدرّ والياقوت، وأصل اتكأ : او تكأ، وأصل متكئين : موتكئين، والاتكاء : التحامل على الشيء ﴿ نِعْمَ الثواب ﴾ ذلك الذي أثابهم الله به ﴿ وَحَسُنَتْ ﴾ تلك الأرائك ﴿ مُرْتَفَقًا ﴾ أي متكأً وقد تقدّم قريباً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ مُلْتَحَدًا ﴾ قال : ملتجأً. وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب عن سلمان قال : جاءت المؤلفة قلوبهم : عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس قالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون : سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف، جالسناك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله ﴿ واتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ ﴾ إلى قوله :﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ﴾، زاد أبو الشيخ عن سلمان :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال :( الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا والممات ) وأخرج ابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي ﴾ فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله منهم ثائر الرأس وحاف الجلد وذو الثوب الخلق، فلما رآهم جلس معهم وقال :( الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم ). وأخرج البزار عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم )، وفي الباب روايات. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن نافع قال : أخبرني عبد الله بن عمر في هذه الآية :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ أنهم الذين يشهدون الصلوات الخمس. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه في قوله :﴿ واصبر نَفْسَكَ ﴾ الآية قال : نزلت في صلاة الصبح وصلاة العصر. وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ قال : نزلت في أمية بن خلف، وذلك أنه دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله هذه الآية، يعني : من ختمنا على قلبه يعني : التوحيد ﴿ واتبع هَوَاهُ ﴾ يعني الشرك ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ يعني : فرطاً في أمر الله وجهالة بالله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة قال : دخل عيينة بن حصن على النبيّ في يوم حارّ، وعنده سلمان عليه جبة صوف، فصار منه ريح العرق في الصوف، فقال عيينة : يا محمد إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وضرباءه من عندك لا يؤذينا، فإذا خرجنا فأنت وهم أعلم، فأنزل الله :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾ الآية. وقد ثبت في صحيح مسلم في سبب نزول الآية المتضمنة لمعنى هذه الآية، وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ]، عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدّث نفسه، فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ قال : ضياعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَقُلِ الحق ﴾ قال : هو القرآن. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ يقول : من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله :﴿ وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله رَبُّ العالمين ﴾ [ التكوير : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال في [ هذه ] الآية : هذا تهديد ووعيد. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله :﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ قال : حائط من نار. وأخرج أحمد، والترمذي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :( لسرادق النار أربعة جدر، كثافة كل جدار منها مسيرة أربعين سنة ). وأخرج أحمد، والبخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن البحر هو من جهنم، ثم تلا ﴿ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ ) وأخرج أحمد، والترمذي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ بِمَاء كالمهل ﴾ قال :( كعكر الزيت، فإذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه فيه ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كالمهل ﴾ قال : أسود كعكر الزيت. وأخرج ابن أبي شيبة، وهناد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطية قال : سئل ابن عباس عن المهل فقال : ماء غليظ كدرديّ الزيت. وأخرج هناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن مسعود : أنه سئل عن المهل، فدعا بذهب وفضة فأذابه، فلما ذاب قال : هذا أشبه شيء بالمهل الذي هو شراب أهل النار ولونه لون السماء، غير أن شراب أهل النار أشدّ حرّاً من هذا. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : هل تدرون ما المهل ؟ المهل : سهل الزيت، يعني : آخره. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا ﴾ قال : مجتمعاً.
وأخرج البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عكرمة قال : الإستبرق : الديباج الغليظ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل منه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأرائك : السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ. وأخرج البيهقي في البعث عنه قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر.
وإستبرق الديباج طوراً لباسها ***. . .
وقيل : هو المنسوج بالذهب. قال القتيبي : هو فارسيّ معرّب. قال الجوهري : وتصغيره أبيرق، وخصّ الأخضر لأنه الموافق للبصر، ولكونه أحسن الألوان ﴿ متَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك ﴾ قال الزجاج : الأرائك : جمع أريكة، وهي السرر في الحجال، وقيل : هي أسرة من ذهب مكللة بالدرّ والياقوت، وأصل اتكأ : او تكأ، وأصل متكئين : موتكئين، والاتكاء : التحامل على الشيء ﴿ نِعْمَ الثواب ﴾ ذلك الذي أثابهم الله به ﴿ وَحَسُنَتْ ﴾ تلك الأرائك ﴿ مُرْتَفَقًا ﴾ أي متكأً وقد تقدّم قريباً.
وأخرج البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن عكرمة قال : الإستبرق : الديباج الغليظ. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل منه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأرائك : السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ. وأخرج البيهقي في البعث عنه قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٢ الى ٤٤]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦)قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤)
قَوْلُهُ: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ هَذَا الْمَثَلُ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ يَتَعَزَّزُ بِالدُّنْيَا وَيَسْتَنْكِفُ عَنْ مُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الرَّجُلَيْنِ هَلْ هُمَا مُقَدَّرَانِ أَوْ مُحَقَّقَانِ؟ فَقَالَ بِالْأَوَّلِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ بِالْآخَرِ بَعْضٌ آخَرُ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهِمَا فَقِيلَ: هُمَا أَخَوَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقِيلَ: هُمَا أَخَوَانِ مَخْزُومِيَّانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَحَدُهُمَا مُؤْمِنٌ، وَالْآخَرُ كَافِرٌ وَقِيلَ: هُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ فِي قَوْلِهِ: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ «١» وَانْتِصَابُ مَثَلًا وَرَجُلَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولَا اضْرِبْ، قِيلَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي وَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ هو الكافر، ومِنْ أَعْنابٍ بَيَانٌ لِمَا فِي الْجَنَّتَيْنِ، أَيْ: مِنْ كُرُومٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ الْحَفُّ: الْإِحَاطَةُ، وَمِنْهُ: حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ «٢» وَيُقَالُ: حَفَّ الْقَوْمُ بِفُلَانٍ يَحِفُّونَ حَفًّا، أَيْ: أَطَافُوا بِهِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَجَعَلْنَا النَّخْلَ مُطِيفًا بِالْجَنَّتَيْنِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِمَا وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً أَيْ: بَيْنَ الْجَنَّتَيْنِ، وَهُوَ وَسَطُهُمَا، لِيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَامِعًا لِلْأَقْوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْجَنَّتَيْنِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَانَتْ تُؤَدِّي حَمْلَهَا وَمَا فِيهَا، فَقَالَ: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها أَخْبَرَ عَنْ كِلْتَا بِآتَتْ، لِأَنَّ لَفْظَهُ مُفْرَدٌ، فَرَاعَى جَانِبَ اللَّفْظِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ كِلْتَا وَكِلَا اسْمٌ مُفْرَدٌ غَيْرُ مُثَنًّى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مُثَنًّى، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كُلٍّ فَخُفِّفَتِ اللَّامُ وَزِيدَتِ الْأَلِفُ لِلتَّثْنِيَةِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: أَلِفُ كِلْتَا لِلتَّأْنِيثِ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ لَامِ الْفِعْلِ، وَهِيَ وَاوٌ، والأصل كلو، وقال أبو عمرو: التاء ملحقة. وأكلهما: هو ثمرهما، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَارَ صَالِحًا لِلْأَكْلِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «كُلُّ الْجَنَّتَيْنِ آتَى أُكُلَهُ» وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً أَيْ: لَمْ تَنْقُصْ مِنْ أُكُلِهَا شَيْئًا، يُقَالُ: ظَلَمَهُ حَقَّهُ، أَيْ: نَقَصَهُ، وَوَصَفَ الْجَنَّتَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُمَا عَلَى خِلَافِ مَا يُعْتَادُ فِي سَائِرِ الْبَسَاتِينِ فَإِنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَكْثُرُ في عام، وتقلّ
(١). الصافات: ٥١.
(٢). الزمر: ٧٥.
(٢). الزمر: ٧٥.
338
فِي عَامٍ وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً أَيْ: أَجْرَيْنَا وَشَقَقْنَا وَسَطَ الْجَنَّتَيْنِ نَهَرًا لِيَسْقِيَهُمَا دَائِمًا مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ، وَقُرِئَ «فَجَّرْنَا» بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَبِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْأَصْلِ وَكانَ لَهُ أَيْ: لِصَاحِبِ الْجَنَّتَيْنِ ثَمَرٌ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ «ثَمَرٌ» بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، وَكَذَلِكَ قَرَءُوا فِي قَوْلِهِ: أُحِيطَ بِثَمَرِهِ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِضَمِّ الثَّاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّهِمَا جَمِيعًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الثَّمَرَةُ وَاحِدَةُ الثَّمَرِ، وَجَمْعُ الثَّمَرِ ثِمَارٌ مِثْلَ جَبَلٍ وَجِبَالٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَجَمْعُ الثِّمَارِ ثُمُرٌ، مِثْلَ كِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَجَمْعُ الثُّمُرِ أَثْمَارٌ، مِثْلَ عُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ، وَقِيلَ: الثَّمَرُ جَمِيعُ الْمَالِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: هو الذهب والفضة خالصة فَقالَ لِصاحِبِهِ أَيْ: قَالَ صَاحِبُ الْجَنَّتَيْنِ الْكَافِرُ لِصَاحِبِهِ الْمُؤْمِنِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَيْ: وَالْكَافِرُ يُحَاوِرُ الْمُؤْمِنَ، وَالْمَعْنَى: يُرَاجِعُهُ الْكَلَامَ وَيُجَاوِبُهُ، وَالْمُحَاوَرَةُ:
الْمُرَاجَعَةُ، وَالتَّحَاوُرُ: التَّجَاوُبُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَراً النَّفَرُ: الرَّهْطُ، وَهُوَ مَا دُونُ الْعَشْرَةِ، وَأَرَادَ هَاهُنَا الْأَتْبَاعَ وَالْخَدَمَ وَالْأَوْلَادَ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ أَيْ دَخَلَ الْكَافِرُ جَنَّةَ نَفْسِهِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَخَذَ بِيَدِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ يَطُوفُ بِهِ فِيهَا، وَيُرِيهِ عَجَائِبَهَا، وَإِفْرَادُ الْجَنَّةِ هُنَا يَحْتَمِلُ أَنَّ وَجْهَهُ كَوْنُهُ لَمْ يُدْخِلْ أَخَاهُ إِلَّا وَاحِدَةً مِنْهُمَا، أَوْ لِكَوْنِهِمَا لَمَّا اتَّصَلَا كَانَا كَوَاحِدَةٍ، أَوْ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي وَاحِدَةٍ، ثُمَّ وَاحِدَةٍ أَوْ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِذِكْرِهِمَا، وَمَا أَبْعَدَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ وَحَّدَ الْجَنَّةَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُؤْمِنُونَ، وَجُمْلَةُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: وَذَلِكَ الْكَافِرُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ بِكُفْرِهِ وَعُجْبِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً أَيْ: قَالَ الْكَافِرُ لِفَرْطِ غَفْلَتِهِ وَطُولِ أَمَلِهِ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَفْنَى هَذِهِ الْجَنَّةُ الَّتِي تُشَاهِدُهَا وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أَنْكَرَ الْبَعْثَ بَعْدَ إِنْكَارِهِ لِفَنَاءِ جَنَّتِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَخْبَرَ أَخَاهُ بِكُفْرِهِ بِفَنَاءِ الدُّنْيَا وَقِيَامِ السَّاعَةِ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً اللَّامُ هِيَ الْمُوطِئَةُ لِلْقَسَمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِنْ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا كَمَا زَعَمَ صَاحِبُهُ، وَاللَّامُ فِي «لَأَجِدَنَّ» جَوَابُ الْقَسَمِ، وَالشَّرْطِ، أَيْ: لَأَجِدَنَّ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا مِنْ هَذِهِ الْجَنَّةِ، فِي مَصَاحِفِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ خَيْرًا منهما وَفِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ «خَيْراً مِنْها» على الإفراد، ومُنْقَلَباً مُنْتَصِبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ: مَرْجِعًا وَعَاقِبَةً، قَالَ هَذَا قِيَاسًا لِلْغَائِبِ عَلَى الْحَاضِرِ، وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَنِيًّا فِي الدُّنْيَا، سَيَكُونُ غَنِيًّا فِي الْأُخْرَى، اغْتِرَارًا مِنْهُ بِمَا صَارَ فِيهِ مِنَ الْغِنَى الَّذِي هُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُ مِنَ اللَّهِ قالَ لَهُ صاحِبُهُ أَيْ: قَالَ لِلْكَافِرِ صَاحِبُهُ الْمُؤْمِنُ حَالَ مُحَاوَرَتِهِ لَهُ مُنْكِرًا عَلَيْهِ مَا قَالَهُ: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ بِقَوْلِكَ: مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَقَالَ: خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ أَيْ: جَعَلَ أَصْلَ خَلْقِكَ مِنْ تُرَابٍ حَيْثُ خَلَقَ أَبَاكَ آدَمَ مِنْهُ، وَهُوَ أَصْلُكَ، وَأَصْلُ الْبَشَرِ فَلِكُلِّ فَرْدٍ حَظٌّ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا بِاللَّهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْكُفْرَ حَدَثَ لَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وَهِيَ الْمَادَّةُ الْقَرِيبَةُ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أَيْ: صَيَّرَكَ إِنْسَانًا ذَكَرًا وَعَدَّلَ أَعْضَاءَكَ وَكَمَّلَكَ، وَفِي هَذَا تَلْوِيحٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى الْبَعْثِ، وَأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَانْتِصَابُ رَجُلًا عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي كَذَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ بَعْدَ لَكِنَّ الْمُشَدَّدَةِ. وَأَصَلُهُ لَكِنَّ أَنَا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى النُّونِ السَّاكِنَةِ قَبْلَهَا فَصَارَ لَكِنَّنَا، ثُمَّ
الْمُرَاجَعَةُ، وَالتَّحَاوُرُ: التَّجَاوُبُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَراً النَّفَرُ: الرَّهْطُ، وَهُوَ مَا دُونُ الْعَشْرَةِ، وَأَرَادَ هَاهُنَا الْأَتْبَاعَ وَالْخَدَمَ وَالْأَوْلَادَ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ أَيْ دَخَلَ الْكَافِرُ جَنَّةَ نَفْسِهِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَخَذَ بِيَدِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ يَطُوفُ بِهِ فِيهَا، وَيُرِيهِ عَجَائِبَهَا، وَإِفْرَادُ الْجَنَّةِ هُنَا يَحْتَمِلُ أَنَّ وَجْهَهُ كَوْنُهُ لَمْ يُدْخِلْ أَخَاهُ إِلَّا وَاحِدَةً مِنْهُمَا، أَوْ لِكَوْنِهِمَا لَمَّا اتَّصَلَا كَانَا كَوَاحِدَةٍ، أَوْ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي وَاحِدَةٍ، ثُمَّ وَاحِدَةٍ أَوْ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِذِكْرِهِمَا، وَمَا أَبْعَدَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ وَحَّدَ الْجَنَّةَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُؤْمِنُونَ، وَجُمْلَةُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: وَذَلِكَ الْكَافِرُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ بِكُفْرِهِ وَعُجْبِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً أَيْ: قَالَ الْكَافِرُ لِفَرْطِ غَفْلَتِهِ وَطُولِ أَمَلِهِ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَفْنَى هَذِهِ الْجَنَّةُ الَّتِي تُشَاهِدُهَا وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أَنْكَرَ الْبَعْثَ بَعْدَ إِنْكَارِهِ لِفَنَاءِ جَنَّتِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَخْبَرَ أَخَاهُ بِكُفْرِهِ بِفَنَاءِ الدُّنْيَا وَقِيَامِ السَّاعَةِ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً اللَّامُ هِيَ الْمُوطِئَةُ لِلْقَسَمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِنْ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا كَمَا زَعَمَ صَاحِبُهُ، وَاللَّامُ فِي «لَأَجِدَنَّ» جَوَابُ الْقَسَمِ، وَالشَّرْطِ، أَيْ: لَأَجِدَنَّ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا مِنْ هَذِهِ الْجَنَّةِ، فِي مَصَاحِفِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ خَيْرًا منهما وَفِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ «خَيْراً مِنْها» على الإفراد، ومُنْقَلَباً مُنْتَصِبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ: مَرْجِعًا وَعَاقِبَةً، قَالَ هَذَا قِيَاسًا لِلْغَائِبِ عَلَى الْحَاضِرِ، وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَنِيًّا فِي الدُّنْيَا، سَيَكُونُ غَنِيًّا فِي الْأُخْرَى، اغْتِرَارًا مِنْهُ بِمَا صَارَ فِيهِ مِنَ الْغِنَى الَّذِي هُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُ مِنَ اللَّهِ قالَ لَهُ صاحِبُهُ أَيْ: قَالَ لِلْكَافِرِ صَاحِبُهُ الْمُؤْمِنُ حَالَ مُحَاوَرَتِهِ لَهُ مُنْكِرًا عَلَيْهِ مَا قَالَهُ: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ بِقَوْلِكَ: مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَقَالَ: خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ أَيْ: جَعَلَ أَصْلَ خَلْقِكَ مِنْ تُرَابٍ حَيْثُ خَلَقَ أَبَاكَ آدَمَ مِنْهُ، وَهُوَ أَصْلُكَ، وَأَصْلُ الْبَشَرِ فَلِكُلِّ فَرْدٍ حَظٌّ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا بِاللَّهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْكُفْرَ حَدَثَ لَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وَهِيَ الْمَادَّةُ الْقَرِيبَةُ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أَيْ: صَيَّرَكَ إِنْسَانًا ذَكَرًا وَعَدَّلَ أَعْضَاءَكَ وَكَمَّلَكَ، وَفِي هَذَا تَلْوِيحٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى الْبَعْثِ، وَأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَانْتِصَابُ رَجُلًا عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي كَذَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ بَعْدَ لَكِنَّ الْمُشَدَّدَةِ. وَأَصَلُهُ لَكِنَّ أَنَا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى النُّونِ السَّاكِنَةِ قَبْلَهَا فَصَارَ لَكِنَّنَا، ثُمَّ
339
اسْتَثْقَلُوا اجْتِمَاعَ النُّونَيْنِ فَسُكِّنَتِ الْأُولَى وَأُدْغِمَتِ الثَّانِيَةُ، وَضَمِيرُ هُوَ لِلشَّأْنِ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرُهُ وَالْمَجْمُوعُ خَبَرُ أَنَا، وَالرَّاجِعُ يَاءُ الضَّمِيرِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَكِنَّ أَنَا الشَّأْنُ اللَّهُ رَبِّي. قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: إِثْبَاتُ أَلِفِ أَنَا فِي الْوَصْلِ ضَعِيفٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: مَذْهَبُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَالْمَازِنِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ لَكِنَّ أَنَا، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَدَّمْنَا.
وَرُوِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي أَنَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِثْبَاتُ الْأَلِفِ فِي لَكِنَّا فِي الْإِدْرَاجِ جَيِّدٌ لِأَنَّهَا قَدْ حذفت الألف من أنا فجاؤوا بِهَا عِوَضًا، قَالَ: وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ «لَكِنَّ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي» وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ والمسيّبي عن نافع، وورش عَنْ يَعْقُوبَ «لكِنَّا» فِي حَالِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ مَعًا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
وَلَا خِلَافَ فِي إِثْبَاتِهَا فِي الْوَقْفِ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَرُوِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ «لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي»، ثُمَّ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الشِّرْكَ بِاللَّهِ، فَقَالَ: وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَخَاهُ كَانَ مُشْرِكًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ يَلُومُهُ فَقَالَ: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ لَوْلَا للتحضيض:
أي: هلا قلت عند ما دَخَلْتَهَا هَذَا الْقَوْلَ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: مَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ مَا شَاءَ اللَّهُ، أَيْ: هَلَّا قُلْتَ حِينَ دَخَلْتَهَا الْأَمْرُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَائِنٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا شَرْطِيَّةً وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ شَاءَ اللَّهُ كَانَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أَيْ: هَلَّا قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، تَحْضِيضًا لَهُ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهَا وَمَا فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَفْنَاهَا، وَعَلَى الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ، وَأَنَّ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ عِمَارَتِهَا إِنَّمَا هُوَ بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَا بِقُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يَقْوَى أَحَدٌ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ مُلْكٍ وَنِعْمَةٍ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ لَمَّا عَلَّمَهُ الْإِيمَانَ وَتَفْوِيضَ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَجَابَهُ عَلَى افْتِخَارِهِ بِالْمَالِ وَالنَّفَرِ فَقَالَ: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَداً المفعول الأوّل ياء الضمير، وأنا ضمير فصل، وأقلّ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلرُّؤْيَةِ إِنْ كَانَتْ عِلْمِيَّةً، وَإِنْ جُعِلَتْ بَصَرِيَّةً كَانَ انْتِصَابُ أَقَلَّ عَلَى الْحَالِ، ويجوز أن يكون أنا تأكيد لِيَاءِ الضَّمِيرِ، وَانْتِصَابُ مَالًا وَوَلَدًا عَلَى التَّمْيِيزِ فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ هَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ، أَيْ: إِنْ تَرَنِي أَفْقَرَ مِنْكَ، فَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَنَّةً خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ فِي الدُّنْيَا أَوْ في الآخرة أو في فِيهِمَا وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً أَيْ: وَيُرْسِلُ عَلَى جَنَّتِكَ حُسْبَانًا، وَالْحُسْبَانُ مَصْدَرٌ، بِمَعْنَى الْحِسَابِ كَالْغُفْرَانِ أي: مقدار قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَوَقَعَ فِي حِسَابِهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِتَخْرِيبِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْحُسْبَانُ مِنَ الْحِسَابِ أَيْ: يُرْسِلُ عَلَيْهَا عَذَابَ الْحِسَابِ، وَهُوَ حِسَابُ مَا كَسَبَتْ يَدَاكَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: حُسْبَانًا أَيْ: مَرَامِيَ مِنَ السَّماءِ وَاحِدُهَا حُسْبَانَةٌ، وَكَذَا قال أبو عبيدة والقتبي. وقال ابن الأعرابي: الحسبانة: السّحابة،
وَرُوِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي أَنَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِثْبَاتُ الْأَلِفِ فِي لَكِنَّا فِي الْإِدْرَاجِ جَيِّدٌ لِأَنَّهَا قَدْ حذفت الألف من أنا فجاؤوا بِهَا عِوَضًا، قَالَ: وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ «لَكِنَّ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي» وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ والمسيّبي عن نافع، وورش عَنْ يَعْقُوبَ «لكِنَّا» فِي حَالِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ مَعًا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
| أَنَا سيف العشيرة فاعرفوني | حميدا فَإِنِّي قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا |
| فكيف أنا وانتحال «١» القوافي | بعد الشَّيْبِ يَكْفِي ذَاكَ عَارَا |
أي: هلا قلت عند ما دَخَلْتَهَا هَذَا الْقَوْلَ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: مَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ مَا شَاءَ اللَّهُ، أَيْ: هَلَّا قُلْتَ حِينَ دَخَلْتَهَا الْأَمْرُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَائِنٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا شَرْطِيَّةً وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ شَاءَ اللَّهُ كَانَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أَيْ: هَلَّا قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، تَحْضِيضًا لَهُ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهَا وَمَا فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَفْنَاهَا، وَعَلَى الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ، وَأَنَّ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ عِمَارَتِهَا إِنَّمَا هُوَ بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَا بِقُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يَقْوَى أَحَدٌ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ مُلْكٍ وَنِعْمَةٍ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ لَمَّا عَلَّمَهُ الْإِيمَانَ وَتَفْوِيضَ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَجَابَهُ عَلَى افْتِخَارِهِ بِالْمَالِ وَالنَّفَرِ فَقَالَ: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَداً المفعول الأوّل ياء الضمير، وأنا ضمير فصل، وأقلّ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلرُّؤْيَةِ إِنْ كَانَتْ عِلْمِيَّةً، وَإِنْ جُعِلَتْ بَصَرِيَّةً كَانَ انْتِصَابُ أَقَلَّ عَلَى الْحَالِ، ويجوز أن يكون أنا تأكيد لِيَاءِ الضَّمِيرِ، وَانْتِصَابُ مَالًا وَوَلَدًا عَلَى التَّمْيِيزِ فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ هَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ، أَيْ: إِنْ تَرَنِي أَفْقَرَ مِنْكَ، فَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَنَّةً خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ فِي الدُّنْيَا أَوْ في الآخرة أو في فِيهِمَا وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً أَيْ: وَيُرْسِلُ عَلَى جَنَّتِكَ حُسْبَانًا، وَالْحُسْبَانُ مَصْدَرٌ، بِمَعْنَى الْحِسَابِ كَالْغُفْرَانِ أي: مقدار قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَوَقَعَ فِي حِسَابِهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِتَخْرِيبِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْحُسْبَانُ مِنَ الْحِسَابِ أَيْ: يُرْسِلُ عَلَيْهَا عَذَابَ الْحِسَابِ، وَهُوَ حِسَابُ مَا كَسَبَتْ يَدَاكَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: حُسْبَانًا أَيْ: مَرَامِيَ مِنَ السَّماءِ وَاحِدُهَا حُسْبَانَةٌ، وَكَذَا قال أبو عبيدة والقتبي. وقال ابن الأعرابي: الحسبانة: السّحابة،
(١). في المطبوع: وألحان.
340
وَالْحُسْبَانَةُ: الْوِسَادَةُ، وَالْحُسْبَانَةُ: الصَّاعِقَةُ، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الْحُسْبَانُ سِهَامٌ يَرْمِي بِهَا الرَّجُلُ فِي جَوْفِ قَصَبَةٍ تُنْزَعُ فِي قَوْسٍ، ثُمَّ يَرْمِي بِعِشْرِينَ مِنْهَا دُفْعَةً وَالْمَعْنَى: يُرْسِلُ عَلَيْهَا مَرَامِيَ مِنْ عَذَابِهِ إِمَّا بَرْدٌ، وَإِمَّا حِجَارَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّا يَشَاءُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ. وَمِنْهُ قول زِيَادٍ الْكِلَابِيِّ: أَصَابَ الْأَرْضَ حُسْبَانٌ، أَيْ: جَرَادٌ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أَيْ: فَتُصْبِحَ جَنَّةُ الْكَافِرِ بَعْدَ إِرْسَالِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا حُسْبَانًا صَعِيدًا، أَيْ: أَرْضًا لَا نَبَاتَ بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تحقيقه، زلقا: أي: تزلّ فِيهَا الْأَقْدَامُ لِمَلَاسَتِهَا، يُقَالُ: مَكَانٌ زَلَقٌ بِالتَّحْرِيكِ: أَيْ دَحْضٌ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَوْلِكَ: زَلَقَتْ رِجْلُهُ تَزْلَقُ زَلَقًا، وَأَزْلَقَهَا غَيْرُهُ، وَالْمَزْلَقَةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ قَدَمٌ، وَكَذَا الزَّلَّاقَةُ، وَصَفَ الصَّعِيدَ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً، أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْعُولُ، وَجُمْلَةُ أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْغَوْرُ: الْغَائِرُ. وَصَفَ الْمَاءَ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا تَصِيرُ عَادِمَةً لِلْمَاءِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ وَاجِدَةً لَهُ، وَكَانَ خِلَالَهَا ذَلِكَ النَّهْرُ يَسْقِيهَا دَائِمًا، وَيَجِيءُ الْغَوْرُ بِمَعْنَى الْغُرُوبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً أَيْ: لَنْ تَسْتَطِيعَ طَلَبَ الْمَاءِ الْغَائِرِ فَضْلًا عَنْ وُجُودِهِ وَرَدِّهِ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ بِحِيلَةٍ مِنَ الْحِيَلِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: فَلَنْ تَسْتَطِيعَ طَلَبَ غَيْرِهِ عِوَضًا عَنْهُ. ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ وُقُوعِ مَا رَجَاهُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ وَتَوَقَّعَهُ مِنْ إِهْلَاكِ جَنَّةِ الْكَافِرِ، فَقَالَ: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ قَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَ الْقُرَّاءِ فِي هَذَا الْحَرْفِ وَتَفْسِيرِهِ، وَأَصْلُ الْإِحَاطَةِ مِنْ إِحَاطَةِ الْعَدُوِّ بِالشَّخْصِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ «١» وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إِهْلَاكِهِ وَإِفْنَائِهِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ فَوَقْعَ مَا تَوَقَّعَهُ الْمُؤْمِنُ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ أَيْ: يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ النَّدَمِ، كَأَنَّهُ قِيلَ فَأَصْبَحَ يَنْدَمُ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها أَيْ: فِي عِمَارَتِهَا وَإِصْلَاحِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: يُقَلِّبُ مُلْكَهُ فَلَا يَرَى فِيهِ عِوَضَ مَا أَنْفَقَ لِأَنَّ الْمُلْكَ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْيَدِ مِنْ قَوْلِهِمْ: فِي يَدِهِ مَالٌ، وَهُوَ بِعِيدٌ جِدًّا، وَجُمْلَةُ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ تِلْكَ الْجَنَّةَ سَاقِطَةٌ عَلَى دَعَائِمِهَا الَّتِي تَعْمِدُ بِهَا الْكُرُومَ، أَوْ سَاقِطٌ بَعْضُ تِلْكَ الْجَنَّةِ عَلَى بَعْضٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ خَوَتِ النُّجُومُ تَخْوَى إِذَا سَقَطَتْ وَلَمْ تُمْطِرْ فِي نَوْئِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا «٢» قيل: وتخصيص ماله عُرُوشٌ بِالذِّكْرِ دُونَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَأَيْضًا إِهْلَاكُهَا مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ إِهْلَاكِ الْبَاقِي، وجملة وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً مَعْطُوفَةٌ عَلَى يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ، أَيْ: وَهُوَ يَقُولُ تَمَنَّى عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِ لهلاك جنته بأنه لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ حَتَّى تَسْلَمَ جَنَّتُهُ مِنَ الْهَلَاكِ، أَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، لَا لِمَا فَاتَهُ مِنَ الْغَرَضِ الدُّنْيَوِيِّ، بَلْ لِقَصْدِ التَّوْبَةِ مِنَ الشِّرْكِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِئَةٌ اسْمُ كَانَ وله خبرها، وينصرونه صِفَةٌ لِفِئَةٍ، أَيْ: فِئَةٌ نَاصِرَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ يَنْصُرُونَهُ الْخَبَرَ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ سِيبَوَيْهِ وَرَجَّحَ الثَّانِيَ الْمُبَرِّدُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ «٣» وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِرْقَةٌ وَجَمَاعَةٌ يلتجئ
| هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا لَيْلَةٌ وَنَهَارُهَا | وَإِلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غِيَارُهَا |
(١). يوسف: ٦٦.
(٢). النمل: ٥٢.
(٣). الإخلاص: ٤.
(٢). النمل: ٥٢.
(٣). الإخلاص: ٤.
341
إِلَيْهَا وَيَنْتَصِرُ بِهَا، وَلَا نَفَعَهُ النَّفَرُ الَّذِينَ افْتَخَرَ بِهِمْ فِيمَا سَبَقَ وَما كانَ فِي نَفْسِهِ مُنْتَصِراً أَيْ: مُمْتَنِعًا بِقُوَّتِهِ عَنْ إِهْلَاكِ اللَّهِ لِجَنَّتِهِ، وَانْتِقَامِهِ مِنْهُ هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ «الْحَقُّ» بِالرَّفْعِ نَعْتًا لِلْوَلَايَةِ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ «الْحَقِّ» بِالْجَرِّ نَعْتًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالتَّوْكِيدِ كَمَا تَقُولُ: هَذَا لَكَ حَقًّا. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الْوِلَايَةُ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَالْمَعْنَى هُنَالِكَ: أَيْ: في ذلك المقام النصر لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ: الْوِلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُنَالِكَ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً أَيْ:
هُوَ سُبْحَانَهُ خَيْرٌ ثَوَابًا لِأَوْلِيَائِهِ فِي الدنيا والآخرة وَخَيْرٌ عُقْباً أي: عاقبة، وقرأ الْأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ «عُقْبًا» بِسُكُونِ الْقَافِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا، وَهَمَّا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ: هُوَ خير عاقبة لمن رجاه وآمن به، يقال هَذَا عَاقِبَةُ أَمْرِ فُلَانٍ، وَعُقْبَاهُ: أَيْ: أُخْرَاهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ قَالَ: الْجَنَّةُ هِيَ الْبُسْتَانُ، فَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ وَاحِدٌ وَجِدَارٌ واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانتا جَنَّتَيْنِ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ جَنَّةً مِنْ قِبَلِ الْجِدَارِ الذي يليها. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي عمرو الشيباني قال: نهر أبي فرطس نَهْرُ الْجَنَّتَيْنِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَهُوَ نَهْرٌ مَشْهُورٌ بِالرَّمَلَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً قَالَ: لَمْ تَنْقُصْ، كُلُّ شَجَرِ الْجَنَّةِ أَطْعَمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ يَقُولُ: مَالٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ بِالضَّمِّ، وَقَالَ: هِيَ أَنْوَاعُ الْمَالِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ قَالَ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ يَقُولُ: كَفُورٌ لِنِعْمَةِ رَبِّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كلمات أقولهنّ عند الكرب: «الله اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ قَالَ: «طَلَبَ مُوسَى مِنْ رَبِّهِ حَاجَةً فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا حَاجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَطْلُبُ حَاجَتِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا أُعْطِيتُهَا الْآنَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْجَحُ مَا طُلِبَتْ بِهِ الْحَوَائِجُ». وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ فَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِلَّا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ آفَةٍ حَتَّى تَأْتِيَهُ مَنِيَّتُهُ، وَقَرَأَ: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» وَفِي إِسْنَادِهِ عِيسَى بْنُ عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزَدِيُّ:
عِيسَى بْنُ عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَنَسٍ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْهُ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ لِي نَبِيُّ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ تَحْتَ الْعَرْشِ؟ قَلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْ تَقُولَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ». وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ
هُوَ سُبْحَانَهُ خَيْرٌ ثَوَابًا لِأَوْلِيَائِهِ فِي الدنيا والآخرة وَخَيْرٌ عُقْباً أي: عاقبة، وقرأ الْأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ «عُقْبًا» بِسُكُونِ الْقَافِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا، وَهَمَّا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ: هُوَ خير عاقبة لمن رجاه وآمن به، يقال هَذَا عَاقِبَةُ أَمْرِ فُلَانٍ، وَعُقْبَاهُ: أَيْ: أُخْرَاهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ قَالَ: الْجَنَّةُ هِيَ الْبُسْتَانُ، فَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ وَاحِدٌ وَجِدَارٌ واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانتا جَنَّتَيْنِ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ جَنَّةً مِنْ قِبَلِ الْجِدَارِ الذي يليها. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي عمرو الشيباني قال: نهر أبي فرطس نَهْرُ الْجَنَّتَيْنِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَهُوَ نَهْرٌ مَشْهُورٌ بِالرَّمَلَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً قَالَ: لَمْ تَنْقُصْ، كُلُّ شَجَرِ الْجَنَّةِ أَطْعَمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ يَقُولُ: مَالٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ بِالضَّمِّ، وَقَالَ: هِيَ أَنْوَاعُ الْمَالِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ قَالَ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ يَقُولُ: كَفُورٌ لِنِعْمَةِ رَبِّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كلمات أقولهنّ عند الكرب: «الله اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ قَالَ: «طَلَبَ مُوسَى مِنْ رَبِّهِ حَاجَةً فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا حَاجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَطْلُبُ حَاجَتِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا أُعْطِيتُهَا الْآنَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْجَحُ مَا طُلِبَتْ بِهِ الْحَوَائِجُ». وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ فَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِلَّا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ آفَةٍ حَتَّى تَأْتِيَهُ مَنِيَّتُهُ، وَقَرَأَ: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» وَفِي إِسْنَادِهِ عِيسَى بْنُ عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزَدِيُّ:
عِيسَى بْنُ عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَنَسٍ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْهُ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ لِي نَبِيُّ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ تَحْتَ الْعَرْشِ؟ قَلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْ تَقُولَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ». وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ
342
ثم أخبر سبحانه عن الجنتين بأن كل واحدة منهما كانت تؤدّي حملها وما فيها، فقال :﴿ كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا ﴾ أخبر عن ﴿ كلتا ﴾ ب﴿ آتت ﴾، لأن لفظه مفرد، فراعى جانب اللفظ. وقد ذهب البصريون إلى أن كلتا وكلا اسم مفرد غير مثنى. وقال الفراء : هو مثنى. وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية. وقال سيبويه : ألف كلتا للتأنيث، والتاء بدل من لام الفعل، وهي واو، والأصل كلوا. وقال أبو عمرو : التاء ملحقة، وأكلهما هو : ثمرهما، وفيه دلالة على أنه قد صار صالحاً للأكل. وقرأ عبد الله بن مسعود ( كل الجنتين آتى أكله ). ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ أي : لم تنقص من أكلها شيئاً، يقال : ظلمه حقه، أي : نقصه، ووصف الجنتين بهذه الصفة للإشعار بأنهما على خلاف ما يعتاد في سائر البساتين فإنها في الغالب تكثر في عام، وتقلّ في عام ﴿ وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَراً ﴾ أي : أجرينا وشققنا وسط الجنتين نهراً ليسقيهما دائماً من غير انقطاع، وقرئ ﴿ فجرنا ﴾ بالتشديد للمبالغة، وبالتخفيف على الأصل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
﴿ وَكَانَ لَهُ ﴾ أي : لصاحب الجنتين ﴿ ثَمَرٌ ﴾ قرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق ﴿ ثمر ﴾ بفتح الثاء والميم. وكذلك قرؤوا في قوله :﴿ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم فيهما. وقرأ الباقون بضمهما جميعاً في الموضعين. قال الجوهري : الثمرة واحدة الثمر، وجمع الثمر : ثمار، مثل : جبل وجبال. قال الفراء : وجمع الثمار : ثمر، مثل : كتاب وكتب، وجمع الثمر : أثمار، مثل : عنق وأعناق، وقيل : الثمر : جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك، وقيل : هو الذهب والفضة خالصة ﴿ فَقَالَ لصاحبه ﴾ أي : قال صاحب الجنتين الكافر لصاحبه المؤمن ﴿ وَهُوَ يحاوره ﴾ أي : والكافر يحاور المؤمن، والمعنى : يراجعه الكلام ويجاوبه، والمحاورة : المراجعة، والتحاور التجاوب ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾ النفر : الرهط، وهو ما دون العشرة، وأراد ها هنا الأتباع والخدم والأولاد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ ﴾ أي : دخل الكافر جنة نفسه. قال المفسرون : أخذ بيد أخيه المسلم، فأدخله جنته يطوف به فيها، ويريه عجائبها، وإفراد الجنة هنا يحتمل أن وجهه : كونه لم يدخل أخاه إلا واحدة منهما، أو لكونهما لما اتصلا كانا كواحدة، أو لأنه أدخله في واحدة، ثم واحدة أو لعدم تعلق الغرض بذكرهما. وما أبعد ما قاله صاحب الكشاف : أنه وحد الجنة للدلالة على أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون، وجملة :﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ في محل نصب على الحال أي : وذلك الكافر ظالم لنفسه بكفره وعجبه ﴿ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً ﴾ أي : قال الكافر لفرط غفلته وطول أمله : ما أظن أن تفنى هذه الجنة التي تشاهدها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
﴿ وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً ﴾ أنكر البعث بعد إنكاره لفناء جنته. قال الزجاج : أخبر أخاه بكفره بفناء الدنيا وقيام الساعة ﴿ وَلَئِن رُدِدت إلى رَبّى لأجِدَنَّ خَيْراً منْهَا مُنْقَلَباً ﴾ اللام هي الموطئة للقسم، والمعنى : أنه إن يردّ إلى ربه فرضاً وتقديراً كما زعم صاحبه، واللام في ﴿ لأجِدَنَّ ﴾ جواب القسم، والشرط أي : لأجدنّ يومئذٍ خيراً من هذه الجنة. في مصاحف مكة والمدينة والشام ( خيراً منهما ) وفي مصاحف أهل البصرة والكوفة ﴿ خيراً منها ﴾ على الإفراد، و﴿ مُنْقَلَباً ﴾ منتصب على التمييز أي : مرجعاً وعاقبة، قال هذا قياساً للغائب على الحاضر، وأنه لما كان غنياً في الدنيا، سيكون غنياً في الأخرى، اغتراراً منه بما صار فيه من الغنى الذي هو استدراج له من الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
﴿ قَالَ لَهُ صاحبه ﴾ أي : قال للكافر صاحبه المؤمن حال محاورته له منكراً عليه ما قاله ﴿ أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ﴾ بقولك ﴿ مَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً ﴾ وقال ( خلقك : من تراب ) أي : جعل أصل خلقك من تراب حيث خلق أباك آدم منه، وهو أصلك، وأصل البشر فلكل فرد حظ من ذلك، وقيل : يحتمل أنه كان كافراً بالله فأنكر عليه ما هو عليه من الكفر، ولم يقصد أن الكفر حدث له بسبب هذه المقالة ﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ وهي المادّة القريبة ﴿ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ﴾ أي : صيرك إنساناً ذكراً، وعدّل أعضاءك وكملك، وفي هذا تلويح بالدليل على البعث، وأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة، وانتصاب ﴿ رجلاً ﴾ على الحال أو التمييز.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
﴿ لَكنا هُوَ الله رَبّي ﴾ كذا قرأ الجمهور بإثبات الألف بعد لكنّ المشددة. وأصله : لكن أنا، حذفت الهمزة وألقيت حركتها على النون الساكنة قبلها فصار لكننا، ثم استثقلوا اجتماع النونين فسكنت الأولى وأدغمت الثانية، وضمير هو للشأن، والجملة بعده خبره والمجموع خبر أنا، والراجع ياء الضمير، وتقدير الكلام : لكن أنا الشأن الله ربي. قال أهل العربية : إثبات ألف أنا في الوصل ضعيف. قال النحاس : مذهب الكسائي والفراء والمازني أن الأصل : لكن أنا، وذكر نحو ما قدّمنا. وروي عن الكسائي أن الأصل : لكن الله هو ربي أنا. قال الزجاج : إثبات الألف في " لكنا " في الإدراج جيد لأنها قد حذفت الألف من أنا، فجاءوا بها عوضاً، قال : وفي قراءة أبيّ ( لكن أنا هو الله ربي ) وقرأ ابن عامر والمثنى عن نافع، وورش عن يعقوب ﴿ لكنا ﴾ في حال الوصل والوقف معاً بإثبات الألف، ومثله قول الشاعر :
ومنه قول الأعشى :
ولا خلاف في إثباتها في الوقف، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية، وروي عن الكسائي ( لكن هو الله ربي ) ثم نفى عن نفسه الشرك بالله، فقال :﴿ وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَدًا ﴾ وفيه إشارة إلى أن أخاه كان مشركاً، ثم أقبل عليه يلومه فقال :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
| أنا سيف العشيرة فاعرفوني | فإني قد تذربت السناما |
| فكيف أنا وألحان القوافي | وبعد الشيب يكفي ذاك عارا |
﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله ﴾ لولا للتحضيض، أي : هلاّ قلت عندما دخلتها هذا القول. قال الفراء والزجاج :«ما » في موضع رفع على معنى الأمر ما شاء الله، أي : هلاّ قلت حين دخلتها : الأمر بمشيئة الله، وما شاء الله كان، ويجوز أن تكون «ما » مبتدأ والخبر مقدّر، أي : ما شاء الله كائن، ويجوز أن تكون «ما » شرطية والجواب محذوف، أي : أيّ شيء شاء الله كان ﴿ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ أي : هلا قلت : ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله، تحضيضاً له على الاعتراف بأنها وما فيها بمشيئة الله، إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها، وعلى الاعتراف بالعجز، وأن ما تيسر له من عمارتها إنما هو بمعونة الله لا بقوّته وقدرته. قال الزجاج : لا يقوى أحد على ما في يده من ملك ونعمة إلا بالله، ولا يكون إلا ما شاء الله. ثم لما علمه الإيمان وتفويض الأمور إلى الله سبحانه أجابه على افتخاره بالمال والنفر فقال :﴿ إن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا ﴾ المفعول الأوّل : ياء الضمير، و«أنا » : ضمير فصل، و﴿ أقلّ ﴾ : المفعول الثاني للرؤية إن كانت علمية، وإن جعلت بصرية كان انتصاب أقلّ على الحال، ويجوز أن يكون ﴿ أنا ﴾ تأكيد لياء الضمير، وانتصاب ﴿ مالاً ﴾ و﴿ ولداً ﴾ على التمييز.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
﴿ فعسى رَبّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا من جَنَّتِكَ ﴾ هذا جواب الشرط، أي : إن ترني أفقر منك، فأنا أرجو أن يرزقني الله سبحانه جنة خيراً من جنتك في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما ﴿ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا ﴾ أي : ويرسل على جنتك حسباناً، والحسبان مصدر، بمعنى : الحساب كالغفران، أي : مقداراً قدّره الله عليها، ووقع في حسابه سبحانه، وهو الحكم بتخريبها. قال الزجاج : الحسبان من الحساب أي : يرسل عليها عذاب الحساب، وهو حساب ما كسبت يداك. وقال الأخفش : حسباناً : أي مرامي ﴿ مّنَ السماء ﴾ واحدها حسبانه، وكذا قال أبو عبيدة والقتيبي. وقال ابن الأعرابي : الحسبانة : السحابة، والحسبانة : الوسادة، والحسبانة : الصاعقة، وقال النضر بن شميل : الحسبان : سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة تنزع في قوس، ثم يرمي بعشرين منها دفعة، والمعنى : يرسل عليها مرامي من عذابه : إما برد، وإما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب. ومنه قول أبي زياد الكلابي :
أصاب الأرض حسبان ***. . .
أي : جراد ﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ أي : فتصبح جنة الكافر بعد إرسال الله سبحانه عليها حسباناً صعيداً، أي : أرضاً لا نبات بها وقد تقدّم تحقيقه ﴿ زلقاً ﴾ أي : تزلّ فيها الأقدام لملاستها، يقال : مكان زلق بالتحريك أي : دحض، وهو في الأصل مصدر قولك زلقت رجله تزلق زلقاً وأزلقها غيره، والمزلقة : الموضع الذي لا يثبت عليه قدم، وكذا الزلاقة، وصف الصعيد بالمصدر مبالغة، أو أريد به المفعول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
أصاب الأرض حسبان ***. . .
أي : جراد ﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ أي : فتصبح جنة الكافر بعد إرسال الله سبحانه عليها حسباناً صعيداً، أي : أرضاً لا نبات بها وقد تقدّم تحقيقه ﴿ زلقاً ﴾ أي : تزلّ فيها الأقدام لملاستها، يقال : مكان زلق بالتحريك أي : دحض، وهو في الأصل مصدر قولك زلقت رجله تزلق زلقاً وأزلقها غيره، والمزلقة : الموضع الذي لا يثبت عليه قدم، وكذا الزلاقة، وصف الصعيد بالمصدر مبالغة، أو أريد به المفعول.
وجملة :﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ معطوفة على الجملة التي قبلها، والغور : الغائر. وصف الماء بالمصدر مبالغة، والمعنى : أنها تصير عادمة للماء بعد أن كانت واجدة له، وكان خلالها ذلك النهر يسقيها دائماً، ويجيء الغور بمعنى : الغروب، ومنه قول أبي ذوئيب :
﴿ فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ﴾ أي : لن تستطيع طلب الماء الغائر فضلاً عن وجوده وردّه ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل، وقيل : المعنى : فلن تستطيع طلب غيره عوضاً عنه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
| هل الدهر إلا ليلة ونهارها | وإلا طلوع الشمس ثم غيارها |
ثم أخبر سبحانه عن وقوع ما رجاه ذلك المؤمن وتوقعه من إهلاك جنة الكافر فقال :﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ قد قدّمنا اختلاف القراء في هذا الحرف وتفسيره، وأصل الإحاطة من إحاطة العدوّ بالشخص كما تقدّم في قوله :﴿ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ [ يوسف : ٦٦ ]، وهي عبارة عن إهلاكه وإفنائه، وهو معطوف على مقدّر كأنه قيل : فوقع ما توقعه المؤمن وأحيط بثمره ﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ أي : يضرب إحدى يديه على الأخرى وهو كناية عن الندم، كأنه قيل : فأصبح يندم ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ أي : في عمارتها وإصلاحها من الأموال، وقيل : المعنى يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق، لأن الملك قد يعبر عنه باليد من قولهم : في يده مال، وهو بعيد جداً، وجملة ﴿ وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا ﴾ في محل نصب على الحال، أي : والحال أن تلك الجنة ساقطة على دعائمها التي تعمد بها الكروم أو ساقط بعض تلك الجنة على بعض، مأخوذ من خوت النجوم تخوي : إذا سقطت ولم تمطر في نوئها، ومنه قوله تعالى :
﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَة بِمَا ظَلَمُوا ﴾ [ النمل : ٥٢ ] قيل : وتخصيص ماله عروش بالذكر دون النخل والزرع لأنه الأصل، وأيضاً إهلاكها مغن عن ذكر إهلاك الباقي، وجملة :﴿ وَيَقُولُ يا ليتني لَمْ أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَدًا ﴾ معطوفة على ﴿ يقلب كفيه ﴾، أو حال من ضميره، أي : وهو يقول تمنى عند مشاهدته لهلاك جنته بأنه لم يشرك بالله حتى تسلم جنته من الهلاك، أو كان هذا القول منه على حقيقته، لا لما فاته من الغرض الدنيوي، بل لقصد التوبة من الشرك والندم على ما فرط منه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَة بِمَا ظَلَمُوا ﴾ [ النمل : ٥٢ ] قيل : وتخصيص ماله عروش بالذكر دون النخل والزرع لأنه الأصل، وأيضاً إهلاكها مغن عن ذكر إهلاك الباقي، وجملة :﴿ وَيَقُولُ يا ليتني لَمْ أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَدًا ﴾ معطوفة على ﴿ يقلب كفيه ﴾، أو حال من ضميره، أي : وهو يقول تمنى عند مشاهدته لهلاك جنته بأنه لم يشرك بالله حتى تسلم جنته من الهلاك، أو كان هذا القول منه على حقيقته، لا لما فاته من الغرض الدنيوي، بل لقصد التوبة من الشرك والندم على ما فرط منه.
﴿ وَلَمْ تَكُن لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله ﴾ ﴿ فئة ﴾ اسم كان و﴿ له ﴾ خبرها، و﴿ ينصرونه ﴾ صفةً لفئة، أي : فئة ناصرة، ويجوز أن تكون ﴿ ينصرونه ﴾ الخبر، ورجح الأوّل سيبويه، ورجح الثاني المبرّد، واحتج بقوله :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ [ الإخلاص : ٤ ] والمعنى : أنه لم تكن له فرقة وجماعة يلتجئ إليها وينتصر بها، ولا نفعه النفر الذين افتخر بهم فيما سبق ﴿ وَمَا كَانَ ﴾ في نفسه ﴿ مُنْتَصِراً ﴾ أي : ممتنعاً بقوته عن إهلاك الله لجنته، وانتقامه منه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
﴿ هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق ﴾ قرأ أبو عمرو والكسائي «الحق » بالرفع نعتاً للولاية، وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وعاصم وحمزة ﴿ الحق ﴾ بالجرّ نعتا لله سبحانه. قال الزجاج : ويجوز النصب على المصدر والتوكيد كما تقول هذا لك حقاً. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي :«الولاية » بكسر الواو، وقرأ الباقون بفتحها، وهما لغتان بمعنى، والمعنى : هنالك، أي : في ذلك المقام، النصرة لله وحده لا يقدر عليها غيره، وقيل : هو على التقديم والتأخير، أي : الولاية لله الحق هنالك ﴿ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ أي : هو سبحانه خير ثواباً لأوليائه في الدنيا والآخرة ﴿ وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ أي : عاقبة، قرأ الأعمش وعاصم وحمزة ﴿ عقباً ﴾ بسكون القاف، وقرأ الباقون بضمها، وهما بمعنى واحد، أي : هو خير عاقبة لمن رجاه وآمن به، يقال : هذا عاقبة أمر فلان، وعقباه : أي أخراه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ قال : الجنة : هي البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر، فلذلك كانا جنتين، ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي قرطس نهر الجنتين. قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ منْهُ شَيْئًا ﴾ قال : لم تنقص، كل شجر الجنة أطعم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ يقول : مال. وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، قال : قرأها ابن عباس " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ " بالضم، وقال : هي أنواع المال. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قال : ذهب وفضة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ ﴾ يقول : كفور لنعمة ربه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ عند الكرب :( الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال :( طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فقال : يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن، فأوحى الله إليه : يا موسى، أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج ). وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته، وقرأ :﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾ )، وفي إسناده عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس. قال أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس لا يصح حديثه. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أنس نحوه موقوفاً. وأخرج البيهقي في الشعب عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال : قال لي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قلت : نعم، قال : أن تقول : لا قوّة إلا بالله ) وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له :( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في فضل هذه الكلمة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾ قال : مثل الجرز. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ حُسْبَانًا مِنَ السماء ﴾ قال : عذاباً ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي : قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ﴾ أي : ذاهباً قد غار في الأرض ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ ﴾ قال : يصفق ﴿ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ متلهفاً على ما فاته.
مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ عَنِ السَّلَفِ فِي فَضْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً قَالَ: مِثْلَ الْجُرُزِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: حُسْباناً مِنَ السَّماءِ قَالَ: عَذَابًا فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أَيْ: قَدْ حُصِدَ مَا فِيهَا فَلَمْ يُتْرَكْ فِيهَا شَيْءٌ أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أَيْ: ذَاهِبًا قَدْ غَارَ فِي الْأَرْضِ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ قَالَ: يُصَفِّقُ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها متلهّفا على ما فاته.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)
ثُمَّ ضَرَبَ سُبْحَانَهُ مَثَلًا آخَرَ لِجَبَابِرَةِ قُرَيْشٍ فَقَالَ: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا أَيِ: اذْكُرْ لَهُمْ مَا يُشْبِهُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فِي حُسْنِهَا وَنَضَارَتِهَا وَسُرْعَةِ زَوَالِهَا لِئَلَّا يَرْكَنُوا إِلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَثَلُ فِي سُورَةِ يُونُسَ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْمَثَلَ فَقَالَ: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِقَوْلِهِ:
اضْرِبْ عَلَى جَعْلِهِ بِمَعْنَى صَيِّرْ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ أَيِ: اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ نَبَاتُ الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَوَى وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّ النَّبَاتَ اخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ حِينِ نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِأَنَّ النَّبَاتَ إِنَّمَا يَخْتَلِطُ وَيَكْثُرُ بِالْمَطَرِ، فَتَكُونُ الْبَاءُ فِي «بِهِ» سَبَبِيَّةً فَأَصْبَحَ النَّبَاتُ هَشِيماً الْهَشِيمُ: الْكَسِيرُ، وَهُوَ مِنَ النَّبَاتِ مَا تَكَسَّرَ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ وَتَفَتَّتَ، وَرَجُلٌ هَشِيمٌ: ضَعِيفُ الْبَدَنِ، وَتَهَشَّمَ عَلَيْهِ فُلَانٌ: إِذَا تَعَطَّفَ، وَاهْتَشَمَ مَا فِي ضَرْعِ النَّاقَةِ: إِذَا احْتَلَبَهُ، وَهَشَّمَ الثَّرِيدَ: كَسَّرَهُ وَثَرَدَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الزَّبْعَرِيِّ:
تَذْرُوهُ الرِّياحُ تُفَرِّقُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ قُتَيْبَةَ: تَذْرُوهُ: تَنْسِفُهُ، وَقَالَ ابْنُ كِيسَانَ: تَذْهَبُ بِهِ وَتَجِيءُ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ «تَذْرِيهِ الرِّيحُ»، قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «تَذْرِيهِ» يُقَالُ: ذَرَتْهُ الرِّيحُ تَذْرُوهُ، وَأَذْرَتْهُ تُذْرِيهِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ: أَذْرَيْتُ الرَّجُلَ عَنْ فَرَسِهِ، أَيْ: قَلَبْتُهُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أَيْ: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ يُحْيِيهِ وَيُفْنِيهِ بِقُدْرَتِهِ لَا يَعْجِزُ عَنْ شَيْءٍ الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا هَذَا رَدٌّ عَلَى الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَفْتَخِرُونَ بِالْمَالِ وَالْغِنَى وَالْأَبْنَاءِ فَأَخْبَرَهُمْ سُبْحَانَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُتَزَيَّنُ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَا مِمَّا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
«٢» وَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ «٣» وَلِهَذَا عَقَّبَ هَذِهِ الزِّينَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ بِقَوْلِهِ:
وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أَيْ: أَعْمَالُ الْخَيْرِ، وَهِيَ مَا كَانَ يفعله فقراء المسلمين من الطاعات
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً قَالَ: مِثْلَ الْجُرُزِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: حُسْباناً مِنَ السَّماءِ قَالَ: عَذَابًا فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أَيْ: قَدْ حُصِدَ مَا فِيهَا فَلَمْ يُتْرَكْ فِيهَا شَيْءٌ أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أَيْ: ذَاهِبًا قَدْ غَارَ فِي الْأَرْضِ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ قَالَ: يُصَفِّقُ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها متلهّفا على ما فاته.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)
ثُمَّ ضَرَبَ سُبْحَانَهُ مَثَلًا آخَرَ لِجَبَابِرَةِ قُرَيْشٍ فَقَالَ: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا أَيِ: اذْكُرْ لَهُمْ مَا يُشْبِهُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فِي حُسْنِهَا وَنَضَارَتِهَا وَسُرْعَةِ زَوَالِهَا لِئَلَّا يَرْكَنُوا إِلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَثَلُ فِي سُورَةِ يُونُسَ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْمَثَلَ فَقَالَ: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِقَوْلِهِ:
اضْرِبْ عَلَى جَعْلِهِ بِمَعْنَى صَيِّرْ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ أَيِ: اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ نَبَاتُ الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَوَى وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّ النَّبَاتَ اخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ حِينِ نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِأَنَّ النَّبَاتَ إِنَّمَا يَخْتَلِطُ وَيَكْثُرُ بِالْمَطَرِ، فَتَكُونُ الْبَاءُ فِي «بِهِ» سَبَبِيَّةً فَأَصْبَحَ النَّبَاتُ هَشِيماً الْهَشِيمُ: الْكَسِيرُ، وَهُوَ مِنَ النَّبَاتِ مَا تَكَسَّرَ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ وَتَفَتَّتَ، وَرَجُلٌ هَشِيمٌ: ضَعِيفُ الْبَدَنِ، وَتَهَشَّمَ عَلَيْهِ فُلَانٌ: إِذَا تَعَطَّفَ، وَاهْتَشَمَ مَا فِي ضَرْعِ النَّاقَةِ: إِذَا احْتَلَبَهُ، وَهَشَّمَ الثَّرِيدَ: كَسَّرَهُ وَثَرَدَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الزَّبْعَرِيِّ:
| عَمْرُو الَّذِي «١» هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ | وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ |
«٢» وَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ «٣» وَلِهَذَا عَقَّبَ هَذِهِ الزِّينَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ بِقَوْلِهِ:
وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أَيْ: أَعْمَالُ الْخَيْرِ، وَهِيَ مَا كَانَ يفعله فقراء المسلمين من الطاعات
(١). عمرو العلا في اللسان مادة «هشم»، وتفسير القرطبي (١٠/ ٤١٣) : العلا.
(٢). التغابن: ١٥.
(٣). التغابن: ١٤. [.....]
(٢). التغابن: ١٥.
(٣). التغابن: ١٤. [.....]
343
خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً أَيْ: أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الزِّينَةِ بِالْمَالِ وَالْبَنِينِ ثَوَابًا، وَأَكْثَرُ عَائِدَةً وَمَنْفَعَةً لِأَهْلِهَا وَخَيْرٌ أَمَلًا أَيْ: أَفْضَلُ أَمَلًا، يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لِأَهْلِهَا مِنَ الْأَمَلِ أَفْضَلُ مِمَّا يُؤَمِّلُهُ أَهْلُ الْمَالِ وَالْبَنِينَ لِأَنَّهُمْ يَنَالُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِمَّا كَانَ يُؤَمِّلُهُ هَؤُلَاءِ الْأَغْنِيَاءُ فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ فِي زِينَةِ الدُّنْيَا خَيْرٌ حَتَّى تُفَضَّلَ عَلَيْهَا الْآخِرَةُ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ خَرَجَ مَخْرَجَ قَوْلِهِ تعالى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا «١»، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ كُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ، فَلَا وَجْهَ لِقَصْرِهَا عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ بعض «٢»، وَلَا لِقَصْرِهَا عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضٌ آخَرُ، وَلَا عَلَى مَا كَانَ يَفْعَلُهُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَبِهَذَا