ﰡ
﴿الر تلك آيات الكتاب المبين﴾ تلك اشاة ر إلى آيات هذه الصورة والكتاب المبين السورة أي تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة آيات السورة الظاهر أمرها في إعجاز العرب أو التي تبين لمن تدبَّرها أنها من عند الله لا من عند البشر أو الواضحة التي لا تشتبه على العرب معانيها لنزولها بلسانهم أو قد أبيِّن فيها ما سألت عنه اليهود من قصة يوسف عليه السلام فقد رُوي أن علماء اليهود قالوا للمشريكن سلوا محمد لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف عليه السلام
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا﴾ أي أنزلنا هذا الكتاب الذي فيه قصة يوسف عليه السلام في حال كونه قرآناً عربياً وسمي بعض القرآن قرآنا لأنه اسم جنس يقع على كله وبعضه ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكي تفهموا معانيه ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص﴾ نبين لك أحسن البيان والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها عن الزجاج وقيل القصص يكون مصدراً بمعنى الاقتصاص تقول قص الحديث يقصه قصصاً ويكون فعلاً بمعنى
يوسف (٣ _ ٦)
لما يتضمن من العبر والحكم والعجائب التي ليست في غيره والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه كما يقال فلان أعلم الناس أي في فنه واشتقاق القصص من قص أثره إذا تبعه لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئاً فشيئاً ﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ﴾ الضمير يرجع إلى ما أوحينا ﴿لَمِنَ الغافلين﴾ عنه إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية يعني وإن الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا إليك من الجاهلين به
﴿إِذْ قَالَ﴾ بدل اشتمال من أحسن القصص لأن الوقت مشتمل على القصص أو التقدير أذكر إذ قال ﴿يُوسُفَ﴾ اسم عبراني لا عربى إذ لو كان عريبا نصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف ﴿لأَبِيهِ﴾ يعقوب ﴿يا أبت﴾ أبتَ شامي وهي تاء تأنيث عوضت عن ياء الإضافة لتناسبهما لأن كل واحدة منهما زائدة فى آخر الإسم ولهذه قلبت هاء في الوقف وجاز إلحاق تاء الإضافة لتناسبهما لأن كل واحدة منهما زائدة فى آخر الإسم ولهذه قلبت هاء في الوقف وجاز إلحاق تاء التأنيث بالمذكر كما في رجل ربعة وكسرت التاء لتدل على الياء المحذوفة ومن فتح التاء فقد حذف الألف من يا أبتا واستبقى الفتحة قبلها كما فعل من حذف الياء في يا غلام ﴿إِنّى رَأَيْتُ﴾ من الرؤيا لا من الرؤية ﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ أسماؤها ببيان النبي عليه السلام جريان والذيال والطارق وقابس وعمودان والفليق والمصبح والصروح والفرغ
﴿قَالَ يَا بَنِي﴾ بالفتح حيث كان حفص ﴿لا تقصص رؤياك﴾ هي بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة وفرق بينهما بحرفى التأنيث كما في القربة والقربى ﴿على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ﴾ جواب النهي أي إن قصصتها عليهم كادوك عرف يعقوب عليه السلام أن الله يصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد الإخوة وإنما لم يقل فيكيدوك كما قال فيكيدونى لأنه ضمن معنى فعل يتعدى باللام ليفيد معنى فعل الكيد مع الفعل المضمن فيكون آكدوا أبلغ في التخويف وذلك نحو فيحتالوا لك ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر وهو ﴿كَيْدًا إِنَّ الشيطان للإنسان عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظاهر العداوة فيحملهم على الحسد والكيد
﴿وكذلك﴾ ومثل ذلك الاجتباء الذي دلت عليه رؤياك
يوسف (٦ _ ٩)
﴿يجتبيك ربك﴾ يصطفيك والاجتباء افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك وجبيت الماء في الحوض جمعته ﴿وَيُعَلّمُكَ﴾ كلام مبتدأ غير داخل في
﴿لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ﴾ أي في قصتهم وحديثهم ﴿آيات﴾ علامات ودلالات على قدرة الله وحكمته في كل شيء آية مكي ﴿لّلسَّائِلِينَ﴾ لمن سأل عن قصتهم وعرفها وآيات على نبوة محمد ﷺ للذين سألوه من اليهود عنها فأخبرهم من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب وأسماهم يهوذا وروبين وشمعون ولاوي وزبولون ويشجر وأمهم ليا بنت ليان ودان ونفتالى وجادو آشر من سريتين زلفة وبلهة فلما توفيت ليا تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف
﴿إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىَّ أَبِينَا مِنَّا﴾ اللام لام الابتداء وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابت لا شبهة فيه وإنما قالوا وأخوه وهم إخوته أيضاً لأن أمهما كانت واحدة وإنما قيل أحب في الاثنين لأن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه
﴿اقتلوا يُوسُفَ﴾ من جملة ما حكى بعد قوله إذ قالوا كأنهم اطبقوا
يوسف (٩ _ ١٤)
على ذلك إلا من قال لا تقتلوا يوسف وقيل الآمر بالقتل شمعون والبقاون كانوا راضين فجعلوا آمرين ﴿أَوِ اطرحوه أَرْضًا﴾ منكورة مجهولة بعيدة عن العمران وهو معنى تنكيرها وإخلائها عن الوصف ولهذا الإبهام نصبت نصب الظروف المبهمة ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها فكان ذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم لأن الرجل إذا أقبل على الشئ أقبل بوجهه وجاز أن يراد بالوجه الذات كما قال ويبقى وجه ربك ﴿وَتَكُونُواْ﴾ مجزوم عطفاً على يخل لكم ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد يوسف أي من بعد كفايته بالقتل أو التغريب أو من بعد قتله أو طرحه فيرجع الضمير إلى مصدر اقتلوا أو اطرحوا ﴿قَوْمًا صالحين﴾ تائبين إلى الله مما جنيتم عليه أو يصلح حالكم عند أبيكم
﴿قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ﴾ هو يهوذا وكان أحسنهم فيه رأياً ﴿لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ﴾ فإن القتل عظيم ﴿وألقوه في غيابة الجب يلتقطه﴾ في قعر البئر وما غاب منه عن عين الناظر غيابات وكذا ما بعده مدني ﴿يلتقطه بعض السيارة﴾ بعض الأقوام الذى يسيرون في الطريق ﴿إِن كُنتُمْ فاعلين﴾ به شيئا
﴿قالوا يا أبانا ما لك لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لناصحون﴾ أي لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونشفق عليه وأرادوا بذلك لما عزموا على كيد يوسف استنزاله عن رأيه وعادته في حفظه منهم وفيه دليل على أنه أحس منهم بما أوجب أن لا يأمنهم عليه
﴿أرسله معنا غدا يرتع﴾ نتسع في أكل الفواكه وغيرها والرتعة السعة ﴿ويلعب﴾ نتفرج بما يباح كالصيد والرمى والركض الياء فيهما مدني وكوفي وبالنون فيهما مكي وشامي وأبو عمرو وبكسر العين حجازي من ارتعى يرتعي افتعال من الرعي ﴿وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ من أن يناله مكروه
﴿قَالَ إِنّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ﴾ أي يحزنني ذهابكم به واللام لام الابتداء ﴿وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافلون﴾ اعتذر إليهم بأن ذهابهم به مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة وأنه يخاف عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم
﴿قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب﴾ اللام موطئة للقسم والقسم محذوف تقديره والله لئن أكله الذئب والواو في ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي فرقة مجتمعة مقتدرة على الدفع للحال ﴿إِنَّا إِذَا لخاسرون﴾ جواب للقسم مجزىء عن
يوسف (١٥ _ ١٨)
جزاء الشرط إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا إذا وخسرناها وأجابوا عن عذره الثاني دون الأول لأن ذلك كان يغيظهم
﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَابَةِ الجب﴾ أي عزموا على إلقائه في البئر وهي بئر على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام وجواب لما محذوف تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى فقد روي أنهم لما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وضربوه وكادوا يقتلونه فمنعهم يهوذا فلما أرادوا إلقائه في الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده فتعلق بحائط البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم فيحتالوا به على أبيهم ودلوه في البئر وكان فيها ماء فسقط فيه ثم اوى إلى صخر فقام عليها وهو يبكي وكان يهوذا يأتيه بالطعام ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف فأخرجه جبريل وألبسه إياه ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ قيل أوحي إليه في الصغر كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهما السلام وقيل كان إذ ذاك مدركاً ﴿لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا﴾ أي لتحدثن إخوتك بما فعلوا بك ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أنك يوسف لعلو شأنك وكبرياء سلطانك وذلك أنه حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف وأنكم ألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيه أكله الذئب وبعتموه بثمن بخس أو يتعلق وهم لا يشعرون بأوحينا أي آنسناه بالوحي وأزلنا عن قلبه الوحشة وهم لا يشعرون ذلك
﴿وجاؤوا أَبَاهُمْ عِشَاء﴾ للاستتار والتجسر على الاعتذار ﴿يَبْكُونَ﴾
﴿قَالُواْ يا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ أي نتسابق العدو أو في الرمي والافتعال والتفاعل يشتركان كالإرتماء والترامي وغير ذلك ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ متاعنا فَأَكَلَهُ الذئب وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا﴾ بمصدق لنا ﴿وَلَوْ كُنَّا صادقين﴾ ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سيء الظن بنا غير واثق بقولنا
﴿وجاؤوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ ذي كذب أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب ويعنه كما يقال للكذاب هو الكذب بعينه والزور بذاته روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخواالقميص بدمها وزل عنهم أن يمزقوه ورُوي أن يعقوب عليه السلام لم سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال اين القميص وأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال تالله
يوسف (١٨ _ ٢١)
ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه وقيل كان في قميص يوسف ثلاث آيات كان دليلاً ليعقوب على كذبهم وألقاه على وجهه فارتد بصيراً ودليلاً على براءة يوسف حين قد من دبره ومحل على قميصه النصب على الظرف كأنه قيل وجاءوا فوق قميصه بدم ﴿قَالَ﴾ يعقوب عليه السلام ﴿بل سولت﴾ زينت أوسهلت ﴿لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ عظيماً ارتكبتموه ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ خبر أو مبتدأ لكونه موصوفاً أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل وهو مالا شكوى فيه إلى الخلق ﴿والله المستعان﴾ أي استعينه ﴿على﴾ احتمال ﴿مَا تَصِفُونَ﴾ من هلاك يوسف والصبر على الرزء فيه
﴿وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ﴾ رفقة تسير من قبل مدين إلى مصر وذلك بعد ثلاثة
﴿وَشَرَوْهُ﴾ وباعوه ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ مبخوس ناقص عن القيمة نقصاناً ظاهراً أو زيف ﴿دراهم﴾ بدل من ثمن ﴿مَّعْدُودَةً﴾ قليلة تعد عداً ولا توزن لأنهم كانوايعدون ما دون الأربعين ويزنون الأربعين وما فوقها وكان عشرين درهما ﴿وكانوا فيه من الزاهدين﴾ ممن يرغب عما في يده فيبيعه بالثمن الطفيف أو معنى وشروه واشتروه يعني الرفقة من إخوته وكانوا فيه من الزاهدين أي غير راغبين لأنهم اعتقدوا أنه آبق ويُروى أن إخوته اتبعوهم وقالوا استوثقوا منه لا يأبق ليس من صلة الزاهدين أى فغير راغبين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول وإنما هو بيان كأنه قيل في أي شيء زهدوا فقال زهدوا فيه
﴿وَقَالَ الذى اشتراه مِن مّصْرَ﴾ هو قطفير وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر والملك يومئذ الريان بن الوليد وقد آمن
يوسف (٢١ _ ٢٣)
بيوسف ومات فى
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ منتهى استعداد قوته وهو ثمان عشرة سنة أو إحدى وعشرون ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ حكمة وهو العلم مع العمل واجتناب ما يجهل فيه أو تحكما بين الناس وفقهاً ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾ تنبيه على أنه كان محسناً في عمله متقياً في عنفوان أمره
﴿وَرَاوَدَتْهُ التى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ أي طلبت يوسف أن يواقعها والمراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب كأن المعنى خادعته عن
يوسف (٢٣ _ ٢٥)
حين قال لك اكرمى مثواى فما جزاؤه أن اخونه فى أهله ﴿إنه لا يفلح الظالمون﴾ الخائنون أو الزناة أو أراد بقوله إنه ربي الله تعالى لأنه مسبب الأسباب
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ هم عزم ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ هم الطباع مع الامتناع قاله الحسن وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله وهم بها هم خطرة ولا صنع للعبد فيمايخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه ولو كان همه كهمها لما مدحه الله تعالى بأنه من عباده المخلصين وقيل وهم بها وشارف أن يهم بها يقال هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه وجواب ﴿لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ﴾ محذوف أي لكان ماكان وقيل وهمّ بها جوابه ولا يصح لأن جواب لولا لا يتقدم عليها لأنه في حكم القسم وله صدر الكلام والبرهان الحجة ويجوز أن يكون وهم بها داخلاً في حكم القسم في قوله ولقد همت به ويجوز أن يكون خارجاً ومن حق القارىء إذا قدر خروجه من حكم القسم وجعله كلاماً برأسه أن يقف على به ويبتدىء بقوله وهم بها وفيه أيضاً إشعار بالفرق بين الهمين وفسرهم يوسف بأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهى مستلقية على فقاها وفسر
﴿واستبقا الباب﴾ وتسابقا إلى الباب هي للطلب وهو للهرب على حذف الجار وإيصال الفعل كقوله واختار موسى قومه أو عل تضمين استبقا معنى ابتدرا نفر منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج ووحد الباب وإن كان جمعه في قوله وغلقت الأبواب لأنه أراد الباب البراني الذي هو المخرج من الدار ولما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج
يوسف (٢٥ _ ٢٩)
خلفه فانقد أي انشق حين هرب منها إلى الباب وتبعته تمنعه ﴿وألفيا سيدها لدى الباب﴾ وصادفا بعلها قطفير مقبلاً يريد أن يدخل فلما رأته احتالت لتبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة ولتخويف يوسف طمعاً في أن يواطئها خيفة منها ومن مكرها حيث ﴿قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ما نافيه أي ليس جزاؤه إلا السجن أو عذاب أليم وهو الضرب بالسياط ولم تصرح بذلك يوسف وأنه أراد بها سوءا لأنها قصدت العموم أي كل من أراد بأهلك سوءاً فحقه أن يسجن أو يعذب لأن ذلك أبلغ فيما قصدت من تخويف يوسف ولما عرضته للسجن والعذاب ووجب عليه الدفع عن نفسه
﴿قال هي راودتني عن نفسي﴾ ولولا ذلك لكتم عليها ولم يفضحها ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا﴾ هو ابن عم لها وإنما ألقى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها لتكون أوجب للحجة عليها وأوثق لبرءاة يوسف وقيل كان ابن خال لها وكان صبياً في المهد وسمي قوله شهادة لأنه أدى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها ﴿إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكاذبين﴾
﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصادقين﴾ والتقدير وشهد شاهد فقال أن كان قميصه وانما دل قد قميصه من قبل على أنها صادقة لأنه يسرع خلفها ليلحقها فيعثر في مقادم قميصه فيشقه ولأنه يقبل عليها وهى تدفعه عن نفسها فيتخرق قميصه من قبل وأما تنكير قبل ودبر فمعناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر وإنما جمع
﴿فَلَماَّ رَأَى﴾ قطفير ﴿قَمِيصُهُ قد من دبر﴾ وعلم براءة يوسف عليه السلام وصدقه وكذبها ﴿قَالَ إِنَّهُ﴾ إن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً أو إن هذا الأمر وهو الاحتيال لنيل الرجال ﴿مِن كَيْدِكُنَّ﴾ الخطاب لها ولأمتها ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ لأنهن ألطف كيداً وأعظم حيلة وبذلك يغلبن الرجال والقصريات منهن معهن ماليس مع غيرهن من البوائق وعن بعض العلماء إني أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان لأن الله تعالى قال إِنَّ كيد الشيطان كان ضعيفا وقال لهن إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ
﴿يُوسُفَ﴾ حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله ﴿أَعْرِضْ عَنْ هذا﴾ الأمر واكتمه ولا تحدث به ثم قال لراعيل ﴿واستغفرى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين﴾
من جملة القوم المتعمدين للذنب يقال خطىء إذا أذنب متعمداً وإنما قال بلفظ التذكير تغليبا للذكور على الإناث وكان العزيز رجلاً حليماً قليل الغيرة حيث اقتصر على هذا القول
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾ جماعة من النساء وكن خمساً امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثها غير حقيقي ولذا لم يقل قالت وفيه لغتان كسر النون وضمها ﴿في المدينة﴾ فى مصر ﴿امرأة العزيز﴾ يردن قطفير والعزيز الملك بلسان العرب ﴿تُرَاوِدُ فتاها﴾ غلامها يقال فتاي وفتاتي أي غلامي وجاريتي ﴿عَن نَّفْسِهِ﴾ لتنال شهوتها منه ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبّا﴾ تمييز أي قد شغفها حبه يعنى حرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد والشغاف حجاب القلب أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب
﴿فلما سمعت﴾ راعيل ﴿بمكرهن﴾ باغتيابهن وقولهم امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعانى ومقتها وسما الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحال غيبة كما يخفي الماكر مكره وقيل كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ﴾ دعتهن قيل دعت أربعين امراة منهم الخمس المذكورات ﴿وَأَعْتَدَتْ﴾ وهيأت افتعلت من العتاد ﴿لهن متكأ﴾ ما يتكئن عليه من نمارق قصدت بتلك الهيئة وهى قعودهن متكأت والسكاكين في أيديهن أن يدهشن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيدهن على أيديهن فيقطعنها لأن المتكىء إذا بهت لشيء وقعت يده على يده ﴿وآتت كل واحدة منهن سكيناً﴾ وكانوا لا يأكلون في ذلك الزمان إلا بالسكاكين كفعل الأعاجم ﴿وَقَالَتِ اخرج عَلَيْهِنَّ﴾ بكسر التاء بصري وعاصم وحمزة وبضمها غيرهم ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائق والجمال الفائق وكان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه وقيل ورث الجمال من جدته سارة وقيل أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت إذ لا يقال النساء قد حضنه لأنه لا يتعدى إلى مفعول يقال أكبرت المراة إذا حاضت وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله... خف الله واستر ذا الجمال ببرقع... فإن لحت حاضت فى الخدور العواتق...
يوسف (٣١ _ ٣٣)
﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ وجرحنها كما تقول كنت أقطع اللحم فقطعت يدي تريد جرحتها أي أردن أن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فدهشن لما رأينه فخدشن أيديهن ﴿وَقُلْنَ حاش لِلَّهِ﴾ حاشا كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء تقول أساء القوم حاشا زيد وهي حرف من حروف الجر
﴿قَالَتْ فذلكن الذى لُمْتُنَّنِى فِيهِ﴾ تقول هو ذلك العبد الكنعانى الذى صورتن فى أنفسكهن ثم لمتنني فيه تعني إنكن لم تصوّرنه حق صورته والا لعذرتنى فى الافتنان به ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم﴾ والاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها وهذا بيان جلي على أن يوسف عليه السلام بريء مما فسر به أولئك الفريق الهم والبرهان ثم قلن له أطع مولاتك فقالت راعيل ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ ما آمره﴾ الضمير راجع إلى ما وهي موصولة والمعنى ما آمر به فحذف االجار كما في قوله أمرتك الخير أو ما مصدرية والضمير يرجع إلى يوسف أي ولئن لم يفعل أمرى إياه أى موجب احري ومقتضاه ﴿ليسجنن﴾ ليحبسن والألف فى ﴿وليكون﴾ بدل من نون التأكيد الخفيفة ﴿مِنَ الصاغرين﴾ مع السراق والسفاك والأباق كما سرق قلبي وأبق مني وسفك دمي بالفراق فلا يهنأ ليوسف الطعام والشراب والنوم هنالك كما منعني هنا كل ذلك ومن لم يرض بمثلي في الحرير على السرير امير احصل في الحصير على الحصير حسيراً فلما سمع يوسف تهديدها
﴿قَالَ رَبّ السجن أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إليه﴾ اسند الدعوة عليهن لأنهن قلن له ما عليك لو أجبت مولاتك أو افتتنت
فلما كان في قوله وإلا تصرف عني كيدهن معنى طلب الصرف
يوسف (٣٤ _ ٣٧)
والدعاء قال ﴿فاستجاب لَهُ رَبُّهُ﴾ أي أجاب الله دعاءه ﴿فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السميع﴾ لدعوات الملتجئين إليه ﴿العليم﴾ بحاله وحالهن
﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ﴾ فاعله مضمر لدلالة ما يفسره عليه وهو ليسجننه والمعنى بدا لهم بداء أي ظهر لهم رأي والضمير في لهم للعزيز وأهله ﴿من بعد ما رأوا الآيات﴾ وهى الشواهد على برءاته كقد القميص وقطع الأيدي وشهادة الصبي وغير ذلك ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ لإبداء عذر الحال وإرخاء الستر على القيل والقال وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها وكان مطواعاً لها وحميلاً ذلولا زمامه فى يدها وقد طمعت أن يذلله السجن ويسخره لها أو خافت عليه العيون وظنت فيه الظنون فألجأها الخجل من الناس والوجل من الباس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب لتشتفي بخبره إذا منعت من نظره ﴿حتى حِينٍ﴾ إلى زمان كأنها اقترحت أن يسجن زماناً حتى تبصر ما يكون منه
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانَ﴾ عبدان للملك خبازه وشرابيه بتهمة السم فأدخلا السجن ساعة أدخل يوسف لأن مع يدل على معنى الصحبة تقول خرجت مع الأمير تريد مصاحباً له فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا﴾ أي شرابيه ﴿إِنّى أَرَانِى﴾ أي في المنام
﴿قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ أي لبيان ماهيته وكيفيته لأن ذلك يشبه تفسير المشكل ﴿قبل أن يأتيكما﴾ لما استعبراه ووصفاه بالإحسان افترض ذلك فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالغيب وأنه ينبئهما بما يحمل اليهما من الطعام فى
يوسف (٣٧ _ ٤٠)
السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ويقول اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت فيكون كذلك وجعل ذلك تخلصاً إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ويقبح إليهما الشرك وفيه أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده وغرضه أن يقتبس منه لم يكن من باب التزكية ﴿ذلكما﴾ إشارة لهما إلى التأويل أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات ﴿مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى﴾ وأوحى به إلي ولم أقله عن تكهن وتنجم ﴿إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالأخرة هُمْ كافرون﴾ يجوز أن يكون
﴿واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب﴾ وهى الملة الحنيفية وتكريرهم للتوكيد وذكر الآباء ليريهما أنه من بيت النبوة بعد أن عرفهما أنه نبي يوحى إليه بما ذكر من إخباره بالغيوب ليقوي رغبتهما في اتباع قوله والمراد به ترك الابتداء لا أنه كان فيه ثم تركه ﴿ما كان لنا﴾ ماصح لنا معشر الأنبياء ﴿أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَىْء﴾ أي شيء كان صنماً أو غيره ثم قال ﴿ذلك﴾ التوحيد ﴿مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ فضل الله فيشركون به ولا ينتهون
﴿يا صاحبي السجن﴾ يا ساكني السجن كقوله ﴿أصحاب النار وأصحاب الجنة﴾ ﴿أأرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار﴾ يريد التفرق فى العدد والتكاثر أى أأن تكون أرباب شتى يستعبدكما هذا ويستعبدكما هذا خير لكما أم يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام
﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ خطاب لهما ولمن كان على دينهما من أهل مصر ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم﴾ أى سميتم مالا يستحق الألوهية آلهة ثم طفقتم تعبدونها فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء لا مسميات لها ومعنى سميتموها سميتم بها يقال سميته زيدا
الثابت الذي دلت عليه البراهين ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ وهذا يدل على أن العقوبة تلزم العبد وإن جهل إذا أمكن له العلم بطريقه
ثم عبر الرؤيا فقال ﴿يا صاحبي السجن أَمَّا أَحَدُكُمَا﴾ يريد الشرابي ﴿فَيَسْقِى رَبَّهُ﴾ سيده ﴿خَمْرًا﴾ أي يعود إلى عمله ﴿وَأَمَّا الآخر﴾ أي الخباز ﴿فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ﴾ روي أنه قال للأول ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده وأما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضي في السجن ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه وقال للثاني ما رأيت من السلال ثلاثة أيام ثم تخرج فتقتل ولما سمع الخباز صلبه قال ما رأيت شيئاً فقال يوسف ﴿قُضِىَ الأمر الذى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ أي قطع وتم ما تستفتيان فيه من أمركما وشأنكما أي ما يجر إليه من العاقبة وهي هلاك أحدهما ونجاة الآخر
﴿وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا﴾ الظان هو يوسف عليه السلام إن كان تأويله بطريق الاجتهاد وإن كان بطريق الوحي فالظان هو الشرابي أو يكون الظن بمعنى اليقين ﴿اذكرني عند ربك﴾ صفنى عند المك بصفتي وقص عليه قصتي لعله يرحمني ويخلصني من هذه الورطة ﴿فَأَنْسَاهُ الشيطان﴾ فأنسى الشرابي ﴿ذِكْرَ رَبّهِ﴾ أن يذكره لربه أو عند ربه أو فأنسى يوسف ذكر الله حين وكل أمره إلى غيره وفي الحديث رحم الله
﴿وَقَالَ الملك إِنّى أرى سَبْعَ بقرات سِمَانٍ يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات﴾ لما دنا فرج يوسف رأى الملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعاً أخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها وقيل كان ابتداء بلاء يوسف في الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضاً الرؤيا سمان جمع سمين وسمينة والعجاف المهازيل والعجف الهزال الذى ليس بعده سمانه والسبب
يوسف (٤٣ _ ٤٦)
في وقوع عجاف جمعاً لعجفاء وأفعل وفعلاء لا يجمعان على فعال حمله على نقيضه وهو سمان ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض وفي الآية دلالة على أن سنبلات اليابسة كانت سبعاً كالخضر لأن الكلام مبني على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السمان والعجاف والنسابل الخضر فوجب أن يتناول معنى الأخر السبع ويكون قوله وآخر يابسات بمعنى وسبعاً أخر ﴿يا أيها الملأ﴾ كأنه أراد الأعيان من العلماء والحكماء ﴿أَفْتُونِى فِى رؤياى إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ اللام في للرؤيا للبيان كقوله وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين أو لأن المفعول به إذا تقدم على الفعل لم يكن في قوته على العمل فيه مثله إذا تأخر عنه فعضد بها تقول عبرت الرؤيا وللرؤيا عبرت أو يكون للرؤيا خبر كان كقولك كان فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلاً به متمكنا منه وتعبرون خبر آخر
﴿قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ﴾ أي هي أضغاث أحلام أى تخاليطها وأباطيها وما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات وحزم من أنواع الحشيش الواحد ضغث فاستعيرت لذلك والإضافة بمعنى من أي أضغاث من أحلام وإنما جمع وهو حلم واحد تزايداً في وصف الحلم بالبطلان وجاز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا رؤيا غيرها ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بعالمين﴾ أرادوا بالأحلام المنامات الباطلة فقالوا ليس لها عندنا تأويل إنما التأويل للمنامات الصحيحة أو اعترفوا بقصور علمهم وأنهم ليسوا في تأويل الأحلام بخابرين
﴿وَقَالَ الذى نَجَا﴾ من القتل ﴿مِنْهُمَا﴾ من صاحبى السجن ﴿وادكر﴾ بالدال هو الفصح وأصله اذتكر فأبدلت الذال دالاً والتاء دالاً وأدغمت الاولى فى الثانية لتقارب الحرفين وعن الحسن واذكر ووجه أنه قلب التاء ذالاً وأدغم أي تذكر يوسف وماشاهد منه ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ بعد مدة طويلة وذلك أنه حين استفتى الملك في رؤياه وأعضل على الملك تأويله تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه إليه أن يذكره عند المك ﴿أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ﴾ أنا أخبركم به عمن عنده علمه ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ وبالياء يعقوب أي فابعثوني إليه لأسأله فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال
﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق﴾ أيها البليغ في الصدق وإنما قال له ذلك لأنه ذاق وتعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاءكما
يوسف (٤٦ _ ٥٠)
أوَّل
﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ﴾ هو خبر في معنى الأمر كقوله تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر وتجاهدون دليله قوله فذروه في سنبله وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في وجود المأمور به فيجعل كأنه موجود فهو يخبر عنه ﴿دأبا﴾ يسكون الهمزة وحفص يحركه وهما مصدرا دأب في العمل وهو حال من المأمورين أي دائبين ﴿فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ﴾ فِى سُنبُلِهِ كي لا يأكله السوس ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ في تلك السنين
﴿ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ يأكلن﴾ هو من إسناد المجاز جعل اكل أهلهن مسنداً إليهن ﴿مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ أي في السنين المخصبة ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تُحْصِنُونَ﴾ يحرزون وتخبئون
﴿ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ﴾ أي من بعد أربع عشرة سنة عام ﴿فِيهِ يُغَاثُ الناس﴾ من الغوث أي يجاب مستغيثهم أو من الغيث أى يمطرون يقال غثيت البلاد إذا مطرت ﴿وفيه يعصرون﴾ العنب الزيتون والسمسم فيتخذون الأشربة والأدهان تعصرون حمزة فأول البقرات السمان
﴿وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرسول﴾ ليخرجه من السجن ﴿قَالَ ارجع إلى رَبّكَ﴾ أي الملك ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة﴾ أي حال النسوة ﴿اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ إنما تثبت يوسف وتأنى في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر برءاة ساحته عما رمي به وسجن فيه لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ويجعلوه سلماً إلى حط منزلته لديه ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها وقال عليه السلام لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو
يوسف (٥٠ _ ٥٣)
كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرت الباب ولما ابتغيت العذر إن كان لحليماً ذا أناة ومن كرمه وحسن أدبه أنه لم يذكر سيدته مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب واقتصر على ذكر المقطعات أيديهن ﴿إِنَّ رَبّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ أي إن كيدهن عظيم لا يعلمه إلا الله وهو مجازيهن عليه فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة المقطعات أيديهن ودعا امرأة العزير ثم
﴿قَالَ﴾ لهن ﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾ ما شأنكن ﴿إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ﴾ هل وجدتن منه ميلاً إليكن {قُلْنَ
فقال يوسف ﴿ذلك﴾ أي امتناعي من الخروج والتثبت لظهور البرءاة ﴿ليعلم﴾ العزيز ﴿أني لم أخنه بالغيب﴾ بظهور الغيب فى حرمته وبالغيب حال ٨ من الفاعل أو المفعول على معنى وأنا غائب عنه أو وهو غائب عني أو ليعلم الملك أني لم أخن العزيز ﴿وَأَنَّ الله﴾ أي وليعلم أن الله ﴿لاَ يَهْدِى كَيْدَ الخائنين﴾ لا يسدده وكأنه تعريض بامرأته في خيانتها أمانة زوجها
ثم أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكياً وليبين أن ما فيه من الأمانة بتوفيق الله وعصمته فقال ﴿وما أبرئ نَفْسِى﴾ من الزلل وما أشهد لها بالبراءة الكلية ولا أزكيها في عموم الأحوال أو في هذه الحادثة لما ذكرنا من الهم الذى هو الخطرة البشرية لاعن طريق القصد والعزم ﴿إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء﴾ أراد الجنس أي إن هذا الجنس يأمر بالسوء ويحمل عليه لما فيه من الشهوات ﴿إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى﴾ إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة ويجوز أن يكون ما رحم في معنى الزمان أي إلا وقت رحمة ربي يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت العصمة أو هو استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة وقيل هو من كلام امرأة العزيز أي ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بالصدق فيما سئلت عنه وما أبرئ
يوسف (٥٣ _ ٥٦)
وأودعته السجن تريد الاعتذار مما كان منها إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إلا نفسا رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف ﴿إِنَّ رَبّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت وإنما جعل من كلام يوسف ولا دليل عليه ظاهر لأن المعنى يقود إليه وقيل هذا من تقديم القرآن وتأخيره أي قوله ذلك ليعلم متصل بقوله فأسأله مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن
﴿وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى﴾ أجعله خالصا لنفسى ﴿فلما كلمه﴾ وشاهد منه مالم يحتسب ﴿قَالَ﴾ الملك ليوسف ﴿إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ﴾ ذو مكانة ومنزلة أمين مؤتمن على كل شيء روي أن الرسول جاءه ومعه سبعون حاجباً وسبعون مركباً وبعث إليه لباس الملوك فقال أجب الملك فخرج من السجن ودعا لأهله اللهم عطّف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار فهم أعلم الناس بالأخبار في الواقعات وكتب على باب السجن هذه منازل البلواء وقبور الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جدد فلما دخل على الملك قال اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره ثم سلم عليه ودعاله بالعبرانية فقال ماهذا اللسان قال لسان آبائي وكان الملك يتكلم بسبيعن لساناً فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه وقال أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك قال رأيت بقرات فوصف لونهن وأحوالهن ومكان خروجهن ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التي رآها الملك وقال له من حقك أن تجمع الطعام
﴿قال! يوسف {اجعلني على خزائن الأرض﴾ ولى على خزائن أرضك يعني مصر ﴿إِنّى حَفِيظٌ﴾ أمين أحفظ ما تستحفظنيه ﴿عَلِيمٌ﴾ عالم بوجوه التصرف وصف نفسه بالأمانة والكفاية وهما طلبة الملوك ممن يولونه وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله وإقامة الحق وبسط العدل والتمكن مما لأجله بعث الأنبياء إلى العباد ولعلمه أن أحداً غيره لا يقوم مقامه في ذلك فطلبه ابتغاء وجه الله لا لحب الملك والدنيا وفي الحديث رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة قالوا وفيه دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عمالة من يد سلطان جائر وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة الظلمة وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق فله أن يستظهر به وقيل كان الملك يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه في كل ما رأى وكان في حكم التابع له
﴿وكذلك﴾ ومثل ذلك التمكين الظاهر ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الأرض﴾ أرض مصر وكانت أربعين فرسخاً في أربعين والتمكين الإقدار وإعطاء المكنة ﴿يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء﴾ أي كل مكان أراد أن يتخذه منزلاً لم يمنع منه لاستيلائه على جميعها ودخولها تحت سلطانه نشاء مكي ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا﴾
بعطائنا في الدنيا من الملك والغني وغيرهما من النعم ﴿من نشاء﴾ من اقتضيت الحكمة أن نشاء له ذلك ﴿وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ في الدنيا
﴿ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا﴾ يريد يوسف وغيره من المؤمنين إلى يوم القيامة ﴿وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ الشرك والفواحش قال سفيان بن عيينة المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة والفاجر يعجل له الخير في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق وتلا الآية روي أن الملك توج يوسف وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريراً من ذهب مكللا بالدر والياقوت فقال اما السرير فأشدبه ملكك وأما الخاتم فأدبر به أمرك وأما التاج فليس من لبساى ولا لباس آبائي فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوض الملك إليه أمره وعزل قطفير ثم مات بعد فزوجه الملك امرأته فلما دخل عليها قال أليس هذا خيراً مما طلبت فوجدها عذراء فولدت له ولدين أفراثيم وميشا وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر فى سنين القحط الطعام بالدراهم والدنانير في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها ثم بالحلي والجواهر في الثانية ثم بالدواب في الثالثة ثم بالعبيد والإماء في الرابعة ثم بالدور والعقار في الخامسة ثم بأولادهم في السادسة ثم برقابهم في السابعة حتى استرقهم جميعاً ثم أعتق أهل مصر عن آخرهم ورد عليهم أملاكهم وكان لا يبيع لأحد من الممتارين أكثر من حمل بعير وأصاب أرض كنعان نحو ما أصاب مصر فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا وذلك قوله
﴿وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ﴾ بلا تعريف ﴿وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ لتبدل الزي ولأنه كان من وراء الحجاب ولطول المدة وهو اربعون سنة روى أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم أخبروني من أنتم وما شأنكم قالوا نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا
﴿ولما جهزهم بجهازهم﴾ اعطى كل واحد منهم حمل بعير وقرئ بكسر الجيم شاذا ﴿قال ائتونى بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الكيل﴾ أتمه ﴿وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين﴾ كان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم رغبهم بهذا الكلام على الرجوع إليه
﴿فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عِندِى﴾ فلا أبيعكم طعاماً ﴿وَلاَ تَقْرَبُونِ﴾ أي فإن لم تأتوني به تحرموا ولا تقربوا فهو داخل في حكم الجزاء مجزوم معطوف على محل قوله فلا كيل لكم أو هو بمعنى النهي
﴿قَالُواْ سنراود عَنْهُ أَبَاهُ﴾ سنخادعه عنه ونحتال حتى
يوسف (٦١ _ ٦٥)
تنزعه من يده ﴿وَإِنَّا لفاعلون﴾ ذلك لا محالة لا نفرط فيه ولا نتوانى قال فدعوا بعضكم هنا فتركوا عنده شمعون وكان أحسنهم رأياً في يوسف
﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ﴾ كوفي غير أبي بكر لفتيته غيرهم وهما جمع فتى كإخوة وإخوان في أخ وفعلة للقلة وفعلان للكثرة أي لغلمانه الكيالين ﴿اجعلوا بضاعتهم فِى رِحَالِهِمْ﴾ أوعيتهم وكانت نعالاً أو أدما أو ورقا وهو أليق بالدس في الرحال ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا﴾ يعرفون حق ردها وحق التكرم بإعطاء البدلين ﴿إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ﴾ وفرغوا ظروفهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا أو ربما لا يجدون بضاعة بها يرجعون أو ما فيهم من الديانة يعيدهم لرد الأمانة أو لم ير من الكرم أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمناً
﴿فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ﴾ بالطعام وأخبروه بما فعل {قالوا يا أبانا مُنِعَ مِنَّا
﴿قَالَ هَلْ امَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ﴾ يعني أنكم قلتم فى يوسف أرسله معنا غذا يرتع ويلعب وأنا له لحافظون كما تقولونه في أخيه ثم خنتم بضمانكم فما يأمنني من مثل ذلك ثم قال ﴿فالله خَيْرٌ حافظا﴾ كوفي غير أبي بكر فتوكل على الله فيه ودفعه إليهم وهو حال أو تمييز ومن قرأ حِفظا فهو تمييز لا غير ﴿وهو أرحم الراحمين﴾ فأرجو أن ينعم عليّ بحفظه ولا يجمع عليّ مصيبتين قال كعب لما قال فالله خير حفظاً قال الله تعالى وعزتي وجلالي لأردن عليك كليهما
﴿وَلَمَّا فَتَحُواْ متاعهم وَجَدُواْ بضاعتهم رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالوا يا أبانا مَا نَبْغِى﴾ ما للنفي أي ما نبغي فى القول ولا نتجاوز الحق أو ما نبغي شيئاً وراء ما فعل بنا من الإحسان أو ما نريد منك بضاعة أخرى أو للاستفهام أيْ أيّ شيء نطلب وراء هذا ﴿هذه بضاعتنا رُدَّتْ إِلَيْنَا﴾ جملة مستأنفة موضحة لقوله ما نبغي والجمل بعدها معطوفة عليها أي أن بضاعتنا ردت إلينا فنستظهر بها ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾ في رجوعنا إلى الملك أي نجلب لهم ميرة وهي طعام يحمل من غير بلدك ﴿وَنَحْفَظُ أَخَانَا﴾ في ذهابنا ومجيئنا فما يصيبه شيء مما تخافه ﴿وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ﴾ نزداد وسق
يوسف (٦٥ _ ٦٨)
باستصحاب أخينا ﴿ذلك كَيْلٌ يَسِيرٌ﴾ سهل عليه متيسر لا يتعاظمه
﴿قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حتى تُؤْتُونِ﴾ وبالياء مكي ﴿مَوْثِقًا﴾ عهداً ﴿مِنَ الله﴾ والمعنى حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله أي أراد أن يحلفوا له بالله وإنما جعل الحلف بالله موثقاً منه لأن الحلف به مما يؤكد به العهود وقد أذن الله في ذلك فهو إذن منه ﴿لَتَأْتُنَّنِى بِهِ﴾ جواب اليمين لأن المعنى حتى تحلفوا لتأتنني به ﴿إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ﴾ إلا أن تغلبوا فلم تطيقوا الإتيان به فهو مفعول له والكلام المثبت وهو قوله ﴿لتأتنني به﴾ فى تأويل النفى فلا بد من تأويله بالنفى أى لا تمتنعوا من الاتيان إلا للاحاطة بكم يعنى لاتمنعوا منه لعلة من العلل إلا لعلة واحدة وهي أن يحاط بكم فهو استثناء من أعم العام في المفعول له والاستثناء من أعم العام لا يكون لا في النفي فلا بد من تأويله بالنفي ﴿فلما آتوه مَوْثِقَهُمْ﴾ قيل حلفوا بالله رب محمد عليه السلام ﴿قَالَ﴾ بعضهم يسكت عليه لأن المعنى قال يعقوب ﴿الله على مَا نَقُولُ﴾ من طلب الموثق وإعطائه ﴿وَكِيلٌ﴾ رقيب مطلع غير أن السكتة تفصل بين القول والمقول وذا لا يجوز فالأولى أن يفرق بينهما بالصوت فيقصد بقوة النغمة اسم الله
﴿وَقَالَ يا بَنِى لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرّقَةٍ﴾ الجمهور على أنه خاف عليهم العين لحمالهم وجلالة أمرهم ولم يأمرهم بالتفرق في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين في الكرة الأولى فالعين حق عندنا ووجه بأن يحدث الله تعالى عند النظر إلى الشيء والاعجاب به نقصانا فيه وخللا وكان النبى ﷺ يعوذ الحسن والحسين رضى الله عنهما فيقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل هامة ومن كل عين لامة وأنكر الجبائي العين وهو
﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم﴾ أي متفرقين ﴿مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُمْ﴾ دخولهم من أبواب متفرقة ﴿مّنَ الله مِن شَىْء﴾ أي شيئا قط حيث أصابهم ماساءهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك وأخذ أخيهم بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على أبيهم ﴿إلا حاجة﴾
يوسف (٦٨ _ ٧٣)
استثناء منقطع أي ولكن حاجة ﴿فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾ وهي شفقته عليهم ﴿وَإِنَّهُ لَذُو علم﴾ يعنى قوله ما اعنى عنكم وعلمه بأن القدر لا يغني عنه الحذر ﴿لّمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ لتعليمنا إياه ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك
﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ اوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾ ضم إليه بنيامين وروي أنهم قالوا له هذا أخونا قد جئناك به فقال لهم أحسنتم فأنزلهم وأكرمهم ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه فقال يوسف بقي أخوكم وحيداً فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله وقال له أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال ومن يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وعانقه ثم ﴿قَالَ﴾ له ﴿إِنّى أَنَاْ أَخُوكَ﴾
﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ هيأ أسبابهم وأوفى الكيل لهم ﴿جَعَلَ السقاية فِى رَحْلِ أَخِيهِ﴾ السقاية هي مشربة يُسقى بها وهي الصواع قيل كان يسقي بها الملك ثم جعلت صاعاً يكال به لعزة الطعام وكان يشبه الطاس من فضة أو ذهب ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ﴾ ثم نادى مناد آذنه أي أعلمه وأذن أكثر الأعلام ومنه المؤذن لكثرة ذلك منه روى انهم ارتحلوا وأمهلهم يوسف عليه السلام حتى انطلقوا ثم أمر بهم فأدركوا وحبسوا ثم قيل لهم ﴿أَيَّتُهَا العير﴾ هي الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تذهب وتجيء والمراد أصحاب العير ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ كناية عن سرقتهم إياه من أبيه
﴿قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك﴾ هو الصاع ﴿وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾ يقوله المؤذن يريد وأنا بحمل البعير كفيل أؤديه إلى من جاء به وأراد وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله
﴿قَالُواْ تالله﴾ قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم ﴿لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِى الأرض﴾ استشهدوا بعلمهم لما ثبت عندهم من دلائل دينهم وأمانتهم حيث
يوسف (٧٣ _ ٧٧)
دخلوا وأفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعاً أو طعاماً لأحد من أهل السوق ولأنهم ردوا بضاعتهم التي وجدها في رحالهم {وَمَا
﴿قَالُواْ فَمَا جَزَاؤُهُ﴾ الضمير للصواع أي فما جزاء سرقته ﴿إِن كُنتُمْ كاذبين﴾ في جحودكم وادعاؤكم البراءة منه
﴿قَالُواْ جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ فِى رَحْلِهِ﴾ أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله وكان حكم السارق في آل يعقوب أن يسترق سنة فلذلك استفتوا في جزائه وقولهم ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ تقرير للحكم أي فأخذ السارق نفسه هو جزاؤه لا غير أو جزاؤه مبتدأ والجملة الشرطية كما هي خبره ﴿كذلك نَجْزِى الظالمين﴾ أي السراق بالاسترقاق
﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ﴾ فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة حتى بلغ وعاءه فقال ما أظن هذا أخذ شيئاً فقالوا والله لا نتركه حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا ﴿ثُمَّ استخرجها﴾ أي الصواع ﴿مِن وِعَاء أَخِيهِ﴾ ذكر ضمير الصواع مرات ثم أنثه لأن التأنيث يرجع إلى السقاية أو لأن الصواع يذكر ويؤنث الكاف في ﴿كذلك﴾ في محل النصب أي مثل ذلك الكيد العظيم ﴿كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ يعني علمناه إياه ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الملك﴾ تفسير للكيد وبيان له لأن الحكم في دين الملك أي في سيرته للسارق أن يغرم مثلي ما أخذ لا أن يستبعد ﴿إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ أي ما كان ليأخذه إلا بمشيئة الله وإرادته فيه ﴿نَرْفَعُ درجات﴾ بالتنوين كوفي ﴿مَّن نَّشَاء﴾ أي في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه ﴿وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ فوقه أرفع درجة منه في علمه أو فوق العلماء كلهم عليم هم دونه في العلم وهو الله عز وجل
﴿قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَه مِن قَبْلُ﴾ أرادوا يوسف قيل دخل كنيسة فأخذ تمثالاً صغيراً من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه وقيل كان في المنزل دجاجة فأعطاها السائل وقيل كانت منطقة لإبراهيم عليه السلام يتوارثها أكابر ولده فورثها اسحق ثم وقعت إلى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهي عمته بعد وفاة أمه وكانت لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب أن ينزعه منها فعمدت إلى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقال فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها فوجدوها محزومة على يوسف فقالت إنه لي سَلَم أفعل به ما شئت فخلاه يعقوب عندها حتى ماتت وروي أنهم لما استخرجوا الصاع من رحل بنيامين نكس اخوته رءوسهم حياء وأقبلوا عليه وقالوا له فضحتنا وسودت وجوهنا يا بنى راحيل ما يزال
يوسف (٧٨ _ ٨٠)
لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصاع فقال بنو راحيل الذين لا يزال منكم عليهم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم ﴿فَأَسَرَّهَا﴾ أي مقالتهم إنه سرق كأنه لم يسمعها ﴿يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ تمييز أي أنتم شر منزلة في السرق لأنكم سرقتم أخاكم يوسف من أبيه ﴿والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ﴾ تقولون أو تكذبون
﴿قَالُواْ يا أَيُّهَا العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا﴾ في السن وفي القدر ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ أبدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد فإن أباه يتسلى به عن أخيه المفقود ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ إِلينا فأتمم إحسانك أو من عادتك الإحسان فاجر على عادتك ولا تغيرها
﴿قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ﴾ أي نعوذ بالله معاذاً
﴿فَلَمَّا استيأسوا﴾ يئسوا وزيادة السين والتاء للمبالغة كما مر في استعصم ﴿مِنْهُ﴾ من يوسف وإجابته إياهم ﴿خَلَصُواْ﴾ انفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم ﴿نَجِيّاً﴾ ذوي نجوى أو فوجاً نجيا أي مناجياً لمناجاة بعضهم بعضاً أو تمحضوا تناجيا لاستجماعهم لذلك وإفاضتهم فيه بجد واهتمام كأنهم في أنفسهم صورة التناجي وحقيقته فالنجيُّ يكون بمعنى المناجي كالسمير بمعنى المسامر وبمعنى المصدر الذي هو التناجي وكان تناجيهم في تدير أمرهم على أي صفة يذهبون وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم ﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ﴾ في السن وهو روبين أو في العقل والرأي وهو يهوذا أو رئيسهم وهو شمعون ﴿أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقًا مّنَ الله وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِى يُوسُفَ﴾ ما صلة أي ومن قبل هذا قصرتم في شأن يوسف ولم تحفظوا عهد أبيكم أو مصدرية ومحل المصدر الرفع على الابتداء وخبره الظرف وهو من قبل ومعناه وقع من قبل تفريطكم في يوسف ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض﴾ فلن أفارق أرض مصر ﴿حتى يَأْذَنَ لِى أَبِى﴾ في الانصراف إليه ﴿أَوْ يَحْكُمَ الله لِى﴾ بالخروج منها أو بالموت أو
يوسف (٨٠ _ ٨٤)
بقتالهم ﴿وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين﴾ لأنه لا يحكم إلا بالعدل
﴿ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يا أَبَانَا إِنَّ ابنك سَرَقَ﴾ وقرىء سرِّق أي نسب إلى السرقة ﴿وَمَا شَهِدْنَا﴾ عليه بالسرقة ﴿إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ من سرقته
﴿واسأل القرية التى كُنَّا فِيهَا﴾ يعني مصر أي أرسل إلى أهلها فاسألهم عن كنه القصة ﴿والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ وأصحاب العير وكانوا قوماً من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام ﴿وِإِنَّا لصادقون﴾ في قولنا فرجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم
﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ أردتموه وإلا فمن أدرى ذلك الرجل أن السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا﴾ بيوسف وأخيه وكبيرهم ﴿إِنَّهُ هُوَ العليم﴾ بحالي في الحزن والأسف ﴿الحكيم﴾ الذي لم يبتلني بذلك إلا لحكمة
﴿وتولى عنهم﴾ واعرض عنهم كراهة لما جاءوا به ﴿وقال يا أسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ أضاف الأسف وهو أشد الحزن والحسرة إلى نفسه والألف بدل من ياء الإضافة والتجانس بين الأسف ويوسف غير متكلف ونحوه اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم وهم ينهون عنه وينأون عنه وتحسبون انهم يحسنون صنعا من سبأ بنبأ وإنما تأسف على يوسف دون أخيه وكبيرهم لتمادي أسفه على يوسف دون الآخرين وفيه دليل على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضاً عنده طرياً ﴿وابيضت عَيْنَاهُ﴾ إذ أكثر الاستعبار ومحقت العبرة سواد العين وقلبته لى بياض كدر وقيل قد عمي بصره وقيل يدرك إدراكاً ضعيفاً ﴿مِنَ الحزن﴾ لأن الحزن سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب ويجوز للنبي عليه السلام
يوسف (٨٥ _ ٨٨)
أولاده ولا يظهر ما يسوءهم فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله إِذْ نادى وهو مكظوم من كظم السقاء إذا شده على ملئه
﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ﴾ أي لا تفتأ فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس إذ لو كان إثباتاً لم يكن بد من اللام والنون ومعنى لا تفتأ لا تزال ﴿تَذْكُرُ يُوسُفَ حتى تَكُونَ حَرَضاً﴾ مشفياً على الهلاك مرضاً ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾
﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى الله﴾ البث أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس أي ينشره أي لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم إنما اشكوا إلى ربي داعياً له وملتجئاً إليه فخلوني وشكاتي وروي أنه أوحى إلى يعقوب إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فوقفت بباكم مسكين فلم تطعموه وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاماً وادع عليه المساكين وقيل اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وأعلم من رحمته أنه يأيتني بالفرج من حيث لا أحتسب وروي أنه رأى ملك الموت في منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال لا والله هو حي فاطلبه وعلمه هذا الدعاء ياذا المعروف الدائم الذي لا ينقطع معروفه أبداً ولا يحصيه غيرك فرج عنى
﴿يا بني اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما وهو تفعل من الإحساس وهو المعرفة ﴿ولا تيأسوا مِن رَّوْحِ الله﴾ ولا تقنطوا من رحمة الله وفرجه ﴿إِنَّهُ﴾ إن الأمر والشأن ﴿لاَ ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾ لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته وأما الكافر فلا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في نعمته فييأس من رحمته فخرجوا من عند أبيهم راجعين إلى مصر
﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ﴾ على يوسف ﴿قَالُواْ يا أَيُّهَا العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر﴾ الهزال من الشدة والجوع ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ﴾ مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً لها من أزجيته إذا دفعته وطردته قيل كانت دراهم زيوفاً لا تؤخذ إلا بوضيعة وقيل كانت صوفاً وسمناً ﴿فَأَوْفِ لَنَا الكيل﴾ الذي هو حقنا ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أو زدنا على حقنا أو هب لنا أخانا ﴿إن الله يجزي المتصدقين﴾
يوسف (٨٩ _ ٩٢)
لما قالوا مسنا وأهلنا الضر وتضرعوا إليه وطلبوا منه أن يتصدق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرفهم نفسه حيث قال
﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ﴾ أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف ﴿وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جاهلون﴾ لا تعلمون قبحه أو إذ أنتم في حد السفه والطيش وفعلهم يأخيه تعرضهم إياه للغم بإفراده عن أخيه لأبيه وأمه وإيذاؤهم له بانواع الاذى
﴿قالوا أئنك﴾ بهمزتين كوفي وشامي ﴿لأَنتَ يُوسُفُ﴾ اللام لام الابتداء وأنت مبتدأ ويوسف خبره والجملة خبر إن ﴿قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِى﴾ وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر
﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ اثَرَكَ الله عَلَيْنَا﴾ اختارك وفضلك علينا بالعلم والحلم والتقوى والصبر والحسن ﴿وَإِن كُنَّا لخاطئين﴾ وإن شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للإثم لم نتق ولم نصبر لا جرم أن الله أعزك بالملك وأذلنا بالتمسكن بين يديك
﴿قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ﴾ لا تعيير عليكم ﴿اليوم﴾ متعلق بالتثريب أو بيغفر والمعنى لا أثر بكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام ثم ابتدأ فقال ﴿يَغْفِرَ الله لَكُمْ﴾ فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم يقال غفر الله لك ويغفر لك على لفظ الماضي والمضارع أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل غفران الله وروي أن رسول الله ﷺ أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش ما ترونني فاعلاً بكم قالوا نظن خيراً أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت فقال أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم ورُوي أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس إذا أتيت رسول الله فاتلُ عليه قال لا تثريب عليكم اليوم ففعل فقال رسول الله ﷺ غفر الله لك ولمن علمك ويُروى
يوسف (٩٢ _ ٩٨)
أنى من حفدة ابراهيم ﴿وهو أرحم الراحمين﴾ أي إذا رحمتكم وأنا الفقير القتور فما ظنكم بالغني الغفور
ثم سألهم عن حال أبيه فقالوا إنه عمي من كثرة البكاء قال ﴿اذهبوا بِقَمِيصِى هذا﴾ قيل هو القميص المتوارث الذي كان في تعويذ يوسف وكان من الجنة أمره جبريل أن يرسله إليه فإن فيه ريح الجنه لا يفع على مبتلي ولا سقيم إلا عوفي ﴿فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا﴾ يصر بصيراً تقول جاء البناء محكماً أي صار أو يأت إلى وهو بصير قال يهوذا أما أحمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء وقيل حمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخاً ﴿وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ لينعموا بآثار ملكي كما اغتموا بأخبار هلكى
﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ العير﴾ خرجت من عريش مصر يقال فصل من البلد فصولاً إذا انفصل منه وجاوز حيطانه ﴿قَالَ أَبُوهُمْ﴾ لولد ولده ومن حوله من قومه ﴿إِنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ أوجده الله ريح القميص حين أقبل من مسيرة ثمانية أيام ﴿لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ﴾ التفنيد النسبة إلى الفند وهو الحزن وإنكار العقل من هرم يقال شيخ مفند والمعنى لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني
﴿قَالُواْ﴾ أي أسباطه ﴿تالله إِنَّكَ لَفِى ضلالك القديم﴾ لفي ذهابك
﴿فَلَمَّا أَن جَاء البشير﴾ أي يهوذا ﴿أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ﴾ طرح البشير القميص على وجه يعقوب أو ألفاه يعقوب ﴿فارتد﴾ فرجع ﴿بصيرا﴾ يقال رده فارتده وارتده إذا ارتجعه ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ﴾ يعني قوله إني لأجد ريح يوسف أو قوله ولا تيأسوا من روح الله وقوله ﴿إِنّى أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ كلام مبتدأ لم يقع عليه القول أو وقع عليه والمراد قوله إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ورُوي أنه سأل البشير كيف يوسف قال هو ملك مصر فقال ما أصنع بالملك على أي دين تركته قال على دين الإسلام قال الآن تمت النعمة
﴿قالوا يا أبانا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خاطئين﴾ أي سل الله مغفرة ما ارتكبنا في حقك وحق ابنك إنا تبنا واعترفنا بخطايانا
﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم﴾ اخر الاستغفار
يوسف (٩٩ _ ١٠٠)
إلى وقت السحر أو إلى ليلة الجمعة أو ليتعرف حالهم في صدق التوبة أو إلى أن يسأل يوسف هل عفا عنهم ثم إن يوسف وجه إلى أبيه جهازاً ومائتي راحلة ليتجهز إليه بمن معه فلما بلغ قريباً من مصر خرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو يمشي يتوكأ على يهوذا
﴿فلما دخلوا على يوسف آوى إِلَيْهِ﴾ ضم إليه ﴿أَبَوَيْهِ﴾ واعتنقهما قيل كانت أمه باقية وقيل ماتت وتزوج أبوه خالته والخالة أم كما أن العم أب ومنه قوله وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق ومعنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر أنه حين استقبلهم أنزلهم في مضرب خيمة
﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا﴾ قيل لما دخلوا مصر وجلسوا في مجلسه مستوياً على سريره واجتمعوا إليه أكرم أبويه فرفعهما على السرير وخروا له يعنى الإخوة الأحد عشرة والأبوين سجداً وكانت السجدة عندهم جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد وقال الزجاج سنة التعظيم في ذلك الوقت أن يسجد للمعظم وقيل ما كانت الا انحناءة دون تعفير الجباه وخرورهم سجداً يأباه وقيل وخروا لأجل يوسف سجداً لله شكراً وفيه نبوة أيضا واختلف في استنبائهم ﴿وقال يا أبت هذا تَأْوِيلُ رؤياى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا﴾ أي الرؤيا ﴿رَبّي حَقّاً﴾ أي صادقة وكان بين الرؤيا وبين التأويل اربعون سنة أو ثمانون أو ست وثلاثون أو اثنتان وعشرون ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بَى﴾ يقال أحسن إليه وبه كذلك أساء إليه وبه ﴿إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السجن﴾ ولم يذكر الجب لقوله لا تثريب عليكم اليوم ﴿وَجَاء بِكُمْ مّنَ البدو﴾ من البادية لأنهم كانوا أصحاب مواشٍ ينتقلون في المياه والمناجع ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى﴾ أي أفسد بيننا
يوسف (١٠٠ _ ١٠٢)
لما يشاء
أي لطيف التدبير {إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ بتأخير الآمال إلى الآجال أو حكم بالائتلاف بعد الاختلاف
﴿رَبّ قَدْ اتَيْتَنِى مِنَ الملك﴾ ملك مصر ﴿وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ تفسير كتب الله أو تعبير الرؤيا ومن فيهما للتبعيض إذ لم يؤت إلا بعض ملك الدنيا وبعض التأويل ﴿فَاطِرَ السماوات والأرض﴾ انتصابه على النداء ﴿أَنتَ وَلِيِّي فِى الدنيا والآخرة﴾ أنت الذي تتولاني بالنعمة في الدارين وبوصل الملك الفاني بالملك الباقي ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا﴾ طلب الوفاة على حال الإسلام كقول يعقوب لولده ولا تموتن الا وأنتم مسلمون وعن الضحاك مخلصاً وعن التستري مسلِّماً إليك أمري وفي عصمة الأنبياء إنما دعا به يوسف ليقتدي به قومه ومن بعده ممن ليس بمأمون العاقبة لأن ظواهر الأنبياء لنظر الأمم إليهم ﴿وَأَلْحِقْنِى بالصالحين﴾ من آبائي أو على العموم وروى أن يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الذهب والفضة وخزائن الثياب وخزائن السلاح حتى أدخله خزانة القراطيس قال يا بني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلي على ثمان مراحل فقال امرنى جبريل قال أوما تسأله قال أنت أبسط إليه مني فاسأله فقال جبريل الله أمرني بذلك لقولك وأخاف أن يأكله الذئب فهلا خفتني ورُوي أن يعقوب أقام معه أربعاً وعشرين سنة ثم مات وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحاق فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثة وعشرين سنة فلما تم أمره طلبت نفسه الملك الدائم فتمنى الموت وقيل ما تمناه نبي قبله ولا بعد فتوفاه الله طيباً طاهراً فتخاصم أهل مصر وتشاحنوا في دفنه كلٌ يحب أن يدفن في محلتهم حتى هموا بالقتال فرأوا أن يعملوا له صندوقاً من مرمر
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما سبق من نبأ يوسف والخطاب لرسول الله ﷺ وهو مبتدأ ﴿مِنْ أَنبَاء الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ خبران ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ﴾ لدى بني يعقوب ﴿إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ﴾ عزموا على ما هموا به من إلقاء يوسف في البئر ﴿وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ بيوسف ويبغون له الغوائل والمعنى أن هذا النبأ غيب لم يحصل لك إلا من جهة الوحي لأنك لم تحضر بني يعقوب حين اتفقوا على إلقاء أخيهم في البئر
﴿وَمَا أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾
أراد العموم أو أهل مكة أي وما هم بمؤمنين ولواجتهدت كل الاجتهاد على إيمانهم
﴿وما تسألهم عليه﴾ عن التبليغ أو على القرآن ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ جعل ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ﴾ ما هو إلا عظة من الله ﴿للعالمين﴾ وحث على طلب النجاة على لسان رسول من رسله
﴿وكأين من آية﴾ من علامة ودلالة على الخالق وعلى صفاته وتوحيده ﴿فِى السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ على الآيات أو على الأرض ويشاهدونها ﴿وَهُمْ عَنْهَا﴾ عن الآيات ﴿معرضون﴾ لا يعتبرون بها المراد ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ أي وما يؤمن أكثرهم في
﴿أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ﴾ عقوبة تغشاهم وتشملهم ﴿مّنْ عَذَابِ الله أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة﴾ القيامة ﴿بَغْتَةً﴾ حال أي فجأة ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ باتيانها
﴿قُلْ هذه سَبِيلِى﴾ هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد سبيلي والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان ثم فسر سبيله بقوله ﴿أدعو إلى الله على بَصِيرَةٍ﴾ أي أدعو إلى دينه مع حجة واضحة غير عمياء ﴿أَنَاْ﴾ تأكيد للمستتر في أدعو ﴿وَمَنِ اتبعنى﴾ عطف عليه أي أدعو إلى سبيل الله أنا ويدعو إليه من اتبعني أو أنا مبتدأ وعلى بصيرة خبر مقدم ومن اتبعني عطف على أنا يخبر ابتداء بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان لا على هوى ﴿وسبحان الله﴾ وأنزهه عن الشركاء ﴿وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين﴾ مع الله غيره
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً﴾ لا ملائكة لأنهم كانوا يقولون لو شاء ربنا لأنزل ملائكة أو ليست فيهم امرأة ﴿نُوحِى﴾ بالنون حفص ﴿إِلَيْهِمْ مّنْ أَهْلِ القرى﴾ لأنهم أعلم وأحلم وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة﴾
الآخرة أي ولدار الساعة الآخرة ﴿خَيْرٌ لّلَّذِينَ اتقوا﴾ الشرك وآمنوا به ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ وبالياء مكي وأبو عمرو وحمزة وعلي
﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ يئسوا من إيمان القوم ﴿وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قد كذَّبوا﴾ وأيقن الرسل أن قومهم كذبوهم وبالتخفيف كوفي أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا أي أخلفوا أو وظن المرسل إليهم أنهم كذبوا من جهة الرسل أي كذبتهم الرسل في انهم ينصرون عليهم ولم يصدقوهم فيه ﴿جَاءهُمْ نَصْرُنَا﴾ للأنبياء والمؤمنين بهم فجأة من غير احتساب ﴿فَنُجّىَ﴾ بنونٍ واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء شامي وعاصم على لفظ الماضي المبني للمفعول والقائم مقام الفاعل من الباقون فنجى بنونين ثانيتهما ساكنة مخفاة للجيم بعدها وإسكان الياء ﴿مَّن نَّشَاء﴾ أي النبي ومن آمن به ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿عَنِ القوم المجرمين﴾ الكافرين
﴿لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ﴾ أي في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وإخوته ﴿عِبْرَةٌ لأَوْلِى الألباب﴾ حيث نقل من غاية الحب إلى غيابة الجب ومن الحصير إلى السرير فصارت عاقبة الصبر سلامة وكرامة ونهاية المكر وخامة وندامة ﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى﴾ ما كان القرآن حديثاً مفترى كما زعم الكفار ﴿ولكن تَصْدِيقَ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ولكن تصديق الكتب التي تقدمته ﴿وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء﴾ يحتاج إليه في الدين لأنه القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس ﴿وهدى﴾ من الضلال ﴿وَرَحْمَةً﴾ من العذاب ﴿لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بالله وأنبيائه وما نصب بعد لكن معطوف على خبر كان
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعد (١ _ ٣)