٢ راجع ذلك في المحرر الوجيز ٩/ ٢٤٥، التفسير الكبير ١٨/ ٨٣، ٨٤..
٣ أوصلها ابن الفرس إلى عشرين آية..
ﰡ
قال جماعة من المفسرين : القمر تأويله الأب والشمس تأويلها الأم فاستقرأ بعض الناس من تقديمها وجوب بر الأم وزيادته على بر الأب ١.
روي أن إخوة يوسف لما أتوا بقميص يوسف إلى أبيهم يعقوب تأمله فلم ير ١ خرقا ولا أثر ناب، فاستدل بذلك على كذبهم وقال لهم : متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه ٢. واحتج الفقهاء بهذا في أعمال الأمارات ٣ في مسائل ٤ كالقسامة بها في قول مالك، إلى غير ذلك.
٢ قال ابن عطية: قص هذا القصص ابن عباس وغيره. راجع المحرر الوجيز ٩/ ٢٦٣..
٣ في (ح): "الأمارة"..
٤ "في مسائل" كلام ساقط في (أ)..
قاس بعض المفسرين على هذه الآية أحكام اللقيط ١. وقد اختلف فيه. فقال قوم هو عبد لمن التقطه ٢ وقال الجمهور هو حر وولاؤه للمسلمين. وقال قوم هو حر وولاؤه ٣ للملتقط ٤. والصواب ما قاله ٥ الجمهور لأن الأصل في الناس ٦ الحرية لأنهم من آدم وحواء. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال : المنبوذ حر. وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : اللقيط حر، وتلا قول الله تعالى :﴿ وشروه بثمن بخس دراهم ﴾ [ يوسف : ٢٠ ]. وموضع ٧ الحجة من الآية أنه لو كان عبدا لمن التقطه ما احتاجوا إلى شرائه وهذا بين. وإن صح أن اللقيط لا ينتقل عن ٨ أصل ٩ الحرية بالتقاطه فكذلك اللقطة لا تكون ملكا لمن التقطها، ولا يحل له أكلها بعد التعريف خلافا لداود في قوله أنه إذا أكلها ملتقطها بعد الحول لم يضمنها، وخلافا للشافعي في قوله يجوز له أكلها ويضمنها لصاحبها ١٠. ويؤخذ من هذه الآية أيضا ١١ أن اللقيط يؤخذ ولا يترك. واختلف في اللقطة هل تؤخذ أو تترك.
٢ قال الجصاص: وقد روى المغيرة عن إبراهيم في اللقيط يجده الرجل قال: إن نوى أن يسترقه كان رقيقا، وإن نوى الحسبة عليه كان عتيقا. راجع أحكام القرآن للجصاص ٤/ ٣٨٣..
٣ "للمسلمين. وقال قوم هو حر وولاؤه" ساقط في (أ)..
٤ وهو قول مالك والشافعي. ونسب القرطبي هذا القول إلى أبي بكر بن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه وإلى عطاء وابن شهاب. راجع الجامع لأحكام القرآن ٩/ ١٣٤..
٥ في (ب)، (ج)، (ح)، (هـ)، (و): "قال"..
٦ في (أ)، (د)، (ز): "لأن أصل الناس"..
٧ في (أ)، (ز): "وموضوع"..
٨ في (هـ): "من"..
٩ في (أ)، (ز): "حال"..
١٠ وقال المزني عن الشافعي: لا أحب لأحد ترك اللقطة إن وجدها إذا كان أمينا عليها. قال وسواء قليل اللقطة وكثيرها. راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٩/ ١٣٦..
١١ "أيضا" كلمة ساقطة في (ج)، (ح)..
يحتج بها من يرى الحكم من العلماء بالأمارات والعلامات ١ فيما لا تحضره البينات كاللقطة ٢ واختلف في الوديعة والسرقة وشبههما هل تقبل فيها الصفة أم لا إذا جهل صاحبها ؟ ومن هذا النوع إرخاء الستر وشهادة الصبيان في الجراح وذلك دليل لا شهادة. ومن ذلك معاقد الحيطان والنظر إليها عند الاختلاف، ووضع الخشب في الحائط ونحو ذلك.
ومن ذلك أن يكون عقد الدين بيد المدين ٣ محوا فيكون القول قوله إنه أدى الدين. ومن ذلك دعوى المرأة الاستكراه وهي متعلقة بالمدعى عليه ومراعاة التعلق به ٤. ومن ذلك مسألة النائرة تقع بين القوم فيدعي بعضهم على بعض القتل ٥ أنه يصدق بسبب تقدم النائرة. ومن ذلك دفع شهادة الشهود العدول بنحو ذلك كالشاهدين على الهلال في الصحو قد اختلف في جواز شهادتهما، وقال سحنون فيهما شاهدا سوء. ومن اختلاف الرجل وزوجته في متاع البيت، وقول مالك أنه يحكم للرجل بما هو من لباسه وما كان للرجل والمرأة فهو للرجل ٦. قال إسماعيل القاضي : والعمل بمثل هذا غير مخالف لقوله عليه الصلاة والسلام : " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " ٧ لأنه لم يرد بذلك الحديث إلا الموضع الذي تمكن فيه البينة. قال : فإن قال قائل إن تلك الشريعة لا تلزمنا. قلنا كل ما أنزله الله تعالى علينا فإنما أنزله لفائدة فيه ومنفعة لنا وقال تعالى :﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ] فآيات يوسف مقتدى بها، معمول عليها. وأنكر أبو الحسن العمل بالعلامات وقال : إنه اتفق على أنه لا يعمل، في غير الزوجين إذا تنازعا في شيء بمثل ما عمل فيها، قال : والأشبه في حديث يوسف أن ذلك كان آية من الله تعالى فليس في ذلك دلالة إلا من جهة خرق الله تعالى العادة في إنطاق الصبي في المهد. قال : وكان شريح وإياس يعملان على العلامات في الحكومات وأصل ذلك هذه الآية. ولعل ذلك فيما طريقه التهمة لا على سبيل بت الحكم، لكن إذا ظهر مثل هذا من العلامة على الدعوى أقر المدعى عليه فحكم عليه بالإقرار ٨. وقد اختلف في الشاهد، فقيل كان ابن عم ٩ المرأة التي هم بها يوسف ١٠. وقيل رجل من خاصة الملك ١١.
وقيل كان طفلا في المهد ١٢ ويضعف هذا أن في البخاري ومسلم أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج وابن السوداء التي دعت له أن يكون كالفاجر الخبيث ١٣ وأسقط صاحب يوسف. وأسند الطبري إلى ابن عباس أنهم أربعة وزاد صاحب يوسف. وعنه أيضا أنهم خمسة وزاد فيهم ابن ماشطة فرعون ١٤. وذكر ابن فتحون ١٥ في استدراكه عن ابن عبد البر، مبارك اليمامة ١٦ وذكر أنه أوتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد وقد لف في خرقة فقال من أنا ؟ فقال أنت رسول الله. فقال صدقت بارك الله فيك، فسمي مبارك اليمامة، فهم ستة. وقيل الشاهد القميص ١٧ وهو أضعف الأقوال.
٢ قال مالك في اللصوص: إذا وجدت معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها وليست لهم بينة فإن السلطان يتلوم لهم في ذلك فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم. ذكر ذلك الكيا الهراسي في أحكام القرآن ٤/ ٢٣١. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٩/ ١٧٤. وهو خلاف قول أبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف ومحمد. راجع أحكام القرآن للجصاص ٤/ ٣٨٥..
٣ في غير (ج)، (ح): "المطلوب"..
٤ "به" ساقط في غير (ج)، (ح)..
٥ "على بعض القتلى" ساقط في (أ)..
٦ راجع نحوه في أحكام القرآن للجصاص ٤/ ٣٨٦، ٣٨٧، وفي أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٣١..
٧ الحديث أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الأحكام، باب: ما جاء في أن البينة على المدعي ٣/ ٦٢٥. وأحمد في مسنده ٤/ ٢١٧..
٨ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٣١..
٩ "عم" ساقطة في (ب)، (ح)..
١٠ نسبه ابن عطية إلى السدي. راجع المحرر الوجيز ٩/ ٢٨٣..
١١ نسبه ابن عطية إلى ابن عباس ومجاهد وغيره. راجع م. س. ، ن. ص..
١٢ نسبه ابن عطية إلى ابن عباس والضحاك وأبي هريرة وابن جبير. راجع المحرر الوجيز ٩/ ٢٨٣..
١٣ الحديث: راجع صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة ٣/ ١٩٧..
١٤ راجع نحو ذلك في التفسير الكبير ١٨/ ١٢٣ وفي المحرر الوجيز ٩/ ١٨٣..
١٥ ابن فتحون: هو محمد بن خلف بن سليمان بن فتحون الأندلسي، أبو بكر. توفي سنة ٥٢٠ هـ/ ١١٢٦م. انظر الصلة لابن بشكوال ص ٥١٩..
١٦ مبارك اليمامة: هو مبارك بن سعيد اليمامي ثم البصري. روى عن يحيى بن أبي كثير. ثقة. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ١٠/ ٢٧..
١٧ نسبه ابن عطية إلى مجاهد. راجع المحرر الوجيز ٩/ ٢٨٣..
اختلف في البضع ما هو فالأكثر إلى ١ أنه من الثلاثة إلى العشرة. وقيل البضع لا يبلغ العقد ولا نصف العقد وإنما هو من الواحد إلى الأربعة ٢. وقيل البضع من الواحد إلى العشرة ٣ وقيل البضع من الثلاثة إلى التسع ٤ ويعضد هذا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق في قصة خطرة مع قريش في غلبة الروم لفارس : " أما علمت أن البضع من التسع إلى الثلاث " ٥. وقيل من الثلاثة إلى السبعة ٦. قال الفراء ولا يذكر البضع إلا مع العشرات ولا يذكر مع المائة ولا مع الألف. وبالقول الأول أخذ مالك رحمه الله تعالى فرأى أن من أقر ببضع إنما يقضى عليه بثلاثة إلا أن يقر بأكثر٧.
٢ نسبه ابن عطية إلى أبي عبيدة: راجع المحرر الوجيز ٩/ ٣٠٧..
٣ نسبه ابن عطية إلى الأخفش. راجع م. س. ، ن. ص..
٤ نسبه ابن عطية إلى قتادة راجع م. س. ، ن. ص..
٥ لم أقف عليه في الكتب التي وقعت بين يدي..
٦ من قوله: "ويعضد هذا.... إلى: السبعة" ساقط في (هـ).
ونسب ابن عطية هذا القول إلى مجاهد. راجع المحرر الوجيز ٩/ ٣٠٧..
٧ قال ابن عطية: وعلى هذا هو فقه مالك رحمه الله في الدعاوي والأيمان. راجع م. س. ، ن. ص..
قال هؤلاء هذا القول. وقد كانت الرؤيا صحيحة لأن يوسف عليه السلام عبرها بسني الخصب والجدب فكان كذلك. وهذا يبطل قول من يقول إن الرؤيا على أول ما تعبر به فتأول قوله عليه الصلاة والسلام : " الرؤيا لأول عابر " ١ وقوله أيضا : " الرؤيا على رجل طائر " ٢ فإذا عبرت وقعت لأن الأقوام قالوا أضغاث أحلام ولم تقع كذلك.
٢ الحديث أخرجه ابن ماجه، عن أبي رزين، في سننه، كتاب تعبير الرؤيا، باب: الرؤيا إذا عبرت وقعت. ٢/١٢٨٨. وأحمد في مسنده ٤/١٠، ١١..
سمى الله تعالى فرعون مصر في هذه الآية ملكا لأنها حكاية اسم كان يطلق عليه ولم يكن حيا في ذلك الوقت فيكون له حجة في تسميته بذلك. ولو كان حيا لكان لذلك حكم ما. ولهذا كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هرقل عظيم الروم "، ولم يقل ملك الروم ولا كافر لأن ذلك حكم له بالملك والكفر. وأما كونه عظيمهم فتلك صفة لا تفارقه، ولو كتب له ١صلى الله عليه وسلم بالملك لتمسك بذلك كتمسك زياد في قوله : شهد والله لي أبو الحسن.
أحدهما : أن فرعون يوسف كان صالحا وإنما الطاغي فرعون موسى.
والثاني : أنه نظر له في أملاكه دون أعماله. وروي عن مالك رحمه الله تعالى أنه قال : مصر خزانة الأرض، واحتج بهذه الآية ٩.
في هذه الآية – على ما ذهب إليه جماعة من العلماء – جعل وكفالة ١. والآية تدل على جوازهما. فأما الجعل فقد اختلف في جوازه. وهو أن يجعل الرجل للرجل جعلا على عمل يعمله له إن أكمل العمل. فأجازه مالك وأصحابه ولم يجزه أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ٢ والأصل في جوازه قوله تعالى :﴿ ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ﴾ وهذا جعل محض وإذا قلنا بجوازه فهل ذلك فيما ٣ للجاعل فيه منفعة خاصة أو فيما كان له فيه منفعة أو لم يكن ؟ فيه قولان في المذهب. والأصل في اشتراط المنفعة الآية لأنها إنما جاءت فيما كان ٤ فيه منفعة وهو رد الصواع. وإذا اشترطنا المنفعة فهل من شرطها أن لا يحصل منها شيء إلا بتمام المجعول فيه أم لا ؟ فالمشهور أن ذلك من شرطها وإلا لم يجز. فقد يتخرج ٥ في المذهب قول آخر بإسقاط ذلك الشرط. والأصل في القول الأول الآية لأن الجعل فيها إنما جاء فيما لا منفعة فيه إلا بتمامه. واختلف في ضرب الأجل في الجعل ٦ هل يجوز أم لا ؟ فالمشهور أنه لا يجوز. وقدم الجواز من قول ابن القاسم على ما تأول ابن أبي زيد ٧ والأصل في اطراح الأجل الآية لأنه تعالى قال :﴿ ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ﴾ فسمى الجعل ولم يقدر المدة.
وأما الكفالة فمنها كفالة بمال، وكفالة بنفس. فأما الكفالة بالمال فلا اختلاف في جوازها وإنما اختلف في بعض شروطها. والأصل في جواز ذلك قوله تعالى :﴿ وأنا به زعيم ﴾ أي كفيل. يعني بما ذكره من حمل بعير. وأما الكفالة بالنفس ففيها ثلاثة أقوال :
أحدها : إجازتها في المال والحدود والقصاص. وهو قول عثمان البتي ٨.
والثاني : أن الكفالة بالنفس لا تجوز في شيء من ذلك وإلى نحو هذا ذهب الشافعي.
والثالث : أنها تجوز في المال ولا تجوز في الحدود وهو قول مالك وأصحابه. والأصل في الكفالة بالنفس قوله تعالى في هذه السورة :﴿ لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ﴾ [ يوسف : ٦٦ ] فهذه كفالة بالنفس. وفيها عندي حجة لمن يجيز الكفالة بالنفس في غير المال لأن هذه الآية لم يتعرض فيها لذكر المال، إلا أن الأدلة التي نازع بها من لم يجز الكفالة بالنفس في غير المال أصح وأظهر، وليس هذا الكتاب بموضع بسطها ٩.
وقال أبو الحسن : ظن ظانون أن قوله :﴿ وأنا به زعيم ﴾ كفالة، وليس ذلك كفالة إنسان عن إنسان وإنما كفل بذلك عن نفسه وضمنه نعم هو جعالة ١٠.
٢ قال الجصاص: ظن بعض الناس أن ذلك كفالة عن إنسان وليس كذلك لأن قائل ذلك جعل حمل بعير أجرة لمن جاء بالصاع وأكده بقوله: أنا به زعيم، يعني ظامن. قال الشاعر:
وإنـــي زعــيــم إن رجعـــــت مسلما بسيــري بــري مــنــه الــفــرانـــق أرورى
راجع أحكام القرآن للجصاص ٤/ ٣٩٠..
٣ في (أ)، (ز): "مما"..
٤ في غير (أ)، (ز): "يكون"..
٥ في (أ): "يحرج"..
٦ في (أ): "في الفعل"..
٧ ابن أبي زيد: هو عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد (النفزاوي) القيرواني، أبو محمد. فقيه. آلت إليه رئاسة المذهب المالكي في عصره. من مصنفاته: "مختصر المدونة" وغيره. توفي سنة ٣٨٠هـ/ ٩٢٦م. انظر شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف ١/ ٩٦..
٨ عثمان البتي: هو أبو عمرو عثمان بن سليمان بن جرموز البتي. توفي سنة ١٤٣هـ/ ٧٦٥م. انظر طبقات ابن سعد ٧/ ٢٥٧، طبقات الفقهاء للشيرازي ص ٩١..
٩ راجع الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٢٣٢ – ٢٣٤..
١٠ راجع القول في أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٣٣..
يحتمل هذا معان : أحدها : أن يكون على جهة المجاز كما تقول لمن تكره فعله اقتلني ولا تفعل كذا، وأنت لا تريد أن يقتلك ولكن مبالغة ١في استعطافه. وكذلك هذا لم يرد أن يسترق واحدا ٢ منهم مكانه وإنما قالوا ذلك مبالغة. فقال يوسف معاذ الله. فتعوذ من فعل ما لا يجوز. ويحتمل أن يكون حقيقة أي خذ ٣ أحدنا مكانه رقا، فتعوذ يوسف من ذلك. إلا أنه يبعد أن يريدوا ٤ استرقاق ٥ حر وهم ٦ أنبياء. ويحتمل أن يريدوا بذلك الحمالة بالنفس، أي خذ أحدنا مكانه ٧ حتى ينصرف إليك صاحبك. ومقصدهم أن يصل بنيامين وهو الذي وجد الصواع في رحله إلى يعقوب. ويعرف يعقوب جلية الأمر ثم يرد إليه. فمنع يوسف عليه السلام من ذلك إما أنه لم ير الحمالة بالنفس في الحدود ولم يلزم الحميل عقوبة المحمول عنه فيكون هذا ٨ حجة لمالك وأصحابه. وإما لأنه لم يرها على أن تلزم الحميل عقوبة المحمول، وهذا لا يلزم إجماعا.
٢ قي (أ):"أحدا"..
٣ في (ب): "هذا"..
٤ في (هـ)، (و): "أن يريد"..
٥ في (ب): "استرقاقهم"..
٦ "حروهم" ساقط في (ب)..
٧ "مكانه" ساقط في (أ)، (ب)، (ج)، (ح)، (و)..
٨ في (أ)، (ز): "فتكون هذه"..
قوله تعالى :﴿ وما شهدنا إلا بما علمنا ﴾ يحتج به في أنه لا تجوز الشهادة بما لا يعلم ١ وقد اختلف قول مالك فيمن دفع إلى شهود كتابا مختوما وقال : اشهدوا علي بما فيه، هل يصح تحملهم للشهادة أم لا ؟ وكذلك الحاكم إذا كتب كتابا إلى حاكم وختم ٢ وأشهد الشهود بأنه كتابه ولم يقرأ عليهم. فعن مالك في ذلك روايتان. فاستدل القاضي أبو إسحاق٣ لجواز الشهادة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى عبد الله بن جحش ٤ كتابا وأمره أن يسير ليلتين ثم يقرأ ما فيه فيتبعه. قال ووجه المنع قوله تعالى :﴿ وما شهدنا إلا بما علمنا ﴾ وإذا لم يقرؤوا الكتاب لم يشهدوا بما يعلمون فلم تجز شهادتهم. وكذلك اختلفوا ٥ إذا لم يميز الشاهد في ٦ العقد إلا خطه هل تجوز شهادته أم لا ؟ وكذلك اختلفوا إذا عرف الشهادة ولم يذكر مما ٧ في العقد شيئا هل تجوز شهادته أم لا ؟ والخلاف فيه في المذهب. ويمكن أن يحتج على المنع من الشهادة في ذلك كله بالآية المذكورة.
٢ "وختم" ساقط في (أ)..
٣ القاضي أبو إسحاق: هو إسماعيل بن إسحاق. سبقت ترجمته بصفحة ٨٧..
٤ في (أ): "لعبد الله"، وفي (ب): "لعبد الرحمن بن جحش"، وفي (هـ): "لعبد الله بن حجر"، والصواب: عبد الله بن جحش بن يعمر الأسدي. صحابي قديم الإسلام قتل يوم أحد ودفن هو وحمزة في قبر واحد. انظر الإصابة لابن حجر ٢/٢٧٢..
٥ "اختلفوا" ساقطة في (أ)، (ز)..
٦ "في" ساقط في (ب)، (د)، (هـ)..
٧ في (ح): "ما"..
أرادوا : واسأل أهل القرية وأهل العير، فحذف. وقد اختلف الأصوليون هل هذا مجاز أم لا ؟ والجمهور منهم على أنه من المجاز، وأنكر بعضهم أن يكون مجازا وأجاز أن ينطق الله تعالى القرية والعير لاتساع القدرة ٨. وذكر المفسرون أن القرية مصر ٩. وأما العير فهي الدواب التي يمتار عليها الطعام. ومعنى الآية الاستشهاد بأهل القرية وأهل العير ظاهرها عرفت عدالتهم أو لم تعرف، وهو مذهب أبي حنيفة. فأما مذهب مالك فلا يستشهد إلا عدل لقوله تعالى :﴿ ممن ترضون من الشهداء ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ]، وقوله تعالى :﴿ وأشهدوا ذوي عدل منكم ﴾ [ الطلاق : ٢ ] إلا أنه اختلف عندنا في أهل الرفقة يشهد بعضهم على بعض فيما يختصوا بمعاملات السفر من بيع وشراء، أو قرض أو كراء أو قضاء، وما يجري مجرى هذا، هل يشترط فيهم معرفة العدالة أم لا ؟ وظاهر المذهب – وهو القياس – أنه لا يجوز أن يقبل إلا عدل لما قدمناه. وذهب ابن حبيب ١٠ ورواه عن مطرف وابن الماجشون إلى جواز قبول شهادتهم في ذلك إذا توسم فيه أي توسم فيهم الحاكم الحرية والإسلام وزاد الشيخ أبو إسحاق، والمروءة والعدل. واحتج أبو إسحاق ١١ لهذا القول بقوله تعالى :﴿ واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون ( ٨٢ ) ﴾ وهذا القول إنما هو فيما يختص بمعاملات السفر كما قدمنا. فأما بيع العقار والأموال التي لم تجر العادة ببيعها في السفر فلا تقبل فيه شهادة أهل الرفقة إذا لم تعرف عدالتهم بوجه.
وأما أهل موضع إذا لم يكن فيهم عدل ١٢ وبعدوا عن العدول ١٣ فهل تجوز شهادة بعضهم لبعض في الأموال أم لا ؟ فالذي عليه الجمهور في المذهب – ولا يعرف لمتقدم منهم ١٤ فيه ١٥ خلاف – أن شهادتهم لا تجوز لما قدمناه، وهو ظاهر قول ابن حبيب في الواضحة ونقله الباجي. ورأيت قوما من المتأخرين يحكون عن شيوخهم أنهم كانوا يفتون بجواز الشهادة ممن ذكرناه ويعملونها للضرورة كشهادة أهل الرقة مع المتوسم. ورأيت بعضهم يحتج في ذلك بقوله تعالى :﴿ واسأل القرية ﴾.
هذه الآية تعطي إباحة البكاء عمن يموت للإنسان. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نص في مواطن على جواز ذلك منها في دفن ابنه إبراهيم، قال : " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب " ١. ومنها في موت ابن لابنته. قال الراوي فدفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها شنة ففاضت عيناه. فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله ما هذا ؟ قال : " رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء " ٢.
ومنها حديث أنس قال : شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر وعيناه تدمعان وقال عليه الصلاة والسلام لعمر إذا نهى النساء عن البكاء : " دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب " ٣. وكره البكاء من أخذ بظاهر الحديث : " أن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه " ٤ وإليه ذهب عمر وابن عمر. وقد مر الكلام عليه. وهذا الذي ذكرناه هو البكاء دون النوح ٥. فأما مع النوح فلا يجوز باتفاق. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه في غير ما حديث ٦. واختلف العلماء فيمن يستحق اسم الصبر بعد قولهم بجواز البكاء من غير نوح. فقال قوم هو الذي يكون في حال المصيبة مثله قبلها ولا يظهر منه حزن في جارحة ولا لسان. وجاء مثل هذا عن ابن مسعود والصلت بن أشيم ٧ وشريح ٨ وابن شبرمة وربيعة. وقال قوم هو الصبر المحمود وهو التسليم للقضاء والرضا به وترك بثه للناس. فأما جزع القلب وحرق القلب ودمع العين فلا يخرج العبد من معاني الصابرين إذا لم يتجاوز به إلى ما لا يجوز له فعله بأن النفوس مجبولة على الجزع من المصائب، وحكي هذا عن جماعة من السلف منهم الحسن. وقال طلحة بن مطرف ٩ : لا تشك مرضك ولا مصيبتك. قال ١٠ وأنبئت أن يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما دخل عليه جار له فقال له : يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من العمر ما بلغ أبوك ؟ قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله تعالى به من فقد يوسف. فأوحى الله تعالى إليه : يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي ؟ قال يا رب : خطيئة فاغفرها. قال : غفرتها لك. فكان بعد ذلك أسيل :﴿ قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله ﴾ ولما مات سعيد بن أبي الحسن ١١ بكى عليه الحسن حولا. فقيل له : يا أبا سعيد ١٢ تأمرنا بالصبر وتبكي ١٣. قال الحمد لله الذي جعل هذه الرحمة في قلوب المؤمنين يرحم بها بعضهم بعضا، تدمع العين ويحزن القلب وليس ذلك من الجزع إنما الجزع ما كان من اللسان واليد. الحمد لله الذي لم يجعل بكاء يعقوب على يوسف وبالا عليه، وقد بكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن١٤. وحكي أنه لم يفارق الحزن قلب يعقوب ثمانين سنة، فما جاء في الآية من أمر يعقوب حجة لمن يرى من يفعل ذلك صابرا.
٢ الحديث أخرجه البخاري عن أسامة بن زيد، في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" ٢/ ٧٩. وأحمد في مسنده ٥/ ٢٠٤..
٣ الحديث أخرجه ابن ماجه، عن أبي هريرة، في سننه، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في البكاء على الميت ١/ ٥٠٦. وأحمد في مسنده ٢/ ٢١٠..
٤ أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب، كتاب الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه ١/ ٦٤١، ٦٤٢..
٥ في (أ)، (ز): "النواح"..
٦ منها ما رواه مسلم عن أبي سلام عن أبي مالك أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة....". راجع صحيح مسلم كتاب الجنائز، باب: التشديد في النياحة ٣/ ٤٥..
٧ الصلت بن أشيم: لم أقف على ترجمته في كتب التراجم التي وقعت بين يدي..
٨ شريح: هو أمية شريح بن الحارث الكندي. عالما وقاضيا، من كبار التابعين. توفي سنة ٨٧هـ/ ٧٢٩م. انظر وفيات الأعيان ١/ ٢٢٤، ٢٢٥..
٩ طلحة بن مطرف: هو طلحة بن مطرف بن عمرو بن كعب بن جحدب بن معاوية بن سعد بن الحارث الهمداني، أبو محمد. ثقة. توفي سنة ١١٢هـ/ ٧٢٧م. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ٥/ ٢٦..
١٠ "قال": كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
١١ سعيد بن أبي الحسن: واسمه يسار الأنصاري، مولاه البصري. روى عن علي والعباس وأبي هريرة. توفي سنة ١٠٨هـ/ ٧٢٣م. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ٤/ ١٦..
١٢ أبا سعيد: هو الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد. تابعي. كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمانه. اشتدت هيبته على الولاة فكان يأمرهم وينهاهم. توفي سنة ١١٠هـ/ ٧٢٨م. انظر حلية الأولياء للأصبهاني ٢/ ١٣١..
١٣ في (أ)، (ز): "وتشكو"..
١٤ ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته ٧/ ١٧٨..
هذه الآية تعطي إباحة البكاء عمن يموت للإنسان. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نص في مواطن على جواز ذلك منها في دفن ابنه إبراهيم، قال :" تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب " ١. ومنها في موت ابن لابنته. قال الراوي فدفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها شنة ففاضت عيناه. فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله ما هذا ؟ قال :" رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء " ٢.
ومنها حديث أنس قال : شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر وعيناه تدمعان وقال عليه الصلاة والسلام لعمر إذا نهى النساء عن البكاء :" دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب " ٣. وكره البكاء من أخذ بظاهر الحديث :" أن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه " ٤ وإليه ذهب عمر وابن عمر. وقد مر الكلام عليه. وهذا الذي ذكرناه هو البكاء دون النوح ٥. فأما مع النوح فلا يجوز باتفاق. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه في غير ما حديث ٦. واختلف العلماء فيمن يستحق اسم الصبر بعد قولهم بجواز البكاء من غير نوح. فقال قوم هو الذي يكون في حال المصيبة مثله قبلها ولا يظهر منه حزن في جارحة ولا لسان. وجاء مثل هذا عن ابن مسعود والصلت بن أشيم ٧ وشريح ٨ وابن شبرمة وربيعة. وقال قوم هو الصبر المحمود وهو التسليم للقضاء والرضا به وترك بثه للناس. فأما جزع القلب وحرق القلب ودمع العين فلا يخرج العبد من معاني الصابرين إذا لم يتجاوز به إلى ما لا يجوز له فعله بأن النفوس مجبولة على الجزع من المصائب، وحكي هذا عن جماعة من السلف منهم الحسن. وقال طلحة بن مطرف ٩ : لا تشك مرضك ولا مصيبتك. قال ١٠ وأنبئت أن يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما دخل عليه جار له فقال له : يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من العمر ما بلغ أبوك ؟ قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله تعالى به من فقد يوسف. فأوحى الله تعالى إليه : يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي ؟ قال يا رب : خطيئة فاغفرها. قال : غفرتها لك. فكان بعد ذلك أسيل :﴿ قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله ﴾ ولما مات سعيد بن أبي الحسن ١١ بكى عليه الحسن حولا. فقيل له : يا أبا سعيد ١٢ تأمرنا بالصبر وتبكي ١٣. قال الحمد لله الذي جعل هذه الرحمة في قلوب المؤمنين يرحم بها بعضهم بعضا، تدمع العين ويحزن القلب وليس ذلك من الجزع إنما الجزع ما كان من اللسان واليد. الحمد لله الذي لم يجعل بكاء يعقوب على يوسف وبالا عليه، وقد بكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن١٤. وحكي أنه لم يفارق الحزن قلب يعقوب ثمانين سنة، فما جاء في الآية من أمر يعقوب حجة لمن يرى من يفعل ذلك صابرا.
٢ الحديث أخرجه البخاري عن أسامة بن زيد، في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" ٢/ ٧٩. وأحمد في مسنده ٥/ ٢٠٤..
٣ الحديث أخرجه ابن ماجه، عن أبي هريرة، في سننه، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في البكاء على الميت ١/ ٥٠٦. وأحمد في مسنده ٢/ ٢١٠..
٤ أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب، كتاب الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه ١/ ٦٤١، ٦٤٢..
٥ في (أ)، (ز): "النواح"..
٦ منها ما رواه مسلم عن أبي سلام عن أبي مالك أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة....". راجع صحيح مسلم كتاب الجنائز، باب: التشديد في النياحة ٣/ ٤٥..
٧ الصلت بن أشيم: لم أقف على ترجمته في كتب التراجم التي وقعت بين يدي..
٨ شريح: هو أمية شريح بن الحارث الكندي. عالما وقاضيا، من كبار التابعين. توفي سنة ٨٧هـ/ ٧٢٩م. انظر وفيات الأعيان ١/ ٢٢٤، ٢٢٥..
٩ طلحة بن مطرف: هو طلحة بن مطرف بن عمرو بن كعب بن جحدب بن معاوية بن سعد بن الحارث الهمداني، أبو محمد. ثقة. توفي سنة ١١٢هـ/ ٧٢٧م. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ٥/ ٢٦..
١٠ "قال": كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
١١ سعيد بن أبي الحسن: واسمه يسار الأنصاري، مولاه البصري. روى عن علي والعباس وأبي هريرة. توفي سنة ١٠٨هـ/ ٧٢٣م. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ٤/ ١٦..
١٢ أبا سعيد: هو الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد. تابعي. كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمانه. اشتدت هيبته على الولاة فكان يأمرهم وينهاهم. توفي سنة ١١٠هـ/ ٧٢٨م. انظر حلية الأولياء للأصبهاني ٢/ ١٣١..
١٣ في (أ)، (ز): "وتشكو"..
١٤ ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته ٧/ ١٧٨..
هذه الآية تعطي إباحة البكاء عمن يموت للإنسان. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نص في مواطن على جواز ذلك منها في دفن ابنه إبراهيم، قال :" تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب " ١. ومنها في موت ابن لابنته. قال الراوي فدفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها شنة ففاضت عيناه. فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله ما هذا ؟ قال :" رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء " ٢.
ومنها حديث أنس قال : شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر وعيناه تدمعان وقال عليه الصلاة والسلام لعمر إذا نهى النساء عن البكاء :" دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب " ٣. وكره البكاء من أخذ بظاهر الحديث :" أن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه " ٤ وإليه ذهب عمر وابن عمر. وقد مر الكلام عليه. وهذا الذي ذكرناه هو البكاء دون النوح ٥. فأما مع النوح فلا يجوز باتفاق. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه في غير ما حديث ٦. واختلف العلماء فيمن يستحق اسم الصبر بعد قولهم بجواز البكاء من غير نوح. فقال قوم هو الذي يكون في حال المصيبة مثله قبلها ولا يظهر منه حزن في جارحة ولا لسان. وجاء مثل هذا عن ابن مسعود والصلت بن أشيم ٧ وشريح ٨ وابن شبرمة وربيعة. وقال قوم هو الصبر المحمود وهو التسليم للقضاء والرضا به وترك بثه للناس. فأما جزع القلب وحرق القلب ودمع العين فلا يخرج العبد من معاني الصابرين إذا لم يتجاوز به إلى ما لا يجوز له فعله بأن النفوس مجبولة على الجزع من المصائب، وحكي هذا عن جماعة من السلف منهم الحسن. وقال طلحة بن مطرف ٩ : لا تشك مرضك ولا مصيبتك. قال ١٠ وأنبئت أن يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما دخل عليه جار له فقال له : يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من العمر ما بلغ أبوك ؟ قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله تعالى به من فقد يوسف. فأوحى الله تعالى إليه : يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي ؟ قال يا رب : خطيئة فاغفرها. قال : غفرتها لك. فكان بعد ذلك أسيل :﴿ قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله ﴾ ولما مات سعيد بن أبي الحسن ١١ بكى عليه الحسن حولا. فقيل له : يا أبا سعيد ١٢ تأمرنا بالصبر وتبكي ١٣. قال الحمد لله الذي جعل هذه الرحمة في قلوب المؤمنين يرحم بها بعضهم بعضا، تدمع العين ويحزن القلب وليس ذلك من الجزع إنما الجزع ما كان من اللسان واليد. الحمد لله الذي لم يجعل بكاء يعقوب على يوسف وبالا عليه، وقد بكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن١٤. وحكي أنه لم يفارق الحزن قلب يعقوب ثمانين سنة، فما جاء في الآية من أمر يعقوب حجة لمن يرى من يفعل ذلك صابرا.
٢ الحديث أخرجه البخاري عن أسامة بن زيد، في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" ٢/ ٧٩. وأحمد في مسنده ٥/ ٢٠٤..
٣ الحديث أخرجه ابن ماجه، عن أبي هريرة، في سننه، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في البكاء على الميت ١/ ٥٠٦. وأحمد في مسنده ٢/ ٢١٠..
٤ أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب، كتاب الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه ١/ ٦٤١، ٦٤٢..
٥ في (أ)، (ز): "النواح"..
٦ منها ما رواه مسلم عن أبي سلام عن أبي مالك أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة....". راجع صحيح مسلم كتاب الجنائز، باب: التشديد في النياحة ٣/ ٤٥..
٧ الصلت بن أشيم: لم أقف على ترجمته في كتب التراجم التي وقعت بين يدي..
٨ شريح: هو أمية شريح بن الحارث الكندي. عالما وقاضيا، من كبار التابعين. توفي سنة ٨٧هـ/ ٧٢٩م. انظر وفيات الأعيان ١/ ٢٢٤، ٢٢٥..
٩ طلحة بن مطرف: هو طلحة بن مطرف بن عمرو بن كعب بن جحدب بن معاوية بن سعد بن الحارث الهمداني، أبو محمد. ثقة. توفي سنة ١١٢هـ/ ٧٢٧م. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ٥/ ٢٦..
١٠ "قال": كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
١١ سعيد بن أبي الحسن: واسمه يسار الأنصاري، مولاه البصري. روى عن علي والعباس وأبي هريرة. توفي سنة ١٠٨هـ/ ٧٢٣م. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ٤/ ١٦..
١٢ أبا سعيد: هو الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد. تابعي. كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمانه. اشتدت هيبته على الولاة فكان يأمرهم وينهاهم. توفي سنة ١١٠هـ/ ٧٢٨م. انظر حلية الأولياء للأصبهاني ٢/ ١٣١..
١٣ في (أ)، (ز): "وتشكو"..
١٤ ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته ٧/ ١٧٨..
قوله :﴿ مسنا وأهلنا الضر ﴾ يتخرج منه شكوى المسبغة والحاجة لمن يرجى أن يكون سببا لكشفها لأن الله تعالى لم يعاقبهم على شكواهم تلك. وقوله :﴿ فأوف لنا الكيل ﴾ دليل على أن الكيل إنما هو على البائع ١. وقد اختلف في ذلك قول مالك، ففي قوله القديم أن على المبتاع الكيل. وعنه بعد ذلك أن الكيل على البائع، وهو الصحيح. لأن عليه أن يوفي ما باع ويبرزه عن ملكه بالوزن. واحتج مالك لهذا القول بهذه الآية :﴿ فأوف لنا الكيل ﴾. وكذلك الوزان والعداد والمزرع.
وقوله تعالى :﴿ وتصدق علينا ﴾ اختلف فيه : فقيل كانت الصدقة غير محرمة على أولئك الأنبياء وإنما حرمت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عيينة ٢. وقيل بل كانت محرمة على جميع الأنبياء، واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام : " إنا معشر الأنبياء لا تحل لنا الصدقة " ٣، وقالوا في الآية إن قولهم :﴿ وتصدق علينا ﴾ تجوزا واستعطافا منهم في المبالغة كما تقول لمن تساومه في ثمن سلعة : هبني من ثمنها جزء ونحو ذلك. فلم تقصد أن يهبك وإنما حسست له الانفعال حتى يرجع إلى غرضك. وقيل المعنى في ذلك وتصدق علينا بصرف أخينا إلى أبيه ٤. وقيل فيه غير هذا من التأويلات ٥.
وقوله تعالى :﴿ إن الله يجزي المتصدقين ﴾ :
قال بعض المفسرين : قيل هي من المعاريض ٦ التي هي مندوحة عن الكذب وذلك أنهم كانوا ٧ يعتقدونه ٨ كافرا على غير دينهم ولو قالوا له ٩ إن الله تعالى يجزيك بصدقتك في الآخرة كذبوا، فقالوا له لفظا يوهمه ١٠ أنهم أرادوه له ١١ وهم يصح لهم إخراجه بالتأويل١٢. وهذا الذي ذكرناه حجة لمن يرى المعاريض. وقد تقدم الكلام على هذا الفصل مستوفيا. وفي هذه الآية عندي إباحة سؤال الكافر ومبايعته وإحسان القول إليه إذا خيف منه.
٢ ونسبه القرطبي إلى مجاهد. راجع الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٣٥٤..
٣ نسبه القرطبي إلى سعيد بن جبير والسدي والحسن. راجع م. س. ، ن. ص. والحديث ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن..
٤ "إلى أبيه" ساقط في (أ). والقول نسبه القرطبي إلى ابن جريج. راجع الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٢٥٤..
٥ وقال ابن شجرة: تصدق علينا: تجوز عنا، واستشهد بقول الشاعر:
تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب وأمر علينا الأشعري لياليا
راجع م. س. ، ن. ص..
٦ في (هـ): "المعارض"..
٧ "كانوا" كلمة ساقطة في (ز)..
٨ في (ح): "يعتقدون"..
٩ "له" ساقط في (ب)، (ج)، (ح)، (د)..
١٠ في (ج)، (ح): "يوهمونه"..
١١ "له" ساقط في (ح)..
١٢ نسبه ابن عطية إلى النقاش. راجع المحرر الوجيز ٩/ ٣٦٦..
اختلف هل في هذه الآية تمني الموت أم لا ؟ فذهب قوم إلى أنه ليس فيها تمني موت ١ وأن معناها توفني مسلما وألحقني بالصالحين ٢ متى توفيتني. فالآية على هذا محكمة بلا خلاف ٣. وقيل فيها تمني الموت. قال ابن عباس : لم يتمن الموت نبي قط غير يوسف ٤. والذين ذهبوا إلى هذا اختلفوا هل الآية منسوخة أم محكمة ؟ فذهب جماعة إلى أن حكمها باق ٥ وأن يوسف تمنى الموت تشوقا إلى ربه، قالوا وهذا جائز أن يتمنى الإنسان الموت إما تشوقا وإما خوفا على دينه، فأما لضر نزل به فلا. وذهب قوم إلى أنه منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به " ٦ وهذا ضعيف لأن خبر الآحاد لا ينسخ به٧ القرآن. وأيضا فإن في الحديث لضر نزل به، وليس في الآية ضر نزل بيوسف عليه السلام. فإن أرادوا أن الآية محمولة على ذلك وأن الحديث نسخها فهذا تحكم ظاهر الفساد. وإن أرادوا أن تمني الموت لا يجوز عمله على أي حال كان، وإن إباحته منسوخة بالحديث فليس كذلك ٨ لأنه قد قيد في الحديث ولم يقيد في الآية. فتحمل الآية على ما يصح ويحمل الحديث في الذي جاء فيه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض دعائه : " وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون " ٩ وقال عليه الصلاة والسلام : " يأتي على الناس زمان يمر فيه الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه ليس به الدين ولكن ما يرى من البلاء والفتن " ١٠. فقوله ليس به الدين يدل على إباحة ذلك، أن لو كان على الدين وقد دعا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالموت فقال : اللهم قد رق عظمي وانتشرت رعيتي فتوفني غير مقصر ولا عاجز ١١ وقد دعا به علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز. فهذا كله دليل على إباحة الدعاء بالموت إذا لم يكن لضر نزل. والضر الذي ينزل يراد به ضر الدنيا كالفقر والمرض ونحو ذلك. وكل ما ذكرناه في هذه السورة فإنما يصح على قول من يرى شريعة من قبلنا لازمة لنا ما لم يرد ناسخ١٢.
٢ "وألحقني بالصالحين" كلام ساقط في (أ)، (ب)، (د)، (ز)..
٣ نسب ابن عطية هذا القول إلى المهدوي. راجع المحرر الوجيز ٩/ ٣٨٢..
٤ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ٩/ ٣٨٢..
٥ في (أ)، (ز): "أنها محكمة وحكمها باق"..
٦ راجع الحديث في فتح الباري لابن حجر. كتاب الدعوات ١١/ ١٢٦..
٧ "به" ساقط في (أ)، (ز)..
٨ في (ح) زيادة "الآية"..
٩ الحديث رواه مالك في الموطأ، كتاب الصلاة، باب: العمل في الدعاء ١/ ١٤٤..
١٠ الحديث رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني كنت مكانه". راجع الموطأ، كتاب الجنائز، باب: جامع الجنائز ١/ ١٥٩..
١١ الأثر: أخرجه الحاكم، وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١٢٤. وأخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الحدود، باب: ما جاء في الرجل ٢/ ١٨٠..
١٢ "ما لم يرد ناسخ" كلام ساقط في غير (ح).
راجع نحو ذلك في الإيضاح ص ٢٨٣، وفي المحرر الوجيز ٩/ ٣٨٢ – ٣٨٤..