تفسير سورة البلد

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة البلد من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة البلد
مكية عند جميعهم
بسم الله الرحمان الرحيم

﴿لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين﴾ قوله تعالى ﴿لا أُقْسِمُ بهذا البَلَد﴾ ومعناه على أصح الوجوه: أُقْسِم بهذا البلد، وفي (البلد) قولان: أحدهما: مكة، قاله ابن عباس. الثاني: الحرم كله، قاله مجاهد. ﴿وأنتَ حلٌّ بهذا البَلَدِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: حل لك ما صنعته في هذا البلد من قتال أو غيره، قاله ابن عباس ومجاهد. الثاني: أنت مُحِل في هذا البد غير مُحْرِم في دخولك عام الفتح، قاله الحسن وعطاء. الثالث: أن يستحل المشركون فيه حرمتك وحرمة من اتبعك توبيخاً للمشركين. ويحتمل رابعاً: وأنت حالٌّ أي نازل في هذا البلد، لأنها نزلت عليه وهو بمكة
274
لم يفرض عليه الإحرام ولم يؤْذن له في القتال، وكانت حرمة مكة فيها أعظم، والقسم بها أفخم. ﴿ووالدٍ وما وَلَدَ﴾ فيه أربعة أوجه. أحدها: آدم وما ولد، قاله مجاهد وقتادة والحسن والضحاك. الثاني: أن الوالد إبراهيم وما ولد، قاله أبو عمران الجوني. الثالث: أن الوالد هو الذي يلد، وما ولد هو العاقر الذي لا يلد، قاله ابن عباس. الرابع: أن الوالد العاقر، وما ولد التي تلد، قاله عكرمة. ويحتمل خامساً: أن الوالد النبي ﷺ، لتقدم ذكره، وما ولد أُمتّه، لقوله عليه السلام إنما أنا لكم مثل الوالد أعلّمكم، فأقسم به وبأمّته بعد أن أقسم ببلده مبالغة في تشريفه. ﴿لقد خَلقنا الإنسانَ في كَبَدٍ﴾ إلى هاهنا انتهى القسم وهذا جوابه. وفي قوله (في كَبَد) سبعة أقاويل: أحدها: في انتصاب في بطن أُمّه وبعد ولادته، خص الإنسان بذلك تشريفاً، ولم يخلق غيره من الحيوان منتصباً، قاله ابن عباس وعكرمة.
275
الثاني: في اعتدال، لما بيّنه بعد من قوله ﴿ألم نَجْعَلْ له عَيْنَين﴾ الآيات، حكاه ابن شجرة. الثالث: يعني من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، يتكبد في الخلق مأخوذ من تكبد الدم وهو غلظه، ومنه أخذ أسم الكبد لأنه دم قد غلظ، وهو معنى قول مجاهد. الرابع: في شدة لأنها حملته كرهاً ووضعته كرهاً، مأخوذ من المكابدة، ومنه قول لبيد:
(يا عين هلاّ بكيْتِ أَرْبَدَ إذ قُمْنا وقامَ الخصومُ في كَبَدِ.)
رواه ابن أبي نجيح. الخامس: لأنه يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة، قاله الحسن. السادس: لأنه خلق آدم في كبد السماء، قاله ابن زيد. السابع: لأنه يكابد الشكر على السّراء والصبر على الضّراء، لأنه لا يخلو من أحدهما، رواه ابن عمر. ويحتمل ثامناً: يريد به أنه ذو نفور وحميّة، مأخوذ من قولهم لفلان كبَد، إذا كان شديد النفور والحمية. وفيمن اريد بالإنسان ها هنا قولان: أحدهما: جميع الناس. الثاني: الكافر يكابد شبهات. ﴿أيَحْسَب أنْ لَنْ يَقْدِر عليه أحَدٌ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أيحسب الإنسان أن لن يقدر عليه الله أن يبعثه بعد الموت، قاله السدي. الثاني: أيحسب الإنسان أن لن يقدر عليه أحد بأخذ ماله، قاله الحسن. الثالث: أيحسب أن لن يذله أحد، لأن القدرة عليه ذل له. ﴿يقولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً﴾ فيه وجهان:
276
أحدهما: يعني كثيراً. الثاني: مجتمعاً بعضه على بعض، ومنه سمي اللّبْد لاجتماعه وتلبيد بعضه على بعض. ويحتمل ثالثاً: يعني مالاً قديماً، لاشتقاقه من الأبد، أو للمبالغة في قدمه من عهد لَبِد، لأن العرب تضرب المثل في القدم بلبد، وذكر قدمه لطول بقائه وشدة ضَنِّه به. وقيل إن هذا القائل أبو الشد الجمحي، أنفق مالا كثيراً في عداوة رسول الله ﷺ والصد عن سبيل الله، وقيل بل هو النضر بن الحارث. وهذا القول يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون استطالة بما أنفق فيكون طغياناً منه. الثاني: أن يكون أسفاً عليه، فيكون ندماً منه. ﴿أيحْسَبُ أن لم يَرَهُ أَحَدٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن لم يره الله، قاله مجاهد. الثاني: أن لم يره أحد من الناس فيما أنفقه، قاله ابن شجرة. ويحتمل وجهاً ثالثاً: أيحسب أن لم يظهر ما فعله أن لا يؤاخذ به، على وجه التهديد، كما يقول الإنسان لمن ينكر عليه فعله، قد رأيت ما صنعت، تهديداً له فيكون الكلام على هذا الوجه وعيداً، وعلى ما تقدم تكذيباً. ﴿وهَدَيْناه النَّجْدَيْنِ﴾ فيهما أربعة تأويلات: أحدها: سبيل الخير والشر، قاله علي رضي الله عنه والحسن. الثاني: سبيل الهدى والضلالة، قاله ابن عباس. الثالث: سبيل الشقاء والسعادة، قاله مجاهد. الرابع: الثديين ليتغذى بهما، قاله قتادة والربيع بن خثيم.
277
قال قطرب: والنجد هو الطريق المرتفع، فأرض نجد هي المرتفعة، وأرض تهامة هي المنخفضة. ويحتمل على هذا الاشتقاق خامساً: أنهما الجنة والنار، لارتفاعهما عن الأرض.
278
﴿ وأنتَ حلٌّ بهذا البَلَدِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : حل لك ما صنعته في هذا البلد من قتال أو غيره، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : أنت مُحِل في هذا البلد غير مُحْرِم في دخولك عام الفتح، قاله الحسن وعطاء.
الثالث : أن يستحل المشركون فيه حرمتك وحرمة من اتبعك توبيخاً للمشركين. ويحتمل رابعاً : وأنت حالٌّ أي نازل في هذا البلد، لأنها نزلت عليه وهو بمكة لم يفرض عليه الإحرام ولم يؤْذن له في القتال، وكانت حرمة مكة فيها أعظم، والقسم بها أفخم.
﴿ ووالدٍ وما وَلَدَ ﴾ فيه أربعة أوجه.
أحدها : آدم وما ولد، قاله مجاهد وقتادة والحسن والضحاك.
الثاني : أن الوالد إبراهيم وما ولد، قاله أبو عمران الجوني.
الثالث : أن الوالد هو الذي يلد، وما ولد هو العاقر الذي لا١ يلد، قاله ابن عباس.
الرابع : أن الوالد العاقر٢، وما ولد التي تلد، قاله عكرمة.
ويحتمل خامساً : أن الوالد النبي صلى الله عليه وسلم، لتقدم ذكره، وما ولد أُمتّه، لقوله عليه السلام : إنما أنا لكم مثل الوالد أعلّمكم، فأقسم به وبأمّته بعد أن أقسم ببلده مبالغة في تشريفه.
١ هذا على أن "ما" نافية، وذلك غير جائز عند البصريين..
٢ هذا الوجه بعيد، فكيف يفسر الوالد بالعاقر وهو عكسه؟ والذي يترجح لدى هو الوجه الأول وأرجح منه أن يكون ذلك عاما في كل والد وولد فيشمل النوع الإنساني وبهذا قال عطية العوفي..
﴿ لقد خَلقنا الإنسانَ في كَبَدٍ ﴾ إلى هاهنا انتهى القسم وهذا جوابه. وفي قوله " في كَبَد " سبعة أقاويل :
أحدها : في انتصاب في بطن أُمّه وبعد ولادته، خص الإنسان بذلك تشريفاً، ولم يخلق غيره من الحيوان منتصباً، قاله ابن عباس وعكرمة.
الثاني : في اعتدال، لما بيّنه بعد من قوله ﴿ ألم نَجْعَلْ له عَيْنَين ﴾ الآيات، حكاه ابن شجرة.
الثالث : يعني من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، يتكبد في الخلق مأخوذ من تكبد الدم وهو غلظه، ومنه أخذ اسم الكبد لأنه دم قد غلظ، وهو معنى قول مجاهد.
الرابع : في شدة لأنها حملته كرهاً ووضعته كرهاً، مأخوذ من المكابدة، ومنه قول لبيد :
يا عين هلاّ بكيْتِ أَرْبَدَ إذ قُمْنا وقامَ الخصومُ في كَبَدِ.
رواه ابن أبي نجيح.
الخامس : لأنه يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة، قاله الحسن.
السادس : لأنه خلق آدم في كبد السماء، قاله ابن زيد.
السابع : لأنه يكابد الشكر على السّراء والصبر على الضّراء، لأنه لا يخلو من أحدهما، رواه ابن عمر.
ويحتمل ثامناً : يريد به أنه ذو نفور وحميّة، مأخوذ من قولهم لفلان كبَد، إذا كان شديد النفور والحمية.
وفيمن أريد بالإنسان ها هنا قولان :
أحدهما : جميع الناس.
الثاني : الكافر يكابد شبهات.
﴿ أيَحْسَب١ أنْ لَنْ يَقْدِر عليه أحَدٌ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أيحسب الإنسان أن لن يقدر عليه الله أن يبعثه بعد الموت، قاله السدي.
الثاني : أيحسب الإنسان أن لن يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه قاله قتادة.
الثالث : أيحسب أن لن يقدر عليه أحد بأخذ ماله، قاله الحسن.
ويحتمل رابعا : أيحسب أن لن يذله أحد، لأن القدرة عليه ذل له.
١ في ك: أيحسب الإنسان، وهو خطأ.
﴿ يقولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني كثيراً.
الثاني : مجتمعاً بعضه على بعض، ومنه سمي اللّبْد لاجتماعه وتلبيد بعضه على بعض.
ويحتمل ثالثاً : يعني مالاً قديماً، لاشتقاقه من الأبد، أو للمبالغة في قدمه من عهد لَبِد١، لأن العرب تضرب المثل في القدم بلبد، وذكر قدمه٢ لطول بقائه وشدة ضَنِّه به.
وقيل إن هذا القائل أبو الشد الجمحي، أنفق مالا كثيراً في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصد عن سبيل الله، وقيل بل هو٣ النضر بن الحارث.
وهذا القول يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون استطالة بما أنفق فيكون طغياناً منه.
الثاني : أن يكون أسفاً عليه، فيكون ندماً منه.
١ لبد: اسم نسر عمر طويلا، يقول النابغة الذبياني:
أمست خلاء وأمسي أهلها احتملوا أخنى عليها الذي أخني على بلد.

٢ الضمير يعود على المال الذي أهلكه..
٣ وقيل: الحارث بن عامر بن نوفل، قال مقاتل: إن الحارث أذنب فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يكفر، فقال: لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد..
﴿ أيحْسَبُ أن لم يَرَهُ أَحَدٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن لم يره الله، قاله مجاهد.
الثاني : أن لم يره أحد من الناس فيما أنفقه، قاله ابن شجرة.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أيحسب أن لم يظهر ما فعله أن لا يؤاخذ به، على وجه التهديد، كما يقول الإنسان لمن ينكر عليه فعله، قد رأيت ما صنعت، تهديداً له فيكون الكلام على هذا الوجه وعيداً، وعلى ما تقدم تكذيباً.
﴿ وهَدَيْناه النَّجْدَيْنِ ﴾ فيهما أربعة تأويلات :
أحدها : سبيل الخير والشر، قاله علي رضي الله عنه والحسن.
الثاني : سبيل الهدى والضلالة، قاله ابن عباس.
الثالث : سبيل الشقاء والسعادة، قاله مجاهد.
الرابع : الثديين ليتغذى بهما، قاله قتادة والربيع بن خثيم.
قال قطرب : والنجد هو الطريق المرتفع، فأرض نجد هي المرتفعة، وأرض تهامة هي المنخفضة.
ويحتمل على هذا الاشتقاق خامساً : أنهما الجنة والنار، لارتفاعهما عن الأرض.
﴿فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة﴾ ﴿فلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ﴾ فيها خمسة أقاويل: أحدها: أنها طريق النجاة، قاله ابن زيد. الثاني: أنها جبل في جهنم، قاله ابن عمر. الثالث: أنها نار دون الحشر، قاله قتادة. الرابع: أنها الصراط يضرب على جهنم كحد السيف، قاله الضحاك، قال الكلبي: صعوداً وهبوطاً. الخامس: أن يحاسب نفسه وهواه وعدوّه الشيطان، قاله الحسن. قال الحسن: عقبة والله شديدة. ويحتمل سادساً: اقتحام العقبة خالصة من الغرض. وفي معنى الكلام وجهان: أحدهما: اقتحام العقبة فك رقبة، قاله الزجاج. الثاني: معناه فلم يقتحم العقبة إلا مَنْ فكَّ رقبة أو أطعم، قاله الأخفش. ثم قال: ﴿وما أدْراكَ ما العَقَبَةُ﴾ وهذا خطاب للنبي ﷺ ليعلمه اقتحام العقبة. ثم بين تعالى ما تقتحم به العقبة. فقال: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ فيه وجهان:
278
أحدهما: إخلاصها من الأسر. الثاني: عتقها من الرق، وسمي المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط من رقبته، وسمي عتقاً فكها لأنه كفك الأسير من الأسر، قال حسان بن ثابت:
(كم مِن أسيرٍ فككناه بلا ثَمنٍ وجَزّ ناصية كُنّأ مَواليها)
وروى عقبة بن عامر الجهني أن النبي عليه السلام قال: من أعتق مؤمنة فهي فداؤه من النار. ويحتمل ثالثاً: أنه أرد فك رقبته وخلاص نفسه باجتناب المعاصي وفعل الطاعات، لا يمنع الخبر من هذا التأويل، وهو أشبه الصواب. ثم قال تعالى: ﴿أو إطعامٌ في يومٍ ذي مَسْغَبَةٍ﴾ أي مجاعة، لقحط أو غلاء. ﴿يتيماً ذا مَقْرَبةٍ﴾ ويحتمل أن يريد ذا جوار. ﴿أو مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ﴾ فيه سبعة أوجه: أحدها: أن ذا المتربة هو المطروح على الطريق لا بيت له، قاله ابن عباس، الثاني: هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره، قاله مجاهد. الثالث: أنه ذو العيال، قاله قتادة. الرابع: أنه المديون، قاله عكرمة. الخامس: أنه ذو زمانة، قاله أبو سنان. السادس: أنه الذي ليس له أحد، قاله ابن جبير. السابع: أن ذا المتربة: البعيد التربة، يعني الغريب البعيد عن وطنه، رواه عكرمة عن ابن عباس. ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الذين آمَنوا وَتَوَاصَوْا بالصَّبْر﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: بالصبر على طاعة الله، قاله الحسن. الثاني: بالصبر على ما افترض الله عليه، قاله هشام بن حسان. الثالث: بالصبر على ما أصابهم، قاله سفيان.
279
ويحتمل رابعاً: بالصبر على الدنيا وعن شهواتها. ﴿وتَواصَوْا بالمَرْحَمَةِ﴾ أي بالتراحم فيما بينهم، فرحموا الناس كلهم ويحتمل ثانياً: وتواصوا بالآخرة لأنها دار الرحمة، فيتواصوا بترك الدنيا وطلب الآخرة. ﴿أولئك أصحابُ المَيْمَنَةِ﴾ يعني الجنة، وفي تسميتهم أصحاب الميمنة أربعة أوجه: أحدها: لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم. الثاني: لأنهم أوتوا كتابهم بأيمانهم، قاله محمد بن كعب. الثالث: لأنهم ميامين على أنفسهم، قاله يحيى بن سلام. الرابع: لأنه منزلهم على اليمين، قاله ميمون. ﴿والّذِين كَفَروا بآياتِنا﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالقرآن، قاله ابن جبير. الثاني: هي جميع دلائل الله وحُججه، قاله ابن كامل. ﴿هُمْ أصحابُ المشْأَمةٍ﴾ يعني جهنم، وفي تسميتهم بذلك أربعة أوجه: أحدها: لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيسر، قاله زيد بن أسلم. الثاني: لأنهم أُوتوا كتابهم بشمالهم، قاله محمد بن كعب. الثالث: لأنهم مشائيم على أنفسهم، قاله يحيى بن سلام. الرابع: لأن منزلهم عن اليسار، وهو مقتضى قول ميمون. ﴿عليهم نارٌ مُّؤصَدَةٌ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: المؤصدة المطبقة، قاله ابن عباس وأبو هريرة وقتادة. الثاني: مسدودة، قاله مجاهد. الثالث: لها حائط لا باب له، قاله الضحاك.
280
سورة الشمس
مكية عند جميعهم بسم الله الرحمن الرحيم
281
ثم قال :﴿ وما أدْراكَ ما العَقَبَةُ ﴾ وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه اقتحام العقبة.
ثم بين تعالى ما تقتحم به العقبة.
فقال :﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إخلاصها من الأسر.
الثاني : عتقها من الرق، وسمي المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط من رقبته، وسمي عتقاً فكها لأنه كفك الأسير من الأسر، قال حسان بن ثابت :
كم مِن أسيرٍ فككناه بلا ثَمنٍ وجَزّ ناصية كُنّا مَواليها
وروى عقبة بن عامر الجهني أن النبي عليه السلام قال : من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار.
ويحتمل ثالثاً : أنه أراد فك رقبته وخلاص نفسه باجتناب المعاصي وفعل الطاعات، لا يمنع الخبر من هذا التأويل، وهو أشبه بالصواب.
قال تعالى :﴿ أو إطعامٌ في يومٍ ذي مَسْغَبَةٍ ﴾ أي مجاعة، لقحط أو غلاء.
﴿ يتيماً ذا مَقْرَبةٍ ﴾ ويحتمل أن يريد ذا جوار.
﴿ أو مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ﴾ فيه سبعة أوجه :
أحدها : أن ذا المتربة هو المطروح على الطريق لا بيت له، قاله ابن عباس، الثاني : هو الذي لا يقيه من التراب١ لباس ولا غيره، قاله مجاهد.
الثالث : أنه ذو العيال، قاله قتادة.
الرابع : أنه المديون، قاله عكرمة.
الخامس : أنه ذو ٢زمانة، قاله أبو سنان.
السادس : أنه الذي ليس له أحد، قاله ابن جبير.
السابع : أن ذا المتربة : البعيد التربة، يعني الغريب البعيد عن وطنه، رواه عكرمة عن ابن عباس.
١ في ك: الشراب، وهو تحريف.
٢ الزمانة: العاهة، تعطل القوة، يقال رجل زمن وجمعه زمني..
﴿ ثُمَّ كانَ مِنَ الذين آمَنوا وَتَوَاصَوْا بالصَّبْر ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بالصبر على طاعة الله، قاله الحسن.
الثاني : بالصبر على ما افترض الله عليه، قاله هشام بن حسان.
الثالث : بالصبر على ما أصابهم، قاله سفيان.
ويحتمل رابعاً : بالصبر على الدنيا وعن شهواتها.
﴿ وتَواصَوْا بالمَرْحَمَةِ ﴾ أي بالتراحم فيما بينهم، فرحموا الناس كلهم.
ويحتمل ثانياً : وتواصوا بالآخرة لأنها دار الرحمة، فيتواصوا بترك الدنيا وطلب الآخرة.
﴿ أولئك أصحابُ المَيْمَنَةِ ﴾ يعني الجنة، وفي تسميتهم أصحاب الميمنة أربعة أوجه :
أحدها : لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم.
الثاني : لأنهم أوتوا كتابهم بأيمانهم، قاله محمد بن كعب.
الثالث : لأنهم ميامين على أنفسهم، قاله يحيى بن سلام.
الرابع : لأنه منزلهم عن اليمين، قاله ميمون١.
١ هو ميمون بن مهران..
﴿ والّذِين كَفَروا بآياتِنا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بالقرآن، قاله ابن جبير.
الثاني : هي جميع دلائل الله وحُججه، قاله ابن كامل.
﴿ هُمْ أصحابُ المشْأَمةٍ ﴾ يعني جهنم، وفي تسميتهم بذلك أربعة أوجه :
أحدها : لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيسر، قاله زيد بن أسلم.
الثاني : لأنهم أُوتوا كتابهم بشمالهم، قاله محمد بن كعب.
الثالث : لأنهم مشائيم على أنفسهم، قاله يحيى بن سلام.
الرابع : لأن منزلهم عن اليسار، وهو مقتضى قول ميمون.
﴿ عليهم نارٌ١ مُّؤصَدَةٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : المؤصدة المطبقة، قاله ابن عباس وأبو هريرة وقتادة.
الثاني : مسدودة، قاله مجاهد.
الثالث : لها حائط لا باب له، قاله الضحاك.
١ وقرئ موصدة بدون همزة وهما بمعنى واحد يقال: أوصدت الباب وآصدته بمعنى أغلقته..
Icon