تفسير سورة ص

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة ص من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة ص مكية في قول جميعهم

﴿ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص﴾ قوله عز وجل: ﴿ص﴾ فيه تسعة تأويلات: أحدها: أنه فواتح الله تعالى بها القرآن، قاله مجاهد. الثاني: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة. الثالث: أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به، قاله ابن عباس. الرابع: أنه حرف هجاء من أسماء الله تعالى، قاله السدي. الخامس: أنه بمعنى صدق الله، قاله الضحاك. السادس: أنه من المصادة وهي المعارضة ومعناه عارض القرآن لعلمك، قاله الحسن. السابع: أنه من المصادة وهي الاتباع ومعناه اتبع القرآن بعلمك، قاله سفيان. ﴿والقرآن ذي الذكر﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: ذي الشرف، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي. الثاني: بالبيان، قاله قتادة. الثالث: بالتذكير، قاله الضحاك. الرابع: ذكر ما قبله من الكتب، حكاه ابن قتيبة. قال قتادة: ها هنا وقع القسم.
75
واختلف أهل التأويل في جوابه على قولين: أحدهما: أن جواب القسم محذوف وحذفه أفخم له لأن النفس تذهب فيه كل مذهب. ومن قال بحذفه اختلفوا فيه على قولين: أحدهما: أن تقدير المحذوف منه لقد جاء الحق. الثاني: تقديره ما الأمر كما قالوا. والقول الثاني: من الأصل أن جواب القسم مظهر، ومن قال بإظهاره اختلفوا فيه على قولين: أحدهما: قوله تعالى ﴿كم أهلكنا من قبلهم من قرن﴾ قاله الفراء. الثاني: من قوله تعالى ﴿إن ذلك لحق تخاصم أهل النار﴾ وهو قول مقاتل. أحدها: يعني في حمية وفراق، قاله قتادة. الثاني: في تعزز واختلاف، قاله السدي. الثالث: في أنفة وعداوة. ويحتمل رابعاً: في امتناع ومباعدة. ﴿كم أهلكنا مِن قَبْلِهم﴾ يعني قبل كفار هذه الأمة. ﴿من قرن﴾ فيه قولان: أحدهما: يعني من أمة، قاله أبو مالك. الثاني: أن القرن زمان مقدور وفيه سبعة أقاويل: أحدها: أنه عشرون سنة، قاله الحسن. الثاني: أربعون سنة، قاله إبراهيم. الثالث: ستون سنة، رواه أبو عبيدة الناجي. الرابع: سبعون سنة، قاله قتادة. الخامس: ثمانون سنة، قاله الكلبي. السادس: مائة سنة، رواه عبد الله بن بشر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
76
السابع: عشرون ومائة سنة، قاله زرارة بن أوفى. قوله عز وجل: ﴿فنادوا ولات حين مناص﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: استغاثوا. الثاني: دعوا. ولات حين مناص التاء من لات مفصولة من الحاء وهي كذلك في المصحف، ومن وصلها بالحاء فقد أخطأ. وفيها وجهان: أحدها: أنها بمعنى لا وهو قول أبي عبيدة. الثاني: أنها بمعنى ليس ولا تعمل إلا في الحين خاصة، قال الشاعر:
(تذكر حب ليلى لات حيناً وأضحى الشيب قد قطع القرينا)
وفي تأويل قوله تعالى ﴿ولات حين مناص﴾ خمسة أوجه: أحدها: وليس حين ملجأ، قاله زيد بن أسلم. الثاني: وليس حين مَغاث، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، ومنه قول علي رضي الله عنه في رجز له:
(لأصبحنّ العاصي بن العاصي سبعين ألفاً عاقِدي النواصي)
(قد جنبوا الخيل على الدلاصِ آساد غيل حين لا مناص)
الثالث: وليس حين زوال، وراه أبو قابوس عن ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
(فهم خشوع لدية لا مناص لهم يضمهم مجلس يشفي من الصيد)
الرابع: وليس حين فرار، قاله عكرمة والضحاك وقتادة قال الفراء مصدر من ناص ينوص. والنوص بالنون التأخر، والبوص بالباء التقدم وأنشد قول امريء القيس:
77
فجمع في هذا البيت بين البوص والنوص فهو بالنون التأخر وبالباء التقدم. الخامس: أن النوص بالنون التقدم، والبوص بالباء التأخر، وهو من الأضداد، وكانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض: مناص: أي حملة واحدة، فينجو فيها من نجا ويهلك فيها من هلك، حكاه الكلبي: فصار تأويله على هذا الوجه ما قاله السدي أنهم حين عاينوا الموت لم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة.
78
قوله عز وجل :﴿ بل الذين كفروا في عزة وشقاق ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : يعني في حمية وفراق، قاله قتادة.
الثاني : في تعزز واختلاف، قاله السدي. الثالث : في أنفة وعداوة. ويحتمل رابعاً : في امتناع ومباعدة.
﴿ كم أهلكنا مِن قَبْلِهم ﴾ : يعني قبل كفار هذه الأمة.
﴿ من قرن ﴾ فيه قولان : أحدهما : يعني من أمة، قاله أبو مالك. الثاني : أن القرن زمان مقدور وفيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنه عشرون سنة، قاله الحسن. الثاني : أربعون سنة، قاله إبراهيم. الثالث : ستون سنة، رواه أبو عبيدة الناجي. الرابع : سبعون سنة، قاله قتادة. الخامس : ثمانون سنة، قاله الكلبي. السادس : مائة سنة١، رواه عبد الله بن بشر عن النبي صلى الله عليه وسلم. السابع : عشرون ومائة سنة، قاله زرارة بن أوفي.
قوله عز وجل :﴿ فنادوا ولات حين مناص ﴾ : يحتمل وجهين : أحدهما : استغاثوا. الثاني : دعوا.
( ولات حين مناص ) : التاء من لات مفصولة من الحاء وهي كذلك في المصحف، ومن وصلها بالحاء فقد أخطأ. وفيها وجهان : أحدهما : أنها بمعنى لا وهو قول أبي عبيدة. الثاني : أنها بمعنى ليس ولا تعمل إلا في الحين خاصة، قال الشاعر :
(أمِن ذكر ليلى إن نأتك تنوص فتقصر عنها خطوة وتبوص)
تذكر حب ليلى لات حيناً وأضحى الشيب قد قطع القرينا
وفي تأويل قوله تعالى ﴿ ولات حين مناص ﴾ خمسة أوجه :
أحدها : وليس حين ملجأ، قاله زيد بن أسلم. الثاني : وليس حين مَغاث، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، ومنه قول علي رضي الله عنه في رجز له :
لأصبحنّ العاصي بن العاصي سبعين ألفاً عاقِدي النواصي
قد جنبوا الخيل على الدلاصِ آساد غيل حين لا مناص
الثالث : وليس حين زوال، رواه أبو قابوس عن ابن عباس ومنه قول الشاعر :
فهم خشوع لدية لا مناص لهم يضمهم مجلس يشفي من الصيد
الرابع : وليس حين فرار، قاله عكرمة والضحاك وقتادة قال الفراء مصدر من ناص ينوص، والنوص بالنون التأخر، والبوص بالباء التقدم وأنشد قول امرئ القيس :
أمِن ذكر ليلى إن نأتك تنوص فتقصر عنها خطوة وتبوص
فجمع في هذا البيت بين البوص والنوص فهو بالنون التأخر وبالباء التقدم.
الخامس : أن النوص بالنون التقدم، والبوص بالباء التأخر، وهو من الأضداد، وكانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض : مناص. أي حملة واحدة، فينجو فيها من نجا ويهلك فيها من هلك، حكاه الكلبي. فصار تأويله على هذا الوجه ما قاله السدي أنهم حين عاينوا الموت لم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة.
١ الذي أصبح معروفا هو أن القرآن مائة سنة..
﴿وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب﴾ قوله عز وجل: ﴿أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب﴾ أمرهم أن يقولوا لا إله إلا الله أيسع لحاجَاتنا جميعاً إله واحد إن هذا لشيء عجاب بمعنى عجيب كما يقال رجل طوال وطويل، وكان الخليل يفرق بينهما في المعنى فيقول العجيب هو الذي قد يكون مثله والعجاب هو الذي لا يكون مثله، وكذلك الطويل والطوال. قوله عز وجل: ﴿وانطلق الملأ منهم﴾ والانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقة الوجه وفي الملأ منهم قولان: أحدهما: أنه عقبة بن معيط، قاله مجاهد. الثاني: أنه أبو جهل بن هشام أتى أبا طالب في مرضه شاكياً من رسول الله ﷺ ثم انطلق من عنده حين يئس من كفه، قاله ابن عباس. ﴿أَنِ امشوا واصبروا على آلهتكم﴾ فيه وجهان:
78
أحدهما: اتركوه واعبدوا آلهتكم. الثاني: امضوا على أمركم في المعاندة واصبروا على آلهتكم في العبادة، والعرب تقول: امش على هذا الأمر، أي امض عليه والزمه. ﴿إن هذا لشيء يراد﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أسلم وقوي به الإسلام شق على قريش فقالوا إن الإسلام عمر فيه قوة للإسلام وشيء يراد، قاله مقاتل. الثاني: أن خلاف محمد لنا ومفارقته لديننا إنما يريد به الرياسة علينا والتملك لنا. قوله عز وجل: ﴿ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة﴾ فيه أربعة أقويل: أحدها: في النصرانية لأنها كانت آخر الملل، قاله ابن عباس وقتادة والسدي. الثاني: فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، قاله الحكم. الثالث: في ملة قريش، قاله مجاهد. الرابع: معناه أننا ما سمعنا أنه يخرج ذلك في زماننا، قاله الحسن. ﴿إن هذا إلا اختلاق﴾ أي كذب اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم. قوله عز وجل: ﴿أم عندهم خزائن رحمة ربك﴾ قال السدي مفاتيح النبوة فيعطونها من شاؤوا ويمنعونها من شاءُوا. قوله عز وجل: ﴿فليرتقوا في الأسباب﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: في السماء، قاله ابن عباس. الثاني: في الفضل والدين، قاله السدي. الثالث: في طرق السماء وأبوابها، قاله مجاهد. الرابع: معناه فليعلوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة، وهو معنى قول أبي عبيدة.
79
قوله عز وجل: ﴿جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب﴾ قال سعيد بن جبير: هم مشركو مكة و ﴿ما﴾ صلة للتأكيد، تقول: جئتك لأمر ما. قال الأعشى:
(فاذهبي ما إليك ادركني الحلم عداني عن هيجكم أشغالي)
ومعنى قوله جند أي أتباع مقلِّدون ليس فيهم عالم مرشد. ﴿مهزوم من الأحزاب﴾ يعني مشركي قريش أنه أحزاب إبليس وأتباعه وقيل لأنهم تحازبوا على الجحود لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قال قتادة: فبشره بهزيمتهم وهو بمكة فكان تأويلها يوم بدر.
80
قوله عز وجل ﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا أن هذا لشيء عجاب ﴾ أمرهم أن يقولوا لا إله إلا الله : أيسع لحاجاتنا جميعا إله واحد إن هذا لشيء عجاب بمعنى عجيب كما يقال رجل طوال وطويل، وكان الخليل يفرق بينهما في المعنى فيقول العجيب هو الذي قد يكون مثله < والعجاب هو الذي لا يكون مثله وكذلك الطويل والطوال.
قوله عز وجل :﴿ وانطلق الملأ منهم ﴾ : والانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقه الوجه، وفي الملأ منهم> قولان : أحدهما : أنه عقبة بن أبي معيط، قاله مجاهد. الثاني : أنه أبو جهل بن هشام أتى أبا طالب في مرضه شاكيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق من عنده حين يئس من كفه، قاله ابن عباس.
﴿ أن امشوا واصبروا على آلهتكم ﴾ فيه وجهان : أحدهما : اتركوه واعبدوا آلهتكم. الثاني : امضوا على أمركم في المعاندة واصبروا على آلهتكم في العبادة، والعرب تقول : امش على هذا الأمر، أي امض عليه وألزمه.
﴿ إن هذا لشيء يراد ﴾ : فيه وجهان : أحدهما : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أسلم وقوي به الإسلام شق على قريش فقالوا إن إسلام عمر فيه قوة للإسلام وشيء يراد، قاله مقاتل. الثاني : أن خلاف محمد لنا ومفارقته لديننا إنما يريد به الرياسة علينا والتملك لنا.
قوله عز وجل :﴿ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ﴾ : فيه أربعة أقاويل : أحدها : في النصرانية لأنها كانت آخر الملل، قاله ابن عباس وقتادة والسدي. الثاني : فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، قاله الحكم. الثالث : في ملة قريش. قاله مجاهد. الرابع : معناه أننا ما سمعنا أنه يخرج ذلك في زماننا قاله الحسن.
﴿ إن هذا إلا اختلاق ﴾ أي : كذب اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله عز وجل :﴿ أم عندهم خزائن رحمة ربك ﴾ : قال السدي : مفاتيح النبوة فيعطونها من شاؤوا ويمنعونها من شاؤوا.
قوله عز وجل :﴿ فليرتقوا في الأسباب ﴾ فيه أربعة تأويلات : أحدها : في السماء، قاله ابن عباس. الثاني : في الفضل والدين، قاله السدي. الثالث : في طرق السماء وأبوابها، قاله مجاهد. الرابع : معناه فليعلوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة، وهو معنى قول أبي عبيدة.
قوله عز وجل :﴿ جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ﴾ : قال سعيد بن جبير : هم مشركو مكة، و " ما " صلة للتأكيد، تقول : جئتك لأمر ما. قال الأعشي :
فاذهبي ما إليك أدركني الحلم*** عداني عن هيجكم أشغالي
ومعنى قوله : جند، أي : أتباع مقلّدون ليس فيهم عالم مرشد.
﴿ مهزوم من الأحزاب ﴾ يعني : مشركي قريش أنهم أحزاب إبليس وأتباعه وقيل لأنهم تحازبوا على الجحود لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قال قتادة : فبشره بهزيمتهم وهو بمكة فكان تأويلها يوم بدر.
﴿كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب﴾ قوله عز وجل: ﴿كذبت قبلهم قوم نوح﴾ ذكر الله عز وجل القوم بلفظ التأنيث، واختلف أهل العربية في تأنيثه على قولين: أحدهما: أنه قد يجوز فيه التأنيث والتذكير. الثاني: أنه مذكر اللفظ لا يجوز تأنيثه إلا أن يقع المعنى على العشيرة فيغلب في اللفظ حكم المعنى المضمر تنبيهاً عليه كقوله تعالى ﴿كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره﴾ ولم يقل ذكرها لأنه لما كان المضمر فيه مذكوراً ذكره وإن كان اللفظ مقتضياً للتأنيث. ﴿وعادٌ﴾ وهم قوم هود كانوا بالأحقاف من أرض اليمن، قال ابن اسحاق: كانوا أصحاب أصنام يعبدونها، وكانت ثلاثة يقال لأحدها هدر وللآخر صمور للآخر الهنا، فأمرهم هود أن يوحدوا الله سبحانه ولا يجعلوا معه إِلهاً غيره ويكفوا عن ظلم الناس ولم يأمرهم إلا بذلك.
80
﴿وفرعون ذُو الأوتاد﴾ وفي تسميته بذي الأوتاد أربعة أقاويل: أحدها: أنه كان كثير البنيان، والبنيان يسمى أوتاداً، قاله الضحاك. الثاني: أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب عليها، قاله ابن عباس وقتادة. الثالث: لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد، قاله السدي. والرابع: أنه يريد ثابت الملك شديد القوة كثبوت ما يشج بالأوتاد كما قال الأسود بن يعفر:
(ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد)
﴿وثمود﴾ وهم عرب وحكى مقاتل أن عاداً وثمود أبناء عم، وكانت منازل ثمود بالحجر بين الحجاز والشام منها وادي القرى، بعث الله إليهم صالحاً، واختلف في إيمانهم به، فذكر ابن عباس أنهم آمنوا ثم مات فرجعوا بعده عن الإيمان فأحياه الله تعالى وبعثه إليهم وأعلمهم أنه صالح فكذبوه وقالوا قد مات صالح فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين فأتاهم الله الناقة، فكفروا وعقروها، فأهلكهم الله. وقال ابن إسحاق: إن الله بعث صالحاً شاباً فدعاهم حتى صار شيخاً، فقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا. ﴿وقوم لوط﴾ لم يؤمنوا حتى أهلكهم الله تعالى. قال مجاهد: وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة. وقال عطاء ما من أحد من الأنبياء إلا يقوم معه يوم القيامة قوم من أمته إلا آل لوط فإنه يقوم القيامة وحده. ﴿وأصحاب الأيكة﴾ بعث الله إليهم شعيباً. وفي ﴿الأيكة﴾ قولان: أحدهما: أنها الغيضة، قاله ابن عباس. الثاني: أنه الملتف من النبع والسدر قاله أبو عمرو بن العلاء. قال قتادة: بعث شعيب إلى أمتين من الناس إلى أصحاب الإيكة وإلى مدين، وعذبتا بعذابين. ﴿أولئك الأحزاب﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أحزاب على الأنبياء بالعداوة. الثاني: أحزاب الشياطين بالموالاة.
81
قوله عز وجل: ﴿وما ينظر هؤلاء﴾ يعني كفار هذه الأمة. ﴿إلا صيحة واحدة﴾ يعني النفخة الأولى. ﴿ما لها من فواق﴾ قرأ حمزة والكسائي بضم الفاء، والباقون بفتحها، واختلف في الضم والفتح على قولين: أحدهما: أنه بالفتح من الإفاضة وبالضم فُواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين تقديراً للمدة. الثاني: معناهما واحد، وفي تأويله سبعة أقاويل: أحدها: معناه ما لها من ترداد، قاله ابن عباس. الثاني: ما لها من حبس، قاله حمزة بن إسماعيل. الثالث: من رجوع إلى الدنيا، قاله الحسن وقتادة. الرابع: من رحمة. وروي عن ابن عباس أيضاً. الخامس: ما لها من راحة، حكاه أبان بن تغلب. السادس: ما لها من تأخير لسرعتها قال الكلبي، ومنه قول أبي ذؤيب:
(إذا ماتت عن الدنيا حياتي... فيا ليت القيامة عن فواق)
السابع: ما لهم بعدها من إقامة، وهو بمعنى قول السدي. قوله عز وجل: ﴿وقالوا ربنا عَجَّل لنا قِطنا... ﴾ الآية. فيه خمسة تأويلات: أحدها: معنى ذلك عجل لنا حظنا من الجنة التي وعدتنا، قاله ابن جبير. الثاني: عجل لنا نصيبنا من العذاب الذي وعدتنا استهزاء منهم بذلك، قاله ابن عباس. الثالث: عجل لنا رزقنا، قاله إسماعيل بن أبي خالد. الرابع: أرنا منازلنا، قاله السدي. الخامس: عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة وهو قوله ﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه... وأما من أوتي كتابه بشماله﴾ استهزاء منهم بذلك. وأصل القط القطع، ومنه قط القلم وقولهم ما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه وأطلق على النصيب.
82
والكتاب والرزق لقطعه من غيره إلا أنه في الكتاب أكثر استعمالاً وأقوى حقيقة، قال أمية بن أبي الصلت:
(قوم لهم ساحة العراق وما يجبى إليه والقط والقلح)
وفيه لمن قال بهذا قولان: أحدهما أنه ينطلق على كل كتاب يتوثق به. الثاني: أنه مخص بالكتاب الذي فيه عطية وصلة، قاله ابن بحر.
83
﴿ وثمود ﴾ وهم عرب وحكى مقاتل أن عاداً وثمود أبناء عم، وكانت منازل ثمود بالحجر بين الحجاز والشام منها وادي القرى، بعث الله إليهم صالحاً، واختلف في إيمانهم به، فذكر ابن عباس أنهم آمنوا ثم مات فرجعوا بعده عن الإيمان فأحياه الله تعالى وبعثه إليهم، وأعلمهم أنه صالح فكذبوه وقالوا قد مات صالح فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين فأتاهم الله الناقة، فكفروا وعقروها، فأهلكهم الله.
وقال ابن إسحاق : إن الله بعث صالحاً شاباً فدعاهم حتى صار شيخاً، فعقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا.
﴿ وقوم لوط ﴾ لم يؤمنوا حتى أهلكهم الله تعالى. قال مجاهد : وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة. وقال عطاء ما من أحد من الأنبياء إلا يقوم معه يوم القيامة قوم من أمته إلا آل لوط فإنه يقوم القيامة وحده.
﴿ وأصحاب الأيكة ﴾ بعث الله إليهم شعيباً. وفي ﴿ الأيكة ﴾ قولان : أحدهما : أنها الغيضة، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه الملتف من النبع والسدر قاله أبو عمرو بن العلاء. قال قتادة : بعث شعيب إلى أمتين من الناس إلى أصحاب الأيكة وإلى مدين، وعذبتا بعذابين.
﴿ أولئك الأحزاب ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : أحزاب على الأنبياء بالعداوة. الثاني : أحزاب الشياطين بالموالاة.
قوله عز وجل :﴿ وما ينظر هؤلاء ﴾ يعني كفار هذه الأمة.
﴿ إلا صيحة واحدة ﴾ يعني النفخة الأولى.
﴿ ما لها من فواق ﴾ قرأ حمزة والكسائي بضم الفاء، والباقون بفتحها، واختلف في الضم والفتح على قولين :
أحدهما : أنه بالفتح من الإفاقة وبالضم فُواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين تقديراً للمدة. الثاني : معناهما واحد، وفي تأويله سبعة أقاويل : أحدها : معناه ما لها من ترداد، قاله ابن عباس. الثاني : ما لها من حبس، قاله حمزة بن إسماعيل. الثالث : من رجوع إلى الدنيا، قاله الحسن وقتادة. الرابع : من رحمة. وروي عن ابن عباس أيضاً.
الخامس : ما لها من راحة، حكاه أبان بن تغلب. السادس : ما لها من تأخير لسرعتها قال الكلبي، ومنه قول أبي ذؤيب :
إذا ماتت عن الدنيا حياتي فيا ليت القيامة عن فواق
السابع : ما لهم بعدها من إقامة، وهو بمعنى قول السدي.
قوله عز وجل :﴿ وقالوا ربنا عَجَّل لنا قِطّنا. . . ﴾ الآية. فيه خمسة تأويلات :
أحدها : معنى ذلك عجل لنا حظنا من الجنة التي وعدتنا، قاله ابن جبير.
الثاني : عجل لنا نصيبنا من العذاب الذي وعدتنا استهزاء منهم بذلك، قاله ابن عباس.
الثالث : عجل لنا رزقنا، قاله إسماعيل بن أبي خالد.
الرابع : أرنا منازلنا، قاله السدي.
الخامس : عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة وهو قوله ﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه. . . وأما من أوتي كتابه بشماله ﴾ استهزاء منهم بذلك. وأصل القط القطع، ومنه قط القلم، وقولهم ما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه وأطلق على النصيب والكتاب والرزق لقطعه من غيره إلا أنه في الكتاب أكثر استعمالاً وأقوى حقيقة. قال أمية بن أبي الصلت :
قوم لهم ساحة العراق وما يجبى إليه والقط والقلم
وفيه لمن قال بهذا قولان :
أحدهما أنه ينطلق على كل كتاب يتوثق به.
الثاني : أنه مختص بالكتاب الذي فيه عطية وصلة، قاله ابن بحر.
﴿اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب﴾ قوله عز وجل: ﴿اصبر على ما يقولون﴾ يعني كما صبر أولو العزم من الرسل لا كمن لم يصبر مثل يونس. ﴿واذكر عبدنا داود﴾ أي فإنا نحسن إليك كما أحسنا إلى داود قبلك بالصبر. ﴿ذا الأيد﴾ فيه قولان: أحدهما: ذا النعم التي أنعم الله بها عليه لأنها جمع يد حذفت منه الياء، واليد النعمة. الثاني: ذا القوة، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد، ومنه ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ أي بقوة. وفيما نسب داود إليه من القوة قولان: أحدهما: القوة في طاعة الله والنصر في الحرب، قاله مجاهد. الثاني: ذا القوة في العبادة والفقه في الدين قاله قتادة. وذكر أنه كان يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر.
83
﴿إنه أواب﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: أنه التواب، قاله مجاهد وابن زيد. الثاني: أنه الذي يؤوب إلى الطاعة ويرجع إليها، حكاه ابن زيد. الثالث: أنه المسبح، قاله الكلبي. الرابع: أنه الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها، قاله المنصور. قوله عز وجل: ﴿وشَدَدنا ملكه﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالتأييد والنصر. الثاني: بالجنود والهيبة. قال قتادة: باثنين وثلاثين ألف حرس. ﴿وآتيناه الحكمة﴾ فيها خمسة تأويلات: أحدها: النبوة، قاله السدي. الثاني: السنّة، قاله قتادة. الثالث: العدل، قاله ابن نجيح. الرابع: العلم والفهم، قاله شريح. الخامس: الفضل والفطنة. ﴿وفصل الخطاب﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: على القضاء والعدل فيه، قاله ابن عباس والحسن. الثاني: تكليف المدعي البينة والمدعَى عليه اليمين، قاله شريح وقتادة. الثالث: قوله أما بعد، وهو أول من تكلم بها، قاله أبو موسى الأشعري والشعبي. الرابع: أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود. الخامس: أنه الفصل بين الكلام الأول والكلام الثاني.
84
قوله عز وجل :﴿ وشَدَدنا ملكه ﴾ فيه وجهان : أحدهما : بالتأييد والنصر. الثاني : بالجنود والهيبة. قال قتادة : باثنين وثلاثين ألف حرس.
﴿ وآتيناه الحكمة ﴾ : فيها خمسة تأويلات : أحدها : النبوة، قاله السدي. الثاني : السنّة، قاله قتادة. الثالث : العدل، قاله ابن نجيح. الرابع : العلم والفهم، قاله شريح. الخامس : الفضل والفطنة.
﴿ وفصل الخطاب ﴾ : فيه خمسة تأويلات : أحدها : على القضاء والعدل فيه، قاله ابن عباس والحسن. الثاني : تكليف المدعي البينة والمدعَى عليه اليمين، قاله شريح وقتادة. الثالث : قوله أما بعد، وهو أول من تكلم بها، قاله أبو موسى الأشعري والشعبي. الرابع : أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود. الخامس : أنه الفصل بين الكلام الأول والكلام الثاني.
{وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه
84
وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} قوله عز وجل: ﴿وهل أتاك نبأ الخَصْم﴾ والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة لأن أصله المصدر. ﴿إذ تسوروا المحراب﴾ ومعنى تسوروا أنهم أتوه من أعلى سورة وفي المحراب أربعة أقاويل: أحدها: أنه صدر المجلس، ومنه محراب المسجد، قاله أبو عبيدة. الثاني: مجلس الأشراف الذي يتحارب عليه لشرف صاحبه، حكاه ابن عيسى. الثالث: أنه المسجد، قاله يحيى بن سلام. الرابع: أنه الغرفة لأنهم تسوروا عليه فيها. ﴿إذ دخلوا على داود ففزع منهم﴾ وسبب ذلك ما حكاه ابن عيسى: إن داود حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم، فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك، فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير فجعل يدرج بين يديه، فهمّ أن يستدرجه بيده فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فانتفض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها، قال السدي فوقعت
85
في قلبه، قال ابن عباس وكان زوجها غازياً في سبيل الله، قال مقاتل وهو أوريا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة بعده، وكتبت عليه بذلك كتاباً وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشب وتسور عليه الملكان وكان من شأنهما ما قَصَّه الله في كتابه. وفي فزعه منهما قولان: أحدهما: لأنهم تسوروا عليه من غير باب. الثاني: لأنهم أتوه في غير وقت جلوسه للنظر. ﴿قالوا لا تخف خصمان بَغَى بعضنا على بعض﴾ وكانا ملكين ولم يكونا خصمين ولا باغيين، ولا يأتي منهما كذب، وتقدير كلامها: ما تقول إن أتاك خصمان وقالا بغى بعضنا على بعض. وثنى بعضهم هنا وجمعه في الأول حيث قال: ﴿وهل أتاك نبأ الخصم﴾ لأن جملتهم جمعت، وهم فريقان كل واحد منهما خصم. ﴿فاحكم بيننا بالحق﴾ أي بالعدل. ﴿ولا تشطط﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: لا تملْ، قاله قتادة. الثاني: لا تَجُر، قاله السدي. الثالث: لا تسرف، قاله الأخفش. وفي أصل الشطط قولان: أحدهما: أن أصله البعد من قولهم شطط الدار إذا بعدت، قال الشاعر:
(تشطط غداً دار جيراننا والدار بعد غد أبعد)
الثاني: الإفراط. قال الشاعر:
86
﴿واهدِنا إلى سواءِ الصراط﴾ فيه وجهان: أحدهما: أرشدنا إلى قصد الحق، قاله يحيى. الثاني: إلى عدل القضاء، قاله السدي. ﴿إن هذا أخي﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني على ديني، قاله ابن مسعود. الثاني: يعني صاحبي، قاله السدي. ﴿له تسع وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ﴾ فيها وجهان: أحدهما: أنه أراد تسعاً وتسعين امرأة، فكنى عنهن، بالنعاج، قاله ابن عيسى. قال قطرب: النعجة هي المرأة الجميلة اللينة. الثاني: أنه أراد النعاج ليضربها مثلاً لداود، قاله الحسن. ﴿فقال أكفلنيها﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ضمها إليَّ، قاله يحيى. الثاني: أعطنيها، قاله الحسن. الثالث: تحوّل لي عنها، قاله ابن عباس وابن مسعود. ﴿وعزّني في الخطاب﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أي قهرني في الخصومة، قاله قتادة. الثاني: غلبني على حقي، من قولهم من عزيز أي من غلب سلب، قاله ابن عيسى. الثالث: معناه إن تكلم كان أبين، وإن بطش كان أشد مني، وإن دعا كان أكثر مني، قاله الضحاك. قوله عز وجل: ﴿قال لقد ظَلَمَكَ بسؤال نعجتِك إلى نعِاجه﴾ فإن قيل فكيف يحكم لأحد الخصمين على الآخر بدعواه؟ ففيه جوابان: أحدهما: أن الآخر قد كان أقر بذلك فحكم عليه داود عليه السلام بإقراره، فحذف اكتفاء بفهم السامع، قاله السدي.
87
الثاني: إن كان الأمر كما تقول لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه. ﴿وإنَّ كثيراً من الخُلَطاءِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: الأصحاب. الثاني: الشركاء. ﴿لَيَبْغِي بعضهم على بعض﴾ أي يتعدى. ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ تقديره فلا يبغي بعضهم على بعض، فحذف اكتفاء بفهم السامع. ﴿وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: وقليل ما فيه من يبغي بعضهم على بعض، قاله ابن عباس. الثاني: وقليل من لا يبغي بعضهم على بعض، قاله قتادة. وفي ﴿ما﴾ التي في قوله ﴿وقليل ما هم﴾ وجهان: أحدهما: انها فضلة زائدة تقديره: وقليل هم. الثاني: أنها بمعنى الذي: تقديره: وقليل الذي هم كذلك. ﴿وظن داود أنما فتناه﴾ قال قتادة أي علم داود أنما فتناه وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: اختبرناه، قاله ابن عباس. الثاني: ابتليناه، قاله السدي. الثالث: شددنا عليه في التعبد، قاله ابن عيسى. ﴿فاستغفر ربَّه﴾ من ذنبه. قال قتادة: قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك، فلما تبين له الذنب استغفر ربه. واختلف في الذنب على أربعة أقاويل: أحدها: أنه سمع من أحد الخصمين وحكم له قبل سماعه من الآخر.
88
الثاني: هو أن وقعت عينه على امرأة أوريا بن حنان واسمها اليشع وهي تغتسل فأشبع نظره منها حتى علقت بقلبه. الثالث: هو ما نواه إن قتل زوجها تزوج بها وأحسن الخلافة عليها، قاله الحسن. وحكى السدي عن علي كرم الله وجهه قال: لو سمعت رجلاً يذكر أن داود قارف من تلك المرأة محرَّماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحد الأنبياء ستون ومائة، حَدّان. ﴿وخَرّ راكعاً وأناب﴾ أي خرّ ساجداً وقد يعبر عن السجود بالركوع، قال الشاعر:
(ألا يالقومي قد اشطّت عواذلي وزعمن أن أودى بحقّي باطلي)
(فخر على وجهه راكعاً وتاب إلى الله من كل ذنب)
قال مجاهد: مكث أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينه فغطى رأسه إلى أن قال الله تعالى: ﴿فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب﴾ أي مرجع. في الزلفى وجهان: أحدهما: الكرامة، وهو المشهور. الثاني: الرحمة قاله الضحاك. فرفع رأسه وقد قرح جبينه. واختلف في هذه السجدة على قولين:
89
أحدهما: أنها سجدة عزيمة تسجد عند تلاوتها في الصلاة وغير الصلاة، قاله أبو حنيفة. الثاني: أنها سجدة شكر لا يسجد عند تلاوتها لا في الصلاة، ولا في غير الصلاة وهو قول الشافعي. قال وهب بن منبه: فمكث داود حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه، ولا يأكل طعاماً إلا بلّه بدموعه، ولا ينام على فراش إلا غرقه بدموعه. وحكي عن داود أنه كان يدعو على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بواد إلا قال: اللهم اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم.
90
﴿ إذ دخلوا على داود ففزع منهم ﴾ وسبب ذلك ما حكاه ابن عيسى : إن داود حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم، فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك، فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير فجعل يدرج بين يديه، فهمّ أن يستدرجه بيده فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فانتفض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها، قال السدي فوقعت في قلبه، قال ابن عباس وكان زوجها غازياً في سبيل الله، قال مقاتل وهو أوريا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة بعده، وكتبت عليه بذلك كتاباً وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشب وتسور عليه الملكان وكان من شأنهما ما قَصَّه الله في كتابه.
وفي فزعه منهما قولان : أحدهما : لأنهم تسوروا عليه من غير باب. الثاني : لأنهم أتوه في غير وقت جلوسه للنظر.
﴿ قالوا لا تخف خصمان بَغَى بعضنا على بعض ﴾ : وكانا ملكين ولم يكونا خصمين ولا باغيين، ولا يأتي منهما كذب، وتقدير كلامهما : ما تقول إن أتاك خصمان وقالا بغى بعضنا على بعض.
وثنى بعضهم هنا وجمعه في الأول حيث قال :﴿ وهل أتاك نبأ الخصم ﴾ لأن جملتهم جمعت، وهم فريقان كل واحد منهما خصم.
﴿ فاحكم بيننا بالحق ﴾ أي بالعدل. ﴿ ولا تشطط ﴾ فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : لا تملْ، قاله قتادة. الثاني : لا تَجُر، قاله السدي. الثالث : لا تسرف، قاله الأخفش.
وفي أصل الشطط قولان : أحدهما : أن أصله البعد من قولهم شطط الدار إذا بعدت، قال الشاعر :
تشط غداً دار جيراننا *** والدار بعد غد أبعد
الثاني : الإفراط. قال الشاعر :
ألا يالقومي قد اشطّت عواذلي *** وزعمن أن أودى بحقّي باطلي
﴿ واهدِنا إلى سواءِ الصراط ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أرشدنا إلى قصد الحق، قاله يحيى. الثاني : إلى عدل القضاء، قاله السدي.
﴿ إن هذا أخي ﴾ فيه وجهان : أحدهما : يعني على ديني، قاله ابن مسعود. الثاني : يعني صاحبي، قاله السدي.
﴿ له تسع وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أنه أراد تسعاً وتسعين امرأة، فكنى عنهن، بالنعاج، قاله ابن عيسى. قال قطرب : النعجة هي المرأة الجميلة اللينة. الثاني : أنه أراد النعاج ليضربها مثلاً لداود، قاله الحسن.
﴿ فقال أكفلنيها ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : ضمها إليَّ، قاله يحيى. الثاني : أعطنيها، قاله الحسن. الثالث : تحوّل لي عنها، قاله ابن عباس وابن مسعود.
﴿ وعزّني في الخطاب ﴾ فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أي قهرني في الخصومة، قاله قتادة. الثاني : غلبني على حقي، من قولهم من عز بز أي من غلب سلب، قاله ابن عيسى. الثالث : معناه إن تكلم كان أبين، وإن بطش كان أشد مني، وإن دعا كان أكثر مني، قاله الضحاك.
قوله عز وجل :﴿ قال لقد ظَلَمَكَ بسؤال نعجتِك إلى نعِاجه ﴾ فإن قيل فكيف يحكم لأحد الخصمين على الآخر بدعواه ؟ ففيه جوابان :
أحدهما : أن الآخر قد كان أقر بذلك فحكم عليه داود عليه السلام بإقراره، فحذف اكتفاء بفهم السامع، قاله السدي. الثاني : إن كان الأمر كما تقول لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه.
﴿ وإنَّ كثيراً من الخُلَطاءِ ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : الأصحاب. الثاني : الشركاء.
﴿ لَيَبْغِي بعضهم على بعض ﴾ أي يتعدى.
﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ تقديره فلا يبغي بعضهم على بعض، فحذف اكتفاء بفهم السامع.
﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ فيه وجهان : أحدهما : وقليل ما فيه من يبغي بعضهم على بعض، قاله ابن عباس.
الثاني : وقليل من لا يبغي بعضهم على بعض، قاله قتادة.
وفي ﴿ ما ﴾ التي في قوله ﴿ وقليل ما هم ﴾ وجهان : أحدهما : أنها فضلة زائدة تقديره : وقليل هم. الثاني : أنها بمعنى الذي، تقديره : وقليل الذين هم كذلك.
﴿ وظن داود أنما فتنّاه ﴾ قال قتادة أي علم داود إنما فتناه وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : اختبرناه، قاله ابن عباس.
الثاني : ابتليناه، قاله السدي. الثالث : شددنا عليه في التعبد، قاله ابن عيسى.
﴿ فاستغفر ربَّه ﴾ من ذنبه قال قتادة : قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك، فلما تبين له الذنب استغفر ربه.
واختلف في الذنب على أربعة أقاويل : أحدها : أنه سمع من أحد الخصمين وحكم له قبل سماعه من الآخر.
الثاني : هو أن وقعت عينه على امرأة أوريا بن حنان واسمها اليشع وهي تغتسل فأشبع نظره منها حتى علقت بقلبه. الثالث : هو ما نواه إن قتل زوجها تزوج بها وأحسن الخلافة عليها، قاله الحسن.
وحكى السدي عن علي كرم الله وجهه قال : لو سمعت رجلاً يذكر أن داود قارف من تلك المرأة محرَّماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحد الأنبياء ستون ومائة حَدّان.
﴿ وخَرّ راكعاً وأناب ﴾ أي : خرّ ساجداً وقد يعبر عن السجود بالركوع، قال الشاعر :
فخر على وجهه راكعاً وتاب إلى الله من كل ذنب
قال مجاهد : مكث أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه فغطى رأسه إلى أن قال الله تعالى :
﴿ فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ﴾ أي مرجع.
في الزلفى وجهان : أحدهما : الكرامة، وهو المشهور. الثاني : الرحمة قاله الضحاك. فرفع رأسه وقد قرح جبينه.
واختلف في هذه السجدة على قولين : أحدهما : أنها سجدة عزيمة تسجد عند تلاوتها في الصلاة وغير الصلاة، قاله أبو حنيفة. الثاني : أنها سجدة شكر لا يسجد عند تلاوتها لا في الصلاة، ولا في غير الصلاة وهو قول الشافعي.
قال وهب بن منبه : فمكث داود حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه، ولا يأكل طعاماً إلا بلّه بدموعه، ولا ينام على فراش إلا غرقه بدموعه. وحكي عن داود أنه كان يدعو على الخطّائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بواد إلا قال : اللهم اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم.
﴿يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب﴾ قوله عز وجل: ﴿يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض﴾ فيه وجهان: أحدهما: خليفة لله تعالى وتكون الخلافة هي النبوة. الثاني: خليفة لمن تقدمك لأن الباقي خليفة الماضي وتكون الخلافة هي الملك. ﴿فاحكم بين الناس بالحق﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالعدل. الثاني: بالحق الذي لزمك لنا. ﴿ولا تتبع الهوى﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن تميل مع من تهواه فتجور. الثاني: أن تحكم بما تهواه فتزلّ.
90
﴿فيضلك عن سبيل الله﴾ فيه وجهان: أحدهما: عن دين الله. الثاني: عن طاعة الله. ﴿إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نَسُوا يوم الحساب﴾ فيه وجهان: أحدهما: بما تركوا العمل ليوم الحساب، قاله السدي. الثاني: بما أعرضوا عن يوم الحساب، قاله الحسن.
91
﴿وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق﴾ قوله عز وجل: ﴿إذ عُرِض عليه بالعشي الصافنات الجياد﴾ الخيل وفيه وجهان: أحدهما: أن صفونها قيامها ومنه ما روي عن النبي ﷺ أنه قال: (من سره أن يقوم الرجال له صفوفاً فليتبوأ مقعده من النار) أي يديمون له القيام حكاه قطرب وأنشد قول النابغة:
91
الثاني: أن صفونها رفع احدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث كما قال الشاعر:
(لنا قبة مضروبة بفنائها عتاق المهاري والجياد الصوافن)
(ألف الصفون فما يزل كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا)
وفي ﴿الجياد﴾ وجهان: أحدهما: أنها الطوال العناق مأخوذ من الجيد وهو العنق لأن طول أعناق الخيل من صفات فراهتها. الثاني: أنها السريع، قاله مجاهد واحدها جواد سمي بذلك لأنه يجود بالركض. قوله عز وجل: ﴿فَقَالَ إِني أحببت حُبَّ الخَيْرِ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني حب المال، قاله ابن جبير والضحاك. الثاني: حب الخيل قاله قتادة والسدي. ومنه قول النبي ﷺ (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة) وفي قراءة ابن مسعود: حب الخيل. الثالث: حب الدنيا، قاله أسباط. وفي ﴿أحببت حب الخير﴾ وجهان: أحدهما: أن فيه تقديماً وتأخيراً تقديره: أحببت الخير حباً فقدم، فقال: أحببت حب الخير ثم أضاف فقال أحب الخير، قاله بعض النحويين. الثاني: أن الكلام على الولاء في نظمه من غير تقديم ولا تأخير، وتأويله: آثرت حب الخير. ﴿عَن ذِكر ربي﴾ فيه وجهان: أحدهما: عن صلاة العصر، قاله علي رضي الله عنه. الثاني: عن ذكر الله تعالى، قاله ابن عباس.
92
وروى الحارث عن علي كرم الله وجهه قال سئل رسول الله ﷺ عن الصلاة الوسطى فقال: (هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه السلام). ﴿حتى توارت بالحجاب﴾ فيه قولان: أحدهما: حت توارت الشمس بالحجاب، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق، قاله قتادة وكعب. الثاني: توارت الخيل بالحجاب أي شغلت بذكر ربها إلى تلك الحال، حكاه ابن عيسى. والحجاب الليل يسمى حجاباً لأنه يستر ما فيه. قوله عز وجل: ﴿رُدُّوها عليَّ﴾ يعني الخيل لأنها عرضت عليه فكانت تجري بين يديه فلا يستبين منها شيء لسرعتها وهو اللهم أغضَّ بصري، حتى غابت الحجاب ثم قال ردوها عليّ. ﴿فطفق مسحاً بالسوق والأعناق﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه من شدة حبه لها مسح عراقيبها وأعناقها، قاله ابن عباس. الثاني: أنه لما رآها قد شغلته عن الصلاة ضرب عراقيبها وأعناقها، قاله الحسن وقتادة. ولم يكن ما اشتغل عنه من الصلاة فرضاً بل كان نفلاً لأن ترك الفرض
93
عمداً فسق، وفعل ذلك تأديباً لنفسه. والخيل مأكولة اللحم فلم يكن ذلك منه إتلافاً يأثم به. قال الكلبي: كانت ألف فرس فعرقب تسعمائة وبقي منها مائة. فما في أيدي الناس من الخيل العتاق من نسل تلك المائة.
94
قوله عز وجل :﴿ إذ عُرِض عليه بالعشي الصافنات الجياد ﴾ الخيل وفيه وجهان :
أحدهما : أن صفونها قيامها ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من سره أن يقوم الرجال له صفوناً فليتبوأ مقعده من النار ". أي يديمون له القيام، حكاه قطرب وأنشد قول النابغة :
لنا قبة مضروبة بفنائها عتاق المهاري والجياد الصوافن
الثاني : أن صفونها رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث كما قال الشاعر :
ألف الصفون فما يزل كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا
وفي ﴿ الجياد ﴾ وجهان :
أحدهما : أنها الطوال العناق مأخوذ من الجيد وهو العنق لأن طول أعناق الخيل من صفات فراهتها.
الثاني : أنها السريع، قاله مجاهد واحدها جواد سمي بذلك لأنه يجود بالركض.
قوله عز وجل :﴿ فَقَالَ إِني أحببت حُبَّ الخَيْرِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني حب المال، قاله ابن جبير والضحاك.
الثاني : حب الخيل قاله قتادة والسدي. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة ". وفي قراءة ابن مسعود : حب الخيل.
الثالث : حب الدنيا، قاله أسباط.
وفي ﴿ أحببت حب الخير ﴾ وجهان :
أحدهما : أن فيه تقديماً وتأخيراً تقديره : أحببت الخير حباً فقدم، فقال : أحببت حب الخير ثم أضاف فقال أحببت حب الخير، قاله بعض النحويين.
الثاني : أن الكلام على الولاء في نظمه من غير تقديم ولا تأخير، وتأويله : آثرت حب الخير.
﴿ عَن ذِكر ربي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عن صلاة العصر، قاله علي رضي الله عنه.
الثاني : عن ذكر الله تعالى، قاله ابن عباس.
وروى الحارث عن علي كرم الله وجهه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى فقال :" هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه السلام ".
﴿ حتى توارت بالحجاب ﴾ فيه قولان :
أحدهما : حتى توارت الشمس بالحجاب، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق، قاله قتادة وكعب.
الثاني : توارت الخيل بالحجاب أي شغلت بذكر ربها إلى تلك الحال، حكاه ابن عيسى.
والحجاب الليل يسمى حجاباً لأنه يستر ما فيه.
قوله عز وجل :﴿ رُدُّوها عليَّ ﴾ يعني الخيل لأنها عرضت عليه فكانت تجري بين يديه فلا يستبين منها شيء لسرعتها وهو يقول اللهم أغضّضَ بصري، حتى غابت بالحجاب ثم قال ردوها عليّ.
﴿ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه من شدة حبه لها مسح عراقيبها وأعناقها، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه لما رآها قد شغلته عن الصلاة ضرب عراقيبها وأعناقها، قاله الحسن وقتادة.
ولم يكن ما اشتغل عنه من الصلاة فرضاً بل كان نفلاً لأن ترك الفرض عمداً فسق. وفعل ذلك تأديباً لنفسه. والخيل مأكولة اللحم فلم يكن ذلك منه إتلافاً يأثم به.
قال الكلبي : كانت ألف فرس فعرقب تسعمائة وبقي منها مائة. فما في أيدي الناس من الخيل العتاق من نسل تلك المائة.
﴿ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب﴾ قوله عز وجل: ﴿ولقد فتنا سُليمان﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني ابتليناه قاله السدي. الثاني: عاقبناه، حكاه النقاش. وفي فتنته التي عوقب بها ستة أقاويل: أحدهما: أنه كان قارب بعض نسائه في بعض الشيء من حيض أو غيره قاله الحسن. الثاني: ما حكاه ابن عباس قال كانت لسليمان امرأة تسمى جرادة وكان بين أهلها وبين قوم خصومة فاختصموا إلى سليمان ففصل بينهم بالحق ولكنه ود أن الحق
94
كان لأهلها فقيل له إنه سيصيبك بلاء فجعل لا يدري أمن الأرض يأتيه البلاء أم من السماء. الثالث: ما حكاه سعيد بن المسيب أن سليمان احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد ولم ينصف مظلوماً من ظالم فأوحى الله تعالى إليه إني لم أستخلفك لتحجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم. الرابع: ما حكاه شهر بن حوشب أن سليمان سبى بنت ملك غزان في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون، فألقيت عليه محبتها وهي معرضة عنه تذكر أمر أبيها لا تنظر إليه إلا شزراً ولا تكلمه إلا نزراً، ثم إنها سألته أن يضع لها تمثالاً على صورته فصنع لها فعظمته وسجدت له وسجد جواريها معها، وصار صنماً معبوداً في داره وهو لا يعلم به حتى مضت أربعون يوماً وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره وحرقه ثم ذراه في الريح. الخامس: ما حكاه مجاهد أن سليمان قال لآصف الشيطان كيف تضلون الناس؟ فقال له الشيطان أعطني خاتمك حتى أخبرك، فأعطاه خاتمه فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه.
95
السادس: ما حكاه أبان عن أنس أن سليمان قال ذات ليلة: والله لأطوفن على نسائي في هذه الليلة وهن ألف امرأة كلهن تشتمل بغلام، كلهم يقاتل في سبيل الله، ولم يستثن. قال أنس سمعت رسول الله ﷺ يقول: (والذي نفس محمد بيده لو استثنى لكان ما قال) فما حملت له تلك الليلة إلا امرأة واحدة فولدت له شق إنسان. ﴿وألقينا على كُرْسيِّه جسداً﴾ فيه قولان: أحدهما: معناه وجعلنا في ملكه جسداً، والكرسي هو الملك. الثاني: وألقينا على سرير ملكه جسداً. وفي هذا الجسد أربعة أقاويل: أحدها: أنه جسد سليمان مرض فكان جسده ملقى على كرسيه، قاله ابن بحر. الثاني: أنه ولد له ولد فخاف عليه فأودعه في السحاب يغذى في اليوم كالجمعة، وفي الجمعة كالشهر وفي الشهر كالسنة، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتاً، قاله الشعبي. الثالث: أنه أكثر من وطء جواريه طلباً للولد، فولد له نصف إنسان، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه، حكاه النقاش. الرابع: أن الله كان قد جعل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا أجنب أو ذهب للغائط خلعه من يده ودفعه إلى أوثق نسائه حتى يعود فيأخذه، فدفعه مرة إلى بعض نسائه وذهب لحاجته فجاء شيطان فتصور لها في صورة سليمان فطلب الخاتم منها فأعطته إياه، وجاء سليمان بعده فطلبه، فقالت قد أخذته فأحس سليمان. واختلف في اسم امرأته هذه على قولين:
96
أحدهما: جرادة، قاله ابن عباس وابن جبير. الثاني: الأمينة، قاله شهر بن حوشب. وقال سعيد بن المسيب: كان سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه فأخذه الشيطان من تحته. وقال مجاهد: بل أخذه الشيطان من يده لأن سليمان سأل الشيطان كيف تضل الناس؟ فقال الشيطان: أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه خاتمه، فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان متشبهاً بصورته داخلاً على نسائه، يقضي بغير الحق ويأمر بغير صواب. واختلف في إصابته النساء، فحكي عن ابن عباس: أنه كان يأتيهن في حيضهن. وقال مجاهد: منع من إتيانهن، وزال عن سليمان ملكه فخرج هارباً إلى ساحل البحر يتضيف الناس ويحمل سموك الصيادين بالأجرة، وإذا أخبر الناس أنه سليمان أكذبوه، فجلس الشيطان على سريره، وهو معنى قوله تعالى وألقينا على كرسيه جسداً. واختلف في اسم هذا الشيطان على أربعة أقاويل: أحدها: أن اسمه صخر، قاله ابن عباس. الثاني: آصف، قاله مجاهد. الثالث: حقيق، قاله السدي. الرابع: سيد، قاله قتادة. ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد قيل إنه استطعمها، وقال ابن عباس أخذها أجراً في حمل حوت حمله، فلما شق بطنه وجد خاتمه فيها، وذكل بعد أربعين يوماً من زوال ملكه عنه، وهي عدة الأيام التي عُبد الصنم في داره. قاله مقاتل وملك أربعين سنة، عشرين سنة قبل الفتنة وعشرين بعدها. وكانت الأربعون يوماً التي خرج فيها عن ملكه ذا القعدة وعشراً من ذي الحجة، فسجد الناس له حين عاد الخاتم إليه وصار إلى ملكه.
97
وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه بعسقلان فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعاً لله. قال ابن عباس: ثم إن سليمان ظفر بالشيطان فجعله في تخت من رخام وشده بالنحاس وألقاه في البحر. فهذا تفسير قوله تعالى ﴿وألقينا على كرسيه جسداً﴾. ﴿ثم أناب﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ثم رجع إلى ملكه، قاله الضحاك. الثاني: ثم أناب من ذنبه، قاله قتادة. الثالث: ثم برأ من مرضه، قاله ابن بحر. قوله عز وجل: ﴿قال ربِّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ليكون ذلك معجزاً له يعلم به الرضا ويستدل به على قبول التوبة. الثاني: ليقوى به على من عصاه من الجن، فسخرت له الريح حينئذٍ. الثالث: لا ينبغي لأحد من بعدي في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه، قاله الحسن. ﴿إنك أنت الوهاب﴾ أي المعطي، قال مقاتل: سأل الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتلى، وقال الكلبي حكم سليمان في الحرث وهو ابن إحدى عشرة سنة، وملك وهو ابن اثنتي عشرة سنة. قوله عز وجل: ﴿فسخرنا له الريح﴾ أي ذللناها لطاعته. ﴿تجري بأمره﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: تحمل ما يأمرها. الثاني: تجري إلى حيث يأمرها.
98
﴿رخاء﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: طيبة، قاله مجاهد. الثاني: سريعة، قاله قتادة. الثالث: مطيعة، قاله الضحاك. الرابع: لينة، قاله ابن زيد. الخامس: ليست بالعاصفة المؤذية ولا بالضعيفة المقصرة، قاله الحسن. ﴿حيث أصاب﴾ فيه وجهان: أحدهما: حيث أراد، قاله مجاهد وقال قتادة: هو بلسان هجر. قال الأصمعي: العرب تقول أصاب الصواب فأخطأ الجواب، أي أراد الصواب. الثاني: حيث ما قصد مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود. قوله عز وجل: ﴿والشياطين كلَّ بناءٍ وغواص﴾ يعني سخرنا له الشياطين كل بناء يعني في البر، وغواص يعني في البحر على حليّه وجواهره. ﴿وآخرين مقرنين في الأصفاد﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: في السلاسل: قاله قتادة. الثاني: في الأغلال، قاله السدي. الثالث: في الوثاق، قاله ابن عيسى، قال الشاعر:
(فآبُوا بالنهابِ وبالسبايا وأبنا بالملوك مُصَفّدينا)
قال يحيى بن سلام: ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفرهم، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم. ووجد على سور مدينة سليمان عليه السلام:
99
قوله عز وجل: ﴿هذا عطاؤنا... ﴾ في المشار إليه بهذا ثلاثة أقاويل: أحدها: ما تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بتسخير الريح والشياطين. فعلى هذا في قوله ﴿فامنن أو أمسك بغير حساب﴾ وجهان: أحدهما: امنن على من شئت من الجن بإطلاقه، أو امسك من شئت منهم في عمله من غير حرج عليك فيما فعلته بهم، قاله قتادة والسدي. الثاني: اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم. ﴿بغير حساب﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: بغير تقدير فيما تعطي وتمنع حكاه ابن عيسى. الثاني: بغير حرج، قاله مجاهد. الثالث: بغير حساب تحاسب عليه يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير. قال الحسن: ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان فإن الله تعالى يقول: ﴿هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب﴾ وحكى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ﴿هذا عطاؤنا﴾ الآية. قال سليمان عليه السلام: أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا فلم نر شيئاً هو أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضا والغضب. والقول الثاني: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك، فعلى هذا في قوله فامنن أو أمسك وجهان: أحدهما: بغير جزاء. الثاني: بغير قلة. والقول الثالث: إن هذا إشارة إلى مضمر غير مذكور وهو ما حكي أن سليمان كان في ظهره ماء مائة رجل وكان له ثلاثمائة امرأته وسبعمائة سرية فقال الله تعالى
100
﴿هذا عطاؤنا﴾ يعني الذي أعطيناك من القوة على النكاح ﴿فامنن﴾ بجماع من تشاء من نسائِك ﴿أو أمسك﴾ عن جماع من تشاء من نسائِك. فعلى هذا في قوله بغير حساب وجهان: أحدهما: بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو عزلت. الثاني: بغير عدد محصور فيمن استبحت أو نكحت. وهذا القول عدول من الظاهر إلى ادعاء مضمر بغير دليل لكن قيل فذكرته.
101
قوله عز وجل :﴿ قال ربِّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ليكون ذلك معجزاً له يعلم به الرضا ويستدل به على قبول التوبة.
الثاني : ليقوى به على من عصاه من الجن، فسخرت له الريح حينئذٍ.
الثالث : لا ينبغي لأحد من بعدي في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه، قاله الحسن.
﴿ إنك أنت الوهاب ﴾ أي المعطي، قال مقاتل : سأل الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتلى. وقال الكلبي حكم سليمان [ في الحرث ] وهو ابن إحدى عشرة سنة، وملك وهو ابن اثنتي عشرة سنة.
قوله عز وجل :﴿ فسخرنا له الريح ﴾ أي ذللناها لطاعته.
﴿ تجري بأمره ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : تحمل ما يأمرها. الثاني : تجري إلى حيث يأمرها.
﴿ رخاء ﴾ فيه خمسة تأويلات : أحدها : طيبة، قاله مجاهد. الثاني : سريعة، قاله قتادة. الثالث : مطيعة، قاله الضحاك. الرابع : لينة، قاله ابن زيد. الخامس : ليست بالعاصفة المؤذية ولا بالضعيفة المقصرة، قاله الحسن.
﴿ حيث أصاب ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : حيث أراد، قاله مجاهد وقال قتادة : هو بلسان هجر. قال الأصمعي : العرب تقول أصاب الصواب فأخطأ الجواب، أي أراد الصواب.
الثاني : حيث ما قصد مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود.
قوله عز وجل :﴿ والشياطين كلَّ بناءٍ وغواص ﴾ يعني سخرنا له الشياطين كل بناء يعني في البر، وغواص يعني في البحر على حليّه وجواهره.
﴿ وآخرين مقرنين في الأصفاد ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في السلاسل : قاله قتادة.
الثاني : في الأغلال، قاله السدي.
الثالث : في الوثاق، قاله ابن عباس، قال الشاعر :
(لو أن حيّاً ينال الخُلد في مهل لنال ذاك سليمان بن داوِد)
(سالت له العين عين القطر فائضة فيه ومنه عطاءٌ غير موصود)
(لم يبق من بعدها في الملك مرتقياً حتى تضمن رمْساً بعد أخدود)
(هذا التعْلَم أنّ الملك منقطع إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود)
فآبُوا بالنهابِ وبالسّبايا وأبنا بالملوك مُصَفّدينا
قال يحيى بن سلام : ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم. ووجد على سور مدينة سليمان عليه السلام :
لو أن حيّاً ينال الخُلد في مهل لنال ذاك سليمان بن داوِد
سالت له العين عين القطر فائضة فيه ومنه عطاءٌ غير موصود
لم يبق من بعدها في الملك مرتقياً حتى تضمن رمْساً بعد أخدود
هذا التعْلَم أنّ الملك منقطع إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود
قوله عز وجل :﴿ هذا عطاؤنا. . . ﴾ في المشار إليه بهذا ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بتسخير الريح والشياطين.
فعلى هذا في قوله ﴿ فامنن أو أمسك بغير حساب ﴾ وجهان :
أحدهما : امنن على من شئت من الجن بإطلاقه، أو أمسك من شئت منهم في عمله من غير حرج عليك فيما فعلته بهم، قاله قتادة والسدي.
الثاني : اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم.
﴿ بغير حساب ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بغير تقدير فيما تعطي وتمنع حكاه ابن عيسى.
الثاني : بغير حرج، قاله مجاهد.
الثالث : بغير حساب تحاسب عليه يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
قال الحسن : ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان فإن الله تعالى يقول :﴿ هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ﴾ وحكى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ﴿ هذا عطاؤنا ﴾ الآية.
قال سليمان عليه السلام : أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نر شيئاً هو أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضا والغضب.
والقول الثاني : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك، فعلى هذا في قوله فامنن أو أمسك وجهان :
أحدهما : بغير جزاء.
الثاني : بغير قلة.
والقول الثالث : إن هذا إشارة إلى مضمر غير مذكور وهو ما حكي أن سليمان كان في ظهره ماء مائة رجل وكان له ثلاثمائة امرأته وسبعمائة سرية فقال الله تعالى ﴿ هذا عطاؤنا ﴾ يعني الذي أعطيناك من القوة على النكاح ﴿ فامنن ﴾ بجماع من تشاء من نسائِك ﴿ أو أمسك ﴾ عن جماع من تشاء من نسائِك. فعلى هذا في قوله بغير حساب وجهان :
أحدهما : بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو عزلت.
الثاني : بغير عدد محصور فيمن استبحت أو نكحت. وهذا القول عدول من الظاهر إلى ادعاء مضمر بغير دليل لكن قيل فذكرته.
﴿واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب﴾ قوله عز وجل: ﴿واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ﴾ قيل هو أيوب بن حوص بن روعويل وكان في زمن يعقوب بن إسحاق، وتزوج بنته إليا بنت يعقوب وكانت أمّه بنت لوط عليه السلام، وكان أبوه حوص ممن آمن بإبراهيم عليه السلام. وفي قوله ﴿مسني الشيطان﴾ وجهان: أحدهما: أن مس الشيطان وسوسته وتذكيره بما كان فيه من نعمة وما صار إليه من محنة، حكاه ابن عيسى. الثاني: الشيطان استأذن الله تعالى أن يسلطه على ماله فسلطه، ثم أهله وداره فسلطه، ثم جسده فسلطه، ثم على قلبه فلم يسلطه، قال ابن عباس فهو قوله: ﴿مسني الشيطان﴾ الآية. ﴿بنصب وعذاب﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني بالنصب الألم وبالعذاب السقم، قاله مبشر بن عبيد. الثاني: النصب في جسده، والعذاب في ماله، قاله السدي. الثالث: أن النصب العناء، والعذاب البلاء.
101
قوله عز وجل: ﴿اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشرابٌ﴾ قال قتادة هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها الجابية. وفيهما قولان: أحدهما: أنه اغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه، قاله الحسن. الثاني: أنه اغتسل من إحداهما فبرىء، وشرب من الأخرى فروي، قاله قتادة. وفي المغتسل وجهان: أحدهما: أنه كان الموضع الذي يغتسل منه، قاله مقاتل. الثاني: أنه الماء الذي يغتسل به، قاله ابن قتيبة. وفي مدة مرضه قولان: أحدهما: سبع سنين وسبعة أشهر، قاله ابن عباس. الثاني: ثماني عشرة سنة رواه أنس مرفوعاً. قوله عز وجل: ﴿ووهبنا له أهله ومثلهم معهم﴾ وفيما أصابهم ثلاثة أقويل: أحدها: أنهم كانوا مرضى فشفاهم الله. الثاني: أنهم غابوا عنه فردهم الله عليه، وهذا القولان حكاهما ابن بحر. الثالث: وهو ما عليه الجمهور أنهم كانوا قد ماتوا. فعلى هذا في هبتهم له ومثلهم معهم خمسة أقاويل: أحدها: أن الله تعالى رد عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم، لأنه تعالى أماتهم قبل آجالهم ابتلاء ووهب له من أولادهم مثلهم، قاله الحسن. الثاني: أن الله سبحانه ردهم عليه بأعيانهم ووهب له مثلهم من غيرهم قاله ابن عباس. الثالث: أنه رد عليه ثوابهم في الجنة ووهب له مثلهم في الدنيا، قاله السدي. الرابع: أنه رد عليه أهله في الجنة، وأصاب امرأته فجاءته بمثلهم في الدنيا. الخامس: أنه لم يرد عليه منهم بعد موتهم أحداً وكانوا ثلاثة عشرا ابناً فوهب الله
102
تعالى له من زوجته التي هي أم من مات مثلهم فولدت ستة وعشرين ابناً، قاله الضحاك. ﴿رحمة منا﴾ أي نعمة منا. ﴿وذكرَى لأولي الألباب﴾ أي عبرة لذوي العقول. قوله عز وجل: ﴿وخُذْ بيدك ضِغْثاً فاضرب له ولا تحنثْ﴾ كان أيوب قد حلف في مرضه على زوجته أن يضربها مائة جلدة. وفي سبب ذلك ثلاثة أقاويل: أحدها: ما قاله ابن عباس أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب، فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت نعم، فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها. الثاني: ما حكاه سعيد بن المسيب أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه به من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها. الثالث: ما حكاه يحيى بن سلام أن الشيطان أغواها على أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة ليبرأ بها فحلف ليجلدنها فلما برىء أيوب وعلم الله تعالى بإيمان امرأته أمره رفقاً بها وبراً له يأخذ بيده ضغثاً. وفيه سبعة أقاويل: أحدها: أنه أشكال النخل الجامع لشماريخه، قاله ابن عباس. الثاني: الأثل، حكاه مجاهد وقاله مجاهد. الثالث: السنبل، حكاه يحيى بن سلام. الرابع: الثمام اليابس، قاله سعيد بن المسيب. الخامس: الشجر الرطب، قاله الأخفش. السادس: الحزمة من الحشيش، قاله قطرب وأنشد قول الكميت:
(تحيد شِماساً إذا ما العسيفُ بضِغثِ الخلاء إليها أشارا)
السابع: أنه ملء الكف من القش أو الحشيش أو الشماريخ، قاله أبوعبيدة.
103
﴿فاضرب﴾ فاضرب بعدد ما حلفت عليه وهو أن يجمع مائة من عدد الضغث فيضربها به في دفعة يعلم فيها وصول جميعها إلى بدنها فيقوم ذلك فيها مقام مائة جلدة مفردة. ﴿ولا تحنث﴾ يعني في اليمين وفيه قولان: أحدهما: أن ذلك لأيوب خاصة، قاله مجاهد. الثاني: عام في أيوب وغيره من هذه الأمة، قاله قتادة. والذي نقوله في ذلك مذهباً: إن كان هذا في حد الله تعالى جاز في المعذور بمرض أو زمانة ولم يجز في غيره، وإن كان في يمين جاز في المعذور وغيره إذا اقترن به ألم المضروب، فإن تجرد عن ألم ففي بره وجهان: أحدهما: يبر لوجود العدد المحلوف عليه. الثاني: لا يبر لعدم المقصود من الألم. ﴿إنا وجدناه صابراً﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: على الطاعة. الثاني: على البلاء. ﴿نِعم العبد﴾ يعني نعم العبد في صبره. ﴿إنه أوّاب﴾ إلى ربه. وفي بلائه قولان: أحدهما: أنه بلوى اختبار ودرجة ثواب من غير ذنب عوقب عليه. الثاني: أنه بذنب عوقب عليه بهذه البلوى وفيه قولان: أحدهما: أنه دخل على بعض الجبابرة فرأى منكراً فسكت عنه. الثاني: أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع لم يطعمه.
104
قوله عز وجل :﴿ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشرابٌ ﴾ قال قتادة هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها الجابية. وفيهما قولان :
أحدهما : أنه اغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه، قاله الحسن.
الثاني : أنه اغتسل من إحداهما فبرىء، وشرب من الأخرى فروي، قاله قتادة.
وفي المغتسل وجهان :
أحدهما : أنه كان الموضع الذي يغتسل منه، قاله مقاتل.
الثاني : أنه الماء الذي يغتسل به، قاله ابن قتيبة.
وفي مدة مرضه قولان :
أحدهما : سبع سنين وسبعة أشهر، قاله ابن عباس.
الثاني : ثماني عشرة سنة رواه أنس مرفوعاً.
قوله عز وجل :﴿ ووهبنا له أهله ومثلهم معهم ﴾ وفيما أصابهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم كانوا مرضى فشفاهم الله.
الثاني : أنهم غابوا عنه فردهم الله عليه، وهذا القولان حكاهما ابن بحر.
الثالث : وهو ما عليه الجمهور أنهم كانوا قد ماتوا.
فعلى هذا في هبتهم له ومثلهم معهم خمسة أقاويل :
أحدها : أن الله تعالى رد عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم، لأنه تعالى أماتهم قبل آجالهم ابتلاء ووهب له من أولادهم مثلهم، قاله الحسن.
الثاني : أن الله سبحانه ردهم عليه بأعيانهم ووهب له مثلهم من غيرهم قاله ابن عباس.
الثالث : أنه رد عليه ثوابهم في الجنة ووهب له مثلهم في الدنيا، قاله السدي.
الرابع : أنه رد عليه أهله في الجنة، وأصاب امرأته فجاءته بمثلهم في الدنيا.
الخامس : أنه لم يرد عليه منهم بعد موتهم أحد وكانوا ثلاثة عشر ابناً فوهب الله تعالى له من زوجته التي هي أم من مات مثلهم فولدت ستة وعشرين ابناً، قاله الضحاك.
﴿ رحمة منا ﴾ أي نعمة منا.
﴿ وذكرَى لأولي الألباب ﴾ أي عبرة لذوي العقول.
قوله عز وجل :﴿ وخُذْ بيدك ضِغْثاً فاضرب به ولا تحنثْ ﴾ كان أيوب قد حلف في مرضه على زوجته أن يضربها مائة جلدة.
وفي سبب ذلك ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما قاله ابن عباس أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب، فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه، قالت نعم، فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها.
الثاني : ما حكاه سعيد بن المسيب أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه به من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها.
الثالث : ما حكاه يحيى بن سلام أن الشيطان أغواها على أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة ليبرأ بها فحلف ليجلدنها فلما برىء أيوب وعلم الله تعالى بإيمان امرأته أمره رفقاً بها وبراً له يأخذ بيده ضغثاً.
وفيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنه أشكال النخل الجامع لشماريخه، قاله ابن عباس.
الثاني : الأثل، حكاه مجاهد وقاله مجاهد.
الثالث : السنبل، حكاه يحيى بن سلام.
الرابع : الثمام اليابس، قاله سعيد بن المسيب.
الخامس : الشجر الرطب، قاله الأخفش.
السادس : الحزمة من الحشيش، قاله قطرب وأنشد قول الكميت :
تحيد شِماساً إذا ما العسيفُ بضِغثِ الخلاء إليها أشارا
السابع : أنه ملء الكف من القش أو الحشيش أو الشماريخ، قاله أبو عبيدة.
﴿ فاضرب به ﴾ فاضرب بعدد ما حلفت عليه وهو أن يجمع مائة من عدد الضغث فيضربها به في دفعة يعلم فيها وصول جميعها إلى بدنها فيقوم ذلك فيها مقام مائة جلدة مفردة.
﴿ ولا تحنث ﴾ يعني في اليمين وفيه قولان :
أحدهما : أن ذلك لأيوب خاصة، قاله مجاهد.
الثاني : عام في أيوب وغيره من هذه الأمة، قاله قتادة. والذي نقوله في ذلك مذهباً : إن كان هذا في حد الله تعالى جاز في المعذور بمرض أو زمانة ولم يجز في غيره، وإن كان في يمين جاز في المعذور وغيره إذا اقترن به ألم المضروب، فإن تجرد عن ألم ففي بره وجهان :
أحدهما : يبر لوجود العدد المحلوف عليه.
الثاني : لا يبر لعدم المقصود من الألم.
﴿ إنا وجدناه صابراً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : على الطاعة.
الثاني : على البلاء.
﴿ نِعم العبد ﴾ يعني نعم العبد في صبره.
﴿ إنه أوّاب ﴾ إلى ربه.
وفي بلائه قولان :
أحدهما : أنه بلوى اختبار ودرجة ثواب من غير ذنب عوقب عليه.
الثاني : أنه بذنب عوقب عليه بهذه البلوى وفيه قولان :
أحدهما : أنه دخل على بعض الجبابرة فرأى منكراً فسكت عنه.
الثاني : أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع لم يطعمه.
﴿واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار﴾
104
قوله عز وجل: ﴿واذكُرْ عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: أن الأيدي القوة على العبادة، والأبصار الفقه في الدين، قاله ابن عباس. الثاني: أن الأيدي القوة في أمر الله، والأبصار العلم بكتاب الله، قاله قتادة. الثالث: أن الأيدي النعمة رواه الضحاك، والأبصار العقول، قاله مجاهد. الرابع: الأيدي القوة في أبدانهم، والأبصار القوة في أديانهم، قاله عطية. الخامس: أن الأيدي العمل والأبصار العلم، قاله ابن بحر. قال مقاتل: ذكر الله إبراهيم واسحاق ويعقوب ولم يذكر معهم إسماعيل لأن إبراهيم صبر على إلقائه في النار، وصبر إسحاق على الذبح، وصبر يعقوب على ذهاب بصره ولم يبتل إسماعيل ببلوى. قوله عز وجل: ﴿إنا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدار﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: نزع الله ما في قلوبهم من الدنيا وذكرها، وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها، قاله مالك بن دينار. الثاني: اصطفيناهم لأفضل ما في الآخرة وأعطيناهم، قاله ابن زياد. الثالث: أخلصناهم بخالصة الكتب المنزلة التي فيها ذكرى الدار الآخرة، وهذا قول مأثور. الرابع: أخلصناهم بالنبوة وذكرى الدار الآخرة، قاله مقاتل. الخامس: أخلصناهم من العاهات والآفات وجعلناهم ذاكرين الدار الآخرة، حكاه النقاش.
105
قوله عز وجل :﴿ إنا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدار ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : نزع الله ما في قلوبهم من حب الدنيا وذكرها، وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها، قاله مالك بن دينار.
الثاني : اصطفيناهم لأفضل ما في الآخرة وأعطيناهم، قاله ابن زياد.
الثالث : أخلصناهم بخالصة الكتب المنزلة التي فيها ذكرى الدار الآخرة، وهذا قول مأثور.
الرابع : أخلصناهم بالنبوة وذكرى الدار الآخرة، قاله مقاتل.
الخامس : أخلصناهم من العاهات والآفات وجعلناهم ذاكرين الدار الآخرة، حكاه النقاش.
﴿هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب وعندهم قاصرات الطرف أتراب هذا ما توعدون ليوم الحساب إن هذا لرزقنا ما له من نفاد﴾
105
قوله عز وجل: ﴿وعندهم قاصرات الطرف أتراب﴾ يعني قاصرات الطرف على أزواجهم. ﴿أتراب﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: أقران، قاله عطية. الثاني: أمثال، قاله مجاهد. الثالث: متآخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن، حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم. الرابع: مستويات الأسنان بنات ثلاث وثلاثين قاله يحيى بن سلام. الخامس: أتراب أزواجهن بأن خلقهن على مقاديرهم، وقال ابن عيسى: الترب اللدة وهو مأخوذ من اللعب بالتراب.
106
قوله عز وجل :﴿ وعندهم قاصرات الطرف أتراب ﴾ يعني قاصرات الطرف على أزواجهن.
﴿ أتراب ﴾ : فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أقران، قاله عطية.
الثاني : أمثال، قاله مجاهد.
الثالث : متآخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن، حكاه عبد الرحمن ابن أبي حاتم.
الرابع : مستويات الأسنان بنات ثلاث وثلاثين قاله يحيى ابن سلام.
الخامس : أتراب أزواجهن بأن خلقهن على مقاديرهم. وقال ابن عيسى : الترب اللدة وهو مأخوذ من اللعب بالتراب.
﴿هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار﴾ قوله عز وجل: ﴿هذا فليذوقوه حميمٌ وغساق﴾ أي منه حميم ومنه غساق والحميم الحار، وفي الغساق ستة أوجه: أحدها: أنه البارد الزمهرير، قاله ابن عباس فكأنهم عذبوا بحارّ التراب وبارده. الثاني: أنه القيح الذي يسيل من جلودهم، قاله عطية. الثالث: أنه دموعهم التي تسيل من أعينهم، قاله قتادة. الرابع: أنها عين في جهنم تسيل إليها حِمة كل ذي حِمة من حية أو عقرب، قاله كعب الأحبار.
106
الخامس: أنه المنتن، رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً. السادس: أنه السواد والظلمة وهو ضد ما يراد من صفاء الشراب ورقته، قاله ابن بحر. وفي هذا الاسم وجهان: أحدهما: حكاه النقاش أنه بلغة الترك. الثاني: حكاه ابن بحر وابن عيسى أنه عربي مشتق واختلف في اشتقاقه على وجهين: أحدهما: من الغسق وهو الظمة، قاله ابن بحر. الثاني: من غسقت القرحة تغسق غسقاً. إذا جرت، وأنشد قطرب قول الشاعر:
(فالعين مطروقة لبينهم... تغسق في غربة سرها)
وإليه ذهب ابن عيسى. وفي ﴿غساق﴾ قراءتان بالتخفيف والتشديد وفيها وجهان: أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد، قاله الأخفش. الثاني: معناهما مختلف والمراد بالتخفيف الاسم وبالتشديد الفعل وقيل إن في الكلام تقديماً وتأخيراً، وتقديره: هذا حميم وهذا غساق فليذوقوه. قوله عز وجل: ﴿وآخر مِنْ شكله أزواج﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدهما: وآخر من شكل العذاب أنواع، قاله السدي. الثاني: وآخر من شكل عذاب الدنيا أنواع في الآخرة لم تر في الدنيا، قاله الحسن. الثالث: أنه الزمهرير، قاله بن مسعود. وفي الأزواج هنا ثلاثة أوجه: أحدها: أنواع. الثاني: ألوان. الثالث: مجموعة.
107
قوله عز وجل: ﴿هذا فوج مقتحم معكم... ﴾ فوج بعد فوج أي قوم بعد قوم، مقتحمون النار أي يدخلونها. وفي الفوج قولان: أحدهما: أنهم بنو إبليس. والثاني: بنو آدم، قاله الحسن. والقول الثاني: أن كلا الفوجين بنو آدم إلى أن الأول الرؤساء والثاني الأتباع. وحكىالنقاش أن الفوج الأول قادة المشركين ومطعموهم يوم بدر، والفوج الثاني أتباعهم ببدر. وفي القائل ﴿هذا فوجٌ مقتحم معكم﴾ قولان: أحدهما: الملائكة قالوا لبني إبليس لما تقدموا في النار هذا فوج مقتحم معكم إشارة لبني آدم حين دخلوها. قال بنو إبليس ﴿لا مرحَباً بهم إنهم صالوا النار قالوا﴾ أي بنو آدم: ﴿بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار﴾. والقول الثاني: أن الله قال للفوج الأول حين أمر بدخول الفوج الثاني: ﴿هذا فوج مقتحم معكم﴾ فأجابوه ﴿لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار﴾ فأجابهم الفوج الثاني ﴿بل أنتم مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: معناه أنتم شرعتموه لنا وجعلتم لنا إليه قدماً، قاله الكلبي. الثاني: قدمتم لنا هذا العذاب بما أضللتمونا عن الهدى ﴿فبئس القرار﴾ أي بئس الدار النار، قاله الضحاك. الثالث: أنتم قدمتم لنا الكفر الذي استوجبنا به هذا العذاب في النار، حكاه ابن زياد. ﴿قالوا ربنا من قدم لنا هذا﴾ الآية. يحتمل وجهين: أحدهما: أنه قاله الفوج الأول جواباً للفوج الثاني. الثاني: قاله الفوج تبعاً لكلامهم الأول تحقيقاً لقولهم عند التكذيب. وفي تأويل ﴿من قدم لنا هذا﴾ وجهان: أحدهما: من سنه وشرعه، قاله الكلبي. الثاني: من زينه، قاله مقاتل. والمرحب والرحب: السعة ومنه سميت الرحبة
108
لسعتها ومعناه لا اتسعت لكم أماكنكم؛ وأنشد الأخفش قول أبي الأسود. قوله عز وجل: ﴿وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً... ﴾ الآية. قال مجاهد هذا يقوله أبو جهل وأشياعه في النار: ما لنا لا نرى رجلاً كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار لا نرى عماراً وخباباً وصهيباً وبلالاً. ﴿أتخذناهم سخرياً﴾ قال مجاهد اتخذناهم سخرياً في الدنيا فأخطأنا. ﴿أم زاغت عنهم الأبصار﴾ فلم نعلم مكانهم. قال الحسن: كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم. وقال أبو عبيدة من كسر ﴿سخرياً﴾ جعله من الهزء، ومن ضمه جعله من التسخير ﴿أم زاغت عنهم الأبصار﴾ يعني أهم معنا في النار أم زاغت أبصارنا فلا نراهم وإن كانوا معنا.
109
قوله عز وجل :﴿ هذا فليذوقوه حميمٌ وغساق ﴾ أي منه حميم ومنه غساق، والحميم الحار، وفي الغساق ستة أوجه :
أحدها : أنه البارد الزمهرير، قاله ابن عباس فكأنهم عذبوا بحارّ الشراب وبارده.
الثاني : أنه القيح الذي يسيل من جلودهم، قاله عطية.
الثالث : أنه دموعهم التي تسيل من أعينهم، قاله قتادة.
الرابع : أنها عين في جهنم تسيل إليها حِمة كل ذي حِمة من حية أو عقرب، قاله كعب الأحبار.
الخامس : أنه المنتن، رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً.
السادس : أنه السواد والظلمة وهو ضد ما يراد من صفاء الشراب ورقته، قاله ابن بحر.
وفي هذا الاسم وجهان :
أحدهما : حكاه النقاش أنه بلغة الترك.
الثاني : حكاه ابن بحر وابن عيسى أنه عربي مشتق واختلف في اشتقاقه على وجهين :
أحدهما : من الغسق وهو الظلمة، قاله ابن بحر.
الثاني : من غسقت القرحة تغسق غسقاً. إذا جرت وأنشد قطرب قول الشاعر :
فالعين مطروقة لبينهم *** تغسق في غربة سرها
وإليه ذهب ابن عيسى.
وفي ﴿ غساق ﴾ قراءتان بالتخفيف والتشديد وفيها وجهان :
أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد، قاله الأخفش.
الثاني : معناهما مختلف والمراد بالتخفيف الاسم وبالتشديد الفعل وقيل إن في الكلام تقديماً وتأخيراً، وتقديره : هذا حميم وهذا غساق فليذوقوه.
قوله عز وجل :﴿ وآخر مِنْ شكله أزواج ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدهما : وآخر من شكل العذاب أنواع، قاله السدي. الثاني : وآخر من شكل عذاب الدنيا أنواع في الآخرة لم تر في الدنيا، قاله الحسن. الثالث : أنه الزمهرير، قاله بن مسعود.
وفي الأزواج هنا ثلاثة أوجه : أحدها : أنواع. الثاني : ألوان. الثالث : مجموعة.
قوله عز وجل :﴿ هذا فوج مقتحم معكم. . . ﴾ فوج بعد فوج أي قوم بعد قوم، مقتحمون النار أي يدخلونها. وفي الفوج قولان :
أحدهما : أنهم بنو إبليس. والثاني : بنو آدم، قاله الحسن.
والقول الثاني : أن كلا الفوجين بنو آدم إلا أن الأول الرؤساء والثاني الأتباع. وحكى النقاش أن الفوج الأول قادة المشركين ومطعموهم يوم بدر، والفوج الثاني أتباعهم ببدر.
وفي القائل :﴿ هذا فوجٌ مقتحم معكم ﴾ قولان :
أحدهما : الملائكة قالوا لبني إبليس لما تقدموا في النار هذا فوج مقتحم معكم إشارة لبني آدم حين دخلوها. قال بنو إبليس ﴿ لا مرحَباً بهم إنهم صالوا النار قالوا ﴾ أي بنو آدم :﴿ بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ﴾. قال بنو إبليس ﴿ لا مرحَباً بهم إنهم صالوا النار قالوا ﴾ أي بنو آدم :﴿ بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ﴾.
والقول الثاني : أن الله قال للفوج الأول حين أمر بدخول الفوج الثاني :﴿ هذا فوج مقتحم معكم ﴾ فأجابوه ﴿ لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار ﴾ فأجابهم الفوج الثاني ﴿ بل أنتم مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا ﴾.
فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه أنتم شرعتموه لنا وجعلتم لنا إليه قدماً، قاله الكلبي.
الثاني : قدمتم لنا هذا العذاب بما أضللتمونا عن الهدى ﴿ فبئس القرار ﴾ أي بئس الدار النار، قاله الضحاك.
الثالث : أنتم قدمتم لنا الكفر الذي استوجبنا به هذا العذاب في النار، حكاه ابن زياد.
﴿ قالوا ربنا من قدم لنا هذا ﴾ الآية. يحتمل وجهين : أحدهما : أنه قاله الفوج الأول جواباً للفوج الثاني. الثاني : قاله الفوج تبعاً لكلامهم الأول تحقيقاً لقولهم عند التكذيب.
وفي تأويل ﴿ من قدم لنا هذا ﴾ وجهان : أحدهما : من سنّه وشرعه، قاله الكلبي. الثاني : من زينه ؛ قاله مقاتل. والمرحب والرحب : السعة ومنه سميت الرحبة لسعتها ومعناه لا اتسعت لكم أماكنكم، وأنشد الأخفش قول أبي الأسود.
(اذا جئت بوّاباً له قال مرحباً ألا مَرْحباً واديك غير مضيق)
إذا جئت بوّاباً له قال مرحباً ألا مَرْحباً واديك غير مضيق
قوله عز وجل :﴿ وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً. . . ﴾ الآية. قال مجاهد هذا يقوله أبو جهل وأشياعه في النار : ما لنا لا نرى رجلاً كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار لا نرى عماراً وخباباً وصهيباً وبلالاً.
﴿ أتخذناهم سخرياً ﴾ قال مجاهد اتخذناهم سخرياً في الدنيا فأخطأنا.
﴿ أم زاغت عنهم الأبصار ﴾ فلم نعلم مكانهم. قال الحسن : كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم. وقال أبو عبيدة من كسر ﴿ سخرياً ﴾ جعله من الهزء، ومن ضمه جعله من التسخير ﴿ أم زاغت عنهم الأبصار ﴾ يعني أهم معنا في النار أم زاغت أبصارنا فلا نراهم وإن كانوا معنا.
﴿قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين﴾ قوله عز وجل: ﴿قُلْ هو نبأ عظيم﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه القيامة لأن الله تعالى قد أنبأنا بها في كتبه. والقول الثاني: هو القرآن، قاله مجاهد والضحاك والسدي. ﴿أنتم عنه معرضون﴾ قال الضحاك أنتم به مكذبون. قال السدي: يريد به المشركين. وفي تسميته نبأ وجهان: أحدهما: لأن الله أنبأ به فعرفناه. الثاني: لأن فيه أنباء الأولين. وفي وصفه بأنه عظيم وجهان: أحدهما: لعظم قدره وكثرة منفعته.
109
الثاني: لعظيم ما تضمنه من الزواجر والأوامر. قوله عز وجل: ﴿ما كان لي من عِلم بالملإِ الأعلى﴾ قال ابن عباس يعني الملائكة. ﴿إذ يختصمون﴾ فيه وجهان: أحدهما: في قوله تعالى للملائكة: ﴿إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها﴾ الآية. فهذه الخصومة، قاله ابن عباس. الثاني: ما رواه أبو الأشهب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألني ربي فقال يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قلت في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات؟ قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في السبرات، والتعقيب في المساجد انتظار الصلوات بعد الصلوات. قال وما الدرجات؟ قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بليل والناس نيام).
110
قوله عز وجل :﴿ قُلْ هو نبأ عظيم ﴾ فيه قولان : أحدهما : أنه القيامة لأن الله تعالى قد أنبأنا بها في كتبه. والقول الثاني : هو القرآن، قاله مجاهد والضحاك والسدي.
وفي تسميته نبأ وجهان :
أحدهما : لأن الله أنبأ به فعرفناه.
الثاني : لأن فيه أنباء الأولين.
وفي وصفه بأنه عظيم وجهان :
أحدهما : لعظم قدره وكثرة منفعته.
الثاني : لعظيم ما تضمنه من الزواجر والأوامر.
﴿ أنتم عنه معرضون ﴾ قال الضحاك أنتم به مكذبون. قال السدي : يريد به المشركين.
قوله عز وجل :﴿ ما كان لي من عِلم بالملإِ الأعلى ﴾ قال ابن عباس يعني الملائكة.
﴿ إذ يختصمون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في قوله تعالى للملائكة :﴿ إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها ﴾ الآية. فهذه الخصومة، قاله ابن عباس.
الثاني : ما رواه أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سألني ربي فقال يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى ؟ قلت في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات ؟ قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في السبرات، والتعقيب في المساجد انتظار الصلوات بعد الصلوات. قال وما الدرجات ؟ قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بليل والناس نيام ".
{إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين قال رب فأنظرني
110
إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين} قوله عز وجل: ﴿قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خَلَقْتُ بيديَّ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: بقوتي، قاله علي بن عاصم. الثاني: بقدرتي، ومنه قول الشاعر:
(تحملت من عفراء، ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان)
الثالث: لما توليت خلقه بنفسي، قاله ابن عيسى. ﴿أستكبرت﴾ أي عن الطاعة أم تعاليت عن السجود؟ قوله عز وجل: ﴿قال فالحق والحق أقول﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنا الحق، وأقول الحق، قاله مجاهد. الثاني: الحق مني والحق قولي، رواه الحكم.
111
الثالث: معناه حقاً لأملأن جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين، قاله الحسن. قوله عز وجل: ﴿قل ما أسألكم عليه من أجْر﴾ فيه وجهان: أحدهما: قل يا محمد للمشركين ما أسألكم على ما أدعوكم إليه من طاعة الله أجراً قاله ابن عباس. الثاني: ما أسألكم على ما جئتكم به من القرآن أجراً، قاله عطاء. ﴿وما أنا من المتكلفين﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: وما أنا من المتكلفين لهذا القرآن من تلقاء نفسي. الثاني: وما أنا من المتكلفين لأن آمركم بما لم أؤمر به. الثالث: وما أنا بالذي أكلفكم الأجر وهو معنى قول مقاتل. قوله عز وجل: ﴿ولتعلَمُنَّ نبأه بَعْد حين﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: نبأ القرآن أنه حق. الثاني: نبأ محمد ﷺ أنه رسول. الثالث: نبأ الوعيد أنه صدق. ﴿بعد حين﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: بعد الموت، قاله قتادة. وقال الحسن: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين. الثاني: يوم بدر، قاله السدي. الثالث: يوم القيامة، قاله ابن زيد وعكرمة، والله أعلم.
112
سورة الزمر
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس إلا آيتين نزلتا بالمدينة إحداهما ﴿الله نزل أحسن الحديث﴾، والأخرى ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا﴾ الآية وقال آخرون إلا سبع آيات من قوله تعالى ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا﴾ إلى آخر السبع. بسم الله الرحمن الرحيم
113
قوله عز وجل :﴿ قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خَلَقْتُ بيديَّ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بقوتي، قاله علي بن عاصم. الثاني : بقدرتي، ومنه قول الشاعر :
تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان
الثالث : لما توليت خلقه بنفسي، قاله ابن عيسى.
﴿ أستكبرت ﴾ أي : عن الطاعة أم تعاليت عن السجود ؟
قوله عز وجل :﴿ قال فالحق والحق أقول ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنا الحق، وأقول الحق، قاله مجاهد.
الثاني : الحق مني والحق قولي، رواه الحكم.
الثالث : معناه حقاً لأملأن جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين، قاله الحسن.
قوله عز وجل :﴿ قل ما أسألكم عليه من أجْر ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : قل يا محمد للمشركين ما أسألكم على ما أدعوكم إليه من طاعة الله أجراً، قاله ابن عباس.
الثاني : ما أسألكم على ما جئتكم به من القرآن أجراً، قاله عطاء.
﴿ وما أنا من المتكلفين ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وما أنا من المتكلفين لهذا القرآن من تلقاء نفسي.
الثاني : وما أنا من المتكلفين لأن آمركم بما لم أومر به.
الثالث : وما أنا بالذي أكلفكم الأجر وهو معنى قول مقاتل.
قوله عز وجل :﴿ ولتعلَمُنَّ نبأه بَعْد حين ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : نبأ القرآن أنه حق.
الثاني : نبأ محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول.
الثالث : نبأ الوعيد أنه صدق.
﴿ بعد حين ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : بعد الموت، قاله قتادة. وقال الحسن : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
الثاني : يوم بدر، قاله السدي.
الثالث : يوم القيامة، قاله ابن زيد وعكرمة. والله أعلم.
Icon