ﰡ
شرح الكلمات:
سأل سائل: أي دعا داع بعذاب واقع.
ليس له دافع من الله: أي فهو واقع لا محالة.
ذي المعارج: أي ذي العلو والدرجات ومصاعد الملائكة وهي السموات.
تعرج الملائكة والروح إليه: أي تصعد الملائكة وجبريل إلى الله تعالى.
في يوم كان مقداره خمسين: أي تصعد الملائكة وجبريل من منتهى أمره من أسفل الأرض
ألف سنة السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف
سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق.
إنهم يرونه بعيداً: أي العذاب الذي يطالبون به لتكذيبهم وكفرهم بالبعث.
يوم تكون السماء كالمهل: أي كذائب النحاس.
وتكون الجبال كالعهن: أي كالصوف المصبوغ ألوانا في الخفة والطيران بالريح.
ولا يسأل حميم حميما: أي قريب قريبه لانشغال كل بحاله.
يبصرونهم: أي يبصر الأحماء بعضهم بعضا ويتعافون ولا يتكلمون.
وصاحبته: أي زوجته.
وفصيلته التي تؤويه: أي عشيرته التي تضمه إليها نسباً وتحميه من الأذى عند الشدة.
إنها لظى نزاعة للشوى١: أي إن جهنم هي لظى نزاعة للشوى جمع شواة جلدة الرأس.
أدبر وتولى: أي عن طاعة الله ورسوله وتولى عن الإيمان فأنكره وتجاهله.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿سَأَلَ١ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ هذه الآيات نزلت رداً على دعاء النضر بن الحارث ومن وافقه اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم فأخبر تعالى عنه بقوله ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ٢ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللهِ﴾ أي إنه واقع لا محالة إذ ليس له دافع من الله ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ أي صاحب العلو والدرجات ومصاعد الملائكة وهي السموات وقوله تعالى ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ أي ٣تصعد الملائكة وجبريا إليه تعالى ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ أي يصعدون من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق ﴿فَاصْبِرْ٤ صَبْراً جَمِيلاً٥﴾ وقوله تعالى ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾ يعني أن المشركين المكذبين يرون العذاب بعيدا لتكذيبهم بالبعث الأخر. ونحن نراه قريبا ويبين تعالى وقت مجيئه فقال ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ أي تذوب فتصير كذائب النحاس ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ أي الصوف المصبوغ خفة وطيرانا بالريح وهذا هو الانقلاب الكوني حيث فني كل شيء ثم يعيد الله الخلق فإذا الناس في عرصات القيامة واقفون حفاة عراة ﴿لا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾ لانشغال كل بنفسه كما قال تعالى ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ عن السؤال عن غيره أو عن سؤال غيره وقوله تعالى ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ أي عدم سؤال بعضهم بعضا ليس ناتجا عن عدم معرفتهم لبعضهم بعضا٦ لا بل يبصرهم ربهم بهم فيعرف كل قريب قريبه ولكن اشتغاله بنفسه يحول دون سؤال غيره، ويشرح هذا المعنى قوله تعالى يود المجرم أي ذو الإجرام على نفسه بالشرك والمعاصي لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أي أولاده الذكور ففضلا عن الإناث وصاحبته أي زوجته وأخيه وفصيلته التي تؤويه بأن تضمه إلى نسبها والفصيلة العشيرة انفصلت
٢ وإن كانت الباء في بعذاب بمعنى عم فيكون السائل سأل عن العذاب لمن يقع أو متى يقع كقوله تعالى ﴿فاسأل به خبيراً﴾ أي عنه خبيراً وكقول الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإنني
بصير بأدواء النساء طبيب
ومن بلاغة القرآن تعدية سأل بالباء ليكون صالحاً للاستفهام والدعاء والاستعجال.
٣ هذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة.
٤ الفاء للتفريع إذ سبق أن السائل بالعذاب كان مستهزئاً مستخفاً فلذا أمر الله رسوله بالصبر الجميل على ما يقوله المشركون.
٥ الجملة تعليلية لكل من جملة سأل سائل بعذاب وللأمر بالصبر.
٦ قرأ نافع يومئذ بفتح يومئذ وقرأ الجمهور بكسرها بإضافة عذاب إليها.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- حرمة سؤال العذاب فإن عذاب الله لا يطاق ولكن تسأل الرحمة والعافية.
٢-وجوب الصبر على الطاعة وعلى البلاء فلا تسخط ولا تجزع.
٣-تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٤-عظم هول الموقف يوم القيامة وصعوبة الحال.
٥- التنديد بالمعرضين عن طاعة الله ورسوله الجامعين للأموال المشتغلين بها حتى سلبتهم الإيمان والعياذ بالله فأصبحوا يشكون في الله وآياته ولقائه.
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذَابَ
٢ ومنه الحديث "لا توعى فيوعى عليك" أي لا تمسكي عن الإنفاق فيمسك عليك.
شرح الكلمات:
إن الإنسان خلق هلوعا: أي إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا أي كثير الجزع سريعه وكثير المنع حريصا عليه.
على صلاتهم دائمون: أي لا يقطعونها أبداً ما داموا أحياء يعقلون.
حق معلوم: أي نصيب معين عينه الشارع وهو الزكاة.
للسائل والمحروم: أي الطالب الصدقة والذي لا يطلبها حياء وتعففا.
يصدقون بيوم الدين: أي يؤمنون بيوم القيامة للبعث والجزاء.
مشفقون: أي خائفون متوقعون العذاب عند المعصية.
لفروجهم حافظون: أي صائنون لها عن النظر إليها وعن الفاحشة.
أو ما ملكت أيمانهم: أي من السريات من الجواري التي يملكونها.
فأولئك هم العادون: أي المعتدون الظالمون المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
لأماناتهم: أي ما ائتمنوا عليه من أمور الدين والدنيا.
راعون: أي حافظون غير مفرطين.
قائمون: أي يقيمون شهاداتهم لا يكتمونها ولا يحرفونها.
يحافظون: أي يؤدونها في أوقاتها في جماعات مع كامل الشروط والأركان والواجبات والسنن.
معنى الآيات:
قوله تعالى إن الإنسان أي هذا الآدمي المنتصب القامة الضاحك الذي سمي بالإنسان لأنسه
١) إدامة الصلاة بالمواظبة عليها ليل نهار إذ قال تعالى ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ١ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ٢﴾ وبشرط أن تؤدى إيمانا واحتسابا وأداءً صحيحا بمراعاة شروطها وأركانها وسننها.
٢) الاعتراف بما أوجب الله في المال من حق وإعطاء ذلك الحق بطيب نفس لمن سأل ولمن لم يسأل ممن هم أهل الزكاة والصدقات لقوله ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
٣) التصديق الكامل بيوم القيامة وهو البعث والجزاء لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾.
٤) الاشفاق والخوف من عذاب الله عند عروض خاطر المعصية بترك واجب أو فعل محرم لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ أي دائما وأبداً لأن عذاب ربهم غير مأمون الوقوع.
٥) حفظ الفرج بستره عن أعين الناس ما عدا الزوج وصيانته من فاحشة الزنا واللواط وجلد عميرة أي الاستمناء باليد والمعروف اليوم بالعادة السرية لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ من السراري ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ في إتيانهم أزواجهم وجواريهم اللائي ملكوهن بالجهاد أو الشراء الشرعي وقوله تعالى ﴿فَمَنِ ابْتَغَى﴾ أي طلب ما وراء الزوجة والسرية ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ أي الظالمون الذين تجاوزا الحلال إلى الحرام فكانوا بذلك معتدين ظالمين.
٦) حفظ الأمانات والعهود ومن أبرز الأمانات وأقوى العهود ما التزم به العبد من عبادة الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله والوفاء بذلك حتى الموت زيادة على أمانات الناس والعهود لهم الكل واجب الحفظ والرعاية لقوله ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ أي حافظون.
٢ الدوام على الشيء عدم تركه وذلك في كل عمل بحسب ما يعتبر دواماً فيه.
٨) المحافظة على الصلوات الخمس مستوفاة الشروط والأركان من الخشوع إلى الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال في القيام لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ بعد أدائها وعدم قطعها بحال من الأحوال.
فهذه الوصفة الربانية متى استعملها الإنسان المؤمن تحت إشراف عالم رباني إن وجده وإلا فتطبيقها بدون إشراف ينفع بأذن الله متى اجتهد المؤمن في حسن تطبيقها برىء من ذلك المرض الخطير وأصبح أهلا إكرام الله تعالى في الدار الآخرة قال تعالى في ختام هذه الوصفة ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ٣﴾ أي أولئك المطبقون لهذه الوصفة الناجحون فيها ﴿فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ في جوار ربهم اللهم اجعلنا منهم يا غفور يا رحيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بين شر صفات الإنسان وأنها الهلع.
٢-بيان الدواء لهذا الداء داء الهلع الذي لا فلاح معه ولا نجاح.
٣-انحصار العلاج في ثماني صفات أو ثماني مركبات دوائية.
٤- وجوب العمل بما اشتملت عليه الوصفة من واجبات.
٥-حرمة ما اشتملت عليه الوصفة من محرمات.
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ
٢ القيام بالشهادة: الاهتمام بها وحفظها إلى أن تؤدى.
٣ والإكرام: التعظيم وحسن اللقاء أي هم مع جزائهم بالجنات يكرمون بحسن اللقاء والثناء. في جنات خبر أولئك ومكرمون خبر ثان.
شرح الكلمات:
قبلك مهطعين؟ : أي نحوك مديمي النظر إليك.
عزين: أي جماعات حلقا حلقا يقولون في استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلها قبلهم.
إنا خلقناهم مما يعلمون: أي من مني قذر وإنما يستوجب دخول الجنة بالطاعات المزكية للنفوس.
على أن نبدلهم خيرا منهم: أي إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتي بأناسٍ خير منهم.
وما نحن بمسبوقين: أي بعاجزين عن إيجاد ما ذكرنا من إهلاك القوم والإتيان بخير منهم.
يوم يخرجون من الأجداث: أي من القبور مسرعين إلى المحشر.
سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون: أي كأنهم في إسراعهم إلى المحشر إلى نصب أي شيء منصوب كراية أو علم يسرعون.
ترهقهم ذلة: أي تغشاهم ذلة.
ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون: أي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة.
معنى الآيات:
قوله تعالى فما للذين١ كفروا قبلك مهطعين يخبر تعالى مقبحا سلوك المشركين إزاء رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول ما للذين كفروا من كفار مكة قبلك أي جهتك حيث كنت في المسجد الحرام مهطعين أو مسرعين مديمي النظر إليك عن اليمين وعن الشمال عزين أي عن يمينك وعن شمالك عزين جمع عزة أي جماعة فهم حلق حلق يستمعون إلى قراءتك بحثا عن كلمة يمكنهم أن يشنعوا بها عليك ويجعلونها مطعنا في دعوتك أي سخرية يسخرون بها وبك ويقولون استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم فرد تعالى عليهم منكرا طمعهم الفارغ بقوله {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ٢
٢ هذه الجملة بدل اشتمال من جملة فما للذين كفروا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان الحال التي كان عليها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكة بين ظهراني قريش وما كان يلاقي من أذاهم.
٢- بيان أن الجنة تدخل بالطهارة الروحية من قذر الشرك والمعاصي وإلا فأصل الناس واحد المني القذر باستثناء آدم وحواء وعيسى فآدم أصله الطين وحواء خلقت من ضلع آدم، وعيسى كان بنفخ روح القدس في كم درع مريم فكان بكلمة الله تعالى ومن عدا الثلاثة فمن ماء مهين ونطفة قذرة.
٢ النصب بفتح النون وسكون الصاد: الصنم قرأ نافع نصب بفتح وسكون وقرأ حفص نصب بضم كل من النون والصاد والمعنى واحد وهو الصنم قال الشاعر:
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه
لعافية والله ربك فاعبدا
٤- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٥- بيان أن حياة أهل الكفر مهما تراءى لهم ولغيرهم أنها حياة مدنية سعيدة لم تعد كونها باطلا ولهوا ولعباً.