تفسير سورة الأنبياء

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الأنبياء مكية مائة واثنتا عشرة آية وسبع ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ اقترب للناس ﴾ : للكفار، ﴿ حسابهم ﴾، فإنه قد ظهر خاتم الأنبياء، الذي هو من علامات آخر الزمان، ﴿ وهم في غفلة ﴾ : عن الحساب، ﴿ معرضون ﴾ : عن التفكر فيه، والإيمان به،
﴿ ما١ يأتيهم من ذكر ﴾ المراد من الذكر الطائفة النازلة من القرآن، ﴿ من ربهم ﴾، صفة لذكر أو صلة يأتيهم، ﴿ محدث ﴾ : تنزيله : جديد إنزاله، ﴿ إلا استمعوه وهم يلعبون ﴾ حال من فاعل استمعوه، أي : ليستهزءون به،
١ من ذكر من ربهم محدث، قال البخاري في صحيحه في كتاب الرد على الجهمية، باب قول الله: كل يوم هو في شأن، ﴿وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث﴾، وقول الله: ﴿لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا﴾، وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين، لقوله: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ [الشورى: ١١]، وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث من أمره ما يشاءه، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) انتهى. وأيضا قال: فيه باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرهما من الخلائق وهو فعل الرب وأمره فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه هو الخالق المكون غير مخلوق، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون انتهى. وقال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم قدس الله روحه في بعض فتاواه: وسائر أهل السنة والحديث متفقون على أنه يتكلم بمشيئته، وأنه لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء، وقد سمى الله القرآن الحديث ومحدثا، وقال: ﴿الله نزل أحسن الحديث﴾ [الزمر: ٢٣]، وقال: ﴿ومن أصدق من الله حديثا﴾ [النساء: ٨٧]، وقال: ﴿ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث﴾ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحدث من أمره ما شاء، وهذا مما احتج به البخاري في صحيحه وغير صحيحه واحتج به غير البخاري، كنعيم بن حماد، وحماد بن زيد، ومن المشهور عن السلف، القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود انتهى. وأيضا قال رحمه الله: قال الإمام أحمد رحمه الله وغيره: لم يزل الله متكلما إذا شاء، وهو يتلكم بمشيئته وقدرته، ويتكلم بشيء بعد شيء، كما قال تعالى: ﴿فلما أتاها نودي يا موسى﴾ "فناداه حين أتاها ولم يناده قبل ذلك، وقال تعالى: ﴿فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلك الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين﴾ [الأعراف: ٢٢] فهو سبحانه ناداهما حين أكلا منها، ولم ينادهما قبل ذلك. وكذلك قال تعالى: ﴿ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ [الأعراف: ١١]، فأمرهم بالسجود بعد أن خلق آدم وصوره، ولم يأمرهم قبل ذلك، وكذلك قوله: ﴿إن مثل عيسى عند الله كثمل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾ [آل عمران: ٥٩]، فأخبر أنه قال له كن فيكون بعد أن خلقه من تراب، ومثل هذا الخبر في القرآن كثير، يخبر أنه تكلم في وقت معين ونادى في وقت معين، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما خرج إلى الصفا، قرأ قوله تعالى: ﴿إن الصفا والمروة من شعائر الله﴾ [البقرة: ١٥٨]، قال: (نبدأ بما بدأ به) فأخبر أن الله بدأ بالصفا قبل المروة، والسلف اتفقوا على أن القرآن كلام الله، نزل غير مخلوق، ومنه بدأ وإليه يعود، انتهى كلامه رضي الله عنه.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في خطبته النونية: وأما القرآن فإني أقول إنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به صدقا، وسمعه منه جبريل حقا، وبلغه محمد صلى الله عليه وسلم- وحيا، وأن ﴿كهيعص﴾، و ﴿حم﴾ و ﴿حم عسق﴾ و ﴿الر﴾ و﴿ق﴾، و﴿ن﴾ عين كلام الله حقيقة وإن الله تكلم بالقرآن العربي الذي سمعه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن جميعه كلام الله، وليس قول البشر، ومن قال: إنه قول البشر فقد كفر و الله يصليه سقر، ومن قال: ليس لله بيننا في الأرض من كلام، فقد جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله بعثه يبلغ عنه كلامه، والرسول إنما يبلغ كلام مرسله، فإذا انتفى كلام المرسل انتفت رسالة الرسول. انتهى /١٢..

﴿ لاهية قلوبهم ﴾ حال كونهم مشغولين بدنياهم، لا يصغون إلى القرآن، ذو الحالين واحد، أو حال من فاعل يعلبون ﴿ وأسرّوا النجوى ﴾ : بالغوا في إخفائها أو تناجوا وأخفوا نجواهم، فلا يفطن١ أحد لتناجيهم، ﴿ الذين ظلموا ﴾ بدل من فاعل أسروا، أو منصوب على الذم، أو مبتدأ خبره أسروا النجوى، وضع الذين ظلموا موضع هؤلاء تسجيلا على فعلهم بأنه ظلم، ﴿ هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ﴾ هذا الكلام كله في موضع النصب بدل من النجوى، أو مفعول لقول مقدر، استدلوا على كذبه في النبوة بأنه بشر، لأن زعمهم أن الرسول لا يكون إلا ملكا، فلا بد أن تكون المعجزة بمقتضى عقيدتهم سحرا، فلذلك قالوا إنكارا : أفتحضرون السحر وأنتم تعاينون أنه سحر،
١ - إشارة إلى دفع إشكال ما قيل: إن التناجي لا يكون إلا خفية، فما معنى قوله: ﴿وأسروا النجوى﴾ بوجهين: الأول: إن الإسرار واقع على ما تناجوا به من القول، والثاني: إنه واقع على الحدث أعني: التناجي وهذا أظهر /١٢ منه.
.

﴿ قال ربي يعلم القول ﴾ : جهرا كان أو سرا، ﴿ في السماء والأرض ﴾ فكيف يخفى عليه نجواهم، ومن قرأ قال فهو حكاية قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ﴿ وهو السميع العليم ﴾ : فلا يخفى عليه شيء،
﴿ بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر١ اقتسم المشركون القول في القرآن، فقيل : سحر وقيل : تخاليط أحلام وأباطيل خيلت إليه، وخلطت عليه، وهذا أبعد فسادا من الأول، وقيل : هو مفترى اختلقها من تلقاء نفسه، وهذا أفسد من الثاني : وقيل : كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها، وهو أفسد من الثالث، لأنه كذب مع علاوة فلذلك جاء ببل تنزيلا من الله لأقوالهم في درج الفساد، ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ أي : كما أرسل به الأولون، كاليد البيضاء، والناقة وغيرهما،
١ قيل: جاز أن يكون هذا بيانا لكونهم غير ثابتين في شأن القرآن بشيء، بل متحيرون، مرة يقولون: هذا أمره، ذلك كما هو شأن المبطل أنه رجاع غير ثابت على شيء واحد /١٢ منه..
﴿ ما آمنت قبلهم من ﴾ : أهل، ﴿ قرية أهلكناها ﴾ أي : ما آمنت قرية من القرى التي أهلكناها لما جاءتهم الآيات المقترحة، ﴿ أفهم يؤمنون ﴾ : لو جئتهم بها مع أنهم أعتى من الذين اقترحوا الآيات وعهدوا الإيمان بها، وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بمقترحاتهم للإبقاء عليهم، إذ لو أتى به لم يؤمنوا، فنستأصلهم كمن قبلهم،
﴿ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ﴾ فما لهم ينكرون زاعمين أن الرسول لا يكون بشرا، ﴿ فاسألوا أهل الذكر ﴾ : أهل الكتاب، والمشركون يشاورونهم في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- ويثقون بقولهم، ﴿ إن كنتم لا تعلمون ﴾١، أن الرسل بشر،
١ أن الرسل بشر، والعجيب أنهم يجيزون أن يكون الرب حجرا، ولا يجيزون أن يكون الرسول بشرا، قال الرازي، فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للعاميّ أن يرجع إلى فتيا العلماء، وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر فبعيد، لأن هذه الآية خطاب مشافهة، وهي واردة في هذه الواقعة المخصوصة، ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين. انتهى. وفي الفتح استدل بالآية على أن التقليد جائز وهو خطأ ولو سلم لكان المعنى سؤالهم عن النصوص من الكتاب والسنة لا عن الرأي البحت، وليس التقليد إلا قبول قول الغير دون حجته والمقلد إذا سأل أهل الذكر عن كتاب الله وسنة رسوله لم يكن مقلدا، فالآية دليل الاتباع لا دليل التقليد /١٢..
﴿ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ﴾ أثبت لهم ثلاثة أشياء هي لا تكون للملك، وهي لبشر تحقيقا لنفي الملكية عنهم ولإثبات البشرية لهم : كونهم أجسادا، والجسد جسم ذو لون، والملك لصفائه لا يوصف باللون، كما لا يطلق الجسد على الماء والهواء، ووحد الجسد لإدارة الجنس، وأنهم أكلوا الطعام، وأنهم يموتون في الدنيا، وموت الملك لا يكون إلا بعد انقراض الدنيا، أو لأن المشركين اعتقدوا خلود الملك،
﴿ ثم١ صدقناهم الوعد ﴾ أي : في الوعد، ﴿ فأنجيناهم ومن نشاء ﴾ : ومن في إبقائه حكمة، ﴿ وأهلكنا المسرفين٢ : في الكفر،
١ وهذا بيان سنته تعالى مع الأنبياء، فكذلك يسلك مع خاتم الأنبياء، ومن يشاء من أمته فهذه عدة ووعيد /١٢ وجيز..
٢ ولما توعدهم في تلك الآية، عقب ذلك بوعده ثم بما فيه وعيدهم إن لم يؤمنوا بما فيه شرف دينهم ودنياهم فقال: ﴿لقد أنزلنا إليكم﴾ الآية..
﴿ لقد أنزلنا إليكم ﴾ : يا قريش، ﴿ كتابا فيه ذكركم ﴾ : صيتكم١ وشرفكم أو موعظتكم وذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ : فتؤمنون به.
١ هكذا فسره ابن عباس –رضي الله عنه- الصِّيت بالكسر الذكر الحسن /١٢..
﴿ وكم قصمنا ﴾ : أهلكنا والقصم : الكسر الشديد، ﴿ من قرية ﴾ : من أهلها، ﴿ كانت ظالمة وأنشأنا بعدها ﴾ : مكانها،
﴿ قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا ﴾ : أدركوا، وشاهدوا شدة عذابنا، ﴿ إذا هم منها يركضون ﴾ : يهربون بسرعة، والركض١ضرب الدابة بالرجل،
١ ضرب الدابة بالرجل والظاهر أنهم لما أدركتهم مقدمة العذاب ركبوا دوابهم يركضونها منهزمين، أو شبهوا في عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم /١٢ وجيز..
﴿ لا تركضوا١ أي : قيل لهم لا تركضوا، ﴿ وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ﴾ : من التلذذ والنعم والإتراف : إبطار النعمة، ﴿ ومساكنكم لعلكم تسألون ﴾ غدا من أعمالهم، أو تسألون شيئا من دنياكم فتعطون من شئتم، وتمنعون من شئتم، فإنهم أهل ثورة ينفقون رئاء الناس، تهكم بهم الملائكة بهذا القول، ووبخهم وقيل : يسألكم خدمكم في أموركم، كيف نأتي ونذر كعادة المنعمين، أو يسألكم الناس في مهامهم ويستشفون بتدابيركم،
١ قال المفسرون وأهل الأخبار: إن المراد بهذه الآية أهل حضور من اليمن، وكان أهلها عربا، وكان الله –سبحانه- قد بعث عليهم نبيا اسمه شعيب بن مهدم، وقبره بجل من جبال اليمن يقال له: صنين وبينه وبين حضور نحو بريد، قالوا: وليس هو شعيب صاحب مدين /١٢ فتح..
﴿ قالوا ﴾ : حين رأوا العذاب، ﴿ يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾ : ندموا حين لا ينفعهم الندم،
﴿ فما زالت تلك ﴾ : المقالة، أي الاعتراف بالظلم، ﴿ دعواهم ﴾ : دعوتهم نحو : آخر دعواهم أن الحمد لله، ﴿ حتى جعلناهم حصيدا ﴾ : مثل ذره محصود، ﴿ خامدين ﴾ ميتين١ من خمدت النار، وهما بمنزلة مفعول واحد، لرأيته حلوا حامضا، وخامدين حال أو صفة،
١ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب، قال: حدثني رجل من الجزريين، قال: كان باليمن قريتان يقال أحدهما حضور وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فلما أترفوا بعث الله لهم نبيا فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم، فجهز لهم جيشا، فقتلوهم، فهزموا جيشه، فرجعوا منهزمين، فجهز إليهم جيشا آخر، أكثف من الأول، فهزموهم أيضا، فلما رأى بختنصر أغزاهم هو بنفسه فقاتلهم حتى خرجوا منها يركضون، فسمعوا مناديا يقول: لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه، ومساكنكم، فرجعوا فسمعوا صوت مناد يقول: يا لثارات النبي، فقتلوا بالسيف فهي التي قال الله: ﴿وكم قصمنا من قرية)، إلى قوله: {خامدين﴾، قلت: وقرية حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد في جهة المغرب منها /١٢ فتح البيان. [ابن أبي حاتم في (تفسيره) (١٣٦١٤)]..
﴿ وَمَا خَلَقْنَا١ السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾، بل لنجزي الذين أساءوا بما عملوا ونجزي الذين أحسنوا بالحسنى،
١ ولما ذكر قصم تلك القرى الظالمة، فلم يرحم عليهم حتى ندموا، أتبع ذلك بما يدل على أن ذلك عدل ومجازاة لأعمالهم، وجميع ما قدر منه سبحانه حق عدل، فقال: ﴿وما خلقنا السماء والأرض﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا ﴾ : لو أردنا اتخذنا ما يعلب ويتلهى به، لاتخذناه من عندنا، وما خلقنا جنة ولا نارا ولا موتا ولا بعثا ولا حسابا، أو لو أردنا أن نتخذ زوجة أو ولدا، لاتخذنا من الحور العين أو الملائكة، أو لاتخذناه من عندنا بحيث لا يظهر لكم ويستر عنكم، فإن زوجة الرجل وولده يكونان عنده لا عند غيره، واللهو : المرأة والولد بلسان اليمن، وهو رد على النصارى في أم المسيح، أو المسيح، أو في المسيح، قيل : لو أردنا اتخاذ لهو لقدرنا عليه ومن لدنا، أي من جهة قدرتنا لكن الحكمة صارفة عنه :﴿ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ أي إن كنت فاعلا لذلك، أو إن نافية، فالجملة كالنتيجة للشرطية،
﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ ﴾ : نغلَّبُ الحق الذي منه الجد على الباطل الذي منه اللهو، ﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾ : يمحقه، جعل الحق كجرم متين صلب، قذف ورمي به على حيوان ضعيف فشق دماغه، وبل إضراب عن اتخاذ اللهو وتتريه لذاته عن اللعب، ﴿ فَإِذَا هُوَ ﴾ : الباطل :﴿ زَاهِقٌ ﴾ : هالك والزهوق ذهاب الروح، ﴿ وَلَكُمُ الْوَيْلُ١ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ : تصفون الله به مما لا يليق بعظمته،
١ الويل كلمة جامعة للشر كله، قال الأصمعي: ويل تقبيح / م..
﴿ وَلَهُ مَن١ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ : خلقا وملكا، ﴿ وَمَنْ عِندَه ﴾، أي : الملائكة المقربون، فإنهم منزلون لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك، أو لأنهم في محل ظهور سلطانه، وهو السماوات، وهو مبتدأ خبره قوله :﴿ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ لا يعيون ولا يتعبون قيل :﴿ ومن عنده ﴾ عطف على ﴿ من في السموات ﴾، أفرده بالذكر للتعظيم، أو المراد : من في العرش والكرسي،
١ ولما حكى كلام الطاعنين وبين أن غرضهم من تلك المطاعن التمرد وعدم الانقياد، بين في هذه الآية، أنه تعالى منزه عن طاعتهم، لأنه هو المالك لجميع المخلوقات فقال: ﴿وله من في السموات﴾. الآية /١٢ كبير..
﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ : دائبون في التسبيح، عن كعب الأحبار : التسبيح لهم كالنفس١ لبني آدم،
١ فلا يشغلهم الكلام والرسالة والعمل عن التسبيح /١٢ منه..
﴿ أَمِ١ اتَّخَذُوا ﴾ منقطعة، والهمزة لإنكار اتخاذهم، ﴿ آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ ﴾، ظرف لاتخذوا أو صفة لآلهة، ﴿ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ أي : اتخذوا آلهة هم قادرون وحدهم على إحياء الموتى، والمراد تجهيلهم والتهكم بهم، والكفرة وإن لم يكونوا يدعون ذلك للأصنام، لكن لما أثبتوا الألوهية لهم يلزمهم إثبات ذلك فإنه ممكن، والإله لابد أن يكون قادرا على الممكنات،
١ ولما ثبت أنه ينتقم في الدنيا، عمن يكذب بآياته وأن كل ما صدر عنه حق عدل، وأن جميع من في الأرض والسماء ملك له وأن الملائكة سيما الكاملين منهم، ذائبون في عبادته، فهو الحقيق بالتوجيه إليه ظاهرا أو باطنا، والإعراض عما سواه، ومن لم يكن كذلك فهو جدير بالتوبيخ والتقريع، فقال: ﴿أم اتخذوا آلهة من الأرض﴾، الآية /١٢ وجيز..
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ ﴾ أي : غير الله، صفة لا بدل الفساد المعنى واللفظ١، قال صاحب المغنى٢ : إذا اختلف الموصوف والصفة إفرادا أو غيره : فالوصف للتأكيد لا للتخصيص، كما قالوا : عندي عشرة إلا درهما، لزم عليه تسعة، ولو قال : إلا درهم بالرفع فقد أقر له بعشرة، فمعنى الآية : لو كان الإله غير واحد البتة، والصفة تأكيد، لأن كل متعدد غير واحد البتة، ﴿ لَفَسَدَتَا ﴾ لأن الملك يفسد بتدبير مالكين لما يحدث بينهما من الاختلاف والتمانع عادة، ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ٣ : المحيط بجميع الأجسام، ﴿ عَمَّا يَصِفُون ﴾ : من الشريك والولد،
١ أما فساد المعنى، فلأن المراد نفي التعدد مطلقا، ولو كان مستثنى لكان المعنى، لو كان فيهما الآلهة المستثنى منهم الله لفسدتا، فلو كان الله فيهم لم يفسدوا، وأما فساد اللفظ، فلأن المستثنى يجب أن يكون داخلا البتة في المستثنى منه، لو لم يؤت بالمستثنى والله لا يجب أن يكون داخلا في آلهة /١٢ منه..
٢ هذا النقل إشارة إلى دفع إشكال على ما قررناه من أنه صفة، وهو أن حقيقة معناه حينئذ لو كان فيهما من الإله متعدد غير واحد ولا شك لأحد أن المتعدد غير الواحد فالصفة حشو /١٢ منه.
قال على القارئ: وأما القول التفتازاني: الآية حجة إقناعية، فالمحققون كالغزالي وابن الهمام ما قنعوا بالإقناعية، بل جعلوها من الحقائق القطعية، بل قيل يكفر قائلها. انتهى /١٢..

٣ فسبحان الله رب العرش الذي استوى عليه، وهو محيط بجميع الأجسام فلا يمكن أن يكون الإله في الأرض /١٢..
﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ لانفراده في عظمته وسلطانه، ﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ وهو سائل خلقه عما يعملون، فإنهم عبيد،
﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ كرره استقباحا لشأنهم واستعظاما لكفرهم، ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ من جهة عقل أو نقل، أن له شريكا، ﴿ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ ﴾ أي : عظة أمتي، ﴿ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ﴾ من الأمم السابقة، فهذا إشارة إلى أن الكتب السماوية، أي : هذا كتاب الله فاطلبوا، هل تجدون فيها أن له شريكا، أو إشارة إلى القرآن وحده، أي : القرآن فيه ذكر أمتي وذكر أمم قبلي، إنهم مطالبون بالتوحيد، ممنوعون عن الشرك، ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ﴾ لا يميزون بينه وبين الباطل، ﴿ فَهُم مُّعْرِضُونَ ﴾، عن التوحيد واتباع الرسل، من أجل ذلك.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ١ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ وحدي،
١ يعني أن عبادة الله وحده لا شريك له، هي أصل الدين، وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب كما في هذه الآية، وقوله تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ [النحل: ٣٦]، وكان –صلى الله عليه وسلم- يحقق التوحيد، ويعلمه أمته حتى قال له رجل: ما شاء الله وشئت، قال: ﴿أجعلتني لله ندّا ؟!، قل ما شاء الله وحده﴾، ونهى عن الحلف بغير الله، وقال: ﴿من حلف بغير الله فقد أشرك﴾، وقال: ﴿اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد﴾، وقال: ﴿لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا على حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني﴾، وهذا اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور ولا الصلاة عندها، وذلك لأن من أكثر الأسباب لعبادة الأوثان كان تعظيم القبور، ولهذا اتفق العلماء على أنه من سلم على النبي –صلى الله عليه وسلم- عند قبره أنه لا يتمرغ بحجرته، ولا يقبلها، لأنه إنما يكون لأركان بيت الله فلا يشبه بيت المخلوق ببيت الخالق، كل هذا لتحقيق التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لا يقبل الله عملا إلا به، ويغفر لصاحبه ولا يغفر لمن تركه) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} [النساء: ٤٨] ولهذا كانت كلمة التوحيد أفضل الكلام وأعظمه وأعظم آية في القرآن، آية الكرسي: ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ [البقرة: ٢٥٥] كل هذا قاله شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام رحمه الله رحمة باقية إلى قيام الساعة وساعة القيام /١٢..
﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾ من العرب من قال : الملائكة بنات الله، ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ عن ذلك، ﴿ بَلْ ﴾ هم، ﴿ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ وليسوا بأولاد،
﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ﴾ : لا يقولون شيئا حتى يقول الله، ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم، كما هو طريق الأدب، ﴿ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ لا يعلمون بما لا يأمرهم، ولا يبعد أن يكون ذلك كالدليل على أنهم غير الأولاد فإن الأولاد لا يكون كذلك،
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ : يحيط علمه بجميع أحوال عباد مكرمين مما قدموا وأخروا، ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ : أن يشفع له، ﴿ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ مرتعدون لا يأمنون مكر الله، والإشفاق خوف مع اعتناء، فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإن عدي بعلى فالبعكس١، والخشية خوف مع تعظيم،
١ فمعنى الاعتناء فيه أظهر / ١٢ منه..
﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ ﴾ : من الملائكة، وهذا على سبيل الفرض، ﴿ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ قيل : أراد إبليس حيث دعا الخلق إلى عبادة نفسه دون عبادة ربه، ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ : المشركين.
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ﴾ أي : جماعة السموات، وجماعة الأرض كانتا مرتوقتين يعني جميعهما في أول الأمر متصل متلاصق بعضهما ببعض، ﴿ فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾، فصارت السموات سبعا، والأرض كذلك، أو كانتا رتقا لا تمطر ولا تنبت ففتقنا بالمطر والنبات، فعلى هذا المراد من السموات سماء الدنيا، وجميعها باعتبار الأفق، أو جميع السموات على أن للكل مدخلا في الإمطار، والرتق هو الضم والالتحام، فإن قلت متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك ؟ قلت : الفتق مشاهدة عارض يفتقر١* إلى مؤثر واجب، والرتق ممكن أخبر به القرآن المعجز فهم لو نظروا لعلموا، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء٢ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ ﴾، أي كل شيء موجود أصله من الماء، فإن الله خلق الماء قبل الأشياء، ثم خلقها منه، أو خلقنا كل حيوان من الماء، أي : من النطفة، أو صيرنا كل شيء له نوع حياة كحيوان ونبات من الماء، ولا بد له منه نحو خلق الإنسان من عجل فعلى هذا جعل متعد إلى مفعولين٣، { أَفَلَا يُؤْمِنُونَ٤
١ * وفي النسخة (ن): مفتقر..
٢ وفي النسخة (ن): مفتقر.
نقل الإمام أحمد وابن أبي حاتم أنه قال عليه السلام: ﴿خلق كل شيء من الماء﴾ /١٢ [وقال الشيخ أحمد شاكر في (التعليق على المسند) (٧٩١٩): إسناده صحيح]..

٣ يعني: قوله من الماء، وكل شيء مفعولاه /١٢ وجيز..
٤ فيه معنى التعجب من ضعف عقولهم يعني: أفلا يتدبرون تلك الأدلة فيتركوا الشرك /١٢..
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ } : جبالا ثوابت، ﴿ أَن تَمِيدَ ﴾ : كراهة أن تميد، ﴿ بِهِمْ ﴾ : وتضطرب، ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا ﴾ : في الرواسي، ﴿ فِجَاجًا ﴾ : مسالك وطرقا واسعة، ﴿ سُبُلًا ﴾، يعني : لما خلقنا الجبال حالت بين البلدان، فجعلنا فيها فجوة، وطرقا ليسلك فيها من بلد إلى آخر، وسبلا إما مفعولا وفجاجا حال١، أو هو مفعول وسبلا بدل، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ٢ : إلى مصالحهم،
١ لأنه أصله فجاجا على الصفة تقدم فصار حالا، قال تعالى: ﴿سبلا فجاج﴾ [نوح: ٢٠] والفج الطريق الواسع /١٢ منه..
٢ جعلوا عسى ولعل شكا ويقينا كقوله تعالى: ﴿لعلهم يهتدون﴾، أي: ليهتدوا..
﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا ﴾ : على الأرض، ﴿ مَّحْفُوظًا١ : من أن يقع على الأرض أو من الشياطين بالشهب، ﴿ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾، لا يتفكرون فيما خلق فيها من الآيات، كالشمس والقمر والكواكب وغيرها،
١ وعن ابن عباس ونقل حديثا مرفوعا أن معناه محفوظا عن الشياطين بالشهب /١٢ وجيز..
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ١ أي : كل واحد منهما، ﴿ فِي فَلَكٍ٢ يَسْبَحُونَ ﴾ يسرعون على فلكه، كالسابح في الماء، والفلك الجنس نحو كساهم الأمير حلة، والجميع باعتبار كثرة مطالعها وجمع العقلاء للوصف بفعلهم، وهو السابحة والجملة حال منهما.
١ اعلم أن المراد من الكل، الكل المجموعي لا الإفرادي بدليل قوله: يسبحون} بالجمع لا بالإفراد فيحتاج إلى تأويل في فلك بالإفراد فلا تغفل لئلا تقع فما وقع فيه بعض المفسرين /١٢ منه..
٢ وظاهر القرآن أنما يسبحان بنفسهما في الفلك، والحركة لهما، وعلى هذا جاز أن تكون جميع السيارات والثوابت في سماء الدنيا، كما قال تعالى: ﴿إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب﴾ [الصافات: ٦]، فلا يحتاج إلى تأويل، ولا يدل دليل على خلاف ذلك فعلى هذا يكون الكل مجموعيا، وجملة كل في فلك حال منهما، وجاز للقرينة، ولما مر قوله: ﴿وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين﴾ [الأنبياء: ٨]، وكانوا يشتمون بموته، فنفى الله عنه الشماتة، وقال: ﴿وما جعلنا﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ﴾، نزلت حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون، استدل به بعضهم على عدم بقاء الخضر، ﴿ أَفَإِن مِّتَّ ﴾ الهمزة للإنكار، والفاء لتعلق الشرط بما قبله، { فَهُمُ الْخَالِدُونَ
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } أي : مرارته، ﴿ وَنَبْلُوكُم ﴾ : نعاملكم معاملة من يختبركم، ﴿ بِالشَّرِّ ﴾ : بالمصائب تارة، ﴿ وَالْخَيْرِ ﴾ : بالنعم أخرى، ﴿ فِتْنَةً ﴾ : ابتلاء لننظر من يصبر ومن يجزع ومن يشكر ومن يكفر مصدر مؤكد من غير لفظه، ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ فيجازيكم،
﴿ وَإِذَا١ رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ ﴾ إن نافية، ﴿ إِلَّا هُزُوًا ﴾ مهزوء به، ﴿ أَهَذَا ﴾ أي : قالوا أهذا، ﴿ الَّذِي٢ يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ﴾ أي : بسوء، ﴿ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ ﴾ : بصفاته الحسنى كالتوحيد، ﴿ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ لا يصدقون به، فهم أحق بأن يهزأ بهم،
١ ولما ذكر شماتتهم ودفع عنه عقبة بذكر ما هو أشد وأقبح منها وهو سخريتهم فقال: ﴿وإذا رآك الذين كفروا﴾. الآية /١٢..
٢ يقال فلان يذكرك، إن كان الذاكر صديقا فهو ثناء، وإلا فذم ولوم /١٢ منه..
﴿ خُلِقَ١ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ : لفرط استعجاله كأنه خلق منه، قيل : لما ذكر المستهزئين وقع في النفس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك ولهذا قال ﴿ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ﴾ : نقماتي في الدنيا والآخرة، ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ : بالإتيان بها وقيل : هذا جواب المشركين حين استعجلوا بالعذاب،
١ ولما ذكر شماتتهم بالرسول واستهزاءهم وكأنه استعجلت النفس سرعة انتقامهم فقال: ﴿خلق الإنسان من عجل﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ﴾ : وقت وعد العذاب أو القيامة، ﴿ إِن كُنتُمْ ﴾ : أيها المؤمنين، { صَادِقِينَ
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا }، وضع موضع يعلمون دلالة على ما أوجب لهم ذلك، ﴿ حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ : مفعول به ليعلم أي : لو يعلمون الوقت الذي يحيط بهم النار فلا يقدرون على دفعها، ولا يجدون ناصرا والجواب محذوف، أي : بما استعجلوا،
﴿ بَلْ تَأْتِيهِم ﴾ : أي لا يعلمون بل تأتيهم العدة أو القيامة أو النار، ﴿ بَغْتَةً ﴾ : فجأة مصدر، لأنها نوع من الإتيان أو حال، ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ : تحيرهم، ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ ينظَرُونَ ﴾ : يمهلون،
﴿ وَلَقَدِ١ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن٢ قَبْلِكَ ﴾ : يا محمد فليس بشيء بدع منهم فلا تغتم، ﴿ فَحَاقَ ﴾ : أحاط، ﴿ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم ﴾ : من الأمم السالفة، ﴿ مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ﴾ أي : جزاء ما فعلوا، أو هم استهزءوا بعذاب وعدهم الرسل إن لم يؤمنوا، فأحاط بهم ذلك العذاب فسيحيط بمن يتخذك هزوا.
١ ولما ذكر استهزاءهم صريحا في قوله: ﴿إن يتخذونك إلا هزوا﴾، وغير صريح في قولهم: ﴿متى هذا الوعد﴾ سلى نبيه –صلى الله عليه وسلم- فقال: ﴿ولقد استهزئ برسل﴾ الآية / ١٢ وجيز..
٢ فإنه ليس بأول قارورة كسرت منه معك، بل هذا عادتهم الخبيثة مع الجميع /١٢ وجيز..
﴿ قُلْ ﴾ : للمستهزئين، ﴿ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ : يحفظكم، ﴿ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ : من عذابه، أو من بمعنى البدل نحو لا ينفع ذا الجد منك الجد، وفي لفظ الرحمن إشارة إلى أن لا حافظ سوى رحمته، ﴿ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ﴾ : لا يخطر ببالهم ذكر ربهم فضلا عن أن يخافوا منه، حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكالئ، وصلحوا للسؤال عنه،
﴿ أَمْ لَهُمْ ﴾ : بل لهم، ﴿ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم ﴾ : من العذاب، ﴿ مِّن دُونِنَا ﴾ حال من فاعل تمنع، أو صفة بعد صفة، كأنه قال : لا تسأل عنهم ؛ لأنهم لا يصلحون للسؤال لغفلتهم عنا، بل لإقبالهم على نقيضنا١، ﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ ﴾ سيما نصر غيرهم مستأنفة تبين إبطال ما اعتقدوه، ﴿ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ : يجارون، يقال : فلان لك جار وصاحب من فلان، أي : مجيز منه، أو يصبحون بخير وتأييد،
١ فبل للترقي، والهمزة للإنكاري /١٢ منه..
﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ﴾ إضراب عن بيان بطلان ما هو عليه، ببيان ما غرهم فحسبوا أنهم على شيء، وهو أنه -تعالى- متعهم زمنا طويلا فقست قلوبهم وظنوا أنهم لا تزال، ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ ﴾ : أرض الكفرة، ﴿ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ بأن نخرب ديارهم ونسلط المسلمين عليها، ﴿ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾، أم المؤمنون،
﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ﴾ : بما أوحي إلي أو بأمر الله، ﴿ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء ﴾ : من قرأ لا تسمع من باب الإفعال، على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، فالصم الدعاء مفعولاه، ﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ١ ظرف ليسمع أو الدعاء، واللام في الصم العهد والمشركون صم آذان قلوبهم عن آيات الله،
١ والتقييد به، لأن الكلام في الإنذار أو للمبالغة كأنه قال لا يسمعون أصلا بوجه من الوجوه، فإن من لا يسمع الإنذار لا يسمع البشارة /١٢ منه..
﴿ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ ﴾ : رائحة وشيء قليل، فإن أصل النفخ هبوب رائحة الشيء، مع أن البناء للمرة، ﴿ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَّ ﴾ دعوا على أنفسهم بالويل وأقروا بظلمهم،
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ١، جمعه لكثرة ما يوزن به ولاختلافه، ﴿ الْقِسْطَ ﴾ : ذوات القسط أو نحو٢ رجل عدل، ﴿ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ : لأجل جزائه أو لأجل أهله، أو اللام٣ بمعنى في، ﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾ : من الظلم أو من العمل، ﴿ وَإِن كَانَ ﴾ : العمل، ﴿ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا٤ بِهَا ﴾ : أحضرنا لنجازي بها، ومن قرأ : مثقال بالرفع فكان تامة، ﴿ وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ لكمال علمنا وعدلنا مفعول كفى محذوف، أي كفينا العالمين حال كوننا حاسبين لا يحتاجون إلى محاسب غيرنا،
١ لما ذكر حالهم في الدنيا استطرد لما يكون في دار هي مقر الثواب والعقاب فأخبر عن عدله وأسند ذلك لنفسه بنون العظمة، وتقدم الكلام على الموازين في أول الأعراف /١٢ وجيز..
٢ كأنها في نفسها قسط، وإفراد القسط لأنه مصدر وصف به للمبالغة / ١٢ منه..
٣ نحو: جئت لخمس خلون من الشهر /١٢ منه..
٤ ضمير بها للمثقال، والتأنيث لإضافة المثقال إلى الحبة نحو: ذهبت بعض أصابعه / ١٢منه..
﴿ وَلَقَدْ١ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء٢ وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ : الكتاب الجامع لكونه، فارقا بين الحق والباطل وضياء في القلب، وذكرا يتعظ به المتقون، أو الفرقان النصر على الأعداء والضياء والتوراة،
١ ولما كان كتاب موسى وهارون الذي هو عضد موسى، أعظم الكتب السماوية بعد القرآن، وكان أهله قد أعرضوا عنه مرارا بعد إيتاء الآيات، التي تحيرت منها العقول، وكتابهما فرقان ميز بين الحق والباطل، وضياء رافع للظلام مبين للحق، كالميزان فلهذا أعقبه بقوله: ﴿ولقد آتينا موسى﴾ الآية /٢١ وجيز..
٢ ومن شأن من كان في الضياء أن لا يضع شيئا إلا في موضعه /١٢ وحيز..
﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم ﴾، صفة للمتقين، ﴿ بِالْغَيْبِ ﴾، حال من الفاعل، أو من المفعول، ﴿ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ ﴾ : القيامة، ﴿ مُشْفِقُونَ ﴾ : خائفون،
﴿ وَهَذَا ﴾ : القرآن، ﴿ ذِكْرٌ١ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ استفهام توبيخ٢.
١ ولما ذكر مدح التوراة، أعقبه بذكر القرآن فقال: ﴿وهذا ذكر مبارك﴾ /١٢ وجيز..
٢ ثم لما ذكر الكتابين الناهين عن الشرك أعقبه بحكاية إبراهيم الذي هو فخر قريش وجدهم في نهي والده وقومه عن الشرك فقال: ﴿ولقد آتينا إبراهيم رشده﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ﴾ : الاهتداء لوجوه الصلاح، والإضافة ترشد إلى أنه رشد له شأن، ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ : من قبل موسى أو من قبل البلوغ، ﴿ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ﴾ : علمنا أنه أهل لما آتيناه،
﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ﴾ ظرف لآتينا، أو لرشده، أو تقديره اذكر من أوقات رشده وقت قوله لأبيه :﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ ﴾ : الصور التي لا روح فيها، ﴿ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ عدى العكوف باللام لتضمن معنى العبادة، فإن العكوف يستعمل بعلى،
﴿ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ١ : فقلدناهم،
١ فقلدناهم واقتدينا بهم، وأجابوه بهذا الجواب الذي هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز، والحبل الذي يتشبث به كل غريق، وهو تمسك بمجرد تقليد الآباء، أي: وجدنا آباءنا يعبدونها فعبدناهم اقتداء بهم، ومشيا على طريقتهم، وهكذا يجيب هؤلاء المقلدة من أهل هذه الملة الإسلامية، فإن العالم بالكتاب والسنة إذا أنكر عليهم العمل بمحض الرأي المدفوع بالدليل قالوا: لهذا قد قال به إمامنا الذي وجدنا آباءنا له مقلدين، وبرأيه آخذين: قال الحفناوي: أي: فلم يكن جوابهم ألا التقليد انتهى/ ١٢ فتح..
﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ أي : المقلّدون والمقلَّدون منخرطون في سلك ضلال لا يخفى على من به أدنى مسكة،
﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴾ أي أما تقوله جد أم هزل، فإنهم استعجلوا واستعبدوا تضليله آباءهم،
﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ إضراب عن كونه لاعبا بإقامة البرهان على ما ادعاه، ﴿ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ﴾ قيل الضمير للتماثيل، أو للسماوات والأرض، ﴿ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم ﴾ : المذكور من التوحيد، أو على أنه خالقهن، ﴿ مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ : المتحققين له المبرهنين عليه،
﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم ﴾ : أمكرنَّ بها في كسرها، ﴿ بَعْدَ أَن تُوَلُّوا ﴾ : عنها، ﴿ مُدْبِرِينَ ﴾ : إلى عيدكم حين كانت البلدة خالية، وإنما قاله سرا، ولم يسمع إلا رجل واحد فأفشاه١ عليه،
١ هكذا نقله محيي السنة عن مجاهد وقتادة والمنقول عن السدي: أن ضعفاء القوم سمعوا ذلك القول منه /١٢ منه..
﴿ فَجَعَلَهُمْ ﴾ أي : الأصنام، ﴿ جُذَاذًا ﴾ : مقطوعا، فعالا بمعنى مفعول أو جمع جذيذ، ﴿ إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ ﴾ : للأصنام، قطعهن بفأس، واستبقى الكبير، ووضع الفأس على عنقه، ﴿ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ ﴾ : إلى كبيرهم، ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ : فيعتقدون أنه هو الذي كسرهن حسدا عليهن، أو إلى إبراهيم فيحاجهم بأنه فعله كبيرهم، أو إلى الله بالتوحيد عند تحققهم عجز آلهتهم،
﴿ قَالُوا ﴾ : حين انصرفوا من العيد، ﴿ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا ﴾ القائل. من سمع قوله : لأكيدن أصنامكم وهذا
١ كما يقال : أكرمني بنو فلان، وإنما المكرم من بينهم رجل :﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ : بعيبهم، ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ مرفوع بيقال لأن المراد به الاسم٢،
١ لأن المناسب أن يقال: قال سمعنا؛ لأن القائل مفرد، على قول مجاهد وقتادة بخلاف ما قاله السيد /١٢ منه..
٢ فصح أن يكون مقولا لا المسمى، حتى لا يجوز تعلق القول به، قال صاحب البحر: هذا التأويل الذي ذكرناه في إبراهيم يمتعه بعض النحويين، إذ لا نحفظ من لسان العرب قلت زيد ولا قال ضرب، فالأولى أن إبراهيم نداء مقدر بجملة يحكى بيقال، أي: يقال حين يدعى يا إبراهيم، هذا ما في الوجيز وفي الفتح، ومن غرائب التدقيقات النحوية وعجائب التوجيهات الإعرابية، أن الأعلم الشنتمري الأشبيلى قال: إنه مرتفع على الإعمال، قال ابن عطية: ذهب إلى رفعه بغير شيء /١٢..
﴿ قَالُوا ﴾ : حين انصرفوا من العيد، ﴿ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا ﴾ القائل. من سمع قوله : لأكيدن أصنامكم وهذا
١ كما يقال : أكرمني بنو فلان، وإنما المكرم من بينهم رجل :﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ : بعيبهم، ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ مرفوع بيقال لأن المراد بن الاسم٢،
١ ؟؟؟؟؟.
٢ ؟؟؟؟؟.
﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ ﴾ : بمرأى منهم بحيث يتمكن١ صورته في أعينهم، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ : عليه أنه الفاعل، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، أو يحضرون عقابه، وكان هذا هو المقصود الأكبر له لأن بين لهم في محفل عظيم، وفور جهلهم وقلة عقلهم في عبادة الجماد،
١ تمكن الراكب من المركوب /١٢ منه..
﴿ قَالُوا ﴾ : حين أتوا به، ﴿ أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ أراد أن يتفكروا فيعترفوا بعدم نطقهم، وأن هذا لا يصدر عن صنم جماد، فتقوم الحجة عليهم وفي الصحيحين :( إن إبراهيم لم يكذب١ غير ثلاث )، قيل : أسند إلى الكبير لأن غاية تعظيمهم إياه سبب لمباشرة إبراهيم، فأسند إلى السبب٢،
١ وفي رواية أبي داود والترمذي: (لم يكذب إبراهيم في شيء قط، إلا في ثلاث كلهن في الله، قوله: إني سقيم، ولم يكن سقيما، وقوله لسارة: أختي وقوله: بل فعله كبيرهم هذا} / ١٢ فتح..
٢ وفي الوجيز بعد نقل هذا القول، وعندي أن مثل تلك التأويلات غير محتاج إليه على ما قال النبي –صلى الله عليه سلم- كما ورد في الصحيحين: لم يكذب إبراهيم غير ثلاث وعد هذا منها، ومثل هذا الكذب من الرخص كالتلفظ بالكفر عند التعذيب لكن هو عليه الصلاة والسلام من أولي العزم فعليه الاحتراز عن مثل ذلك لأنه يقال له: يا صاحب العزيمة إياك والرخص /١٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٢:﴿ قَالُوا ﴾ : حين أتوا به، ﴿ أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ أراد أن يتفكروا فيعترفوا بعدم نطقهم، وأن هذا لا يصدر عن صنم جماد، فتقوم الحجة عليهم وفي الصحيحين :( إن إبراهيم لم يكذب١ غير ثلاث )، قيل : أسند إلى الكبير لأن غاية تعظيمهم إياه سبب لمباشرة إبراهيم، فأسند إلى السبب٢،
١ وفي رواية أبي داود والترمذي: (لم يكذب إبراهيم في شيء قط، إلا في ثلاث كلهن في الله، قوله: إني سقيم، ولم يكن سقيما، وقوله لسارة: أختي وقوله: بل فعله كبيرهم هذا} / ١٢ فتح..
٢ وفي الوجيز بعد نقل هذا القول، وعندي أن مثل تلك التأويلات غير محتاج إليه على ما قال النبي –صلى الله عليه سلم- كما ورد في الصحيحين: لم يكذب إبراهيم غير ثلاث وعد هذا منها، ومثل هذا الكذب من الرخص كالتلفظ بالكفر عند التعذيب لكن هو عليه الصلاة والسلام من أولي العزم فعليه الاحتراز عن مثل ذلك لأنه يقال له: يا صاحب العزيمة إياك والرخص /١٢..

﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ ﴾ : بالملامة، أو راجعوا عقولهم وتفكروا، ﴿ فَقَالُوا ﴾ : قال بعضهم لبعض ﴿ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ : بهذا السؤال، أو لما أنكم تركتم الأصنام بلا حافظ، أو بعبادتكم من لا يتكلم،
﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ ﴾ : أطرقوا١ رءوسهم من الحيرة والخجل، أو انقلبوا٢ إلى المجادلة بعد ما أروا على أنفسهم بالظلم، شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء مستعليا على أعلاه، ﴿ لقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ ﴾ أي : قالوا لقد عملت إلخ فكيف نسألهم،
١ كذا فسره قتادة / ١٢ منه..
٢ كذا فسره السدي /١٢ منه..
﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴾ : إن عبدتموه، أو تركتموه،
﴿ أُفٍّ لَّكُمْ ﴾ هو صوت المتضجر، أي : قبحا ونتنا لكم، واللام لبيان المتأفف به، ﴿ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا ﴾ : أنتم مجانين لا تفهمون قبح مثل هذا الصنع، قالوا حين عجزوا عن الجواب ﴿ حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ ﴾ : بإهلاك عدوهم، ﴿ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ : ناصرين لآلهتكم، أو إن كنتم فاعلين شيئا،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:﴿ أُفٍّ لَّكُمْ ﴾ هو صوت المتضجر، أي : قبحا ونتنا لكم، واللام لبيان المتأفف به، ﴿ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا ﴾ : أنتم مجانين لا تفهمون قبح مثل هذا الصنع، قالوا حين عجزوا عن الجواب ﴿ حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ ﴾ : بإهلاك عدوهم، ﴿ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ : ناصرين لآلهتكم، أو إن كنتم فاعلين شيئا،
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا ﴾ أي : باردا فيه ما لا يخفي من المبالغة، ﴿ وَسَلَامًا ﴾ : يسلم من حرّك، ﴿ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾، جمعوا له حبطا وأوقدوا نارا وقد ذكر أنهم جمعوا حطبا كثيرا جدا حتى إن كانت امرأة تمرض فتقول إن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم، ثم أوقدوا نارا كادت الطير في الجو تحرق ورموه بالمنجنيق فيها، فقال : حسبي الله ونعم الوكيل، فاستقبله جبريل قائلا : ألك حاجة ؟ قال أما إليك فلا، فقال : سل ربك، فقال :( حسبي من سؤالي علمه بحالي )، فما أحرقت منه سوى وثاقيه١ وكان في النار سبعة٢ أيام وقيل خمسين، وقيل أربعين وهو ابن ست عشر٣، وكان يقول : ما أنهم أيامي في النار، وقيل : لم يبق نار في الأرض إلا طفئت، وما من دابة إلا تطفي الناس سوى الوزغ ولهذا عد من الفواسق،
١ كذا قاله ابن عباس والسدي وكعب الأحبار /١٢ منه..
٢ نقله محيي السنة /١٢ منه..
٣ قاله شعيب الجبائي /١٢ منه..
﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا ﴾ مكرا في إهلاكه، ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ : أخسر كل خاسر،
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا ﴾ : ابن أخيه١ من أرض العراق، ﴿ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ أي : الشام، فإن أكثر الأنبياء بعثوا فيه، فانتشرت في العالم بركتهم قيل : كل ماء ينبع في العالم فأصله من الشام، أو المراد بمكة،
١ قاله ابن عباس، أي: هاران الأصغر وكان لهما أخ ثالث اسمه ناخور، والثلاثة أولاد آزر وإبراهيم خرج من كوثا من أرض العراف ومعه لوط وسارة، فخرج يلتمس الفرار بدينه والأمان على عبادة ربه حتى نزل حران فمكث بها ما شاء الله ثم خرج من حران حتى قدم مصر، ثم خرج ورجع إلى الشام فنزل من أرض فلسطين، وترك لوطا بالمؤتفكة وهي على مسيرة يوم وليلة من اليسع فبعثه الله نبيا إلى أهلها وما قرب منها ذكره الخازن/ ١٢ فتح..
﴿ وَوَهَبْنَا١ لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةًّ ﴾ أي : عطية حال منهما، أو النافلة ولد٢ الولد، أو هو طلب ولدا فأعطي إسحاق وزاده يعقوب نافلة، فيكون حالا من يعقوب للقرينة، ﴿ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾
١ أي: زيادة وفضلا/ ١٢ منه..
٢ نقله العوفي عن ابن عباس /١٢ منه..
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ﴾ : يقتدي بهم، ﴿ يَهْدُونَ ﴾ : الناس بالحق، ﴿ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ﴾ لأن بحثوا عليه، ﴿ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ﴾ من عطف الخاص على العام للتفضيل، ﴿ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ : موحدين مخلصين.
﴿ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا ﴾ الفصل بالحق بين الخصوم، ﴿ وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ﴾ وهي قرية سدوم، كان عمل أهلها اللواط، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾
﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا ﴾ : في أهل رحمتنا أو في جنتنا، ﴿ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِين ﴾.
﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى ﴾ أي : اذكر نوحا إذ دعا على قومه بالهلاك وإذ نادى بدل من نوحا، ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ : من قبل المذكورين، ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ : دعاءه، ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ : الذين آمنوا به، ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ : تكذيبهم وأذاهم، فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يؤذونه ويوصون بمخالفته قرنا بعد قرن،
﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ : جلعناه منتصرا منهم، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ ﴾، فاسقين، ﴿ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ : فلم يبق على وجه الأرض منهم أحد،
﴿ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ أي : اذكرهما، ﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ ﴾ بدل منهما، ﴿ فِي الْحَرْثِ ﴾ كان ذلك كرما انثنت١ عناقيده، وقيل زرعا٢، ﴿ إِذْ نَفَشَتْ ﴾ : رعت ليلا٣، ﴿ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ﴾ : فأفسدته، ﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ : عالمين، وجمع الضمير لأنه أرداها والمتحاكمين إليهما، أو لأن الاثنين جمع،
١ كذا قال ابن عباس –رضي الله عنه- ونقل ابن جرير عن ابن مسعود –رضي الله عنه- ونقل ابن أبي حاتم عن مسروق/ ١٢منه..
٢ وهو أشبه بالعرق/ ١٢ فتح..
٣ لو وقع مثل هذا اليوم فمذهب الشافعي الضمان إن كان بالليل، وعند أبي حنيفة لا ضمان مطلقا إلا أن يكون مع البهيمة سائق أو قائد /١٢منه..
﴿ فَفَهَّمْنَاهَا ﴾ أي : الحكومة، أو الفتوى، ﴿ سُلَيْمَانَ ﴾ دون داود، فإنه حكم بأن الغنم لصاحب الكرم بدل إفساده وحكم سليمان بدفع الكرم لصاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان ويدفع الغنم إلى صاحب الكرم فينتفع بَدَّرها ونسلها وصوفها فإذا صار الحرث كما كان يأخذ كل منهما ماله، ﴿ وَكُلًّا ﴾ : من داود وسلمان، { آتَيْنَا
١ حُكْمًا وَعِلْمًا } قال بعض السلف٢ : لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا، ولكن الله تعالى حمد هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده، ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ﴾ يقدسن لله معه، ويجاوبنه قيل يصلين معه إذا صلى٣ وقيل : إذا فتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط، ويشتاق ويسبحن حال أو استئناف، وأخر الطير، لما أن تسبيح الجبال لأنها جماد أعجب، ﴿ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ : لأمثاله ليس ببدع منا،
١ وقد استدل بهذه الآية على أن كل مجتهد مصيب، ولا شك أنها تدل على رفع الإثم عن المخطئ، وأما على كون كل واحد منهما مصيبا فلا تدل هذه الآية ولا غيرها، بل صرح حديث الصحيحين، وغيرهما أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، فسماه النبي –صلى الله عليه وسلم- مخطئا، فكيف يقال إنه مصيب لحكم الله ؟! فإن حكم الله –سبحانه- واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين، وإلا لزم توقف حكمه عز وجل على اجتهاد المجتهدين واللازم باطل فالملزوم مثله، وأما لو وقع مثل اليوم في الشريعة المحمدية فقد ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها، وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عنها أو قيمته، وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعا في ليل أو نهار لا يلزم صاحبها شيء، وأدخلوا فسادها في عموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (جرح العجماء جبار) قياسا لجميع أفعالها على جرحها، ويجاب عنه بأن هذا القياس فاسد الاعتبار، لأنه في مقابلة النص، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يضمن رب الماشية ما أفسدته من غير فرق بين الليل والنهار، ويجاب عنه بحديث البراء / ١٢ فتح البيان..
٢ هو الحسن رضي الله عنه / ١٢..
٣ قال قتادة/ ١٢منه..
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ : عمل الدرع، ﴿ لِتُحْصِنَكُم ﴾ الضمير لداود في قراءة الياء، وللبوس الذي هو الدرع في قراءة التاء، وهو بدل اشتمال من لكم بإعادة الجار، ﴿ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ أي : فاشكروا لي وكان قريش أهل حرب وقتال،
﴿ وَلِسُلَيْمَانَ ﴾ عطف على مع داود، إن كان متعلقا بسخرنا، وإن تعلق يسبحن فتقديره وسخرنا لسليمان، ﴿ الرِّيحَ عَاصِفَةً ﴾ : شديدة الهبوب، ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ حال ثانية، ﴿ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ الشام فإنه وطنه، كان له بسط من خشب يوضع عليه ما أراد من الجند، وغيره فتحملها الريح، وتظله الطير من الحر إلى حيث يشاء، والريح في قبضته إن أراد عاصفة فعاصفة، وإن أراد رخوة فرخوة، وعلى الوجهين لينة لا تشوشهم ولا تزلزلهم، ﴿ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ فتجري الأشياء على ما يقتضيه علمنا،
﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ ﴾ : فيخرجون من البحر الجواهر، واللآلئ، والجملة مبتدأ أو خبر أو من يغوصون عطف على الريح، ﴿ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ ﴾ : سوى الغوص، ﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ : من الزيغ والفساد،
﴿ وَأَيُّوبَ ﴾ أي : واذكره، ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي ﴾ أي : بأني، ﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ كان نبيا صاحب حرث وأنعام وأولاد فابتلاه الله بإهلاك كلها ثم ابتلاه بجسده فلم يبق منه سليم سوى لسانه وقلبه ويذكر بهما ربه حتى تنافر عنه كل أنيس، وتحاشى عنه كل جليس، فلا يتردد عليه سوى زوجته، ويقال : إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله فدعا الله لكشف كربه بعد١ مدد من الأيام المتطاولة بهذا الأسلوب البليغ،
١ قال الحسن وقتادة: سبع سنين، وقال وهب بن منيه: ثلاث سنين، ونقل ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (أن أيوب لبث به بلاءه ثماني عشر سنة) قيل دعاؤه هذا بعد أن لامه بعض أصحابه حين جاءوه وافدين من بعيد قائلين تب إلى الله من ذنب تلك عقوبته فتضرع بتلك العبادة في كشف كربه قائلا: لا طاقة لي في أن ينسبني أحد إلى معصيتك، لضر بالفتح الضر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض وهزال /١٢ وجيز. [ذكره ابن كثير في (تفسيره) (٣/١٩٠/ وقال: رفع هذا الحديث غريب جدا وذكره السيوطي في (الدر المنثور) (٤/٥٩٣) وعزاه لابن أبي الدنيا وأبي بعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وللحاكم وصححه]..
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾ : بالشفاء، ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ﴾ : بإحياء من مات من أولاده، وإعطائه مثلهم من الأولاد، أو أعطيناه أولاده الذين ماتوا في الجنة، ومثلهم معهم في الدنيا في الدنيا فقد نقل١ أنه قيل له : إن أهلك في الجنة إن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك فيها وعوضناك مثلهم في الدنيا فاختار الثاني، ﴿ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾ على أيوب مفعول له، ﴿ وَذِكْرَى ﴾ : تذكرة، ﴿ لِلْعَابِدِينَ ﴾ : ليصبروا كما صبروا لئلا ييأسوا في البلاء،
١ عن مجاهد /١٢..
﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ﴾ كثير من السلف١ على أنه صالح من بني إسرائيل تكفل لنبي أن يكفيه أمر قومه، ويقضي بينه وبينهم بالعدل وفعل فسمي ذا الكفل٢ لكن الظاهر أنه نبي قرنه في سلكهم، ﴿ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ﴾ : على مشاق التكاليف،
١ كمجاهد وابن عباس –رضي الله عنه- وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم /١٢ منه..
٢ أخرج أحمد والترمذي وحسنه ابن حبان والطبري والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن ابن عمر عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال: ما يبكيك أكرهتك ؟ قالت: لا ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته، واذهبي فهي لك، وقال: والله لا أعصي الله بعدها أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه إن الله قد غفر للكفل) [وضعفه الشيخ الألباني في (ضعيف الجامع) (٤١٥٤)] وقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس بنبي، وبه قال أبو موسى الأشعري ومجاهد وغيرهما وقال جماعة: هو نبي، ولعله هو الصحيح، وبه قال الحسن، لأنه الله قرن ذكره بإسماعيل وإدريس، ولأن السورة ملقبة بسورة الأنبياء /١٢ فتح..
﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ﴾ : النبوة والجنة، ﴿ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ : الكاملين في الصلاح،
﴿ وَذَا النُّونِ ﴾ : يونس، ﴿ إِذ ذَّهَبَ ﴾ : من بين قومه، ﴿ مُغَاضِبًا ﴾ لهم من غير إذن ربه حين أصروا على الكفر، والمفاعلة للمبالغة، أو هو أغضبهم أيضا بالمهاجرة عنهم خوف العذاب، ﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ : لن نضيق عليه، أو لن نقضي عليه بالعقوبة ولن نعمل فيه قدرتنا، ويؤيده قراءة نقدّر بالتشديد قيل : هذا من باب التمثيل، أي : حاله ممثلة بحال من ظن عدم قدرتنا عليه في مراغمة قومه من غير انتظار لأمرنا، وقيل : خطرة شيطانية سماها للمبالغة ظنا، ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾ : ظلمة بطن الحوت والبحر والليل، ﴿ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ ﴾ أي : بأنه، أو أن مفسرة، ﴿ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ لمبادرتي إلى الهجرة قبل الإذن،
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾ : بأن قذفه الحوت بالساحل سالما بعد ما مكث في بطنه أربعين يوما١، ﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي٢ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ إذا دعونا في الشدائد منيبين إلينا، سيما إذا دعوا بهذا الدعاء، ففي الحديث ( ما من مكروب٣ يدعوا بهذا الدعاء إلا استجيب له )،
١ رواه ابن جرير عن الحسن البصري /١٢ منه..
٢ أخرج أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: (اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِي به أجاب وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى)، قلت: يا رسول الله هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال: هي ليونس خاصة، وللمؤمنين عامة، إذا دعوا به ألم تسمع قول الله) وكذلك ننجي المؤمنين)؟، فهو شرط من الله لمن دعاه) /١٢ فتح. [أخرجه أحمد والترمذي والنسائي بغير هذا اللفظ وأخرجه الحاكم في (المستدرك) (١/٥٠٥) بهذا اللفظ].
.

٣ رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم بغير هذه العبارة /١٢ منه..
﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا ﴾ : بلا ولد، ﴿ وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ١ ثناء منه على الله بأنه خير من يبقى بعد ما سأل ولدا يبقى بعده،
١ قيل: سأل أن يرزقه ربه ولدا يرثه، كما مر ورد أمره إلى الله فقال: وأنت خير الوارثين، أي: إن لم ترزقني من يرثني فأنت خير وارث /١٢ وجيز..
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ : صيرناها ولودا بعد ما كانت عاقرا أو حسنة الخلق بعد ما كانت سيئة١ الخلق، ﴿ إِنَّهُمْ ﴾ : المذكورين من الأنبياء، أو زكريا وأهل بيته، ﴿ كَانُوا يُسَارِعُونَ ﴾ : يبادرون، ﴿ فِي الْخَيْرَاتِ٢ : في عمل القربات، ﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾ : راغبين في رحمتنا راهبين من عذبنا، ﴿ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ لا يخافون ولا يخضعون لغيرنا،
١ قاله عطاء ومحمد بن كعب والسدي /١٢..
٢ نقل ابن أبي حاتم عن أبي بكر –رضي الله عنه- قال في خطبة: إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: إنهم يسارعون في الخيرات /١٢ منه..
﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ أي : مريم فإنها بكر ما ذاقت حلالا ولا حراما، ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ﴾ بأن أرمنا جبريل بالنفخ في جيب درعها، وإضافة الروح إليه للتشريف، وقيل من جهة روحنا جبريل، ﴿ وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً ﴾ دالة على كمال قدرتنا، ﴿ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ فإنها أتت به من غير فحل،
﴿ إِنَّ هَذِهِ ﴾ : ملة الإسلام، ﴿ أُمَّتُكُمْ ﴾ : ملتكم، ﴿ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ : غير مختلفة في ما بين الأنبياء، نصب على الحال، ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ : لا غيري،
﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ﴾ إما بمعنى قطعوا، أو نصب أمرهم بترع الخافض، يعني اختلفوا وصاروا فرقا التفت من التكلم إلى الغيبة لينعي عليهم ما أفسدوه إلى المؤمنين١، ويقبح عندهم كأنه يقول : ألا ترون إلى قبح ما ارتكبوا هؤلاء في ديننا ؟ ﴿ كُلٌّ ﴾ : من الفرق، ﴿ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾ : فنجازيهم.
١ متعلق بينعي لتضمين معنى الإنهاء /١٢..
﴿ فَمن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ الكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر في إعطائه، ﴿ وَإِنَّا لَهُ ﴾ : لسعيه، ﴿ كَاتِبُونَ ﴾، في صحيفة عمله، أو إنا كاتبون لمن يعمل ما عمل،
﴿ وَحَرَامٌ ﴾ : ممتنع، ﴿ عَلَى ﴾ : أهل، ﴿ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ١ أي : رجوعهم إلى الدنيا، فلا صلة، وقيل معنى الحرام الواجب فلا غير صلة، وقيل : معناه حرام على أهل قرية قدرنا إهلاكهم بالكفر أن يرجعوا عن كفرهم وينيبوا، وقيل : حرام عليهم عدم كفران سعيهم، لأنهم لا يرجعون عن الكفر،
١ يريد أنهم يرجعون، فزاد لا في أنهم لا يرجعون/ تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة..
﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ﴾ أي : حرام عليهم الرجوع إلى الدنيا إلى أن فتحت سد يأجوج ومأجوج فإنهم يحيون ويرجعون إلى الدنيا حينئذ للقيامة، أو ممتنع عليهم الإنابة إلى القيامة، وإنابتهم في القيامة لا تنفع، ﴿ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ ﴾ : مرتفع من الأرض، ﴿ يَنسِلُونَ ﴾، يسرعون في الحديث١ ( هم صغار العيون عراض الوجوه من كل حدب ينسلون )،
١ رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم /١٢ منه. [وقال الهيثمي في (المجمع) (٧/٦): رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح]..
﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ﴾ أي : القيامة عطف على فتحت، ﴿ فَإِذَا هِيَ ﴾، جواب الشرط، وإذا للمفاجأة سد مسد الفاء فإذا دخل الفاء أيضا تأكد الارتباط، ﴿ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فتحت أعينهم لا يكاد تطرف من الهول، وضمير هي مبهم يفسره الأبصار، أو ضمير القصة، ﴿ يَا وَيْلَنَا ﴾ أي : قالوا يا ويلنا، ﴿ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ ﴾ : في الدنيا، ﴿ مِّنْ هَذَا ﴾، اليوم ما كنا نعلم أنه حق، ﴿ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ : لأنفسنا لأنه نبهنا الرسل فكذبناهم،
﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ أي : الأصنام، ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ الحصب، ما يحصب ويرمي به في النار، ﴿ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ استئناف، واللام١ للاختصاص فإن استعمال الورود بعلى، وقيل لها خبر وواردون خبر ثان،
١ أي: أنتم خاصون مختصون لها /١٢ منه..
﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاء ﴾ : الأصنام، ﴿ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ ﴾ : من العابد والمعبود، ﴿ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ ﴾ : للكافرين، ﴿ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ : أنين، ﴿ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴾، عن ابن مسعود إذا بقي من يخلد فيها جعل لكل منهم تابوت من نار مسمر من نار فلا يظن أحد منهم أنه يعذب في النار غيره، ثم قرأ وهم فيها لا يسمعون،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاء ﴾ : الأصنام، ﴿ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ ﴾ : من العابد والمعبود، ﴿ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ ﴾ : للكافرين، ﴿ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ : أنين، ﴿ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴾، عن ابن مسعود إذا بقي من يخلد فيها جعل لكل منهم تابوت من نار مسمر من نار فلا يظن أحد منهم أنه يعذب في النار غيره، ثم قرأ وهم فيها لا يسمعون،
﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى ﴾ : الرحمة والسعادة، ﴿ أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ قد ذكر١ أنه عليه السلام لما تلا ( إنكم وما تعبدون ) الآية، قيل قد عبدت الملائكة وعزير ومسيح فكل منهم مع آلهتنا في النار فأجاب عليه السلام أنهم إنما يعبدون الشيطان، ومن أمرهم بعبادته ثم نزل ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) الآية، استثناء من المعبودين، فعلى هذا ( وما تعبدون ) عام مخصص،
١ روي ابن أبي حاتم عن ابن عباس وأبو بكر بن مردويه عنه أيضا ورواه غيرهما أيضا /١٢ منه كذا في الوجيز..
﴿ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ﴾ هو صوت يحس به، خبر ثان لأولئك أو حال، ﴿ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ : دائمون في التنعم،
﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ﴾ : النفخة في الصور، أو حين يؤمر بالكفار إلى النار، أو حين يطبق النار على أهلها، أو حين يذبح الموت، ﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ : تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة مهنئين قائلين ﴿ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ : للثواب،
﴿ يَوْمَ ﴾ عامله لا يحزنهم أو تتلقاهم أو اذكر، ﴿ نَطْوِي السَّمَاء ﴾ الطي ضد النشر، ﴿ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ السجل الصحيفة، صرح بذلك جماهير السلف، أي : كطي الطومار لأجل ما يكتب فيه، يعني : تطوى السماء كما يطوى الكتاب الطومار ويسوى ويضعه مطويا حتى إذا احتاج إلى الكتابة لم يحتج إلى تسوية، أو السجل ملك يطوي كتب بني آدم وعلى هذا اللام زيدت للاختصاص، وفي سنن أبي داود والنسائي أنه كاتب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- وكثير من الأكابر١ صرحوا بوضعه٢، وقالوا : لا يعرف من الصحابة أحد اسمه السجل، ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ٣، أي : نعيد أول الخلق كما بدأناه، وأول الخلق عبادة عن إيجادة عن العدم فنصب أول نعيد المقدر المفسر بنعيد وكم مفعول مطلق أو كما مفعول به لنعيد المقدر وما موصولة، وأول ظرف لبدأنا وحينئذ مفعول بدأنا ضمير لما، أي : نعيد مثل الذي بدأناه في أول الخلق حين الإيجاد عن العدم، ﴿ وَعْدًا عَلَيْنَا ﴾، أي : نعد وعدا علينا إنجازه، أو مصدر مؤكد، ﴿ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ : ذلك البتة،
١ وفي الوجيز وأما أن السجل اسم لكاتب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كما في أبي داود والنسائي، فقد حكم النقاد أنه موضوع، وليس في الصحابة من يسمى بالسجل. انتهى،
وفي الفتح قال ابن كثير: هذا منكر جدا، وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في سنن أبي داود منهم الحافظ المزي وقد أفرد الشوكاني لهذا الحديث جزء على حدة وقد تصدى الإمام ابن جرير للإنكار على هذا الحديث ورده أتم رد، وقال: لا نعرف في الصحابة أحدا اسمه سجل، وكتاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كانوا معروفين وليس فيهم أحد اسمه السجل انتهى /١٢..

٢ كأبي الحجاج والمزي والإمام أبي جعفر ابن جرير، وقالا. موضوع ركيك /١٢ منه..
٣ يعني كما أبرزناه من العدم نعيده ثاني مرة أو خبر من أن كل شخص يبعث على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا كما ورد في الحديث: (يحشر الناس حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده) /١٢ وجيز..
﴿ وَلَقَدْ١ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ ﴾ : الزبور ما أنزل من الكتاب، والذكر اللوح المحفوظ، أي : كتبنا في الكتب بعد ما كتبنا في اللوح أو هو كتاب داود، والذكر التوراة، ﴿ أَنَّ الْأَرْضَ ﴾ أرض الجنة، أو أرض الكفار، أو بيت المقدس، ﴿ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ : المؤمن مطلقا أو أمة محمد –عليه السلام،
١ ولما ذكر أن وعده حق لا يختلف الموعد عنه أعقبه بما هو دال على ذلك فقال: (ولقد كتبنا في الزبور) /١٢ وجيز..
﴿ إِنَّ فِي هَذَا ﴾ : القرآن، ﴿ لَبَلَاغًا ﴾ : لكفاية، أو لوصولا إلى البغية، ﴿ لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴾ : لله لا للشيطان،
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً١ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ : للبر والفاجر، فإنه رُفع ببركته الخسف والمسخ والاستئصال، أو أرسله للرحمة على الكل، لكن بعضهم أعرضوا عن الرحمة، وما تعرضوا لها فحر مانهم وشقاوتهم من سوء شكيمتهم،
١ أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: ادع الله على المشركين، قال: إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة)، ثم بين سبحانه أن أصل تلك الرحمة هو التوحيد، والبراءة من الشرك فقال: (قل إنما يوحى) الآية /١٢ فتح..
﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ : لا متعدد كما تقولون، أو المقصود الأصلي من جميع١الوحي العلم بالوحدانية، فكأنه ما نزل عليه إلا هذا، أو ما كافة، ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ : مخلصون٢العبادة لله،
١ كما تقول لمن يعتقد قعود زيد: ما زيد إلا قائم، فلا يلزم أن لا يوحى بالشرائع والقصص /١٢ منه..
٢ استفهام يتضمن الأمر بالإخلاص والانقياد /١٢ وجيز..
﴿ فَإِن تَوَلَّوْا ﴾ : عن الإسلام، ﴿ فَقُلْ آذَنتُكُمْ ﴾، أنذرتكم بالعذاب، ﴿ عَلَى سَوَاء ﴾ : مستوين في الإعلام، أو إيذانا على سواء، أو حال من الفاعل والمفعول، أي : مستويان في العلم بما أعلمتكم لا أدري وقته، وقيل معناه : إن أعرضوا فقل أعلمتكم بما يوحى إلى مستوين في العلم ما كتمت شيئا عن أحد، ﴿ وَإِنْ ﴾ : نافية، ﴿ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾، من١ العذاب أو القيامة،
١ من العذاب وهذا مشعر بأن الإيذان به إيذان العذاب لا إعلام الوحي /١٢ وجيز..
﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ﴾ لا تفاوت عنده في إسراركم الطعن في الإسلام وإجهاركم،
﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ ﴾ : لعل تأخير العذاب، ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ : اختبار، ﴿ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ تمتيع إلى أجل قدره الله،
﴿ قَالَ رَبِّ احْكُم ﴾، اقض بيننا وبينهم، ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ : بالعدل، أمر باستعجال عذاب هو حقيق لهم، وقد وقع ببدر، وفي الدعاء أيضا إظهار لعبوديته والرغبة، وإن كان المدعو أمرا محققا، ﴿ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ١ الْمُسْتَعَانُ ﴾، المسئول منه المعونة، ﴿ عَلَى مَا تَصِفُون٢، من الحال فإن زعمهم أن راية الإسلام ستنتكس عن قريب وتصير الشوكة لهم فخيّب الله آمالهم وخرب مآلهم.
١ قوله: ربنا مبتدأ والرحمن صفة والمستعان خبره /١٢ وجيز..
٢ أخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال: (بنو إسرائيل) [يعني: (الإسراء)]، والكهف ومريم والأنبياء من العتاق الأول وهن من تلادي وعن عامر بن ربيعة قال لرجل من العرب نزل به: لا حاجة في قطعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا. يريد هذه السورة / ١٢ فتح..
Icon