تفسير سورة يس

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة يس من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة يس مكية، عدد آياتها ثلاث وثمانون آية كوفية

﴿ يسۤ ﴾ [آية: ١] يعنى عز وجل النبى صلى الله عليه وسلم يقول: يا إنسان بلغة طىء، ويس قلب القرآن من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات، ومن قرآها ابتغاء وجه الله عز وجل ليلاً غفر الله ذنوبه تلك الليلة، ومن قرأها بالنهار، فله مثل ذلك، وذلك أن أبى بن خلف الجمحى قال للنبى صلى الله عليه وسلم: ما أرسل الله إلينا رسولاً، وما أنت برسول وتابعه كفار مكة على ذلك فأقسم الله عز وجل بالقرآن الحكيم يعنى المحكم من الباطل.﴿ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [آية: ٢] ﴿ إِنَّكَ ﴾ يا محمد ﴿ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٣] ﴿ عَلَىٰ صِرَاطٍ ﴾ على طريق ﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٤] دين الإسلام لأن غير دين الإسلام ليس بمستقيم. ثم قال: هذا القرآن هو ﴿ تَنزِيلَ ﴾ من ﴿ ٱلْعَزِيزِ ﴾ فى ملكه ﴿ ٱلرَّحِيمِ ﴾ [آية: ٥] بخلقه.
﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾ بما فى القرآن من الوعيد ﴿ مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ ﴾ الأولون ﴿ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ [آية: ٦]﴿ لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ ﴾ لقوله لإبليس:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[ص: ٨٥] لقد حق القول لقد وجب العذاب على أكثر أهل مكة ﴿ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ [آية: ٧] لا يصدقون بالقرآن.﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴾ [آية: ٨] وذلك أن أبا جهل بن هشام حلف لئن رأى النبى صلى الله عليه وسلم ليدمغنه، فأتاه أبو جهل وهو يصلى ومعه الحجر فرفع الحجر ليدفع النبى صلى الله عليه وسلم فيبست يده والتصق الحجر بيده فلما رجع إلى أصحابه خلصوا يده فسألوه فأخبرهم بأمر الحجر، فقال رجل آخر من بنى المغيرة المخزومى: أنا قتله، فأخذ الحجر، فلما دنا من النبى صلى الله عليه وسلم طمس الله عز وجل على بصره فلم ير النبى صلى الله عليه وسلم وسمع قراءته فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه. فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ﴾ حين لم يروا النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ٩] حين لم ير أصحابه فسألوه ما صنعت، فقال: لقد سمعت قراءته وما رأيته. فأنزل الله عز وجل فى أبى جهل: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ ﴾ يعنى بالأذقان الحنك فوق الغلصمة، يقول رددنا أيديهم فى أعناقهم فهم مقمحون يعنى أن يجمع يديه إلى عنقه، وأنزل الله عز وجل فى الرجل الآخر: ﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً ﴾ يعنى ظلمة فلم ير النبى صلى الله عليه وسلم ومن خلفهم سداً فلم ير أصحابه، الآية وكان معهم الوليد بن المغيرة.﴿ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ ﴾ يا محمد ﴿ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ [آية: ١٠] بالقرآن بأنه من الله عز وجل فلم يؤمن أحد من أولئك الرهط من بنى مخزوم.
ثم نزل فى أبى جهل:﴿ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ ﴾[العلق: ٩ - ١٠]، ثم قال جل وعز: ﴿ إنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ ﴾ القرآن ﴿ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ ﴾ وخشى عذاب الرحمن ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ ولم يره ﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ﴾ لذنوبهم ﴿ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [آية: ١١] وجزاء حسنا فى الجنة.﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ فى الآخرة ﴿ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ ﴾ فى الدنيا فى حياتهم من خير أو شر عملوه ﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ ما استنوه من سنة خير أو شر فاقتدى به من بعد موتهم، وإن كان خيراً فله مثل أجر من عمل به، ولا ينقص من أجورهم شىء، وإن كان شراً فعليه مثل وزر من عمل به ولا ينقص من أوزارهم شىء، فذلك قوله عز وجل:﴿ يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾[القيامة: ١٣] ثم قال جل وعز: ﴿ وَكُلَّ شيْءٍ ﴾ من الأعمل ﴿ أَحْصَيْنَاهُ ﴾ بيانه ﴿ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ١٢] كل شىء عملوه فى اللوح المحفوظ.﴿ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً ﴾ وصف لهم يا محمد، شبها لأهل مكة فى الهلاك ﴿ أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ ﴾ أنطاكية ﴿ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [آية: ١٣].
﴿ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ ﴾ تومان ونونس ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾ فقوينا يعنى فشددنا الرسولين بثالث حين صدقهما بتوحيد الله وحين أحيا الجارية وكان اسمه شمعون وكان الحواريين وكما وصى عيسى بن مريم ﴿ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ ﴾ [آية: ١٤] فكذبوهما ولو فعلت ذلك بكم يا أهل مكة لكذبتم، فقال شمعون للذلك: أشهد أنهما رسولان أرسلهما ربك الذى فى السماء، فقال الملك لشمعون: أخبرنى بعلامة ذلك؟ فقال شمعون: إن ربى أمرنى أن أبعث لك ابنتك، فذهبوا إلى قبرها، فضرب القبر برجله، فقال: قومى بإذن إلهنا الذى فى السماء، الذى أرسلنا إلى هذه القرية واشهدى لنا على ولدك فخرجت الجارية من قبرها، فعرفوها فقالت يا أهل القرية آمنوا بهؤلاء الرسل، وإنى لأشهد أنهم أرسلوا إليكم، فإن سلمتم يغفر لكم ربكم، وإن أبيتمم ينتقم الله منكم، ثم قالت لشمعون: ردنى إلى مكانى فإن القوم لن يؤمنوا لكم، فأخذ شمعون قبضة من تراب قبرها فوضعها على رأسها، ثم قال عودى مكانك، فعادت، فلم يؤمن منهم غير حبيب النجار، كان من بنى إسرائيل، وذلك أنه حين سمع بالرسل جاء مسرعاً فآمن وترك عمله وكان قبله إيمانه مشركاً ﴿ قَالُواْ ﴾ فقال القوم للرسل: ﴿ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ﴾ [آية: ١٥] وكان فعل شمعون من الحواريين فقال شمعون: إنا إليكم مرسلون أرسلنا إليكم ربكم الذى فى السماء ما أنتم إلا بشر مثلنا ما نرى لكم علينا من فضل فى شىء وما أنزل الرحمن من شىء وما أرسل الرحمن من أحد يعنى لم يرسل رسولا الآية.
﴿ قَالُواْ ﴾ فقالت الرسل ﴿ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ [آية: ١٦] فإن كذبتمونا ﴿ وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ١٧] ما علينا إلا أن نبلغ ونعلمكم ونبين لكم أن الله وحده لا شريك. فقال القوم للرسل: ﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ يقول: تشاءمنا بكم، وذلك أن المطر حبس عنهم، فقالوا: أصابنا هذا الشر يعنون قحط المطر من قبلكم ﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ ﴾ لئن لم تسكتوا عنا لنقتلنكم ﴿ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ ﴾ يعنى وليصيبنكم ﴿ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ١٨] يعنى وجيعاً.﴿ قَالُواْ ﴾ فقالت الرسل: ﴿ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ﴾ الذى أصابكم كان مكتوباً فى أعناقكم ﴿ أَإِن ذُكِّرْتُم ﴾ أئن وعظتم بالله عز وجل تطيرتم بنا ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ [آية: ١٩] قوم مشركون والشرك أسرف الذنوب.﴿ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ ﴾ على رجليه اسمه حبيب بن ابريا، أعور نجار، من بنى إسرائيل كان فى غار يعبد الله عز وجل فلما سمع بالرسل أتاهم وترك عمله ﴿ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٢٠] الثلاثة تومان، ويونس، وشمعون.﴿ ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٢١] فأخذوه فرفعوه إلى الملك، فقال له: برئت منا وابتعت عدونا. فقال: ﴿ وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي ﴾ خلقنى ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٢٢].
﴿ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً ﴾ لا تقد الألهة أن تشفع لى، فتكشف الضر عنى شفاعتها ﴿ وَلاَ يُنقِذُونَ ﴾ [آية: ٢٣] من الضر.﴿ إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٢٤] لفى خسران بين أن اتخذت من دون الله جل وعز آلهة فوطىء حتى خرجت معاه من دبره، فلما أمر بقتله. قال: يا قوم ﴿ إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ ﴾ [آية: ٢٥] فقتل، ثم ألقى فى البئر، وهى الرس، وهم أصحاب الرس وقتل الرس الثلاثة.
﴿ قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ ﴾ فلما ذهبت روح حبيب إلى الجنة ودخلها وعاين ما فيها من النعم تمنى فـ ﴿ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٢٦] بنى إسرائيل.﴿ بِمَا ﴾ بأى شىء ﴿ غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ ﴾ [آية: ٢٧] باتباعي المرسلين، فلو علموا لآمنوا بالرسل، فنصح لهم فى حياته، وبعد موته. يقول الله عز وجل: ﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ ﴾ يعنى من بعد قتل حبيب النجار ﴿ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ [آية: ٢٨] الملائكة.﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ من جبريل، عليه السلام، ليس لها مثنوية ﴿ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ [آية: ٢٩] موتى مثل النار إذا طفئت لا سمع لها صوت، وقال النبى صلى الله عليه وسلم:" إن صاحب يس اليوم فى الجنة، ومؤمن آل فرعون ومريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون ".﴿ يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ ﴾ يا ندامة للعباد فى الآخرة باستهزائهم بالرسل فى الدنيا، ثم قال عز وجل: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ٣٠]
ثم خوف كفار مكة، فقال: ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ ﴾ ألم يعلموا ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ بالعذاب ﴿ قَبْلَهُمْ ﴾ قبل كفار مكة ﴿ مِّنَ ٱلْقُرُونِ ﴾ الأمم عاد وثمود وقوم لوط، فيرى أهل مكة من هلاكهم ﴿ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٣١] إلى الحياة الدنيا.﴿ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [آية: ٣٢] عندنا فى الآخرة. ثم وعظ كفارمكة، فقال عز وجل ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ ﴾ علامة لهم ﴿ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا ﴾ بالمطر فتنبت ﴿ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً ﴾ البر والشعير الحبوب لكها ﴿ فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ٣٣].
﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا ﴾ فى الأرض ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ بساتين ﴿ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ ﴾ [آية: ٣٤] الجارية.﴿ لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾ يقول: لم يكن ذلك من صنع ايديهم ولكنه من فعلنا ﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٣٥] رب هذه النعم فيوحدوه.
﴿ سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا ﴾ الأصناف كلها ﴿ مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ ﴾ مما تخرج الأرض من ألوان النبات والشجر ﴿ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ الذكر والأنثى ﴿ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٦] منا الخلق. ثم قال جل وعز: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ ﴾ يقول: من علامة الرب لأهل مكة إذ لم يروه ﴿ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ ﴾ ننزع ﴿ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴾ [آية: ٣٧] بالليل، مثل قوله عز وجل:﴿ ٱلَّذِيۤ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا ﴾[الأعراف: ١٧٥].
﴿ وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ﴾ لوقت لها إلى يوم القيامة،" قال أبو ذر الغفارى: غربت الشمس يوماً، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم أين تغرب الشمس؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " تغرب فى عين حمئة وطينة سوداء، ثم تخر ساجدة تحت العرش فتستأذن، فيأذن لها، فكأن قد قيل لها ارجعى إلى حيث تغربين " "﴿ ذَلِكَ ﴾ الذى ذكر من الليل والنهار، والشمس والقمر يجرى فى ملكه بما قدر من أمرهما وخلقهما ﴿ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ ﴾ [آية: ٣٨].
ثم قال: عز وجل: ﴿ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ﴾ فى السماء يزيد، ثم يستوى، ثم ينقص فى آخر الشهر ﴿ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ﴾ حتى عاد مثل الخيط كما يكون أول ما استهل فيه كالعرجون، يعنى العذق اليابس المنحنى ﴿ ٱلْقَدِيمِ ﴾ [آية: ٣٩] الذى أتى عليه الحول. ثم قال جل وعز: ﴿ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ ﴾ فتضىء مع القمر، لأن الشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، ثم قال عز وجل: ﴿ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ ﴾ يقول: ولا يدرك سواد الليل ضوء النهار، فيغلبه على ضوئه ﴿ وَكُلٌّ ﴾ الليل والنهار ﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [آية: ٤٠] فى دوران يجرون يعنى الشمس والقمر يدخلان تحت الأرض من قبل المغرب، فيخرجان من تحت الأرض، حتى يخرجا من قبل المشرق، ثم يجريان فى السماء حتى يغربا قبل المغرب، فهذا دورانهما، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ يقول: وكلاهما فى دوران يجريان إلى يوم القيامة.
﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ ﴾ وعلامة لهم، يعنى كفار مكة ﴿ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ ذريةأهل مكة فى أصلاب آبائهم ﴿ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾ [آية: ٤١] يعنى المرقر من الناس والدواب.﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ وجعلنا لهم من شبه سفينة نوح ﴿ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ [آية: ٤٢] فيها. ﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ ﴾ فى الماء ﴿ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ ﴾ لا مغيث لهم ﴿ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ﴾ [آية: ٤٣] من الغرق.﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا ﴾ إلا نعمة منا حين لا نغرقهم ﴿ وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ٤٤] وبلاغا إلى آجالهم.﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ﴾ يقول: لا يصيبكم منا عذاب الأمم الخالية قبلكم ﴿ وَمَا خَلْفَكُمْ ﴾ واتقوا ما بعدكم من عذاب الأمم فلا تكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آية: ٤٥] لكل ترحموا.
﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ [آية: ٤٦] فلا يتفكروا.
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ ﴾ وذلك أن المؤمنين قالوا بمكة لكفار قريش، لأبى سفيان وغيره: أنفقوا على المساكين من الذى زعمتم أنه لله، وذلك أنهم كانوا يجعلون نصيباً لله من الحرث والأنعام بمكة، للمساكين، فيقولون: هذا لله بزعمهم، ويجعلون للآلهة نصيباً، فإن لم يزك ما جعلوه للآلهة من الحرث والأنعام، وزكا ما جلعوه لله عز وجل ليس للآلهة شىء، وهى تحتاج إلى نفقة، فأخذوا ما جلعوه لله، قالوا: لو شاء الله لأزكى نصيبه ولا يعطون المساكين شيئاً مما زكى لآلهتهم. فقال المؤمنون لكفار قريش: أ نفقوا ﴿ مِمَّا رِزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾ فقالت قريش: ﴿ أَنُطْعِمُ ﴾ المساكين الذى للآلهة ﴿ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾ يعنى رزقه لو شاء الله لأطعمه، وقالوا لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٤٧].
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٤٨] بأن العذاب نازل بنا فى الدنيا يقول الله عز وجل: ﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ لا مثنوية لها ﴿ تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾ [آية: ٤٩] وهم يتكلمون فى الأسواق، والمجالس، وهم أعز ما كانوا.﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ﴾ يقول: أعجلوا عن التوصية فماتوا ﴿ وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٥٠] يقول: ولا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق، فأخبر الله عز وجل بما يلقون فى الأولى.
ثم أخبر بما يلقون فى الثانية إذا بعثوا، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾ من القبور ﴿ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ [آية: ٥١]ٍ يخرجون إلى الله عز وجل من قبورههم أحياء، فلما رأوا العذاب ذكروا قول الرسل فى الدنيا:: أن البعث حق.﴿ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ وذلك أن أرواح الكفار كانوا يعرضون على منازلهم من النار طرفى النهار كل يوم، فلما كان بين النفختين رفع عنهم العذاب فرقدت تلك الأرواح بين النفختين، فلما بعثوا فى النفخة الأخرى وعاينوا فى القيامة ما كذبوا به فى الدنيا من البعث والحساب، فدعوا بالويل.
﴿ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ فى قراءة ابن مسعود: " من ميتتنا "، قال حفظتهم من الملائكة: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ ﴾ على ألسنة، الرسل، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [آية: ٥٢].
وذكر النفخة الثانية، فقال سبحانه: ﴿ إِن ﴾ يعنى ما ﴿ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ من إسرافيل ﴿ فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ ﴾ الخلق كلهم ﴿ لَّدَيْنَا ﴾ عندنا ﴿ مُحْضَرُونَ ﴾ [آية: ٥٣] بالأرض المقدسة فلسطين لنحاسبهم.﴿ فَٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٥٤] من الكفر جزاء الكافر النار. ثم قال جل وعز: ﴿ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ فِي شُغُلٍ ﴾ يعنى شغلوا بالنعيم، بافتضاض العذارى عن ذكر أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون بهم، ثم قال جل وعز: ﴿ فَاكِهُونَ ﴾ [آية: ٥٥] فكهون يعنى معجبين بما هم فيه شغل النعيم والكرامة.
﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ ﴾ يعنى الحورالعين حلائلهم ﴿ فِي ظِلاَلٍ ﴾ ومن قرأ فاكهون، يعنى ناعمين فى ضلال كبار القصور ﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾ على السرر عليها الحجال ﴿ مُتَّكِئُونَ ﴾ [آية: ٥٦].
﴿ لَهُمْ فِيهَا ﴾ فى الجنة ﴿ فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ﴾ [آية: ٥٧] يتمنون ما شاءوا من الخير ﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ [آية: ٥٨] وذلك أن الملائكة تدخل على أهل الجنة من كل باب يقولون: سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم ﴿ وَٱمْتَازُواْ ﴾ واعتلزوا ﴿ ٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [آية: ٥٩] وذلك حين اختلط الإنس والجن والدواب دواب البر والبحر والطيرن فاقتص بعضهم من بعض، ثم قيل لهم: كونوا ترباً فبقى الإنس والجن خليطين إذ بعث الله عز وجل إليهم منادياً أن امتازوا اليوم يقول: اعتزلوا اليوم أيها المجرمون، من الصالحين.
﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ﴾ الذين أمروا بالاعتزال ﴿ يٰبَنِيۤ آدَمَ ﴾ فى الدنيا ﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ ﴾ يعنى إبليس وحده، ولا تطيعوه فى الشرك ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٦٠] بين العداوة.﴿ وَأَنِ ٱعْبُدُونِي ﴾ يقول: وحدونى ﴿ هَـٰذَا ﴾ التوحيد ﴿ صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [آية: ٦١] دين الإسلام لأن غير دين الإسلام ليس بمستقيم ﴿ وَلَقَدْ أَضَلَّ ﴾ إبليس ﴿ مِنْكُمْ ﴾ عن الهدى ﴿ جِبِلاًّ ﴾ خلقاً ﴿ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦٢].
فلما دنوا من النار قالت لهم خزانتها: ﴿ هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [آية: ٦٣] فى الدنيا، فلما ألقوا فى النار قالت لهم الخزنة: ﴿ ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٦٤] فى الدنيا.﴿ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ ﴾ وذلك أنهم سئلوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون، فقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله جل وعز على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم بشركهم، فذلك قوله تعالى: ﴿ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٦٥] بما كانوا يقولون من الشرك.
﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ ﴾ نزلت فى كفار مكة يقول: لو نشاء لحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى ﴿ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ ﴾ ولو طمست الكفر لاستبقوا الصراط يقول: لأبصروا طريق الهدى، ثم قال جل وعز: ﴿ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ٦٦] فمن أين يبصرون الهدى إن لم أعم عليهم طريق الضلالة. ثم خوفهم، فقال جل وعز: ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ ﴾ يقول تعالى: لو شئت لمسختهم حجارة فى منازلهم ليس فيها أرواح ﴿ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٦٧] يقول: لا يتقدمون ولا يتأخرون.﴿ وَمَن نّعَمِّرْهُ ﴾ فنطول عمره ﴿ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦٨].
﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ ﴾ نزلت فى عقبة ابن أبى معيط وأصحابه، قالوا: إن القرآن شعر ﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ أن يعلمه ﴿ إِنْ هُوَ ﴾ يعنى القرآن ﴿ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ تفكر ﴿ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٦٩] بيّن.﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ يعنى لتنذر يا محمد بما فى القرآن من الوعيد ﴿ مَن كَانَ حَيّاً ﴾ من كان مهدياً في علم الله عز وجل ﴿ وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ ﴾ ويجب العذاب ﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٧٠] بتوحيد الله عز وجل.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ ﴾ من فعلنا ﴿ أَنْعاماً ﴾ الإبل والبقر والغنم ﴿ فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴾ [آية: ٧١] ضابطين.﴿ وَذَلَّلْنَاهَا ﴾ كقوله عز وجل:﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ﴾[الإنسان: ١٤] وذللناها فيحملون عليها ويسوقونها حيث شاءوا، ولا تمتنع منها ﴿ لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ﴾ حمولتهم الإبل والبقر ﴿ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ٧٢] يعنى الغنم.﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ﴾ في الأنعام ومنافع فى الركوب عليها، والحمل عليها، وينتفعون بأصوافها وأوبارها، وأشعارها، ثم قال عز وجل ﴿ وَ ﴾ فيها ﴿ وَمَشَارِبُ ﴾ ألبانها ﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٧٣].
ثم قال جل وعز: ﴿ وَٱتَّخَذُواْ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً ﴾ يعنى اللات والعزى ومناة ﴿ لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [آية: ٧٤] لكى تمنعهم ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ ﴾ لا تقدر الآلهة أن تمنعهم من العذاب. ثم قال جل وعز ﴿ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ ﴾ [آية: ٧٥] يقول كفار مكة للآلهة حزب يغضبون لها، ويحضرونها فى الدينا.
﴿ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ كفار مكة ﴿ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ ﴾ من التكذيب ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [آية: ٧٦] يظهرون من القول بألستنهم حين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: كيف يبعث الله هذا العظم علانية، نزلت فى أبى ابن خلف الجمحى فى أمر العظم، وكان قد أضحكهم بمقالته فهذا الذى أعلنوا، وذلك" أن أبا جهل، والوليد بن المغيرة، وعتبة وشيبة ابنى ربيعة، وعقبة، والعاص بن وائل، كانوا جلوساً، فقال لهم أبى بن خلف، قال لهم فى نفر من قريش: إن محمداً يزعم أن الله يحيى الموتى، وأنا آتيه بعظم فأساله كيف يبعث الله هذا؟ " فانطلق أبى بن خلف فأخذ عظماً بالياً، حائلاً نخراً، فقال: يا محمد، تزعم أن الله يحيى الموتى بعد إذ بليت عظامنا وكنا تراباً تزعم أن الله يبعثنا خلقاً جديدً، ثم جعل يفت العظام، ثم يذريه فى الريح، ويقول: يا محمد من يحيى هذا؟ فقال صلى لله عليه وسلم: " يحيى الله عز وجل هذا، ثم يميتك، ثم يبعثك، ثم يدخلك نار جهنم " ". فأنزل الله عز وجل فى أبى بن خلف: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ ﴾ يعنى أولم يعلم الإنسان ﴿ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ ﴾ [آية: ٧٧] بين الخصومة فيما يخاصم النبى صلى الله عليه وسلم عن البعث، ثم قال: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً ﴾ وصف لنا شبها فى أمر العظم ﴿ وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾ وترك المنظر فى بدء خلق نفسه إذ خلق من نطفة، ولم يكن قبل ذلك شيئاً فـ ﴿ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [آية: ٧٨] يعنى بالية.﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لأبى ﴿ يُحْيِيهَا ﴾ يوم القيامة ﴿ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ ﴾ خلقها ﴿ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ من الدنيا ولم تك شيئاً ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٧٩] عليم بخلقهم فى الدنيا عليم بخلقهم فى الآخرة بعد الموت خلقاً جديداً.﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ ﴾ [آية: ٨٠] فالذى يخرج من الشجر الأخضر النار، فهو قادر على البعث، ثم ذكر ما هو أعظم خلقاً من خلق الإنسان.
فقال جل وعز: ﴿ أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ هذا أعظم خلقاً من خلق الإنسان ﴿ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ ﴾ فى الأرض ﴿ مِثْلَهُم ﴾ مثل خلقهم فى الدنيا، ثم قال لنفسه تعالى: ﴿ بَلَىٰ ﴾ قادر على ذلك ﴿ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٨١] بخلقهم فى الآخرة العليم ببعثهم.﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً ﴾ أمر البعث وغيره ﴿ أَن يَقُولَ لَهُ ﴾ مرة واحدة ﴿ كُن فَيَكُونُ ﴾ [آية: ٨٢] لا يثنى قوله. ثم عظم نفسه عن قولهم، فقال عز وجل: ﴿ فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ ﴾ خلق ﴿ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ ﴾ من البعث وغيره ﴿ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٨٣] إلى الله عز وجل بعد الموت لتكذيبهم.
Icon