ﰡ
مكية وهي اثنتان وخمسون آية ومائتان وست وخمسون كلمة وألف وأربع وثلاثون حرفا.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة الحاقة (٦٩): الآيات ١ الى ٣]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)قوله عز وجل: الْحَاقَّةُ يعني القيامة سميت حاقة من الحق الثابت يعني أنها ثابتة الوقوع لا ريب فيها.
وقيل لأن فيها تحقيق الأمور فتعرف على الحقيقة وفيها يحق الجزاء على الأعمال أي يجب. وقيل الحاقة النازلة التي حقت فلا كاذبة لها. وقيل الحاقة هي التي تحق على القوم أي تقع بهم، مَا الْحَاقَّةُ استفهام ومعناه التفخيم لشأنها والتهويل لها والمعنى أي شيء هي الحاقة وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ أي إنك لا تعلمها إذ لم تعاينها ولم تر ما فيها من الأهوال على أنه من العظم والشدة أمر لا تبلغه دراية أحد ولا فكره وكيف قدرت حالها فهي أعظم من ذلك.
[سورة الحاقة (٦٩): الآيات ٤ الى ١٠]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨)
وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ قال ابن عباس بالقيامة سميت قارعة لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة. وقيل كذبت بالعذاب أي الذي أوعدهم نبيهم حتى نزل بهم فقرع قلوبهم فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ أي طغيانهم وكفرهم. وقيل الطاغية الصيحة الشديدة المجاوزة الحد في القوة. وقيل الطاغية الفرقة التي عقروا الناقة فأهلك قوم ثمود بسببهم وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ أي شديدة الصوت في الهبوب لها صرصرة. وقيل هي الباردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها عاتِيَةٍ أي عتت على خزنتها فلم تطعهم ولم يكن لهم عليهم سبيل وجاوزت الحد والمقدار فلم يعرفوا مقدار ما خرج منها. وقيل عتت على عاد فلم يقدروا على دفعها عنهم بقوة ولا حيلة سَخَّرَها عَلَيْهِمْ أي أرسلها وسلطها عليهم وفيه رد على من قال إن سبب ذلك كان باتصال الكواكب فنفى هذا المذهب بقوله سخرها عليهم وبين الله تعالى أن ذلك بقضائه وقدره وبمشيئته لا باتصال الكواكب، سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ ذات برد ورياح شديدة. قال وهب هي الأيام التي سماها العرب العجوز لأنها أيام ذات برد ورياح شديدة وسميت عجوزا لأنها تأتي في عجز الشتاء وقيل لأن عجوزا من قوم عاد دخلت سربها فاتبعتها الريح حتى قتلتها حُسُوماً أي متتابعة دائمة ليس فيها فتور، وذلك أن الريح المهلكة
قوله تعالى: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ قرئ بكسر القاف وفتح الباء أي ومن معه من جنوده وأتباعه وقرئ بفتح القاف وسكون الباء أي ومن قبله من الأمم الكافرة الْمُؤْتَفِكاتُ يعني قرئ قوم لوط يريد أهل المؤتفكات، وقيل يريد الأمم الذين ائتفكوا بخطيئتهم وهو قوله بِالْخاطِئَةِ أي بالخطيئة والمعصية وهو الشرك فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ، قيل يعني موسى بن عمران وقيل لوطا والأولى أن يقال المراد بالرسول كلاهما لتقدم ذكر الأمتين جميعا فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً يعني نامية وقال ابن عباس شديدة وقيل زائدة على عذاب الأمم.
[سورة الحاقة (٦٩): الآيات ١١ الى ١٧]
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥)
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ أي عتا وجاوز حده حتى علا على كل شيء وارتفع فوقه وذلك في زمن نوح عليه الصلاة والسلام وهو الطوفان حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ يعني حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم فصح خطاب الحاضرين في الجارية أي السفينة التي تجري في الماء لِنَجْعَلَها
أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلناها من إغراق قوم نوح ونجاة من حملنا معه، لَكُمْ تَذْكِرَةً
أي عبرة وموعظة وَتَعِيَها
أي تحفظها أُذُنٌ واعِيَةٌ
أي حافظة لما جاء من عند الله. وقيل أذن سمعت وعقلت ما سمعت وقيل لتحفظها كل أذن فتكون عظة وعبرة لمن يأتي بعد والمراد صاحب الإذن والمعنى ليعتبر ويعمل بالموعظة.
قوله عز وجل: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ يعني النفخة الأولى وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ أي رفعت من أماكنها فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً أي كسرتا وفتتتا حتى صارتا هباء منبثا والضمير عائد إلى الأرض والجبال فعبر عنهما بلفظ الاثنين فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ أي قامت القيامة وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ أي ضعيفة لتشققها وَالْمَلَكُ يعني الملائكة عَلى أَرْجائِها يعني نواحيها وأقطارها وهو الذي لم ينشق منها قال الضحاك تكون الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ أي فوق رؤوسهم يعني الحملة يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة ثَمانِيَةٌ يعني ثمانية أملاك، وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية على صورة الأوعال بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء. الأوعال تيوس الجبل وروى السدي عن أبي مالك قال إن الصخرة التي تحت الأرض السابعة ومنتهى علم الخلائق على أرجائها يحملها أربعة من الملائكة لكل واحد منهم أربعة وجوه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر فهم قيام عليها قد أحاطوا بالسموات والأرض ورؤوسهم تحت العرش، وعن عروة بن الزبير قال حملة العرش منهم من صورته على صورة الإنسان ومنهم من صورته على صورة النسر ومنهم من صورته على صورة الثور ومنهم من صورته على صورة الأسد. وعن ابن عباس قال صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم أمية بن أبي الصلت في شيء من الشعر فقال:
رجل وثور تحت رجل يمينه | والنسر للأخرى وليث يرصد |
وعن عبد الله بن عمر قال " الذين يحملون العرش ما بين موق أحدهم إلى مؤخر عينيه خمسمائة عام " وعن شهر بن حوشب قال " حملة العرش ثمانية فأربعة منه يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك " وروي عن ابن عباس في قوله يومئذ ثمانية قال ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل.
رجل وثور تحت رجل يمينه | والنسر للأخرى وليث يرصد |
قالوا لا والله ما ندري قال: فإن بعد ما بينهما إما قال واحدة وإما قال اثنتان وإما ثلاث وسبعون سنة وبعد التي فوقها كذلك وكذلك حتى عدهن سبع سموات كذلك ثم فوق السماء السابعة بحرا أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء وفوق ذلك ثمانية أو عال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء ثم فوق ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين السماء إلى السماء والله عز وجل فوق ذلك» أخرجه الترمذي وأبو داود زاد في رواية «وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء»، عن ابن مسعود قال ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وفضاء كل سماء وأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام والعرش على الماء والله على العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم». أخرجه أبو سعيد الدارمي وابن خزيمة وغيرهما موقوفا على ابن مسعود قال ابن خزيمة اختلاف خبر العباس وابن مسعود في قدر المسافة على اختلاف سير الدواب. وعن ابن عباس قال:
«لحملة العرش قرون ما بين أخمص أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ومن كعبه إلى ركبته مسيرة خمسمائة عام ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام».
وعن عبد الله بن عمر قال «الذين يحملون العرش ما بين موق أحدهم إلى مؤخر عينيه خمسمائة عام» وعن شهر بن حوشب قال «حملة العرش ثمانية فأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك» وروي عن ابن عباس في قوله يومئذ ثمانية قال ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل:
[سورة الحاقة (٦٩): الآيات ١٨ الى ٢٤]
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ أي على الله تعالى للحساب لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ أي فعلة خافية. والمعنى أنه تعالى عالم بأحوالكم لا يخفى عليه شيء منها وأن عرضكم يوم القيامة عليه ففيه المبالغة والتهديد، وقيل معناه لا يخفى منكم يوم القيامة ما كان مخفيا في الدنيا فإنه يظهر أحوال الخلائق فالمحسنون يسرون بإحسانهم والمسيئون يحزنون بإساءتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله» أخرجه الترمذي وقال ولا يصح هذا الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن الحسن عن أبي موسى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ أي أعطي كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ أي تعالوا اقْرَؤُا كِتابِيَهْ والمعنى أنه
[سورة الحاقة (٦٩): الآيات ٢٥ الى ٣٤]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ، قيل تلوى يده اليسرى خلف ظهره ثم يعطى كتابه بها. وقيل تنزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطى كتابه بها فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وذلك لما نظر في كتابه ورأى قبائح أعماله مثبتة عليه تمنى أنه لم يؤت كتابه لما حصل له من الخجل والافتضاح وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ أي لم أدر أي شيء حسابي لأنه لا طائل ولا حاصل له وإنما كله عليه لا له يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ تمنى أنه لم يبعث للحساب والمعنى يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاضية عن كل ما بعدها والقاطعة للحياة أي ما أحيا بعدها قال قتادة تمنى الموت ولم يكن شيء عنده أكره منه إليه أي من الموت في الدنيا لأنه رأى تلك الحالة أشنع وأمر مما ذاقه من الموت ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ أي لم يدفع عني يساري ومالي من العذاب شيئا هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ أي ضلت عني حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا وقيل ضلت عنه حجته حين شهدت عليه الجوارح بالشرك وقيل معناه زال عني ملكي وقوتي وتسلطي على الناس وبقيت ذليلا حقيرا فقيرا خُذُوهُ أي يقول الله تعالى لخزنة جهنم خذوه فَغُلُّوهُ أي أجمعوا يديه إلى عنقه ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ أي أدخلوه معظم النار لأنه كان يتعاظم في الدنيا ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة ذَرْعُها أي مقدارها والذرع التقدير بالذراع من اليد أو غيرها سَبْعُونَ ذِراعاً قال ابن عباس بذرع الملك. وقال نوف البكالي سبعون ذراعا كل ذراع سبعون باعا كل باع أبعد مما بينك وبين مكة وكان في رحبة الكوفة. وقال سفيان كل ذراع سبعون ذراعا، وقال الحسن الله أعلم أي ذراع هو عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لو أن رضاضة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت في رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.
الرضاض: الحصباء الصغار، وقوله مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة.
الجمجمة قدح من خشب وجمعه جماجم والجمجمة الرأس وهو أشرف الأعضاء وقال وهب لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها وقوله تعالى: فَاسْلُكُوهُ أي أدخلوه فيها قال ابن عباس تدخل في دبره وتخرج من منخره. وقيل تدخل في فيه وتخرج من دبره إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ أي لا يصدق بوحدانية الله وعظمته، وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي ولا يحث نفسه على إطعام المسكين ولا يأمر أهله بذلك وفيه دليل على تعظيم الجرم في حرمان المساكين لأن الله تعالى عطفه على الكفر وجعله قرينه. قال الحسن في هذه
الرضاض : الحصباء الصغار، وقوله مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة.
الجمجمة قدح من خشب وجمعه جماجم والجمجمة الرأس وهو أشرف الأعضاء وقال وهب لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها وقوله تعالى :﴿ فاسلكوه ﴾ أي أدخلوه فيها قال ابن عباس تدخل في دبره وتخرج من منخره. وقيل تدخل في فيه وتخرج من دبره.
[سورة الحاقة (٦٩): الآيات ٣٥ الى ٤٥]
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧) فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤)
لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ أي ليس له في الآخرة قريب ينفعه أو يشفع له وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ يعني صديد أهل النار مأخوذ من الغسل كأنه غسالة جروحهم وقروحهم وقيل هو شجر يأكله أهل النار لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ أي الكافرون.
قوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ قيل إن لا صلة والمعنى أقسم. وقيل لا رد لكلام المشركين كأنه قال ليس الأمر كما يقول المشركون ثم قال تعالى أقسم وقيل لا هنا نافية للقسم على معنى أنه لا يحتاج إليه لوضوح الحق فيه كأنه قال لا أقسم على أن القرآن قول رسول كريم فكأنه لوضوحه استغنى عن القسم.
وقوله بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ يعني بما ترون وتشاهدون وبما لا ترون وما لا تشاهدون أقسم بالأشياء كلها فيدخل فيه جميع المكونات والموجودات، وقيل أقسم بالدنيا والآخرة. وقيل بما تبصرون يعني على ظهر الأرض وما لا تبصرون أي ما في بطنها. وقيل بما تبصرون يعني الأجسام وما لا تبصرون يعني الأرواح. وقيل بما تبصرون يعني الإنس وما لا تبصرون يعني الملائكة والجن. وقيل بما تبصرون من النعم الظاهرة وما لا تبصرون من النعم الباطنة. وقيل بما تبصرون هو ما أظهره الله من مكنون غيبه لملائكته واللوح والقلم وجميع خلقه وما لا تبصرون هو ما استأثر الله بنعمه فلم يطلع عليه أحدا من خلقه، ثم ذكر المقسم عليه فقال تعالى إِنَّهُ يعني للقرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ يعني تلاوة رسول كريم وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل: الرسول هو جبريل عليه السلام فعلى هذا يكون المعنى إنه لرسالة رسول كريم والقول الأول أصح لأنهم لم يصفوا جبريل بالشعر والكهانة وإنما وصفوا بهما محمدا صلّى الله عليه وسلّم.
فإن قلت قد توجه هنا سؤال وهو أن جمهور الأمة وهم أهل السنة مجمعون على أن القرآن كلام الله فكيف يصح إضافته إلى الرسول.
قلت أما إضافته إلى الله تعالى فلأنه هو المتكلم به وأما إضافته إلى الرسول فلأنه هو المبلغ عن الله تعالى ما أوحى إليه ولهذا أكده بقوله تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ليزول هذا الإشكال. قال ابن قتيبة لم يرد أنه قول الرسول وإنما أراد أنه قول الرسول المبلغ عن الله تعالى. وفي الرسول ما يدل على ذلك فاكتفى به عن أن يقول عن الله تعالى وقوله تعالى: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ يعني أن هذا القرآن ليس بقول رجل شاعر ولا هو من ضروب الشعر ولا تركيبه قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ أراد بالقليل عدم إيمانهم أصلا. والمعنى أنكم لا تصدقون بأن القرآن من عند الله تعالى: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ أي وليس هو بقول رجل كاهن ولا هو من جنس الكهانة قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ يعني لا تتذكرون البتة تَنْزِيلٌ أي هو تنزيل يعني القرآن، مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وذلك أنه لما قال إنه لقول رسول كريم أتبعه بقوله تنزيل من رب العالمين ليزول هذا الإشكال.
قوله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا أي اختلق علينا محمد بَعْضَ الْأَقاوِيلِ يعني أتى بشيء من عند نفسه لم نقله نحن ولم نوجه إليه لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ أي لأخذناه بالقوة والقدرة وانتقمنا منه باليمين أي بالحق. قال
وقوله ﴿ بما تبصرون وما لا تبصرون ﴾ يعني بما ترون وتشاهدون وبما لا ترون وما لا تشاهدون أقسم بالأشياء كلها فيدخل فيه جميع المكونات والموجودات، وقيل أقسم بالدنيا والآخرة. وقيل بما تبصرون يعني على ظهر الأرض وما لا تبصرون أي ما في بطنها. وقيل بما تبصرون يعني الأجسام وما لا تبصرون يعني الأرواح. وقيل بما تبصرون يعني الإنس وما لا تبصرون يعني الملائكة والجن. وقيل بما تبصرون من النعم الظاهرة وما لا تبصرون من النعم الباطنة. وقيل بما تبصرون هو ما أظهره الله من مكنون غيبه لملائكته واللوح والقلم وجميع خلقه وما لا تبصرون هو ما استأثر الله بنعمه فلم يطلع عليه أحداً من خلقه.
وقوله ﴿ بما تبصرون وما لا تبصرون ﴾ يعني بما ترون وتشاهدون وبما لا ترون وما لا تشاهدون أقسم بالأشياء كلها فيدخل فيه جميع المكونات والموجودات، وقيل أقسم بالدنيا والآخرة. وقيل بما تبصرون يعني على ظهر الأرض وما لا تبصرون أي ما في بطنها. وقيل بما تبصرون يعني الأجسام وما لا تبصرون يعني الأرواح. وقيل بما تبصرون يعني الإنس وما لا تبصرون يعني الملائكة والجن. وقيل بما تبصرون من النعم الظاهرة وما لا تبصرون من النعم الباطنة. وقيل بما تبصرون هو ما أظهره الله من مكنون غيبه لملائكته واللوح والقلم وجميع خلقه وما لا تبصرون هو ما استأثر الله بنعمه فلم يطلع عليه أحداً من خلقه.
فإن قلت قد توجه هنا سؤال وهو أن جمهور الأمة وهم أهل السنة مجمعون على أن القرآن كلام الله فكيف يصح إضافته إلى الرسول.
قلت أما إضافته إلى الله تعالى فلأنه هو المتكلم به وأما إضافته إلى الرسول فلأنه هو المبلغ عن الله تعالى ما أوحي إليه ولهذا أكده بقوله ﴿ تنزيل من رب العالمين ﴾ ليزول هذا الإشكال. قال ابن قتيبة لم يرد أنه قول الرسول وإنما أراد أنه قول الرسول المبلغ عن الله تعالى. وفي الرسول ما يدل على ذلك فاكتفى به عن أن يقول عن الله تعالى.
إذا ما راية رفعت لمجد | تلقاها عرابة باليمين |
إذا ما راية رفعت لمجد | تلقاها عرابة باليمين |
[سورة الحاقة (٦٩): الآيات ٤٦ الى ٥٢]
ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)
ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ قال ابن عباس يعني نياط القلب، وقيل هو حبل الظهر. وقيل هو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب فإذا انقطع مات صاحبه. وقيل هو عرق يتصل من القلب بالرأس، قال ابن قتيبة لم يرد أنا نقطعه بعينه بل المراد منه أنه لو كذب علينا لأمتناه فكان كمن قطع وتينه والمعنى أنه لو كذب علينا وتقول علينا قولا لم نقله لمنعناه من ذلك إما بواسطة إقامة الحجة عليه بأن نقيض له من يعارضه ويظهر للناس كذبه فيكون ذلك إبطالا لدعواه، وإما أن نسلب عنه قوة التكلم بذلك القول الكذب حتى لا يشتبه الصادق بالكاذب، وإما أن نميته، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ أي مانعين يحجزوننا عن عقوبته والمعنى أن محمدا لا يتكلم الكذب علينا لأجلكم مع علمه أنه لو تكلمه لعاقبناه ولا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه وإنما قال حاجزين بلفظ الجمع وهو وصف أحد ردا على معناه وَإِنَّهُ يعني القرآن وذلك أنه لما وصفه بأنه تنزيل من رب العالمين بواسطة جبريل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين ما هو فقال تعالى: لَتَذْكِرَةٌ أي لعظة لِلْمُتَّقِينَ أي لمن اتقى عقاب الله وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ فيه وعيد لمن كذب بالقرآن وَإِنَّهُ يعني القرآن لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ يعني يوم القيامة والمعنى أنهم يندمون على ترك الإيمان به لما يرون من ثواب من آمن به وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ معناه أنه حق معين لا بطلان فيه ويقين لا شك ولا ريب فيه فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أي نزه ربك العظيم واشكره على أن جعلك أهلا لإيحائه إليك، والله سبحانه وتعالى أعلم.