تفسير سورة النازعات

الماوردي
تفسير سورة سورة النازعات من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى ﴿ والنَّأزِعاتِ غَرْقاً ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم، قاله ابن مسعود ومسروق.
الثاني : هو الموت ينزع النفوس، قاله مجاهد.
الثالث : هي النفوس حين تنزع، قاله السدي.
الرابع : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق، ومن المشرق إلى المغرب، قاله الحسن وقتادة.
والخامس : هي القسيّ تنزع بالسهم، قاله عطاء.
السادس : هي الوحش تنزع من الكلأ وتنفر، حكاه يحيى بن سلام، ومعنى « غرقاً » أي إبعاداً في النزع.
﴿ والناشِطات نَشْطاً ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : هي الملائكة تنشط أرواح المؤمنين بسرعة كنشط العقال، قاله ابن عباس.
الثاني : النجوم التي تنشط من مطالعها إلى مغاربها، قاله قتادة.
الثالث : هو الموت ينشط نفس الإنسان، قاله مجاهد.
الرابع : هي النفس حيث نشطت بالموت، قاله السدي.
الخامس : هي الأوهاق، قاله عطاء.
السادس : هي الوحش تنشط من بلد إلى بلد، كما أن الهموم تنشط الإنسان من بلد إلى بلد، قاله أبو عبيدة، وانشد قول همام بن قحافة :
أمْسَتْ همومي تنشط المناشِطا الشامَ بي طَوْراً وطَوْراً واسطاً.
﴿ والسّابحاتِ سَبْحاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : هي الملائكة سبحوا إلى طاعة الله من بني آدم، قاله ابن مسعود والحسن.
الثاني : هي النجوم تسبح في فلكها، قاله قتادة.
الثالث : هو الموت يسبح في نفس ابن آدم، قاله مجاهد.
الرابع : هي السفن تسبح في الماء، قاله عطاء.
الخامس : هي الخيل، حكاه ابن شجرة، كما قال عنترة :
والخيلُ تعْلم حين تس بَحُ في حياضِ المْوتِ سَبْحاً
ويحتمل سادساً : أن تكون السابحات الخوض في أهوال القيامة.
﴿ فالسّابقاتِ سَبْقاً ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، قاله عليّ رضي الله عنه ومسروق.
وقال الحسن : سبقت إلى الايمان.
الثاني : هي النجوم يسبق بعضها بعضاً، قاله قتادة.
الثالث : هوالموت يسبق إلى النفس، قاله مجاهد.
الرابع : هي النفس تسبق بالخروج عند الموت، قاله الربيع.
الخامس : هي الخيل، قاله عطاء.
ويحتمل سادساً : أن تكون السابقات ما سبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار.
﴿ فالمُدَبِّرات أمْراً ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : هي الملائكة، قاله الجمهور، فعلى هذا في تدبيرها بالأمر وجهان :
أحدهما : تدبير ما أمرت به وأرسلت فيه.
الثاني : تدبير ما وكلت فيه من الرياح والأمطار.
الثاني : هي الكواكب السبعة، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل؛ وعلى هذا في تدبيرها للأمر وجهان.
أحدهما : تدبير طلوعها وأفولها.
الثاني : تدبير ما قضاه الله فيها من تقلب الأحوال.
ومن أول السورة إلى هذا الموضع قسم أقسم الله به، وفيه وجهان :
أحدهما : أن ذكرها بخالقها.
377
الثاني : أنه أقسم بها وإن كانت مخلوقة لا يجوز لمخلوق أن يقسم بها، لأن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
وجواب ما عقد له القسم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مضمر محذوف وتقديره لو أظْهر : لتُبْعَثُن ثم لُتحاسبُن، فاستغنى بفحوى الكلام وفهم السامع عن إظهاره، قاله الفراء.
الثاني : أنه مظهر، وهو قوله تعالى :﴿ إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى ﴾ قاله مقاتل.
الثالث : هو قوله تعالى :
﴿ يومَ ترْجفُ الراجفةُ * تَتْبعُها الرادِفةُ ﴾ وفيهما ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الراجفة القيامة، والرادفة البعث، قاله ابن عباس.
الثاني : أن الراجفة النفخة الأولى تميت الأحياء، والرادفة : النفخة الثانية تحيي الموتى، قاله الحسن وقتادة.
وقال قتادة : ذكر أن النبي ﷺ قال :« بينهما أربعون، ما زادهم على ذلك ولا سألوه، وكانوا يرون أنها أربعون سنة ».
وقال عكرمة : الأولى من الدنيا، والثانية من الآخرة.
الثالث : أن الراجفة الزلزلة التي ترجف الأرض والجبال والرادفة إذا دكّتا دكة واحدة، قاله مجاهد.
ويحتمل رابعاً : أن الراجفة أشراط الساعة، والرادفة : قيامها.
﴿ قلوبٌ يومئذٍ واجِفَةٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : خائفة، قاله ابن عباس.
الثاني : طائرة عن أماكنها، قاله الضحاك.
﴿ أَبْصارُها خاشِعَة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ذليلة، قاله قتادة.
الثاني : خاضعة، قاله الضحاك.
﴿ يقولون أئنا لَمْردودُونَ في الحافِرةِ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أن الحافرة الحياة بعد الموت، قاله ابن عباس والسدي وعطية.
الثاني : أنها الأرض المحفورة، قاله ابن عيسى.
الثالث : أنها النار، قاله ابن زيد.
الرابع : أنها الرجوع إلى الحالة الأولى تَكذيباً بالبعث، من قولهم رجع فلان على قومه إذا رجع من حيث جاء، قاله قتادة، قال الشاعر :
أحافرة على صَلَعٍ وشيْبٍ معاذَ اللَّه من جَهْلٍ وطَيْشِ
﴿ أَئِذا كْنَا عِظاماً نَخِرةً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : بالية، قاله السدي.
الثاني : عفنة، قاله ابن شجرة.
الثالث : خالية مجوفة تدخلها الرياح فتنخر، أي تصوّت، قاله عطاء والكلبي.
ومن قرأ « ناخرة » فإن الناخرة البالية، والنخرة التي تنخر الريح فيها.
﴿ تلك إذاً كَرّةٌ خاسِرةٌ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : باطلة لا يجيء منها شيء، كالخسران، وليست كاسبة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : معناه لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنخسرنّ بالنار، قاله قتادة ومحمد بن كعب.
ويحتمل ثالثاً : إذا كنا ننتقل من نعيم الدنيا إلى عذاب الآخرة فهي كرة خاسرة.
﴿ فإنّما هي زجْرةٌ واحدةٌ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : نفخة واحدة يحيا بها الجميع فإذا هم قيام ينظرون، قاله الربيع بن أنس.
الثاني : الزجرة الغضب، وهو غضب واحد، قاله الحسن.
378
ويحتمل ثالثاً : أنه لأمر حتم لا رجعة فيه ولا مثنوية.
﴿ فَإذَا هم بالسّاهرةِ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : وجه الأرض، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد، والعرب تسمي وجه الأرض ساهرة لأن فيها نوم الحيوان وسهره، قال أمية بن أبي الصلت :
وفيها لحْمُ ساهرةٍ وبَحرٌ وما فاهوا به لهمُ مُقيم
وقال آخر يوم ذي قار لفرسه : من بَعْد ما صِرْتَ عظاماً ناخِرهْ... الثاني : أنه اسم مكان من الأرض بعينه بالشام، وهو الصقع الذي بين جبل أريحا وجبل حسّان، يمده الله تعالى كيف يشاء، قاله عثمان بن أبي العاتكة.
أَقْدِمْ مَحاجِ إنها الأساوِره ولا يهولنّك رِجْلٌ بادِرهْ
فإنما قَصْرُكَ تُرْبُ السّاهرهْ ثم تعودُ، بَعْدها في الحافرهْ
الثالث : أنها جبل بيت المقدس، قاله وهب بن منبه.
الرابع : أنه جهنم، قاله قتادة.
ويحتمل خامساً : أنها عرضة القيام لأنها أول مواقف الجزاء، وهم في سهر لا نوم فيه.
379
﴿ هلْ أتاكَ حديثُ موسى * إذ ناداه ربه بالوادِ المقدَّسِ طُوَىً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : وهو قول مبشر بن عبيد هو واد بأيلة.
الثاني : وهو قول الحسن، هو واد بفلسطين.
وفي « المقدَّس » تأويلان :
أحدهما : المبارك، قاله ابن عباس.
الثاني : المطهر، قاله الحسن : قدّس مرتين.
وفي « طُوَىً » أربعة أقاويل :
أحدها : أنه أسم الوادي المقدس، قاله مجاهد وقتادة وعكرمة.
الثاني : لأنه مر بالوادي فطواه، قاله ابن عباس.
الثالث : لأنه طوي بالبركة، قاله الحسن.
الرابع : يعني طأ الوادي بقدمك، قاله عكرمة ومجاهد.
ويحتمل خامساً؛ أنه ما تضاعف تقديسه حتى تطهّر من دنس المعاصي، مأخوذ من طيّ الكتاب إذا ضوعف.
﴿ فَقُلْ هل لك إلى أن تَزَكّى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إلى أن تُسْلِم، قال قتادة.
الثاني : إلى أن تعمل خيراً، قاله الكلبي.
﴿ فأَراهُ الآيةَ الكُبْرَى ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها عصاه ويده، قاله الحسن وقتادة.
الثاني : أنها الجنة والنار، قاله السدي.
ويحتمل ثالثاً : أنه كلامه من الشجرة.
قوله ﴿ فَحَشَرَ فنادَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : حشر السحرة للمعارضة، ونادى جنده للمحاربة.
الثاني : حشر الناس للحضور ونادى أي خطب فيهم.
﴿ فأخَذَهُ الله نَكالََ الآخرة والأُولى ﴾ فيها أربعة أقاويل :
أحدها : عقوبة الدنيا والآخرة، قال قتادة : عذبه الله في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالنار.
الثاني : عذاب أول عُمرِه وآخره، قاله مجاهد.
الثالث : الأولى قوله :« ما علمت لكم مِن إلهٍ غيري » والآخرة قوله « أنا ربكم الأعلى »، قاله عكرمة، قال ابن عباس : وكان بينهما أربعون سنة، وقال مجاهد : ثلاثون سنة، قال السدي : وهي الآخرة ثلاثون سنة.
الرابع : عذاب الأولى الإمهال، والآخرة في النار، من قوله تعالى :﴿ النار يعرضون عليها ﴾ الآية، قاله الربيع.
﴿ وأَغْطَشَ لَيْلَها وأَخْرَجَ ضُحاها ﴾ معناه أظلم ليلها، وشاهد الغطش أنه الظلمة قول الأعشى :
عَقَرْتُ لهم مَوْهِنا ناقتي وغامِرُهُمْ مُدْلَهِمٌّ غَطِشْ
يعني يغمرهم ليلهم لأنه غمرهم بسواده.
وفي قوله :« وأخرج ضُحاها » وجهان :
أحدهما : أضاء نهارها وأضاف الليل والضحى إلى السماء لأن منهما الظلمة والضياء.
الثاني : قال ابن عباس أن أخرج ضحاها : الشمس.
﴿ والأرضَ بَعْد ذلك دَحاها ﴾ في قوله « بَعْد » وجهان :
أحدهما : مع وتقدير الكلام : والأرض مع ذلك دحاها، لأنها مخلوقة قبل السماء، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : أن « بعد » مستعملة على حقيقتها لأنه خلق الأرض قبل السماء ثم دحاها بعد السماء، قاله ابن عمر وعكرمة. وفي « دحاها » ثلاثة أوجه :
أحدها : بسطها، قاله ابن عباس، قال أمية بن أبي الصلت :
وَبَثَّ الخلْق فيها إذْ دَحاها فَهُمْ قُطّانُها حتى التنادي
قال عطاء : من مكة دحيت الأرض، وقال عبد الله بن عمر : من موضع الكعبة دحيت.
الثاني : حرثها وشقها، قاله ابن زيد.
الثالث : سوّاها، ومنه قول زيد بن عمرو :
﴿ فإذا جاءت الطامّةُ الكُُبْرى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنها النفخة الآخرة، قاله الحسن.
الثاني : أنها الساعة طمت كل داهية، والساعة أدهى وأمّر، قاله الربيع.
الثالث : أنه اسم من أسماء القيامة يسمى الطامة، قاله ابن عباس.
الرابع : أنها الطامة الكبرى إذا سيق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، قاله القاسم بن الوليد، وهو معنى قول مجاهد.
وفي معنى « الطامّة » في اللغة ثلاثة وجوه :
أحدها : الغاشية.
الثاني : الغامرة.
الثالث : الهائلة، ذكره ابن عيسى، لأنها تطم على كل شيء أي تغطيه.
﴿ وأمّا مَنْ خاف مَقام رَبِّهِ ونَهَى النفْسَ عن الهَوى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : هو خوفه في الدنيا من الله عند مواقعة الذنب فيقلع، قاله مجاهد.
الثاني : هو خوفه في الآخرة من وقوفة بين يدي الله للحساب، قاله الربيع بن أنس، ويكون معنى : خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، قال الكلبي : وزجر النفس عن المعاصي والمحارم.
﴿ فإنّ الجنّةَ هي المأوَى ﴾ أي المنزل، وذكر أنها نزلت في مصعب بن عمير.
﴿ يسألونَكَ عن الساعةِ أيّانَ مُرْساها ﴾ قال ابن عباس : متى زمانها، قاله الربيع ﴿ فيمَ أنْتَ مِن ذِكْراها ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فيم يسألك المشركون يا محمد عنها ولست ممن يعلمها، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني : فيم تسأل يا محمد عنها وليس لك السؤال، وهذا معنى قول عروة بن الزبير.
﴿ إلى ربِّك مُنْتَهاها ﴾ يعني منتهى علم الساعة : فكف النبي ﷺ عن السؤال وقال : يا أهل مكة إن الله احتجب بخمس لم يُطْلع عيهن مَلَكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً فمن ادعى علمهن فقد كفر :﴿ إن اللَّه عنده علم الساعة... ﴾ إلى آخر السورة.
﴿ إنّما أنْتَ ﴾ يعني محمداً ﷺ.
﴿ مَنْذِرُ مَنْ يَخْشَاها ﴾ يعني القيامة.
﴿ كأنّهم يومَ يَرَوْنَها ﴾ يعني الكفار يوم يرون الآخرة.
﴿ لَمْ يَلْبَثُوا ﴾ في الدنيا.
﴿ إلاَّ عَشيّةً ﴾ وهي ما بعد الزوال.
﴿ أو ضُحاها ﴾ وهو ما قبل الزوال، لأن الدنيا تصاغرت عندهم وقلّت في أعينهم، كما قال تعالى :﴿ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعةً من نهارٍ ﴾.
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
وأسْلَمْتُ وجهي لمن أسْلَمتْ له الأرضُ تحمل صَخْراً ثِقالا
دحاها فلما اسْتَوتْ شدّها بأيْدٍ وأرْسَى عليها الجبالا