ﰡ
مكية كلها في قول الجميع، وعدد آياتها ثماني عشرة ومائة آية.
وهي تدور حول الإيمان والمؤمنين من أولها إلى آخرها فهي إذ تصف المؤمنين، تذكر أسس الإيمان في الإنسان والكون، ثم تتعرض لرسالات بعض الأنبياء وكلها تدعو للإيمان، ثم تعود إلى المؤمنين وخصالهم وإلى الكافرين وأعمالهم مع تعرض لبعض صفات الله ونراها تختتم الكلام بتوجيهات للنبي صلّى الله عليه وسلم، ثم بذكر مشهد من مشاهد يوم القيامة للعبرة والعظة.
من هم المؤمنون؟ [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١ الى ١١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١)
اللَّغْوِ ما لا خير فيه ابْتَغى طلب العادُونَ المتجاوزون الحدود الْفِرْدَوْسَ أعلى مكان في الجنة.
روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: كان إذا نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحى يسمع عند وجهه كدوي النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة، ورفع يديه وقال: «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وآثرنا. ولا تؤثر علينا، وارض عنّا وأرضنا، ثم قال: نزل علىّ عشر آيات من أقامهنّ (أى: عمل فيهنّ) دخل الجنّة، ثم قرأ:
قد أفلح المؤمنون حتّى ختم العشر» رواه أحمد والترمذي.
وروى النسائي قال: قلنا لعائشة أم المؤمنين: كيف كان خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟
قالت: كان خلقه القرآن، فقرأت قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ حتى انتهت إلى وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ قالت: هكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
المعنى:
قد أفلح المؤمنون، وفازوا وسعدوا، أولئك المؤمنون الذين وصفهم الحق- تبارك وتعالى- بما يأتى:
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قد سكنت جوارحهم، وخشعت قلوبهم، وقال الحسن البصري: كان خشوع الصحابة- رضوان الله عليهم- في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا جناحهم.
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن أفرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة نفسه، وقرة عينه كما
قال الرسول صلّى الله عليه وسلم «حبّب إلىّ من دنياكم ثلاث: الطّيب، والنّساء، وجعلت قرّة عيني في الصّلاة»
، وكما
روى قوله صلّى الله عليه وسلّم يا بلال «أرحنا بالصّلاة».
وأمارة الخشوع أن يتوقى إصلاح الثوب، والالتفات يمينا وشمالا، والتثاؤب وتغطية الفم باليد، والتشبيك، واللعب في اللحى، والنظر إلى الأصابع، وتقليب الحصى،
فقال: «لو سكن قلب هذا لسكنت جوارحه».
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ اللغو هو الباطل، وما لا خير فيه ولا فائدة منه والمؤمن حقيقة هو الذي يشعر بثقل الرسالة التي كلف بها، ويشعر بالواجب عليه نحو نفسه ووطنه ودينه، ويشعر تماما بأن في عنقه أمانة هو محاسب عليها، لا يهدأ، ولا يسكن حتى يقوم بها. ومن كان كذلك كان معرضا عن اللهو، والمجون والعبث وضياع الوقت في غير المجدي.
وانظر يا أخى إلى أن هذا اللغو دأب أفراد الأمم المتأخرة المتكاسلة، وإلا فالوقت مهما طال فهو أقل بكثير مما عليك من واجب وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً.
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ يظهر والله أعلم أن المراد بالزكاة مطلق الإنفاق في سبيل الله، وإلا فالزكاة الشرعية المحددة النصيب لم تفرض إلا في السنة الثانية للهجرة وكانوا في مكة يؤمرون بالإنفاق المطلق، ألا ترى إلى قوله- تعالى- في سورة الأنعام الآية ١٤١ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وفي سورة فصلت وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [الآيتان ٦ و ٧].
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ نعم هم الذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلم يقعوا فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط واستمناء باليد، لا يقربون سوى زوجاتهم التي أحلها الله لهم، أو ما ملكت أيمانهم من السراري التي أخذت في الحروب لا التي شاعت في القرون السابقة، وكانت تباع في الأسواق، فالشرع لم يحلل الرق إلا في صورة واحدة هي في حروب الإسلام مع الكفار فتقسم النساء على المحاربين إكراما. لهم، مع أن الدين حض في كل مناسبة على تحرير الرقاب، ولم يكن الرق واجبا حتميا بل جعله في يد الإمام يفعله متى يشاء وعلى ذلك فلنا أن نحرمه الآن لما يترتب عليه.
ومن تعاطى ما أحله الله فلا لوم عليه ولا حرج، فمن ابتغى وراء ذلك أى غير الأزواج والإماء فأولئك هم المعتدون المتجاوزون، وعلى ذلك حرم نكاح المتعة، والاستمناء باليد.
ولحديث أنس ابن مالك «سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم، ولا يجمعهم مع العالمين ويدخلهم النّار في أوّل الدّاخلين: النّاكح يده، والفاعل والمفعول به، ومدمن الخمر، والضّارب والديه حتّى يستغيثا، والمؤذى جيرانه حتّى يلعنوه، والنّاكح حليلة جاره».
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وهم إذا اؤتمنوا لم يخونوا بل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عقدوا عقدا قاموا به، ووفوا ما عليهم، وهكذا المسلمون دائما يوفون بالعهد، وعلى عكسهم المنافقون الذين وصفهم الرسول بقوله «آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ فهم يواظبون عليها ويؤدون جميع الصلوات في أوقاتها، مع المحافظة على الصلاة وشروطها وآدابها وأركانها.
وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة، واختتمها بالصلاة فدل على أفضليتها ومكانتها وأنها عمود الدين
ولقد قال رسول الإسلام: «استقيموا ولن تحصلوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة».
أولئك البعيدون في درجات الكمال، المتصفون بهذه الصفات التي تثبت الإيمان في قلب المؤمن، والتي تغرس في قلبه حب الدين والخوف من الله، والتي تنتج المؤمن الكامل، المؤمن القوى، والمؤمن العامل في جيش الإسلام فهذه صفات تخلق الفرد وهناك صفات للمؤمنين كجماعة من الجماعات الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ [سورة التوبة آية ٧١].
أولئك هم الأحقاء بأن يأخذوا الجنة، ويستحقوا الفردوس استحقاق الوارث في مال مورثه جزاء ما عملوا، ونتيجة لما قدموا.
وهم فيها خالدون وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف ٧٢].
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)
وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١)
وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢)
المفردات:
مِنْ سُلالَةٍ من خلاصة استلت من الطين، والسلالة من السل وهو استخراج الشيء من الشيء يقال: سللت الشعر من العجين والسيف من الغمد فانسل قَرارٍ
المراد الرحم طَرائِقَ جمع طريقة والمراد السموات السبع، سميت بذلك لأن بعضها فوق بعض بِقَدَرٍ بمقدار معلوم عندنا طُورِ سَيْناءَ طور سيناء، وَصِبْغٍ كل إدام يؤتدم به فهو صبغ، وأصل الصبغ ما يصبغ به الثوب أى يلون، وشبه الإدام به لأن الخبز يلون به إذا غمس فيه.
لقد أمر الحق- تبارك وتعالى- بالإيمان وبالاتصاف بشعبه المهمة التي تكون المؤمن الصالح ببيان صفات المؤمنين التي هي سبب في فلاحهم وفوزهم. وذلك في الآيات السابقة. وهذا لا يتم إلا بعد معرفة الإله معرفة حقيقة والإيمان به والاستدلال على ذاته الكريمة وصفاته الجليلة كالقدرة والوجدانية، والعلم والحكمة وغيرها. ولذا ترى القرآن الكريم أخذ يسوق الأدلة على ذلك في خلق الإنسان، وفي تكوين السموات وفي نزول الأمطار وخروج النبات، وفي خلقه الحيوان ومنافعه.
المعنى:
ولقد خلقنا الإنسان، وقلبناه في أدوار الخلقة وأطوار الفطرة. أفلا يكون ذلك دليلا كافيا على وحدانيته تعالى: واتصافه بكل كمال، وتنزهه عن كل نقص؟ هذه الأطوار كل طور فيها لا يمت إلى الآخر بصلة.
لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ومن هو الإنسان؟ أهو آدم أم أولاده أو هو لفظ عام شامل للكل؟
أما آدم فخلق من طين لازب إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [سورة ص الآيتان ٧١ و ٧٢].
وأما أولاده فقد خلقت من منى يمنى، وهذا المنى من الدم، والغذاء سواء كان نباتا أو حيوانا مصدره الأرض، إذا الإنسان مطلقا خلق من طين كما نصت الآية وعلى ذلك نفهم قوله تعالى خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ أى: صلب الرجل وترائب المرأة أى: عظام صدرها، مع قوله: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [السجدة ٧ و ٨].
تلك نظرية القرآن- كلام الله الذي خلق الإنسان من العدم- في وضوحها وهي لا تعارض بنظرية النشوء والارتقاء في تكوين الإنسان إذ أنها بنيت على الحدس والتخمين
ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ نعم هو قرار مكين حقا فالجنين يوضع في كيس (المشيمة) وهذا الكيس فيه ماء قليل حامل للطفل وحافظ له من الحركات العنيفة، وتقلبات الأم الشديدة، وهذا الكيس في الرحم، والرحم مغلق وهو في الحوض، أفلا يكون هذا في قرار مكين؟ ومع هذا كله فالجنين يتغذى ويتنفس بعد مدة من الزمن أما كيف يتنفس؟ فهذا دليل على القدرة التي لا تحد!.
ثم خلقنا النطفة التي هي حيوان منوي واحد من ملايين تنزل من الرجل علقة أى:
جعلناها علقة فحولنا النطفة من صفاتها إلى صفات العلقة، وهي الدم الجامد.
فخلقنا العلقة مضغة: أى جعلناها قطعة لحم قدر ما يمضغ بعد أن كانت جزءا من الدم الجامد.
فخلقنا المضغة عظاما، ومن الذي كون العظام من اللحم؟، والعظام لها طابع خاص ومكون من مواد تختلف عن مواد اللحم، إنه الخالق- سبحانه وتعالى-.
فكسونا العظام لحما، نعم قد كسى العظام باللحم والعصب. إنه نظام دقيق جدا يعرفه من مارس صنع الآلات، وحاجتها الشديدة إلى ما يشبه المفاصل في الإنسان إنه تركيب دقيق، وصنعة محكمة! والطب الحديث أثبت أن العظم يتكون أولا ثم يكسى باللحم فمن علم ذلك النبي الأمى؟! إنه الله!! ثم أنشأناه خلقا آخر، نعم ثم بعد هذا أنشأناه خلقا آخر يسمع ويتحرك ويتنفس وكان قبل هذا قطعة لحم بدون حياة كاملة ثم بعد ذلك نزل من بطن أمه للحياة يسعى ويعمل، وصار في وضع لو دخل في بطن أمه لحظة بعد خروجه لمات لساعته، سبحانك يا رب!! وانظر إلى التعبير بثم هنا، وبالفاء قبله!! فالفاء للترتيب مع التعقيب، وثم للترتيب مع التراخي فتبارك الله أحسن الخالقين. نعم تعالى الله خالق هذا الإنسان، فالبركات والخيرات والنعم كلها منه- سبحانه وتعالى- وهو المستحق للثناء والتعظيم والعبادة لا إله غيره، ولا معبود سواه.
الأدلة الواضحة في خلق السماوات
ولقد خلقنا يا بنى آدم فوقكم سبع سموات طباقا، وما كنا عن الخلق غافلين، بل حاسبين عالمين بالغيب والشهادة:
والسموات السبع قيل: إن السماء عبارة عن الفلك الذي يدور فيه مجموعة من الكواكب مثل المجموعة الشمسية وهذه المجموعة مكونة من الشمس مثلا وكثير من الكواكب التي تنجذب إليها وتدور حولها في مدارها، وهكذا حتى تتكون سبعة أفلاك وهي السموات السبع التي هي جزء من العالم العلوي.
ولكن إذا نظرنا إلى نصوص القرآن المتعددة والمذكورة في كثير من السور مثل قوله تعالى:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً «١». وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ «٢». إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ «٣» وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ «٤». وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ «٥».
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ «٦». أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً «٧». وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً «٨». أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها «٩». إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ «١٠» إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ «١١».. وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ | «١٢» أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ «١٣» وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ «١٤» هذه النصوص كلها تجعلنا نقول مع القائلين أن السماء مادة فيها الكواكب والله أعلم بهذه المادة، وإنما قيل سبع طرائق وفي آية أخرى طباقا لأنها متطارقة بعضها فوق بعض، أى متطابقة، وقيل لأنها طرائق الملائكة. |
(٢) الذاريات آية ٤٧.
(٣) الصافات آية ٦.
(٤) فصلت آية ١٢.
(٥) الطور آية ٤٤.
(٦) الحاقة آية ١٦.
(٧) نوح الآيتان ١٥ و ١٦.
(٨) النبأ آية ١٢.
(٩) النازعات الآيتان ٢٧ و ٢٨.
(١٠) الانفطار آية ١.
(١١) الانشقاق آية ١.
(١٢) البروج آية ١. [.....]
(١٣) الغاشية الآيتان ١٧ و ١٨.
(١٤) الحج آية ٦٥.
والله- سبحانه وتعالى- أنزل من السماء ماء على هيئة المطر، وإن قصته لعجيبة تدل على كمال القدرة فالماء الذي على سطح الأرض (وما أكثره) يتبخر على شكل بخار يصعد إلى أعلى لخفته ثم إذا تجمد تحمله الرياح إلى حيث يراد نزوله، فينزل عذبا فراتا سائغا شرابه، كل هذه الأدوار والأطوار التي مر بها الماء من الذي خلقها؟ إنه الله- سبحانه وتعالى-.
الله ينزل من السّماء ماء على من يشاء من عباده ينزله بقدر معلوم، قدر لا يضر ولا يهلك، بل يقدر المصلحة العامة غالبا.
والمطر إذا نزل على الأرض تسرب فيها، وكون في باطنها ما يشبه البحيرات والأنهار، وقد أثبت البحث حديثا أن تحت القطر المصرى نهرا أكثر ماء من نهر النيل، وآية ذلك العيون والآبار التي في الصحراء وغيرها، والآلات الميكانيكية التي ترفع المياه الجوفية فيسقى بها الزرع، وتنشأ بها الجنات والبساتين.
نعم أنشأ الله بهذا الماء النازل من السماء جنات من نخيل وأعناب وغيرها من أصناف المزروعات المنتشرة الآن في العالم كله، وإنما خص النخيل والأعناب بالذكر لأنهما المعروفان عند العرب كثيرا، وغيرهما بالقياس.
لنا في هذه الزروع ما نتفكه به، وما نأكل منه ونشأ به شجرة تخرج في طور سيناء- وهي الصحراء القاحلة، لولا ما ينزل عليها من الأمطار- هي شجرة الزيتون ومنها الدهن والإدام الذي يؤتدم به، وفيه الشفاء لكثير من الأمراض وهو أصح من السمن في كثير من الحالات والله- سبحانه وتعالى- قادر على إذهاب المطر ومنعه، وعلى جفاف المياه الجوفية وإزالتها قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ؟! [سورة الملك آية ٣٠].
الأدلة في الأنعام وخلقها
أما الأنعام التي خلقها الله لنا، وسخرها لخدمتنا، وذللها لمنافعنا، فهي الإبل والبقر بنوعيه والضأن والماعز، وغيرها كثير:
ولنا في لبنه عبرة وعظة، وأية عبرة هذه!! إنه اللبن الذي تفرزه الغدد ويخرج من
أفلا يدل هذا على وجود الصانع المختار، الحكيم القادر؟ جل شأنه، وأنه قادر على إعادة الحياة بعد فنائها ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى.
أليس من الفلاح والسعادة للبشر أن يؤمنوا بهذا الإله الذي خلق فسوى وأنعم وتفضل؟!
العبرة من قصة نوح- عليه السلام-[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٢٣ الى ٣٠]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧)
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠)
الْمَلَأُ هم أشراف القوم الذين يملؤون العيون بهجة يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ يسودكم ويشرف ويتعاظم عليكم جِنَّةٌ جنون وضعف في العقل فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ فانتظروا به ريب المنون بِأَعْيُنِنا برعايتنا التَّنُّورُ مكان يصنع على هيئة خاصة توقد فيه النار لطهى الخبز، وهو معروف فَاسْلُكْ أدخل فيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ذكر وأنثى من كل حيوان موجود وقتئذ مُنْزَلًا إنزالا مباركا أى فيه الخير والبركة.
اعلم أن الله- سبحانه وتعالى- لما بين دلائل التوحيد، ووصف نفسه بالقدرة الكاملة والعلم التام بما ذكر من خلق الأشياء السابقة وأطوارها ليدعم مبدأ الإيمان بالله، أردف ذلك بذكر بعض القصص للأنبياء، وفيها آية كمال قدرة الله تعالى، وأنه ينصر أنبياءه ومن آمن معهم، ويهلك أعداءهم، وبدأ بقصة نوح الأب الثاني للبشر وهو من أولى العزم.
ومن هنا تدرك السر في سياق القصة هنا، وبهذا الشكل لأنها سيقت لغرض خاص ولون معين، وقد تقدمت في سورة هود مطولة.
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال: يا قوم اعبدوا الله وحده فهو صاحب الفضل عليكم، ولا يستحق العبادة غيره، لأن غيره لم ينفع أحدا بل قد يضره. وعلى هذا فليس لكم إله غير الله يستحق العبادة، أفلا تتقون؟!! هكذا دعاهم نوح إلى عبادة الله، ولكن أشراف قومه يكرهون ذلك: لخوفهم من الدين الجديد الذي يزيل الفوارق، ويعامل الناس على السواء، كرهوا من نوح أن يدعو إلى عبادة الله، إذ هو سيكون متبوعا، وهم تابعون، وهذا شيء يؤلمهم. فدفعهم الكبر والغرور، والحسد والحقد، إلى أن يتزعموا الخارجين على الدعوة المناوئين لنوح- عليه السلام- ويقولون: ما هذا- أى نوح- إلا بشر مثلكم من عامة الناس يريد أن يتفضل عليكم، ويستأثر بالتعاظم وحده عليكم حيث يدعى أنه رسول الله إليكم، وهو بشر مثلكم لم يزد عنكم في شيء فكيف تسلمون له بالزعامة والقيادة؟
ولو شاء الله حقيقة- كما يدعى نوح- أن يرسل رسولا لأنزل ملائكة من السماء رسلا عنه فإن هذا أدعى للإيمان، وأدل على الصدق، فهم لقصر عقولهم وسوء تفكيرهم يعتقدون أنه لا يمكن أن تكون الرسالة مع البشر، على أنا ما سمعنا بهذا الذي يدعيه نوح في آبائنا الأولين، فما الذي جرى حتى يأتى نوح ويدعى الرسالة؟! وما نوح إلا رجل مجنون حيث يدعى ذلك فتربصوا به ريب المنون، وانتظروا موته، وهو آت بلا شك وستستريحون منه.
وهكذا كانت شبههم، وهي أوهى من بيت العنكبوت، ولذا لم يعن القرآن بالرد عليها، لأن بطلانها ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
فلما ضاق صدر نوح منهم ومن أعمالهم دعا ربه أنى مغلوب فانتصر، وقال: رب انصرني وأهلكهم بسبب تكذيبهم لي، فأوحينا إليه أن اصنع السفينة بأعيننا وتحت رعايتنا وكلاءتنا، وهذا وحينا جبريل يهديك ويعلمك كيف تصنع السفينة؟
فإذا جاء أمرنا، وشأننا العظيم، وقد فار التنور، وزاد الماء، وبلغ الربى فأدخل في السفينة من كل حيوان زوجين اثنين ذكر وأنثى ليبقى التناسل في الدنيا، واحمل فيها أهلك الذين آمنوا فقط لكن من سبق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون فلا تحملهم
وقل عند انحسار الماء عن الأرض أى عند النزول من السفينة. رب أنزلنى إنزالا مباركا فيه البركة والخير، وأنت خير المنزلين.
وهكذا يعلمنا الله ما نقوله عند ركوب السفينة أو ما شابهها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف ١٢ و ١٣].
إن في ذلك القصص لآيات تدل على قدرة الله الذي أغرق الظالمين، ونجى المؤمنين وعلى تمام حكمته وعدله حيث لم يترك هؤلاء يعيثون في الأرض الفساد، وهكذا شأن الله مع أحبابه وأعدائه إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [سورة محمد آية ٧] إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [سورة الحج آية ٣٨].
قصة هود- عليه السلام-[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٣١ الى ٤١]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١)
قَرْناً القرن: الجماعة المجتمعة في زمان واحد، سموا بذلك لأنهم يتقدمون على من بعدهم تقدم القرن على الحيوان وَأَتْرَفْناهُمْ أنعمنا عليهم حتى أبطرتهم النعمة هَيْهاتَ اسم فعل بمعنى بعد الصَّيْحَةُ الصوت الشديد غُثاءً المراد هلكى كغثاء السيل.
هذه هي قصة هود- عليه السلام-، وقد أرسل إلى قومه عاد، وإن لم يكن ذكر هذا صراحة إلا أنه استفيد من قوله- تعالى- على لسان هود وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وقد ذكرت قصة هود بعد قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود فالأولى أن تكون هذه القصة لهود لا لصالح.
المعنى:
ثم أنشأنا من بعد قوم نوح قوما آخرين من سلالة من حمل مع نوح من المؤمنين إلا أنهم خلفوا من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وطغوا وبغوا فأرسل الله فيهم رسولا منهم أى: من عشيرتهم ويعرفون مولده ومنشأه ليكون سكونهم إلى قوله أكثر، وتصديقهم له أقرب، وهذا يفيد أن الوثنية والعصيان كالطبيعة في الإنسان والداء الكامن، فإذا أرسل رسولا قضى على الوثنية والفساد حينا من الزمن، ولكن لا تلبث بعده أن تظهر في أجلى صورها، ولولا أن الله حفظ الأمة الإسلامية
هؤلاء هم أولاد المؤمنين من قوم نوح، ولكنهم كفروا وأشركوا بالله فقال رسولهم هود: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، فما لكم من إله يستحق العبادة غيره، أفلا تتقون وتخافون منه؟!! وقد وصف الله الذين خرجوا على هود وتزعموا قومهم، وقادوهم إلى الكفر والعصيان بثلاث صفات من أسوأ الصفات:
(أ) كفروا بالله وبرسوله. (ب) وكذبوا بلقاء الآخرة، ولم يؤمنوا بالبعث. (ج) أترفوا في الحياة الدنيا، أى أصابهم داء الترف الذي يعمى القلوب، ويجعلها في أكنة من وعاء الخير حتى لا يصل إليها شيء منه.
وهؤلاء الذين كفروا، وكذبوا بيوم القيامة، وأترفوا في الحياة الدنيا قالوا، وبئس ما قالوا، ونطقوا بشبه واهية لم تستحق العناية، ولا الرد عليها.
أولى الشبهات: هذا الذي يدعى أنه رسول ما هو إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه، ويشرب مما تشربون منه، فلا فضل له عليكم أبدا فكيف يدعى الفضل عليكم ويتعالى بدعوة الرسالة من الله إليكم، وأقسموا لئن أطعتم بشرا مثلكم ليس له فضل ولا مزية. إنكم إذا لخاسرون الشبهة الثانية: كيف يعدكم أنكم تخرجون وتبعثون إذا متم وكنتم ترابا، وعظاما بالية؟! هيهات هيهات لما يعدكم به، وبعيد بعيد ما يدعيه من أن هناك حياة أخرى غير الحياة الدنيا!! ثم أكدوا نفى نظرية البعث: ما هي إلا حياتنا الدنيا، وليس بعدها حياة ثانية أبدا، ولكن هي الدنيا نحيا فيها ونموت، وما يهلكنا إلا الدهر وما نحن بمبعوثين.
وأما هذا الرجل الذي يدعى النبوة وإثبات البعث فما هو إلا رجل اختلق على الله الأكاذيب، وادعى أنه رسول الله، وما نحن له بمؤمنين ولا يمكن أن نصدقه جميعا في دعواه.
ولما يئس الرسول- عليه السلام- من قبول الأصاغر والأكابر للدين فزع إلى ربه
وكان الجزاء أن أخذتهم الصيحة، وهي صوت شديد جدا أعقبه الهلاك والفناء وكانوا كالغثاء الذي يعلو سطح الماء من بقية الأعشاب.
فبعدا من رحمة الله وهلاكا للقوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وظلموا غيرهم حيث كانوا قدوة لهم في الفساد والشر، وانظر إلى التاريخ يوم مكرر، وإلى أن الشبه واحدة عند الأمم جميعا، والجزاء واحد عند الكل، فكأن القرآن ينادى أن اعتبروا يا أولى الأبصار، وانظروا يا أهل مكة فيمن تقدمكم، إذ كانوا مثلكم، بل أشد، وكانوا يعتقدون كما تعتقدون، وقد حل بهم عذاب الله..
ذكر بعض الأنبياء [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٢ الى ٥٠]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦)
فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)
تَتْرا يتبع بعضهم بعضا أَحادِيثَ جمع حديث وهو ما يبقى بعد الإنسان من الذكر، وقيل: جمع أحدوثة كالأعجوبة، وهي ما يتحدث به ويتعجب منه عابِدُونَ أى: هم خدم لنا وحشم رَبْوَةٍ الربوة: المكان المرتفع من الأرض قَرارٍ وَمَعِينٍ استقرار فيها من السكان، والمعين الماء الجاري الظاهر للعيون.
يقص القرآن الكريم القصة في أشكال مختلفة تارة بالتطويل، وتارة بالإيجاز والمقام هنا للإيجاز، لأن الغرض التحدث عن الإيمان وجزاء الكفر بالله.
المعنى:
ثم أنشأنا من بعد عاد أمما آخرين فما خلت الديار من المكلفين أبدا، بل بعد هلاك قوم لكفرهم ينشئ بقدرته من بقاياهم خلقا يعمرون الأرض، وهم خاضعون لأمر ربهم، ما تسبق أمة أبدا أجلها: وما يستأخرون فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة النحل آية ٦١] وتلك سنة الله في الأمم، فلا تستعجلوا العذاب فكل شيء عنده بمقدار.
ثم أرسلنا لتلك الأمم رسلنا يتبع بعضهم بعضا بعد مهلة من الزمن أو بغير مهلة على وفق إرادة الله وعلمه. كلما جاء أمة رسولها كذبوه، وكفروا به وهم قد سلكوا مسلك من تقدمهم من الأمم التي أهلكت بالصيحة والريح العاتية وغيرها فأتبعنا بعضهم بعضا بالهلاك لما اشتركوا في التكذيب والكفر، وجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق فلم يبق منهم عين ولا أثر، بل أصبحوا أحاديث في أفواه الناس يتحدثون به ويتعجبون منه، فبعدا وهلاكا لقوم لا يؤمنون، وهذا وعيد لكل كافر وإنذار شديد. وبيان لقدرة الله ونصرته لعباده المؤمنين، وعذابه الشديد للكافرين والعاصين، فاعتبروا أيها الناس، وانظروا في حاضركم ومستقبلكم.
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون لفرعون وملئه يدعوانهما للإيمان بالله الذي خلق فسوى!!، وأرسلناهما مؤيدين بآياتنا المعجزة وهي الآيات التسع: العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وانفلاق البحر، والسنون، ونقص الثمرات،
وقيل: المراد به العصا إذ تعلقت بها معجزات شتى كانقلابها حية، وابتلاعها ما صنعته السحرة وغير ذلك:
وقد حكى الله عن فرعون وملئه أخص صفاتهم وشبههم الواهية التي دعتهم إلى عدم الإيمان، وفي هذا كله عبرة وعظة لأولى الألباب.
أما صفاتهم فهم قوم استكبروا وأنفوا من اتباع موسى، وكانوا قوما عالين، أى:
على جانب من الحضارة والعز والسلطان والعلم والعرفان، والواقع التاريخى يؤيد ذلك كله.
أما شبههم: فقالوا: كيف نؤمن لبشرين مثلنا؟! والرسالة تتنافى مع البشرية، وهكذا شأن القوم الماديين الذين لا يؤمنون بالقوى المعنوية، ويظهر أن هذا كان مرضا شائعا في الأمم السابقة، ولا يزال. الشبهة الثانية: كيف نؤمن بموسى وهارون ونسلم لهما بالزعامة والقيادة، وهم من بنى إسرائيل الذين يقومون بالخدمة لنا وهم من رعايانا النازلين في بلادنا، إن هذا لمكر وحيلة ليخلص موسى وهارون بنى إسرائيل قومهما من حكمنا، ولا يمكن أن يكونا رسولين من عند الله، وترتب على ذلك أنهم كانوا من المهلكين الذين غرقوا في اليم، ونجا موسى ومن معه من بنى إسرائيل المؤمنين فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ [سورة يونس آية ٩].
ولقد آتينا موسى التوراة فيها هدى ونور، وفيها الحكم والدستور لبنى إسرائيل بعد أن أغرق آل فرعون، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص ٤٣].
ويقول ابن كثير في تفسيره: لم تهلك أمة هلاكا عاما بعد نزول التوراة، بل أمر المؤمنون بقتال الكفار.
وتلك قصة مريم وابنها عيسى بإيجاز كما هو النظام العام في ذكر القصص التي في هذه السورة.
وجعلنا عيسى ابن مريم عبد الله رسوله وأمه مريم البتول ابنة عمران التي أحصنت
وآويناهما إلى ربوة ذات استقرار للناس إذ هي طيبة الإنبات كثيرة الخيرات فيها الماء المعين الظاهر للعيون الذي لا ينضب أبدا، وأين هذه الربوة؟ إنها في بيت المقدس، والله أعلم.
المبادئ العامة في الرسالات [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٥١ الى ٥٦]
يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥)
نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦)
المفردات:
زُبُراً جمع زبور والمراد: الكتب التي وضعوها وألفوها، وهذه الكلمة فيها معنى الضم والجمع، ولذا قيل: زبرت الكتاب أى: جمعت حروفه وضممت بعضه إلى بعض، وزبر الحديد قطع الحديد المجتمعة حِزْبٍ أى: جماعة وأمة غَمْرَتِهِمْ المراد: في حيرتهم وضلالهم وغفلتهم. والمادة تدل على الستر، ولهذا قيل الغمر للماء الكثير الذي يغطى ويستر الأرض نُمِدُّهُمْ نعطيهم نُسارِعُ نسرع.
يأمر الله- تبارك وتعالى- الرسل جميعا بالأكل من الحلال والطيبات من الرزق، وبالعمل الصالح، ثم يحذرهم ويخوفهم من حسابه فإنه عليم خبير.
روى عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «أيّها النّاس إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:
يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ «١»، ثم ذكر الرسول:
«الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذّى بالحرام فإنّى يستجاب له» ؟؟
وهذا يدل على أن أكل الحلال عون على عمل الصالح من الأعمال، وعلى ما للأكل من أثر في توجيه النفس ناحية الخير أو ناحية الشر، إذ الأكل غذاء للبدن وقوة له، فإذا كان الغذاء طاهرا نقيا، طيبا حلالا كان وقودا نظيفا يدفع صاحبه إلى العمل الطيب، وبالعكس إذا كان الغذاء حراما خبيثا دفع صاحبه إلى السيئ من الأعمال.
وهذا الأمر للرسل جميعا وبخاصة النبي صلّى الله عليه وسلّم ولأنه المخاطب أولا وبالذات وفي هذا دليل على عظم المأمور به، وأنه أمر عام أمر به جميع الرسل لخطورته.
وقد سوى الله بين الأنبياء جميعا، وبين المؤمنين في وجوب أكل الحلال وتجنب الحرام. ثم شمل الكل بوعيده لما ذكرنا.
واعلموا أيها الناس أن هذا الذي تقدم ذكره في قصص الأنبياء سابقا هو دينكم وملتكم إذ كل الأنبياء أرسلت تدعو إلى الإيمان بالله وحده. وعدم الإشراك به شيئا فالله يقول: اعلموا هذا، ولا تظنوا أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم أتى بجديد، والحال أنى أنا ربكم فاتقونى، ولا تخالفوا أمرى.
هكذا كانت الأمم، وبمثل هذا أرسلت الرسل، ولكن بعد ذلك افترقت الأمم فرقا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، وصار لكل جماعة كتاب ثم حرفوه وبدلوه، وآمنوا به وكفروا بما سواه.
أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا كلا! ليس الأمر كما يتوهمون في قولهم: نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين، لقد أخطئوا، وخاب فألهم، وما علموا أنا نفعل معهم ذلك استدراجا وإملاء لهم، ولهذا قال الله: بل لا يشعرون فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [التوبة ٥٥] إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً [آل عمران ١٧٨].
يا أيها الناس ليس الإنسان بماله وولده، وليست كرامته عند الله بالدنيا التي عنده، ولكن كرامته ومنزلته بالعمل الصالح إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات ١٣].
ومن هذه الآيات نفهم أثر الأكل الحلال في سلوك الإنسان، وأن الرسل جميعا جاءت لعبادة الواحد القهار، وأن اختلاف الأمم بعد أنبيائها أمر طبيعي والفوز لمن تمسك بالحق وسار على هدى الكتب السماوية التي لم تحرف كالقرآن وسنة الرسول صلّى الله عليه وسلم، وأن الكرامة والمكانة عند الله ليست بالمال والولد، ولكن بالتقوى والعمل الصالح.
المؤمنون المسارعون في عمل الخير [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)
وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢)
المعنى:
إن الذين هم من خشية ربهم وخوف عذابه دائمون في طاعته جادون في طلب رضاه، إذ من بلغ في خشية الله حد الإشفاق وهو كمال الخشية كان في نهاية الخوف من سخط الله وعقابه، وهذا الصنف يكون دائما بعيدا عن المعاصي جادا في الطاعة والعمل الصالح.
والذين هم بآيات الله الكونية، يؤمنون ويصدقون على أنها دليل ناطق على وجود الله واتصافه بكل كمال وتنزهه عن كل نقص، وهذا لا يكون إلا بعد النظر السليم والفكر الصحيح في آيات الله الكونية، وآيات الله القرآنية.
والذين هم بربهم لا يشركون شيئا، وهذا دليل على نفى الشرك الخفى، والذين يؤتون ما أتوا، ويفعلون ما يفعلون من صلاة وصيام، وقيام، وزكاة، وصدقة وبر والحال أن قلوبهم وجلة وخائفة من التقصير فليس عندهم غرور ديني، بل هم دائما خائفون غير مخدوعين، ولو كانت إحدى رجليهم في الجنة.
روى أن السيدة عائشة سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: والذين يؤتون ما آتوا، وقلوبهم وجلة، أهو الذي يزنى ويشرب الخمر ويسرق وهو على ذلك يخاف الله- تعالى-، فقال صلّى الله عليه وسلم: «لا يا ابنة الصدّيق ولكنّ الرّجل يصلّى ويصوم ويتصدّق، وهو على ذلك يخاف الله- تعالى-..».
وهذه صفات عالية في نهاية الحسن إذ الأولى دلت على الخوف الشديد، والثانية على الإيمان العميق، والثالثة دلت على نفى الشرك الخفى، والرابعة دلت على المبالغة في العمل وعدم الغرور والكذب، وتلك مقامات الصديقين والشهداء والصالحين نسأل الله أن يوفقنا ويجعلنا في عدادهم.
لهذا لا غرابة في أن هؤلاء الموصوفين بتلك الصفات يسارعون في عمل الخيرات ويتعجلون دائما على فعل الطاعات، وهؤلاء آتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وهم لها سابقون، ولما وصل القرآن إلى العمل ذكر شيئا يتعلق به، فهؤلاء المتصفون
الكفار وأعمالهم وأسبابها [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٦٣ الى ٧٤]
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧)
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢)
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤)
غَمْرَةٍ الغمرة في اللغة: ما يغمرك ويعلوك، وفيه معنى الستر، ومنه الغمر للحقد لأنه يغمر القلب أى: يستره، والغمرة للبحر لأنه يستر الأرض والمراد هنا:
الحيرة وعمق التفكير مُتْرَفِيهِمْ أغنياءهم يَجْأَرُونَ يضجون ويستغيثون.
وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرع كما يفعل الثور، ومنه الجؤار كالخوار تَنْكِصُونَ ترجعون وراءكم، والمراد أنهم يعرضون عن الحق سامِراً السامر والسمار الجماعة يتحدثون بالليل وأصله مأخوذ من السمر وهو ظل القمر تَهْجُرُونَ قوله: تهجرون من أهجر إذا نطق بالفحش، وقرئ تهجرون من هجر المريض إذا هذى والمراد يتكلمون بالهوس وسيئ القول في القرآن والنبي جِنَّةٌ جنون خَرْجاً أجرا ورزقا.
قد تكلم القرآن عن المؤمنين وصفاتهم ثم ذكر حكمين يتعلقان بالعمل العام وبعد هذا عاد فوصف المؤمنين بصفات أخرى، ثم تكلم عن الكفار وناقشهم وبين أعمالهم، وسببها، مفندا آراءهم ردا على كل شبهة.
المعنى:
يقول الحق- تبارك وتعالى-: هؤلاء المؤمنون المخلصون الذين وصفوا بتلك الصفات الأربع هم من هذا الوجل والخوف كالمتحيرين المفكرين تفكيرا عميقا في أعمالهم: أهي مقبولة أم مردودة؟ لأنهم يفهمون أن أعمالهم مهما كان فيها من إخلاص فهي دون الواجب عليهم، ولهم أعمال دون ذلك، نعم ولهم- أيضا- من النوافل والصدقات وأعمال البر التي سيعملونها في المستقبل ما هو دون تلك المرتبة.
وأما قوله: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فهذا وصف للكفار قطعا و (حتى) هذه ابتدائية أى: يبتدأ بها كلام جديد.
وهذا رأى حسن، وتأويل مستساغ، وقيل: إن هذا الكلام كله في الكفار ولا شك أنهم في غمرة وحيرة وضلال من هذا الذي بيناه في القرآن أو من هذا الذي وصف به المؤمنون المشفقون، ولهؤلاء الكفار أعمال دون ذلك أى: سوى ذلك الكفر
والله- سبحانه وتعالى- بعد ما بين أنه لا ناصر لهم أتبع ذلك ببيان سبب هذا الجزاء فقال:
(أ) قد كانت آياتي البينات من القرآن الكريم تتلى عليكم فكنتم تنكصون على أدباركم، وتنفرون منها، وتعرضون عنها.
(ب) وقد كنتم مستكبرين بالحرم والبيت العتيق قائلين: لا يظهر علينا أحد لأنا أهل حرم الله، والحال أنكم تعصونه، ولا تقدرونه قدره.
(ج) وقد كنتم تجتمعون حول الكعبة ليلا للسمر، وكان سمركم في القرآن والنبي صلّى الله عليه وسلّم والسب فيه ووصفه بأنه ساحر أو مجنون، ووصف القرآن بأنه أساطير الأولين، وأنه كذب وزور، فكنتم تقولون هجرا من القول وزورا، وكنتم تهزأون وتفحشون!! ثم إنه- سبحانه وتعالى- لما وصف حالهم رد عليهم بأن إقدامهم على هذه الأمور لسبب من الأسباب الآتية لا يصح أن يكون!! فلذا أنكر عليهم ما يأتى:
١- أعموا فلم يتدبروا القرآن الذي أنزل على محمد؟ وهو معجزته الباقية الخالدة، وقد نزل بلسان عربي مبين وهم أهل اللسان والفصاحة، وقد تحداهم على أن يأتوا بمثله تحديا سافرا ومع هذا فقد عجزوا أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها؟ من سورة محمد. ولو تدبروا لآمنوا، وما فعلوا ما فعلوا.
٢- بل أجاءهم محمد صلّى الله عليه وسلّم بما لم يأت آباءهم الأولين؟. لا، لم يكن محمد بدعا، وما كانت رسالته عديمة النظير، فهم يعرفون بالتواتر أن الأمم ترسل إليهم الرسل فيكونون بين مصدق ومكذب فينجى الله المؤمنين وينصرهم ويهلك الكافرين والمكذبين.. فلم هذا العناد والتكذيب؟!!. أليست هذه الأحوال التي يعرفونها تدعوهم إلى التصديق؟
٤- بل أيقولون: إنه لمجنون، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [سورة الكهف آية ٥] في اعتقادهم وفي الواقع.
ففي الواقع ونفس الأمر ما حملهم على الرجوع عن الحق، والاستكبار الكاذب والسمر وهجر القول إلا ضلالهم وعدم تدبرهم للقرآن، وقد حالت عصبيتهم الممقوتة وجهالاتهم الموروثة. وحقدهم الكامن دون النظر في القرآن بعين الاعتبار المتجردة من الهوى والهوس.
وما دفعهم إلى عمل السوء كذلك إلا اعتقادهم الفاسد أن محمدا كاذب، وليس رسولا.
تبا لهم!! ألم يعرفوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم قبل هذا؟ وأكثر من هذا أن يقولوا: إنه مجنون ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [سورة القلم آية ٢].
بل (إضراب عما مضى) بل جاءهم الرسول الصادق الأمين بالحق. وجاء لنصرة الحق، وجاء رسولا من عند الحق- سبحانه وتعالى-، ولكن أكثرهم للحق كارهون وللحق وحده مخاصمون، وقليل منهم من ينصر الحق، ويطيع دواعي الحق.
ولو اتبع الحق- تبارك وتعالى- أهواءهم الفاسدة، ورغباتهم المادية الضالة لفسدت السموات والأرض، ومن فيهن، تنزه الله عن ذلك وتعالى علوا كبيرا.
بل أتينا هؤلاء العرب الذين أعرضوا عن القرآن ونأوا عنه، أتيناهم بذكرهم وشرفهم وعلو مكانتهم بين الأمم بل وخلقهم من جديد، أمة لها كيان ونظام وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ
[سورة الزخرف آية ٤٤].
ومن العجيب أنهم عن ذكرهم وشرفهم والقرآن الذي نزل عليهم معرضون، عجبا لهم!! وأى عجب؟!! بل أتسألهم رزقا وأجرا على هدايتهم ورفع شأنهم حتى يملوك ويبغضوك؟!! فخراج ربك ورزقه خير لك ولغيرك، وهو صاحب الملك والسلطان،
ومع هذا كله فالذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط المستقيم بعيدون، وعنه مائلون إلى الطريق الضالة التي فيها إفراط وتفريط. وما كان أكثرها اليوم.
إصرارهم على الشرك رغم ظهور الأدلة [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٧٥ الى ٩٠]
وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩)
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩)
بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠)
- لَلَجُّوا لتمادوا في باطلهم يَعْمَهُونَ يترددون ويتخبطون اسْتَكانُوا الاستكانة الخضوع مُبْلِسُونَ يائسون متحيرون لا يدرون ماذا يصنعون ذَرَأَكُمْ أنشأكم وخلقكم وبثكم أَساطِيرُ جمع أسطورة والمراد: أباطيلهم وترهاتهم مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ملك كل شيء يُجِيرُ يمنع الغير يُجارُ عَلَيْهِ لا يمنع منه: يقال: أجرت فلانا على فلان إذا أغثته ومنعته منه تُسْحَرُونَ تخدعون وتصرفون عن طاعته وتوحيده.
المعنى:
هؤلاء القوم ليس لهم وجه من وجوه الحق في كفرهم بالنبي والقرآن الذي أنزل عليه تشريفا لهم وتكريما، وهداية لهم ونورا.
ومع هذا كله فهم مصرون على الشرك والكفر به، والتمادي في الباطل، ولو رحمناهم، وأزحنا عنهم الضر، وأ فهمناهم القرآن لما انقادوا له، ولا استمروا على كفرهم وطغيانهم وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال ٢٣] وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [سورة الأنعام آية ٢٨].
ولقد أخذناهم بالعذاب، وابتليناهم بالمصائب الشداد رجاء أن يثوبوا لرشدهم
حتى إذا جاءهم أمر الله، وجاءتهم الساعة بغتة، فأخذهم من عذاب الله ما أخذهم، وفتح عليهم باب ذو عذاب شديد، عند ذلك أبلسوا من كل خير، ويئسوا من كل راحة وانقطع أملهم، ونفد رجاؤهم فأصبحوا حيارى لا يدرون ماذا يفعلون؟!! يا للعجب هذا حالهم!! والله- سبحانه وتعالى- هو الرحمن الرحيم صاحب النعم على الناس جميعا، فهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة لكي تعلموا ما حولكم، وتنظروا وتفكروا في هذا الكون وما فيه من آيات شاهدة ناطقة بوحدانية الله وأنه الفاعل المختار، ما أقل شكركم على نعمه عليكم، وما تشكرون إلا شكرا قليلا، بل إنكم تكفرون به.
وها هي آيات الله الناطقة بقدرته التامة، فهو الذي خلقكم وأنشأكم في الأرض تعمرونها، على اختلاف أشكالكم وألوانكم ولغاتكم ثم إليه وحده تحشرون وتجمعون...
وهو الذي يحيى الأحياء، ويميت الموتى، وله وحده اختلاف الليل والنهار وله وحده يرجع الفضل في اختلافهما، وتعاقبهما كل منها يطلب الآخر طلبا حثيثا ينظام دقيق، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [سورة يس آية ٤٠].
ومع هذا كله فقد أنكروا البعث واستبعدوه لما قالوا: من يحيى العظام وهي رميم؟
قالوا مثل ما قال الأولون السابقون لهم من الأمم قالوا: أإذا متنا، وكنا ترابا، وعظاما بالية، أننا لمبعوثون أحياء؟ وقالوا: لقد وعدنا نحن وآباؤنا مثل هذا من قبل كثيرا، ولم يتحقق شيء منه كأنهم لغباوتهم يفهمون أن الإعادة في الدنيا، وقد قالوا: ما هذا الوعد الذي نسمعه إلا أساطير الأولين، وأحدوثة من أحاديثهم المكذوبة..
ثم يقرر الحق- تبارك وتعالى- وحدانيته، واستقلاله بالخلق والتصريف ليرشدهم
ولهذا أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يقول للمشركين سائلا وملفتا نظرهم إلى أبسط الأمور:
لمن الأرض ومن فيها؟ إن كنتم تعلمون من خلقها وما فيها من الآدميين والحيوانات والنباتات وسائر الأصناف والأنواع؟!! سيقولون هذا كله لله، وهو الخالق البارئ المصور فاطر السموات والأرض تراهم يعترفون بأن ذلك كله لله وحده لا شريك له فإذا كان ذلك قل لهم يا محمد: أفلا تذكرون أن الذي خلق هذا كله هو الذي يجب أن يعبد وحده، وهذا مقتضى الفطرة التي فطر الناس عليها، وما إنكارها إلا ضرب من الغفلة علاجه التذكر.
وهذه الآية تشير إلى أنهم يعترفون لله بالربوبية، وأنه لا شريك له فيها، ويشركون معه غيره في الألوهية حتى عبدوا معه غيره مما لا ينفع ولا يضر، قل لهم أيضا: من رب السموات السبع، ورب العرش العظيم؟.
وفي الحديث «ما السّموات السّبع والأرضون السّبع وما بينهنّ وما فيهنّ في الكرسىّ إلّا كحلقة بأرض فلاة، وإنّ الكرسىّ بما فيه بالنّسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة».
سيقولون في الإجابة: هي لله وحده.. قل لهم: أفلا تتقون؟ أى إذا كنتم تعترفون بأنه رب السموات ورب العرش العظيم أفلا تخافون عقابه؟ وتحذرون عذابه في عبادتكم معه غيره.
قل لهم: من بيده ملكوت كل شيء؟ من بيده الملك والتصريف؟ ومن إذا قال للشيء كن فيكون؟ وهو يجير ولا يجار عليه أن يغيث من يشاء ممن يشاء، ولا يغيث أحد منه أحدا، فهو العظيم القدير، له الخلق، والأمر، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
وهم سيقولون معترفين هذا لله وحده لا شريك له قل لهم فكيف تسخرون؟ ولأى شيء تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم الصريح له بأنه الخالق المالك.
ورب السموات السبع ورب العرش العظيم، وهو صاحب الملك والتصريف.
بل أتيناهم بالقول الحق والدليل الصدق، وهي تلك الآيات البينات السابقة، وهم مع ذلك كافرون، وفي هذا توعد لهم ووعيد..
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١)
المفردات:
لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ لغلب بعضهم بعضا وطلب القوى الضعيف.
المعنى:
لقد وصف الله نفسه فيما مضى بما يوجب له القدرة والكمال، وأن له التصريف الكامل في هذا الكون علويه وسفليه، وهم يقرون بذلك، ثم أراد الله أن ينزه نفسه من اتخاذ الولد والشريك ليرشد الناس إلى الإيمان الصحيح فقال ما معناه:
ما اتخذ الله ولدا، وما كان له أن يتخذ ولدا، وله ما في السموات والأرض وهو الغنى الذي لا يحتاج إلى غيره، والكل محتاج إليه وكيف يكون له ولد؟ واجب الوجود، القديم المعبود. المخالف لجميع الحوادث، الذي لا يشبهه أحد من خلقه، والولد لا بد يشبه والده في شيء.
وما كان معه من إله، وليس له شريك، ولو كان كذلك لذهب كل إله بما خلق وانفرد كل منهما بشيء من الكون، ولو كان هذا لاختل نظام الوجود، ولفسدت السموات وما فيها والأرض وما عليها، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق بل في غاية الدقة والنظام إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ [سورة آل عمران آية ١٩٠] ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ [سورة الملك آية ٣].
سبحان الله عما يصفون، وتنزيها له ثم تنزيها عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك، وتعالى ربك علوا كبيرا فهو يعلم الغيب والشهادة، فتعالى وتقدس- عز وجل- عما يقول الكافرون والظالمون.
توجيهات إلهية للحبيب المصطفى [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٩٢ الى ٩٨]
عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦)
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)
المفردات:
هَمَزاتِ الهمزات جمع همزة والهمزة في اللغة: النخس والدفع.
المعنى:
يقول الله- سبحانه وتعالى- آمرا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وموجها له أن يدعو بهذا الدعاء، فيقول: يا رب إن تريني ما يوعدون، وإن تجعلني أرى تحقيق وعدك الذي وعدته
وعلى أن نريك الوعد ونحققه لقادرون، ثم علمه علاجا آخر للناس، لأن الله يعلم أنه لا بد من أن يصيبه أذى منهم فقال: ادفع يا محمد بالفعلة التي هي أحسن السيئة أى: ادفع السيئة بالحسنة، نحن أعلم بما يصفون وما يفترون على الله، وسنجازيهم على ذلك.
وقل يا محمد: رب إنى أعوذ بك من همزات الشياطين ووسوستها التي هي كالنخس ولقد أمر الله تعالى نبيه، وكذا المؤمنين بهذا، وعلاجا لسورة الغضب التي كانت تصيب المؤمنين عند سماعهم المشركين، وهم يصفون الله بما لا يليق به فتقع المشادة فلذلك وضعت الآيات هنا.
وكلها علاج لهم بعد بيان صفات الله الواجبة والمستحيلة، وفي هذا إشارة إلى أن النبي وصحبه سيلقون بسبب ذلك شدائد من الناس.
والعلاج هو ذكر الله والتوجه إليه أن يبعدنا من العذاب إذا نزل، وأن نحسن للناس إذا أساءوا لنا فالحسنة تجب السيئة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [سورة فصلت آية ٣٤] وبعد هذا فإذا همز الشيطان ووسوس بالغضب والسورة فادعوا الله واستعيذوا به من الشيطان الرجيم إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [سورة الأعراف آية ٢٠١] وإنه لعلاج مفيد يجب أن يتنبه له المسلمون.
من مشاهد يوم القيامة [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٩٩ الى ١١٨]
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣)
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)
إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣)
قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)
وَرائِهِمْ، أى أمامهم بَرْزَخٌ أى: سد وحاجز يمنعهم من الرجوع نُفِخَ فِي الصُّورِ الصور بوق ينفخ فيه نفختين النفخة الأولى ليموت الكل والثانية ليحيا الكل وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ وقيل الصور جمع صور والمراد نفخ الروح في الأجساد مَوازِينُهُ موزوناته أى أعماله تَلْفَحُ تحرق واللفح كالنفخ إلا أنه أشد كالِحُونَ عابسون، وقال أهل اللغة الكلوح تكشر في عبوس وتقلص الشفتين عن الأسنان اخْسَؤُا اسكتوا سكوت هوان وذلة وابعدوا في جهنم كما يقال للكلب اخسأ، أى: أبعد شِقْوَتُنا شقاوتنا والمراد: غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا فسمى اللذات والأهواء شقوة لأنهما يؤديان إليها سِخْرِيًّا بكسر السين بمعنى الاستهزاء وبضم السين بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل، وهما قراءتان مرويتان عَبَثاً مهملين كالبهائم.
المعنى:
يخبر الله- سبحانه وتعالى- وخبره الصدق وقوله الحق- عن حالة المحتضر عند الموت من الكافرين والعصاة والمفرطين في حقوق الله حينما يرون ما أعد لهم من العذاب، يقول الواحد منهم: يا رب ارجعنى ارجعنى، ارجعنى لعلى أعمل صالحا فيما تركت، وضيعت من الطاعات، فهو يطلب الرجوع إلى الدنيا متيقنا من نفسه أنه سيعمل الصالح من غير تردد، يرجع إلى رده إلى الدنيا أو إلى التوفيق إلى العمل الصالح.
ونصوص القرآن في مثل هذا الموضوع فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ «١» فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ «٢».
(٢) سورة السجدة الآية ١٢.
ولذلك جاء الرد: كلا! وهي كلمة ردع لمن طلب شيئا بلا حق، إنها كلمة هو قائلها نعم هو حكم قد حكم به الحكيم الخبير، ولا راد لحكمه، ولا معقب على قضائه وكيف يكون غير هذا؟!!، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، فقول الظالم: رَبِّ ارْجِعُونِ كلمة هو قائلها، ولا عمل معها البتة، وحتى التي في أول الآية غاية لما قبلها، والمعنى: هم مصرون على ما وصفناهم به سابقا حتى إذا جاء أحدهم الموت وتيقن ضلالته وعذابه وشاهد الملائكة تقبض روحه بوجه عابس فطلب ما طلب، وأمامهم بعد هذا برزخ وحاجز بين الدنيا والآخرة يستحيل عليهم أن يتخطوه، فهم في حياة بين الدنيا والآخرة وهي حياة القبور، وستظل كذلك فيها العذاب إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى، وهلك جميع الخلق حتى الملك الذي نفخ في الصورة، نفخ في الصور مرة أخرى فإذا الناس جميعا قيام ينظرون ماذا يحل بهم؟
فلا أنساب بينهم يومئذ، ولا يتساءلون ولا يسأل حميم حميما، كل امرئ عن أخيه مشغول يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى
[سورة الحج آية ٢].
فمن ثقلت موازينه، ومن رجحت حسناته على سيئاته، ولو بالقليل فأولئك هم المفلحون الفائزون، الذين زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة بسلام، ومن خفت موازينه أى: ثقلت سيئاته على حسناته فأولئك هم الذين خسروا أنفسهم، وخابوا وهلكوا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا النعيم المقيم بالزخرف الفاني، والحياة الفانية، وهم في جهنم خالدون، وماكثون مقيمون، تلفح وجوههم النار وتغشاها وقد كانوا يصعرون خدودهم، ويشمخون بأنوفهم في الدنيا كبرا وعجبا لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ «٤»، وهم فيها كالحون، وعابسون
(٢) سورة غافر الآية ١١.
(٣) سورة فاطر الآية ٣٧.
(٤) سورة الأنبياء الآية ٣٩.
قالوا: ربنا غلبت علينا شهواتنا. وقادتنا لذاتنا إلى الشقاء ودخول النار، وكنا قوما ضالين غير فاهمين للأمور على وضعها الصحيح ثم عادوا فكرروا ما طلبوه أولا وقالوا:
ربنا أخرجنا من هذا الموقف إلى الدنيا فإن عدنا إلى أفعالنا تلك فإنا ظالمون نستحق منك العقوبة الصارمة.
فيرد الله عليهم بمنتهى الغلظة والشدة قائلا: اخسئوا فيها، وابعدوا في جهنم، ولا تكلمون أبدا بعد هذا.
وكأن سائلا سأل وقال. لم هذا العذاب والرد الشديد؟ فأجيب بقوله: إنه كان فريق من عبادي يقولون في الدنيا: ربنا آمنا بك وصدقنا رسلك فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فما كان منكم أيها المكذبون الظالمون إلا أنكم اتخذتموهم سخريا تسخرون بهم، وتضحكون عليهم، وتسخرونهم وتعذبونهم.
اتخذتموهم سخريا إلى أن نسيتم ذكرى لشدة انشغالكم بالاستهزاء، وكنتم منهم تضحكون، إنى جزيتهم اليوم بما صبروا على فعل الطاعات، وترك المحرمات، والرضا بقضاء الله وقدره، جزاهم ربهم بهذا جنة قطونها دانية، إنهم هم الفائزون.
يقول الله لهم تبكيتا وتأنيبا بعد أن طلبوا الرجوع فردوا، وقيل لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون: كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ وهذا سؤال عن مدة مكثهم في الدنيا.
قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم، استقصروا مدة لبثهم لما هم فيه من العذاب فاسأل العادين المتمكنين، فإننا في حالة تذهب العقول وتحير النفوس.
قال: ما لبثتم في الأرض إلا قليلا من الزمن بالنسبة إلى لبثكم في العذاب المقيم.
ألم تعلموا فحسبتم أنا خلقناكم عابثين لاعبين ليس لغرض صحيح؟ أفحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون؟
وقل يا محمد لتقتدى بك أمتك: رب اغفر لي سيئاتي، وارحمني فإنك الرحمن الرحيم.
وهذا دواء لكل ألم، إذ الاستغفار وطلب الرحمة هما المنجيان من المهالك.
روى عن عبد الله بن مسعود. أنه مر بمصاب مبتل فقرأ في أذنه أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ماذا قرأت في أذنه؟
فأخبره فقال: «والّذى نفسي بيده لو أنّ رجلا موقتا قرأها على جبل لزال»
ولا غرابة فالقرآن علاج حقا، ولكن يتوقف على الطبيب وعلى المريض وقابليته فإذا كان الطبيب ذا نفس مؤمنة، والمحل أى: المريض قابلا للعلاج بالقرآن يبرأ وإلا فلا.