فيها آيتان
ﰡ
امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْخَلْقِ بِأَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ غَيْبًا يُغَطِّي بِسَوَادِهِ كَمَا يُغَطِّي الثَّوْبُ لَابِسَهُ، وَيَسْتُرُ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا يَسْتُرُهُ الْحِجَابُ.
قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ؛ فَظَنَّ بَعْضُ الْغَافِلِينَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى عُرْيَانًا لَيْلًا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ الظَّلَامَ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ؛ فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُهُ بِالصَّلَاةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ شَرْطٌ من شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَكِلَاهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ فِي الظُّلْمَةِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، إثْبَاتًا بِإِثْبَاتٍ، وَنَفْيًا بِنَفْيٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يَجِبُ فِي النُّورِ وَيَسْقُطُ فِي الظُّلْمَةِ اجْتِزَاءً بِسَتْرِهَا عَنْ سَتْرِ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ الْمُصَلي فَلَا وَجْهَ لِهَذَا بِحَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ.
امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ بِإِنْزَالِهِ الْمَاءَ الْمُبَارَكَ من السَّمَاءِ، وَبِإِخْرَاجِهِ الْحَبَّ وَالنَّبَاتَ وَلَفِيفَ الْجَنَّاتِ وَكُلُّ مَا امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ من النِّعَمِ ؛ فَفِيهِ حَقُّ الصَّدَقَةِ بِالشُّكْرِ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الصَّدَقَةَ شُكْرَ نِعْمَةِ الْمَالِ، كَمَا جَعَلَ الصَّلَاةَ شُكْرَ نِعْمَةِ الْبَدَنِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا، وَحَقَّقْنَا تَفْصِيلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَمَحِلَّهَا وَمِقْدَارَهَا بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ لِظُهُورِهِ وَشُمُولِهِ فِي الْبَيَانِ بِمَوْضِعَيْنِ