تفسير سورة غافر

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة غافر من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ ﴾ سبع الحواميم مكيات قالوا بإِجماع وفي الحديث" أن الحواميم ديباج القرآن وفيه من أراد أن يرتع في رياض مونقة من الجنة فليقرأ الحواميم وفيه مثل الحراميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب "وهذه الحواميم مقصورة على المواعظ والزجر وطرق وهي قصار لا تلحق منها سآمة. ومناسبة أول هذه السورة لآخر الزمر أنه تعالى لما ذكر ما يؤول إليه حال الكافر وحال المؤمن ذكر تعالى هنا أنه غافر الذنب وقابل التوب ليكون ذلك استدعاء للكافر إلى الإِيمان والإِقلاع عما هو فيه وإن باب التوبة مفتوح وذكر شدة عقابه وصيرورة العالم كلهم إليه ليرتدع عما هو فيه وإن مرجعه إلى ربه فيجازيه بما عمل من خير أو شر.﴿ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ﴾ بدل لأنه من باب الصفة المشبهة ولا يتعرف بالإِضافة إلى المعرفة ووقع في كلام الزمخشري في قوله شديد العقاب ما نصه والوجه أن يقال لما صودف بين هؤلاء المعارف هذه النكرة الواحدة فقد آذنت وهذا تركيب غير عربي لأنه جعل فقد آذنت جواب لما وليس من كلامهم لما جاء زيد فقد قام عمرو.﴿ ذِي ٱلطَّوْلِ ﴾ قال ابن عباس الطول السعة والغنى.﴿ مَا يُجَادِلُ ﴾ جدالهم فيها قولهم مرة سحر ومرة شعر ومرة كهانة ومرة أساطير الأولين ومرة إنما يعلمه بشر فهو جدال بالباطل ولما كان جدال الكفار ناشئاً عن تكذيب ما جاء به الرسول عليه السلام من آيات الله ذكر من كذب قبلهم من الأمم السالفة وما صار إليه حالهم من حلول نقمات الله تعالى بهم ليرتدع بهم كفار من بعث الرسول إليهم فبدأ بقوم نوح عليه السلام إذ كان عليه السلام أول رسول في الأرض وعطف على قومه الأحزاب وهم الذين تخربوا على الرسل ولم يقبلوا منهم ما جاؤوا به من عند الله تعالى ومنهم عاد وثمود وفرعون وأتباعه وقدم الهم بالأخذ على الجدال بالباطل لأن الرسل عليهم السلام لما عصمهم الله تعالى منهم أن يقتلوهم رجعوا إلى الجدال بالباطل.﴿ فَكَيْفَ ﴾ إستفهام في موضع خبر كان وعقاب إسم لكان حذفت منه ياء الإِضافة لكونه فاصلة.﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ ﴾ الكاف للتشبيه أي مثل ذلك الوجوب من عقابهم وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار وأنهم مع ما بعده يتقدر بالمصدر أي كونهم وهو بدل من قوله كلمة.﴿ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ ﴾ الآية، لما ذكر جدال الكفار ذكر طاعة هؤلاء لمصطفين من خلقه وهم حملة العرش ومن حوله وهم الحافون به من الملائكة والذين مبتدأ ومن معطوف عليه ويسبحون الخبر ويؤمنون به فائدته شرف الإِيمان وفضله وشرف من تحلى به.﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يدل على شرف المؤمنين حيث جعل استغفارهم معطوفاً على إيمان الملائكة معطوفاً تقديره وسعت رحمتك وعلمك كل شىء ولما سألوا إزالة العقاب سألوا إيصال الثواب وكرروا الدعاء بربنا فقالوا ربنا وأدخلهم جنات عدن.﴿ وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ أي امنعهم من الوقوع فيها حتى لا يترتب عليها جزاؤها ومن شرطية مفعول أول تبق تقديره أي شخص والسيئات مفعول ثان.﴿ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ﴾ جواب الشرط ونداؤهم قيل في النار والمنادون لهم الزبانية على جهة التوبيخ والتقريع واللام في لمقت لام الإِبتداء أو لام القسم ومقت مصدر مضاف إلى الفاعل والتقدير لمقت الله إياكم أو لمقت الله أنفسكم وحذف المفعول لدلالة ما بعده عليه في قوله: أكبر من مقتكم أنفسكم والظاهر أن مقت الله إياهم هو في الدنيا ويضعف أن يكون في الآخرة كما قال بعضهم لبقاء إذ تدعون فعلتا من الكلام لكونه ليس له عامل تقدم ولا مفسر لعامل فإِذا كان المقت السابق في الدنيا أمكن أن يضمر له عامل تقديره مقتكم إذ تدعون. وقال الزمخشري: وإذ تدعون منصوب بالمقت الأول والمعنى أنه يقال لهم يوم القيامة ان الله مقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حيث كان الأنبياء يدعونكم إلى الإِيمان فتأتون قبوله وتختارون عليه الكفر أشد مما اليوم وأنتم في النار وإذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن " انتهى ". وفيه دسيسة الاعتزال وأخطأ في قوله: وإذ تدعون منصوب بالمقت الأول لأن المقت مصدر ومعموله من صلته ولا يجوز أن يخبر عنه إلا بعد استيفائه صلته وقد أخبر عنه بقوله: أكبر من مقتكم أنفسكم وهذا من ظواهر علم النحو التي لا تكاد تخفى على المبتدئين فضلاً عمن تدعي العجم أنه في العربية شيخ العرب والعاجم وليس كذلك.﴿ قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ ﴾ وجه اتصال هداه بما قبلها انهم كانوا ينكرون البعث وعظم مقتهم أنفسهم هذا الإِنكار فلما مقتوا أنفسهم ورأوا حزناً طويلاً رجعوا إلى الإِقرار بالبعث فأقروا أنه تعالى أماتهم اثنتين وأحياهم اثنتين وتعظيماً لقدرته وتوسلاً إلى رضاه ثم أطعموا أنفسهم بالاعتراف بالذنوب أن يردوا إلى الدنيا أي أن رجعنا إلى الدنيا ودعينا إلى الإِيمان بادرنا إليه وتقدم الكلام في الاماتة والإِحياء في البقرة.﴿ ذَلِكُم ﴾ الظاهر أن الخطاب للكفار في الآخرة والإِشارة إلى العذاب الذي هم فيه وذلكم مبتدأ خبره بأنكم لأنه ينسبك ما بعد الباء بمصدر فيكون التقدير عذابكم كائن بسبب كفركم وإشرائككم المذكورين والضمير في بأنه ضمير الشأن.﴿ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ﴾ إي إذا أفرد بالألوهية ونفيت عن سواه.﴿ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ ﴾ أي ذكرت اللات والعزى وأمثالهما من الأصنام صدقتم بألوهيتها وسكنت نفوسكم إليها.﴿ فَٱلْحُكْمُ ﴾ بعذابكم اليوم.﴿ للَّهِ ﴾ تعالى لا لتلك الأصنام التي أشركتموها مع الله تعالى.﴿ ٱلْعَلِـيِّ ﴾ عن الشريك.﴿ ٱلْكَبِيرِ ﴾ العظيم الكبرياء.﴿ فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾ الآية، الأمر للنبيين ورفيع الدرجات خبر مبتدأ محذوف والروح النبوة وقال جبريل عليه السلام يرسله لمن يشاء والأولى الوحي استعار له الروح لحياة المرضية به وسمي يوم التلاق لإِلتقاء الخلائق فيه قاله ابن عباس: يوم هم بارزون أي ظاهرون من قبورهم لا يسترهم شىء حفاة عراة ويوم بدل من يوم التلاق وكلاهما ظرف مستقبل والظرف المستقبل عند سيبويه لا يجوز إضافته إلى الجملة الإِسمية لا يجوز أجيئك يوم زيد ذاهب إجراء له مجرى إذا فكما لا يجوز ان تقول أجيئك إذا زيد ذاهب فكذلك لا يجوز هذا وذهب أبو الحسن إلى جواز ذلك. قال ابن عباس: إذا هلك من في السماوات ومن في الأرض فلم يبق إلا الله تعالى قال لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه لله الواحد القهار ويوم الآزفة هو يوم القيامة.﴿ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ ﴾ تقدم الكلام عليه في الأحزاب.﴿ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ ﴾ الظاهر أنه من إضافة الصفة إلى موصوفة أي الأعين الخائنة وخيانتها من كسر جفن وغمز ونظر ويفهم منه ما يراد.﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا ﴾ الآية، ابتدأ تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ووعيداً لقريش أن يحل بهم ما حل بفرعون وقومه من نقمات الله تعالى بآياتنا أشهرها العصا واليد وقرىء: أو أن وقرىء: يظهر مضارع ظهر والفساد فاعل وقرئ: يظهر مضارع أظهر والفساد مفعول به والفاعل ضمير موسى.
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﰿ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ ﴾ قيل كان قبطياً وهو ابن عم فرعون وقيل كان إسرائيلياً واسمه سمعان وقيل غير ذلك.﴿ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ في موضع الصفة ورد قول من علق من آل فرعون بيكتم فإِنه لا يقال كتمت من فلان كذا إنما يقال كتمت فلاناً قال تعالى ولا يكتمون الله حديثاً وقال الشاعر: كتمتك ليلاً بالجمومين ساهراً   ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً ﴾ هذا إنكار منه عظيم وتبكيت لهم كأنه قال أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله ربي الله مع أنه قد جاءكم بالبينات من ربكم أي من عند من نسب إليه الربوبية وهو ربكم لا ربه وحده وهذا استدراج إلى استدراج إلى الاعتراف بالبينات بالدلائل على التوحيد وهي التي ذكرها في طه والشعراء حالة محاورة له في سؤاله عن ربه تعالى ولما صرح بالإِنكار عليهم غالطهم بعد في أن قسم أمره إلى كذب وصدق وأبدى ذلك في صورة احتمال ونصيحة وبدأ في التقسيم بقوله:﴿ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ﴾ مداراة منه وسلوكاً لطريق الإِنصاف في القول وخوفاً إذا أنكر عليهم قتله أنه ممن يعاضده وينصره فأوهمهم بهذا التقسيم والبداءة بحالة الكذب حتى يسلم من شره ويكون ذلك أدنى إلى تسليمهم ومعنى فعليه كذبه أنه لا يتخطاه ضرره.﴿ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ ﴾ هو يعتقد أنه نبي قطعاً لكنه أتى بلفظ بعض لإِلزام الحجة بأيسر ما في الأمر وليس فيه نفي أن يصيبهم كل ما يعدهم.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ فيه إشارة إلى علو شأن موسى عليه السلام وان من اصطفاه الله تعالى للنبوة لا يمكن أن يقع منه إسراف ولا كذب وفيه تعريض بفرعون إذ هو في غاية الإِسراف على نفسه بقتل أبناء المؤمنين وفي غاية الكذب إذا دعى الإِلٰهية والربوبية ومن هذا شأنه لا يهديه الله أبداً وفي الحديث" الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين ومؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم "وفي الحديث" أنه عليه السلام طاف بالبيت فحين فرغ أخذوا بمجامع ردائه فقالوا له: أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا فقال أنا ذلك فقام أبو بكر رضي الله عنه فالتزمه من ورائه وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم رافعاً صوته بذلك وعيناه تسفحان بالدموع حتى أرسلوه "ثم قال:﴿ يٰقَومِ ﴾ نداء متلطف في موعظتهم.﴿ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ ﴾ أي غالبين عالين.﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أرض مصر قد غلبتم بني إسرائيل فيها وقهرتموهم واستعبدتموهم وبدأهم بالملك الذي هو أعظم مراتب الدنيا وأجلها وهو من جملة شهواتهم وانتصب ظاهرين على الحال والعامل فيها هو العامل في الجار والمجرور وذو الحال هو ضمير لكم ثم حذرهم أن يفسدوا على أنفسهم بأنه إن جاءهم بأس الله لم يجدوا لهم دافعاً ولا ناصراً وأدرج نفسه في ينصرنا وجاءنا لأنه منهم في القرابة وليعلمهم أن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه وأقوال هذا المؤمن هذه تدل على زوال هيبة فرعون من قلبه ولذلك استكان فرعون وقال:﴿ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ ﴾ أي ما أشير عليكم إلا بقتله ولا أستصوب إلا ذلك وهذا قول من لا تحكم له وأتى بما وإلا للحصر والتأكيد.﴿ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ﴾ لا ما تقولونه من ترك قتله وقد كذب بل كان خائفاً وجلاً وقد علم أن ما جاء به موسى عليه السلام حق ولكنه كان يتجلد ويرى ظاهره خلاف ما أبطن.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ ﴾ الآية الجمهور ان على هذا المؤمن هو الرجل القائل أتقتلون رجلاً قص الله تعالى أقاويله إلى آخر الآيات لما رأى ما لحق فرعون من الخور والخوف التي بنوع آخر من التهديد وخوفهم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السالف من استصال الهلاك حين كذبوا رسلهم وقويت نفسه متى سرد عليهم ما سرد ولم يهب فرعون ويوم التناد هو يوم الحشر والتنادي مصدر تنادى القوم أي نادى بعضهم بعضاً قال الشاعر: تنادوا فقالوا أردت الخيل فارساً   فقلت أعند الله ذلكم الردىوسمي يوم التناد أما النداء بعضهم بالويل والثبور وأما لتنادي أهل الجنة وأهل النار على ما ذكر في الأعراف وفي الحديث" ان للناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مهرباً ثم تلا يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم في فراركم حتى تطفى في النار ولما يئس المؤمن من قبولهم قوله قال: ومن يضلل الله فما له من هاد ". قال الزمخشري: ويحتمل أن يكون ان الذين يجادلون مبتدأ وبغير سلطان أتاهم خبراً وفاعل كبر قوله: كذلك أي كبر مقتاً مثل ذلك الجدال ويطبع الله كلام مستأنف ومن قال كبر مقتاً عند الله جدالهم فقد حذف الفاعل والفاعل لا يصح حذفه " انتهى ". وهذا الذي أجازه لا يجوز أن يكون مثله في كلام فصيح في كلام الله تعالى لأن فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض وارتكاب مذهب الصحيح خلافه أما تفكيك الكلام فالظاهر أن بغير سلطان. متعلق بيجادلون ولا يتعقل جعله خبراً للذين لأنه جار ومجرور فيصير التقدير الذين يجادلون في آيات الله كائنون أو مستقرون بغير سلطان أي في غير سلطان لأن الباء إذ ذاك ظرفية خبر عن الجثة وكذلك في قوله: يطبع انه مستأنف فيه تفكيك الكلام لأن ما جاء في القرآن من كذلك يطبع أو نطبع إنما جاء مربوطاً بعضه ببعض فكذلك هنا وأما ارتكاب مذهب الصحيح خلافه فجعل الكاف اسماً فاعلاً بكبر وذلك لا يجوز على مذهب البصريين إلا الأخفش ولم يثبت في كلام العرب أعني نثرها جاءني كزيد تريد مثل زيد فلم تثبت إسميتها فتكون فاعلة وأما قوله ومن قال: إلخ فإِن قائل ذلك هو الحوفي والظن به أنه فسر ولم يرد الإِعراب وإنما تفسير الإِعراب أن الفاعل بكبر ضمير يعود على الجدال المفهوم من يجادلون كما قالوا من كذب كان شراً له أي كان هو أي الكذب المفهوم من كذب والأولى في إعراب هذا الكلام أن يكون الذين مبتدأ وخبره كبر والفاعل ضمير المصدر المفهوم من يجادلون وهذه الصفة موجودة في فرعون وقومه ويكون الواعظ لهم قد عدل عن مخاطبتهم إلى الإِسم الغائب لحسن محاورته لهم واستجلاب قلوبهم وإبراز ذلك في صورة تذكيرهم ولا يفاجأهم بالخطاب وفي قوله: كبر مقتاً ضرب من التعجب والاستعظام بجدالهم والشهادة على خروجه عن احد أشكاله من الكبائر.﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي مثل ذلك الطبع على قلوب المجادلين.﴿ يَطْبَعُ ٱللَّهُ ﴾ أي يختم بالضلال ويحجب عن الهدى وقرىء: قلب كل بالإِضافة وبالتنوين فمتكبر صفة له.﴿ وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ﴾ أقول فرعون ذروني اقتل موسى ما أريكم إلا ما أرى يا هامان ابن لي صرحاً حيدة عن محاجة موسى عليه السلام ورجوع إلى أشياء لا تصح وذلك كله لما خامره من الجزع والخوف وعدم المقاومة والتعرف بأن هلاكه وهلاك قومه على يدي موسى وأن قدرته عجزت عن التأثير في موسى هذا على كثرة سفكه الدماء وتقدم الكلام على الصرح وقرىء: فأطلع بالرفع عطفاً على أبلغ وقرىء بالنصب. قال الزمخشري: على جواب الترجي تشبيهاً للترجي بالتمني " انتهى ". فالترجي لا يكون إلا في الممكن وبلوغ أسباب السماوات غير ممكن لأن فرعون أبرز ما لا يمكن في صورة الممكن تمويهاً على سامعيه وأما النصب بعد الفاء في جواب الترجي فشىء أجازه الكوفيون ومنعه البصريون واحتج الكوفيون بهذه القراءة وقرىء: وصد مبنياً للفاعل وصد مبنياً للمفعول.﴿ وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ ﴾ بدأ المؤمن بذكر المتسبب عن دعوته وأبدى التفاضل بينهما ولما ذكر المسببين ذكر سببهما وهو دعاؤهم إياه إلى الكفر والشرك ودعاؤه إياهم إلى الإِيمان والتوحيد وأتى بصفة العزيز وهو الذي لا نظير له الغفار لذنوب من رجع إليه وآمن به وأوصل سبب دعائهم بمسببه وهو الكفر والنار وآخر سبب مسببه ليكون افتتاح كلامه واختتامه بما يدعو إلى الخير وبدأ أولاً بجملة إسمية وهو الاستفهام المتضمن التعجب من حالتهم وختم أيضاً بجملة إسمية ليكون أبلغ في توكيد الأخبار وجاء في حقهم وتدعونني بالجملة الفعلية التي لا تقتضي التوكيد إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها فتؤكد وما ليس لي به علم هي الأوثان أي لم يتعلق علمي بها إذ ليس لها مدخل في الألوهية ولا لفرعون وتقدّم الكلام على لا جرم ولما ذكر انتفاء دعوة ما عبد من دون الله ذكر أن مرد الجميع إلى الله أي إلى جزائه.﴿ فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ ﴾ قال مقاتل لما قال هذه الكلمات قصدوا قتله هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه فوقاه الله سيئات ما مكروا أي شدائد مكرهم التي تسوؤه وما هموا به من أنواع العذاب لمن خالفهم.﴿ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ ﴾ قال ابن عباس هو ما حاق بالألف بعثهم فرعون في طلب المؤمن من أكل السباع والموت بالعطش والقتل والصلب كما تقدم والظاهر أن العرض خلاف الإِحراق وقرىء كل بالرفع مبتدأ خبره فيها والجملة في موضع خبر انا وقرىء بالنصب وخرجه الزمخشري وابن عطية على التوكيد قال الزمخشري لاسم ان وهو معرفة والتنوين عوض من المضاف إليه يريد انا كلنا فيها انتهى. وخبر ان هو فيها ومن رفع كلا فعلى الابتداء وخبره فيها والجملة خبر ان وقال ابن مالك في تصنيفه وقد تكلم على كل ولا يستغنى بنية إضافته خلافاً للفراء والزمخشري انتهى وهذا المذهب منقول عن الكوفيين وقال الزمخشري وأيضاً (فإِن قلت) هل يجوز أن يكون كلا حالاً قد عمل فيها (قلت) لا لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدماً تقول كل يوم لك ثوب ولا تقول قائماً في الدار زيد انتهى هذا الذي منعه أجازه الأخفش إذا توسطت الحال نحو زيد قائماً في الدار أو زيد قائماً عندك والتمثيل الذي ذكره ليس مطابقاً لما في الآية لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم وهو إسم وإن توسطت الحال إذا قلنا أنها حال وتأخر العامل فيها وأما تمثيله بقوله ولا نقول قائماً في الدار زيد فتأخر فيه المسند والمسند إليه وقد ذكر بعضهم أن المنع في ذلك إجماع من النحاة والذي اختاره في تخريج هذه القراءة أن كلاً بدل من إسم أن لأن كلا يتصرف فيها بالابتداء ونواسخه وغير ذلك فكأنه قال ان كلاً فيها وإذا كانوا قد تأولوا حولاً أكتعاً ويوماً أجمعاً على البدل مع أنهما لا يليان العوامل فإِن يدعي في كل البدل أولى وأيضاً فتنكير كل ونصبه حالاً في غاية الشذوذ والمشهور أن كلا معرفة إذا قطعت عن الإِضافة حكى مررت بكل قائماً وببعض جالساً في الفصيح الكثير في كلامهم وقد شذ نصب كل على الحال في قولهم مررت بهم كلا أي جميعاً. (فإِن قلت) كيف تجعله بدلاً وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم وهو لا يجوز على مذهب جمهور البصريين (قلت) مذهب الأخفش والكوفيين هو الفصيح على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف بل إذا كان البدل يفيد الإِحاطة جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب لا نعلم خلافاً في ذلك كقوله تعالى﴿ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ﴾[المائدة: ١١٤] وكذلك مررت بكم صغيركم وكبيركم معناه مررت بكم كلكم وتكون لنا عيداً كلنا فإِذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإِحاطة فجوازه فيما دلّ على الإِحاطة وهو كل أولى ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه لأنه بدل من ضمير المتكلم لأنه لم يتحقق مناط الخلاف ولما أجاب الضعفاء الم تكبرون قالوا جميعاً لخزنة جهنم وأبرز ما أضيف إليه الخزنة ولم يأت ضميراً فكان يكون التركيب لخزنتها لما في ذكر جهنم من التهويل فراجعتهم الخزنة على سبيل التوبيخ والتقريع.﴿ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ ﴾ فأجابوهم بأنهم أتتهم قالوا لهم فادعوا أنتم على سبيل الهزء بهم فإِنا لا نجترىء على ذلك.﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ ﴾ أي الدلائل التي أوردها على فرعون وقومه والكتاب التوراة توارثوها خلف عن سلف ثم أمره تعالى بتنزيهه في هذين الوقتين اللذين الناس مشغولون فيهما بمصالحهم المهمة ثم نبه تعالى على أنه لا ينبغي أن يجادل في آيات الله ولا يتكبر الإِنسان بقوله تعالى:﴿ لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ ﴾ أي مخلوقاته أكبر وأجل من خلق البشر فما لأحدهم يجادل ويتكبر على خالقه.﴿ ٱدْعُونِيۤ ﴾ أي اعبدوني.﴿ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ أي أثبكم على العبادة وكثيراً جاء الدعاء في القرآن بمعنى العبادة ويقوي هذا التأويل قوله:﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾ وما روى النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" الدعاء هو العبادة وقرأ هذه الآية ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾ "أي يتعاظمون عن توحيدي وقرىء:﴿ سَيَدْخُلُونَ ﴾ مبنياً للفاعل والمفعول.﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي مثل ذلك الصرف صرف الله قلوب الجاحدين بآيات الله من الأمم عن طريق الهدى والطيبات المستلذات طعماً ولبساً ومعنى يسجرون يطرحون في النار فيكونون وقوداً لها وقيل يحرثون ثم أخبروا تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة على جهة التوبيخ والتقريع فيقال لهم أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا فيقولون ضلوا عنا أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون بل لم نكن نعبد شيئاً وهذا ومن أشد الاختلاط في الذهن والنظر.﴿ ذَلِكُمُ ﴾ أي الإِضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق وهو الشرك وعبادة الأوثان وفي الحديث" ان الله يبغض المرحين الفرحين ويحب كل قلب حزين "وتفرحون وتمرحون من باب تجنيس التحريف المذكور في علم البديع وهو أن يكون الحرف فرقاً بين الكلمتين.
﴿ ٱدْخُلُوۤاْ ﴾ الظاهر أنهم قيل لهم ادخلوا بعد المحاورة السابقة وهم قد كانوا في النار ولكن هذ أمر مقيد بالخلود وهو الثواء الذي لا ينقطع فليس أمراً بمطلق الدخول إذ بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا سبعة الأبواب التي لكل باب منها جزء مقسوم من الكفار فكان ذلك أمراً بالدخول بقيد التجزئة لكل باب وخالدين حال مقدرة ودلت على الثواء الدائم فجاء التركيب.﴿ فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ ولم يجىء التركيب فبئس مدخل المتكبرين لأن نفس الدخول لا يدوم فلم يبالغ في ذمه بخلاف الثواء الدائم الذي لا ينقطع فإِنه بولغ في ذمه.﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ما وعده به من نصره وإعلاء حق ثابت لا بد من وقوعه.﴿ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ ﴾ أي من أخبرناك به في القرآن وهم ثمانية عشر نبياً.﴿ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ ﴾ أي ليس ذلك راجعاً إليهم لما اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليس ذلك إلى لا تأتي آية إلا إن شاء الله فإِذا جاء أمر الله ردو وعيد باقتراحهم الآيات وأمر الله القيامة والمبطلون المعاندون مقترحو الآيات ومتى أتتهم الآيات فأنكروها وسموها سحراً "ثم ذكر تعالى آيات اعتبار وتعداد نعم فقال:﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ ﴾ وهي ثمانية أزواج.﴿ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا ﴾ وهي الإِبل إذ لم يعهد ركوب غيرها.﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ عام في ثمانية الأزواج ولما كان المركوب منها وهي الإِبل أعظم منفعة إذ فيه منفعة الأكل والركوب وذكر أيضاً أن في الجميع منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك أكل منفعة الركوب بقوله:﴿ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ﴾ من بلوغ الأسفار الطويلة وحمل الأثقال إلى البلاد الشاسعة وما أشبه ذلك من المنافع الدنيوية والدينية ولما كان الركوب وبلوغ الحاجة المترتب عليه قد يتوصل به إلى الانتقال لأمر واجب أو مندوب كالحج وغيره دخل حرف القليل على الركوب وعلى المترتب عليه من بلوغ الحاجات فجعل ذلك علة لجعل الأنعام لنا ولما كان الأكل وإصابة المنافع من جنس المباحات لم يجعل ذلك علة في الجعل بل ذكر أن منها نأكل ولنا فيها منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك كما أدخل لام التعليل في لتركبوا ولم يدخلها على الزينة في قوله والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ولما ذكر ما امتن به من منة الركوب للإِبل في البر ذكر ما امتن به من نعمة الركوب في البحر فقال:﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ أي حججه وأدلته على وحدانيته.﴿ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ ﴾ أي أنها كثيرة فأيها ينكر أي لا يمكن إنكار شىء منها في العقول وأي آيات الله منصوب بتنكرون قال الزمخشري: فأي آيات الله جاءت على اللغة المستفيضة وقوله: فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في أي أغرب لإِبهامه " انتهى ". ومن قلة تأنيث أي قوله: بأي كتاب أم بأية سنة   ترى حبهم عاراً عليّ وتحسبوقوله: وهي في أي أغرب ان عنى أياً على الإِطلاق فليس بصحيح لأن المستفيض في النداء أن تؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى:﴿ يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ﴾[الفجر: ٢٧] ولا يعلم من يذكرها فيه فيقول يا أيها المرأة إلا صاحب كتاب البديع في النحو وإن عنى غير المناداة فكلامه صحيح يقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة وشرطية وما في قوله: فما أغنى نافية أو استفهامية في معنى النفي والضمير في جاءتهم عائد على الذين من قبلهم وجاء بقوله: من العلم على جهة التهكم بهم أي في الحقيقة لا علم لهم وإنما لهم خيالات واستبعادات لما جاءت به الرسل وكانوا يدفعون ما جاءت به الرسل بنحو قولهم ولئن رددّت إلى ربي أو اعتقدوا أن عندهم علماً يستغنون به عن علم الأنبياء عليهم السلام كما تزعم الفلاسفة والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم ولما سمع سقراط لعنه الله بموسى عليه السلام قيل له لو هاجرت إليه فقال نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا وعلى هذين القولين تكون الضمائر متناسقة عائدة على مدلول واحد.﴿ بَأْسَنَا ﴾ أي عذابنا الشديد حكي حال من آمن بعد تلبس العذاب به وإن ذلك لم يكن نافعاً وفي ذلك حض على المبادرة إلى الإِيمان وتخويف من التأني وإيمانهم رفع بيك إسماً لها أو فاعل ينفعهم وفي يك ضمير الشأن على الخلاف الذي في كان يقوم زيد ودخل حرف النفي على الكون لا على النفع لأنه يؤدي إلى نفي الصحة أي لم يصح ولم يستقم كقوله تعالى:﴿ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ﴾[مريم: ٣٥] وترادف هذه الفاآت أما في فما أغنى عنهم فلأنه كان نتيجة قوله: كانوا أكثر منهم ولما جاءتهم رسلهم جار مجرى البيان والتفسير لقوله: ﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ ﴾ وفلما رأوا بأسنا تابع لقوله فلما جاءتهم كأنه قال فكفروا به فلما رأوا بأسنا آمنوا وفلم يك ينفعهم إيمانهم تابع لإِيمانهم لما رأوا بأسنا وانتصب سنة على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة أي ان ما فعل بهم هي سنة الله التي قد مضت وسبقت في عباده من إرسال الرسل والاعذار بهم وتعذيب من كذبهم واستئصالهم بالهلاك وعدم الانتفاع بالإِيمان حالة تلبس العذاب بهم وهنالك ظرف مكان استعير للزمان أي وخسر في ذلك الوقت الكافرون.
Icon