تفسير سورة سورة المطففين من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس
المعروف بـتفسير ابن عباس
.
لمؤلفه
الفيروزآبادي
.
المتوفي سنة 817 هـ
ﰡ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَيْلٌ﴾ شدَّة الْعَذَاب ﴿لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن وهم أهل الْمَدِينَة كَانُوا مسيئين بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم فَنزلت على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسيره بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة هَذِه السُّورَة ويل شدَّة الْعَذَاب لِلْمُطَفِّفِينَ المسيئين بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن
ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ ﴿الَّذين إِذَا اكتالوا عَلَى النَّاس﴾ إِذا اشْتَروا من النَّاس وكالوا لأَنْفُسِهِمْ أَو وزنوا لأَنْفُسِهِمْ ﴿يَسْتَوْفُونَ﴾ يتمون الْكَيْل وَالْوَزْن جدا
﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ﴾ كالوا لغَيرهم ﴿أَوْ وَّزَنُوهُمْ﴾ أَو وزنوا لغَيرهم ﴿يُخْسِرُونَ﴾ ينقصُونَ فِي الْكَيْل وَالْوَزْن ويسيئون جدا وَيُقَال ويل شدَّة الْعَذَاب يَوْمئِذٍ لِلْمُطَفِّفِينَ من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَغير ذَلِك من الْعِبَادَات
﴿أَلا يَظُنُّ﴾ أَلا يعلم ويستيقن ﴿أُولَئِكَ﴾ المطففون بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن ﴿أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ﴾ محيون
﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ شَدِيد هوله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة
﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاس﴾ من الْقُبُور ﴿لِرَبِّ الْعَالمين﴾ رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض وَمن أهل السَّمَاء فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه السُّورَة تَابُوا وَرَجَعُوا إِلَى وَفَاء الْكَيْل وَالْوَزْن
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّ كِتَابَ الْفجار﴾ أَعمال الْكفَّار ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾
﴿وَمَا أَدْرَاك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَا سِجِّين﴾ مافى السجين تَعْظِيمًا لَهَا
﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ يَقُول أَعمال بني آدم مَكْتُوب فِي صَخْرَة خضراء تَحت الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى وهى سِجِّين
﴿وَيْلٌ﴾ شدَّة الْعَذَاب ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بالايمان والبعث
﴿الَّذين يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدّين﴾ بِيَوْم الْحساب وَالْقَضَاء فِيهِ
﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ﴾ بِيَوْم الدّين ﴿إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ﴾ عَن الْحق غشوم ظلوم ﴿أَثِيمٍ﴾ فَاجر مثل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي
﴿إِذَا تتلى﴾ تقْرَأ ﴿عَلَيْهِ﴾ على الْوَلِيد بن الْمُغيرَة ﴿آيَاتُنَا﴾ الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين﴾ هَذِه أَحَادِيث الْأَوَّلين فِي دهرهم وكذبهم
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا يَا مُحَمَّد ﴿بَلْ رَانَ﴾ بل طبع الله ﴿على قُلُوبِهِمْ﴾ على قُلُوب المكذبين بِيَوْم الدّين وَيُقَال الذَّنب على الذَّنب حَتَّى يسود الْقلب وَهُوَ رين الْقلب ﴿مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَ ويعملون فِي الشّرك
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا يَا مُحَمَّد
﴿إِنَّهُمْ﴾ يَعْنِي المكذبين بِيَوْم الدّين
504
﴿عَن رَّبِّهِمْ﴾ عَن النّظر إِلَى رَبهم
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة
﴿لَّمَحْجُوبُونَ﴾ لممنوعون والمؤمنون لَا يحجبون عَن النّظر إِلَى رَبهم
505
﴿ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيم﴾ لداخلو النَّار
﴿ثُمَّ يُقَالُ﴾ يَقُول لَهُم الزَّبَانِيَة إِذا دخلُوا فِيهَا ﴿هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ﴾ هَذَا الْعَذَاب هُوَ الَّذِي كُنْتُم بِهِ فِي الدُّنْيَا ﴿تكذبون﴾ أَنه لَا يكون
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَار﴾ أَعمال الصَّادِقين فِي إِيمَانهم ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾
﴿وَمَآ أَدْرَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَا عِلِّيُّونَ﴾ مَا فِي عليين
﴿كتاب مرقوم﴾ يَقُول أَعمال الأبرارمكتوبة فِي لوح من زبرجدة خضراء فَوق السَّمَاء السَّابِعَة تَحت عرش الرَّحْمَن وَهُوَ عليون
﴿يَشْهَدُهُ المقربون﴾ مقربو أهل كل سَمَاء أَعمال الْأَبْرَار
﴿إِنَّ الْأَبْرَار﴾ الصَّادِقين فِي إِيمَانهم وهم الَّذين لَا يُؤْذونَ الذَّر ﴿لَفِي نَعِيمٍ﴾ فِي جنَّة دَائِم نعيمها
﴿عَلَى الأرآئك﴾ على السرر فِي الحجال ﴿يَنظُرُونَ﴾ إِلَى أهل النَّار
﴿تَعْرِفُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿فِي وُجُوهِهِمْ﴾ وُجُوه أهل الْجنَّة ﴿نَضْرَةَ النَّعيم﴾ حسن النَّعيم
﴿يُسْقَوْنَ﴾ فِي الْجنَّة ﴿مِن رَّحِيقٍ﴾ من خمر ﴿مختوم﴾ ممزوج
﴿خِتَامُهُ﴾ عاقبته ﴿مِسْكٌ وَفِي ذَلِك﴾ فِيمَا ذكرت فِي الْجنَّة ﴿فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافسُونَ﴾ فليعمل الْعَامِلُونَ وليجتهد المجتهدون وليبادر المبادرون وليباذل المباذلون
﴿وَمِزَاجُهُ﴾ خلطه ﴿مِن تَسْنِيمٍ﴾
﴿عَيْناً﴾ يصب عَلَيْهِم من جنَّة عدن ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ مِنْهَا من عين التسنيم ﴿المقربون﴾ إِلَى جنَّة عدن صرفا بِلَا خلط
﴿إِنَّ الَّذين أَجْرَمُواْ﴾ أشركوا أَبُو جهل وَأَصْحَابه ﴿كَانُواْ مِنَ الَّذين آمَنُواْ﴾ على الَّذين آمنُوا على وَأَصْحَابه ﴿يَضْحَكُونَ﴾ يهزءون ويسخرون
﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ﴾ بالكفار يأْتونَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿يتغامزون﴾ يطعنون
﴿وَإِذَا انقلبوا﴾ وَإِذا رَجَعَ الْكفَّار ﴿إِلَى أَهْلِهِمْ انقلبوا﴾ رجعُوا ﴿فَكِهِينَ﴾ معجبين بشركهم واستهزائهم على الْمُؤمنِينَ
﴿وَإِذا رَأَوْهُمْ﴾ رَأَوْا أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي الْكفَّار ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿لَضَالُّونَ﴾ عَن الْهدى
﴿وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ﴾ مَا سلطوا على الْمُؤمنِينَ ﴿حافظين﴾ لَهُم ولأعمالهم
﴿فاليوم﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ عَليّ وَأَصْحَابه ﴿مِنَ الْكفَّار﴾ على الْكفَّار ﴿يَضْحَكُونَ﴾
﴿عَلَى الأرآئك﴾ على السرر فِي الحجال ﴿يَنظُرُونَ﴾ إِلَى أهل النَّار يسْحَبُونَ فِي النَّار
﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكفَّار﴾ هَل جوزي الْكفَّار فِي الْآخِرَة ﴿مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ إِلَّا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَيَقُولُونَ فى الدُّنْيَا
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانشقاق وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وتسع وحروفها سَبْعمِائة وَثَلَاثُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾