تفسير سورة الفلق

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ من شرّ ما خلق ومن شرّ غاسق إذا وقب ﴾ [ الفلق : ٢، ٣ ]، " من شرّ " كرّره أربع مرات، لأن شرّ كل منهما، غير شرّ البقية عنها.
فإن قلتَ : أوّلُها يشمل البقيّة، فما فائدة إعادتها ؟
قلتُ : فائدتها تعظيم شرّها، دفع توهّم أنه لا شرّ لها، لخفائه فيها.
فإن قلتَ : كيف عرّف " النفاثات " ( ١ ) ونكّر ما قبلها وما بعدها ؟
قلتُ : لأن كل نفّاثة لها شرّ، وليس كلّ غاسق وحاسد له شرّ، والغاسق : الليل( ٢ ).
١ - الغاسق: الليل إذا اشتدّ ظلامه، فإن في ظلمة الليل ينتشر أهل الفساد والشرّ، وفي الأمثال "الليل أخفى للويل"..
٢ - إنما خصّ تعالى النساء بالذكر ﴿ومن شرّ النفاثات﴾ أي النساء السّواحر، لأن السحر أكثر ما يقع منهنّ، فالنساء يكدن بعضهن بعضا، بسبب الغيرة الشديدة بينهن. هذا وقد أنكر بعض المتفلسفة مسألة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الحديث مروي في البخاري ومسلم والنسائي، ومسند الإمام أحمد، وزعموا أنه يُنقص من قدر النبوة، ويقدح في الوحي، والجواب عن ذلك ما يلي:
١- إن السحر لم يؤثر على عقل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أثّر على جسده الشريف فقط.
٢- الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، يأكل ويشرب، ويموت ويمرض، فلا عجب أن يُسحر للدلالة على بشريته.
٣- زعم المشركون أن محمد صلى الله عليه وسلم كان ساحرا ﴿وقالوا ساحر كذاب﴾ كما أخبر عنهم القرآن، ولو كان ساحرا كما زعموا لأمكنه أن يدفع السحر عن نفسه، فلمّا أضرّ في جسده الشريف، عُلِم أنه ليس بساحر.
٤- نزلت المعوذتان رُقية للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت علاجا وسببا لشفائه.
٥- رقاه جبريل بالمعوذتين وبهذه الرقية (باسم الله أرقيك، من كلّ شرّ يؤذيك، من كل حاسد وعين، الله يشفيك) والخلاصة أن ما أصابه للدلالة على بشريته، وأنه صلى الله عليه وسلم له من خصائص الألوهية، ما يمنع من لحاق الأذى والضرر به، فلا داعي إذا لإنكار أو تكذيب ما صحّ وثبت، باتفاق أئمة علماء الحديث على ما حدث لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم..

Icon