تفسير سورة سورة يوسف من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
الر
سُورَة يُوسُف وَهِيَ مَكِّيَّة كُلّهَا.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا أَرْبَع آيَات مِنْهَا.
وَرُوِيَ أَنَّ الْيَهُود سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِصَّة يُوسُف فَنَزَلَتْ السُّورَة ; وَسَيَأْتِي.
وَقَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا فَقَالُوا : لَوْ قَصَصْت عَلَيْنَا ; فَنَزَلَ :" نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك " [ يُوسُف : ٣ ] فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا فَقَالُوا : لَوْ حَدَّثْتنَا ; فَأَنْزَلَ :" اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث " [ الزُّمَر : ٢٣ ].
قَالَ الْعُلَمَاء : وَذَكَرَ اللَّه أَقَاصِيص الْأَنْبِيَاء فِي الْقُرْآن وَكَرَّرَهَا بِمَعْنًى وَاحِد فِي وُجُوه مُخْتَلِفَة، بِأَلْفَاظٍ مُتَبَايِنَة عَلَى دَرَجَات الْبَلَاغَة، وَقَدْ ذَكَرَ قِصَّة يُوسُف وَلَمْ يُكَرِّرهَا، فَلَمْ يَقْدِر مُخَالِف عَلَى مُعَارَضَة مَا تَكَرَّرَ، وَلَا عَلَى مُعَارَضَة غَيْر الْمُتَكَرِّر، وَالْإِعْجَاز لِمَنْ تَأَمَّلَ.
و " الر " تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ ; وَالتَّقْدِير هُنَا : تِلْكَ آيَات الْكِتَاب، عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر.
وَقِيلَ :" الر " اِسْم السُّورَة ; أَيْ هَذِهِ السُّورَة الْمُسَمَّاة " الر "
سُورَة يُوسُف وَهِيَ مَكِّيَّة كُلّهَا.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا أَرْبَع آيَات مِنْهَا.
وَرُوِيَ أَنَّ الْيَهُود سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِصَّة يُوسُف فَنَزَلَتْ السُّورَة ; وَسَيَأْتِي.
وَقَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا فَقَالُوا : لَوْ قَصَصْت عَلَيْنَا ; فَنَزَلَ :" نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك " [ يُوسُف : ٣ ] فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا فَقَالُوا : لَوْ حَدَّثْتنَا ; فَأَنْزَلَ :" اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث " [ الزُّمَر : ٢٣ ].
قَالَ الْعُلَمَاء : وَذَكَرَ اللَّه أَقَاصِيص الْأَنْبِيَاء فِي الْقُرْآن وَكَرَّرَهَا بِمَعْنًى وَاحِد فِي وُجُوه مُخْتَلِفَة، بِأَلْفَاظٍ مُتَبَايِنَة عَلَى دَرَجَات الْبَلَاغَة، وَقَدْ ذَكَرَ قِصَّة يُوسُف وَلَمْ يُكَرِّرهَا، فَلَمْ يَقْدِر مُخَالِف عَلَى مُعَارَضَة مَا تَكَرَّرَ، وَلَا عَلَى مُعَارَضَة غَيْر الْمُتَكَرِّر، وَالْإِعْجَاز لِمَنْ تَأَمَّلَ.
و " الر " تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ ; وَالتَّقْدِير هُنَا : تِلْكَ آيَات الْكِتَاب، عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر.
وَقِيلَ :" الر " اِسْم السُّورَة ; أَيْ هَذِهِ السُّورَة الْمُسَمَّاة " الر "
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
يَعْنِي بِالْكِتَابِ الْمُبِين الْقُرْآن الْمُبِين ; أَيْ الْمُبِين حَلَاله وَحَرَامه، وَحُدُوده وَأَحْكَامه وَهُدَاهُ وَبَرَكَته.
وَقِيلَ : أَيْ هَذِهِ تِلْكَ الْآيَات الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ بِهَا فِي التَّوْرَاة.
يَعْنِي بِالْكِتَابِ الْمُبِين الْقُرْآن الْمُبِين ; أَيْ الْمُبِين حَلَاله وَحَرَامه، وَحُدُوده وَأَحْكَامه وَهُدَاهُ وَبَرَكَته.
وَقِيلَ : أَيْ هَذِهِ تِلْكَ الْآيَات الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ بِهَا فِي التَّوْرَاة.
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : إِنَّا أَنْزَلْنَا الْقُرْآن عَرَبِيًّا ; نَصَبَ " قُرْآنًا " عَلَى الْحَال ; أَيْ مَجْمُوعًا.
و " عَرَبِيًّا " نَعْت لِقَوْلِهِ " قُرْآنًا ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون تَوْطِئَة لِلْحَالِ، كَمَا تَقُول : مَرَرْت بِزَيْدٍ رَجُلًا صَالِحًا، و " عَرَبِيًّا " عَلَى الْحَال، أَيْ يَقْرَأ بِلُغَتِكُمْ يَا مَعْشَر الْعَرَب.
أَعْرَبَ بَيَّنَ، وَمِنْهُ ( الثَّيِّب تُعْرِب عَنْ نَفْسهَا ).
يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : إِنَّا أَنْزَلْنَا الْقُرْآن عَرَبِيًّا ; نَصَبَ " قُرْآنًا " عَلَى الْحَال ; أَيْ مَجْمُوعًا.
و " عَرَبِيًّا " نَعْت لِقَوْلِهِ " قُرْآنًا ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون تَوْطِئَة لِلْحَالِ، كَمَا تَقُول : مَرَرْت بِزَيْدٍ رَجُلًا صَالِحًا، و " عَرَبِيًّا " عَلَى الْحَال، أَيْ يَقْرَأ بِلُغَتِكُمْ يَا مَعْشَر الْعَرَب.
أَعْرَبَ بَيَّنَ، وَمِنْهُ ( الثَّيِّب تُعْرِب عَنْ نَفْسهَا ).
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
أَيْ لِكَيْ تَعْلَمُوا مَعَانِيه، وَتَفْهَمُوا مَا فِيهِ.
وَبَعْض الْعَرَب يَأْتِي بِأَنْ مَعَ " لَعَلَّ " تَشْبِيهًا بِعَسَى.
وَاللَّام فِي " لَعَلَّ " زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
يَا أَبَتَا عَلَّك أَوْ عَسَاكَا
وَقِيلَ :" لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أَيْ لِتَكُونُوا عَلَى رَجَاء مِنْ تَدَبُّره ; فَيَعُود مَعْنَى الشَّكّ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى الْكِتَاب، وَلَا إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَقِيلَ : مَعْنَى " أَنْزَلْنَاهُ " أَيْ أَنْزَلْنَا خَبَر يُوسُف، قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا أَشْبَه بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ الْيَهُود قَالُوا : سَلُوهُ لِمَ اِنْتَقَلَ آل يَعْقُوب مِنْ الشَّام إِلَى مِصْر ؟ وَعَنْ خَبَر يُوسُف ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذَا بِمَكَّة مُوَافِقًا لِمَا فِي التَّوْرَاة، وَفِيهِ زِيَادَة لَيْسَتْ عِنْدهمْ.
فَكَانَ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أَخْبَرَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ يَقْرَأ كِتَابًا قَطُّ وَلَا هُوَ فِي مَوْضِع كِتَاب - بِمَنْزِلَةِ إِحْيَاء عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْمَيِّت عَلَى مَا يَأْتِي فِيهِ.
أَيْ لِكَيْ تَعْلَمُوا مَعَانِيه، وَتَفْهَمُوا مَا فِيهِ.
وَبَعْض الْعَرَب يَأْتِي بِأَنْ مَعَ " لَعَلَّ " تَشْبِيهًا بِعَسَى.
وَاللَّام فِي " لَعَلَّ " زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
يَا أَبَتَا عَلَّك أَوْ عَسَاكَا
وَقِيلَ :" لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أَيْ لِتَكُونُوا عَلَى رَجَاء مِنْ تَدَبُّره ; فَيَعُود مَعْنَى الشَّكّ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى الْكِتَاب، وَلَا إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَقِيلَ : مَعْنَى " أَنْزَلْنَاهُ " أَيْ أَنْزَلْنَا خَبَر يُوسُف، قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا أَشْبَه بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ الْيَهُود قَالُوا : سَلُوهُ لِمَ اِنْتَقَلَ آل يَعْقُوب مِنْ الشَّام إِلَى مِصْر ؟ وَعَنْ خَبَر يُوسُف ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذَا بِمَكَّة مُوَافِقًا لِمَا فِي التَّوْرَاة، وَفِيهِ زِيَادَة لَيْسَتْ عِنْدهمْ.
فَكَانَ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أَخْبَرَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ يَقْرَأ كِتَابًا قَطُّ وَلَا هُوَ فِي مَوْضِع كِتَاب - بِمَنْزِلَةِ إِحْيَاء عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْمَيِّت عَلَى مَا يَأْتِي فِيهِ.
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
" نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك " اِبْتِدَاء وَخَبَره.
" أَحْسَن الْقَصَص " بِمَعْنَى الْمَصْدَر، وَالتَّقْدِير : قَصَصنَا أَحْسَن الْقَصَص.
وَأَصْل الْقَصَص تَتَبُّع الشَّيْء، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ " [ الْقَصَص : ١١ ] أَيْ تَتَبَّعِي أَثَره ; فَالْقَاصّ، يَتْبَع الْآثَار فَيُخْبِر بِهَا.
وَالْحَسَن يَعُود إِلَى الْقَصَص لَا إِلَى الْقِصَّة.
يُقَال : فُلَان حَسَن الِاقْتِصَاص لِلْحَدِيثِ أَيْ جَيِّد السِّيَاقَة لَهُ.
وَقِيلَ : الْقَصَص لَيْسَ مَصْدَرًا، بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْم، كَمَا يُقَال : اللَّه رَجَاؤُنَا، أَيْ مَرْجُوّنَا فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : نَحْنُ نُخْبِرك بِأَحْسَن الْأَخْبَار.
مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء لِمَ سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَة أَحْسَن الْقَصَص مِنْ بَيْن سَائِر الْأَقَاصِيص ؟ فَقِيلَ : لِأَنَّهُ لَيْسَتْ قِصَّة فِي الْقُرْآن تَتَضَمَّن مِنْ الْعِبَر وَالْحِكَم مَا تَتَضَمَّن هَذِهِ الْقِصَّة ; وَبَيَانه قَوْله فِي آخِرهَا :" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصهمْ عِبْرَة لِأُولِي الْأَلْبَاب " [ يُوسُف : ١١١ ].
وَقِيلَ : سَمَّاهَا أَحْسَن الْقَصَص لِحُسْنِ مُجَاوَزَة يُوسُف عَنْ إِخْوَته، وَصَبْره عَلَى أَذَاهُمْ، وَعَفْوه عَنْهُمْ - بَعْد الِالْتِقَاء بِهِمْ - عَنْ ذِكْر مَا تَعَاطَوْهُ، وَكَرَمه فِي الْعَفْو عَنْهُمْ، حَتَّى قَالَ :" لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ الْيَوْم " [ يُوسُف : ٩٢ ].
وَقِيلَ : لِأَنَّ فِيهَا ذِكْر الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين، وَالْجِنّ وَالْإِنْس وَالْأَنْعَام وَالطَّيْر، وَسِيَر الْمُلُوك وَالْمَمَالِك، وَالتُّجَّار وَالْعُلَمَاء وَالْجُهَّال، وَالرِّجَال وَالنِّسَاء وَحِيَلهنَّ وَمَكْرهنَّ، وَفِيهَا ذِكْر التَّوْحِيد وَالْفِقْه وَالسِّيَر وَتَعْبِير الرُّؤْيَا، وَالسِّيَاسَة وَالْمُعَاشَرَة وَتَدْبِير الْمَعَاش، وَجُمَل الْفَوَائِد الَّتِي تَصْلُح لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَقِيلَ لِأَنَّ فِيهَا ذِكْر الْحَبِيب وَالْمَحْبُوب وَسِيَرهمَا.
وَقِيلَ :" أَحْسَن " هُنَا بِمَعْنَى أَعْجَب.
وَقَالَ بَعْض أَهْل الْمَعَانِي : إِنَّمَا كَانَتْ أَحْسَن الْقَصَص لِأَنَّ كُلّ مَنْ ذُكِرَ فِيهَا كَانَ مَآله السَّعَادَة ; اُنْظُرْ إِلَى يُوسُف وَأَبِيهِ وَإِخْوَته، وَامْرَأَة الْعَزِيز ; قِيلَ : وَالْمَلِك أَيْضًا أَسْلَمَ بِيُوسُف وَحَسُنَ إِسْلَامه، وَمُسْتَعْبِر الرُّؤْيَا السَّاقِي، وَالشَّاهِد فِيمَا يُقَال : فَمَا كَانَ أَمْر الْجَمِيع إِلَّا إِلَى خَيْر.
" نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك " اِبْتِدَاء وَخَبَره.
" أَحْسَن الْقَصَص " بِمَعْنَى الْمَصْدَر، وَالتَّقْدِير : قَصَصنَا أَحْسَن الْقَصَص.
وَأَصْل الْقَصَص تَتَبُّع الشَّيْء، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ " [ الْقَصَص : ١١ ] أَيْ تَتَبَّعِي أَثَره ; فَالْقَاصّ، يَتْبَع الْآثَار فَيُخْبِر بِهَا.
وَالْحَسَن يَعُود إِلَى الْقَصَص لَا إِلَى الْقِصَّة.
يُقَال : فُلَان حَسَن الِاقْتِصَاص لِلْحَدِيثِ أَيْ جَيِّد السِّيَاقَة لَهُ.
وَقِيلَ : الْقَصَص لَيْسَ مَصْدَرًا، بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْم، كَمَا يُقَال : اللَّه رَجَاؤُنَا، أَيْ مَرْجُوّنَا فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : نَحْنُ نُخْبِرك بِأَحْسَن الْأَخْبَار.
مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء لِمَ سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَة أَحْسَن الْقَصَص مِنْ بَيْن سَائِر الْأَقَاصِيص ؟ فَقِيلَ : لِأَنَّهُ لَيْسَتْ قِصَّة فِي الْقُرْآن تَتَضَمَّن مِنْ الْعِبَر وَالْحِكَم مَا تَتَضَمَّن هَذِهِ الْقِصَّة ; وَبَيَانه قَوْله فِي آخِرهَا :" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصهمْ عِبْرَة لِأُولِي الْأَلْبَاب " [ يُوسُف : ١١١ ].
وَقِيلَ : سَمَّاهَا أَحْسَن الْقَصَص لِحُسْنِ مُجَاوَزَة يُوسُف عَنْ إِخْوَته، وَصَبْره عَلَى أَذَاهُمْ، وَعَفْوه عَنْهُمْ - بَعْد الِالْتِقَاء بِهِمْ - عَنْ ذِكْر مَا تَعَاطَوْهُ، وَكَرَمه فِي الْعَفْو عَنْهُمْ، حَتَّى قَالَ :" لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ الْيَوْم " [ يُوسُف : ٩٢ ].
وَقِيلَ : لِأَنَّ فِيهَا ذِكْر الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين، وَالْجِنّ وَالْإِنْس وَالْأَنْعَام وَالطَّيْر، وَسِيَر الْمُلُوك وَالْمَمَالِك، وَالتُّجَّار وَالْعُلَمَاء وَالْجُهَّال، وَالرِّجَال وَالنِّسَاء وَحِيَلهنَّ وَمَكْرهنَّ، وَفِيهَا ذِكْر التَّوْحِيد وَالْفِقْه وَالسِّيَر وَتَعْبِير الرُّؤْيَا، وَالسِّيَاسَة وَالْمُعَاشَرَة وَتَدْبِير الْمَعَاش، وَجُمَل الْفَوَائِد الَّتِي تَصْلُح لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَقِيلَ لِأَنَّ فِيهَا ذِكْر الْحَبِيب وَالْمَحْبُوب وَسِيَرهمَا.
وَقِيلَ :" أَحْسَن " هُنَا بِمَعْنَى أَعْجَب.
وَقَالَ بَعْض أَهْل الْمَعَانِي : إِنَّمَا كَانَتْ أَحْسَن الْقَصَص لِأَنَّ كُلّ مَنْ ذُكِرَ فِيهَا كَانَ مَآله السَّعَادَة ; اُنْظُرْ إِلَى يُوسُف وَأَبِيهِ وَإِخْوَته، وَامْرَأَة الْعَزِيز ; قِيلَ : وَالْمَلِك أَيْضًا أَسْلَمَ بِيُوسُف وَحَسُنَ إِسْلَامه، وَمُسْتَعْبِر الرُّؤْيَا السَّاقِي، وَالشَّاهِد فِيمَا يُقَال : فَمَا كَانَ أَمْر الْجَمِيع إِلَّا إِلَى خَيْر.
بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
أَيْ بِوَحْيِنَا ف " مَا " مَعَ الْفِعْل بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَر.
أَيْ بِوَحْيِنَا ف " مَا " مَعَ الْفِعْل بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَر.
هَذَا الْقُرْآنَ
نُصِبَ الْقُرْآن عَلَى أَنَّهُ نَعْت لِهَذَا، أَوْ بَدَل مِنْهُ، أَوْ عَطْف بَيَان.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء الْخَفْض ; قَالَ : عَلَى التَّكْرِير ; وَهُوَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَى الْبَدَل مِنْ " مَا ".
وَأَجَازَ أَبُو إِسْحَاق الرَّفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ، كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ عَنْ الْوَحْي فَقِيلَ لَهُ : هُوَ هَذَا الْقُرْآن.
نُصِبَ الْقُرْآن عَلَى أَنَّهُ نَعْت لِهَذَا، أَوْ بَدَل مِنْهُ، أَوْ عَطْف بَيَان.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء الْخَفْض ; قَالَ : عَلَى التَّكْرِير ; وَهُوَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَى الْبَدَل مِنْ " مَا ".
وَأَجَازَ أَبُو إِسْحَاق الرَّفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ، كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ عَنْ الْوَحْي فَقِيلَ لَهُ : هُوَ هَذَا الْقُرْآن.
وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ
أَيْ مِنْ الْغَافِلِينَ عَمَّا عَرَّفْنَاكَهُ.
أَيْ مِنْ الْغَافِلِينَ عَمَّا عَرَّفْنَاكَهُ.
إِذْ قَالَ يُوسُفُ
" إِذْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف ; أَيْ اُذْكُرْ لَهُمْ حِين قَالَ يُوسُف.
وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِضَمِّ السِّين.
وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " يُؤْسِف " بِالْهَمْزَةِ وَكَسْر السِّين.
وَحَكَى أَبُو زَيْد :" يُؤْسَف " بِالْهَمْزَةِ وَفَتْح السِّين.
وَلَمْ يَنْصَرِف لِأَنَّهُ أَعْجَمِيّ ; وَقِيلَ : هُوَ عَرَبِيّ.
وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَن الْأَقْطَع - وَكَانَ حَكِيمًا - عَنْ " يُوسُف " فَقَالَ : الْأَسَف فِي اللُّغَة الْحُزْن ; وَالْأَسِيف الْعَبْد، وَقَدْ اِجْتَمَعَا فِي يُوسُف ; فَلِذَلِكَ سُمِّيَ يُوسُف.
" إِذْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف ; أَيْ اُذْكُرْ لَهُمْ حِين قَالَ يُوسُف.
وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِضَمِّ السِّين.
وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " يُؤْسِف " بِالْهَمْزَةِ وَكَسْر السِّين.
وَحَكَى أَبُو زَيْد :" يُؤْسَف " بِالْهَمْزَةِ وَفَتْح السِّين.
وَلَمْ يَنْصَرِف لِأَنَّهُ أَعْجَمِيّ ; وَقِيلَ : هُوَ عَرَبِيّ.
وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَن الْأَقْطَع - وَكَانَ حَكِيمًا - عَنْ " يُوسُف " فَقَالَ : الْأَسَف فِي اللُّغَة الْحُزْن ; وَالْأَسِيف الْعَبْد، وَقَدْ اِجْتَمَعَا فِي يُوسُف ; فَلِذَلِكَ سُمِّيَ يُوسُف.
لِأَبِيهِ يَا
بِكَسْرِ التَّاء قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَعَاصِم وَنَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ، وَهِيَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَامَة التَّأْنِيث أُدْخِلَتْ عَلَى الْأَب فِي النِّدَاء خَاصَّة بَدَلًا مِنْ يَاء الْإِضَافَة، وَقَدْ تَدْخُل عَلَامَة التَّأْنِيث عَلَى الْمُذَكَّر فَيُقَال : رَجُل نُكَحَة وَهُزَأَة ; قَالَ النَّحَّاس : إِذَا قُلْت " يَا أَبَت " بِكَسْرِ التَّاء فَالتَّاء عِنْد سِيبَوَيْهِ بَدَل مِنْ يَاء الْإِضَافَة ; وَلَا يَجُوز عَلَى قَوْله الْوَقْف إِلَّا بِالْهَاءِ، وَلَهُ عَلَى قَوْله دَلَائِل : مِنْهَا - أَنَّ قَوْلك :" يَا أَبَه " يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى " يَا أَبِي " ; وَأَنَّهُ لَا يُقَال :" يَا أَبَت " إِلَّا فِي الْمَعْرِفَة ; وَلَا يُقَال : جَاءَنِي أَبَت، وَلَا تَسْتَعْمِل الْعَرَب هَذَا إِلَّا فِي النِّدَاء خَاصَّة، وَلَا يُقَال :" يَا أَبَتِي " لِأَنَّ التَّاء بَدَل مِنْ الْيَاء فَلَا يُجْمَع بَيْنهمَا.
وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ إِذَا قَالَ :" يَا أَبَت " فَكَسَرَ دَلَّ عَلَى الْيَاء لَا غَيْر ; لِأَنَّ الْيَاء فِي النِّيَّة.
وَزَعَمَ أَبُو إِسْحَاق أَنَّ هَذَا خَطَأ، وَالْحَقّ مَا قَالَ، كَيْف تَكُون الْيَاء فِي النِّيَّة وَلَيْسَ يُقَال :" يَا أَبَتِي " ؟ وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَالْأَعْرَج وَعَبْد اللَّه بْن عَامِر " يَا أَبَت " بِفَتْحِ التَّاء ; قَالَ الْبَصْرِيُّونَ : أَرَادُوا " يَا أَبَتِي " بِالْيَاءِ، ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْيَاء أَلِفًا فَصَارَتْ " يَا أَبَتَا " فَحُذِفَتْ الْأَلِف وَبَقِيَتْ الْفَتْحَة عَلَى التَّاء.
وَقِيلَ : الْأَصْل الْكَسْر، ثُمَّ أُبْدِلَ مِنْ الْكِسْرَة فَتْحَة، كَمَا يُبْدَل مِنْ الْيَاء أَلِف فَيُقَال : يَا غُلَامًا أَقْبِلْ.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء " يَا أَبَت " بِضَمِّ التَّاء.
بِكَسْرِ التَّاء قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَعَاصِم وَنَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ، وَهِيَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَامَة التَّأْنِيث أُدْخِلَتْ عَلَى الْأَب فِي النِّدَاء خَاصَّة بَدَلًا مِنْ يَاء الْإِضَافَة، وَقَدْ تَدْخُل عَلَامَة التَّأْنِيث عَلَى الْمُذَكَّر فَيُقَال : رَجُل نُكَحَة وَهُزَأَة ; قَالَ النَّحَّاس : إِذَا قُلْت " يَا أَبَت " بِكَسْرِ التَّاء فَالتَّاء عِنْد سِيبَوَيْهِ بَدَل مِنْ يَاء الْإِضَافَة ; وَلَا يَجُوز عَلَى قَوْله الْوَقْف إِلَّا بِالْهَاءِ، وَلَهُ عَلَى قَوْله دَلَائِل : مِنْهَا - أَنَّ قَوْلك :" يَا أَبَه " يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى " يَا أَبِي " ; وَأَنَّهُ لَا يُقَال :" يَا أَبَت " إِلَّا فِي الْمَعْرِفَة ; وَلَا يُقَال : جَاءَنِي أَبَت، وَلَا تَسْتَعْمِل الْعَرَب هَذَا إِلَّا فِي النِّدَاء خَاصَّة، وَلَا يُقَال :" يَا أَبَتِي " لِأَنَّ التَّاء بَدَل مِنْ الْيَاء فَلَا يُجْمَع بَيْنهمَا.
وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ إِذَا قَالَ :" يَا أَبَت " فَكَسَرَ دَلَّ عَلَى الْيَاء لَا غَيْر ; لِأَنَّ الْيَاء فِي النِّيَّة.
وَزَعَمَ أَبُو إِسْحَاق أَنَّ هَذَا خَطَأ، وَالْحَقّ مَا قَالَ، كَيْف تَكُون الْيَاء فِي النِّيَّة وَلَيْسَ يُقَال :" يَا أَبَتِي " ؟ وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَالْأَعْرَج وَعَبْد اللَّه بْن عَامِر " يَا أَبَت " بِفَتْحِ التَّاء ; قَالَ الْبَصْرِيُّونَ : أَرَادُوا " يَا أَبَتِي " بِالْيَاءِ، ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْيَاء أَلِفًا فَصَارَتْ " يَا أَبَتَا " فَحُذِفَتْ الْأَلِف وَبَقِيَتْ الْفَتْحَة عَلَى التَّاء.
وَقِيلَ : الْأَصْل الْكَسْر، ثُمَّ أُبْدِلَ مِنْ الْكِسْرَة فَتْحَة، كَمَا يُبْدَل مِنْ الْيَاء أَلِف فَيُقَال : يَا غُلَامًا أَقْبِلْ.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء " يَا أَبَت " بِضَمِّ التَّاء.
أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ
لَيْسَ بَيْن النَّحْوِيِّينَ اِخْتِلَاف أَنَّهُ يُقَال : جَاءَنِي أَحَد عَشَر، وَرَأَيْت وَمَرَرْت بِأَحَد عَشَر، وَكَذَلِكَ ثَلَاثَة عَشَر وَتِسْعَة عَشَر وَمَا بَيْنهمَا ; جَعَلُوا الِاسْمَيْنِ اِسْمًا وَاحِدًا وَأَعْرَبُوهُمَا بِأَخَفّ الْحَرَكَات.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : أَسْمَاء هَذِهِ الْكَوَاكِب جَاءَ ذِكْرهَا مُسْنَدًا ; رَوَاهُ الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة قَالَ : جَاءَ بستانة - وَهُوَ رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب - فَسَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَحَد عَشَر كَوْكَبًا الَّذِي رَأَى يُوسُف فَقَالَ :( الحرثان وَالطَّارِق وَالذَّيَّال وَقَابِس والمصبح والضروح وَذُو الكنفات وَذُو القرع وَالْفَلِيق وَوَثَّاب وَالْعَمُودَانِ ; رَآهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام تَسْجُد لَهُ ).
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : الْكَوَاكِب إِخْوَته، وَالشَّمْس أُمّه، وَالْقَمَر أَبُوهُ.
وَقَالَ قَتَادَة أَيْضًا : الشَّمْس خَالَته، لِأَنَّ أُمّه كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ، وَكَانَتْ خَالَته تَحْت أَبِيهِ.
لَيْسَ بَيْن النَّحْوِيِّينَ اِخْتِلَاف أَنَّهُ يُقَال : جَاءَنِي أَحَد عَشَر، وَرَأَيْت وَمَرَرْت بِأَحَد عَشَر، وَكَذَلِكَ ثَلَاثَة عَشَر وَتِسْعَة عَشَر وَمَا بَيْنهمَا ; جَعَلُوا الِاسْمَيْنِ اِسْمًا وَاحِدًا وَأَعْرَبُوهُمَا بِأَخَفّ الْحَرَكَات.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : أَسْمَاء هَذِهِ الْكَوَاكِب جَاءَ ذِكْرهَا مُسْنَدًا ; رَوَاهُ الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة قَالَ : جَاءَ بستانة - وَهُوَ رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب - فَسَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَحَد عَشَر كَوْكَبًا الَّذِي رَأَى يُوسُف فَقَالَ :( الحرثان وَالطَّارِق وَالذَّيَّال وَقَابِس والمصبح والضروح وَذُو الكنفات وَذُو القرع وَالْفَلِيق وَوَثَّاب وَالْعَمُودَانِ ; رَآهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام تَسْجُد لَهُ ).
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : الْكَوَاكِب إِخْوَته، وَالشَّمْس أُمّه، وَالْقَمَر أَبُوهُ.
وَقَالَ قَتَادَة أَيْضًا : الشَّمْس خَالَته، لِأَنَّ أُمّه كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ، وَكَانَتْ خَالَته تَحْت أَبِيهِ.
وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي
تَوْكِيد.
وَقَالَ :" رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ " فَجَاءَ مُذَكَّرًا ; فَالْقَوْل عِنْد الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِالطَّاعَةِ وَالسُّجُود وَهُمَا مِنْ أَفْعَال مَنْ يَعْقِل أَخْبَرَ عَنْهَا كَمَا يُخْبِر عَمَّنْ يَعْقِل.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْله :" وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك " [ الْأَعْرَاف : ١٩٨ ].
وَالْعَرَب تَجْمَع مَا لَا يَعْقِل جَمْع مَنْ يَعْقِل إِذَا أَنْزَلُوهُ مَنْزِلَته، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْأَصْل.
تَوْكِيد.
وَقَالَ :" رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ " فَجَاءَ مُذَكَّرًا ; فَالْقَوْل عِنْد الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِالطَّاعَةِ وَالسُّجُود وَهُمَا مِنْ أَفْعَال مَنْ يَعْقِل أَخْبَرَ عَنْهَا كَمَا يُخْبِر عَمَّنْ يَعْقِل.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْله :" وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك " [ الْأَعْرَاف : ١٩٨ ].
وَالْعَرَب تَجْمَع مَا لَا يَعْقِل جَمْع مَنْ يَعْقِل إِذَا أَنْزَلُوهُ مَنْزِلَته، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْأَصْل.
قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَة مَسْأَلَة :
الْأُولَى :" فَيَكِيدُوا لَك كَيْدًا " أَيْ يَحْتَالُوا فِي هَلَاكك ; لِأَنَّ تَأْوِيلهَا ظَاهِر ; فَرُبَّمَا يَحْمِلهُمْ الشَّيْطَان عَلَى قَصْدك بِسُوءٍ حِينَئِذٍ.
وَاللَّام فِي " لَك " تَأْكِيد.
كَقَوْلِهِ :" إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ " [ يُوسُف : ٤٣ ].
الثَّانِيَة : الرُّؤْيَا حَالَة شَرِيفَة، وَمَنْزِلَة رَفِيعَة، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنْ الْمُبَشِّرَات إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة الصَّادِقَة يَرَاهَا الرَّجُل الصَّالِح أَوْ تُرَى لَهُ ).
وَقَالَ :( أَصْدَقكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقكُمْ حَدِيثًا ).
وَحَكَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة، وَرُوِيَ ( مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ( جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
وَمِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر ( جُزْء مِنْ تِسْعَة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا ).
وَمِنْ حَدِيث الْعَبَّاس ( جُزْء مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
وَمِنْ حَدِيث أَنَس ( مِنْ سِتَّة وَعِشْرِينَ ).
وَعَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت ( مِنْ أَرْبَعَة وَأَرْبَعِينَ مِنْ النُّبُوَّة ).
وَالصَّحِيح مِنْهَا حَدِيث السِّتَّة وَالْأَرْبَعِينَ، وَيَتْلُوهُ فِي الصِّحَّة حَدِيث السَّبْعِينَ ; وَلَمْ يُخَرِّج مُسْلِم فِي صَحِيحه غَيْر هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، أَمَّا سَائِرهَا فَمِنْ أَحَادِيث الشُّيُوخ ; قَالَهُ اِبْن بَطَّال.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيّ : وَالْأَكْثَر وَالْأَصَحّ عِنْد أَهْل الْحَدِيث ( مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ ).
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَة مَسْأَلَة :
الْأُولَى :" فَيَكِيدُوا لَك كَيْدًا " أَيْ يَحْتَالُوا فِي هَلَاكك ; لِأَنَّ تَأْوِيلهَا ظَاهِر ; فَرُبَّمَا يَحْمِلهُمْ الشَّيْطَان عَلَى قَصْدك بِسُوءٍ حِينَئِذٍ.
وَاللَّام فِي " لَك " تَأْكِيد.
كَقَوْلِهِ :" إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ " [ يُوسُف : ٤٣ ].
الثَّانِيَة : الرُّؤْيَا حَالَة شَرِيفَة، وَمَنْزِلَة رَفِيعَة، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنْ الْمُبَشِّرَات إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة الصَّادِقَة يَرَاهَا الرَّجُل الصَّالِح أَوْ تُرَى لَهُ ).
وَقَالَ :( أَصْدَقكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقكُمْ حَدِيثًا ).
وَحَكَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة، وَرُوِيَ ( مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ( جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
وَمِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر ( جُزْء مِنْ تِسْعَة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا ).
وَمِنْ حَدِيث الْعَبَّاس ( جُزْء مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
وَمِنْ حَدِيث أَنَس ( مِنْ سِتَّة وَعِشْرِينَ ).
وَعَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت ( مِنْ أَرْبَعَة وَأَرْبَعِينَ مِنْ النُّبُوَّة ).
وَالصَّحِيح مِنْهَا حَدِيث السِّتَّة وَالْأَرْبَعِينَ، وَيَتْلُوهُ فِي الصِّحَّة حَدِيث السَّبْعِينَ ; وَلَمْ يُخَرِّج مُسْلِم فِي صَحِيحه غَيْر هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، أَمَّا سَائِرهَا فَمِنْ أَحَادِيث الشُّيُوخ ; قَالَهُ اِبْن بَطَّال.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيّ : وَالْأَكْثَر وَالْأَصَحّ عِنْد أَهْل الْحَدِيث ( مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ ).
قَالَ الطَّبَرِيّ : وَالصَّوَاب أَنْ يُقَال إِنَّ عَامَّة هَذِهِ الْأَحَادِيث أَوْ أَكْثَرهَا صِحَاح، وَلِكُلِّ حَدِيث مِنْهَا مَخْرَج مَعْقُول ; فَأَمَّا قَوْله :( إِنَّهَا جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ) فَإِنَّ ذَلِكَ قَوْل عَامّ فِي كُلّ رُؤْيَا صَالِحَة صَادِقَة، وَلِكُلِّ مُسْلِم رَآهَا فِي مَنَامه عَلَى أَيّ أَحْوَاله كَانَ ; وَأَمَّا قَوْله :( إِنَّهَا مِنْ أَرْبَعِينَ أَوْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ ) فَإِنَّهُ يُرِيد بِذَلِكَ مَنْ كَانَ صَاحِبهَا بِالْحَالِ الَّتِي ذَكَرْت عَنْ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ بِهَا ; فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل إِسْبَاغ الْوُضُوء فِي السَّبَرَات، وَالصَّبْر فِي اللَّه عَلَى الْمَكْرُوهَات، وَانْتِظَار الصَّلَاة بَعْد الصَّلَاة، فَرُؤْيَاهُ الصَّالِحَة - إِنْ شَاءَ اللَّه - جُزْء مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة، وَمَنْ كَانَتْ حَاله فِي ذَاته بَيْن ذَلِكَ فَرُؤْيَاهُ الصَّادِقَة بَيْن جُزْأَيْنِ مَا بَيْن الْأَرْبَعِينَ إِلَى السِّتِّينَ لَا تَنْقُص عَنْ سَبْعِينَ، وَتَزِيد عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ فَقَالَ : اِخْتِلَاف الْآثَار فِي هَذَا الْبَاب فِي عَدَد أَجْزَاء الرُّؤْيَا لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي اِخْتِلَاف مُتَضَادّ مُتَدَافِع - وَاَللَّه أَعْلَم - لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون الرُّؤْيَا الصَّالِحَة مِنْ بَعْض مَنْ يَرَاهَا عَلَى حَسَب مَا يَكُون مِنْ صِدْق الْحَدِيث، وَأَدَاء الْأَمَانَة، وَالدِّين الْمَتِين، وَحُسْن الْيَقِين ; فَعَلَى قَدْر اِخْتِلَاف النَّاس فِيمَا وَصَفْنَا تَكُون الرُّؤْيَا مِنْهُمْ عَلَى الْأَجْزَاء الْمُخْتَلِفَة الْعَدَد فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّته فِي عِبَادَة رَبّه وَيَقِينه وَصَدَقَ حَدِيثه كَانَتْ رُؤْيَاهُ أَصْدَق وَإِلَى النُّبُوَّة أَقْرَب كَمَا أَنَّ الْأَنْبِيَاء يَتَفَاضَلُونَ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَقَدْ فَضَلَّنَا بَعْض النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض " الْإِسْرَاء : ٥٥ ].
قُلْت : فَهَذَا التَّأْوِيل يَجْمَع شَتَات الْأَحَادِيث، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْسِير بَعْضهَا دُون بَعْض وَطَرْحه ; ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيد الْأَسْفَاقِسِيّ عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم قَالَ : مَعْنَى قَوْله :( جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ) فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّبُوَّة ثَلَاثَة وَعِشْرِينَ عَامًا - فِيمَا رَوَاهُ عِكْرِمَة وَعَمْرو بْن دِينَار عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِذَا نَسَبْنَا سِتَّة أَشْهُر مِنْ ثَلَاثَة وَعِشْرِينَ عَامًا وَجَدْنَا ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا ; وَإِلَى هَذَا الْقَوْل أَشَارَ الْمَازِرِيّ فِي كِتَابه " الْمُعَلِّم " وَاخْتَارَهُ الْقُونَوِيّ فِي تَفْسِيره مِنْ سُورَة [ يُونُس ] عِنْد قَوْله تَعَالَى :" لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " [ يُونُس : ٦٤ ].
قُلْت : فَهَذَا التَّأْوِيل يَجْمَع شَتَات الْأَحَادِيث، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْسِير بَعْضهَا دُون بَعْض وَطَرْحه ; ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيد الْأَسْفَاقِسِيّ عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم قَالَ : مَعْنَى قَوْله :( جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ) فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّبُوَّة ثَلَاثَة وَعِشْرِينَ عَامًا - فِيمَا رَوَاهُ عِكْرِمَة وَعَمْرو بْن دِينَار عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِذَا نَسَبْنَا سِتَّة أَشْهُر مِنْ ثَلَاثَة وَعِشْرِينَ عَامًا وَجَدْنَا ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا ; وَإِلَى هَذَا الْقَوْل أَشَارَ الْمَازِرِيّ فِي كِتَابه " الْمُعَلِّم " وَاخْتَارَهُ الْقُونَوِيّ فِي تَفْسِيره مِنْ سُورَة [ يُونُس ] عِنْد قَوْله تَعَالَى :" لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " [ يُونُس : ٦٤ ].
وَهُوَ فَاسِد مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَائِشَة بِأَنَّ مُدَّة الْوَحْي كَانَتْ عِشْرِينَ سَنَة، وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ عَلَى رَأْس أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ ; وَهُوَ قَوْل عُرْوَة وَالشَّعْبِيّ وَابْن شِهَاب وَالْحَسَن وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ، وَهِيَ رِوَايَة رَبِيعَة وَأَبِي غَالِب عَنْ أَنَس، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيث بَطَلَ ذَلِكَ التَّأْوِيل - الثَّانِي : أَنَّ سَائِر الْأَحَادِيث فِي الْأَجْزَاء الْمُخْتَلِفَة تَبْقَى بِغَيْرِ مَعْنًى.
الثَّالِثَة : إِنَّمَا كَانَتْ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ; لِأَنَّ فِيهَا مَا يُعْجِز وَيَمْتَنِع كَالطَّيَرَانِ، وَقَلْب الْأَعْيَان، وَالِاطِّلَاع عَلَى شَيْء مِنْ عِلْم الْغَيْب ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَات النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّادِقَة فِي النَّوْم.
) الْحَدِيث.
وَعَلَى الْجُمْلَة فَإِنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة مِنْ اللَّه، وَأَنَّهَا مِنْ النُّبُوَّة ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الرُّؤْيَا مِنْ اللَّه وَالْحُلْم مِنْ الشَّيْطَان ) وَأَنَّ التَّصْدِيق بِهَا حَقّ، وَلَهَا التَّأْوِيل الْحَسَن، وَرُبَّمَا أَغْنَى بَعْضهَا عَنْ التَّأْوِيل، وَفِيهَا مِنْ بَدِيع اللَّه وَلُطْفه مَا يَزِيد الْمُؤْمِن فِي إِيمَانه ; وَلَا خِلَاف فِي هَذَا بَيْن أَهْل الدِّين وَالْحَقّ مِنْ أَهْل الرَّأْي وَالْأَثَر، وَلَا يُنْكِر الرُّؤْيَا إِلَّا أَهْل الْإِلْحَاد وَشِرْذِمَة مِنْ الْمُعْتَزِلَة.
الرَّابِعَة : إِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَتْ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة فَكَيْف يَكُون الْكَافِر وَالْكَاذِب وَالْمُخَلِّط أَهْلًا لَهَا ؟ وَقَدْ وَقَعَتْ مِنْ بَعْض الْكُفَّار وَغَيْرهمْ مِمَّنْ لَا يُرْضَى دِينه مَنَامَات صَحِيحَة صَادِقَة ; كَمَنَامِ رُؤْيَا الْمَلِك الَّذِي رَأَى سَبْع بَقَرَات، وَمَنَام الْفَتَيَيْنِ فِي السِّجْن ; وَرُؤْيَا بُخْتَنَصْر، الَّتِي فَسَّرَهَا دَانْيَال فِي ذَهَاب مُلْكه، وَرُؤْيَا كِسْرَى فِي ظُهُور النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنَام عَاتِكَة، عَمَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْره وَهِيَ كَافِرَة، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ " بَاب رُؤْيَا أَهْل السِّجْن " : فَالْجَوَاب أَنَّ الْكَافِر وَالْفَاجِر وَالْفَاسِق وَالْكَاذِب وَإِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُمْ فِي بَعْض الْأَوْقَات لَا تَكُون مِنْ الْوَحْي وَلَا مِنْ النُّبُوَّة ; إِذْ لَيْسَ كُلّ مَنْ صَدَقَ فِي حَدِيث عَنْ غَيْب يَكُون خَبَره ذَلِكَ نُبُوَّة ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ الْأَنْعَام ] أَنَّ الْكَاهِن وَغَيْره قَدْ يُخْبِر بِكَلِمَةِ الْحَقّ فَيَصْدُق، لَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى النُّدُور وَالْقِلَّة، فَكَذَلِكَ رُؤْيَا هَؤُلَاءِ ; قَالَ الْمُهَلِّب : إِنَّمَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ بِهَذَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُون رُؤْيَا أَهْل الشِّرْك رُؤْيَا صَادِقَة، كَمَا كَانَتْ رُؤْيَا الْفَتَيَيْنِ صَادِقَة، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ تُضَاف إِلَى النُّبُوَّة إِضَافَة رُؤْيَا الْمُؤْمِن إِلَيْهَا، إِذْ لَيْسَ كُلّ مَا يَصِحّ لَهُ تَأْوِيل مِنْ الرُّؤْيَا حَقِيقَة يَكُون جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة.
الثَّالِثَة : إِنَّمَا كَانَتْ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ; لِأَنَّ فِيهَا مَا يُعْجِز وَيَمْتَنِع كَالطَّيَرَانِ، وَقَلْب الْأَعْيَان، وَالِاطِّلَاع عَلَى شَيْء مِنْ عِلْم الْغَيْب ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَات النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّادِقَة فِي النَّوْم.
) الْحَدِيث.
وَعَلَى الْجُمْلَة فَإِنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة مِنْ اللَّه، وَأَنَّهَا مِنْ النُّبُوَّة ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الرُّؤْيَا مِنْ اللَّه وَالْحُلْم مِنْ الشَّيْطَان ) وَأَنَّ التَّصْدِيق بِهَا حَقّ، وَلَهَا التَّأْوِيل الْحَسَن، وَرُبَّمَا أَغْنَى بَعْضهَا عَنْ التَّأْوِيل، وَفِيهَا مِنْ بَدِيع اللَّه وَلُطْفه مَا يَزِيد الْمُؤْمِن فِي إِيمَانه ; وَلَا خِلَاف فِي هَذَا بَيْن أَهْل الدِّين وَالْحَقّ مِنْ أَهْل الرَّأْي وَالْأَثَر، وَلَا يُنْكِر الرُّؤْيَا إِلَّا أَهْل الْإِلْحَاد وَشِرْذِمَة مِنْ الْمُعْتَزِلَة.
الرَّابِعَة : إِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَتْ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة فَكَيْف يَكُون الْكَافِر وَالْكَاذِب وَالْمُخَلِّط أَهْلًا لَهَا ؟ وَقَدْ وَقَعَتْ مِنْ بَعْض الْكُفَّار وَغَيْرهمْ مِمَّنْ لَا يُرْضَى دِينه مَنَامَات صَحِيحَة صَادِقَة ; كَمَنَامِ رُؤْيَا الْمَلِك الَّذِي رَأَى سَبْع بَقَرَات، وَمَنَام الْفَتَيَيْنِ فِي السِّجْن ; وَرُؤْيَا بُخْتَنَصْر، الَّتِي فَسَّرَهَا دَانْيَال فِي ذَهَاب مُلْكه، وَرُؤْيَا كِسْرَى فِي ظُهُور النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنَام عَاتِكَة، عَمَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْره وَهِيَ كَافِرَة، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ " بَاب رُؤْيَا أَهْل السِّجْن " : فَالْجَوَاب أَنَّ الْكَافِر وَالْفَاجِر وَالْفَاسِق وَالْكَاذِب وَإِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُمْ فِي بَعْض الْأَوْقَات لَا تَكُون مِنْ الْوَحْي وَلَا مِنْ النُّبُوَّة ; إِذْ لَيْسَ كُلّ مَنْ صَدَقَ فِي حَدِيث عَنْ غَيْب يَكُون خَبَره ذَلِكَ نُبُوَّة ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ الْأَنْعَام ] أَنَّ الْكَاهِن وَغَيْره قَدْ يُخْبِر بِكَلِمَةِ الْحَقّ فَيَصْدُق، لَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى النُّدُور وَالْقِلَّة، فَكَذَلِكَ رُؤْيَا هَؤُلَاءِ ; قَالَ الْمُهَلِّب : إِنَّمَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ بِهَذَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُون رُؤْيَا أَهْل الشِّرْك رُؤْيَا صَادِقَة، كَمَا كَانَتْ رُؤْيَا الْفَتَيَيْنِ صَادِقَة، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ تُضَاف إِلَى النُّبُوَّة إِضَافَة رُؤْيَا الْمُؤْمِن إِلَيْهَا، إِذْ لَيْسَ كُلّ مَا يَصِحّ لَهُ تَأْوِيل مِنْ الرُّؤْيَا حَقِيقَة يَكُون جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة.
الْخَامِسَة : الرُّؤْيَا الْمُضَافَة إِلَى اللَّه تَعَالَى هِيَ الَّتِي خَلَصَتْ مِنْ الْأَضْغَاث وَالْأَوْهَام، وَكَانَ تَأْوِيلهَا مُوَافِقًا لِمَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَاَلَّتِي هِيَ مِنْ خَبَر الْأَضْغَاث هِيَ الْحُلْم، وَهِيَ الْمُضَافَة إِلَى الشَّيْطَان، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ ضِغْثًا ; لِأَنَّ فِيهَا أَشْيَاء مُتَضَادَّة ; قَالَ مَعْنَاهُ الْمُهَلِّب.
وَقَدْ قَسَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا أَقْسَامًا تُغْنِي عَنْ قَوْل كُلّ قَائِل ; رَوَى عَوْف بْن مَالِك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الرُّؤْيَا ثَلَاثَة مِنْهَا أَهَاوِيل الشَّيْطَان لِيُحْزِنَ اِبْن آدَم وَمِنْهَا مَا يَهْتَمّ بِهِ فِي يَقِظَته فَيَرَاهُ فِي مَنَامه وَمِنْهَا جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
قَالَ : قُلْت : سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ! سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
السَّادِسَة : الرُّؤْيَا مَصْدَر، رَأَى فِي الْمَنَام، رُؤْيَا عَلَى وَزْن فُعْلَى كَالسُّقْيَا وَالْبُشْرَى ; وَأَلِفه لِلتَّأْنِيثِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا ; فَقِيلَ : هِيَ إِدْرَاك فِي أَجْزَاء لَمْ تَحُلّهَا آفَة، كَالنَّوْمِ الْمُسْتَغْرِق وَغَيْره ; وَلِهَذَا أَكْثَر مَا تَكُون الرُّؤْيَا فِي آخِر اللَّيْل لِقِلَّةِ غَلَبَة النَّوْم ; فَيَخْلُق اللَّه تَعَالَى لِلرَّائِي عِلْمًا نَاشِئًا، وَيَخْلُق لَهُ الَّذِي يَرَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ لِيَصِحّ الْإِدْرَاك، قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَا يَرَى فِي الْمَنَام إِلَّا مَا يَصِحّ إِدْرَاكه فِي الْيَقِظَة، وَلِذَلِكَ لَا يَرَى فِي الْمَنَام شَخْصًا قَائِمًا قَاعِدًا بِحَالٍ، وَإِنَّمَا يَرَى الْجَائِزَات الْمُعْتَادَات.
وَقِيلَ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا يَعْرِض الْمَرْئِيَّات عَلَى الْمَحَلّ الْمُدْرِك مِنْ النَّائِم، فَيُمَثِّل لَهُ صُوَرًا مَحْسُوسَة ; فَتَارَة تَكُون تِلْكَ الصُّوَر أَمْثِلَة مُوَافِقَة لِمَا يَقَع فِي الْوُجُود، وَتَارَة تَكُون لِمَعَانٍ مَعْقُولَة غَيْر مَحْسُوسَة، وَفِي الْحَالَتَيْنِ تَكُون مُبَشِّرَة أَوْ مُنْذِرَة ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره :( رَأَيْت سَوْدَاء ثَائِرَة الرَّأْس تَخْرُج مِنْ الْمَدِينَة إِلَى مَهْيَعَة فَأَوَّلْتهَا الْحُمَّى ).
و ( رَأَيْت سَيْفِي قَدْ اِنْقَطَعَ صَدْره وَبَقَرًا تُنْحَر فَأَوَّلْتهمَا رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي يُقْتَل وَالْبَقَر نَفَر مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ ).
و ( رَأَيْت أَنِّي أَدْخَلْت يَدَيَّ فِي دِرْع حَصِينَة فَأَوَّلْتهَا الْمَدِينَة ).
و ( رَأَيْت فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ فَأَوَّلْتهمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي ).
إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا ضُرِبَتْ لَهُ الْأَمْثَال ; وَمِنْهَا مَا يَظْهَر مَعْنَاهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَمِنْهَا مَا لَا يَظْهَر إِلَّا بَعْد التَّفَكُّر ; وَقَدْ رَأَى النَّائِم فِي زَمَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام بَقَرًا فَأَوَّلهَا يُوسُف السِّنِينَ، وَرَأَى أَحَد عَشَر كَوْكَبًا وَالشَّمْس وَالْقَمَر فَأَوَّلهَا بِإِخْوَتِهِ وَأَبَوَيْهِ.
وَقَدْ قَسَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا أَقْسَامًا تُغْنِي عَنْ قَوْل كُلّ قَائِل ; رَوَى عَوْف بْن مَالِك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الرُّؤْيَا ثَلَاثَة مِنْهَا أَهَاوِيل الشَّيْطَان لِيُحْزِنَ اِبْن آدَم وَمِنْهَا مَا يَهْتَمّ بِهِ فِي يَقِظَته فَيَرَاهُ فِي مَنَامه وَمِنْهَا جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
قَالَ : قُلْت : سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ! سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
السَّادِسَة : الرُّؤْيَا مَصْدَر، رَأَى فِي الْمَنَام، رُؤْيَا عَلَى وَزْن فُعْلَى كَالسُّقْيَا وَالْبُشْرَى ; وَأَلِفه لِلتَّأْنِيثِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا ; فَقِيلَ : هِيَ إِدْرَاك فِي أَجْزَاء لَمْ تَحُلّهَا آفَة، كَالنَّوْمِ الْمُسْتَغْرِق وَغَيْره ; وَلِهَذَا أَكْثَر مَا تَكُون الرُّؤْيَا فِي آخِر اللَّيْل لِقِلَّةِ غَلَبَة النَّوْم ; فَيَخْلُق اللَّه تَعَالَى لِلرَّائِي عِلْمًا نَاشِئًا، وَيَخْلُق لَهُ الَّذِي يَرَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ لِيَصِحّ الْإِدْرَاك، قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَا يَرَى فِي الْمَنَام إِلَّا مَا يَصِحّ إِدْرَاكه فِي الْيَقِظَة، وَلِذَلِكَ لَا يَرَى فِي الْمَنَام شَخْصًا قَائِمًا قَاعِدًا بِحَالٍ، وَإِنَّمَا يَرَى الْجَائِزَات الْمُعْتَادَات.
وَقِيلَ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا يَعْرِض الْمَرْئِيَّات عَلَى الْمَحَلّ الْمُدْرِك مِنْ النَّائِم، فَيُمَثِّل لَهُ صُوَرًا مَحْسُوسَة ; فَتَارَة تَكُون تِلْكَ الصُّوَر أَمْثِلَة مُوَافِقَة لِمَا يَقَع فِي الْوُجُود، وَتَارَة تَكُون لِمَعَانٍ مَعْقُولَة غَيْر مَحْسُوسَة، وَفِي الْحَالَتَيْنِ تَكُون مُبَشِّرَة أَوْ مُنْذِرَة ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره :( رَأَيْت سَوْدَاء ثَائِرَة الرَّأْس تَخْرُج مِنْ الْمَدِينَة إِلَى مَهْيَعَة فَأَوَّلْتهَا الْحُمَّى ).
و ( رَأَيْت سَيْفِي قَدْ اِنْقَطَعَ صَدْره وَبَقَرًا تُنْحَر فَأَوَّلْتهمَا رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي يُقْتَل وَالْبَقَر نَفَر مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ ).
و ( رَأَيْت أَنِّي أَدْخَلْت يَدَيَّ فِي دِرْع حَصِينَة فَأَوَّلْتهَا الْمَدِينَة ).
و ( رَأَيْت فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ فَأَوَّلْتهمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي ).
إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا ضُرِبَتْ لَهُ الْأَمْثَال ; وَمِنْهَا مَا يَظْهَر مَعْنَاهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَمِنْهَا مَا لَا يَظْهَر إِلَّا بَعْد التَّفَكُّر ; وَقَدْ رَأَى النَّائِم فِي زَمَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام بَقَرًا فَأَوَّلهَا يُوسُف السِّنِينَ، وَرَأَى أَحَد عَشَر كَوْكَبًا وَالشَّمْس وَالْقَمَر فَأَوَّلهَا بِإِخْوَتِهِ وَأَبَوَيْهِ.
السَّابِعَة : إِنْ قِيلَ : إِنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ صَغِيرًا وَقْت رُؤْيَاهُ، وَالصَّغِير لَا حُكْم لِفِعْلِهِ، فَكَيْف تَكُون لَهُ رُؤْيَا لَهَا حُكْم حَتَّى يَقُول لَهُ أَبُوهُ :" لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاك عَلَى إِخْوَتك " ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ الرُّؤْيَا إِدْرَاك حَقِيقَة عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، فَتَكُون مِنْ الصَّغِير كَمَا يَكُون مِنْهُ الْإِدْرَاك الْحَقِيقِيّ فِي الْيَقَظَة، وَإِذَا أَخْبَرَ عَمَّا رَأَى صَدَقَ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَخْبَرَ عَمَّا يَرَى فِي الْمَنَام ; وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه عَنْ رُؤْيَاهُ وَأَنَّهَا وُجِدَتْ كَمَا رَأَى فَلَا اِعْتِرَاض ; رُوِيَ أَنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ اِبْن اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة.
الثَّامِنَة : هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي أَلَّا تُقَصّ الرُّؤْيَا عَلَى غَيْر شَفِيق وَلَا نَاصِح، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يُحْسِن التَّأْوِيل فِيهَا ; رَوَى أَبُو رَزِين الْعُقَيْلِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الرُّؤْيَا جُزْء مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
و ( الرُّؤْيَا مُعَلَّقَة بِرِجْلِ طَائِر مَا لَمْ يُحَدِّث بِهَا صَاحِبهَا فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا وَقَعَتْ فَلَا تُحَدِّثُوا بِهَا إِلَّا عَاقِلًا أَوْ مُحِبًّا أَوْ نَاصِحًا ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن صَحِيح ; وَأَبُو رَزِين اِسْمه لَقِيط بْن عَامِر.
وَقِيلَ لِمَالِكٍ : أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلّ أَحَد ؟ فَقَالَ : أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَب ؟ وَقَالَ مَالِك : لَا يَعْبُر الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنهَا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت ; قِيلَ : فَهَلْ يَعْبُرهَا عَلَى الْخَيْر وَهِيَ عِنْده عَلَى الْمَكْرُوه لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَلَى مَا تَأَوَّلْت عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : لَا ! ثُمَّ قَالَ، : الرُّؤْيَا جُزْء مِنْ النُّبُوَّة فَلَا يُتَلَاعَب بِالنُّبُوَّةِ.
التَّاسِعَة : وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ مُبَاحًا أَنْ يَحْذَر الْمُسْلِم أَخَاهُ الْمُسْلِم مِمَّنْ يَخَافهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُون دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْغِيبَة ; لِأَنَّ يَعْقُوب - عَلَيْهِ السَّلَام - قَدْ حَذَّرَ يُوسُف أَنْ يَقُصّ رُؤْيَاهُ عَلَى إِخْوَته فَيَكِيدُوا لَهُ كَيْدًا، وَفِيهَا أَيْضًا مَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز تَرْك إِظْهَار النِّعْمَة عِنْد مَنْ تُخْشَى غَائِلَته حَسَدًا وَكَيْدًا ; وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاح حَوَائِجكُمْ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلّ ذِي نِعْمَة مَحْسُود ).
وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيل وَاضِح عَلَى مَعْرِفَة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا ; فَإِنَّهُ عَلِمَ مِنْ تَأْوِيلهَا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُبَالِ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسه ; فَإِنَّ الرَّجُل يَوَدّ أَنْ يَكُون وَلَده خَيْرًا مِنْهُ، وَالْأَخ لَا يَوَدّ ذَلِكَ لِأَخِيهِ.
الثَّامِنَة : هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي أَلَّا تُقَصّ الرُّؤْيَا عَلَى غَيْر شَفِيق وَلَا نَاصِح، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يُحْسِن التَّأْوِيل فِيهَا ; رَوَى أَبُو رَزِين الْعُقَيْلِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الرُّؤْيَا جُزْء مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة ).
و ( الرُّؤْيَا مُعَلَّقَة بِرِجْلِ طَائِر مَا لَمْ يُحَدِّث بِهَا صَاحِبهَا فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا وَقَعَتْ فَلَا تُحَدِّثُوا بِهَا إِلَّا عَاقِلًا أَوْ مُحِبًّا أَوْ نَاصِحًا ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن صَحِيح ; وَأَبُو رَزِين اِسْمه لَقِيط بْن عَامِر.
وَقِيلَ لِمَالِكٍ : أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلّ أَحَد ؟ فَقَالَ : أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَب ؟ وَقَالَ مَالِك : لَا يَعْبُر الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنهَا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت ; قِيلَ : فَهَلْ يَعْبُرهَا عَلَى الْخَيْر وَهِيَ عِنْده عَلَى الْمَكْرُوه لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَلَى مَا تَأَوَّلْت عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : لَا ! ثُمَّ قَالَ، : الرُّؤْيَا جُزْء مِنْ النُّبُوَّة فَلَا يُتَلَاعَب بِالنُّبُوَّةِ.
التَّاسِعَة : وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ مُبَاحًا أَنْ يَحْذَر الْمُسْلِم أَخَاهُ الْمُسْلِم مِمَّنْ يَخَافهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُون دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْغِيبَة ; لِأَنَّ يَعْقُوب - عَلَيْهِ السَّلَام - قَدْ حَذَّرَ يُوسُف أَنْ يَقُصّ رُؤْيَاهُ عَلَى إِخْوَته فَيَكِيدُوا لَهُ كَيْدًا، وَفِيهَا أَيْضًا مَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز تَرْك إِظْهَار النِّعْمَة عِنْد مَنْ تُخْشَى غَائِلَته حَسَدًا وَكَيْدًا ; وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاح حَوَائِجكُمْ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلّ ذِي نِعْمَة مَحْسُود ).
وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيل وَاضِح عَلَى مَعْرِفَة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا ; فَإِنَّهُ عَلِمَ مِنْ تَأْوِيلهَا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُبَالِ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسه ; فَإِنَّ الرَّجُل يَوَدّ أَنْ يَكُون وَلَده خَيْرًا مِنْهُ، وَالْأَخ لَا يَوَدّ ذَلِكَ لِأَخِيهِ.
وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَحَسَّ مِنْ بَنِيهِ حَسَد يُوسُف وَبُغْضه ; فَنَهَاهُ عَنْ قَصَص الرُّؤْيَا عَلَيْهِمْ خَوْف أَنْ تَغِلّ بِذَلِكَ صُدُورهمْ، فَيَعْمَلُوا الْحِيلَة فِي هَلَاكه ; وَمِنْ هَذَا وَمِنْ فِعْلهمْ بِيُوسُف يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا غَيْر أَنْبِيَاء فِي ذَلِكَ الْوَقْت، وَوَقَعَ فِي كِتَاب الطَّبَرِيّ لِابْنِ زَيْد أَنَّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاء، وَهَذَا يَرُدّهُ الْقَطْع بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاء عَنْ الْحَسَد الدُّنْيَوِيّ، وَعَنْ عُقُوق الْآبَاء، وَتَعْرِيض مُؤْمِن لِلْهَلَاكِ، وَالتَّآمُر فِي قَتْله، وَلَا اِلْتِفَات لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاء، وَلَا يَسْتَحِيل فِي الْعَقْل زَلَّة نَبِيّ، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الزَّلَّة قَدْ جَمَعَتْ أَنْوَاعًا مِنْ الْكَبَائِر، وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِصْمَتهمْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي الصَّغَائِر عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي.
الْعَاشِرَة : رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات ) قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَات ؟ قَالَ :( الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ) وَهَذَا الْحَدِيث بِظَاهِرِهِ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا بُشْرَى عَلَى الْإِطْلَاق وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة قَدْ تَكُون مُنْذِرَة مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى لَا تُسِرّ رَائِيهَا، وَإِنَّمَا يُرِيهَا اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِن رِفْقًا بِهِ وَرَحْمَة، لِيَسْتَعِدّ لِنُزُولِ الْبَلَاء قَبْل وُقُوعه ; فَإِنْ أَدْرَكَ تَأَوُّلهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا سَأَلَ عَنْهَا مَنْ لَهُ أَهْلِيَّة ذَلِكَ.
وَقَدْ رَأَى الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ بِمِصْرَ رُؤْيَا لِأَحْمَد بْن حَنْبَل تَدُلّ عَلَى مِحْنَته فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَسْتَعِدّ لِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ يُونُس ] فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى :" لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " [ يُونُس : ٦٤ ] أَنَّهَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة.
وَهَذَا وَحَدِيث الْبُخَارِيّ مَخْرَجه عَلَى الْأَغْلَب، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْحَادِيَة عَشَر : رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ : لَقَدْ كُنْت أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضنِي حَتَّى سَمِعْت أَبَا قَتَادَة يَقُول : وَأَنَا كُنْت لَأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضنِي حَتَّى سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( الرُّؤْيَا الْحَسَنَة مِنْ اللَّه فَإِذَا رَأَى أَحَدكُمْ مَا يُحِبّ فَلَا يُحَدِّث بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَه فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا وَلْيَتْفُلْ ثَلَاث مَرَّات وَلَا يُحَدِّث بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرّهُ ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَجَعَلَ اللَّه الِاسْتِعَاذَة مِنْهَا مِمَّا يَرْفَع أَذَاهَا ; أَلَا تَرَى قَوْل أَبِي قَتَادَة : إِنِّي كُنْت لَأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَل عَلَيَّ مِنْ الْجَبَل، فَلَمَّا سَمِعْت بِهَذَا الْحَدِيث كُنْت لَا أَعُدّهَا شَيْئًا.
الْعَاشِرَة : رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات ) قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَات ؟ قَالَ :( الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ) وَهَذَا الْحَدِيث بِظَاهِرِهِ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا بُشْرَى عَلَى الْإِطْلَاق وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة قَدْ تَكُون مُنْذِرَة مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى لَا تُسِرّ رَائِيهَا، وَإِنَّمَا يُرِيهَا اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِن رِفْقًا بِهِ وَرَحْمَة، لِيَسْتَعِدّ لِنُزُولِ الْبَلَاء قَبْل وُقُوعه ; فَإِنْ أَدْرَكَ تَأَوُّلهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا سَأَلَ عَنْهَا مَنْ لَهُ أَهْلِيَّة ذَلِكَ.
وَقَدْ رَأَى الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ بِمِصْرَ رُؤْيَا لِأَحْمَد بْن حَنْبَل تَدُلّ عَلَى مِحْنَته فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَسْتَعِدّ لِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ يُونُس ] فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى :" لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " [ يُونُس : ٦٤ ] أَنَّهَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة.
وَهَذَا وَحَدِيث الْبُخَارِيّ مَخْرَجه عَلَى الْأَغْلَب، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْحَادِيَة عَشَر : رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ : لَقَدْ كُنْت أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضنِي حَتَّى سَمِعْت أَبَا قَتَادَة يَقُول : وَأَنَا كُنْت لَأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضنِي حَتَّى سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( الرُّؤْيَا الْحَسَنَة مِنْ اللَّه فَإِذَا رَأَى أَحَدكُمْ مَا يُحِبّ فَلَا يُحَدِّث بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَه فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا وَلْيَتْفُلْ ثَلَاث مَرَّات وَلَا يُحَدِّث بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرّهُ ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَجَعَلَ اللَّه الِاسْتِعَاذَة مِنْهَا مِمَّا يَرْفَع أَذَاهَا ; أَلَا تَرَى قَوْل أَبِي قَتَادَة : إِنِّي كُنْت لَأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَل عَلَيَّ مِنْ الْجَبَل، فَلَمَّا سَمِعْت بِهَذَا الْحَدِيث كُنْت لَا أَعُدّهَا شَيْئًا.
وَزَادَ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة جَابِر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( إِذَا رَأَى أَحَدكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَههَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ).
وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِذَا رَأَى أَحَدكُمْ مَا يَكْرَه فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا كُلّه لَيْسَ بِمُتَعَارِضٍ ; وَإِنَّمَا هَذَا الْأَمْر بِالتَّحَوُّلِ، وَالصَّلَاة زِيَادَة، فَعَلَى الرَّائِي أَنْ يَفْعَل الْجَمِيع، وَالْقِيَام إِلَى الصَّلَاة يَشْمَل الْجَمِيع ; لِأَنَّهُ إِذَا صَلَّى تَضَمَّنَ فِعْله لِلصَّلَاةِ جَمِيع تِلْكَ الْأُمُور ; لِأَنَّهُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة تَحَوَّلَ عَنْ جَنْبه، وَإِذَا تَمَضْمَضَ تَفَلَ وَبَصَقَ، وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة تَعَوَّذَ وَدَعَا وَتَضَرَّعَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يَكْفِيه شَرّهَا فِي حَال هِيَ أَقْرَب الْأَحْوَال إِلَى الْإِجَابَة ; وَذَلِكَ السَّحَر مِنْ اللَّيْل.
وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِذَا رَأَى أَحَدكُمْ مَا يَكْرَه فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا كُلّه لَيْسَ بِمُتَعَارِضٍ ; وَإِنَّمَا هَذَا الْأَمْر بِالتَّحَوُّلِ، وَالصَّلَاة زِيَادَة، فَعَلَى الرَّائِي أَنْ يَفْعَل الْجَمِيع، وَالْقِيَام إِلَى الصَّلَاة يَشْمَل الْجَمِيع ; لِأَنَّهُ إِذَا صَلَّى تَضَمَّنَ فِعْله لِلصَّلَاةِ جَمِيع تِلْكَ الْأُمُور ; لِأَنَّهُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة تَحَوَّلَ عَنْ جَنْبه، وَإِذَا تَمَضْمَضَ تَفَلَ وَبَصَقَ، وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة تَعَوَّذَ وَدَعَا وَتَضَرَّعَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يَكْفِيه شَرّهَا فِي حَال هِيَ أَقْرَب الْأَحْوَال إِلَى الْإِجَابَة ; وَذَلِكَ السَّحَر مِنْ اللَّيْل.
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ
الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهَا نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، وَكَذَلِكَ الْكَاف فِي قَوْله :" كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْك مِنْ قَبْل " و " مَا " كَافَّة.
وَقِيلَ :" وَكَذَلِكَ " أَيْ كَمَا أَكْرَمَك بِالرُّؤْيَا فَكَذَلِكَ يَجْتَبِيك، وَيُحْسِن إِلَيْك بِتَحْقِيقِ الرُّؤْيَا.
قَالَ مُقَاتِل : بِالسُّجُودِ لَك.
الْحَسَن : بِالنُّبُوَّةِ.
وَالِاجْتِبَاء اِخْتِيَار مَعَالِي الْأُمُور لِلْمُجْتَبَى، وَأَصْله مِنْ جَبَيْت الشَّيْء أَيْ حَصَّلْته، وَمِنْهُ جَبَيْت الْمَاء فِي الْحَوْض ; قَالَهُ النَّحَّاس.
وَهَذَا ثَنَاء مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، وَتَعْدِيد فِيمَا عَدَّدَهُ عَلَيْهِ مِنْ النِّعَم الَّتِي آتَاهُ اللَّه تَعَالَى ; مِنْ التَّمْكِين فِي الْأَرْض، وَتَعْلِيم تَأْوِيل الْأَحَادِيث ; وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي تَأْوِيل الرُّؤْيَا.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ : كَانَ تَفْسِير رُؤْيَا يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد أَرْبَعِينَ سَنَة ; وَذَلِكَ مُنْتَهَى الرُّؤْيَا.
وَعَنَى بِالْأَحَادِيثِ مَا يَرَاهُ النَّاس فِي الْمَنَام، وَهِيَ مُعْجِزَة لَهُ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَلْحَقهُ فِيهَا خَطَأ.
وَكَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَعْلَم النَّاس بِتَأْوِيلِهَا، وَكَانَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو ذَلِكَ، وَكَانَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ أَعْبَر النَّاس لَهَا، وَحَصَلَ لِابْنِ سِيرِينَ فِيهَا التَّقَدُّم الْعَظِيم، وَالطَّبْع وَالْإِحْسَان، وَنَحْوه أَوْ قَرِيب مِنْهُ كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِيمَا ذَكَرُوا.
الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهَا نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، وَكَذَلِكَ الْكَاف فِي قَوْله :" كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْك مِنْ قَبْل " و " مَا " كَافَّة.
وَقِيلَ :" وَكَذَلِكَ " أَيْ كَمَا أَكْرَمَك بِالرُّؤْيَا فَكَذَلِكَ يَجْتَبِيك، وَيُحْسِن إِلَيْك بِتَحْقِيقِ الرُّؤْيَا.
قَالَ مُقَاتِل : بِالسُّجُودِ لَك.
الْحَسَن : بِالنُّبُوَّةِ.
وَالِاجْتِبَاء اِخْتِيَار مَعَالِي الْأُمُور لِلْمُجْتَبَى، وَأَصْله مِنْ جَبَيْت الشَّيْء أَيْ حَصَّلْته، وَمِنْهُ جَبَيْت الْمَاء فِي الْحَوْض ; قَالَهُ النَّحَّاس.
وَهَذَا ثَنَاء مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، وَتَعْدِيد فِيمَا عَدَّدَهُ عَلَيْهِ مِنْ النِّعَم الَّتِي آتَاهُ اللَّه تَعَالَى ; مِنْ التَّمْكِين فِي الْأَرْض، وَتَعْلِيم تَأْوِيل الْأَحَادِيث ; وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي تَأْوِيل الرُّؤْيَا.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ : كَانَ تَفْسِير رُؤْيَا يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد أَرْبَعِينَ سَنَة ; وَذَلِكَ مُنْتَهَى الرُّؤْيَا.
وَعَنَى بِالْأَحَادِيثِ مَا يَرَاهُ النَّاس فِي الْمَنَام، وَهِيَ مُعْجِزَة لَهُ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَلْحَقهُ فِيهَا خَطَأ.
وَكَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَعْلَم النَّاس بِتَأْوِيلِهَا، وَكَانَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو ذَلِكَ، وَكَانَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ أَعْبَر النَّاس لَهَا، وَحَصَلَ لِابْنِ سِيرِينَ فِيهَا التَّقَدُّم الْعَظِيم، وَالطَّبْع وَالْإِحْسَان، وَنَحْوه أَوْ قَرِيب مِنْهُ كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِيمَا ذَكَرُوا.
وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
أَيْ أَحَادِيث الْأُمَم وَالْكُتُب وَدَلَائِل التَّوْحِيد، فَهُوَ إِشَارَة إِلَى النُّبُوَّة، وَهُوَ الْمَقْصُود بِقَوْلِهِ :" وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك "
أَيْ أَحَادِيث الْأُمَم وَالْكُتُب وَدَلَائِل التَّوْحِيد، فَهُوَ إِشَارَة إِلَى النُّبُوَّة، وَهُوَ الْمَقْصُود بِقَوْلِهِ :" وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك "
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
أَيْ بِالنُّبُوَّةِ.
وَقِيلَ : بِإِخْرَاجِ إِخْوَتك إِلَيْك ; وَقِيلَ : بِإِنْجَائِك مِنْ كُلّ مَكْرُوه.
أَيْ بِالنُّبُوَّةِ.
وَقِيلَ : بِإِخْرَاجِ إِخْوَتك إِلَيْك ; وَقِيلَ : بِإِنْجَائِك مِنْ كُلّ مَكْرُوه.
وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ
أَعْلَمَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ سَيُعْطِي بَنِي يَعْقُوب كُلّهمْ النُّبُوَّة ; قَالَهُ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ.
أَعْلَمَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ سَيُعْطِي بَنِي يَعْقُوب كُلّهمْ النُّبُوَّة ; قَالَهُ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ.
كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ
بِالْخُلَّةِ، وَإِنْجَائِهِ مِنْ النَّار.
بِالْخُلَّةِ، وَإِنْجَائِهِ مِنْ النَّار.
وَإِسْحَاقَ
بِالنُّبُوَّةِ.
وَقِيلَ : مِنْ الذَّبْح ; قَالَهُ عِكْرِمَة.
بِالنُّبُوَّةِ.
وَقِيلَ : مِنْ الذَّبْح ; قَالَهُ عِكْرِمَة.
إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ
بِمَا يُعْطِيك.
بِمَا يُعْطِيك.
حَكِيمٌ
فِي فِعْله بِك.
فِي فِعْله بِك.
لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ
يَعْنِي، مَنْ سَأَلَ عَنْ حَدِيثهمْ.
وَقَرَأَ أَهْل مَكَّة " آيَة " عَلَى التَّوْحِيد ; وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد " آيَات " عَلَى الْجَمْع ; قَالَ : لِأَنَّهَا خَيْر كَثِير.
قَالَ النَّحَّاس : و " آيَة " هُنَا قِرَاءَة حَسَنَة، أَيْ لَقَدْ كَانَ لِلَّذِينَ سَأَلُوا عَنْ خَبَر يُوسُف آيَة فِيمَا خُبِّرُوا بِهِ، لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّة فَقَالُوا : أَخْبِرْنَا عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْبِيَاء كَانَ بِالشَّامِ أُخْرِجَ اِبْنه إِلَى مِصْر، فَبَكَى عَلَيْهِ حَتَّى عَمِيَ ؟ - وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّة أَحَد مِنْ أَهْل الْكِتَاب، وَلَا مَنْ يَعْرِف خَبَر الْأَنْبِيَاء ; وَإِنَّمَا وَجَّهَ الْيَهُود إِلَيْهِمْ مِنْ الْمَدِينَة يَسْأَلُونَهُ عَنْ هَذَا - فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سُورَة [ يُوسُف ] جُمْلَة وَاحِدَة ; فِيهَا كُلّ مَا فِي التَّوْرَاة مِنْ خَبَر وَزِيَادَة، فَكَانَ ذَلِكَ آيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَنْزِلَةِ إِحْيَاء عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام الْمَيِّت.
" آيَات " مَوْعِظَة ; وَقِيلَ : عِبْرَة.
وَرُوِيَ أَنَّهَا فِي بَعْض الْمَصَاحِف " عِبْرَة ".
وَقِيلَ : بَصِيرَة.
وَقِيلَ : عَجَب ; تَقُول فُلَان آيَة فِي الْعِلْم وَالْحُسْن أَيْ عَجَب.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره : لَمَّا بَلَغَتْ الرُّؤْيَا إِخْوَة يُوسُف حَسَدُوهُ ; وَقَالَ اِبْن زَيْد : كَانُوا أَنْبِيَاء، وَقَالُوا : مَا يَرْضَى أَنْ يَسْجُد لَهُ إِخْوَته حَتَّى يَسْجُد لَهُ أَبَوَاهُ ! فَبَغَوْهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدّ هَذَا الْقَوْل.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته " وَأَسْمَاؤُهُمْ : روبيل وَهُوَ أَكْبَرهمْ، وَشَمْعُون وَلَاوِي وَيَهُوذَا وزيالون ويشجر، وَأُمّهمْ ليا بِنْت ليان، وَهِيَ بِنْت خَال يَعْقُوب، وَوُلِدَ لَهُ مِنْ سُرِّيَّتَيْنِ أَرْبَعَة نَفَر ; دان ونفتالي وجاد وآشر، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ ليا فَتَزَوَّجَ يَعْقُوب أُخْتهَا راحيل، فَوَلَدَتْ لَهُ يُوسُف وَبِنْيَامِين، فَكَانَ بَنُو يَعْقُوب اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَأُمّ يَعْقُوب اِسْمهَا رفقا، وراحيل مَاتَتْ فِي نِفَاس بِنْيَامِين، وليان بْن ناهر بْن آزَرَ هُوَ خَال يَعْقُوب.
وَقِيلَ : فِي اِسْم الْأَمَتَيْنِ ليا وتلتا، كَانَتْ إِحْدَاهُمَا لراحيل، وَالْأُخْرَى لِأُخْتِهَا ليا، وَكَانَتَا قَدْ وَهَبَتَاهُمَا لِيَعْقُوب، وَكَانَ يَعْقُوب قَدْ جَمَعَ بَيْنهمَا، وَلَمْ يَحِلّ لِأَحَدٍ بَعْده ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى :" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْن الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَف " [ النِّسَاء : ٢٣ ].
وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدّ عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن زَيْد، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
يَعْنِي، مَنْ سَأَلَ عَنْ حَدِيثهمْ.
وَقَرَأَ أَهْل مَكَّة " آيَة " عَلَى التَّوْحِيد ; وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد " آيَات " عَلَى الْجَمْع ; قَالَ : لِأَنَّهَا خَيْر كَثِير.
قَالَ النَّحَّاس : و " آيَة " هُنَا قِرَاءَة حَسَنَة، أَيْ لَقَدْ كَانَ لِلَّذِينَ سَأَلُوا عَنْ خَبَر يُوسُف آيَة فِيمَا خُبِّرُوا بِهِ، لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّة فَقَالُوا : أَخْبِرْنَا عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْبِيَاء كَانَ بِالشَّامِ أُخْرِجَ اِبْنه إِلَى مِصْر، فَبَكَى عَلَيْهِ حَتَّى عَمِيَ ؟ - وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّة أَحَد مِنْ أَهْل الْكِتَاب، وَلَا مَنْ يَعْرِف خَبَر الْأَنْبِيَاء ; وَإِنَّمَا وَجَّهَ الْيَهُود إِلَيْهِمْ مِنْ الْمَدِينَة يَسْأَلُونَهُ عَنْ هَذَا - فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سُورَة [ يُوسُف ] جُمْلَة وَاحِدَة ; فِيهَا كُلّ مَا فِي التَّوْرَاة مِنْ خَبَر وَزِيَادَة، فَكَانَ ذَلِكَ آيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَنْزِلَةِ إِحْيَاء عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام الْمَيِّت.
" آيَات " مَوْعِظَة ; وَقِيلَ : عِبْرَة.
وَرُوِيَ أَنَّهَا فِي بَعْض الْمَصَاحِف " عِبْرَة ".
وَقِيلَ : بَصِيرَة.
وَقِيلَ : عَجَب ; تَقُول فُلَان آيَة فِي الْعِلْم وَالْحُسْن أَيْ عَجَب.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره : لَمَّا بَلَغَتْ الرُّؤْيَا إِخْوَة يُوسُف حَسَدُوهُ ; وَقَالَ اِبْن زَيْد : كَانُوا أَنْبِيَاء، وَقَالُوا : مَا يَرْضَى أَنْ يَسْجُد لَهُ إِخْوَته حَتَّى يَسْجُد لَهُ أَبَوَاهُ ! فَبَغَوْهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدّ هَذَا الْقَوْل.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته " وَأَسْمَاؤُهُمْ : روبيل وَهُوَ أَكْبَرهمْ، وَشَمْعُون وَلَاوِي وَيَهُوذَا وزيالون ويشجر، وَأُمّهمْ ليا بِنْت ليان، وَهِيَ بِنْت خَال يَعْقُوب، وَوُلِدَ لَهُ مِنْ سُرِّيَّتَيْنِ أَرْبَعَة نَفَر ; دان ونفتالي وجاد وآشر، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ ليا فَتَزَوَّجَ يَعْقُوب أُخْتهَا راحيل، فَوَلَدَتْ لَهُ يُوسُف وَبِنْيَامِين، فَكَانَ بَنُو يَعْقُوب اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَأُمّ يَعْقُوب اِسْمهَا رفقا، وراحيل مَاتَتْ فِي نِفَاس بِنْيَامِين، وليان بْن ناهر بْن آزَرَ هُوَ خَال يَعْقُوب.
وَقِيلَ : فِي اِسْم الْأَمَتَيْنِ ليا وتلتا، كَانَتْ إِحْدَاهُمَا لراحيل، وَالْأُخْرَى لِأُخْتِهَا ليا، وَكَانَتَا قَدْ وَهَبَتَاهُمَا لِيَعْقُوب، وَكَانَ يَعْقُوب قَدْ جَمَعَ بَيْنهمَا، وَلَمْ يَحِلّ لِأَحَدٍ بَعْده ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى :" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْن الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَف " [ النِّسَاء : ٢٣ ].
وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدّ عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن زَيْد، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ
" يُوسُف " رَفْع بِالِابْتِدَاءِ ; وَاللَّام لِلتَّأْكِيدِ، وَهِيَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَم ; أَيْ وَاَللَّه لَيُوسُف.
" وَأَخُوهُ " عَطْف عَلَيْهِ.
" يُوسُف " رَفْع بِالِابْتِدَاءِ ; وَاللَّام لِلتَّأْكِيدِ، وَهِيَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَم ; أَيْ وَاَللَّه لَيُوسُف.
" وَأَخُوهُ " عَطْف عَلَيْهِ.
أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا
خَبَره، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَع لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْفِعْل ; وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّ خَبَر الْمَنَام بَلَغَهُمْ فَتَآمَرُوا فِي كَيْده.
خَبَره، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَع لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْفِعْل ; وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّ خَبَر الْمَنَام بَلَغَهُمْ فَتَآمَرُوا فِي كَيْده.
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ
أَيْ جَمَاعَة، وَكَانُوا عَشَرَة.
وَالْعُصْبَة مَا بَيْن الْوَاحِد إِلَى الْعَشَرَة، وَقِيلَ : إِلَى الْخَمْسَة عَشَر.
وَقِيلَ : مَا بَيْن الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْعَشَرَة ; وَلَا وَاحِد لَهَا مِنْ لَفْظهَا كَالنَّفَرِ وَالرَّهْط.
أَيْ جَمَاعَة، وَكَانُوا عَشَرَة.
وَالْعُصْبَة مَا بَيْن الْوَاحِد إِلَى الْعَشَرَة، وَقِيلَ : إِلَى الْخَمْسَة عَشَر.
وَقِيلَ : مَا بَيْن الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْعَشَرَة ; وَلَا وَاحِد لَهَا مِنْ لَفْظهَا كَالنَّفَرِ وَالرَّهْط.
إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
لَمْ يُرِيدُوا ضَلَال الدِّين، إِذْ لَوْ أَرَادُوهُ لَكَانُوا كُفَّارًا ; بَلْ أَرَادُوا لَفِي ذَهَاب عَنْ وَجْه التَّدْبِير، فِي إِيثَار اِثْنَيْنِ عَلَى عَشَرَة مَعَ اِسْتِوَائِهِمْ فِي الِانْتِسَاب إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : لَفِي خَطَأ بَيِّن بِإِيثَارِهِ يُوسُف وَأَخَاهُ عَلَيْنَا.
لَمْ يُرِيدُوا ضَلَال الدِّين، إِذْ لَوْ أَرَادُوهُ لَكَانُوا كُفَّارًا ; بَلْ أَرَادُوا لَفِي ذَهَاب عَنْ وَجْه التَّدْبِير، فِي إِيثَار اِثْنَيْنِ عَلَى عَشَرَة مَعَ اِسْتِوَائِهِمْ فِي الِانْتِسَاب إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : لَفِي خَطَأ بَيِّن بِإِيثَارِهِ يُوسُف وَأَخَاهُ عَلَيْنَا.
اقْتُلُوا يُوسُفَ
فِي الْكَلَام حَذْف ; أَيْ قَالَ قَائِل مِنْهُمْ :" اُقْتُلُوا يُوسُف " لِيَكُونَ أَحْسَم لِمَادَّةِ الْأَمْر.
فِي الْكَلَام حَذْف ; أَيْ قَالَ قَائِل مِنْهُمْ :" اُقْتُلُوا يُوسُف " لِيَكُونَ أَحْسَم لِمَادَّةِ الْأَمْر.
أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا
أَيْ فِي أَرْض، فَأَسْقَطَ الْخَافِض وَانْتَصَبَ الْأَرْض ; وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِيمَا حُذِفَ مِنْهُ " فِي " :
قَالَ النَّحَّاس : إِلَّا أَنَّهُ فِي الْآيَة حَسَن كَثِير ; لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، أَحَدهمَا بِحَرْفٍ، فَإِذَا حَذَفَتْ الْحَرْف تَعَدَّى الْفِعْل إِلَيْهِ.
وَالْقَائِل قِيلَ : هُوَ شَمْعُون، قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه.
وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار ; دان.
وَقَالَ مُقَاتِل : روبيل ; وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْمَعْنَى أَرْضًا تَبْعُد عَنْ أَبِيهِ ; فَلَا بُدّ مِنْ هَذَا الْإِضْمَار لِأَنَّهُ كَانَ عِنْد أَبِيهِ فِي أَرْض.
أَيْ فِي أَرْض، فَأَسْقَطَ الْخَافِض وَانْتَصَبَ الْأَرْض ; وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِيمَا حُذِفَ مِنْهُ " فِي " :
لَدْن بِهَزِّ الْكَفّ يَعْسِل مَتْنه | فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ |
وَالْقَائِل قِيلَ : هُوَ شَمْعُون، قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه.
وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار ; دان.
وَقَالَ مُقَاتِل : روبيل ; وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْمَعْنَى أَرْضًا تَبْعُد عَنْ أَبِيهِ ; فَلَا بُدّ مِنْ هَذَا الْإِضْمَار لِأَنَّهُ كَانَ عِنْد أَبِيهِ فِي أَرْض.
يَخْلُ
جُزِمَ لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمْر ; مَعْنَاهُ : يَخْلُص وَيَصْفُو.
جُزِمَ لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمْر ; مَعْنَاهُ : يَخْلُص وَيَصْفُو.
لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ
فَيُقْبِل عَلَيْكُمْ بِكُلِّيَّتِهِ.
فَيُقْبِل عَلَيْكُمْ بِكُلِّيَّتِهِ.
وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ
أَيْ مِنْ بَعْد الذَّنْب، وَقِيلَ : مِنْ بَعْد يُوسُف.
أَيْ مِنْ بَعْد الذَّنْب، وَقِيلَ : مِنْ بَعْد يُوسُف.
قَوْمًا صَالِحِينَ
أَيْ تَائِبِينَ ; أَيْ تُحْدِثُوا تَوْبَة بَعْد ذَلِكَ فَيَقْبَلهَا اللَّه مِنْكُمْ ; وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ تَوْبَة الْقَاتِل مَقْبُولَة، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُنْكِر هَذَا الْقَوْل مِنْهُمْ.
وَقِيلَ :" صَالِحِينَ " أَيْ يَصْلُح شَأْنكُمْ عِنْد أَبِيكُمْ مِنْ غَيْر أَثَرَة وَلَا تَفْضِيل.
أَيْ تَائِبِينَ ; أَيْ تُحْدِثُوا تَوْبَة بَعْد ذَلِكَ فَيَقْبَلهَا اللَّه مِنْكُمْ ; وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ تَوْبَة الْقَاتِل مَقْبُولَة، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُنْكِر هَذَا الْقَوْل مِنْهُمْ.
وَقِيلَ :" صَالِحِينَ " أَيْ يَصْلُح شَأْنكُمْ عِنْد أَبِيكُمْ مِنْ غَيْر أَثَرَة وَلَا تَفْضِيل.
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ
الْقَائِل هُوَ يَهُوذَا، وَهُوَ أَكْبَر وَلَد يَعْقُوب ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : روبيل، وَهُوَ اِبْن خَالَته، وَهُوَ الَّذِي قَالَ :" فَلَنْ أَبْرَح الْأَرْض " [ يُوسُف : ٨٠ ] الْآيَة.
وَقِيلَ : شَمْعُون.
الْقَائِل هُوَ يَهُوذَا، وَهُوَ أَكْبَر وَلَد يَعْقُوب ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : روبيل، وَهُوَ اِبْن خَالَته، وَهُوَ الَّذِي قَالَ :" فَلَنْ أَبْرَح الْأَرْض " [ يُوسُف : ٨٠ ] الْآيَة.
وَقِيلَ : شَمْعُون.
وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ
قَرَأَ أَهْل مَكَّة وَأَهْل الْبَصْرَة وَأَهْل الْكُوفَة " فِي غَيَابَة الْجُبّ ".
وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة " فِي غَيَابَات الْجُبّ " وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد التَّوْحِيد ; لِأَنَّهُ عَلَى مَوْضِع وَاحِد أَلْقَوْهُ فِيهِ، وَأَنْكَرَ الْجَمْع لِهَذَا.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا تَضْيِيق فِي اللُّغَة ; " وَغَيَابَات " عَلَى الْجَمْع يَجُوز مِنْ وَجْهَيْنِ : حَكَى سِيبَوَيْهِ سِيرَ عَلَيْهِ عَشِيَّانَات وَأَصِيلَانَات، يُرِيد عَشِيَّة وَأَصِيلًا، فَجَعَلَ كُلّ وَقْت مِنْهَا عَشِيَّة وَأَصِيلًا ; فَكَذَا جَعَلَ كُلّ مَوْضِع مِمَّا يَغِيب غَيَابَة.
وَالْآخَر - أَنْ يَكُون فِي الْجُبّ غَيَابَات ( جَمَاعَة ).
وَيُقَال : غَابَ يَغِيب غَيْبًا وَغَيَابَة وَغِيَابًا ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
قَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْغَيَابَة شَبَه لَجَف أَوْ طَاق فِي الْبِئْر فُوَيْق الْمَاء، يَغِيب الشَّيْء عَنْ الْعَيْن.
وَقَالَ اِبْن عَزِيز : كُلّ شَيْء غَيَّبَ عَنْك شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَة.
قُلْت : وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَبْرِ غَيَابَة ; قَالَ الشَّاعِر :
وَالْجُبّ الرَّكِيَّة الَّتِي لَمْ تُطْوَ، فَإِذَا طُوِيَتْ فَهِيَ بِئْر ; قَالَ الْأَعْشَى :
وَسُمِّيَتْ جُبًّا لِأَنَّهَا قَطَعَتْ فِي الْأَرْض قَطْعًا ; وَجَمْع الْجُبّ جِبَبَة وَجِبَاب وَأَجْبَاب ; وَجَمَعَ بَيْن الْغَيَابَة وَالْجُبّ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَلْقَوْهُ فِي مَوْضِع مُظْلِم مِنْ الْجُبّ حَتَّى لَا يَلْحَقهُ نَظَر النَّاظِرِينَ.
قِيلَ : هُوَ بِئْر بَيْت الْمَقْدِس، وَقِيلَ : هُوَ بِالْأُرْدُن ; قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه.
مُقَاتِل : وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَة فَرَاسِخ مِنْ مَنْزِل يَعْقُوب.
قَرَأَ أَهْل مَكَّة وَأَهْل الْبَصْرَة وَأَهْل الْكُوفَة " فِي غَيَابَة الْجُبّ ".
وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة " فِي غَيَابَات الْجُبّ " وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد التَّوْحِيد ; لِأَنَّهُ عَلَى مَوْضِع وَاحِد أَلْقَوْهُ فِيهِ، وَأَنْكَرَ الْجَمْع لِهَذَا.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا تَضْيِيق فِي اللُّغَة ; " وَغَيَابَات " عَلَى الْجَمْع يَجُوز مِنْ وَجْهَيْنِ : حَكَى سِيبَوَيْهِ سِيرَ عَلَيْهِ عَشِيَّانَات وَأَصِيلَانَات، يُرِيد عَشِيَّة وَأَصِيلًا، فَجَعَلَ كُلّ وَقْت مِنْهَا عَشِيَّة وَأَصِيلًا ; فَكَذَا جَعَلَ كُلّ مَوْضِع مِمَّا يَغِيب غَيَابَة.
وَالْآخَر - أَنْ يَكُون فِي الْجُبّ غَيَابَات ( جَمَاعَة ).
وَيُقَال : غَابَ يَغِيب غَيْبًا وَغَيَابَة وَغِيَابًا ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
أَلَا فَالْبَثَا شَهْرَيْنِ أَوْ نِصْف ثَالِث | أَنَا ذَاكُمَا قَدْ غَيَّبَتْنِي غِيَابِيَا |
وَقَالَ اِبْن عَزِيز : كُلّ شَيْء غَيَّبَ عَنْك شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَة.
قُلْت : وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَبْرِ غَيَابَة ; قَالَ الشَّاعِر :
فَإِنْ أَنَا يَوْمًا غَيَّبَتْنِي غَيَابَتِي | فَسِيرُوا بِسَيْرِي فِي الْعَشِيرَة وَالْأَهْل |
لَئِنْ كُنْت فِي جُبّ ثَمَانِينَ قَامَة | وَرَقِيت أَسْبَاب السَّمَاء بِسُلَّمِ |
قِيلَ : هُوَ بِئْر بَيْت الْمَقْدِس، وَقِيلَ : هُوَ بِالْأُرْدُن ; قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه.
مُقَاتِل : وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَة فَرَاسِخ مِنْ مَنْزِل يَعْقُوب.
يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ
فِيهِ اِثْنَيْ عَشْرَة مَسْأَلَة
الْأُولَى : جُزِمَ عَلَى جَوَاب الْأَمْر.
وَقَرَأَ مُجَاهِد وَأَبُو رَجَاء وَالْحَسَن وَقَتَادَة :" تَلْتَقِطهُ " بِالتَّاءِ، وَهَذَا مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ بَعْض السَّيَّارَة سَيَّارَة ; وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : سَقَطَتْ بَعْض أَصَابِعه، وَأَنْشَدَ :
وَقَالَ آخَر :
وَلَمْ يَقُلْ شَرِق وَلَا أَخَذَتْ.
وَالسَّيَّارَة الْجَمْع الَّذِي يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيق لِلسَّفَرِ ; وَإِنَّمَا قَالَ الْقَائِل هَذَا حَتَّى لَا يَحْتَاجُوا إِلَى حَمْله إِلَى مَوْضِع بَعِيد وَيَحْصُل الْمَقْصُود ; فَإِنَّ مَنْ اِلْتَقَطَهُ مِنْ السَّيَّارَة يَحْمِلهُ إِلَى مَوْضِع بَعِيد ; وَكَانَ هَذَا وَجْهًا فِي التَّدْبِير حَتَّى لَا يَحْتَاجُوا إِلَى الْحَرَكَة بِأَنْفُسِهِمْ، فَرُبَّمَا لَا يَأْذَن لَهُمْ أَبُوهُمْ، وَرُبَّمَا يَطَّلِع عَلَى قَصْدهمْ.
الثَّانِيَة : وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ إِخْوَة يُوسُف مَا كَانُوا أَنْبِيَاء لَا أَوَّلًا وَلَا آخِرًا ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا يُدَبِّرُونَ فِي قَتْل مُسْلِم، بَلْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَارْتَكَبُوا مَعْصِيَة ثُمَّ تَابُوا.
وَقِيلَ : كَانُوا أَنْبِيَاء، وَلَا يَسْتَحِيل فِي الْعَقْل زَلَّة نَبِيّ، فَكَانَتْ هَذِهِ زَلَّة مِنْهُمْ ; وَهَذَا يَرُدّهُ أَنَّ الْأَنْبِيَاء مَعْصُومُونَ مِنْ الْكَبَائِر عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَقِيلَ : مَا كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْت أَنْبِيَاء ثُمَّ نَبَّأَهُمْ اللَّه ; وَهَذَا أَشْبَه، وَاَللَّه أَعْلَم.
الثَّالِثَة : قَالَ اِبْن وَهْب قَالَ مَالِك : طُرِحَ يُوسُف فِي الْجُبّ وَهُوَ غُلَام، وَكَذَلِكَ رَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْهُ، يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا ; وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :" لَا تَقْتُلُوا يُوسُف وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ يَلْتَقِطهُ بَعْض السَّيَّارَة " قَالَ : وَلَا يُلْتَقَط إِلَّا الصَّغِير ; وَقَوْله :" وَأَخَاف أَنْ يَأْكُلهُ الذِّئْب " [ يُوسُف : ١٣ ] وَذَلِكَ أَمْر يَخْتَصّ بِالصِّغَارِ ; وَقَوْلهمْ :" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَع وَيَلْعَب وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [ يُوسُف : ١٢ ].
الرَّابِعَة : الِالْتِقَاط تَنَاوُل الشَّيْء مِنْ الطَّرِيق ; وَمِنْهُ اللَّقِيط وَاللُّقَطَة، وَنَحْنُ نَذْكُر مِنْ أَحْكَامهَا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَة وَالسُّنَّة، وَمَا قَالَ فِي ذَلِكَ أَهْل الْعِلْم وَاللُّغَة ; قَالَ اِبْن عَرَفَة : الِالْتِقَاط وُجُود الشَّيْء عَلَى غَيْر طَلَب، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" يَلْتَقِطهُ بَعْض السَّيَّارَة " أَيْ يَجِدهُ مِنْ غَيْر أَنْ يَحْتَسِبهُ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي اللَّقِيط ; فَقِيلَ : أَصْله الْحُرِّيَّة لِغَلَبَةِ الْأَحْرَار عَلَى الْعَبِيد ; وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن بْن عَلِيّ أَنَّهُ قَضَى بِأَنَّ اللَّقِيط حُرّ، وَتَلَا " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْس دَرَاهِم مَعْدُودَة " [ يُوسُف : ٢٠ ] وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَب صَاحِب مَالِك ; وَهُوَ قَوْل عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَجَمَاعَة.
فِيهِ اِثْنَيْ عَشْرَة مَسْأَلَة
الْأُولَى : جُزِمَ عَلَى جَوَاب الْأَمْر.
وَقَرَأَ مُجَاهِد وَأَبُو رَجَاء وَالْحَسَن وَقَتَادَة :" تَلْتَقِطهُ " بِالتَّاءِ، وَهَذَا مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ بَعْض السَّيَّارَة سَيَّارَة ; وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : سَقَطَتْ بَعْض أَصَابِعه، وَأَنْشَدَ :
وَتَشْرَق بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْته | كَمَا شَرِقَتْ صَدْر الْقَنَاة مِنْ الدَّم |
أَرَى مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي | كَمَا أَخَذَ السَّرَار مِنْ الْهِلَال |
وَالسَّيَّارَة الْجَمْع الَّذِي يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيق لِلسَّفَرِ ; وَإِنَّمَا قَالَ الْقَائِل هَذَا حَتَّى لَا يَحْتَاجُوا إِلَى حَمْله إِلَى مَوْضِع بَعِيد وَيَحْصُل الْمَقْصُود ; فَإِنَّ مَنْ اِلْتَقَطَهُ مِنْ السَّيَّارَة يَحْمِلهُ إِلَى مَوْضِع بَعِيد ; وَكَانَ هَذَا وَجْهًا فِي التَّدْبِير حَتَّى لَا يَحْتَاجُوا إِلَى الْحَرَكَة بِأَنْفُسِهِمْ، فَرُبَّمَا لَا يَأْذَن لَهُمْ أَبُوهُمْ، وَرُبَّمَا يَطَّلِع عَلَى قَصْدهمْ.
الثَّانِيَة : وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ إِخْوَة يُوسُف مَا كَانُوا أَنْبِيَاء لَا أَوَّلًا وَلَا آخِرًا ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا يُدَبِّرُونَ فِي قَتْل مُسْلِم، بَلْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَارْتَكَبُوا مَعْصِيَة ثُمَّ تَابُوا.
وَقِيلَ : كَانُوا أَنْبِيَاء، وَلَا يَسْتَحِيل فِي الْعَقْل زَلَّة نَبِيّ، فَكَانَتْ هَذِهِ زَلَّة مِنْهُمْ ; وَهَذَا يَرُدّهُ أَنَّ الْأَنْبِيَاء مَعْصُومُونَ مِنْ الْكَبَائِر عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَقِيلَ : مَا كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْت أَنْبِيَاء ثُمَّ نَبَّأَهُمْ اللَّه ; وَهَذَا أَشْبَه، وَاَللَّه أَعْلَم.
الثَّالِثَة : قَالَ اِبْن وَهْب قَالَ مَالِك : طُرِحَ يُوسُف فِي الْجُبّ وَهُوَ غُلَام، وَكَذَلِكَ رَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْهُ، يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا ; وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :" لَا تَقْتُلُوا يُوسُف وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ يَلْتَقِطهُ بَعْض السَّيَّارَة " قَالَ : وَلَا يُلْتَقَط إِلَّا الصَّغِير ; وَقَوْله :" وَأَخَاف أَنْ يَأْكُلهُ الذِّئْب " [ يُوسُف : ١٣ ] وَذَلِكَ أَمْر يَخْتَصّ بِالصِّغَارِ ; وَقَوْلهمْ :" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَع وَيَلْعَب وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [ يُوسُف : ١٢ ].
الرَّابِعَة : الِالْتِقَاط تَنَاوُل الشَّيْء مِنْ الطَّرِيق ; وَمِنْهُ اللَّقِيط وَاللُّقَطَة، وَنَحْنُ نَذْكُر مِنْ أَحْكَامهَا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَة وَالسُّنَّة، وَمَا قَالَ فِي ذَلِكَ أَهْل الْعِلْم وَاللُّغَة ; قَالَ اِبْن عَرَفَة : الِالْتِقَاط وُجُود الشَّيْء عَلَى غَيْر طَلَب، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" يَلْتَقِطهُ بَعْض السَّيَّارَة " أَيْ يَجِدهُ مِنْ غَيْر أَنْ يَحْتَسِبهُ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي اللَّقِيط ; فَقِيلَ : أَصْله الْحُرِّيَّة لِغَلَبَةِ الْأَحْرَار عَلَى الْعَبِيد ; وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن بْن عَلِيّ أَنَّهُ قَضَى بِأَنَّ اللَّقِيط حُرّ، وَتَلَا " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْس دَرَاهِم مَعْدُودَة " [ يُوسُف : ٢٠ ] وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَب صَاحِب مَالِك ; وَهُوَ قَوْل عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَجَمَاعَة.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : إِنْ نَوَى رَقِّهِ فَهُوَ مَمْلُوك، وَإِنْ نَوَى الْحِسْبَة فَهُوَ حُرّ.
وَقَالَ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ : الْأَمْر عِنْدنَا فِي الْمَنْبُوذ أَنَّهُ حُرّ، وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ ; وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( وَإِنَّمَا الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ ) قَالَ : فَنَفَى الْوَلَاء عَنْ غَيْر الْمُعْتِق.
وَاتَّفَقَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابهمَا عَلَى أَنَّ اللَّقِيط لَا يُوَالِي أَحَدًا، وَلَا يَرِثهُ أَحَد بِالْوَلَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَأَكْثَر الْكُوفِيِّينَ : اللَّقِيط يُوَالِي مَنْ شَاءَ، فَمَنْ وَالَاهُ فَهُوَ يَرِثهُ وَيَعْقِل عَنْهُ ; وَعِنْد أَبِي حَنِيفَة لَهُ أَنْ يَنْتَقِل بِوَلَائِهِ حَيْثُ شَاءَ، مَا لَمْ يَعْقِل عَنْهُ الَّذِي وَالَاهُ، فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ جِنَايَة لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِل عَنْهُ بِوَلَائِهِ أَبَدًا.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الْمَنْبُوذ حُرّ، فَإِنْ أَحَبّ أَنْ يُوَالِي الَّذِي اِلْتَقَطَهُ وَالَاهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِي غَيْره وَالَاهُ ; وَنَحْوه عَنْ عَطَاء، وَهُوَ قَوْل اِبْن شِهَاب وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة، وَهُوَ حُرّ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا كَانَ أَصْل اللَّقِيط الْحُرِّيَّة لِغَلَبَةِ الْأَحْرَار عَلَى الْعَبِيد، فَقَضَى بِالْغَالِبِ، كَمَا حَكَمَ أَنَّهُ مُسْلِم أَخْذًا بِالْغَالِبِ ; فَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَة فِيهَا نَصَارَى وَمُسْلِمُونَ قَالَ اِبْن الْقَاسِم : يُحْكَم بِالْأَغْلَبِ ; فَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهِ زِيّ الْيَهُود فَهُوَ يَهُودِيّ، وَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهِ زِيّ النَّصَارَى فَهُوَ نَصْرَانِيّ، وَإِلَّا فَهُوَ مُسْلِم، إِلَّا أَنْ يَكُون أَكْثَر أَهْل الْقَرْيَة عَلَى غَيْر الْإِسْلَام.
وَقَالَ غَيْره : لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا مُسْلِم وَاحِد قُضِيَ لِلَّقِيطِ بِالْإِسْلَامِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَام الَّذِي يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْل أَشْهَب ; قَالَ أَشْهَب : هُوَ مُسْلِم أَبَدًا.
لِأَنِّي أَجْعَلهُ مُسْلِمًا عَلَى كُلّ حَال، كَمَا أَجْعَلهُ حُرًّا عَلَى كُلّ حَال.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْمَنْبُوذ تَدُلّ الْبَيِّنَة عَلَى أَنَّهُ عَبْد ; فَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة : لَا يُقْبَل قَوْلهَا فِي ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَب لِقَوْلِ عُمَر : هُوَ حُرّ ; وَمَنْ قُضِيَ بِحُرِّيَّته لَمْ تُقْبَل الْبَيِّنَة فِي أَنَّهُ عَبْد.
وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : تُقْبَل الْبَيِّنَة فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَالْكُوفِيّ.
الْخَامِسَة : قَالَ مَالِك فِي اللَّقِيط : إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِط ثُمَّ أَقَامَ رَجُل الْبَيِّنَة أَنَّهُ اِبْنه فَإِنَّ الْمُلْتَقِط يَرْجِع عَلَى الْأَب إِنْ كَانَ طَرَحَهُ مُتَعَمِّدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرَحَهُ وَلَكِنَّهُ ضَلَّ مِنْهُ فَلَا شَيْء عَلَى الْأَب، وَالْمُلْتَقِط مُتَطَوِّع بِالنَّفَقَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا أَنْفَقَ عَلَى اللَّقِيط فَهُوَ مُتَطَوِّع، إِلَّا أَنْ يَأْمُرهُ الْحَاكِم.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : كُلّ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا تَجِب عَلَيْهِ نَفَقَة رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ.
وَقَالَ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ : الْأَمْر عِنْدنَا فِي الْمَنْبُوذ أَنَّهُ حُرّ، وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ ; وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( وَإِنَّمَا الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ ) قَالَ : فَنَفَى الْوَلَاء عَنْ غَيْر الْمُعْتِق.
وَاتَّفَقَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابهمَا عَلَى أَنَّ اللَّقِيط لَا يُوَالِي أَحَدًا، وَلَا يَرِثهُ أَحَد بِالْوَلَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَأَكْثَر الْكُوفِيِّينَ : اللَّقِيط يُوَالِي مَنْ شَاءَ، فَمَنْ وَالَاهُ فَهُوَ يَرِثهُ وَيَعْقِل عَنْهُ ; وَعِنْد أَبِي حَنِيفَة لَهُ أَنْ يَنْتَقِل بِوَلَائِهِ حَيْثُ شَاءَ، مَا لَمْ يَعْقِل عَنْهُ الَّذِي وَالَاهُ، فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ جِنَايَة لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِل عَنْهُ بِوَلَائِهِ أَبَدًا.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الْمَنْبُوذ حُرّ، فَإِنْ أَحَبّ أَنْ يُوَالِي الَّذِي اِلْتَقَطَهُ وَالَاهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِي غَيْره وَالَاهُ ; وَنَحْوه عَنْ عَطَاء، وَهُوَ قَوْل اِبْن شِهَاب وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة، وَهُوَ حُرّ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا كَانَ أَصْل اللَّقِيط الْحُرِّيَّة لِغَلَبَةِ الْأَحْرَار عَلَى الْعَبِيد، فَقَضَى بِالْغَالِبِ، كَمَا حَكَمَ أَنَّهُ مُسْلِم أَخْذًا بِالْغَالِبِ ; فَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَة فِيهَا نَصَارَى وَمُسْلِمُونَ قَالَ اِبْن الْقَاسِم : يُحْكَم بِالْأَغْلَبِ ; فَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهِ زِيّ الْيَهُود فَهُوَ يَهُودِيّ، وَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهِ زِيّ النَّصَارَى فَهُوَ نَصْرَانِيّ، وَإِلَّا فَهُوَ مُسْلِم، إِلَّا أَنْ يَكُون أَكْثَر أَهْل الْقَرْيَة عَلَى غَيْر الْإِسْلَام.
وَقَالَ غَيْره : لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا مُسْلِم وَاحِد قُضِيَ لِلَّقِيطِ بِالْإِسْلَامِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَام الَّذِي يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْل أَشْهَب ; قَالَ أَشْهَب : هُوَ مُسْلِم أَبَدًا.
لِأَنِّي أَجْعَلهُ مُسْلِمًا عَلَى كُلّ حَال، كَمَا أَجْعَلهُ حُرًّا عَلَى كُلّ حَال.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْمَنْبُوذ تَدُلّ الْبَيِّنَة عَلَى أَنَّهُ عَبْد ; فَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة : لَا يُقْبَل قَوْلهَا فِي ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَب لِقَوْلِ عُمَر : هُوَ حُرّ ; وَمَنْ قُضِيَ بِحُرِّيَّته لَمْ تُقْبَل الْبَيِّنَة فِي أَنَّهُ عَبْد.
وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : تُقْبَل الْبَيِّنَة فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَالْكُوفِيّ.
الْخَامِسَة : قَالَ مَالِك فِي اللَّقِيط : إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِط ثُمَّ أَقَامَ رَجُل الْبَيِّنَة أَنَّهُ اِبْنه فَإِنَّ الْمُلْتَقِط يَرْجِع عَلَى الْأَب إِنْ كَانَ طَرَحَهُ مُتَعَمِّدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرَحَهُ وَلَكِنَّهُ ضَلَّ مِنْهُ فَلَا شَيْء عَلَى الْأَب، وَالْمُلْتَقِط مُتَطَوِّع بِالنَّفَقَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا أَنْفَقَ عَلَى اللَّقِيط فَهُوَ مُتَطَوِّع، إِلَّا أَنْ يَأْمُرهُ الْحَاكِم.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : كُلّ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا تَجِب عَلَيْهِ نَفَقَة رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلَّقِيطِ مَال وَجَبَتْ نَفَقَته فِي بَيْت الْمَال، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا - يَسْتَقْرِض لَهُ فِي ذِمَّته.
وَالثَّانِي - يُقَسِّط عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْر عِوَض.
السَّادِسَة : وَأَمَّا اللُّقَطَة وَالضَّوَالّ فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حُكْمهمَا ; فَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : اللُّقَطَة وَالضَّوَالّ سَوَاء فِي الْمَعْنَى، وَالْحُكْم فِيهِمَا سَوَاء ; وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، وَأَنْكَرَ قَوْل أَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام - أَنَّ الضَّالَّة لَا تَكُون إِلَّا فِي الْحَيَوَان وَاللُّقَطَة فِي غَيْر الْحَيَوَان - وَقَالَ هَذَا غَلَط ; وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْإِفْك لِلْمُسْلِمِينَ :( إِنَّ أُمّكُمْ ضَلَّتْ قِلَادَتهَا ) فَأَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى الْقِلَادَة.
السَّابِعَة : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ اللُّقَطَة مَا لَمْ تَكُنْ تَافِهًا يَسِيرًا أَوْ شَيْئًا لَا بَقَاء لَهَا فَإِنَّهَا تُعَرَّف حَوْلًا كَامِلًا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ صَاحِبهَا إِنْ جَاءَ فَهُوَ أَحَقّ بِهَا مِنْ مُلْتَقِطهَا إِذَا ثَبَتَ لَهُ أَنَّهُ صَاحِبهَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ مُلْتَقِطهَا إِنْ أَكَلَهَا بَعْد الْحَوْل وَأَرَادَ صَاحِبهَا أَنْ يُضَمِّنهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَصَاحِبهَا مُخَيَّر بَيْن التَّضْمِين وَبَيْن أَنْ يَنْزِل عَلَى أَجْرهَا، فَأَيّ ذَلِكَ تَخَيَّرَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ بِإِجْمَاعٍ ; وَلَا تَنْطَلِق يَد مُلْتَقِطهَا عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ، وَلَا تَصَرُّف قَبْل الْحَوْل.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ ضَالَّة الْغَنَم الْمَخُوف عَلَيْهَا لَهُ أَكْلهَا.
الثَّامِنَة : وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْأَفْضَل مِنْ تَرْكهَا أَوْ أَخْذهَا ; فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْحَدِيث دَلِيلًا عَلَى إِبَاحَة اِلْتِقَاط اللُّقَطَة وَأَخْذ الضَّالَّة مَا لَمْ تَكُنْ إِبِلًا.
وَقَالَ فِي الشَّاة :( لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ ) يَحُضّهُ عَلَى أَخْذهَا، وَلَمْ يَقُلْ فِي شَيْء دَعُوهُ حَتَّى يَضِيع أَوْ يَأْتِيه رَبّه.
وَلَوْ كَانَ تَرْك اللُّقَطَة أَفْضَل لَأَمَرَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ فِي ضَالَّة الْإِبِل، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَجُمْلَة مَذْهَب أَصْحَاب مَالِك أَنَّهُ فِي سَعَة، إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا ; هَذَا قَوْل إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق رَحِمَهُ اللَّه.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيّ : لَا أُحِبّ لِأَحَدٍ تَرْك اللُّقَطَة إِنْ وَجَدَهَا إِذَا كَانَ أَمِينًا عَلَيْهَا ; قَالَ : وَسَوَاء قَلِيل اللَّقْطَة وَكَثِيرهَا.
التَّاسِعَة : رَوَى الْأَئِمَّة مَالِك وَغَيْره عَنْ زَيْد بْن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَة فَقَالَ :( اِعْرِفْ عِفَاصهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَة فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا وَإِلَّا فَشَأْنك بِهَا ) قَالَ : فَضَالَّة الْغَنَم يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ :( لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ ) قَالَ : فَضَالَّة الْإِبِل ؟ قَالَ :( مَا لَك وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِد الْمَاء وَتَأْكُل الشَّجَر حَتَّى يَلْقَاهَا رَبّهَا ).
وَالثَّانِي - يُقَسِّط عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْر عِوَض.
السَّادِسَة : وَأَمَّا اللُّقَطَة وَالضَّوَالّ فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حُكْمهمَا ; فَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : اللُّقَطَة وَالضَّوَالّ سَوَاء فِي الْمَعْنَى، وَالْحُكْم فِيهِمَا سَوَاء ; وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، وَأَنْكَرَ قَوْل أَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام - أَنَّ الضَّالَّة لَا تَكُون إِلَّا فِي الْحَيَوَان وَاللُّقَطَة فِي غَيْر الْحَيَوَان - وَقَالَ هَذَا غَلَط ; وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْإِفْك لِلْمُسْلِمِينَ :( إِنَّ أُمّكُمْ ضَلَّتْ قِلَادَتهَا ) فَأَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى الْقِلَادَة.
السَّابِعَة : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ اللُّقَطَة مَا لَمْ تَكُنْ تَافِهًا يَسِيرًا أَوْ شَيْئًا لَا بَقَاء لَهَا فَإِنَّهَا تُعَرَّف حَوْلًا كَامِلًا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ صَاحِبهَا إِنْ جَاءَ فَهُوَ أَحَقّ بِهَا مِنْ مُلْتَقِطهَا إِذَا ثَبَتَ لَهُ أَنَّهُ صَاحِبهَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ مُلْتَقِطهَا إِنْ أَكَلَهَا بَعْد الْحَوْل وَأَرَادَ صَاحِبهَا أَنْ يُضَمِّنهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَصَاحِبهَا مُخَيَّر بَيْن التَّضْمِين وَبَيْن أَنْ يَنْزِل عَلَى أَجْرهَا، فَأَيّ ذَلِكَ تَخَيَّرَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ بِإِجْمَاعٍ ; وَلَا تَنْطَلِق يَد مُلْتَقِطهَا عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ، وَلَا تَصَرُّف قَبْل الْحَوْل.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ ضَالَّة الْغَنَم الْمَخُوف عَلَيْهَا لَهُ أَكْلهَا.
الثَّامِنَة : وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْأَفْضَل مِنْ تَرْكهَا أَوْ أَخْذهَا ; فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْحَدِيث دَلِيلًا عَلَى إِبَاحَة اِلْتِقَاط اللُّقَطَة وَأَخْذ الضَّالَّة مَا لَمْ تَكُنْ إِبِلًا.
وَقَالَ فِي الشَّاة :( لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ ) يَحُضّهُ عَلَى أَخْذهَا، وَلَمْ يَقُلْ فِي شَيْء دَعُوهُ حَتَّى يَضِيع أَوْ يَأْتِيه رَبّه.
وَلَوْ كَانَ تَرْك اللُّقَطَة أَفْضَل لَأَمَرَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ فِي ضَالَّة الْإِبِل، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَجُمْلَة مَذْهَب أَصْحَاب مَالِك أَنَّهُ فِي سَعَة، إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا ; هَذَا قَوْل إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق رَحِمَهُ اللَّه.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيّ : لَا أُحِبّ لِأَحَدٍ تَرْك اللُّقَطَة إِنْ وَجَدَهَا إِذَا كَانَ أَمِينًا عَلَيْهَا ; قَالَ : وَسَوَاء قَلِيل اللَّقْطَة وَكَثِيرهَا.
التَّاسِعَة : رَوَى الْأَئِمَّة مَالِك وَغَيْره عَنْ زَيْد بْن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَة فَقَالَ :( اِعْرِفْ عِفَاصهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَة فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا وَإِلَّا فَشَأْنك بِهَا ) قَالَ : فَضَالَّة الْغَنَم يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ :( لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ ) قَالَ : فَضَالَّة الْإِبِل ؟ قَالَ :( مَا لَك وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِد الْمَاء وَتَأْكُل الشَّجَر حَتَّى يَلْقَاهَا رَبّهَا ).
وَفِي حَدِيث أَبِي قَالَ :( اِحْفَظْ عَدَدهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا ) فَفِي هَذَا الْحَدِيث زِيَادَة الْعَدَد ; خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره.
وَأَجْمَع الْعُلَمَاء أَنَّ عِفَاص اللَّقْطَة وَوِكَاءَهَا مِنْ إِحْدَى عَلَامَاتهَا وَأَدَلّهَا عَلَيْهَا ; فَإِذَا أَتَى صَاحِب اللَّقْطَة بِجَمِيعِ أَوْصَافهَا دُفِعَتْ لَهُ ; قَالَ اِبْن الْقَاسِم : يُجْبَر عَلَى دَفْعهَا ; فَإِنْ جَاءَ مُسْتَحِقّ يَسْتَحِقّهَا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ لَمْ يَضْمَن الْمُلْتَقِط شَيْئًا، وَهَلْ يَحْلِف مَعَ الْأَوْصَاف أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ : الْأَوَّل لِأَشْهَب، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِم، وَلَا تَلْزَمهُ بَيِّنَة عِنْد مَالِك وَأَصْحَابه وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : لَا تُدْفَع لَهُ إِلَّا إِذَا أَقَامَ بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ ; وَهُوَ بِخِلَافِ نَصّ الْحَدِيث ; وَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَة شَرْطًا فِي الدَّفْع لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْعِفَاص وَالْوِكَاء وَالْعَدَد مَعْنًى ; فَإِنَّهُ يَسْتَحِقّهَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى كُلّ حَال ; وَلَمَّا جَازَ سُكُوت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْعَاشِرَة : نَصَّ الْحَدِيث عَلَى الْإِبِل وَالْغَنَم وَبَيَّنَ حُكْمهمَا، وَسَكَتَ عَمَّا عَدَاهُمَا مِنْ الْحَيَوَان.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْبَقَر هَلْ تَلْحَق بِالْإِبِلِ أَوْ بِالْغَنَمِ ؟ قَوْلَانِ ; وَكَذَلِكَ اِخْتَلَفَ أَئِمَّتنَا فِي اِلْتِقَاط الْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير، وَظَاهِر قَوْل اِبْن الْقَاسِم أَنَّهَا تُلْتَقَط، وَقَالَ أَشْهَب وَابْن كِنَانَة : لَا تُلْتَقَط ; وَقَوْل اِبْن الْقَاسِم أَصَحّ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( اِحْفَظْ عَلَى أَخِيك الْمُؤْمِن ضَالَّته ).
الْحَادِيَة عَشَر : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي النَّفَقَة عَلَى الضَّوَالّ ; فَقَالَ مَالِك فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُ اِبْن الْقَاسِم : إِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِط عَلَى الدَّوَابّ وَالْإِبِل وَغَيْرهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِع عَلَى صَاحِبهَا بِالنَّفَقَةِ، وَسَوَاء أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِأَمْرِ السُّلْطَان أَوْ بِغَيْرِ أَمْره ; قَالَ : وَلَهُ أَنْ يَحْبِس بِالنَّفَقَةِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَيَكُون أَحَقّ بِهِ كَالرَّهْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِذَا أَنْفَقَ عَلَى الضَّوَالّ مَنْ أَخَذَهَا فَهُوَ مُتَطَوِّع ; حَكَاهُ عَنْهُ الرَّبِيع.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ عَنْهُ : إِذَا أَمَرَهُ الْحَاكِم بِالنَّفَقَةِ كَانَتْ دَيْنًا، وَمَا اِدَّعَى قُبِلَ مِنْهُ إِذَا كَانَ مِثْله قَصْدًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا أَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَة وَالْإِبِل بِغَيْرِ أَمْر الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّع، وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَذَلِكَ دَيْن عَلَى صَاحِبهَا إِذَا جَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَحْبِسهَا إِذَا حَضَرَ صَاحِبهَا، وَالنَّفَقَة عَلَيْهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَنَحْوهَا، حَتَّى يَأْمُر الْقَاضِي بِبَيْعِ الشَّاة وَمَا أَشْبَهَهَا وَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ.
وَأَجْمَع الْعُلَمَاء أَنَّ عِفَاص اللَّقْطَة وَوِكَاءَهَا مِنْ إِحْدَى عَلَامَاتهَا وَأَدَلّهَا عَلَيْهَا ; فَإِذَا أَتَى صَاحِب اللَّقْطَة بِجَمِيعِ أَوْصَافهَا دُفِعَتْ لَهُ ; قَالَ اِبْن الْقَاسِم : يُجْبَر عَلَى دَفْعهَا ; فَإِنْ جَاءَ مُسْتَحِقّ يَسْتَحِقّهَا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ لَمْ يَضْمَن الْمُلْتَقِط شَيْئًا، وَهَلْ يَحْلِف مَعَ الْأَوْصَاف أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ : الْأَوَّل لِأَشْهَب، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِم، وَلَا تَلْزَمهُ بَيِّنَة عِنْد مَالِك وَأَصْحَابه وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : لَا تُدْفَع لَهُ إِلَّا إِذَا أَقَامَ بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ ; وَهُوَ بِخِلَافِ نَصّ الْحَدِيث ; وَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَة شَرْطًا فِي الدَّفْع لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْعِفَاص وَالْوِكَاء وَالْعَدَد مَعْنًى ; فَإِنَّهُ يَسْتَحِقّهَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى كُلّ حَال ; وَلَمَّا جَازَ سُكُوت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْعَاشِرَة : نَصَّ الْحَدِيث عَلَى الْإِبِل وَالْغَنَم وَبَيَّنَ حُكْمهمَا، وَسَكَتَ عَمَّا عَدَاهُمَا مِنْ الْحَيَوَان.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْبَقَر هَلْ تَلْحَق بِالْإِبِلِ أَوْ بِالْغَنَمِ ؟ قَوْلَانِ ; وَكَذَلِكَ اِخْتَلَفَ أَئِمَّتنَا فِي اِلْتِقَاط الْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير، وَظَاهِر قَوْل اِبْن الْقَاسِم أَنَّهَا تُلْتَقَط، وَقَالَ أَشْهَب وَابْن كِنَانَة : لَا تُلْتَقَط ; وَقَوْل اِبْن الْقَاسِم أَصَحّ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( اِحْفَظْ عَلَى أَخِيك الْمُؤْمِن ضَالَّته ).
الْحَادِيَة عَشَر : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي النَّفَقَة عَلَى الضَّوَالّ ; فَقَالَ مَالِك فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُ اِبْن الْقَاسِم : إِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِط عَلَى الدَّوَابّ وَالْإِبِل وَغَيْرهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِع عَلَى صَاحِبهَا بِالنَّفَقَةِ، وَسَوَاء أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِأَمْرِ السُّلْطَان أَوْ بِغَيْرِ أَمْره ; قَالَ : وَلَهُ أَنْ يَحْبِس بِالنَّفَقَةِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَيَكُون أَحَقّ بِهِ كَالرَّهْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِذَا أَنْفَقَ عَلَى الضَّوَالّ مَنْ أَخَذَهَا فَهُوَ مُتَطَوِّع ; حَكَاهُ عَنْهُ الرَّبِيع.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ عَنْهُ : إِذَا أَمَرَهُ الْحَاكِم بِالنَّفَقَةِ كَانَتْ دَيْنًا، وَمَا اِدَّعَى قُبِلَ مِنْهُ إِذَا كَانَ مِثْله قَصْدًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا أَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَة وَالْإِبِل بِغَيْرِ أَمْر الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّع، وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَذَلِكَ دَيْن عَلَى صَاحِبهَا إِذَا جَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَحْبِسهَا إِذَا حَضَرَ صَاحِبهَا، وَالنَّفَقَة عَلَيْهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَنَحْوهَا، حَتَّى يَأْمُر الْقَاضِي بِبَيْعِ الشَّاة وَمَا أَشْبَهَهَا وَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ.
الثَّانِيَة عَشَر : لَيْسَ فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللُّقَطَة بَعْد التَّعْرِيف :( فَاسْتَمْتِعْ بِهَا ) أَوْ ( فَشَأْنك بِهَا ) أَوْ ( فَهِيَ لَك ) أَوْ ( فَاسْتَنْفِقْهَا ) أَوْ ( ثُمَّ كُلْهَا ) أَوْ ( فَهُوَ مَال اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء ) عَلَى مَا فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره، مَا يَدُلّ عَلَى التَّمْلِيك، وَسُقُوط الضَّمَان عَنْ الْمُلْتَقِط إِذَا جَاءَ رَبّهَا ; فَإِنَّ فِي حَدِيث زَيْد بْن خَالِد الْجُهَنِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( فَإِنْ لَمْ تَعْرِف فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَة عِنْدك فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْر فَأَدِّهَا إِلَيْهِ ) فِي رِوَايَة ( ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ صَاحِبهَا مَتَى جَاءَ فَهُوَ أَحَقّ بِهَا، إِلَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُد مِنْ أَنَّ الْمُلْتَقِط يَمْلِك اللُّقَطَة بَعْد التَّعْرِيف ; لِتِلْكَ الظَّوَاهِر، وَلَا اِلْتِفَات لِقَوْلِهِ ; لِمُخَالَفَةِ النَّاس، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( فَأَدِّهَا إِلَيْهِ ).
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ صَاحِبهَا مَتَى جَاءَ فَهُوَ أَحَقّ بِهَا، إِلَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُد مِنْ أَنَّ الْمُلْتَقِط يَمْلِك اللُّقَطَة بَعْد التَّعْرِيف ; لِتِلْكَ الظَّوَاهِر، وَلَا اِلْتِفَات لِقَوْلِهِ ; لِمُخَالَفَةِ النَّاس، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( فَأَدِّهَا إِلَيْهِ ).
قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى
قِيلَ لِلْحَسَنِ : أَيَحْسُدُ الْمُؤْمِن ؟ قَالَ : مَا أَنْسَاك بِبَنِي يَعْقُوب.
وَلِهَذَا قِيلَ : الْأَب جَلَّاب وَالْأَخ سَلَّاب ; فَعِنْد ذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى التَّفْرِيق بَيْنه وَبَيْن وَلَده بِضَرْبٍ مِنْ الِاحْتِيَال.
وَقَالُوا لِيَعْقُوب :" يَا أَبَانَا مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف " وَقِيلَ : لَمَّا تَفَاوَضُوا وَافْتَرَقُوا عَلَى رَأْي الْمُتَكَلِّم الثَّانِي عَادُوا إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالُوا هَذَا الْقَوْل.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ قَبْل ذَلِكَ أَنْ يُخْرِج مَعَهُمْ يُوسُف فَأَبَى عَلَى مَا يَأْتِي.
قَرَأَ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع وَعَمْرو بْن عُبَيْد وَالزُّهْرِيّ " لَا تَأْمَنَّا " بِالْإِدْغَامِ، وَبِغَيْرِ إِشْمَام وَهُوَ الْقِيَاس ; لِأَنَّ سَبِيل مَا يُدْغَم أَنْ يَكُون سَاكِنًا.
وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " لَا تَأْمَننَا " بِنُونَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ عَلَى الْأَصْل.
وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَأَبُو رَزِين - وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْمَش - " وَلَا تِيْمَنَّا " بِكَسْرِ التَّاء، وَهِيَ لُغَة تَمِيم ; يَقُولُونَ : أَنْتَ تَضْرِب ; وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَرَأَ سَائِر النَّاس بِالْإِدْغَامِ وَالْإِشْمَام لِيَدُلّ عَلَى حَال، الْحَرْف قَبْل إِدْغَامه
قِيلَ لِلْحَسَنِ : أَيَحْسُدُ الْمُؤْمِن ؟ قَالَ : مَا أَنْسَاك بِبَنِي يَعْقُوب.
وَلِهَذَا قِيلَ : الْأَب جَلَّاب وَالْأَخ سَلَّاب ; فَعِنْد ذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى التَّفْرِيق بَيْنه وَبَيْن وَلَده بِضَرْبٍ مِنْ الِاحْتِيَال.
وَقَالُوا لِيَعْقُوب :" يَا أَبَانَا مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف " وَقِيلَ : لَمَّا تَفَاوَضُوا وَافْتَرَقُوا عَلَى رَأْي الْمُتَكَلِّم الثَّانِي عَادُوا إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالُوا هَذَا الْقَوْل.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ قَبْل ذَلِكَ أَنْ يُخْرِج مَعَهُمْ يُوسُف فَأَبَى عَلَى مَا يَأْتِي.
قَرَأَ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع وَعَمْرو بْن عُبَيْد وَالزُّهْرِيّ " لَا تَأْمَنَّا " بِالْإِدْغَامِ، وَبِغَيْرِ إِشْمَام وَهُوَ الْقِيَاس ; لِأَنَّ سَبِيل مَا يُدْغَم أَنْ يَكُون سَاكِنًا.
وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " لَا تَأْمَننَا " بِنُونَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ عَلَى الْأَصْل.
وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَأَبُو رَزِين - وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْمَش - " وَلَا تِيْمَنَّا " بِكَسْرِ التَّاء، وَهِيَ لُغَة تَمِيم ; يَقُولُونَ : أَنْتَ تَضْرِب ; وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَرَأَ سَائِر النَّاس بِالْإِدْغَامِ وَالْإِشْمَام لِيَدُلّ عَلَى حَال، الْحَرْف قَبْل إِدْغَامه
يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ
أَيْ فِي حِفْظه وَحَيْطَته حَتَّى نَرُدّهُ إِلَيْك.
قَالَ مُقَاتِل : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; وَذَلِكَ أَنَّ إِخْوَة يُوسُف قَالُوا لِأَبِيهِمْ :" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا " الْآيَة ; فَحِينَئِذٍ قَالَ أَبُوهُمْ :" إِنِّي لَيَحْزُننِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ " [ يُوسُف : ١٣ ] فَقَالُوا حِينَئِذٍ جَوَابًا لِقَوْلِهِ " مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف " الْآيَة.
أَيْ فِي حِفْظه وَحَيْطَته حَتَّى نَرُدّهُ إِلَيْك.
قَالَ مُقَاتِل : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; وَذَلِكَ أَنَّ إِخْوَة يُوسُف قَالُوا لِأَبِيهِمْ :" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا " الْآيَة ; فَحِينَئِذٍ قَالَ أَبُوهُمْ :" إِنِّي لَيَحْزُننِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ " [ يُوسُف : ١٣ ] فَقَالُوا حِينَئِذٍ جَوَابًا لِقَوْلِهِ " مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف " الْآيَة.
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا
إِلَى الصَّحْرَاء.
" غَدًا " ظَرْف، وَالْأَصْل عِنْد سِيبَوَيْهِ غَدْو، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ عَلَى الْأَصْل ; قَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل : مَا بَيْن الْفَجْر وَصَلَاة الصُّبْح يُقَال لَهُ غُدْوَة، وَكَذَا بُكْرَة.
إِلَى الصَّحْرَاء.
" غَدًا " ظَرْف، وَالْأَصْل عِنْد سِيبَوَيْهِ غَدْو، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ عَلَى الْأَصْل ; قَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل : مَا بَيْن الْفَجْر وَصَلَاة الصُّبْح يُقَال لَهُ غُدْوَة، وَكَذَا بُكْرَة.
يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ
بِالنُّونِ وَإِسْكَان الْعَيْن قِرَاءَة أَهْل الْبَصْرَة.
وَالْمَعْرُوف مِنْ قِرَاءَة أَهْل مَكَّة.
" نَرْتَع " بِالنُّونِ وَكَسْر الْعَيْن.
وَقِرَاءَة أَهْل الْكُوفَة.
" يَرْتَع وَيَلْعَب " بِالْيَاءِ وَإِسْكَان الْعَيْن.
وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة بِالْيَاءِ وَكَسْر الْعَيْن ; الْقِرَاءَة الْأُولَى مِنْ قَوْل الْعَرَب رَتَعَ الْإِنْسَان وَالْبَعِير إِذَا أَكَلَا كَيْف شَاءَا ; وَالْمَعْنَى : نَتَّسِع فِي الْخِصْب ; وَكُلّ مُخْصِب رَاتِع ; قَالَ :
فَارْعَيْ فَزَارَة لَا هُنَاكَ الْمَرْتَع
وَقَالَ آخَر :
وَقَالَ آخَر :
أَيْ الرَّاتِعَة لِكَثْرَةِ الْمَرْعَى.
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة " تَرْتَع " تَسْعَى ; قَالَ النَّحَّاس : أَخَذَهُ مِنْ قَوْله :" إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق " لِأَنَّ الْمَعْنَى : نَسْتَبِق فِي الْعَدْو إِلَى غَايَة بِعَيْنِهَا ; وَكَذَا " يَرْتَع " بِإِسْكَانِ الْعَيْن، إِلَّا أَنَّهُ لِيُوسُف وَحْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
و " يَرْتَع " بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ رَعْي الْغَنَم، أَيْ لِيَتَدَرَّب بِذَلِكَ وَيَتَرَجَّل ; فَمَرَّة يَرْتَع، وَمَرَّة يَلْعَب لِصِغَرِهِ.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ " نَرْتَع " نَتَحَارَس وَنَتَحَافَظ، وَيَرْعَى بَعْضنَا بَعْضًا ; مِنْ قَوْلك : رَعَاك اللَّه ; أَيْ حَفِظَك.
" وَنَلْعَب " مِنْ اللَّعِب وَقِيلَ لِأَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء : كَيْف قَالُوا " وَنَلْعَب " وَهُمْ أَنْبِيَاء ؟ فَقَالَ : لَمْ يَكُونُوا يَوْمئِذٍ أَنْبِيَاء.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِاللَّعِبِ الْمُبَاح مِنْ الِانْبِسَاط، لَا اللَّعِب الْمَحْظُور الَّذِي هُوَ ضِدّ الْحَقّ ; وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِر يَعْقُوب قَوْلهمْ " وَنَلْعَب ".
وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبهَا وَتُلَاعِبك ).
وَقَرَأَ مُجَاهِد وَقَتَادَة :" يَرْتَع " عَلَى مَعْنَى يُرْتِع مَطِيَّته، فَحَذَفَ الْمَفْعُول ; " وَيَلْعَب " بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف ; وَالْمَعْنَى : هُوَ مِمَّنْ يَلْعَب
بِالنُّونِ وَإِسْكَان الْعَيْن قِرَاءَة أَهْل الْبَصْرَة.
وَالْمَعْرُوف مِنْ قِرَاءَة أَهْل مَكَّة.
" نَرْتَع " بِالنُّونِ وَكَسْر الْعَيْن.
وَقِرَاءَة أَهْل الْكُوفَة.
" يَرْتَع وَيَلْعَب " بِالْيَاءِ وَإِسْكَان الْعَيْن.
وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة بِالْيَاءِ وَكَسْر الْعَيْن ; الْقِرَاءَة الْأُولَى مِنْ قَوْل الْعَرَب رَتَعَ الْإِنْسَان وَالْبَعِير إِذَا أَكَلَا كَيْف شَاءَا ; وَالْمَعْنَى : نَتَّسِع فِي الْخِصْب ; وَكُلّ مُخْصِب رَاتِع ; قَالَ :
فَارْعَيْ فَزَارَة لَا هُنَاكَ الْمَرْتَع
وَقَالَ آخَر :
تَرْتَع مَا غَفَلَتْ حَتَّى إِذَا اِدَّكَرَتْ | فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَال وَإِدْبَار |
أَكُفْرًا بَعْد رَدّ الْمَوْت عَنِّي | وَبَعْد عَطَائِك الْمِائَة الرِّتَاعَا |
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة " تَرْتَع " تَسْعَى ; قَالَ النَّحَّاس : أَخَذَهُ مِنْ قَوْله :" إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق " لِأَنَّ الْمَعْنَى : نَسْتَبِق فِي الْعَدْو إِلَى غَايَة بِعَيْنِهَا ; وَكَذَا " يَرْتَع " بِإِسْكَانِ الْعَيْن، إِلَّا أَنَّهُ لِيُوسُف وَحْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
و " يَرْتَع " بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ رَعْي الْغَنَم، أَيْ لِيَتَدَرَّب بِذَلِكَ وَيَتَرَجَّل ; فَمَرَّة يَرْتَع، وَمَرَّة يَلْعَب لِصِغَرِهِ.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ " نَرْتَع " نَتَحَارَس وَنَتَحَافَظ، وَيَرْعَى بَعْضنَا بَعْضًا ; مِنْ قَوْلك : رَعَاك اللَّه ; أَيْ حَفِظَك.
" وَنَلْعَب " مِنْ اللَّعِب وَقِيلَ لِأَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء : كَيْف قَالُوا " وَنَلْعَب " وَهُمْ أَنْبِيَاء ؟ فَقَالَ : لَمْ يَكُونُوا يَوْمئِذٍ أَنْبِيَاء.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِاللَّعِبِ الْمُبَاح مِنْ الِانْبِسَاط، لَا اللَّعِب الْمَحْظُور الَّذِي هُوَ ضِدّ الْحَقّ ; وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِر يَعْقُوب قَوْلهمْ " وَنَلْعَب ".
وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبهَا وَتُلَاعِبك ).
وَقَرَأَ مُجَاهِد وَقَتَادَة :" يَرْتَع " عَلَى مَعْنَى يُرْتِع مَطِيَّته، فَحَذَفَ الْمَفْعُول ; " وَيَلْعَب " بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف ; وَالْمَعْنَى : هُوَ مِمَّنْ يَلْعَب
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
مِنْ كُلّ مَا تَخَاف عَلَيْهِ.
ثُمَّ يَحْتَمِل أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ رُكْبَانًا، وَيَحْتَمِل أَنَّهُمْ كَانُوا رَجَّالَة.
وَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُمْ حَمَلُوا يُوسُف عَلَى أَكْتَافهمْ مَا دَامَ يَعْقُوب يَرَاهُمْ، ثُمَّ لَمَّا غَابُوا عَنْ عَيْنه طَرَحُوهُ لِيَعْدُوَ مَعَهُمْ إِضْرَارًا بِهِ.
مِنْ كُلّ مَا تَخَاف عَلَيْهِ.
ثُمَّ يَحْتَمِل أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ رُكْبَانًا، وَيَحْتَمِل أَنَّهُمْ كَانُوا رَجَّالَة.
وَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُمْ حَمَلُوا يُوسُف عَلَى أَكْتَافهمْ مَا دَامَ يَعْقُوب يَرَاهُمْ، ثُمَّ لَمَّا غَابُوا عَنْ عَيْنه طَرَحُوهُ لِيَعْدُوَ مَعَهُمْ إِضْرَارًا بِهِ.
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ
فِي مَوْضِع رَفْع ; أَيْ ذَهَابكُمْ بِهِ.
أَخْبَرَ عَنْ حُزْنه لِغَيْبَتِهِ.
فِي مَوْضِع رَفْع ; أَيْ ذَهَابكُمْ بِهِ.
أَخْبَرَ عَنْ حُزْنه لِغَيْبَتِهِ.
وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ
وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامه أَنَّ الذِّئْب شَدَّ عَلَى يُوسُف، فَلِذَلِكَ خَافَهُ عَلَيْهِ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ رَأَى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ عَلَى ذُرْوَة جَبَل، وَكَأَنَّ يُوسُف فِي بَطْن الْوَادِي، فَإِذَا عَشَرَة مِنْ الذِّئَاب قَدْ اِحْتَوَشَتْهُ تُرِيد أَكْله، فَدَرَأَ عَنْهُ وَاحِد، ثُمَّ اِنْشَقَّتْ الْأَرْض فَتَوَارَى يُوسُف فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام ; فَكَانَتْ الْعَشَرَة إِخْوَته، لَمَّا تَمَالَئُوا عَلَى قَتْله، وَاَلَّذِي دَافِع عَنْهُ أَخُوهُ الْأَكْبَر يَهُوذَا، وَتَوَارِيهِ فِي الْأَرْض هُوَ مَقَامه فِي الْجُبّ ثَلَاثَة أَيَّام.
وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِخَوْفِهِ مِنْهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِالذِّئْبِ ; فَخَوْفه إِنَّمَا كَانَ مِنْ قَتْلهمْ لَهُ، فَكَنَّى عَنْهُمْ بِالذِّئْبِ مُسَاتَرَة لَهُمْ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَسَمَّاهُمْ ذِئَابًا.
وَقِيلَ : مَا خَافَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ خَافَهُمْ لَمَا أَرْسَلَهُ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا خَافَ الذِّئْب ; لِأَنَّهُ أَغْلَب مَا يُخَاف فِي الصَّحَارِي.
وَالذِّئْب مَأْخُوذ مِنْ تَذَاءَبَتْ الرِّيح إِذَا جَاءَتْ مِنْ كُلّ وَجْه ; كَذَا قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ; قَالَ : وَالذِّئْب مَهْمُوز لِأَنَّهُ يَجِيء مِنْ كُلّ وَجْه.
وَرَوَى وَرْش عَنْ نَافِع " الذِّيب " بِغَيْرِ هَمْز، لَمَّا كَانَتْ الْهَمْزَة سَاكِنَة وَقَبْلهَا كَسْرَة فَخَفَّفَهَا صَارَتْ يَاء.
وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامه أَنَّ الذِّئْب شَدَّ عَلَى يُوسُف، فَلِذَلِكَ خَافَهُ عَلَيْهِ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ رَأَى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ عَلَى ذُرْوَة جَبَل، وَكَأَنَّ يُوسُف فِي بَطْن الْوَادِي، فَإِذَا عَشَرَة مِنْ الذِّئَاب قَدْ اِحْتَوَشَتْهُ تُرِيد أَكْله، فَدَرَأَ عَنْهُ وَاحِد، ثُمَّ اِنْشَقَّتْ الْأَرْض فَتَوَارَى يُوسُف فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام ; فَكَانَتْ الْعَشَرَة إِخْوَته، لَمَّا تَمَالَئُوا عَلَى قَتْله، وَاَلَّذِي دَافِع عَنْهُ أَخُوهُ الْأَكْبَر يَهُوذَا، وَتَوَارِيهِ فِي الْأَرْض هُوَ مَقَامه فِي الْجُبّ ثَلَاثَة أَيَّام.
وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِخَوْفِهِ مِنْهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِالذِّئْبِ ; فَخَوْفه إِنَّمَا كَانَ مِنْ قَتْلهمْ لَهُ، فَكَنَّى عَنْهُمْ بِالذِّئْبِ مُسَاتَرَة لَهُمْ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَسَمَّاهُمْ ذِئَابًا.
وَقِيلَ : مَا خَافَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ خَافَهُمْ لَمَا أَرْسَلَهُ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا خَافَ الذِّئْب ; لِأَنَّهُ أَغْلَب مَا يُخَاف فِي الصَّحَارِي.
وَالذِّئْب مَأْخُوذ مِنْ تَذَاءَبَتْ الرِّيح إِذَا جَاءَتْ مِنْ كُلّ وَجْه ; كَذَا قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ; قَالَ : وَالذِّئْب مَهْمُوز لِأَنَّهُ يَجِيء مِنْ كُلّ وَجْه.
وَرَوَى وَرْش عَنْ نَافِع " الذِّيب " بِغَيْرِ هَمْز، لَمَّا كَانَتْ الْهَمْزَة سَاكِنَة وَقَبْلهَا كَسْرَة فَخَفَّفَهَا صَارَتْ يَاء.
وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
أَيْ مَشْغُلُونَ بِالرَّعْيِ.
أَيْ مَشْغُلُونَ بِالرَّعْيِ.
قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ
أَيْ جَمَاعَة نَرَى الذِّئْب ثُمَّ لَا نَرُدّهُ عَنْهُ.
أَيْ جَمَاعَة نَرَى الذِّئْب ثُمَّ لَا نَرُدّهُ عَنْهُ.
إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ
أَيْ فِي حِفْظنَا أَغْنَامنَا ; أَيْ إِذَا كُنَّا لَا نَقْدِر عَلَى دَفْع الذِّئْب عَنْ أَخِينَا فَنَحْنُ أَعْجَز أَنْ نَدْفَعهُ عَنْ أَغْنَامنَا.
وَقِيلَ :" لَخَاسِرُونَ " لَجَاهِلُونَ بِحَقِّهِ.
وَقِيلَ : لَعَاجِزُونَ.
أَيْ فِي حِفْظنَا أَغْنَامنَا ; أَيْ إِذَا كُنَّا لَا نَقْدِر عَلَى دَفْع الذِّئْب عَنْ أَخِينَا فَنَحْنُ أَعْجَز أَنْ نَدْفَعهُ عَنْ أَغْنَامنَا.
وَقِيلَ :" لَخَاسِرُونَ " لَجَاهِلُونَ بِحَقِّهِ.
وَقِيلَ : لَعَاجِزُونَ.
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ
" أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب ; أَيْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ.
قِيلَ فِي الْقِصَّة : إِنَّ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا أَرْسَلَهُ مَعَهُمْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لَيَحْفَظُنَّهُ، وَسَلَّمَهُ إِلَى روبيل وَقَالَ : يَا روبيل إِنَّهُ صَغِير، وَتَعْلَم يَا بُنَيّ شَفَقَتِي عَلَيْهِ ; فَإِنْ جَاعَ فَأَطْعِمْهُ، وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ، وَإِنْ أَعْيَا فَاحْمِلْهُ ثُمَّ عَجِّلْ بِرَدِّهِ إِلَيَّ.
قَالَ : فَأَخَذُوا يَحْمِلُونَهُ عَلَى أَكْتَافهمْ، لَا يَضَعهُ وَاحِد إِلَّا رَفَعَهُ آخَر، وَيَعْقُوب يُشَيِّعهُمْ مِيلًا ثُمَّ رَجَعَ ; فَلَمَّا اِنْقَطَعَ بَصَر أَبِيهِمْ عَنْهُمْ رَمَاهُ الَّذِي كَانَ يَحْمِلهُ إِلَى الْأَرْض حَتَّى كَادَ يَنْكَسِر، فَالْتَجَأَ إِلَى آخَر فَوَجَدَ عِنْد كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَشَدّ مِمَّا عِنْد الْآخَر مِنْ الْغَيْظ وَالْعَسْف ; فَاسْتَغَاثَ بروبيل وَقَالَ :( أَنْتَ أَكْبَر إِخْوَتِي، وَالْخَلِيفَة مِنْ بَعْد وَالِدِي عَلَيَّ، وَأَقْرَب الْإِخْوَة إِلَيَّ، فَارْحَمْنِي وَارْحَمْ ضَعْفِي ) فَلَطَمَهُ لَطْمَة شَدِيدَة وَقَالَ : لَا قَرَابَة بَيْنِي وَبَيْنك، فَادْعُ الْأَحَد عَشَر كَوْكَبًا فَلْتُنْجِك مِنَّا ; فَعَلِمَ أَنَّ حِقْدهمْ مِنْ أَجْل رُؤْيَاهُ، فَتَعَلَّقَ بِأَخِيهِ يَهُوذَا وَقَالَ : يَا أَخِي اِرْحَمْ ضَعْفِي وَعَجْزِي وَحَدَاثَة سِنِي، وَارْحَمْ قَلْب أَبِيك يَعْقُوب ; فَمَا أَسْرَعَ مَا تَنَاسَيْتُمْ وَصِيَّته وَنَقَضْتُمْ عَهْده ; فَرَقَّ قَلْب يَهُوذَا فَقَالَ : وَاَللَّه لَا يَصِلُونَ إِلَيْك أَبَدًا مَا دُمْت حَيًّا، ثُمَّ قَالَ : يَا إِخْوَتاه إِنَّ قَتْل النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه مِنْ أَعْظَم الْخَطَايَا، فَرُدُّوا هَذَا الصَّبِيّ إِلَى أَبِيهِ، وَنُعَاهِدهُ أَلَّا يُحَدِّث وَالِده بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى أَبَدًا ; فَقَالَ لَهُ إِخْوَته : وَاَللَّه مَا تُرِيد إِلَّا أَنْ تَكُون لَك الْمَكَانَة عِنْد يَعْقُوب، وَاَللَّه لَئِنْ لَمْ تَدَعهُ لَنَقْتُلَنَّكَ مَعَهُ، قَالَ : فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا ذَلِكَ فَهَاهُنَا هَذَا الْجُبّ الْمُوحِش الْقَفْر، الَّذِي هُوَ مَأْوَى الْحَيَّات وَالْهَوَامّ فَأَلْقُوهُ فِيهِ، فَإِنْ أُصِيبَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُرَاد، وَقَدْ اِسْتَرَحْتُمْ مِنْ دَمه، وَإِنْ اِنْفَلَتَ عَلَى أَيْدِي سَيَّارَة يَذْهَبُونَ بِهِ إِلَى أَرْض فَهُوَ الْمُرَاد ; فَأَجْمَعَ رَأْيهمْ عَلَى ذَلِكَ ; فَهُوَ قَوْل اللَّه تَعَالَى :" فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ " وَجَوَاب " لَمَّا " مَحْذُوف ; أَيْ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى طَرْحه فِي الْجُبّ عَظُمَتْ فِتْنَتهمْ.
وَقِيلَ : جَوَاب " لَمَّا " قَوْلهمْ :" قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق " [ يُوسُف : ١٧ ].
وَقِيلَ : التَّقْدِير فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ مِنْ عِنْد أَبِيهِمْ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ جَعَلُوهُ فِيهَا، هَذَا عَلَى مَذْهَب الْبَصْرِيِّينَ ; وَأَمَّا عَلَى قَوْل الْكُوفِيِّينَ فَالْجَوَاب.
" أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب ; أَيْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ.
قِيلَ فِي الْقِصَّة : إِنَّ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا أَرْسَلَهُ مَعَهُمْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لَيَحْفَظُنَّهُ، وَسَلَّمَهُ إِلَى روبيل وَقَالَ : يَا روبيل إِنَّهُ صَغِير، وَتَعْلَم يَا بُنَيّ شَفَقَتِي عَلَيْهِ ; فَإِنْ جَاعَ فَأَطْعِمْهُ، وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ، وَإِنْ أَعْيَا فَاحْمِلْهُ ثُمَّ عَجِّلْ بِرَدِّهِ إِلَيَّ.
قَالَ : فَأَخَذُوا يَحْمِلُونَهُ عَلَى أَكْتَافهمْ، لَا يَضَعهُ وَاحِد إِلَّا رَفَعَهُ آخَر، وَيَعْقُوب يُشَيِّعهُمْ مِيلًا ثُمَّ رَجَعَ ; فَلَمَّا اِنْقَطَعَ بَصَر أَبِيهِمْ عَنْهُمْ رَمَاهُ الَّذِي كَانَ يَحْمِلهُ إِلَى الْأَرْض حَتَّى كَادَ يَنْكَسِر، فَالْتَجَأَ إِلَى آخَر فَوَجَدَ عِنْد كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَشَدّ مِمَّا عِنْد الْآخَر مِنْ الْغَيْظ وَالْعَسْف ; فَاسْتَغَاثَ بروبيل وَقَالَ :( أَنْتَ أَكْبَر إِخْوَتِي، وَالْخَلِيفَة مِنْ بَعْد وَالِدِي عَلَيَّ، وَأَقْرَب الْإِخْوَة إِلَيَّ، فَارْحَمْنِي وَارْحَمْ ضَعْفِي ) فَلَطَمَهُ لَطْمَة شَدِيدَة وَقَالَ : لَا قَرَابَة بَيْنِي وَبَيْنك، فَادْعُ الْأَحَد عَشَر كَوْكَبًا فَلْتُنْجِك مِنَّا ; فَعَلِمَ أَنَّ حِقْدهمْ مِنْ أَجْل رُؤْيَاهُ، فَتَعَلَّقَ بِأَخِيهِ يَهُوذَا وَقَالَ : يَا أَخِي اِرْحَمْ ضَعْفِي وَعَجْزِي وَحَدَاثَة سِنِي، وَارْحَمْ قَلْب أَبِيك يَعْقُوب ; فَمَا أَسْرَعَ مَا تَنَاسَيْتُمْ وَصِيَّته وَنَقَضْتُمْ عَهْده ; فَرَقَّ قَلْب يَهُوذَا فَقَالَ : وَاَللَّه لَا يَصِلُونَ إِلَيْك أَبَدًا مَا دُمْت حَيًّا، ثُمَّ قَالَ : يَا إِخْوَتاه إِنَّ قَتْل النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه مِنْ أَعْظَم الْخَطَايَا، فَرُدُّوا هَذَا الصَّبِيّ إِلَى أَبِيهِ، وَنُعَاهِدهُ أَلَّا يُحَدِّث وَالِده بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى أَبَدًا ; فَقَالَ لَهُ إِخْوَته : وَاَللَّه مَا تُرِيد إِلَّا أَنْ تَكُون لَك الْمَكَانَة عِنْد يَعْقُوب، وَاَللَّه لَئِنْ لَمْ تَدَعهُ لَنَقْتُلَنَّكَ مَعَهُ، قَالَ : فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا ذَلِكَ فَهَاهُنَا هَذَا الْجُبّ الْمُوحِش الْقَفْر، الَّذِي هُوَ مَأْوَى الْحَيَّات وَالْهَوَامّ فَأَلْقُوهُ فِيهِ، فَإِنْ أُصِيبَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُرَاد، وَقَدْ اِسْتَرَحْتُمْ مِنْ دَمه، وَإِنْ اِنْفَلَتَ عَلَى أَيْدِي سَيَّارَة يَذْهَبُونَ بِهِ إِلَى أَرْض فَهُوَ الْمُرَاد ; فَأَجْمَعَ رَأْيهمْ عَلَى ذَلِكَ ; فَهُوَ قَوْل اللَّه تَعَالَى :" فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ " وَجَوَاب " لَمَّا " مَحْذُوف ; أَيْ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى طَرْحه فِي الْجُبّ عَظُمَتْ فِتْنَتهمْ.
وَقِيلَ : جَوَاب " لَمَّا " قَوْلهمْ :" قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق " [ يُوسُف : ١٧ ].
وَقِيلَ : التَّقْدِير فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ مِنْ عِنْد أَبِيهِمْ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَة الْجُبّ جَعَلُوهُ فِيهَا، هَذَا عَلَى مَذْهَب الْبَصْرِيِّينَ ; وَأَمَّا عَلَى قَوْل الْكُوفِيِّينَ فَالْجَوَاب.
" أَوْحَيْنَا " وَالْوَاو مُقْحَمَة، وَالْوَاو عِنْدهمْ تُزَاد مَعَ لَمَّا وَحَتَّى ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابهَا " [ الزُّمَر : ٧٣ ] أَيْ فُتِحَتْ وَقَوْله :" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرنَا وَفَارَ التَّنُّور " [ هُود : ٤٠ ] أَيْ فَارَ.
قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَة الْحَيّ وَانْتَحَى
أَيْ اِنْتَحَى ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ " [ الصَّافَّات :
١٠٣ - ١٠٤ ] أَيْ نَادَيْنَاهُ.
وَمِمَّا ذُكِرَ مِنْ قِصَّته إِذْ أُلْقِيَ فِي الْجُبّ مَا ذَكَرَهُ السُّدِّيّ وَغَيْره أَنَّ إِخْوَته لَمَّا جَعَلُوا يُدَلُّونَهُ فِي الْبِئْر، تَعَلَّقَ بِشَفِيرِ الْبِئْر، فَرَبَطُوا يَدَيْهِ وَنَزَعُوا قَمِيصه ; فَقَالَ : يَا إِخْوَتاه رُدُّوا عَلَيَّ قَمِيصِي أَتَوَارَى بِهِ فِي هَذَا الْجُبّ، فَإِنْ مُتّ كَانَ كَفَنِي، وَإِنْ عِشْت أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي ; فَقَالُوا : اُدْعُ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْأَحَد عَشَر كَوْكَبًا فَلْتُؤْنِسْك وَتَكْسُك ; فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَدَلَّوْهُ فِي الْبِئْر حَتَّى إِذَا بَلَغَ نِصْفهَا أَلْقَوْهُ إِرَادَة أَنْ يَسْقُط فَيَمُوت ; فَكَانَ فِي الْبِئْر مَاء فَسَقَطَ فِيهِ، ثُمَّ آوَى إِلَى صَخْرَة فَقَامَ عَلَيْهَا.
وَقِيلَ : إِنَّ شَمْعُون هُوَ الَّذِي قَطَعَ الْحَبْل إِرَادَة أَنْ يَتَفَتَّت عَلَى الصَّخْرَة، وَكَانَ جِبْرِيل تَحْت سَاقَ الْعَرْش، فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَدْرِكْ عَبْدِي ; قَالَ جِبْرِيل : فَأَسْرَعْت وَهَبَطْت حَتَّى عَارَضْته بَيْن الرَّمْي وَالْوُقُوع فَأَقْعَدْته عَلَى الصَّخْرَة سَالِمًا.
وَكَانَ ذَلِكَ الْجُبّ مَأْوَى الْهَوَامّ ; فَقَامَ عَلَى الصَّخْرَة وَجَعَلَ يَبْكِي، فَنَادَوْهُ، فَظَنَّ أَنَّهَا رَحْمَة عَلَيْهِ أَدْرَكَتْهُمْ، فَأَجَابَهُمْ ; فَأَرَادُوا أَنْ يَرْضَخُوهُ بِالصَّخْرَةِ فَمَنَعَهُمْ يَهُوذَا، وَكَانَ يَهُوذَا يَأْتِيه بِالطَّعَامِ ; فَلَمَّا وَقَعَ عُرْيَانًا نَزَلَ جِبْرِيل إِلَيْهِ ; وَكَانَ إِبْرَاهِيم حِين أُلْقِيَ فِي النَّار عُرْيَانًا أَتَاهُ جِبْرِيل بِقَمِيصٍ مِنْ حَرِير الْجَنَّة فَأَلْبَسهُ إِيَّاهُ، فَكَانَ ذَلِكَ عِنْد إِبْرَاهِيم، ثُمَّ وَرِثَهُ إِسْحَاق، ثُمَّ وَرِثَهُ يَعْقُوب، فَلَمَّا شَبَّ يُوسُف جَعَلَ يَعْقُوب ذَلِكَ الْقَمِيص فِي تَعْوِيذَة وَجَعَلَهُ فِي عُنُقه، فَكَانَ لَا يُفَارِقهُ ; فَلَمَّا أُلْقِيَ فِي الْجُبّ عُرْيَانًا أَخْرَجَ جِبْرِيل ذَلِكَ الْقَمِيص فَأَلْبَسهُ إِيَّاهُ.
قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَة الْحَيّ وَانْتَحَى
أَيْ اِنْتَحَى ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ " [ الصَّافَّات :
١٠٣ - ١٠٤ ] أَيْ نَادَيْنَاهُ.
وَمِمَّا ذُكِرَ مِنْ قِصَّته إِذْ أُلْقِيَ فِي الْجُبّ مَا ذَكَرَهُ السُّدِّيّ وَغَيْره أَنَّ إِخْوَته لَمَّا جَعَلُوا يُدَلُّونَهُ فِي الْبِئْر، تَعَلَّقَ بِشَفِيرِ الْبِئْر، فَرَبَطُوا يَدَيْهِ وَنَزَعُوا قَمِيصه ; فَقَالَ : يَا إِخْوَتاه رُدُّوا عَلَيَّ قَمِيصِي أَتَوَارَى بِهِ فِي هَذَا الْجُبّ، فَإِنْ مُتّ كَانَ كَفَنِي، وَإِنْ عِشْت أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي ; فَقَالُوا : اُدْعُ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْأَحَد عَشَر كَوْكَبًا فَلْتُؤْنِسْك وَتَكْسُك ; فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَدَلَّوْهُ فِي الْبِئْر حَتَّى إِذَا بَلَغَ نِصْفهَا أَلْقَوْهُ إِرَادَة أَنْ يَسْقُط فَيَمُوت ; فَكَانَ فِي الْبِئْر مَاء فَسَقَطَ فِيهِ، ثُمَّ آوَى إِلَى صَخْرَة فَقَامَ عَلَيْهَا.
وَقِيلَ : إِنَّ شَمْعُون هُوَ الَّذِي قَطَعَ الْحَبْل إِرَادَة أَنْ يَتَفَتَّت عَلَى الصَّخْرَة، وَكَانَ جِبْرِيل تَحْت سَاقَ الْعَرْش، فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَدْرِكْ عَبْدِي ; قَالَ جِبْرِيل : فَأَسْرَعْت وَهَبَطْت حَتَّى عَارَضْته بَيْن الرَّمْي وَالْوُقُوع فَأَقْعَدْته عَلَى الصَّخْرَة سَالِمًا.
وَكَانَ ذَلِكَ الْجُبّ مَأْوَى الْهَوَامّ ; فَقَامَ عَلَى الصَّخْرَة وَجَعَلَ يَبْكِي، فَنَادَوْهُ، فَظَنَّ أَنَّهَا رَحْمَة عَلَيْهِ أَدْرَكَتْهُمْ، فَأَجَابَهُمْ ; فَأَرَادُوا أَنْ يَرْضَخُوهُ بِالصَّخْرَةِ فَمَنَعَهُمْ يَهُوذَا، وَكَانَ يَهُوذَا يَأْتِيه بِالطَّعَامِ ; فَلَمَّا وَقَعَ عُرْيَانًا نَزَلَ جِبْرِيل إِلَيْهِ ; وَكَانَ إِبْرَاهِيم حِين أُلْقِيَ فِي النَّار عُرْيَانًا أَتَاهُ جِبْرِيل بِقَمِيصٍ مِنْ حَرِير الْجَنَّة فَأَلْبَسهُ إِيَّاهُ، فَكَانَ ذَلِكَ عِنْد إِبْرَاهِيم، ثُمَّ وَرِثَهُ إِسْحَاق، ثُمَّ وَرِثَهُ يَعْقُوب، فَلَمَّا شَبَّ يُوسُف جَعَلَ يَعْقُوب ذَلِكَ الْقَمِيص فِي تَعْوِيذَة وَجَعَلَهُ فِي عُنُقه، فَكَانَ لَا يُفَارِقهُ ; فَلَمَّا أُلْقِيَ فِي الْجُبّ عُرْيَانًا أَخْرَجَ جِبْرِيل ذَلِكَ الْقَمِيص فَأَلْبَسهُ إِيَّاهُ.
قَالَ وَهْب : فَلَمَّا قَامَ عَلَى الصَّخْرَة قَالَ : يَا إِخْوَتاه إِنَّ لِكُلِّ مَيِّت وَصِيَّة، فَاسْمَعُوا وَصِيَّتِي، قَالُوا : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : إِذَا اِجْتَمَعْتُمْ كُلّكُمْ فَأَنِسَ بَعْضكُمْ بَعْضًا فَاذْكُرُوا وَحْشَتِي، وَإِذَا أَكَلْتُمْ فَاذْكُرُوا جُوعِي، وَإِذَا شَرِبْتُمْ فَاذْكُرُوا عَطَشِي، وَإِذَا رَأَيْتُمْ غَرِيبًا فَاذْكُرُوا غُرْبَتِي، وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَابًّا فَاذْكُرُوا شَبَابِي ; فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : يَا يُوسُف كُفَّ عَنْ هَذَا وَاشْتَغِلْ بِالدُّعَاءِ، فَإِنَّ الدُّعَاء عِنْد اللَّه بِمَكَانٍ ; ثُمَّ عَلَّمَهُ فَقَالَ : قُلْ اللَّهُمَّ يَا مُؤْنِس كُلّ غَرِيب، وَيَا صَاحِب كُلّ وَحِيد، وَيَا مَلْجَأ كُلّ خَائِف، وَيَا كَاشِف كُلّ كُرْبَة، وَيَا عَالِم كُلّ نَجْوَى، وَيَا مُنْتَهَى كُلّ شَكْوَى، وَيَا حَاضِر كُلّ مَلَإٍ، يَا حَيّ يَا قَيُّوم أَسْأَلك أَنْ تَقْذِف رَجَاءَك فِي قَلْبِي، حَتَّى لَا يَكُون لِي هَمّ وَلَا شُغْل غَيْرك، وَأَنْ تَجْعَل لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّك عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير ; فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة : إِلَهنَا نَسْمَع صَوْتًا وَدُعَاء، الصَّوْت صَوْت صَبِيّ، وَالدُّعَاء دُعَاء نَبِيّ.
وَقَالَ الضَّحَّاك : نَزَلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى يُوسُف وَهُوَ فِي الْجُبّ فَقَالَ لَهُ : أَلَا أُعَلِّمك كَلِمَات إِذَا أَنْتَ قُلْتهنَّ عَجَّلَ اللَّه لَك خُرُوجك مِنْ هَذَا الْجُبّ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ فَقَالَ لَهُ : قُلْ يَا صَانِع كُلّ مَصْنُوع، وَيَا جَابِر كُلّ كَسِير، وَيَا شَاهِد كُلّ نَجْوَى، وَيَا حَاضِر كُلّ مَلَإٍ، وَيَا مُفَرِّج كُلّ كُرْبَة، وَيَا صَاحِب كُلّ غَرِيب، وَيَا مُؤْنِس كُلّ وَحِيد، اِيتِنِي بِالْفَرَجِ وَالرَّجَاء، وَاقْذِفْ رَجَاءَك فِي قَلْبِي حَتَّى لَا أَرْجُو أَحَدًا سِوَاك ; فَرَدَّدَهَا يُوسُف فِي لَيْلَته مِرَارًا ; فَأَخْرَجَهُ اللَّه فِي صَبِيحَة يَوْمه ذَلِكَ مِنْ الْجُبّ.
وَقَالَ الضَّحَّاك : نَزَلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى يُوسُف وَهُوَ فِي الْجُبّ فَقَالَ لَهُ : أَلَا أُعَلِّمك كَلِمَات إِذَا أَنْتَ قُلْتهنَّ عَجَّلَ اللَّه لَك خُرُوجك مِنْ هَذَا الْجُبّ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ فَقَالَ لَهُ : قُلْ يَا صَانِع كُلّ مَصْنُوع، وَيَا جَابِر كُلّ كَسِير، وَيَا شَاهِد كُلّ نَجْوَى، وَيَا حَاضِر كُلّ مَلَإٍ، وَيَا مُفَرِّج كُلّ كُرْبَة، وَيَا صَاحِب كُلّ غَرِيب، وَيَا مُؤْنِس كُلّ وَحِيد، اِيتِنِي بِالْفَرَجِ وَالرَّجَاء، وَاقْذِفْ رَجَاءَك فِي قَلْبِي حَتَّى لَا أَرْجُو أَحَدًا سِوَاك ; فَرَدَّدَهَا يُوسُف فِي لَيْلَته مِرَارًا ; فَأَخْرَجَهُ اللَّه فِي صَبِيحَة يَوْمه ذَلِكَ مِنْ الْجُبّ.
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا
دَلِيل عَلَى نُبُوَّته فِي ذَلِكَ الْوَقْت.
قَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة : أَعْطَاهُ اللَّه النُّبُوَّة وَهُوَ فِي الْجُبّ عَلَى حَجَر مُرْتَفِع عَنْ الْمَاء.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : أُلْقِيَ فِي الْجُبّ، وَهُوَ اِبْن ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة، فَمَا كَانَ صَغِيرًا ; وَمَنْ قَالَ كَانَ صَغِيرًا فَلَا يَبْعُد فِي الْعَقْل أَنْ يَتَنَبَّأ الصَّغِير وَيُوحَى إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : كَانَ وَحْي إِلْهَام كَقَوْلِهِ :" وَأَوْحَى رَبّك إِلَى النَّحْل " [ النَّحْل : ٦٨ ].
وَقِيلَ : كَانَ مَنَامًا، وَالْأَوَّل أَظْهَر - وَاَللَّه أَعْلَم - وَأَنَّ جِبْرِيل جَاءَهُ بِالْوَحْيِ.
" لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا " فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ سَيَلْقَاهُمْ وَيُوَبِّخهُمْ عَلَى مَا صَنَعُوا ; فَعَلَى هَذَا يَكُون الْوَحْي بَعْد إِلْقَائِهِ فِي الْجُبّ تَقْوِيَة لِقَلْبِهِ، وَتَبْشِيرًا لَهُ بِالسَّلَامَةِ.
الثَّانِي : أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ بِاَلَّذِي يَصْنَعُونَ بِهِ ; فَعَلَى هَذَا يَكُون الْوَحْي قَبْل إِلْقَائِهِ فِي الْجُبّ إِنْذَارًا لَهُ
دَلِيل عَلَى نُبُوَّته فِي ذَلِكَ الْوَقْت.
قَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة : أَعْطَاهُ اللَّه النُّبُوَّة وَهُوَ فِي الْجُبّ عَلَى حَجَر مُرْتَفِع عَنْ الْمَاء.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : أُلْقِيَ فِي الْجُبّ، وَهُوَ اِبْن ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة، فَمَا كَانَ صَغِيرًا ; وَمَنْ قَالَ كَانَ صَغِيرًا فَلَا يَبْعُد فِي الْعَقْل أَنْ يَتَنَبَّأ الصَّغِير وَيُوحَى إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : كَانَ وَحْي إِلْهَام كَقَوْلِهِ :" وَأَوْحَى رَبّك إِلَى النَّحْل " [ النَّحْل : ٦٨ ].
وَقِيلَ : كَانَ مَنَامًا، وَالْأَوَّل أَظْهَر - وَاَللَّه أَعْلَم - وَأَنَّ جِبْرِيل جَاءَهُ بِالْوَحْيِ.
" لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا " فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ سَيَلْقَاهُمْ وَيُوَبِّخهُمْ عَلَى مَا صَنَعُوا ; فَعَلَى هَذَا يَكُون الْوَحْي بَعْد إِلْقَائِهِ فِي الْجُبّ تَقْوِيَة لِقَلْبِهِ، وَتَبْشِيرًا لَهُ بِالسَّلَامَةِ.
الثَّانِي : أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ بِاَلَّذِي يَصْنَعُونَ بِهِ ; فَعَلَى هَذَا يَكُون الْوَحْي قَبْل إِلْقَائِهِ فِي الْجُبّ إِنْذَارًا لَهُ
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
أَنَّك يُوسُف ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَهُ لَمَّا أَفْضَى إِلَيْهِ الْأَمْر بِمِصْرَ أَلَّا يُخْبِر أَبَاهُ وَإِخْوَته بِمَكَانِهِ.
وَقِيلَ : بِوَحْيِ اللَّه تَعَالَى بِالنُّبُوَّةِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد.
وَقِيلَ :" الْهَاء " لِيَعْقُوب ; أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ مَا فَعَلُوهُ بِيُوسُف، وَأَنَّهُ سَيُعَرِّفُهُمْ بِأَمْرِهِ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِمَا أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
أَنَّك يُوسُف ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَهُ لَمَّا أَفْضَى إِلَيْهِ الْأَمْر بِمِصْرَ أَلَّا يُخْبِر أَبَاهُ وَإِخْوَته بِمَكَانِهِ.
وَقِيلَ : بِوَحْيِ اللَّه تَعَالَى بِالنُّبُوَّةِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد.
وَقِيلَ :" الْهَاء " لِيَعْقُوب ; أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ مَا فَعَلُوهُ بِيُوسُف، وَأَنَّهُ سَيُعَرِّفُهُمْ بِأَمْرِهِ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِمَا أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" عِشَاء " أَيْ لَيْلًا، وَهُوَ ظَرْف يَكُون فِي مَوْضِع الْحَال ; وَإِنَّمَا جَاءُوا عِشَاء لِيَكُونُوا أَقْدَر عَلَى الِاعْتِذَار فِي الظُّلْمَة، وَلِذَا قِيلَ : لَا تَطْلُب الْحَاجَة بِاللَّيْلِ، فَإِنَّ الْحَيَاء فِي الْعَيْنَيْنِ، وَلَا تَعْتَذِر بِالنَّهَارِ مِنْ ذَنْب فَتَتَلَجْلَج فِي الِاعْتِذَار ; فَرُوِيَ أَنَّ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا سَمِعَ بُكَاءَهُمْ قَالَ : مَا بِكُمْ ؟ أَجْرَى فِي الْغَنَم شَيْء ؟ قَالُوا : لَا.
قَالَ : فَأَيْنَ يُوسُف ؟ قَالُوا : ذَهَبْنَا نَسْتَبِق فَأَكَلَهُ الذِّئْب، فَبَكَى وَصَاحَ وَقَالَ : أَيْنَ قَمِيصه ؟ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَقَالَ السُّدِّيّ وَابْن حِبَّان : إِنَّهُ لَمَّا قَالُوا أَكَلَهُ الذِّئْب خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَأَفَاضُوا عَلَيْهِ الْمَاء فَلَمْ يَتَحَرَّك، وَنَادَوْهُ فَلَمْ يُجِبْ ; قَالَ وَهْب : وَلَقَدْ وَضَعَ يَهُوذَا يَده عَلَى مَخَارِج نَفَس يَعْقُوب فَلَمْ يُحِسّ بِنَفَسٍ، وَلَمْ يَتَحَرَّك لَهُ عِرْق ; فَقَالَ لَهُمْ يَهُوذَا : وَيْل لَنَا مِنْ دَيَّان يَوْم الدِّين ضَيَّعْنَا أَخَانَا، وَقَتَلْنَا أَبَانَا، فَلَمْ يُفِقْ يَعْقُوب إِلَّا بِبَرْدِ السَّحَر، فَأَفَاقَ وَرَأْسه فِي حَجَر روبيل ; فَقَالَ : يَا روبيل أَلَمْ ائْتَمِنَك عَلَى وَلَدِي ؟ أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْك عَهْدًا ؟ فَقَالَ : يَا أَبَت كُفَّ عَنِّي بُكَاءَك أُخْبِرك ; فَكَفَّ يَعْقُوب بُكَاءَهُ فَقَالَ : يَا أَبَت " إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق وَتَرَكْنَا يُوسُف عِنْد مَتَاعنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْب ".
الثَّانِيَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ بُكَاء الْمَرْء لَا يَدُلّ عَلَى صِدْق مَقَاله، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون تَصَنُّعًا ; فَمِنْ الْخَلْق مَنْ يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْدِر.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الدَّمْع الْمَصْنُوع لَا يَخْفَى ; كَمَا قَالَ حَكِيم :
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" عِشَاء " أَيْ لَيْلًا، وَهُوَ ظَرْف يَكُون فِي مَوْضِع الْحَال ; وَإِنَّمَا جَاءُوا عِشَاء لِيَكُونُوا أَقْدَر عَلَى الِاعْتِذَار فِي الظُّلْمَة، وَلِذَا قِيلَ : لَا تَطْلُب الْحَاجَة بِاللَّيْلِ، فَإِنَّ الْحَيَاء فِي الْعَيْنَيْنِ، وَلَا تَعْتَذِر بِالنَّهَارِ مِنْ ذَنْب فَتَتَلَجْلَج فِي الِاعْتِذَار ; فَرُوِيَ أَنَّ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا سَمِعَ بُكَاءَهُمْ قَالَ : مَا بِكُمْ ؟ أَجْرَى فِي الْغَنَم شَيْء ؟ قَالُوا : لَا.
قَالَ : فَأَيْنَ يُوسُف ؟ قَالُوا : ذَهَبْنَا نَسْتَبِق فَأَكَلَهُ الذِّئْب، فَبَكَى وَصَاحَ وَقَالَ : أَيْنَ قَمِيصه ؟ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَقَالَ السُّدِّيّ وَابْن حِبَّان : إِنَّهُ لَمَّا قَالُوا أَكَلَهُ الذِّئْب خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَأَفَاضُوا عَلَيْهِ الْمَاء فَلَمْ يَتَحَرَّك، وَنَادَوْهُ فَلَمْ يُجِبْ ; قَالَ وَهْب : وَلَقَدْ وَضَعَ يَهُوذَا يَده عَلَى مَخَارِج نَفَس يَعْقُوب فَلَمْ يُحِسّ بِنَفَسٍ، وَلَمْ يَتَحَرَّك لَهُ عِرْق ; فَقَالَ لَهُمْ يَهُوذَا : وَيْل لَنَا مِنْ دَيَّان يَوْم الدِّين ضَيَّعْنَا أَخَانَا، وَقَتَلْنَا أَبَانَا، فَلَمْ يُفِقْ يَعْقُوب إِلَّا بِبَرْدِ السَّحَر، فَأَفَاقَ وَرَأْسه فِي حَجَر روبيل ; فَقَالَ : يَا روبيل أَلَمْ ائْتَمِنَك عَلَى وَلَدِي ؟ أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْك عَهْدًا ؟ فَقَالَ : يَا أَبَت كُفَّ عَنِّي بُكَاءَك أُخْبِرك ; فَكَفَّ يَعْقُوب بُكَاءَهُ فَقَالَ : يَا أَبَت " إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق وَتَرَكْنَا يُوسُف عِنْد مَتَاعنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْب ".
الثَّانِيَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ بُكَاء الْمَرْء لَا يَدُلّ عَلَى صِدْق مَقَاله، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون تَصَنُّعًا ; فَمِنْ الْخَلْق مَنْ يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْدِر.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الدَّمْع الْمَصْنُوع لَا يَخْفَى ; كَمَا قَالَ حَكِيم :