تفسير سورة سورة يوسف من كتاب تفسير القرآن العزيز
                             المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين
                        .
                            
    
                    لمؤلفه 
                                            ابن أبي زَمَنِين
                                                            .
                                             المتوفي سنة 399 هـ
                                    
                         تفسير سورة يوسف وهي مكية كلها
                                                                ﰡ
قَوْلُهُ: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ يَعْنِي: هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ ﴿الْمُبِينِ﴾ الْبَين
                                                                    
                                                                        ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا﴾ أَيْ: بلسانٍ عَرَبِيٍّ ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لِكَيْ تَعْقِلُوا مَا فِيهِ فَتُؤْمِنُوا
                                                                    
                                                                        ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ، وَأُمُورِ اللَّهِ السَّالِفَةِ فِي الأُمَمِ ﴿بِمَا أَوْحَينَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن﴾ أَيْ: بِوَحْيِنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴿وَإِن كنت من قبله﴾ أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْك الْقُرْآن ﴿لمن الغافلين﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان﴾.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٤) إِلَى الْآيَة (٦).
                                                                        سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٤) إِلَى الْآيَة (٦).
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عشر كوكبا﴾ الآيَةَ، فَتَأَوَّلَهَا يَعْقُوبُ أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ - وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا - وأبويه سيسجدون لَهُ.
                                                                    
                                                                        ﴿فيكيدوا لَك كيدا﴾ أَي: يحسدونك
                                                                    
                                                                        ﴿وَكَذَلِكَ يجتبيك رَبك﴾ أَيْ: يَخْتَارُكَ لِلنُّبُوَّةِ ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَوَاقِبَ الأُمُورِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلا بِوَحْيِ نُبُوَّةٍ ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آل يَعْقُوب﴾ وَكَانَ اللَّهُ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَيُعْطِي ولد يَعْقُوب كلهم النُّبُوَّة.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٧) إِلَى الْآيَة (١٧).
                                                                        وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَوَاقِبَ الأُمُورِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلا بِوَحْيِ نُبُوَّةٍ ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آل يَعْقُوب﴾ وَكَانَ اللَّهُ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَيُعْطِي ولد يَعْقُوب كلهم النُّبُوَّة.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٧) إِلَى الْآيَة (١٧).
﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَات للسائلين﴾ أَيْ: عِبْرَةٌ لِمَنْ كَانَ سَائِلا عَن حَدِيثهمْ
                                                                    
                                                                        ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ جَمَاعَةٌ ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبين﴾ أَيْ: مِنَ الرَّأْيِ، لَيْسَ يَعْنُونَ: ضَلَالَة فِي الدّين ﴿مُبين﴾ بَين
                                                                    
                                                                        ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يخل لكم وَجه أبيكم﴾ وَلَمْ يَكُونُوا يَوْمَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَنْبِيَاءَ ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قوما صالحين﴾ يَعْنُونَ: تَصْلُحُ مَنْزِلَتُكُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْنُونَ: تَتُوبُونَ مِنْ بَعْدِ قَتْلِهِ
                                                                        وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْنُونَ: تَتُوبُونَ مِنْ بَعْدِ قَتْلِهِ
﴿قَالَ قَائِل مِنْهُم﴾ هُوَ رُوبِيلُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَاتِ الْجُبِّ﴾ أَيْ: بَعْضُ نَوَاحِيهَا.
قَالَ محمدٌ: كُلُّ شيءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَةٌ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ يحيى (غيابة الْجب).
﴿يلتقطه بعض السيارة﴾ أَيْ: بَعْضُ مَنْ يَمُرُّ فِي الطَّرِيق.
                                                                        قَالَ محمدٌ: كُلُّ شيءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَةٌ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ يحيى (غيابة الْجب).
﴿يلتقطه بعض السيارة﴾ أَيْ: بَعْضُ مَنْ يَمُرُّ فِي الطَّرِيق.
﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ قَالَ محمدٌ: قَرَأَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ﴿يرتع﴾ بِالْيَاءِ وَكسر الْعين، ﴿ويلعب﴾ بِالْيَاءِ أَيْضًا؛ الْمَعْنَى: كَأَنَّهُمْ قَالُوا: يَرْعَى مَاشِيَتَهُ وَيَلْعَبُ فِي جَمْعِ السعَة وَالسُّرُور.
                                                                    
                                                                        ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عصبَة إِنَّا إِذا لخاسرون﴾ قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: الْعُصْبَةُ مِنَ الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين.
                                                                    
                                                                        ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غيابات الْجب﴾ أَيْ: اتَّفَقُوا وَأَلْقَوْهُ
                                                                            
                                                                                                                317
                                                                    فِي الْجُبِّ ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بأمرهم هَذَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: أَتَاهُ وَحْيُ اللَّهِ وَهُوَ فِي الْبِئْرِ بِمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلُوا بِهِ ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بِمَا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ يُوسُفَ من أَمرهم.
                                                                            
                                                                        318
                                                                    ﴿وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ﴾ قَالَ محمدٌ: (عشَاء) مَنْصُوب على الظّرْف.
                                                                    
                                                                        ﴿وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا﴾ بِمُصَدِّقٍ لَنَا ﴿وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ أَيْ: وَلَوْ صَدَّقْنَاكَ.
قَالَ محمدٌ: قيل: الْمَعْنى: (ل ١٥٣) وَلَوْ كُنَّا عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ لاتَّهَمْتَنَا فِي يُوسُفَ؛ لِمَحَبَّتِكَ فِيهِ، وَظَنَنْتَ أَنَّا قَدْ كذبناك.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (١٨) إِلَى الْآيَة (٢١).
                                                                        قَالَ محمدٌ: قيل: الْمَعْنى: (ل ١٥٣) وَلَوْ كُنَّا عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ لاتَّهَمْتَنَا فِي يُوسُفَ؛ لِمَحَبَّتِكَ فِيهِ، وَظَنَنْتَ أَنَّا قَدْ كذبناك.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (١٨) إِلَى الْآيَة (٢١).
﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ لَطَخُوا قَمِيصَهُ بِدَمٍ سخلةٍ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: دمٌ مكذوبٌ فِيهِ.
﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أمرا﴾ أَيْ: زَيَّنَتْ ﴿أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أَيْ: لَيْسَ فِيهِ جزعٌ.
                                                                                                                قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: دمٌ مكذوبٌ فِيهِ.
﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أمرا﴾ أَيْ: زَيَّنَتْ ﴿أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أَيْ: لَيْسَ فِيهِ جزعٌ.
318
                                                                    قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدْ عَلِمَ بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّ يُوسُفَ حيٌّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَيْن هُوَ؟
قَالَ محمدٌ: (صبرٌ جميل) مرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: فَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ: صبرٌ جَمِيلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى: ﴿فَصَبْرِي صبرٌ جَمِيلٌ﴾.
                                                                        قَالَ محمدٌ: (صبرٌ جميل) مرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: فَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ: صبرٌ جَمِيلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى: ﴿فَصَبْرِي صبرٌ جَمِيلٌ﴾.
319
                                                                    ﴿وَجَاءَت سيارة فأرسلوا واردهم﴾ الْوَارِدُ: الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ؛ لَيَسْتَقِيَ للْقَوْم ﴿فأدلى دلوه﴾ فِي الْجُبِّ؛ وَهِيَ بِئْرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ؛ إِذَا أَرْسَلْتُهَا لِتَمْلأَهَا، وَدَلَوْتُهَا؛ إِذَا أَخْرَجْتُهَا.
قَالَ قَتَادَةُ: فَلَمَّا أَدْلَى دَلْوَهُ تَشَبَّثَ بِهَا يُوسُفُ، فَقَالَ الَّذِي أَدْلَى دَلْوَهُ: (يَا بُشْرَايَ) يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: مَا الْبُشْرَى؟ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: مَا وَرَاءَكَ؟ أَوْ مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: ﴿هَذَا غلامٌ﴾ فأخرجوه ﴿وأسروه بضَاعَة﴾ قَالَ مجاهدٌ: صَاحِبُ الدَّلْوِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ قَالُوا لأَصْحَابِهِمْ: إِنَّمَا اسْتَبْضَعْنَاهُ خِيفَةَ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِيهِ.
                                                                        قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ؛ إِذَا أَرْسَلْتُهَا لِتَمْلأَهَا، وَدَلَوْتُهَا؛ إِذَا أَخْرَجْتُهَا.
قَالَ قَتَادَةُ: فَلَمَّا أَدْلَى دَلْوَهُ تَشَبَّثَ بِهَا يُوسُفُ، فَقَالَ الَّذِي أَدْلَى دَلْوَهُ: (يَا بُشْرَايَ) يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: مَا الْبُشْرَى؟ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: مَا وَرَاءَكَ؟ أَوْ مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: ﴿هَذَا غلامٌ﴾ فأخرجوه ﴿وأسروه بضَاعَة﴾ قَالَ مجاهدٌ: صَاحِبُ الدَّلْوِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ قَالُوا لأَصْحَابِهِمْ: إِنَّمَا اسْتَبْضَعْنَاهُ خِيفَةَ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِيهِ.
﴿وشروه﴾ أَي: باعوه ﴿بثمنٍ بخسٍ﴾ أَيْ: حَرَامٌ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ بَيْعه.
﴿دَرَاهِم معدودةٍ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: بَاعُوهُ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا.
﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ الْتَقَطُوهُ، وَزِهَادَتُهُمْ فِيهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مَنْزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ؛ فَبَاعُوهُ مِنْ مَلِكِ مصر.
                                                                        ﴿دَرَاهِم معدودةٍ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: بَاعُوهُ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا.
﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ الْتَقَطُوهُ، وَزِهَادَتُهُمْ فِيهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مَنْزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ؛ فَبَاعُوهُ مِنْ مَلِكِ مصر.
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَته أكرمي مثواه﴾ أَيْ: مَنْزِلَتَهُ (عَسَى أَنْ
                                                                            
                                                                                                                319
                                                                    ينفعنا أَو نتخذه ولدا} أَيْ: نَتَبَنَّاهُ. قَالَ اللَّهُ: ﴿وَكَذَلِكَ مكنا ليوسف فِي الأَرْض﴾ يَعْنِي: أَرض مصر، وَمَا أعطَاهُ الله.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٢٢) إِلَى الْآيَة (٢٩).
                                                                        سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٢٢) إِلَى الْآيَة (٢٩).
320
                                                                    ﴿وَلما بلغ أشده﴾ يُقَالُ: بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً ﴿آتَيْنَاهُ حكما وعلماً﴾ يَعْنِي: الرسَالَة.
                                                                    
                                                                        ﴿وَقَالَت هيت لَك﴾ أَي: هَلُمَّ لَك.
وتقرأ: (هيت لَك) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَسْكِينِ الْيَاءِ.
                                                                                                                وتقرأ: (هيت لَك) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَسْكِينِ الْيَاءِ.
320
                                                                    قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: هَيْتَ فلانٌ بِفُلانٍ؛ إِذَا صَاحَ بِهِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
(قَدْ رَابَنِي أَنَّ الْكَرِيَّ أَسْكَتَا... لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهَا لَهَيَّتَا) ﴿قَوْلُهُ﴾ (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّه رَبِّي} أَيْ: سَيِّدِي - يَعْنِي: الْعَزِيزَ ﴿أَحْسَنَ مثواي﴾ أَيْ: أَكْرَمَ مَنْزِلَتِي.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ: أَوَّلُ مَا قَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ مَا أَحْسَنَ شَعْرَكَ! قَالَ: أَمَّا إِنَّهُ أول شيءٍ يبْلى مني.
                                                                        قَالَ الشَّاعِرُ:
(قَدْ رَابَنِي أَنَّ الْكَرِيَّ أَسْكَتَا... لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهَا لَهَيَّتَا) ﴿قَوْلُهُ﴾ (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّه رَبِّي} أَيْ: سَيِّدِي - يَعْنِي: الْعَزِيزَ ﴿أَحْسَنَ مثواي﴾ أَيْ: أَكْرَمَ مَنْزِلَتِي.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ: أَوَّلُ مَا قَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ مَا أَحْسَنَ شَعْرَكَ! قَالَ: أَمَّا إِنَّهُ أول شيءٍ يبْلى مني.
321
                                                                    ﴿وَلَقَد هَمت بِهِ﴾ يَعْنِي: مَا أَرَادَتْهُ حِينَ اضْطَجَعَتْ لَهُ ﴿وهم بهَا﴾ يَعْنِي: حَلَّ سَرَاوِيلَهُ ﴿لَوْلا أَنْ رأى برهَان ربه﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: مُثِّلَ لَهُ يَعْقُوبُ فَاسْتَحْيَى مِنْهُ، فَصَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَذْهَبَ كُلَّ شهوةٍ كَانَتْ فِي مَفَاصِلِهِ.
                                                                            
                                                                                                                321
                                                                    قَالَ اللَّهُ: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء﴾ الْآيَة، فولى هَارِبا واتبعته
                                                                            
                                                                        322
                                                                    ﴿واستبقا الْبَاب﴾ فَسَبَقَهَا إِلَيْهِ لِيَخْرُجَ ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ من دبر﴾ أَيْ: شَقَّتْهُ مِنْ خَلْفِهِ. ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدهَا﴾ أَي: زَوجهَا ﴿لَدَى الْبَاب﴾ عِنْد الْبَاب.
                                                                    
                                                                        ﴿وَشهد شَاهد من أَهلهَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: رَجُلٌ حَكِيمٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا؛ قَالَ: الْقَمِيصُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا؛ إِنْ كَانَ قُدَّ مِنْ قبلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دبرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
                                                                    
                                                                        ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِن كيدكن عَظِيم﴾
                                                                    
                                                                        ثُمَّ قَالَ لِيُوسُفَ: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَن هَذَا﴾ أَيْ: لَا تَذْكُرْهُ: احْبِسْهُ، وَقَالَ لَهَا: ﴿استغفري لذنبك﴾ مِنْ زَوْجِكِ، وَاسْتَعْفِيهِ أَلا يُعَاقِبَكِ ﴿إِنَّك كنت من الخاطئين﴾ يَعْنِي: الْخَطِيئَةَ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: خَطِئَ الرَّجُلُ يَخْطَأُ خِطْئًا؛ إِذَا تَعَمَّدَ الذَّنْبُ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَالْخَطِيئَةُ مِنْهُ: أَخْطَأَ يُخْطِئُ؛ إِذَا لَمْ يتَعَمَّد، وَالِاسْم مِنْهُ: الْخَطَأ.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٣٠) إِلَى الْآيَة (٣٢).
                                                                                                                قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: خَطِئَ الرَّجُلُ يَخْطَأُ خِطْئًا؛ إِذَا تَعَمَّدَ الذَّنْبُ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَالْخَطِيئَةُ مِنْهُ: أَخْطَأَ يُخْطِئُ؛ إِذَا لَمْ يتَعَمَّد، وَالِاسْم مِنْهُ: الْخَطَأ.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٣٠) إِلَى الْآيَة (٣٢).
322
                                                                    (ل ١٥٤)
                                                                            
                                                                        323
                                                                    ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيز﴾ يَعْنِي: عِزَّ الْمُلْكِ ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: دَخَلَ حُبُّهُ فِي شِغَافِهَا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الشِّغَافُ: حِجَابُ الْقَلْبِ ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضلال مُبين﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: فِي خسرانٍ بَين من حب يُوسُف.
                                                                    
                                                                        ﴿فَلَمَّا سَمِعت بمكرهن﴾ أَي: بغيبتهن ﴿أرْسلت إلَيْهِنَّ﴾ وَأَرَادَتْ أَنْ تُوقِعَهُنَّ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ ﴿وأعتدت﴾ أَي: أعدت ﴿لَهُنَّ مُتكئا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَجْلِسًا وَتَكْأَةً.
قَالَ يحيى: وَهِيَ تُقْرَأُ (مُتْكًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الأُتْرُجُ.
قَالَ محمدٌ: (الْمُتَّكَأُ) بِالتَّثْقِيلِ: هُوَ مَا اتَّكَأْتَ لحديثٍ، أَوْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ.
﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سكينا﴾ لِيُقَطِّعْنَ وَيَأْكُلْنَ، وَقَالَتْ لِيُوسُفَ: ﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رأينه أكبرنه﴾ أَيْ: أَعْظَمْنَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبشر. ﴿وقطعن أَيْدِيهنَّ﴾ أَيْ: حَزَزْنَ لَا يَعْقِلْنَ مَا يصنعن ﴿وقلن حاش لله﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَعَاذَ اللَّهِ ﴿مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا ملك﴾ من مَلَائِكَة الله ﴿كريم﴾ عَلَى اللَّهِ.
                                                                                                                قَالَ يحيى: وَهِيَ تُقْرَأُ (مُتْكًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الأُتْرُجُ.
قَالَ محمدٌ: (الْمُتَّكَأُ) بِالتَّثْقِيلِ: هُوَ مَا اتَّكَأْتَ لحديثٍ، أَوْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ.
﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سكينا﴾ لِيُقَطِّعْنَ وَيَأْكُلْنَ، وَقَالَتْ لِيُوسُفَ: ﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رأينه أكبرنه﴾ أَيْ: أَعْظَمْنَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبشر. ﴿وقطعن أَيْدِيهنَّ﴾ أَيْ: حَزَزْنَ لَا يَعْقِلْنَ مَا يصنعن ﴿وقلن حاش لله﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَعَاذَ اللَّهِ ﴿مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا ملك﴾ من مَلَائِكَة الله ﴿كريم﴾ عَلَى اللَّهِ.
323
                                                                    قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: حَاشَ لِلَّهِ، وَحَاشَى لِلَّهِ - بِيَاءٍ وَبِغَيْرِ يَاءٍ -، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْبَرَاءَةُ؛ أَيْ قَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَانْتَصَبَ (بَشَرًا) بِخَبَرِ (مَا) لأَنَّ (مَا) فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ مَعْنَاهُ مَعْنَى (لَيْسَ) فِي النَّفْيِ.
                                                                            
                                                                        324
                                                                    ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ أَي: امْتنع.
﴿وليكوناً من الصاغرين﴾ أَي: من الأذلاء.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٣٣) إِلَى الْآيَة (٣٥).
                                                                        ﴿وليكوناً من الصاغرين﴾ أَي: من الأذلاء.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٣٣) إِلَى الْآيَة (٣٥).
﴿وَإِلَّا تصرف عني كيدهن﴾ قَالَ الْحَسَنُ: قَدْ كَانَ مِنَ النِّسْوَةِ عَوْنٌ لَهَا عَلَيْهِ ﴿أَصْبُ إلَيْهِنَّ﴾ أَيْ: أُتَابِعُهُنَّ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَمِلْ إِلَيْهِنَّ مَيْلَ جهلٍ وَصَبًا؛ يُقَالُ: صَبَا فلانٌ إِلَى اللَّهْوِ يَصْبُو صَبًا؛ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ. قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَمِلْ إِلَيْهِنَّ مَيْلَ جهلٍ وَصَبًا؛ يُقَالُ: صَبَا فلانٌ إِلَى اللَّهْوِ يَصْبُو صَبًا؛ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ. قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ.
| (صَبَا مَا صَبَا حَتَّى عَلا الشَّيْبُ رَأْسَهُ | فَلَمَّا عَلاهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ أبعد} |