تفسير سورة المسد

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة المسد من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها خمس
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة المسد
وتسمى سورة تبت
روى أنه لما نزل ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ ١ رقي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا، وجمع أقاربه، فجاء أبو لهب وقريش فقال صلى الله عليه وسلم : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي ؟ ". قالوا : نعم ! ما جربنا عليك إلا صدقا. قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب : تبا لك ! ألهذا دعوتنا ! وأخذ بيديه حجرا ليرميه عليه السلام به ؛ فنزلت السورة. وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب، وذكر بكنيته لاشتهاره بها. أو لكراهة ذكر اسمه القبيح في التنزيل. وكان شديد المعاداة والمناصبة له صلى الله عليه وسلم.
١ آية ٢١٤ الشعراء..

﴿ تبت ﴾ هلكت أو خسرت. ﴿ يدا أبي لهب ﴾ من التباب بمعنى القطع المفضي إلى الهلاك. وهو دعاء عليه بهلاكه كله. واليدان : كناية عن الذات والنفس ؛ كما في قوله تعالى :﴿ بما قدمت يداك ﴾ ١ وقولهم : أصابته يد الدهر، ويد المنايا ؛ يريدون أصابه كل ذلك. ﴿ وتب ﴾ أي وقد تب وهلك. فهو إخبار بحصول هلاكه بعد الدعاء عليه به ؛ كما يقال : أهلكه الله وقد هلك. ويؤيده قراءة ﴿ وقد تب ﴾. وقد نزلت السورة قبل هلاكه ؛ فالتعبير بالماضي لتحقق الوقوع.
١ آية ١٠ الحج..
﴿ ما أغنى عنه ماله وما كسب ﴾ لم ينفعه ماله الذي ورثه، ولا ماله الذي كسبه بنفسه. أو لم ينفعه ماله الموروث، ولا الذي كسبه من الأرباح والمنافع والجاه والأتباع حين حل به الهلاك. أو لم يفده ماله ولا الذي كسبه من عمله الخبيث، وهو كيده في معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم طلبا للجاه والعلو والظهور بين كفار قريش. ويجوز أن تكون " ما " الأولى استفهامية. و " ما " الثانية موصولة، أو استفهامية، أو مصدرية.
﴿ سيصلى نارا ذات لهب وامرأته ﴾ سيدخل هو وامرأته العوراء أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب نارا ذات اشتعال وتوقد عظيم، وهي نار جهنم.
﴿ حمالة الحطب ﴾ منصوب على الذم. وكانت شديدة العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. تحمل بنفسها حزمة الشوك والحسك والسعدان فتنشره بالليل في طريقه صلى الله عليه وسلم لتؤذيه بذلك. وقرئ بالرفع صفة ل ﴿ وامرأته ﴾، أو خبر مبتدإ محذوف ؛ أي هي حمالة الحطب، وقيل : كانت تمشي بالنميمة، وتلقي العداوة بين الناس، وتوقد نارها كما يوقد النار الحطب، وهي من كبائر الذنوب ؛ فاستعير الحطب للنميمة. يقال : فلان يحطب بفلان، إذا كان يغرى به. وقيل : حمالة الخطايا والذنوب ؛ من قولهم : فلان يحطب على ظهره، إذا كان يكتسب الآثام والخطايا ؛ فاستعير الحطب للخطايا ؛ لأن كلا منهما مبدأ للإحراق.
﴿ في جيدها حبل من مسد ﴾ الجيد : العنق. والمسد : ما مسد، أي فتل فتلا شديدا من الحبال من ليف أو جلد، أو من لحاء شجر باليمن يسمى المسد ؛ أي في عنقها حبل مما مسد من الحبال. وهو تصوير لها بصورة الحطابة التي تحمل الحزمة، وتربطها في عنقها بحبل ؛ تحقيرا لها، لتمتعض من ذلك هي وزوجها، إذ كانا في بيت العزة والشرف، ومنصب الثروة والجدة. ويحتمل أن يكون المعنى : أنها تكون في جهنم على الصورة التي كانت عليها في الدنيا ؛ حين كانت تحمل حزمة الشوك لتلقيها في طريقه صلى الله عليه وسلم إيذاء له ؛ فلا تزال على ظهرها في النار حزمة من حطب شجرة الزقوم، أو من الضريع. وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار ؛ كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه. وقد هلكت هي وزوجها كافرين.
والله أعلم.
Icon