تفسير سورة النازعات

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة النازعات من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة النازعات
مكية وآياتها ست وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطَات نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً (٥) يوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (٨) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (١٠) أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً (١١) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)
شرح الكلمات:
والنازعات غرقا: أي الملائكة تنزع أرواح الفجار والكفار عند الموت بشدة.
والناشطات نشطا: أي الملائكة تنشط أرواح المؤمنين الصالحين نشطا أي تسلها برفق.
والسابحات سبحا: أي الملائكة تسبح من السماء بأمر الله أي تنزل به إلى الأرض.
فالسابقات سبقا: أي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
فالمدبرات أمرا: أي الملائكة تدبر أمر الدنيا أي تنزل بتدبيره من لدن الله المدبر الحكيم.
507
يوم ترجف الراجفة: أي النفخة الأولى نفخة الفناء التي يتزلزل كل شيء معها.
تتبعها الرادفة: أي النفخة الثانية.
واجفة: أي خائفة قلقة.
أئنا لمردودون في الحافرة: أي أنرد بعد الموت إلى الحياة إذ١ الحافرة اسم لأول الأمر
تلك إذا كرة خاسرة: أي رجعة إلى الحياة خاسرة.
فإنما هي زجرة واحدة: أي نفخة واحدة.
فإذا هم بالساهرة: أي بوجه الأرض أحياء سميت ساهرة لأن من عليها بها يسهر ولا ينام.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿والنازعات٢ غرقا﴾ الآيات هذا قسم عظيم أقسم تعالى به على أنه لابد من البعث والجزاء حيث كان المشركون ينكرون ذلك حتى لا يقفوا عند حد في سلوكهم فيواصلوا كفرهم وفسادهم جريا وراء شهواتهم كل أيامهم وطيلة حياتهم كما قال تعالى بل يريد الإنسان ليفجر أمامه فأقسم تعالى بخمسة أشياء وهي النازعات والناشطات والسابحات والسابقات والمدبرات، ورجح أنهم أصناف من الملائكة وجائز أن يكون غير٣ ذلك ولا حرج إذ العبرة بكونه تعالى قد أقسم ببعض مخلوقاته على أن البعث حق ثابت وواقع لا محالة، وتقدير جواب القسم بلتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم إذ هو معهود في كثير من الأقسام في القرآن كقوله تعالى من سورة التغابن ﴿زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير﴾ وسيتم ذلك البعث والجزاء يوم ترجف الراجفة٤ التي هي النفخة الأولى التي ترجف فيها العوالم كلها ويفنى فيها كل شيء، ثم تتبعها الرادفة وهي النفخة الثانية وهي نفخة البعث من القبور أحياء وأن بين النفختين
١ يقال: رجع فلان أي حفرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها برجليه وهو يمشي قال الشاعر:
أحافرة على صلع وشيب
معاذ الله من سفه وعار
أي أرجع إلى حالة الشباب بعد الصلع والشيب، والشاهد في إنكاره الرجوع إلى حياته الأولى.
٢ النازعات جمع نازعة وهي الجماعة من الملائكة والنزع هو إخراج الروح من الجسد مشبه بنزع الدلو من البئر. ولذا يقول فلان في حالة النزع للمحتضر وغرقاً اسم مصدر عدل عن المصدر الذي هو إغراقاً لمناسبة سبحا ونشطا وسبقا في الآيات ومعناه الإغراق في نزع الروح من أقصى الجسد.
٣ إذ يرى بعضهم أنها النجوم ويرى بعضهم أنها جماعات الخيل الغازية، والرماة أو الفرسان إلا أن الراجح أنها الملائكة، فالنازعات الملائكة تنزع أرواح الكافرين والنشاطات تنشط أرواح المؤمنين نشطا ًتأخذها بسرعة كما ينشط العقال من يد البعير والسابحات تسبح بأرواح المؤمنين ترفعها إلى الملكوت الأعلى، فالسابقات الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، فالمدبرات، الملائكة تقوم بتدبير ما أسند الله إليها كقبض الأرواح، وإنزال الأمطار وإرسال الرياح، ونفخ الأرواح إلى غير ذلك.
٤ إطلاق الراجفة والرادفة على الصيحة إطلاق سائغ وهو إطلاق على مسببة الراجفة وهي الصيحة والرادفة التي جاءت بعدها وهي الصيحة الثانية.
508
أربعين سنة كما ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح وقوله تعالى ﴿قلوب يومئذ واجفة﴾ أي خائفة قلقة ﴿أبصارها خاشعة﴾ أي أبصار أصحاب تلك القلوب خاشعة أي ذليلة خائفة. وقوله تعالى ﴿يقولون﴾ أي منكر والبعث ﴿أئنا لمردودون في الحافرة﴾ أي أنرد بعد الموت إلى الحياة من جديد كما كنا أول مرة، ﴿أإذا كنا عظاما نخرة﴾ أي بالية مفتتة وقولهم هذا إستبعاد منهم للبعث وإنكار له، و ﴿قالوا تلك إذاً كرة خاسرة﴾ يعنون أنهم إذا عادوا إلى الحياة مرة أخرى فإن هذه العودة تكون خاسرة وهي بالنسبة إليهم كذلك إذ سيخسرون فيها كل شيء حتى أنفسهم كما قال تعالى ﴿قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين.﴾ وقوله تعالى ﴿فإنما هي زجرة واحدة﴾ أي صيحة واحدة وهي نفخة إسرافيل الثانية نفخة البعث ﴿فَإِذَا هُمْ﴾ أولئك المكذبون وغيرهم من سائر الخلق ﴿بالساهرة﴾ أي وجه الأرض وقيل فيها الساهرة لأن من عليها يومئذ لا ينامون بل يسهرون أبدا فرد تعالى بهذا على منكري البعث الآخر وقرره عزوجل بما لا مزيد عليه إعذارا وإنذارا ولا يهلك على الله إلا هالك.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١-بيان أن الله تعالى يقسم بما يشاء من مخلوقاته بخلاف العبد لا يجوز له أن يقسم بغير ربه تعالى.
٢-بيان أنروح المؤمن تنزع عند الموت نزعًا سريعا لا يجد من الألم ما يجده الكافر.
٣-تقرير عقيدة البعث والجزاء بالإقسام عليها وذكر كيفية وقوعها.
هلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١) فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)
509
شرح الكلمات:
موسى: أي موسى بن عمران عليه السلام.
بالواد المقدس طوى: أي بالواد الطاهر المبارك المسمى بطوى.
اذهب إلى فرعون: أي بأن أذهب إلى فرعون.
إنه طغى: أي تجاوز حده كعبد إلى ادعاء الربوبية والألوهية.
إلى أن تزكى: أي تسلم فتطهر من رجس الشرك والكفر بالإسلام لله تعالى.
وأهديك إلى ربك: أي أرشدك إلى معرفة ربك الحق فتخشاه وتطيعه فتنجو من عذابه.
فأراه الآية الكبرى: أي العصا واليد إذ هي من أكبر الآيات الدالة على صدق موسى.
ثم أدبر يسعى: أي بعد ما كذب وعصى رجع يجمع جموعه ويحشر جنوده لحرب موسى وقال
كلمة الكفر أنا ربكم فلا طاعة إلا لي.
فأخذه الله نكال الآخرة والأولى: أي عذبه تعالى عذاب الآخرة وهو قوله أنا ربكم الأعلى وعذاب الأولى وهي قوله ما علمت لكم من إله غيري.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿هل أتاك حديث موسى﴾ الآيات.. المقصود من هذه الآيات تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يعاني من تكذيب قومه له ولما جاء به من التوحيد والشرع فقص تعالى عليه طرفا من قصة موسى مع فرعون تخفيفا عليه، وتهديداً لقومه بعقوبة تنزل بهم كعقوبة فرعون الذي كان أشد منهم بطشاً وقد أهلكه الله فأغرقه وجنده.. فقال تعالى ﴿هَلْ أَتَاك﴾ ١ يا رسولنا ﴿حَدِيثُ مُوسَى﴾ بن عمران، ﴿إِذْ٢ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً﴾ أي بالواد المطهر المبارك المسمى طوى ناداه فأعلمه أولاً أنه لا إله إلا هو وأمره بعبادته، ثم أمره بأن يذهب إلى فرعون الوليد بن الريان ملك القبط بمصر فقال له اذهب إلى فرعون إنه طغى أي عتا وتكبر وظلم فأفحش في الظلم والفساد. وعلمه ما يقول له إذا انتهى إليه فقل ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ ٣ أي إلى أن تسلم فتزكو روحك وتطهر بالإسلام وأهديك ٤ إلى ربك فتخشى أي وأرشدك إلى ربك وأعرفك به فتخشى أي عقابه فتترك الظلم والطغيان قال تعالى فأراه الآية الكبرى والتي هي اليد والعصا، فكذب فرعون موسى في دعوته وعصى ربه
١ هل الاستفهام هنا صوري المراد به تشويق السامع إلى الخبر ولذا استعمل فيه هل التي هي بمعنى قد للتحقيق أي قد أتاك حديث موسى العجيب فاستمع.
٢ إذ اسم زمان بدل اشتمال من حديث موسى.
٣ قرأ نافع تزكى بتشديد الزاي وقرأ حفص بتخفيفها فمن شددها أدغم فيها إحدى تائي تتزكى ومن خفف حذف إحدى التائين لأن أصل الفعل تتزكى بتائين.
٤ الهداية: الدلالة على الطريق الموصل إلى المطلوب إذا سلكه المرء وصل إلى مرغوبه.
510
فلم يستجب له ولم يطعه فيما أمره به ودعاه إليه من الإيمان برسالة موسى وإرسال بني إسرائيل معه بعد الإسلام لله ظاهرا وباطنا. ثم أدبر فرعون أي عن دعوة الحق رافضا لها يسعى في الباطل والشر ﴿فَحَشَرَ﴾ رجاله وجنده ﴿فَنَادَى﴾ أي ناداهم ليعدهم إلى حرب موسى ﴿فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ يعني أنه لا رب فوقه، ﴿فَأَخَذَهُ الله﴾ أي عذبه ﴿نَكَالَ﴾ أي١ عذاب ﴿الْآخِرَة﴾ أي الكلمة وهي قوله: "أنا ربكم الأعلى" ونكال الأولى وهي قوله (ما علمت لكم من إله غيري) وبين الكلمتين الخبيثتين أربعون سنة فالأولى قالها في بداية الدعوة حيث ادعى أنه بحث واستقصى في البحث واجتهد وأنه بعد كل ذلك الاجتهاد لم يعلم أن للناس من قومه من إله سواه. وقوله تعالى إن في ذلك ﴿لَعِبْرَةً لِمَنْ٢ يَخْشَى﴾ أي فيما قص تعالى من خبر موسى وفرعون ﴿لَعِبْرَةً﴾ أي عظة لمن يخشى الله وعذاب الدار الآخرة فيؤمن ويتقي أي فيزداد إيماناً وتقوى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تسلية الداعي إلى الله تعالى وحمله على الصبر في دعوته حتى ينتهي بها على غايتها.
٢- إثبات مناجاة موسى لربه تعالى وأنه كلمه ربه كفاحاً بلا واسطة.
٣- تقرير أن لا تزكية للنفس البشرية إلا بالإسلام أي بالعمل بشرائعه.
٤- لا تحصل الخشية من الله للعبد إلا بعد معرفة الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء.
٥- وجود المعجزات لا يستلزم الإيمان فقد رأى فرعون أعظم الآيات كالعصا واليد وما آمن.
٦- التنديد والوعيد الشديد لمن يدعي الربوبية والألوهية فيأمر الناس بعبادته.
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)
١ النكل القيد قال تعالى (إن لدينا أنكالا) جمع نكل ويطلق النكال على العذاب والهروب منه وأخذ منه فعل نكل تنكيلا أي عذبه تعذيبا فنكال الأولى أي عذاب الأولى ونكال الآخرة عذاب الآخرة كما هو مبين في التفسير.
٢ لمن يخشى: أي يخشى الله تعالى وهو المؤمن التقي إذ مثله النفسي هو الذي يجد العظة والعبرة فيما يعرض عليه من أحداث فاصلة أما الكافر فأنى له أن يسمع حتى يبصر؟
511
شرح الكلمات:
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها؟ : أي أشد خلقا.
رفع سمكها: أي غلظها وارتفاعها.
فسواها: أي جعلها مستوية سطحا واحدا ما فيها نتوء ولا انخفاض.
وأغطش ليلها: أي أظلمه جعله مظلما.
وأخرج ضحاها: أي ضوءها ونهارها.
والأرض بعد ذلك دحاها: أي بعد أن خلق الأرض خلق السماء ثم دحا الأرض أي بسطها وأخرج منها ماءها ومرعاها.
والجبال أرساها: أي أثبتها على سطح الأرض لتثبت ولا تميد.
متاعا لكم ولإنعامكم: أي أخرج من الأرض ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم وهي المواشي من الحيوان.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ١ خَلْقاً﴾ الآيات.. سيقت هذه الآيات الكريمة لتقرير عقيدة البعث والجزاء بإيراد أكبر دليل عقلي لا يرده العاقل أبدا وهو أن السماء في خلقها وما خلق الله فيها، أشد خلقا وأقوى وأعظم من خلق الإنسان بعد موته فالبشرية كلها لا ساوي حجمها حجم كوكب واحد من كواكب السماء ولا سلسلة واحدة من سلاسل الجبال في الأرض فضلا عن السماء والأرض. إذاً فالذي قدر على خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها قادر قطعا من باب أولى قادر على خلق الإنسان مرة أخرى وقد خلقه أولا فإعادة خلقه بإحيائه بعد موته أيسر وأسهل وأمكن من خلقه أولا على غير مثال سبق، ولا صورة تقدمت، ولكن أكثر الناس لا يعلمون لأنهم لا يفكرون وهذا عرض الآيات قوله تعالى ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقا ً﴾ أيها المنكرون للبعث المكذبون به ﴿أَمِ السَّمَاءُ﴾ ٢ والجواب الذي لاشك فيه هو أن السماء أشد خلقاً من منهم وبيان ذلك فيما يلي:
١- بناها فهي سقف للأرض مرفوعة فوقها مسوَّاة فلا انفطار فيها ولا ارتفاع لبعض وانخفاضا لبعض آخر بل هي كالزجاجة في سمتها واعتدالها في خلقها.
١ الاستفهام تقريري أي إلجاؤهم إلى الإقرار والاعتراف بأن خلق السماء أعظم من خلقهم إذاً كيف ينكرون البعث والحياة الثانية.
٢ المراد بالسماء السماء الدنيا المشاهدة للناس، وإن كان لفظ السماء يطلق إطلاق أسماء الأجناس الدالة على أكثر من واحد والبناء للسماء وهو خلقها في صورة بناء رفيع.
512
٢- رفع سمكها١ فإن غلظها مقدر بمسيرة خمسمائة عام.
٣- أغطش ليلها فجعله مظلما.
٤- وأخرج ضحاها فجعل نهارها مضيئا. هذه هي السماء. والأرض بعد ذلك أي بعد٢ أن خلقها أولا وقبل السماء عاد إليها فدحاها بأن بسطها للأنام وأخرج منها ماءها ففجر فيها عيونها وأخرج منها مرعى وهو ما يرعى من سائر الحبوب والثمار والنبات والأشجار منفعة للإنسان ولحيوانه المفتقر إليه في ركوبه٣ وطعامه وشرابه وما ذكر تعالى من مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة في الأرض لا يقل عما ذكر في السماء إن لم يكن أعظم فكيف إذاً ينكر الإنسان على ربه أن يعيده حيا بعد إماتته له ليحاسبه وليجزيه إنه بدل أن ينكر يجب عليه أن يشكر، ولكن الإنسان ظلوم كفار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢- بيان إفضال الله تعالى على الإنسان وإنعامه عليه.
٣- مشروعية الاستدلال بالكبير على الصغير وبالكثير على القليل وهو مما يعلم بداهة وبالضرورة إلا أن الغفلة أكبر صارف وأقوى حايل فلا بد من إزالتها أولا.
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سَعَى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (٣٦)
َأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
١ السمك بفتح السين وتسكين الميم الرفع في الفضاء، وهو مصدر سمك إذا رفع السمك محرك السين والميم الحوت المعروف واحده سمكة كبقرة.
٢ اختلف في أيها خلق الله تعالى أولا الأرض أم السماء وراجح أنها الأرض أولا لقوله (أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض... إلى قوله ثم استوى إلى السماء) الآية من سورة فصلت. وطريق الجمع كما في التفسير خلق الأرض أولا ثم السماوات ثم عاد إلى الأرض فدحاها بمعنى أخرج منها ماءها ومرعاها أي أعدها إعداداً خاصاً لحياة الإنسان والحيوان المراد من قوله دحاها إذ الدحو البسط والتسوية والترتيب.
٣ إذ هو المراد من قوله تعالى في الآية (ولأنعامكم) التي هي الإبل البقر والغنم فالإبل يركب ظهرها ويشرب لبنها ويؤكل لحمها.
513
(٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١) يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)
شرح الكلمات:
الطامة الكبرى: أي النفخة الثانية وأصل الطامة الداهية التي تعلو على كل داهية.
ما سعى: أي ما عمل في الدنيا من خير وشر.
فأما من طغى: أي كفر وظلم.
وآثر الحياة الدنيا: أي باتباع الشهوات.
فإن الجحيم هي المأوى: أي النار مأواه.
مقام ربه: أي قيامه بين يديه ليسأله عما قدم وأخر.
ونهى النفس عن الهوى: أي المردى المهلك باتباع الشهوات.
فإن الجنة هي المأوى: أي مأواه الذي يأوي إليه بعد الحساب.
عن الساعة: أي القيامة للحساب والجزاء.
أيان مرساها: أي متى وقوعها وقيامها.
فيم أنت من ذكراها: أي في أي شيء من ذكراها أي ليس عندك علمها حتى تذكرها.
إلى ربك منتهاها: أي منتهى علمها إلى الله وحده فلا يعلمها سواه.
لم يلبثوا: أي في قبورهم.
إلا عشية أو ضحاها: أي عشية يوم أو ضحى تلك العشية.
معنى الآيات:
بعد أن بين تعالى مظاهر قدرته في حياة الناس وما خلق لهم فيها تدليلا على البعث والجزاء وذكر في هذه الآيات مظاهر قدرته في معادهم تدليلا على قدرته على بعثهم بعد موتهم ومحاسبتهم ومجازاتهم فقال عز من قائل ﴿فَإِذَا جَاءَتِ١ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ أي القيامة وسميت بالطامة الكبرى لأنها تطم على٢ كل شيء ولا يعظمها سيء ولا ريح عاد ولا صيحة ثمود ولا رجفة يوم الظلة. {يَوْمَ
١ فالفاء للتفريع عما تقدم إن تقدم مظاهر قدرته في الكون والحياة تدليلاً على قدرته على البعث والجزاء ففرع عنه بيان أحوال البعث وما يجري فيه تقريراً له ووقوفاً بالمنكرين له على مصيرهم فيه مبالغة في طلب هدايتهم وإقامة الحجة عليهم.
٢ أصل الطامة الحادثة التي تطم أي تلو وتغلب أمثالها من الأحداث الجسام والمراد بها هنا القيامة، قال سفيان الطامة هي الساعة التي يسلم فيها أهل النار للزبانية قال الشاعر:
إن بعض الحب يعمي ويصم
وكذاك البعض أدهى وأطم
514
يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى} من خير أو شر لأنه أيقن أنه محاسب ومجزي بعمله. ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ﴾ أي أبرزها فظهرت لمن يراها لا يخفيها شيء. والناس بعد ذلك مؤمن وكافر والطريقان طريق جنة وطريق نار. ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى﴾ أي عتا عن أمر ربه فعصاه ولم يطعه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه. ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ على الآخرة فعمل للدنيا وصرف كل جهده وطاقته لها، ولم يعمل للآخرة فما صام ولا صلى ولا تصدق ولا زكى ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ أي مأواه ومستقره ومثواه شرابه الحميم وطعامه الزقوم ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ وهو الوقوف بين يديه لمساءلته ومجازاته فأدى الفرائض واجتنب النواهي، ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ أي نفسه عن هواها فلم يجبها في هوى يبغضه الله ولم يطعها في شيء حرمه الله فإن الجنة دار السلام والأبرار والمتقين الأخيار هي مأواه ولنعم المأوى هي حيث العيون الجارية والسرر المرفوعة والأكواب الموضوعة والنمارق المصفوفة والزرابي المبثوثة والكواعب العرب الأتراب ولقاء الأحباب١. وقوله تعالى ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ أي يسألك يا رسولنا المنكرون للبعث عن الساعة أي قيامها ومتى رسوها وثبوتها وهي كالسفينة سائرة ليل نهار متى ترسو؟ ﴿فِيمَ﴾ ٢ أي في أي شيء أنت من ذكراها أي ليس عندك علمها فتذكرها لهم إلى ربك وحده علم وقت مجيئها وساعة رسوها لتنقل الناس من دنياهم إلى آخرتهم، وبذلك تنتهي رحلتهم ويستقر قرارهم. وينتهي ليلهم ونهارهم. وقوله تعالى ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ أي ليس إليك يا رسولنا علمها ولا منتهى أمرها إنما أنت مهمتك غير ما يطلب إنها إنذار من يخشى الساعة ويخاف حلولها لإيمانه بها وبما يكون فيها من نعيم وجحيم أما من لا يؤمن بها فهو لا يخافها وسؤاله عنها سؤال استهزاء، فلا تحفل بهم ولا تهتم لهم فإنهم يوم يرونها كأن لم يلبثوا في دنياهم هذه وقبورهم ﴿إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ أي عشية يوم أو ضحى تلك العشية لما يستقبلون من أهوال الموقف وفظائع العذاب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء ب١كر أحوالها وصفاتها.
٢- الناس يوم القيامة مؤمن تقي في الجنة، وكافر وفاجر في النار.
٣- بيان استئثار الله تعالى بعلم الغيب والساعة.
٤- بيان أي الشدائد ينسى بعضها بعضا فإن عذاب القبر يهون أمام عذاب النار.
١ كل ما ذكر من قولنا العيون إلى لقاء الأحباب هو من القرآن. يروى أن بلالاً وهو في سياقة الموت يغمى عليه فإذا أفاق ووجد امرأته تبكي: يقول لها لا تبكي: غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه.
٢ اسم استفهام أريد به الإنكار مشوبا بالتعجب من إلحاح المشركين على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعين لهم وقتها.
515
Icon