تفسير سورة مريم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة مريم من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة مريم
مكية -وهي ثمان وتسعون آية-. والمقصود من السورة الرد على النصارى في إشراكهم عيسى عليه السلام لله تعالى في ألوهيته، فهي كالتتميم لقوله :﴿ ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾ [ الكهف : ١١٠ ].

قال تعالى : بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ كهيعص ﴾
قيل : هي مختصرة من أسماء الله تعالى، فالكاف من كافٍ، والهاء من هادٍ، والياء من يمين، والعين من عليم أو عزيز، والصاد من صادق. قاله الهروي عن ابن جبير.
قال أبو الهيثم : جعل الياء من يمين، من قولك : يَمَن الله الإنسانَ يَيْمنُهُ يمنًا فهو ميْمون. ه. ولذا ورد الدعاء بها، فقد رُوي عن عليّ - كرم الله وجهه - أنه كان يقول :( يا كهيعص ؛ أعوذ بك من الذنوب التي تُوجب النقم، وأعوذ بك من الذنوب التي تغير النعم، وأعوذ بك من الذنوب التي تهتِك العِصَم، وأعوذ بك من الذنوب التي تحبس غيث السماء، وأعوذ بك من الذنوب التي تُديل الأعداء، انصرنا على من ظلمنا )١. كان يقدم هذه الكلمات بين يدي كل شدة. فيحتمل أن يكون توسل بالأسماء المختصرة من هذه الحروف، أو تكون الجملة، عنده، اسمًا واحدًا من أسماء الله تعالى، وقيل : هو اسم الله الأعظم. ويحتمل أن يشير بهذه الرموز إلى معاملته تعالى مع أحبائه، فالكاف كفايته لهم، والهاء هدايته إياهم إلى طريق الوصول إلى حضرته، والياء يُمنه وبركته عليهم وعلى من تعلق بهم، والعين عنايته بهم في سابق علمه، والصاد صدقه فيما وعدهم به من الإتحاف والإكرام. والله تعالى أعلم.
وقيل : هي مختصرة من أسماء الرسول - عليه الصلاة والسلام - أي : يا كافي، يا هادي، يا ميمون، يا عين العيون، أنت صادق مصدق. وعن ماضي بن سلطان تلميذ أبي الحسن الشاذلي - رضي الله عنهما - :[ أنه رأى في منامه أنه اختلف مع بعض الفقهاء في تفسير قوله :( كهيعص. حم. عسق )، فقلت : هي أسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، وكأنه قال :" كاف " ؛ أنت كهف الوجود، الذي يؤم إليه كلُّ موجود، " ها " ؛ هبنا لك الملك، وهيأنا لك الملكوت، " يَعَ " ؛ يا عين العيون، " ص " ؛ صفات الله ﴿ مَن يُطع الرسولَ فقد أطاع الله ﴾، " حاء " ؛ حببناك، " ميم " ملَّكناك، " عين " علمناك، " سين " ؛ ساررناك، " قاف " ؛ قربناك. فنازعوني في ذلك ولم يقبلوه، فقلت : نسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليفصل بيننا، فسرنا إليه، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لنا : الذي قال محمد بن سلطان هو الحق ]. وكأنه يشير إلى أنها صفات أفعال.
١ أخرجه أحمد في المسند ١/١١٢..
قال تعالى :
﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ ﴾ * ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾ * ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً ﴾ * ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ﴾
قلت :﴿ ذكر ﴾ : خبر عن مضمر، أي : هذا ذكر، والإشارة للمتلو في هذه السورة ؛ لأنه باعتبار كونه على جناح الذكر في حكم الحاضر الشاهد. وقيل : مبتدأ حُذف خبره، أي : فيما يُتلى عليك ذكر رحمت ربك. وقيل : خبر عن ﴿ كهيعص ﴾، إذا قلنا ؛ هي اسم للسورة، أي : المسمى بهذه الحروف ذكر رحمة ربك، و﴿ عبده ﴾ : مفعول لرحمة ربك، على أنها مفعول لما أضيف إليها، أو لذكر، على أنه مصدر أضيف إلى فاعله على الاتساع. ومعنى ( ذكر الرحمة ) : بلوغها إليه، و﴿ زكريا ﴾ : بدل منه، أو عطف بيان، و﴿ إذ نادى ﴾ : ظرف لرحمة، وقيل : فذكْر، على أنه مضاف إلى فاعله، وقيل : بدل اشتمال من زكريا، كما في قوله :﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ. . . . ﴾ [ مريَم : ١٦ ].
يقول الحقّ جلّ جلاله : هذا الذي نتلوه عليك في هذه السورة هو ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾. قال الثعلبي :[ فيه تقديم وتأخير ]. أي : ذكر ربك عبده زكريا برحمته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : طلب الوارث الروحاني- وهو وارث العلم والحال - جائز ليبقى الانتفاع به بعد موته. وقيل : السكوت والاكتفاء بالله أولى، ففي الحديث :" يرحَم اللهُ أخانا زَكَرِيَّا، وَمَا كَان عَلَيْه مَنْ يَرِثُه " ٢ وقوله تعالى :﴿ نداء خفيًا ﴾.
الإخفاء عند الصوفية أولى في الدعاء والذكر وسائر الأعمال، إلا لأهل الاقتداء من الكَمَلَة، فهم بحسب ما يبرز في الوقت.
وقوله تعالى :﴿ ولم أكن بدعائك ربّ شقيًّا ﴾. فيه قياس الباقي على الماضي، فالذي أحسن في الماضي يحسن في الباقي، فهذا أحد الأسباب في تقوية حسن الظن بالله ؛ وأعظم منه من حسَّن الظن بالله ؛ لما هو متصف به تعالى من كمال القدرة والكرم، والجود والرأفة والرحمة، فإن الأول ملاحظ للتجربة، والثاني ناظر لعين المِنَّة. قال في الحكم :" إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه، حسّن ظنك به لوجود معاملته معك، فهل عَوَّدَكَ إلا حَسَنًا ؟ وهل أسدى إليك إلا مننًا ؟ ".

﴿ إِذْ نادى ربه ﴾ وهو في محرابه في طلب الولد ﴿ نداءً خفيًّا ﴾ : سرًا من قومه، أو في جوف الليل، أو مخلصًا فيه لم يطلع عليه إلا الله. ولقد راعى عليه السلام حسن الأدب في إخفاء دعائه فإنه أَدْخَلُ في الإخلاص وأَبَْعَدُ من الرياء، وأقرب إلى الخلاص من كلام الناس، حيث طلب الولد في غير إِبَّانِهِ ومن غائلة مواليه الذين كان يخافهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : طلب الوارث الروحاني- وهو وارث العلم والحال - جائز ليبقى الانتفاع به بعد موته. وقيل : السكوت والاكتفاء بالله أولى، ففي الحديث :" يرحَم اللهُ أخانا زَكَرِيَّا، وَمَا كَان عَلَيْه مَنْ يَرِثُه " ٢ وقوله تعالى :﴿ نداء خفيًا ﴾.
الإخفاء عند الصوفية أولى في الدعاء والذكر وسائر الأعمال، إلا لأهل الاقتداء من الكَمَلَة، فهم بحسب ما يبرز في الوقت.
وقوله تعالى :﴿ ولم أكن بدعائك ربّ شقيًّا ﴾. فيه قياس الباقي على الماضي، فالذي أحسن في الماضي يحسن في الباقي، فهذا أحد الأسباب في تقوية حسن الظن بالله ؛ وأعظم منه من حسَّن الظن بالله ؛ لما هو متصف به تعالى من كمال القدرة والكرم، والجود والرأفة والرحمة، فإن الأول ملاحظ للتجربة، والثاني ناظر لعين المِنَّة. قال في الحكم :" إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه، حسّن ظنك به لوجود معاملته معك، فهل عَوَّدَكَ إلا حَسَنًا ؟ وهل أسدى إليك إلا مننًا ؟ ".

و﴿ مِنّي ﴾ : حال من العَظْم، أي : كائنًا مني، و﴿ شيئًا ﴾ : تمييز.
﴿ قال ﴾ في دعائه :﴿ ربِّ إِني وَهَنَ العظمُ مني ﴾ أي : ضعف بدني وذهبت قوتي. وإسناد الوهن إلى العَظْم ؛ لأنه عماد البدن ودعامة الجسد، فإذا أصابه الضعف والرخاوة أصاب كله، وإفراده للقصد إلى الجنس المنبئ عن شمول الوهن إلى كل فرد من أفراده. ووهن بدنه عليه السلام : لكبر سنه، قيل : كان ابن سبعين، أو خمسًا وسبعين، وقيل : مائة، وقيل : أكثر.
﴿ واشتعل الرأسُ شيبًا ﴾ أي : ابيضَّ شَمَطًا. شبه عليه السلام الشيب من جهة البياض والإنارة بشواظ النار، وانتشاره في الشعر وفُشوِّه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعالها، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ثم أسند الاشتعال إلى محل الشعر ومنبته وهو الرأس، وأخرجه مخرج التمييز، ففيه من فنون البلاغة وكمال الجزالة ما لا يخفى، حيث كان الأصل : واشتعل شيب رأسي، فأسند الاشتعال إلى الرأس ؛ لإفادة شموله لكلها، فإن وِزَانَهُ : اشتعل بيته نارًا بالنسبة إلى اشتعلت النار في بيته، ولزيادة تقريره بالإجمال أولاً، والتفصيل ثانيًا، ولمزيد تفخيمه بالتكثير من جهة التنكير.
ثم قال :﴿ ولم أكن بدعائك ربِّ شقيًّا ﴾ أي : لم أكن بدعائي إياك خائبًا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل، بل كنت كلما دعوتك استجبتَ لي. توسل إلى الله بسابق حسن عوائده فيه، لعله يشفع له ذلك بمثله، إثر تمهيد ما يستدعي ويستجلب الرأفة من كبر السن وضعف الحال.
والتعرض في الموضعين لوصف الربوبية لتحريك سلسلة الإجابة بالمبالغة في التضرع، ولذلك قيل : من أراد أن يُستجاب له فليدعُ الله بما يناسبه من أسمائه وصفاته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : طلب الوارث الروحاني- وهو وارث العلم والحال - جائز ليبقى الانتفاع به بعد موته. وقيل : السكوت والاكتفاء بالله أولى، ففي الحديث :" يرحَم اللهُ أخانا زَكَرِيَّا، وَمَا كَان عَلَيْه مَنْ يَرِثُه " ٢ وقوله تعالى :﴿ نداء خفيًا ﴾.
الإخفاء عند الصوفية أولى في الدعاء والذكر وسائر الأعمال، إلا لأهل الاقتداء من الكَمَلَة، فهم بحسب ما يبرز في الوقت.
وقوله تعالى :﴿ ولم أكن بدعائك ربّ شقيًّا ﴾. فيه قياس الباقي على الماضي، فالذي أحسن في الماضي يحسن في الباقي، فهذا أحد الأسباب في تقوية حسن الظن بالله ؛ وأعظم منه من حسَّن الظن بالله ؛ لما هو متصف به تعالى من كمال القدرة والكرم، والجود والرأفة والرحمة، فإن الأول ملاحظ للتجربة، والثاني ناظر لعين المِنَّة. قال في الحكم :" إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه، حسّن ظنك به لوجود معاملته معك، فهل عَوَّدَكَ إلا حَسَنًا ؟ وهل أسدى إليك إلا مننًا ؟ ".

ثم قال :﴿ وإِني خفتُ الموالي ﴾ أي : الأقارب، وهم : بنو عمه، وكانوا أشرار بني إسرائيل، فخاف ألا يحسنوا خلافته في أمته، فسأل الله تعالى ولدًا صالحًا يأمنه على أمته. وقوله :﴿ من ورائي ﴾ : متعلق بمحذوف، أي : جور الموالي، أو مما في الموالي من معنى الولاية، أي : خفت أن يلوا الأمر من ورائي، ﴿ وكانت امرأتي عاقرًا ﴾ : لا تلد من حين شبابها، ﴿ فهبْ لي من لدنك ﴾ أي : أعطني من محض فضلك الواسع، وقدرتك الباهرة، بطريق الاختراع، لا بواسطة الأسباب العادية ؛ لأن التعبير بِلَدُنَ يدل على شدة الاتصال والالتصاق، ﴿ وليًّا ﴾ : ولدًا من صُلبي، يلي الأمر من بعدي.
والفاء : لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن ما ذكره عليه السلام من كبر السن وعقر المرأة موجب لانقطاع رجائه عن الولد بتوسط الأسباب، فاستوهبه على الوجه الخارق للعادة، ولا يقدح في ذلك أن يكون هنالك داعٍ آخر إلى الإقبال على الدعاء المذكور، من مشاهدته للخوارق الظاهرة عند مريم، كما يعرب عنه قوله تعالى :
﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ﴾ [ آل عِمرَان : ٣٨ ]. وعدم ذكره هنا اكتفاء بما تقدم، فإن الاكتفاء بما ذكر في موطن عما ترك في موطن آخر من النكتة التنزيلية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : طلب الوارث الروحاني- وهو وارث العلم والحال - جائز ليبقى الانتفاع به بعد موته. وقيل : السكوت والاكتفاء بالله أولى، ففي الحديث :" يرحَم اللهُ أخانا زَكَرِيَّا، وَمَا كَان عَلَيْه مَنْ يَرِثُه " ٢ وقوله تعالى :﴿ نداء خفيًا ﴾.
الإخفاء عند الصوفية أولى في الدعاء والذكر وسائر الأعمال، إلا لأهل الاقتداء من الكَمَلَة، فهم بحسب ما يبرز في الوقت.
وقوله تعالى :﴿ ولم أكن بدعائك ربّ شقيًّا ﴾. فيه قياس الباقي على الماضي، فالذي أحسن في الماضي يحسن في الباقي، فهذا أحد الأسباب في تقوية حسن الظن بالله ؛ وأعظم منه من حسَّن الظن بالله ؛ لما هو متصف به تعالى من كمال القدرة والكرم، والجود والرأفة والرحمة، فإن الأول ملاحظ للتجربة، والثاني ناظر لعين المِنَّة. قال في الحكم :" إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه، حسّن ظنك به لوجود معاملته معك، فهل عَوَّدَكَ إلا حَسَنًا ؟ وهل أسدى إليك إلا مننًا ؟ ".

وقوله :﴿ يرثني ﴾ : صفة لوليًّا، وقرئ بالجزم هو وما عطف عليه جوابًا للدعاء، أي : يرثني من حيث العلم والدين والنبوة، فإن الأنبياء - عليه السلام - لا يورثون من جهة المال. قال صلى الله عليه وسلم :" نحن مَعاشر الأنبيَاءِ لا نُورَثُ " ١. وقيل : يرثني في الحبورة، وكان عليه السلام حَبْرًا.
﴿ ويرثُ من آل يعقوب ﴾ النبوة والمُلك والمال. قيل : هو يعقوب بن إسحاق. وقال الكلبي ومقاتل : هو يعقوب بن ماثان، أخو عمران بن ماثان، أبي مريم، وكانت زوجة زكريا أخت أم مريم، وماثان من نسل سليمان عليه السلام، فكان آل يعقوب أخوال يحيى. قال الكلبي : كان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وملوكهم، وكان زكريا رئيس الأحبار يومئذ، فأراد أن يرث ولده حبُورته، ويرث من بني ماثان ملكهم. ه.
﴿ واجعله ربِّ رَضيًّا ﴾ أي : مرضيًا، فعيل بمعنى مفعول، أي : ترضى عنه فيكون مرضيًا لك، ويحتمل أن يكون مبالغة من الفاعل، أي : راضيًا بتقديرك وأحكامك التعريفية والتكليفية. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : طلب الوارث الروحاني- وهو وارث العلم والحال - جائز ليبقى الانتفاع به بعد موته. وقيل : السكوت والاكتفاء بالله أولى، ففي الحديث :" يرحَم اللهُ أخانا زَكَرِيَّا، وَمَا كَان عَلَيْه مَنْ يَرِثُه " ٢ وقوله تعالى :﴿ نداء خفيًا ﴾.
الإخفاء عند الصوفية أولى في الدعاء والذكر وسائر الأعمال، إلا لأهل الاقتداء من الكَمَلَة، فهم بحسب ما يبرز في الوقت.
وقوله تعالى :﴿ ولم أكن بدعائك ربّ شقيًّا ﴾. فيه قياس الباقي على الماضي، فالذي أحسن في الماضي يحسن في الباقي، فهذا أحد الأسباب في تقوية حسن الظن بالله ؛ وأعظم منه من حسَّن الظن بالله ؛ لما هو متصف به تعالى من كمال القدرة والكرم، والجود والرأفة والرحمة، فإن الأول ملاحظ للتجربة، والثاني ناظر لعين المِنَّة. قال في الحكم :" إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه، حسّن ظنك به لوجود معاملته معك، فهل عَوَّدَكَ إلا حَسَنًا ؟ وهل أسدى إليك إلا مننًا ؟ ".


١ أخرجه البخاري في الخمس باب ١، وفضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب ١٢، والنفقات باب ٣، والفرائض باب٣، ومسلم في الجهاد حديث ٤٩-٥٢، ٥٤، ٥٦، وأحمد في المسند ١/٤، ٦، ٩، ١٠، ٢٥، ٤٧، ٤٨، ٤٩، ٦٠، ١٦٢، ١٦٤، ١٧٩، ١٩١، ٢٠٨، ٢/٤٦٣، ٦/١٤٥، ٢٦٢..
ثم ذكر إجابته لزكريا عليه السلام، فقال :
﴿ يا زَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَ كَذالِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ﴾ * ﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِيا آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً ﴾ * ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ يا زكريا ﴾، كلمهُ بواسطة المَلك :﴿ إِنا نبشركَ ﴾ ونجيب دعوتك ﴿ بغُلامٍ اسمه يَحيى ﴾ ؛ لأنه حيى به عُقْمُ أمه. أجاب نداءه في الجملة، لا من كل وجه، بل على حسب المشيئة، فإنه طلب ولدًا يرثُه، فأجيب في الولد دون الإرث ؛ فإن الجمهور على أن يحيى مات قبل موت أبيه - عليهما السلام - وقيل : بقي بعده برهة، فلا إشكال حينئذ. وفي تعيين اسمه تأكيد للوعد وتشريف له، وفي تخصيصه به - كما قال تعالى :﴿ لم نجعل له من قبلُ سَميًّا ﴾ أي : شريكًا في الاسم، حيث لم يتسم به أحد قبله - مزيد تشريف وتفخيم له عليه السلام ؛ فإن التسمية بالأسماء البديعة الممتازة عن أسماء الناس تنويه بالمسمى لا محالة. وقيل :﴿ سَميًّا ﴾ : شبيهًا في الفضل والكمال، كما قال تعالى :﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ [ مريم : ٦٥ ] فإنه عليه السلام لم يكن قبله أحد مثله في بعض أوصافه، لأنه لم يهم بمعصية قط، وأنه ولد لشيخ فانٍ، وعجوز عاقر، وأنه كان حصورًا، ولم تكن هذه الخصال لغيره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إجابة الدعاء مشروطة بالاضطرار، قال تعالى :﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [ النَّمل : ٦٢ ] وفي الحِكَم :" ما طلَبَ لك شيءٌ مثلُ الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا اضطررت إلى مولاك، فلا محالة يجيب دعاك، لكن فيما يريد لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد. فلا تيأس ولا تستعجل ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ]. فإذا رأيت مولاك أجابك فيما سألته، فاجعل كلامك كله في شكره وذكره، واستفرغ أوقاتك، إلا من شهود إحسانه وبره. وبالله التوفيق.
قلت :﴿ عِتيًّا ﴾ : مصدر، من عتا يعتو، وأصله : عتوو، فاستثقل توالي الضمتين والواوين، فكسرت التاء، فقلبت الأولى ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، ثم قُلبت الثانية أيضّا ؛ لاجتماع الواو والياء، وسبق إحداهما بالسكون.
﴿ قال ربِّ أنّى يكونُ لي غلامٌ ﴾ أي : من أين وكيف يحدث لي غلام، ﴿ وكانت امرأتي عاقرًا ﴾ : عقيمة، ﴿ وقد بلغتُ من الكِبَر عتيًّا ﴾ : يبسًا في الأعضاء والمفاصل، ونحولاً في البدن، لِكِبَرِهِ، وكان سنُّه إذ ذاك مائة وعشرين، وامرأته ثمان وتسعين. وتقدم الخلاف فيه. وإنما قاله عليه السلام مع سبق دعائه وقوة يقينه، لا سيما بعد مشاهدته للشواهد المذكورة في آل عمران ؛ استعظامًا لقدرة الله تعالى، وتعجيبًا منها، واعتدادًا بنعمته تعالى عليه في ذلك، بإظهار أنه من محض فضل الله وكرمه، مع كونه في نفسه من الأمور المستحيلة عادة. وقيل : كان دهشًا من ثمرة الفرح، وقيل : كان ذلك منه استفهامًا عن كيفية حدوثه. وقيل : بل كان ذلك بطريق الاستبعاد، حيث كان بين الدعاء والبشارة سِتُّون سنة، وكان قد نسي دعاءه، وهو بعيد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إجابة الدعاء مشروطة بالاضطرار، قال تعالى :﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [ النَّمل : ٦٢ ] وفي الحِكَم :" ما طلَبَ لك شيءٌ مثلُ الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا اضطررت إلى مولاك، فلا محالة يجيب دعاك، لكن فيما يريد لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد. فلا تيأس ولا تستعجل ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ]. فإذا رأيت مولاك أجابك فيما سألته، فاجعل كلامك كله في شكره وذكره، واستفرغ أوقاتك، إلا من شهود إحسانه وبره. وبالله التوفيق.
﴿ قال كذلك ﴾ : خبر، أي : الأمر كذلك، فيوقف عليه.
﴿ قال كذلك ﴾ أي : الأمر كما ذكر من كبر السن وعقم المرأة، لكن هو على قدرتنا هين، ولذلك قال :﴿ قال ربك هو عليّ هيِّنٌ ﴾، أو مثل ذلك القول البديع قال ربك، ثم فسَره بقوله :﴿ هو عليّ هيِّن ﴾، أو " مثل " مقحمة، أي : ذلك قال ربك. والإشارة إلى مصدره، الذي هو عبارة عن إيجاد الولد السابق، أو كذلك قضى ربك.
ثم قال :﴿ هو عليَّ هيِّن وقد خلقتُكَ من قبلُ ولم تكُ شيئًا ﴾ أي : وقد أوجدت أصلك " آدم " من العدم، ثم نشأتَ أنت من صلبه، ولم تك شيئًا، فإن نشأة آدم عليه السلام وتصويره منطوية على نشأة أولاده، ولذلك قال في آية أخرى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ [ الأعرَاف : ١١ ] الآية. انظر تفسير أبي السعود.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إجابة الدعاء مشروطة بالاضطرار، قال تعالى :﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [ النَّمل : ٦٢ ] وفي الحِكَم :" ما طلَبَ لك شيءٌ مثلُ الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا اضطررت إلى مولاك، فلا محالة يجيب دعاك، لكن فيما يريد لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد. فلا تيأس ولا تستعجل ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ]. فإذا رأيت مولاك أجابك فيما سألته، فاجعل كلامك كله في شكره وذكره، واستفرغ أوقاتك، إلا من شهود إحسانه وبره. وبالله التوفيق.
ثم يقول :﴿ قال ربك ﴾، أو مصدر لقال الثانية، أي : مثل ذاك القول قال ربك. و﴿ سويًّا ﴾ : حال من فاعل ﴿ تكلم ﴾.
﴿ قال ربِّ اجعلْ لي آية ﴾ أي : علامة تدلني على تحقق المسؤول، وبلوغ المأمول، وهو حمل المرأة بذلك الولد، لأتلقى تلك النعمة العظيمة بالشكر حين حدوثها، ولا أؤخر الشكر إلى وقت ظهورها، وينبغي أن يكون سؤاله الآية بعد البشارة ببرهة من الزمان ؛ لما يُروى أن ( يحيى كان أكبر من عيسى - عليهما السلام - بستة أشهر، أو بثلاث سنين )، ولا ريب في أن دعاء زكريا عليه السلام كان في صغر مريم، لقوله تعالى :﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ﴾ [ آل عمران : ٣٨ ]، وهي إنما ولدت عيسى عليه السلام وهي بنت عشر سنين، أو ثلاث عشرة سنة، أو يكون تأخر ظهورُ الآية إلى قرب بلوغ مريم - عليها السلام -.
﴿ قال ﴾ له تعالى :﴿ آيتك ألاّ تُكَلّم الناس ﴾ أي : أن لا تقدر على أن تُكلم الناسَ مع القدرة على الذكر، ﴿ ثلاث ليالٍ ﴾ بأيامهن، للتصريح بها في آل عمران١، حال كونك ﴿ سويًّا ﴾ أي : سَوِيّ الخَلْقِ سليم الجوارح، ما بك شائبَةُ بَكَمٍ ولا خَرَس، وإنما مُنعت بطريق الاضطرار مع كمال الأعضاء. وحكمة منعه ؛ لينحصر كلامه في الشكر والذكر في تلك الأيام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إجابة الدعاء مشروطة بالاضطرار، قال تعالى :﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [ النَّمل : ٦٢ ] وفي الحِكَم :" ما طلَبَ لك شيءٌ مثلُ الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا اضطررت إلى مولاك، فلا محالة يجيب دعاك، لكن فيما يريد لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد. فلا تيأس ولا تستعجل ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ]. فإذا رأيت مولاك أجابك فيما سألته، فاجعل كلامك كله في شكره وذكره، واستفرغ أوقاتك، إلا من شهود إحسانه وبره. وبالله التوفيق.

١ كما في قوله في الآية ٤١ من سورة آل عمران: ﴿قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا﴾..
﴿ فخرج على قومِهِ من المحراب ﴾ : من المصلّى، وكان مغلقًا عليه، فالمحراب مكان التعبد، أو من الغرفة، وكانوا من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب، ليدخلوا ويُصلوا، إن خرج عليهم متغيرًا لونه، فأنكروه، وقالوا له : ما لك ؟ ﴿ فأوحى إليهم ﴾ أي : أوْمَأ إليهم، وقيل كتب في الأرض ﴿ أن سبِّحُوا ﴾ أي صلوا ﴿ بُكرةً وعَشِيًا ﴾ : صلاة الفجر وصلاة العصر، ولعلها كانت صلاتهم. أو : نزهوا ربكم طرفي النهار، ولعله أُمِر أن يُسبح فيها شكرًا، ويأمر قومه بذلك. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إجابة الدعاء مشروطة بالاضطرار، قال تعالى :﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [ النَّمل : ٦٢ ] وفي الحِكَم :" ما طلَبَ لك شيءٌ مثلُ الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا اضطررت إلى مولاك، فلا محالة يجيب دعاك، لكن فيما يريد لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد. فلا تيأس ولا تستعجل ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ]. فإذا رأيت مولاك أجابك فيما سألته، فاجعل كلامك كله في شكره وذكره، واستفرغ أوقاتك، إلا من شهود إحسانه وبره. وبالله التوفيق.
ثم ذكر وصيته ليحيى عليه السلام ونعوته، فقال :
﴿ يا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ﴾ * ﴿ وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً ﴾ * ﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً ﴾ * ﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾
قلت :﴿ صبيًا ﴾ : حال من مفعول ﴿ آتيناه ﴾، و﴿ حنانًا ﴾ و﴿ زكاة ﴾ : عطف على ﴿ الحُكْم ﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ يا يحيى ﴾ أي : قلنا يا يحيى، وهذا استئناف طُوي قبله جمل كثيرة، مما يدل على ولادته ونشأته، حتى أوحي إليه، ثم قال له :﴿ يا يحيى خُذِ الكتابَ ﴾ أي : التوراة، وقيل : كتاب خُص به، فدلت الآية على رسالته. وفي تفسير ابن عرفة : أن يحيى رسول كعيسى. ه. وقوله :﴿ بقوةٍ ﴾ أي : بجد واجتهاد، وقيل : بالعمل به، ﴿ وآتيناه الحُكم صبيًا ﴾، قال ابن عباس :( الحكم هنا النبوة، استنبأهُ وهو ابن ثلاث سنين )، قلت : كون الصبي نبيًا جائز عقلاً، واقع عند الجمهور، وأما بعثه رسولاً فجائز عقلاً، وظاهر كلام الفخر هنا أنه واقع، وأن يحيى وعيسى بُعثا صغيرين. وقال ابن مرزوق في شرح البخاري ما نصه :( الأعم : بعث الأنبياء بعد الأربعين ) ؛ لأنه بلوغ الأشد، وقيل : أرسل يحيى وعيسى - عليهما السلام - صبيين. وقال ابن العربي : يجوز، ولم يقع.
وقول عيسى عليه السلام :( إني عبد الله ) إخبار عما وجب في المستقبل، لا عما حصل. واستُشْكِلَ جواز بعث الصبي بأنه تكليف، وشرطُه : البلوغُ، إن كانت الشرائع فيه سواء. انظر المحشي الفاسي. قلت : والذي يظهر أن يحيى وعيسى - عليهما السلام - تنبئا صغيرين، وأرسلا بعد البلوغ. والله تعالى أعلم. وقيل : الحكم : الحكمة وفهم التوراة والفقه في الدين. رُوي أنه دعاه الصبيان إلى اللعب، فقال : ما لِلَعِبٍ خُلقت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أخذ الكتاب بالقوة - وهو الجد والاجتهاد في قراءته - هو أن يكون متجردًا لتلاوته، منصرف الهمة إليه عن غيره، فلا يصدق على العبد أن يأخذ كتاب ربه بقوة، حتى يكون هكذا عند تلاوته. قال الورتجبي :﴿ خُذ الكتابَ بقوة ﴾ أي : خذ كتابنا بنا لا بك، والكتاب كلام الحق الأزلي، أي : خذ الكتاب الأزلي بالقوة الأزلية. هـ. ومعناه أن يكون التالي فانيًا عن نفسه، متكلمًا بربه، ويسمعه من ربه، فهذا حال المقربين. والله تعالى أعلم.
و﴿ من لدنا ﴾ : متعلق بمحذوف، صفة له مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية، أي : وآتيناه الحكم وتحنُّنًا عظيمًا واقعًا من جنابنا، أو شفقة في قلبه ورحمة على أبويه وغيرهما. قال ابن عباس :( ما أدري ما حنانًا إلا أن يكون تعطف رحمة الله على عباده ). ومنه قولهم :" حَنَانَيْكَ "، مثل سعديْك، وأصله : من حنين الناقة على ولدها، و﴿ برًّا ﴾ : عطف على ﴿ تقيًّا ﴾.
﴿ و ﴾ آتيناه ﴿ حنانًا ﴾ أي : تحنُّنًا عظيمًا ﴿ من لَدُنَّا ﴾ : من جناب قدسنا، أو تحننًا من الناس عليه. قال عوف : الحنان المحبّب، ﴿ وزكاة ﴾ : طهارة من العيوب والذنوب، أو صدقة تصدقنا به على أبويه، أو : وفّقناه للتصدق على الناس. ﴿ وكان تقيًّا ﴾ ؛ مطيعًا لله، متجنبًا للمعاصي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أخذ الكتاب بالقوة - وهو الجد والاجتهاد في قراءته - هو أن يكون متجردًا لتلاوته، منصرف الهمة إليه عن غيره، فلا يصدق على العبد أن يأخذ كتاب ربه بقوة، حتى يكون هكذا عند تلاوته. قال الورتجبي :﴿ خُذ الكتابَ بقوة ﴾ أي : خذ كتابنا بنا لا بك، والكتاب كلام الحق الأزلي، أي : خذ الكتاب الأزلي بالقوة الأزلية. هـ. ومعناه أن يكون التالي فانيًا عن نفسه، متكلمًا بربه، ويسمعه من ربه، فهذا حال المقربين. والله تعالى أعلم.
و﴿ برًّا ﴾ : عطف على ﴿ تقيًّا ﴾.
﴿ وبرًا بوالديه ﴾ : لطيفًا بهما محسنًا إليهما، ﴿ ولم يكن جبارًا عصيًّا ﴾ ؛ متكبرًا عاقًا، فالجبّار : هو المتكبر، لأنه يجبر الناس على أخلاقه. وقيل : من لا يقبل النصيحة، أو عاصيًا الله تعالى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أخذ الكتاب بالقوة - وهو الجد والاجتهاد في قراءته - هو أن يكون متجردًا لتلاوته، منصرف الهمة إليه عن غيره، فلا يصدق على العبد أن يأخذ كتاب ربه بقوة، حتى يكون هكذا عند تلاوته. قال الورتجبي :﴿ خُذ الكتابَ بقوة ﴾ أي : خذ كتابنا بنا لا بك، والكتاب كلام الحق الأزلي، أي : خذ الكتاب الأزلي بالقوة الأزلية. هـ. ومعناه أن يكون التالي فانيًا عن نفسه، متكلمًا بربه، ويسمعه من ربه، فهذا حال المقربين. والله تعالى أعلم.
﴿ وسلامٌ عليه ﴾ أي : سلامة من الله تعالى عليه، ﴿ يوم وُلِدَ ﴾ من أن يناله الشيطان بما ينال بني آدم، ﴿ ويومَ يموتُ ﴾ من عذاب القبر، ﴿ ويوم يُبعث حيَّا ﴾ من هول القيامة وعذاب النار.
رُوِيَ أن يحيى وعيسى - عليهما السلام - التقيا، فقال له يحيى : استغفر لي، فأنت خير مني، فقال له عيسى : أنت خير مني، أنا سلمت على نفسي وأنت سلم الله عليك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أخذ الكتاب بالقوة - وهو الجد والاجتهاد في قراءته - هو أن يكون متجردًا لتلاوته، منصرف الهمة إليه عن غيره، فلا يصدق على العبد أن يأخذ كتاب ربه بقوة، حتى يكون هكذا عند تلاوته. قال الورتجبي :﴿ خُذ الكتابَ بقوة ﴾ أي : خذ كتابنا بنا لا بك، والكتاب كلام الحق الأزلي، أي : خذ الكتاب الأزلي بالقوة الأزلية. هـ. ومعناه أن يكون التالي فانيًا عن نفسه، متكلمًا بربه، ويسمعه من ربه، فهذا حال المقربين. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر قصة مريم –عليها السلام- فقال :
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً ﴾ * ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَ كَذالِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً ﴾
قلت :﴿ إذ انتبذت ﴾ : بدل اشتمال من مريم، على أن المراد بها نبؤها، فإن الظرف مشتمل على ما فيها، وقيل : بدل الكل، على أن المراد بالظرف ما وقع فيه. وقيل :" إذ " ظرف لنبأ المقدر، أي : اذكر نبأ مريم حين انتبذت ؛ لأن الذكر لا يتعلق بالأعيان، لكن لا على أن يكون المأمور به ذكر نبأها عند انتباذها فقط، بل كل ما عطف عليه وحكي بعده بطريق الاستثناء داخل في حيز الظرف متمم للنبأ. و﴿ مكانًا ﴾ : مفعول بانتبذت، باعتبار ما فيه من معنى الإتيان، أي : اعتزلت وأتَتْ مكانًا شرقيًا، أو ظرف له، أي : اعتزلت في مكان شرقي.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ واذكرْ ﴾ يا محمد ﴿ في الكتابِ ﴾ : القرآن، والمراد هذه السورة الكريمة ؛ لأنها هي التي صُدرت بذكر زكريا، واستتبعت بذكر قصة مريم ؛ لما بينهما من الاشتباك. أي : اذكر في الكتاب نبأ ﴿ مريم إِذ انتبذتْ ﴾ ؛ حين اعتزلت ﴿ من أهلها ﴾ وأتت ﴿ مكانًا شرقيًا ﴾ من بيت المقدس، أو من دارها لتتخلى فيه للعبادة، ولذلك اتخذت النصارى المشرق قبلة وقيل : قعدت في مشربة لتغتسل من الحيْض، محتجبة بشيء يسترها، وذلك قوله تعالى :﴿ فاتخذتْ من دونهم حجابًا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا تظهر النتائج والأسرار إلا بعد الانتباذ عن الفجار، وعن كل ما يشغل القلب عن التذكار، أو عن الشهود والاستبصار، فإذا اعتزل مكانًا شرقيًا، أي : قريبًا من شروق الأنوار والأسرار، بحيث يكون قريبًا من أهل الأنوار، أو بإذنهم، أرسل الله إليه روحًا قدسيًا، وهو وارد رباني تحيا به روحُه وسرُه وقلبُه وقالبُه، فيهب له عِلمًا لدنيا، وسرًا ربانيًا، يكون آية لمن بعده، ورحمة لمن اقتدى به وتبعه. وبالله التوفيق.
و﴿ بَشرًا ﴾ : حال.
﴿ فاتخذتْ من دونهم حجابًا ﴾، وكان موضعها المسجد، فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، وإذا طهرت عادت إلى المسجد. فبينما هي تغتسل من الحيض، متحجبةً دونهم، أتاها جبريل عليه السلام في صورة آدمي، شاب أمرد، وضيء الوجه.
قال تعالى :﴿ فأرسلنا إِليها رُوحنا ﴾ : جبريل عليه السلام، عبَّر عنه بذلك ؛ توفية للمقام حقه. وقرئ بفتح الراء ؛ لكونه سببًا لِمَا فيه روح العباد، يعني اتباعه والاهتداء به، الذي هو عدة المقربين في قوله :﴿ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ( ٨٨ ) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ﴾ [ الواقِعَة : ٨٨، ٨٩ ]. ﴿ فتمثَّل لها بشرًا سويًّا ﴾ : سَويّ الخَلق، كامل البنية، لم يفقد من حِسان نعوت الآدمية شيئًا، وقيل : تمثل لها في صورة شاب تِرْبٍ لها، اسمه يوسف، مِنْ خدَم بيت المقدس، وإنما تمثل لها في تلك الصورة الجميلة لتستأنس به، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلامه تعالى ؛ إذ لو ظهر لها على صورة الملَكية، لنفرت منه ولم تستطع مقاومته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا تظهر النتائج والأسرار إلا بعد الانتباذ عن الفجار، وعن كل ما يشغل القلب عن التذكار، أو عن الشهود والاستبصار، فإذا اعتزل مكانًا شرقيًا، أي : قريبًا من شروق الأنوار والأسرار، بحيث يكون قريبًا من أهل الأنوار، أو بإذنهم، أرسل الله إليه روحًا قدسيًا، وهو وارد رباني تحيا به روحُه وسرُه وقلبُه وقالبُه، فيهب له عِلمًا لدنيا، وسرًا ربانيًا، يكون آية لمن بعده، ورحمة لمن اقتدى به وتبعه. وبالله التوفيق.
وجواب ﴿ إن كنت ﴾ : محذوف، أي : إن كنت تقيًا فإني عائذة بالرحمان منك.
وأما ما قيل من أن ذلك لتَهيج شهوتُها، فتنحدر نطفتها إلى رحمها، فغلط فاحش، ينحو إلى مذهب الفلاسفة، ولعلها نزعة مسروقة من مطالعة كتبهم، يُكذبه قوله تعالى :﴿ قالت إِني أعوذ بالرحمان منك إِن كنت تقيًا ﴾، فإنه شاهد عدل بأنه لم يخطر ببالها ميل إليه، فضلاً عن ما ذكر من الحالة المترتبة على أقصى مراتب الميل والشهوة.
نعم يمكن أن يكون ظهر على ذلك الحُسن الفائق والجمال اللائق ؛ لابتلائها واختبار عِفّتها، ولقد ظهر منها من الورع والعفاف ما لا غاية وراءه. وذِكْرُ عنوان الرحمانية ؛ للمبالغة في العِيَاذ به تعالى، واستجلاب آثار الرحمة الخاصة، التي هي العصمة مما دهمها. قاله أبو السعود. وقولها :﴿ إِن كنتَ تَقيًّا ﴾ أي : تتقي الله فتُبَالى بالاستعاذة به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا تظهر النتائج والأسرار إلا بعد الانتباذ عن الفجار، وعن كل ما يشغل القلب عن التذكار، أو عن الشهود والاستبصار، فإذا اعتزل مكانًا شرقيًا، أي : قريبًا من شروق الأنوار والأسرار، بحيث يكون قريبًا من أهل الأنوار، أو بإذنهم، أرسل الله إليه روحًا قدسيًا، وهو وارد رباني تحيا به روحُه وسرُه وقلبُه وقالبُه، فيهب له عِلمًا لدنيا، وسرًا ربانيًا، يكون آية لمن بعده، ورحمة لمن اقتدى به وتبعه. وبالله التوفيق.
﴿ قال إِنما أنا رسولُ ربك ﴾ أي : لستُ ممن يتوقع منه ما توهمت من الشر، وإنما أنا رسول من استعذت برحمانيته ؛ ﴿ لأهَبَ لك غُلامًا ﴾ أي : لأكون سببًا في هبة الغلام، أو : ليهب لك ربُك غُلامًا - في قراءة الياء -. والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرها ؛ لتشريفها وتسليتها، والإشعار بعلية الحكم ؛ فإن هبة الغلام لها من أحكام تربيتها. وقوله :﴿ زكيًّا ﴾ أي : طاهرًا من العيوب صالحًا، أو تزكو أحواله وتنمو في الخير، من سن الطفولية إلى الكبر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا تظهر النتائج والأسرار إلا بعد الانتباذ عن الفجار، وعن كل ما يشغل القلب عن التذكار، أو عن الشهود والاستبصار، فإذا اعتزل مكانًا شرقيًا، أي : قريبًا من شروق الأنوار والأسرار، بحيث يكون قريبًا من أهل الأنوار، أو بإذنهم، أرسل الله إليه روحًا قدسيًا، وهو وارد رباني تحيا به روحُه وسرُه وقلبُه وقالبُه، فيهب له عِلمًا لدنيا، وسرًا ربانيًا، يكون آية لمن بعده، ورحمة لمن اقتدى به وتبعه. وبالله التوفيق.
و﴿ بَغِيًّا ﴾ أصله : بغوي، على وزن فعول، فأدغمت الواو - بعد قلبها ياء - في الياء، وكسرت الغين للياء.
﴿ قالت أنَّى يكونُ لي غلامٌ ﴾ كما وصفتَ، ﴿ و ﴾ الحال أنه ﴿ لم يَمْسَسني بشرٌ ﴾ بالنكاح، ﴿ ولم أكُ بغيًا ﴾ ؛ زانية فاجرة تبتغي الرجال ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا تظهر النتائج والأسرار إلا بعد الانتباذ عن الفجار، وعن كل ما يشغل القلب عن التذكار، أو عن الشهود والاستبصار، فإذا اعتزل مكانًا شرقيًا، أي : قريبًا من شروق الأنوار والأسرار، بحيث يكون قريبًا من أهل الأنوار، أو بإذنهم، أرسل الله إليه روحًا قدسيًا، وهو وارد رباني تحيا به روحُه وسرُه وقلبُه وقالبُه، فيهب له عِلمًا لدنيا، وسرًا ربانيًا، يكون آية لمن بعده، ورحمة لمن اقتدى به وتبعه. وبالله التوفيق.
و﴿ لنجعله ﴾ : متعلق بمحذوف، أي : ولنجعله آية فعلنا ذلك، أو معطوف على محذوف، أي : لنُبين لهم كمال قدرتنا ولنجعله. . . الخ. أو على جملة :﴿ هو عليّ هين ﴾ ؛ لأنها في معنى العلة، أي : كذلك قال ربك ؛ لقدرتنا على ذلك ؛ ولنجعله. . . الخ.
﴿ قال ﴾ لها الملك :﴿ كذلك ﴾ أي : الأمر كما قلتُ لك ﴿ قال ربكِ هو عليَّ هيِّنٌ ﴾ أي : هبة الغلام من غير أن يمسسك بشرٌ هين سهل على قدرتنا، وإن كان مستحيلاً عادة ؛ لأني لا أحتاج إلى الأسباب والوسائط، بل أمرنا بين الكاف والنون، ﴿ و ﴾ إنما فعلنا ذلك ﴿ لنجعله آيةً للناس ﴾ يستدلون به على كمال قدرتنا. والالتفات إلى نون العظمة ؛ لإظهار كمال الجلالة، ﴿ و ﴾ لنجعله ﴿ رحمةً ﴾ عظيمة كائنة ﴿ منا ﴾ عليهم، ليهتدوا بهدايته، ويُرشدوا بإرشاده. ﴿ وكان ﴾ ذلك ﴿ أمرًا مقضيًا ﴾ في الأزل، قد تعلق به قضاء الله وقدره، وسُطِّر في اللوح المحفوظ، فلا بُدّ من جريانه عليك، أو : كان أمرًا حقيقيًا بأن يقضى ويفعل ؛ لتضمنه حِكَمًا بالغة وأسرارًا عجيبة. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا تظهر النتائج والأسرار إلا بعد الانتباذ عن الفجار، وعن كل ما يشغل القلب عن التذكار، أو عن الشهود والاستبصار، فإذا اعتزل مكانًا شرقيًا، أي : قريبًا من شروق الأنوار والأسرار، بحيث يكون قريبًا من أهل الأنوار، أو بإذنهم، أرسل الله إليه روحًا قدسيًا، وهو وارد رباني تحيا به روحُه وسرُه وقلبُه وقالبُه، فيهب له عِلمًا لدنيا، وسرًا ربانيًا، يكون آية لمن بعده، ورحمة لمن اقتدى به وتبعه. وبالله التوفيق.
ثم ذكر حملها وولادتها وما كان من شأنها مع قومها، فقال :
﴿ فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً ﴾ * ﴿ فَأَجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴾ * ﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ﴾ * ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ﴾ * ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِيا إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ * ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ﴾ * ﴿ يا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ * ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ﴾ * ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ﴾ * ﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ﴾ * ﴿ وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ فحملَتْهُ ﴾ بأن نفخ جبريل في درعها، فدخلت النفخة في جوفها. قيل : إن جبريل عليه السلام رفع درعها فنفخ في جيبه، وقيل : نفخ عن بُعد، فوصل الريح إليها فحملت في الحال، وقيل : إن النفخة كانت في فيها، وكانت مدة حملها سبعة أشهر، وقيل : ثمانية. ولم يعش ولد من ثمانية. وفي ابن عطية : تظاهرت الروايات أنها ولدت لثمانية أشهر، ولذلك لا يعيش ابن ثمانية أشهر ؛ حفظًا لخاصية عيسى، فتكون معجزة له. ه. وقيل : تسعة أشهر. وقيل : ثلاث ساعات، حملته في ساعة، وصُور في ساعة، ووضعته في ساعة حين زالت الشمس. وقيل : ساعة، ما هو إلا أن حملت فوضعت، وسنها حينئذ ثلاث عشرة سنة، وقيل : عشر سنين، وقد حاضت حيضتين.
﴿ فانتبذت به ﴾ أي : فاعتزلت ملتبسة به حين أحست بقرب وضعها، ﴿ مكانًا قَصيًّا ﴾ : بعيدًا من أهلها وراء الجبل، وقيل : أقصى الدار.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

﴿ فأجاءها المخاضُ ﴾ ؛ فألجأها المخاض. وقرئ بكسر الميم. وكلاهما مصدر، مَحَضتِ المرأة : إذا تحرك الولد في بطنها للخروج، ﴿ إِلى جِذْعِ النخلةِ ﴾ لتستتر به، أو لتعتمد عليه عند الولادة، وهو ما بين العِرق والغصن. وكانت نخلة يابسة، لا رأس لها ولا قعدة، قد جيء بها لبناء بيت، وكان الوقت شتاء، والتعريف في النخلة إما للجنس أو للعهد، إذ لم يكن ثَمَّ غيرها، ولعله تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياتها ما يسكن روعتها، وليطعمها الرطب، الذي هو من طعام النفساء الموافق لها.
﴿ قالت ﴾ حين أخذها وجع الطلق :﴿ يا ليتني متُّ ﴾ بكسر الميم، من مات يُمَاتُ، وبالضم، من مات يموت، ﴿ قبل هذا ﴾ الوقت الذي لقيتُ فيه ما لقيت، وإنما قالته، مع أنها كانت تعلم ما جرى لها مع جبريل عليه السلام من الوعد الكريم ؛ استحياء من الناس، وخوفًا من لائمتهم، أو جريًا على سنن الصالحين عند اشتداد الأمر، كما رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تِبْنَةً من الأرض، فقال : ليتني هذه التبنة ولم أكن شيئًا ". وقال بلال :( ليت بلالاً لم تلده أمه ). ثم قالت :﴿ وكنتُ نسْيًا ﴾ أي : شيئًا تافهًا شأنه أن يُنسى ولا يُعتد به، ﴿ منسيًّا ﴾ لا يخطر ببال أحد من الناس. وقُرئ بفتح النون، وهما لغتان ؛ نِسي ونَسْي، كالوَتْر والوِتْر. وقيل : بالكسر : اسم ما ينسى، وبالفتح : مصدر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

﴿ فناداها ﴾ أي : جبريل عليه السلام ﴿ مِنْ تحتِها ﴾، قيل : إنه كان يقبل الولد من تحتها، أي : من مكان أسفل منها، وقيل : من تحت النخلة، وقيل : ناداها عيسى عليه السلام، ويرجحه قراءة من قرأ بفتح الميم، أي : فخاطبها الذي تحتها :﴿ أن لا تحزني ﴾، أو : بألا تحزني، على أنَّ " أنْ " مفسرة، أو مصدرية، حذف عنها الجار.
قد جعل ربك تحتكِ } أي : بمكان أسفل منك ﴿ سَرِيًا ﴾ أي : نهرًا صغيرًا، حسبما رُوي مرفوعًا. قال ابن عباس رضي الله عنهما :( إن جبريل عليه السلام ضرب برجله الأرض، فظهرت عين ماء عذب، فجرى جدولاً ). وقيل : فعله عيسى، أي : ضرب برجله فجرى، وقيل : كان هناك نهر يابس - أجرى الله تعالى فيه الماء -، كما فعل مثله بالنخلة، فإنها كانت يابسة لا رأس لها، فأخرج لها رأسًا وخُوصًا وتمرًا. وقيل : كان هناك نهرُ ماء. والأول أظهر ؛ لأنه الموافق لبيان إظهار الخوارق، والمتبادر من النظم الكريم.
وقيل :﴿ سريًا ﴾ أي : سيدًا نبيلاً رفيعَ الشأن جليلاً، وهو عيسى عليه السلام، والتنوين حينئذ للتفخيم. والجملة تعليل لانتفاء الحزن المفهوم من النهي. والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرها ؛ لتشريفها وتأكيد التعليل وتكميل التسلية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

قلت :﴿ رُطبًا ﴾ : تمييز، فيمن أثبت التاءين، أو حذف إحداهما، ومفعول به، فيمن قرأ بتاء واحدة مع كسر القاف.
ثم قال :﴿ وهُزّي إِليك ﴾ أي : حركي النخلة إليك، أي : جاذبة لها إلى جهتك. فهَزُّ الشيء : تحريكه إلى الجهات المتقابلة تحريكًا عنيفًا، والمراد هنا ما كان بطريق الجذب والدفع. والباء في قوله :﴿ بجذع النخلة ﴾ : صلة للتأكيد، لقول العرب : هزَّ الشيء وهز به، أو للإلصاق. فإذا هززت النخلة ﴿ تَسَّاقَط ﴾ أي : تتساقط. وقُرئ : تساقِطَ، وتُسْقِط، أي : النخلة عليك إسقاطًا متواترًا بحسب تواتر الهز ﴿ رُطبًا جنيًا ﴾ أي : طريًّا، وهو ما قطع قبل يبسه. فعيل بمعنى مفعول، أي : مجنيًا صالحًا للاجتناء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

﴿ فكُلي ﴾ من ذلك الرطب ﴿ واشربي ﴾ من ذلك السري، ﴿ وقَرّي عينًا ﴾ ؛ وطيبي نفسًا وارفضي عنك ما أحزنك وأهمك، فإنه تعالى قد نزه ساحتك عن التُهم، بما يفصح به لسان ولدك من التبرئة. أو : وقري عينًا بحفظ الله ورعايته في أمورك كلها. وقرة العين : برودتها، مأخوذ من القرّ، وهو البرد ؛ لأن دمع الفرح بارد، ودمع الحزن سُخن، ولذلك يقال : قرة العين للمحبوب، وسُخنة العين للمكروه.
﴿ فإِما تَرَينَّ من البشر أحدًا ﴾ آدميًا كائنًا من كان ﴿ فقولي ﴾ له إن استنطقكِ أو لامك :﴿ إِني نذرتُ للرحمان صومًا ﴾ أي : صمتًا، وقُرئ كذلك، وكان صيامهم السكوت، فكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الطعام. وذكر ابن العربي في الأحوذي : أن نبينا - عليه الصلاة والسلام - اختص بإباحة الكلام لأمته في الصوم، وكان محرمًا على من قبلنا، عكس الصلاة. ه. قالت :﴿ فلن أُكلِّمَ اليوم إِنسيًّا ﴾ أي : بعد أن أخبرتكم بنذري، وإنما أكلم الملائكة أو أناجي ربي. وقيل : أُمرت بأن تُخبر عن نذرها بالإشارة. قال الفراء : العرب تُسمى كل ما وصل إلى الإنسان كلامًا، ما لم يُؤكّد بالمصدر، فإذا أُكد لم يكن إلا حقيقة الكلام. ه. وإنما أُمرت بذلك ونذرته ؛ لكراهة مجادلة السفهاء ومقاولتهم، وللاكتفاء بكلام عيسى عليه السلام ؛ فإنه نص قاطع في قطع الطعن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

﴿ فأتت به قومًها ﴾ عندما طَهُرت من نفاسها، ﴿ تحملُه ﴾ أي : حاملة له. قال الكلبي : احتمل يوسف النجار - وكان ابن عمها - مريمَ وابنها عيسى، فأدخلهما غارًا أربعين يومًا، حتى تَعَلّتْ من نفاسها، ثم جاءت به تحمله بعد أربعين يومًا، وكلمها عيسى في الطريق، فقال : يا أمه، أبشري، فإني عبد الله ومسِيحُه. فلما رآها أهلُها، بَكَوا وحزنوا، وكانوا قومًا صالحين. ﴿ قالوا يا مريمُ لقد جئتِ ﴾ أي : فعلت ﴿ شيئًا فَرِيًّا ﴾ : عظيمًا بديعًا منكرًا، من فَرَى الجلد : قطعه. قال أبو عبيدة :( كل فائق من عَجَب أو عمل فهو فَرِيّ ). قال النبي صلى الله عليه وسلم : في حق عمر رضي الله عنه :" فلم أرَ عَبْقَرِيًا من النَّاس يَفْرِي فَرِيَّه " ١، أي : يعمل عمله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.


١ أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٥، وفضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب ٥، ٦، والتعبير باب ٢٨، ٢٩، والتوحيد باب ٣١، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ١٩، وأحمد في المسند ٢/٢٨، ٣٩، ٨٩، ١٠٤، ١٠٧، ٤٥٠..
﴿ يا أخت هارون ﴾، عنوا هارون أخا موسى ؛ لأنها كانت من نسله، أي : كانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة، وكان بينها وبينه ألفُ سنة. أو يا أخت هارون في الصلاح والنسك، وكان رجلاً صالحًا في زمانهم اسمه هارون، فشبهوها به. ذُكِرَ لما مات تبع جنازته أربعون ألفًا، كلهم يسمي هارون من بني إسرائيل. وقيل : إن هارون الذي شبهوها به كان أفسق بني إسرائيل، فشتموها بتشبيهها به. ﴿ ما كان أبوك ﴾ عمران ﴿ امْرأَ سَوْءٍ وما كانت أُمك بغيًا ﴾، فمن أين لك هذا الولد من غير زوج ؟. هذا تقرير لكون ما جاءت به فريًا منكرًا، أو تنبيه على أن ارتكاب الفواحش من أولاد الصالحين أفحش الفواحش.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

﴿ فأشارتْ إِليه ﴾ أي : إلى عيسى أن كلموه، ولم تكلمهم وفاء بنذرها، وإشارتها إليه من باب الإدلال، رجوعًا لقوله لها :﴿ وقرّي عينًا ﴾، ولا تقر عينها إلا بالوفاء بما وعُدت به، من العناية بأمرها والكفاية لشأنها، وذلك يقتضي انفرادها بالله وغناها به، فتدل بالإشارة. وكان ذلك طوعَ يدها، وتذكّر قضية جريج. قاله في الحاشية. ﴿ قالوا ﴾ منكرين لجوابها :﴿ كيف نُكلم من كان في المهد صبيًّا ﴾، ولم يُعهد فيما سلف صبي يكلمه عاقل. و﴿ كان ﴾ هنا : تامة. و﴿ صبيًّا ﴾ : حال. وقيل : زائدة، أي : من هو في المهد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

﴿ قال ﴾ عيسى عليه السلام :﴿ إِني عبد الله ﴾، أنطقه الله تعالى بذلك تحقيقًا للحق، وردًا على من يزعم ربوبيته. قيل كان المستنطق لعيسى زكريا - عليهما السلام - وعن السدي :( لما أشارت إليه، غضبوا، وقالوا : لَسُخْرِيَتُها بنا أشدُّ علينا مما فعلت ). رُوي أنه عليه السلام كان يرضع، فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه، واتكأ على يساره، وأشار بسبابته، فقال ما قال. وقيل : كلمهم بذلك، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغًا يتكلم فيه الصبيان.
ثم قال في كلامه :﴿ آتاني الكتابَ ﴾ : الإنجيل :﴿ وجعلني ﴾ مع ذلك ﴿ نبيًّا وجعلني مباركًا ﴾ : نفَّاعًا للناس، معلمًا للخير ﴿ أينما كنتُ ﴾ أي : حيثما كنت، ﴿ وأوصاني بالصلاة ﴾ : أمرني بها أمرًا مؤكدًا، ﴿ والزكاة ﴾ ؛ زكاة الأموال، أو بتطهير النفس من الرذائل ﴿ ما دمت حيًا ﴾ في الدنيا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

﴿ و ﴾ جعلني ﴿ برًّا بوالدتي ﴾ فهو عطف على ﴿ مباركًا ﴾. وقرئ بالكسر، على أنه مصدرٌ وُصف به مبالغةً، وعبّر بالفعل الماضي في الأفعال الثلاثة ؛ إما باعتبار ما سبق في القضاء المحتوم، أو بجعل ما سَيَقَع واقعًا لتحققه. ثم قال :﴿ ولم يجعلني جبارًا شقيًّا ﴾ عند الله تعالى، بل متواضعًا لينًا، سعيدًا مقربًا، فكان يقول : سلوني، فإن قلبي لين، وإني في نفسي صغير، لما أعطاه الله من التواضع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ و ﴾ جعلني ﴿ برًّا بوالدتي ﴾ فهو عطف على ﴿ مباركًا ﴾. وقرئ بالكسر، على أنه مصدرٌ وُصف به مبالغةً، وعبّر بالفعل الماضي في الأفعال الثلاثة ؛ إما باعتبار ما سبق في القضاء المحتوم، أو بجعل ما سَيَقَع واقعًا لتحققه. ثم قال :﴿ ولم يجعلني جبارًا شقيًّا ﴾ عند الله تعالى، بل متواضعًا لينًا، سعيدًا مقربًا، فكان يقول : سلوني، فإن قلبي لين، وإني في نفسي صغير، لما أعطاه الله من التواضع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.


ثم قال :﴿ والسلام عليَّ يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبعث حيًّا ﴾، كما تقدم على يحيى. وفيه تعريض بمن خالفه، فإن إثبات جنس السلام لنفسه تعريض بإثبات ضده لأضداده، كما في قوله تعالى :﴿ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ [ طه : ٤٧ ] ؛ فإنه تعريض بأن العذاب على من كذّب وتولى.
فهذا آخر كلام عيسى عليه السلام، وهو أحد من تكلم في المهد، وقد تقدم ذكرهم في سورة يوسف نظمًا ونثرًا. وكلهم معروفون، غير أن ماشطة ابنة فرعون لم تشتهر حكايتها. وسأذكرها كما ذكرها الثعلبي. قال : قال ابن عباس :( لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم مرت به ريح طيبة فقال : يا جبريل ما هذه الرائحة ؟ قال : رائحة ماشطةِ بنتِ فرعون، كانت تمشطها، فوقع المشط من يدها، فقالت : بسم الله، فقالت ابنته : أبى ؟ فقالت : لا، بل ربي وربك ورب أبيك. فقالت : أُخبر بذلك أبي ؟ قالت : نعم، فأخبرته فدعاها، وقال : من ربك ؟ قالت : ربي وربك في السماء، فأمر فرعون ببقرة - أي : آنية عظيمة من نحاس - فَأُحْمِيَتْ، ودعاها بولدها، فقالت : إن لي إليك لحاجةً، قال : وما حاجتك ؟ قالت : تجمع عظامي وعظامَ ولدي فتدفنها جميعًا، قال : وذلك لك علينا من الحقّ، سأفعل ذلك لك، فأمر بأولادها واحدًا واحدًا، حتى إذا كان آخر ولدها، وكان صبيًا مرضَعًا، قال : اصبري يا أمه. . . فألقاها في البقرة مع ولدها١. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من الآية أمور صوفية، منها : أن الإنسان يُباح له أن يستتر في الأمور التي تهتك عرضه، ويهرب إلى مكان يُصان فيه عرضه، إلا أن يكون في مقام الرياضة والمجاهدة، فإنه يتعاطى ما تموت به نفسه، ومنها : أنه لا بأس أن يلجأ الإنسان إلى ما يخفف آلامه ويسهل شدته، ولا ينافي توكله. ومنها : أن لا بأس أن يتمنى الموت إذا خاف ذهاب دينه أو عرضه، أو فتنة تحول بينه وبين قلبه. ويُؤخذ أيضًا من الآية : أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا ؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.
ومنها : أن تحريك الأسباب الشرعية لا ينافي التوكل، لقوله تعالى :﴿ وهُزي إليك ﴾. لكن إذا كانت خفيفة مصحوبة بإقامة الدين، غير معتمد عليها بقلبه، فإن كان متجردًا فلا يرجع إليها حتى يكمل يقينه، ويتمكن في معرفة الحق تعالى.
وقد كانت في بدايتها تأتي إليها الأرزاق بغير سبب كما في سورة آل عمران٢، وفي نهايتها قال لها :﴿ وهُزي إليك ﴾. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب، فلما تكمل يقينها رجعت إلى الأسباب، والحالة الثانية أتم من الحالة الأولى، وأما من قال : إن حبها أولاً كان لله وحده، فلما ولدت انقسم حبها، فهو تأويل لا يرضى ولا ينبغي أن يلتفت إليه، لأنها صدّيقة، والصدّيق والصدّيقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها.
ومنها : أن الإنسان لا بأس أن يوجب على نفسه عبادة، إذا كان يتحصن بها من الناس، أو من نفسه، كالصوم أو الصمت أو غيرهما، مما يحجزه عن العوام، أو عن الانتصار للنفس.
وقوله تعالى :﴿ والسلام عليّ يوم وُلدتُ... ﴾ الآية : قال الورتجبي : سلام يحيى سلام تخصيص الربوبية على العبودية. ثم قال : وسلام عيسى من عين الجمع، سلام فيه مزية ظهور الربوبية في معدن العبودية. وأرفع المقامين سلام الحق على سيد المرسلين كفاحًا في وصاله وكشف جماله، ولو سَلّم عليه بلسانه كان بلسان الحدث، ولا يبلغ رتبة سلامه بوصف قِدَمه. هـ.


١ أخرجه أحمد في المسند ١/٣٠٩..
ثم شرع في الرد على النصارى، وعلى من أشرك معه غيره، فقال تعالى :
﴿ ذالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ ﴾ * ﴿ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ * ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ * ﴿ فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ * ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ * ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ * ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾
و﴿ قول الحق ﴾ : مصدر مؤكد لقال، فيمن نصب، وخبر عن مضمر، فيمن رفع، أي : هو، أو هذا.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ ذلك ﴾ المنعوت بتلك النعوت الجليلة، والأوصاف الحميدة هو ﴿ عيسى ابنُ مريم ﴾، لا ما يصفه النصارى به من وصف الألوهية، فهو تكذيب لهم على الوجه الأبلغ والمنهاج البرهاني، حيث جعله موصوفًا بأضداد ما يصفونه به. وأتى بإشارة البعيد ؛ للدلالة على علو رُتبته وبُعد منزلته، وامتيازه بتلك المناقب الحميدة عن غيره، ونزوله منزلة المشاهد المحسوس.
هذا ﴿ قولُ الحق ﴾، أو قال عيسى ﴿ قولَ الحق ﴾ الذي لا ريب فيه، وأنه عبد الله ورسوله، ﴿ الذي فيه يمترون ﴾ أي : يشكون أو يتنازعون، فيقول اليهود : ساحر كذاب، ويقول النصارى : إله، أو ابن الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ينبغي للعبد المعتني بشأن نفسه أن يحصِّن عقائده بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، على وفاق أهل السُنَّة، ثم يجتهد في صحبة أهل العرفان، أهل الذوق والوجدان، حتى يُطلعوه على مقام الإحسان، مقام أهل الشهود والعيان.
فإذا فرط في هذا، لحقه الندم والحسرة، في يوم لا ينفع فيه ذلك. فكل من تخلف عن مقام الذوق والوجدان ؛ فهو ظالم لنفسه باخس لها، يلحقه شيء من الخسران، ولا بد أنْ تبقى فيه بقية من الضلال، حيث فرط عن اللحوق بطريق الرجال، قال تعالى :﴿ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ أي : يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه :( اللهم اغفر لي يوم لقائك ). فقال له شيخه - القطب ابن مشيش - رضي الله عنهما : هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ". هـ. كلامه رضي الله عنه.

و﴿ إذا قضى ﴾ : بدل من ﴿ يوم الحسرة ﴾، أو ظرف للحسرة.
﴿ ما كان لله أن يتخذ من ولد ﴾ أي : ما صح، أو ما استقام له أن يتخذ ولدًا، ﴿ سبحانه ﴾ وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا، فهو تنزيه عما بهتوه، ونطقوا به من البهتان، وكيف يصح أن يتخذ الله ولدًا، وهو يحتاج إلى أسباب ومعالجة، وأمره تعالى أسرع من لحظ العيون، ﴿ إِذا قضى أمرًا فإِنما يقول له كن فيكون ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ينبغي للعبد المعتني بشأن نفسه أن يحصِّن عقائده بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، على وفاق أهل السُنَّة، ثم يجتهد في صحبة أهل العرفان، أهل الذوق والوجدان، حتى يُطلعوه على مقام الإحسان، مقام أهل الشهود والعيان.
فإذا فرط في هذا، لحقه الندم والحسرة، في يوم لا ينفع فيه ذلك. فكل من تخلف عن مقام الذوق والوجدان ؛ فهو ظالم لنفسه باخس لها، يلحقه شيء من الخسران، ولا بد أنْ تبقى فيه بقية من الضلال، حيث فرط عن اللحوق بطريق الرجال، قال تعالى :﴿ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ أي : يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه :( اللهم اغفر لي يوم لقائك ). فقال له شيخه - القطب ابن مشيش - رضي الله عنهما : هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ". هـ. كلامه رضي الله عنه.

قلت :﴿ وإن الله ﴾ : عطف على قوله :﴿ إني عبد الله ﴾ فيمن كسر، وعلى حذف اللام فيمن فتح، أي : ولأن الله ربي وربكم. وقال الواحدي وأبو محمد مكي : عطف على قوله :﴿ بالصلاة ﴾ أي : أوصاني بالصلاة وبأن الله. . . الخ : وقال المحلي : بالفتح، بتقدير اذكر، وبالكسر بتقدير " قل ".
ثم قال لهم عيسى عليه السلام :﴿ وإنَّ الله ربي وربكم فاعبدوه ﴾، فهو من تمام ما نطق به في المهد، وما بينهما اعتراض، للمبادرة للرد على من غلط فيه، أي : فإني عبد، وإن الله ربي وربكم فاعبدوه وحده ولا تُشركوا معه غيره، ﴿ هذا ﴾ الذي ذكرت لكم من التوحيد ﴿ صراط مستقيم ﴾ لا يضل سالكه ولا يزيغ متبعه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ينبغي للعبد المعتني بشأن نفسه أن يحصِّن عقائده بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، على وفاق أهل السُنَّة، ثم يجتهد في صحبة أهل العرفان، أهل الذوق والوجدان، حتى يُطلعوه على مقام الإحسان، مقام أهل الشهود والعيان.
فإذا فرط في هذا، لحقه الندم والحسرة، في يوم لا ينفع فيه ذلك. فكل من تخلف عن مقام الذوق والوجدان ؛ فهو ظالم لنفسه باخس لها، يلحقه شيء من الخسران، ولا بد أنْ تبقى فيه بقية من الضلال، حيث فرط عن اللحوق بطريق الرجال، قال تعالى :﴿ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ أي : يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه :( اللهم اغفر لي يوم لقائك ). فقال له شيخه - القطب ابن مشيش - رضي الله عنهما : هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ". هـ. كلامه رضي الله عنه.

قال تعالى :﴿ فاختلف الأحزابُ من بينهم ﴾، الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، تنبيهًا على سوء صنيعهم، بجعلهم ما يُوجب الاتفاق منشأ للاختلاف، فإن ما حكى من مقالات عيسى عليه السلام، مع كونها نصوصًا قاطعة في كونه عبده تعالى ورسوله، قد اختلفت اليهود والنصارى بالتفريط والإفراط، وفرّق النصارى، فقالت النسطورية : هو ابن الله، وقالت اليعقوبية : هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وقالت المِلْكَانية : هو ثالث ثلاثة. ﴿ فويلٌ للذين كفروا ﴾ وهم : المختلفون فيه بأنواع الضلالات.
وأظهر الموصول في موضع الإضمار ؛ إيذانًا بكفرهم جميعًا، وإشعارًا بِعِلِّيَّةِ الحكم، ﴿ من مَشْهَدِ يوم عظيم ﴾ أي : ويل لهم من شهود يوم عظيم الهول والحساب والجزاء، وهو يوم القيامة، أو : من وقت شهوده أو مكانه، أو من شهادة اليوم عليهم، وهو أن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء - عليهم السلام - وألسنتُهم وأيديهم وأرجلهم، بالكفر والفسوق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ينبغي للعبد المعتني بشأن نفسه أن يحصِّن عقائده بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، على وفاق أهل السُنَّة، ثم يجتهد في صحبة أهل العرفان، أهل الذوق والوجدان، حتى يُطلعوه على مقام الإحسان، مقام أهل الشهود والعيان.
فإذا فرط في هذا، لحقه الندم والحسرة، في يوم لا ينفع فيه ذلك. فكل من تخلف عن مقام الذوق والوجدان ؛ فهو ظالم لنفسه باخس لها، يلحقه شيء من الخسران، ولا بد أنْ تبقى فيه بقية من الضلال، حيث فرط عن اللحوق بطريق الرجال، قال تعالى :﴿ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ أي : يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه :( اللهم اغفر لي يوم لقائك ). فقال له شيخه - القطب ابن مشيش - رضي الله عنهما : هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ". هـ. كلامه رضي الله عنه.

﴿ أسمِعْ بهم وأبصرْ ﴾ أي : ما أسمعهم وما أبصرهم، تعجب من حدة سمعهم وإبصارهم يومئذ. والمعنى : أن أسماعهم وأبصارهم ﴿ يوم يأتوننا ﴾ للحساب والجزاء جدير أن يُتعجب منها، بعد أن كانوا في الدنيا صمًا عميًا. أو : ما أسمعهم وأطوعهم لما أبصروا من الهدى، ولكن لا ينفعهم يومئذ مع ضلالهم عنه اليوم، فقد سمعوا وأبصروا، حين لم ينفعهم ذلك. قال الكلبي : لا أحد يوم القيامة أسمع منهم ولا أبصر، حين يقول الله لعيسى :﴿ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [ المَائدة : ١١٦ ]. ه. ويحتمل أن يكون أمر تهديد لا تعجب، أي : أسمعهم وأبصرهم مواعيد ذلك اليوم، وما يحيق بهم فيه، فالجار والمجرور، على الأول، في موضع رفع، وعلى الثاني : نصب. ﴿ لكن الظالمون اليومَ ﴾ أي : في الدنيا، ﴿ في ضلال مبين ﴾ أي : لا يدرك غايته، حيث غفلوا عن الاستماع والنظر بالكلية. ووضع الظالمين موضع الضمير ؛ للإيذان بأنهم في ذلك ظالمون لأنفسهم حيث تركوا النظر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ينبغي للعبد المعتني بشأن نفسه أن يحصِّن عقائده بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، على وفاق أهل السُنَّة، ثم يجتهد في صحبة أهل العرفان، أهل الذوق والوجدان، حتى يُطلعوه على مقام الإحسان، مقام أهل الشهود والعيان.
فإذا فرط في هذا، لحقه الندم والحسرة، في يوم لا ينفع فيه ذلك. فكل من تخلف عن مقام الذوق والوجدان ؛ فهو ظالم لنفسه باخس لها، يلحقه شيء من الخسران، ولا بد أنْ تبقى فيه بقية من الضلال، حيث فرط عن اللحوق بطريق الرجال، قال تعالى :﴿ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ أي : يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه :( اللهم اغفر لي يوم لقائك ). فقال له شيخه - القطب ابن مشيش - رضي الله عنهما : هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ". هـ. كلامه رضي الله عنه.

و﴿ هم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ : جملتان حاليتان من الضمير المستقر في الظرف في قوله :﴿ في ضلال مبين ﴾ أي : مستقرين في الضلال وهم في تينك الحالتين.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ يوم يتحسر الناس قاطبة، أما المسيء فعلى إساءته، وأما المحسن فعلى قلة إحسانه، ﴿ إِذ قُضيَ الأمر ﴾ أي : فرغ من يوم الحساب، وتميز الفريقان، إلى الجنة وإلى النار.
رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن ذلك، فقال :" حين يجاء بالموت على صورة كبش أملح، فيُذبح، والفريقان ينظرون، فينادي ؛ يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، وأهل النار غمًا إلى غمهم، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم :﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إِذْ قُضي الأمر وهم في غفلة ﴾، وأشار بيده إلى الدنيا " ١ قال مقاتل :( لولا ما قضى الله من تعميرهم فيها، وخلودهم ؛ لماتوا حسرة حين رأوا ذلك ). ﴿ وهم ﴾ في هذا اليوم ﴿ في غفلة ﴾ عما يراد بهم في الآخرة، ﴿ وهم لا يُؤمنون ﴾ بهذا ؛ لاغترارهم ببهجة الدنيا، فلا بد أن تنهد دعائمها، وتمحى بهجتها، ويفنى كل ما عليها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ينبغي للعبد المعتني بشأن نفسه أن يحصِّن عقائده بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، على وفاق أهل السُنَّة، ثم يجتهد في صحبة أهل العرفان، أهل الذوق والوجدان، حتى يُطلعوه على مقام الإحسان، مقام أهل الشهود والعيان.
فإذا فرط في هذا، لحقه الندم والحسرة، في يوم لا ينفع فيه ذلك. فكل من تخلف عن مقام الذوق والوجدان ؛ فهو ظالم لنفسه باخس لها، يلحقه شيء من الخسران، ولا بد أنْ تبقى فيه بقية من الضلال، حيث فرط عن اللحوق بطريق الرجال، قال تعالى :﴿ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ أي : يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه :( اللهم اغفر لي يوم لقائك ). فقال له شيخه - القطب ابن مشيش - رضي الله عنهما : هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ". هـ. كلامه رضي الله عنه.


١ أخرجه البخاري في تفسير سورة ١٩، باب ١، ومسلم في صفة الجنة حديث ٤٠، وأحمد في المسند ٢/٣٧٧..
قال تعالى :﴿ إِنا نحن نرث الأرضَ ومَنْ عليها ﴾ لا ينبغي لأحد غيرنا أن يكون له عليها وعليكم ملك ولا تصرف، أو : إنا نحن نتوفى الأرض ومن عليها، بالإفناء والإهلاك، توفي الوارث لإرثه، ﴿ وإِلينا يُرجعون ﴾ ؛ يُردون إلى الجزاء، لا إلى غيرنا، استقلالاً أو اشتراكًا. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ينبغي للعبد المعتني بشأن نفسه أن يحصِّن عقائده بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، على وفاق أهل السُنَّة، ثم يجتهد في صحبة أهل العرفان، أهل الذوق والوجدان، حتى يُطلعوه على مقام الإحسان، مقام أهل الشهود والعيان.
فإذا فرط في هذا، لحقه الندم والحسرة، في يوم لا ينفع فيه ذلك. فكل من تخلف عن مقام الذوق والوجدان ؛ فهو ظالم لنفسه باخس لها، يلحقه شيء من الخسران، ولا بد أنْ تبقى فيه بقية من الضلال، حيث فرط عن اللحوق بطريق الرجال، قال تعالى :﴿ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة ﴾ أي : يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه :( اللهم اغفر لي يوم لقائك ). فقال له شيخه - القطب ابن مشيش - رضي الله عنهما : هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ". هـ. كلامه رضي الله عنه.

ثم استتبع بذكر قصص الأنبياء، تتمة للرد على أهل الشرك، بأن الملل كلها متفقة على إبطاله، وقدم الخليل ؛ لأنه إمام أهل التوحيد، فقال :
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ﴾ * ﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ﴾ * ﴿ يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِيا أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ﴾ * ﴿ يا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيّاً ﴾ * ﴿ يا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ واذكر في الكتاب ﴾ ؛ القرآن أو السورة، ﴿ إِبراهيم ﴾ أي : اتل على الناس نبأه وبلغه إياهم، كقوله :﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ الشعراء : ٦٩ ] ؛ لأنهم ينتسبون إليه عليه السلام، فلعلهم باستماع قصته يقلعون عما هم عليه من الشرك والعصيان. ﴿ إِنه كان صدّيقًا ﴾ ؛ ملازمًا للصدق في كل ما يأتي ويذر، أو كثير التصديق ؛ لكثرة ما صدق به من غيوب الله تعالى وآياته وكتبه ورسله، فالصدِّيق مبالغة في الصدق، يقال : كل من صدق بتوحيد الله وأنبيائه وفرائضه، وعمل بما صدق به فهو صدّيق، وبذلك سُمي أبو بكر الصدّيق، وسيأتي في الإشارة تحقيقه عند الصوفية، إن شاء الله.
والجملة : استئناف مسوق لتعليل موجب الأمر ؛ فإن وصفه عليه السلام بذلك من دواعي ذكره، وكان أيضًا ﴿ نبيًّا ﴾، أي : كان جامعًا بين الصديقية والنبوة، إذ كل نبي صِدِّيق، ولا عكس. ولم يقل : نبيًا صديقًا ؛ لئلا يتوهم تخصيص الصديقية بالنبوة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد جمع الحق تبارك وتعالى لخليله مقام الصدّيقة والنبوة مع الرسالة والخلة، وقدَّم الصديقية لتقدمها في الوجود في حال الترقي، فالصديقية تلي مرتبة النبوة، كما تقدم في سورة النساء. فالصدّيق عند الصوفية هو الذي يَعْظُمْ صدقه وتصديقه، فيصدِّق بوجود الحق وبمواعده، حتى يكون ذلك نصب عينيه، من غير تردد ولا تلجلج، ولا توقف على آية ولا دليل. ثم يبذل مهجته وماله في مرضاة مولاه، كما فعل الخليل، حيث قدم بدنه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان. وكما فعل الصدِّيق، حيث واسى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في الغار، وخرج عن ماله خمس مرار. وكما فعل الغزالي حيث قدم نفسه للخِرَابِ، حين اتصل بالشيخ وخرج عن ماله وجاهه في طلب مولاه. ولذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : في حقه :" إنا لنشهد له بالصدِّيقية العظمى "، وناهيك بمن شهد له الشاذلي بالصدِّيقية.
ومن أوصاف الصدّيق أنه لا يتعجب من شيء من خوارق العادة، مما تبرزه القدرة الأزلية، ولا يتعاظم شيئًا ولا يستغربه، ولذلك وصف الحق تعالى مريم بالصديقية دون سارة، حيث تعجبت، وقالت :﴿ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [ هُود : ٧٢ ] ؛ وأما مريم فإنما سألت عن وجه ذلك، هل يكون بنكاح أم لا، والله تعالى أعلم.
وفي الآية إشارة إلى حسن الملاطفة في الوعظ والتذكير، لا سيما لمن كان معظمًا كالوالدين، أو كبيرًا في نفسه. فينبغي لمن يذكره أن يأخذه بملاطفة وسياسة، فيقر له المقام الذي أقامه الله تعالى فيه، ثم يُذكره بما يناسبه في ذلك المقام، ويشوقه إلى مقام أحسن منه، وأما إن أنكر له مقامه من أول مرة، فإنه يفرّ عنه ولم يستمع إلى وعظه، كما هو مجرب. وبالله التوفيق.

قلت :﴿ إذ قال ﴾ : بدل اشتمال من ﴿ إبراهيم ﴾، وما بينهما : اعتراض، أو متعلق بكان.
﴿ إِذْ قال لأبيه ﴾ آزر، متلطفًا في الدعوة مستميلاً له :﴿ يا أبتِ ﴾، التاء بدل من ياء الإضافة، أي : يا أبي، ﴿ لِمَ تعبدُ ما لا يسمع ﴾ ثناءك عليه حين تعبده، ولا جُؤَارك إليه حين تدعوه، ﴿ ولا يُبْصِرُ ﴾ خضوعك وخشوعك بين يديه، أو : لا يسمع ولا يبصر شيئًا من المسموعات والمبصرات، فيدخل في ذلك ما ذكر دخولاً أوليًا، ﴿ ولا يُغْنِي عنك شيئًا ﴾ أي : لا يقدر أن ينفعك بشيء في طلب نفع أو دفع ضرر.
انظر ؛ لقد سلك عليه السلام في دعوته وموعظته أحسن منهاج وأقوم سبيل، واحتج عليه بأبدع احتجاج، بحسن أدب، وخلق جميل، لكن وقع ذلك لسائرٍ ركب متن المكابرة والعناد، وانتكب بالكلية عن محجة الصواب والرشاد، أي : فإنَّ من كان بهذه النقائص يأبى مَن له عقل التمييز من الركون إليه، فضلاً عن عبادته التي هي أقصى غاية التعظيم، فإنها لا تحِقُ إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام، الخالق الرازق، المحيي المميت، المثيب المعاقب، والشيء لو كان مميزًا سميعًا بصيرًا قادرًا على النفع والضر، لكنه ممكن، لاستنكف العقل السليم عن عبادته، فما ظنك بجماد مصنوع من حجر أو شجر، ليس له من أوصاف الأحياء عين ولا أثر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد جمع الحق تبارك وتعالى لخليله مقام الصدّيقة والنبوة مع الرسالة والخلة، وقدَّم الصديقية لتقدمها في الوجود في حال الترقي، فالصديقية تلي مرتبة النبوة، كما تقدم في سورة النساء. فالصدّيق عند الصوفية هو الذي يَعْظُمْ صدقه وتصديقه، فيصدِّق بوجود الحق وبمواعده، حتى يكون ذلك نصب عينيه، من غير تردد ولا تلجلج، ولا توقف على آية ولا دليل. ثم يبذل مهجته وماله في مرضاة مولاه، كما فعل الخليل، حيث قدم بدنه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان. وكما فعل الصدِّيق، حيث واسى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في الغار، وخرج عن ماله خمس مرار. وكما فعل الغزالي حيث قدم نفسه للخِرَابِ، حين اتصل بالشيخ وخرج عن ماله وجاهه في طلب مولاه. ولذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : في حقه :" إنا لنشهد له بالصدِّيقية العظمى "، وناهيك بمن شهد له الشاذلي بالصدِّيقية.
ومن أوصاف الصدّيق أنه لا يتعجب من شيء من خوارق العادة، مما تبرزه القدرة الأزلية، ولا يتعاظم شيئًا ولا يستغربه، ولذلك وصف الحق تعالى مريم بالصديقية دون سارة، حيث تعجبت، وقالت :﴿ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [ هُود : ٧٢ ] ؛ وأما مريم فإنما سألت عن وجه ذلك، هل يكون بنكاح أم لا، والله تعالى أعلم.
وفي الآية إشارة إلى حسن الملاطفة في الوعظ والتذكير، لا سيما لمن كان معظمًا كالوالدين، أو كبيرًا في نفسه. فينبغي لمن يذكره أن يأخذه بملاطفة وسياسة، فيقر له المقام الذي أقامه الله تعالى فيه، ثم يُذكره بما يناسبه في ذلك المقام، ويشوقه إلى مقام أحسن منه، وأما إن أنكر له مقامه من أول مرة، فإنه يفرّ عنه ولم يستمع إلى وعظه، كما هو مجرب. وبالله التوفيق.

ثم دعاء إلى اتباعه ؛ لأنه على المنهاج القويم، مُصدّرًا للدعوة بما مرَّ من الاستعطاف والاستمالة، حيث قال :﴿ يا أبتِ إِني قد جاءني من العلم ما لم يأتِكَ ﴾، لم يَسِمْ أباه بالجهل المفرط، وإن كان في أقصاه، ولا نفسه بالعلم الفائق، وإن كان في أعلاه، بل أبرز نفسه في صورة رفيق له، أعرفَ بأحوال ما سلكاه من الطريق، فاستماله برفق، حيث قال :﴿ فاتّبِعْنِي أَهدِكَ صراطًا سوِيًّا ﴾ أي : مستقيمًا موصلاً إلى أسمى المطالب، منجيًا من الضلال المؤدي إلى مهاوي الردى والمعاطب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد جمع الحق تبارك وتعالى لخليله مقام الصدّيقة والنبوة مع الرسالة والخلة، وقدَّم الصديقية لتقدمها في الوجود في حال الترقي، فالصديقية تلي مرتبة النبوة، كما تقدم في سورة النساء. فالصدّيق عند الصوفية هو الذي يَعْظُمْ صدقه وتصديقه، فيصدِّق بوجود الحق وبمواعده، حتى يكون ذلك نصب عينيه، من غير تردد ولا تلجلج، ولا توقف على آية ولا دليل. ثم يبذل مهجته وماله في مرضاة مولاه، كما فعل الخليل، حيث قدم بدنه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان. وكما فعل الصدِّيق، حيث واسى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في الغار، وخرج عن ماله خمس مرار. وكما فعل الغزالي حيث قدم نفسه للخِرَابِ، حين اتصل بالشيخ وخرج عن ماله وجاهه في طلب مولاه. ولذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : في حقه :" إنا لنشهد له بالصدِّيقية العظمى "، وناهيك بمن شهد له الشاذلي بالصدِّيقية.
ومن أوصاف الصدّيق أنه لا يتعجب من شيء من خوارق العادة، مما تبرزه القدرة الأزلية، ولا يتعاظم شيئًا ولا يستغربه، ولذلك وصف الحق تعالى مريم بالصديقية دون سارة، حيث تعجبت، وقالت :﴿ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [ هُود : ٧٢ ] ؛ وأما مريم فإنما سألت عن وجه ذلك، هل يكون بنكاح أم لا، والله تعالى أعلم.
وفي الآية إشارة إلى حسن الملاطفة في الوعظ والتذكير، لا سيما لمن كان معظمًا كالوالدين، أو كبيرًا في نفسه. فينبغي لمن يذكره أن يأخذه بملاطفة وسياسة، فيقر له المقام الذي أقامه الله تعالى فيه، ثم يُذكره بما يناسبه في ذلك المقام، ويشوقه إلى مقام أحسن منه، وأما إن أنكر له مقامه من أول مرة، فإنه يفرّ عنه ولم يستمع إلى وعظه، كما هو مجرب. وبالله التوفيق.

ثم ثبّطه عما كان عليه من عبادة الأصنام، فقال :﴿ يا أبتِ لا تعبدِ الشيطانَ ﴾، فإن عبادتك للأصنام عبادة له، إذ هو الذي يُسولُها لك ويغريك عليها، ثم علل نهيه فقال :﴿ إِن الشيطان كان للرحمان عَصِيًّا ﴾، فهو تعليل لموجب النهي، وتأكيد له ببيان أنه مستعصٍ على ربك، الذي أنعم عليك بفنون النعم، وسينتقم منه فكيف تعبده ؟.
والإظهار في موضع الإضمار ؛ لزيادة التقرير، والاقتصارُ على ذكر عصيانه بترك السجود من بين سائر جناياته ؛ لأنه ملاكها، أو لأنه نتيجة معاداته لآدم وذريته، فتذكيره به داع لأبيه إلى الاحتراز عن موالاته وطاعته. والتعرض لعنوان الرحمانية ؛ لإظهار كمال شناعة عصيانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد جمع الحق تبارك وتعالى لخليله مقام الصدّيقة والنبوة مع الرسالة والخلة، وقدَّم الصديقية لتقدمها في الوجود في حال الترقي، فالصديقية تلي مرتبة النبوة، كما تقدم في سورة النساء. فالصدّيق عند الصوفية هو الذي يَعْظُمْ صدقه وتصديقه، فيصدِّق بوجود الحق وبمواعده، حتى يكون ذلك نصب عينيه، من غير تردد ولا تلجلج، ولا توقف على آية ولا دليل. ثم يبذل مهجته وماله في مرضاة مولاه، كما فعل الخليل، حيث قدم بدنه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان. وكما فعل الصدِّيق، حيث واسى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في الغار، وخرج عن ماله خمس مرار. وكما فعل الغزالي حيث قدم نفسه للخِرَابِ، حين اتصل بالشيخ وخرج عن ماله وجاهه في طلب مولاه. ولذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : في حقه :" إنا لنشهد له بالصدِّيقية العظمى "، وناهيك بمن شهد له الشاذلي بالصدِّيقية.
ومن أوصاف الصدّيق أنه لا يتعجب من شيء من خوارق العادة، مما تبرزه القدرة الأزلية، ولا يتعاظم شيئًا ولا يستغربه، ولذلك وصف الحق تعالى مريم بالصديقية دون سارة، حيث تعجبت، وقالت :﴿ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [ هُود : ٧٢ ] ؛ وأما مريم فإنما سألت عن وجه ذلك، هل يكون بنكاح أم لا، والله تعالى أعلم.
وفي الآية إشارة إلى حسن الملاطفة في الوعظ والتذكير، لا سيما لمن كان معظمًا كالوالدين، أو كبيرًا في نفسه. فينبغي لمن يذكره أن يأخذه بملاطفة وسياسة، فيقر له المقام الذي أقامه الله تعالى فيه، ثم يُذكره بما يناسبه في ذلك المقام، ويشوقه إلى مقام أحسن منه، وأما إن أنكر له مقامه من أول مرة، فإنه يفرّ عنه ولم يستمع إلى وعظه، كما هو مجرب. وبالله التوفيق.

وقوله :﴿ يا أبتِ إِني أخاف أن يمسّك عذابٌ من الرحمان ﴾ تحذير من سوء عاقبة ما كان عليه من عبادة الشيطان، وهو اقترانه معه في الهوان الفظيع. و﴿ من الرحمان ﴾ : صفة لعذاب، أي : عذاب واقع من الرحمان، وإظهار ﴿ الرحمان ﴾ ؛ للإشعار بأن وصف الرحمانية لا يدفع حلول العذاب، كما في قوله تعالى :﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [ الانفطار : ٦ ]، ﴿ فتكون للشيطان وليًّا ﴾ أي : فإذا قرنت معه في العذاب تكون قرينًا له في اللعن المخلد. فهذه موعظة الخليل لأبيه، وقد استعمل معه الأدب من خمسة أوجه :
الأول : ندائه : بيا أبت، ولم يقل يا آزر، أو يا أبي.
الثاني : قوله ﴿ ما لا يسمع. . . ﴾ الخ، ولم يقل : لِمَ تعبد الخشب والحجر.
الثالث : قوله :﴿ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ﴾، ولم يقل له : أنك جاهل ضال.
الرابع : قوله :﴿ إني أخاف ﴾، حيث عبَّر له بالخوف ولم يجزم له بالعذاب.
الخامس : في قوله :﴿ أن يمسك ﴾، حيث عبَّر بالمس ولم يُعبر باللحوق أو النزول. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد جمع الحق تبارك وتعالى لخليله مقام الصدّيقة والنبوة مع الرسالة والخلة، وقدَّم الصديقية لتقدمها في الوجود في حال الترقي، فالصديقية تلي مرتبة النبوة، كما تقدم في سورة النساء. فالصدّيق عند الصوفية هو الذي يَعْظُمْ صدقه وتصديقه، فيصدِّق بوجود الحق وبمواعده، حتى يكون ذلك نصب عينيه، من غير تردد ولا تلجلج، ولا توقف على آية ولا دليل. ثم يبذل مهجته وماله في مرضاة مولاه، كما فعل الخليل، حيث قدم بدنه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان. وكما فعل الصدِّيق، حيث واسى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في الغار، وخرج عن ماله خمس مرار. وكما فعل الغزالي حيث قدم نفسه للخِرَابِ، حين اتصل بالشيخ وخرج عن ماله وجاهه في طلب مولاه. ولذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : في حقه :" إنا لنشهد له بالصدِّيقية العظمى "، وناهيك بمن شهد له الشاذلي بالصدِّيقية.
ومن أوصاف الصدّيق أنه لا يتعجب من شيء من خوارق العادة، مما تبرزه القدرة الأزلية، ولا يتعاظم شيئًا ولا يستغربه، ولذلك وصف الحق تعالى مريم بالصديقية دون سارة، حيث تعجبت، وقالت :﴿ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [ هُود : ٧٢ ] ؛ وأما مريم فإنما سألت عن وجه ذلك، هل يكون بنكاح أم لا، والله تعالى أعلم.
وفي الآية إشارة إلى حسن الملاطفة في الوعظ والتذكير، لا سيما لمن كان معظمًا كالوالدين، أو كبيرًا في نفسه. فينبغي لمن يذكره أن يأخذه بملاطفة وسياسة، فيقر له المقام الذي أقامه الله تعالى فيه، ثم يُذكره بما يناسبه في ذلك المقام، ويشوقه إلى مقام أحسن منه، وأما إن أنكر له مقامه من أول مرة، فإنه يفرّ عنه ولم يستمع إلى وعظه، كما هو مجرب. وبالله التوفيق.

ثم ذكر جواب أبيه له، فقال :
﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً ﴾ * ﴿ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيا إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾ * ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً ﴾
قلت : هذا استئناف بياني، مبني على سؤال نشأ عن صدر الكلام، كأنه قيل : فماذا قال أبوه عندما سمع هذه النصائح الواجبة القبول ؟ فقال مصرًا على عناده : أراغب. . . الخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ قال ﴾ له أبوه في جوابه :﴿ أراغبٌ أنتَ عن آلهتي ﴾ أي : أمعرض ومنصرف أنت عنها فوجّه الإنكار إلى نفس الرغبة، مع ضرب من التعجب، كأن الرغبة عنها مما لا يصدر عن العاقل، فضلاً عن ترغيب الغير عنها، ثم هدده فقال :﴿ لئن لم تَنْتَهِ ﴾ عن وعظك ﴿ لأرجُمنَّكَ ﴾ بالحجارة، أي : والله لئن لم تنته عما أنت عليه من النهي عن عبادتها لأرجمنك بالحجر، وقيل باللسان، ﴿ واهجرني ﴾ أي : واتركني ﴿ مَلِيًّا ﴾ أي : زمنًا طويلاً، أو ما دام الأبد، ويسمى الليل والنهار مَلَوان، وهو عطف على محذوف، أي : احذرني واهجرني.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : انظر كيف رفض آزرُ مَن رغب عن آلهته، وإن كان أقرب الناس إليه، فكيف بك أيها المؤمن ألاَّ ترفض من يرغب عن إلهك ويعبد معه غيره، أو يجحد نبيه ورسوله، بل الواجب عليك أن ترفض كل ما يشغلك عنه، غيرةً منك على محبوبك، وإذا نظرت بعين الحقيقة لم تجد الغيرة إلا على الحق، إذ ليس في الوجود إلا الحق، وكل ما سواه باطل على التحقيق.
فمن اعتزل كل ما سوى الله، وأفرد وجهته إلى مولاه، لم يَشْق في مَطلبه ومسْعاه، بل يطلعه الله على أسرار ذاته، وأنوار صفاته، حتى لا يرى في الوجود إلا الواحد الأحد الفرد الصمد. وبالله التوفيق.

﴿ قال ﴾ له إبراهيم عليه السلام :﴿ سلامٌ عليك ﴾ مني، لا أصيبك بمكروه، وهو توديع ومُتاركة على طريق مقابلة السيئة بالحسنة، أي : لا أشافهك بما يؤذيك، ولكن ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ أي : أستدعيه أن يغفر لك. وقد وفى عليه السلام بقوله في سورة الشعراء :﴿ وَاغْفِرْ لأَبِيا إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ ﴾ [ الشُّعَرَاء : ٨٦ ]. أو : بأن يوفقك للتوبة ويهديك للإيمان. والاستغفارُ بهذا المعنى للكافر قبل تبين أنه يموت على الكفر مما لا ريب في جوازه، وإنما المحظور استدعاء المغفرة مع بيان شقائه بالوحي، وأما الاستغفار له بعد موته فالعقل لا يحيله. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب :" لا أزال أستغفر لك ما لم أنه عنك ". ثم نهاه عنه كما تقدم في التوبة. فالنهي من طريق السمع، ولا اشتباه أن هذا الوعد من إبراهيم، وكذا قوله :﴿ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ﴾ [ المُمتَحنَة : ٤ ]، وقوله :﴿ وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ ﴾ [ الشُّعَرَاء : ٨٦ ]، إنما كان قبل انقطاع رجائه من إيمانه، بدليل قوله :﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأ ﴾ [ التّوبَة : ١١٤ ].
وقوله تعالى :﴿ إِنه كان بي حَفيًّا ﴾ أي : بليغًا في البر والألطاف، رحيمًا بي في أموري، قد عوَّدني الإجابة. أو عالمًا بي يستجيب لي إن دعوتُه، وفي القاموس : حَفِيَ كَرَضِيَ، حَفَاوةً. ثم قال : واحتفًا : بالَغَ في إكْرامِه وأظْهَرَ السُّرُورَ والفَرَحَ به، وأكَثَر السُؤَالَ عن أحواله، فهو حافٍ وحفي. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : انظر كيف رفض آزرُ مَن رغب عن آلهته، وإن كان أقرب الناس إليه، فكيف بك أيها المؤمن ألاَّ ترفض من يرغب عن إلهك ويعبد معه غيره، أو يجحد نبيه ورسوله، بل الواجب عليك أن ترفض كل ما يشغلك عنه، غيرةً منك على محبوبك، وإذا نظرت بعين الحقيقة لم تجد الغيرة إلا على الحق، إذ ليس في الوجود إلا الحق، وكل ما سواه باطل على التحقيق.
فمن اعتزل كل ما سوى الله، وأفرد وجهته إلى مولاه، لم يَشْق في مَطلبه ومسْعاه، بل يطلعه الله على أسرار ذاته، وأنوار صفاته، حتى لا يرى في الوجود إلا الواحد الأحد الفرد الصمد. وبالله التوفيق.

﴿ وأعتزلُكم ﴾ أي : أتباعد عنك وعن قومك، ﴿ وما تَدْعُونَ من دونِ الله ﴾ بالمهاجرة بديني، حيث لم تؤثر فيكم نصائحي، ﴿ وأدعو ربي ﴾ : أعبده وحده، أو أدعوه بطلب المغفرة لك - أي قبل النهي - أو : أدعوه بطلب الولد، كقوله :﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينِ ﴾ [ الصَّافات : ١٠٠ ]، ﴿ عسى ألا أكون بدعاءِ ربي شقيًّا ﴾ أي : عسى ألا أشقى بعبادته، أو : لا أخيب في طلبه، كما شقيتم أنتم في عبادة آلهتكم وخبتم. ففيه تعريض بهم، وفي تصدير الكلام بعسى من إظهار التواضع وحسن الأدب، والتنبيه على أن الإجابة من طريق الفضل والكرم، لا من طريق الوجوب، وأن العبرة بالخاتمة والسعادة، وفي ذلك من الغيوب المختصة بالعليم الخبير ما لا يخفى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : انظر كيف رفض آزرُ مَن رغب عن آلهته، وإن كان أقرب الناس إليه، فكيف بك أيها المؤمن ألاَّ ترفض من يرغب عن إلهك ويعبد معه غيره، أو يجحد نبيه ورسوله، بل الواجب عليك أن ترفض كل ما يشغلك عنه، غيرةً منك على محبوبك، وإذا نظرت بعين الحقيقة لم تجد الغيرة إلا على الحق، إذ ليس في الوجود إلا الحق، وكل ما سواه باطل على التحقيق.
فمن اعتزل كل ما سوى الله، وأفرد وجهته إلى مولاه، لم يَشْق في مَطلبه ومسْعاه، بل يطلعه الله على أسرار ذاته، وأنوار صفاته، حتى لا يرى في الوجود إلا الواحد الأحد الفرد الصمد. وبالله التوفيق.

ثم ذكر نتيجة الانفراد عمن يصد عن الله، فقال :
﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً ﴾ * ﴿ وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً ﴾
قلت :﴿ وكُلاًّ ﴾ : مفعول أول لجعلنا.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ فلما اعتزلهم ﴾ أي : اعتزل إبراهيمُ قومَه ﴿ وما يعبدون من دون الله ﴾ بأن خرج من " كوثى " بأرض العراق، مهاجرًا إلى الشام واستقر بها، ﴿ وهبنا له إسحاق ﴾ ولده ﴿ ويعقوبَ ﴾ حفيده، بعد أن وهب له إسماعيل من أمَته هاجر، التي وُهبت لزوجه سارة، ثم وهبتها له، فوُلد له منها إسماعيل، ولما حملت هاجر بإسماعيل غارت منها سارة، فخرج بها مع ولدها إسماعيل حتى أنزلهما مكة، فكان سبب عمارتها. ثم حملت سارة بإسحاق، ثم نشأ عنه يعقوب، وإنما خصمها بالذكر لأنهما كانا معه في بلده، وإسحاق كان متصِلاً به يسعى معه في مآربه، فكانت النعمة بهما أعظم.
ولعل ترتيب هبتهما على اعتزاله ها هنا لبيان كمال عِظم النعمة التي أعطاها الله تعالى إياهُ، في مقابلة من اعتزلهم من الأهل والأقارب، فإنهما شجرة الأنبياء، لهما أولاد وأحفاد، لكل واحد منهم شأن خطير وعدد كثير. ﴿ وكُلاًّ جعلنا نبيًّا ﴾ أي : وكل واحد منهما أو منهم جعلناه نبيًا ورسولاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من اعتزل عن الخلق وانفرد بالملك الحق، طلبًا في الوصول إلى مشاهدة الحق، لا بد أن تفيض عليه المواهب القدسية والأسرار الوهبية والعلوم اللدنية، وهي نتائج فكرة القلوب الصافية، وفي الحكم :" ما نفع القلب شيءٌ مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة ". قال الجنيد رضي الله عنه : أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه :( ثمار العزلة : الظفر بمواهب المنة، وهي أربعة : كشف الغِطاء، وتنزل الرحمة، وتحقق المحبة، ولسان الصدق في الكلمة، قال الله تعالى :﴿ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له ﴾ الآية ). وقال بعض الحكماء : من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم، ومن راءاهم وقع فيما وقعوا، فهلك كما هلكوا.
وقال بعض الصوفية : قلت لبعض الأبدال المنقطعين إلى الله : كيف الطريق إلى التحقيق ؟ قال : لا تنظر إلى الخلق، فإن النظر إليهم ظلمة، قلت : لا بد لي، قال : لا تسمع كلامهم، فإن كلامهم قسوة، قلت : لا بد لي، قال : لا تعاملهم، فإن معاملتهم خسران ووحشة، قلت : أنا بين أظهرهم، لا بد لي من معاملتهم، قال : لا تسكن إليهم، فإن السكون إليهم هلكة، قلت : هذا لعله يكون، قال : يا هذا أتنظر إلى اللاعبين، وتسمع كلام الجاهلين، وتعامل البطالين، وتسكن إلى الهلكى، وتريد أن تجد حلاوة الطاعة وقلبك مع الله ؟ ! هيهات... هذا لا يكون أبدًا، ثم غاب عني.
وقال القشيري رضي الله عنه : فأرباب المجاهدات، إذا أرادوا صون قلوبهم عن الخواطر الردية لم ينظروا إلى المستحسنات - أي : من الدنيا -. قال : وهذا أصل كبير لهم في المجاهدات في أحوال الرياضة. هـ. وقال في " القوت " : ولا يكون المريد صادقًا حتى يجد في الخلوة من الحلاوة والنشاط والقوة ما لا يجده في العلانية، وحتى يكون أُنسه في الوحدة، وروحه في الخلوة، وأحسن أعماله في السر. هـ.
قلت : العزلة عن الخلق والفرار منهم شرط في بداية المريد، فإذا تمكن من الشهود، وأَنس قلبه بالملك الودود، واتصل بحلاوة المعاني، ينبغي له أن يختلط بالخلق ويربي فكرته ؛ لأنهم حينئذ يزيدون في معرفته ويتسع بهم ؛ لأنه يراهم حينئذ أنوارًا من تجليات الحق، ونوارًا يرعى فيهم، فيجتني حلاوة الشهود، وفي ذلك يقول شيخ شيوخنا المجذوب :
الخَلْقُ نَوارٌ وَأَنا رَعَيْتُ فِيهِمُ *** هُمُ الحجَابُ الأكْبَرُ والمَدْخَلُ فيهِمُ

وفي مقطعات الششتري :

عين الزحام *** هم الوصول لحيِّنا
وبالله التوفيق.

و﴿ عَلِيًّا ﴾ : حال من اللسان.
﴿ ووهبنا لهم من رحمتنا ﴾ هي النبوة، وذكرها بعد ذكر جعلهم أنبياء ؛ للإيذان بأنها من باب الرحمة والفضل. وقيل : الرحمة : المال والأولاد، وما بسط لهم من سعة الرزق، وقيل : إنزال الكتاب، والأظهر أنها عامة لكل خير ديني ودنيوي. ﴿ وجعلنا لهم لسانَ صدقٍ عليًّا ﴾ : رفيعًا في أهل الأديان، فكل أهل دين يتلونهم، ويثنُون عليهم، ويفتخرون بهم ؛ استجابة لدعوته بقوله :﴿ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ﴾ [ الشُّعَرَاء : ٨٤ ].
والمراد باللسان : ما يوجد به الكلام في لسان العرب ولغتهم، وإضافته إلى الصدق، ووصفه بالعلو ؛ للدلالة على أنهم أحقاء لما يثنون عليهم، وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار، وتبدل الدول، وتحول الملل والنحل. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من اعتزل عن الخلق وانفرد بالملك الحق، طلبًا في الوصول إلى مشاهدة الحق، لا بد أن تفيض عليه المواهب القدسية والأسرار الوهبية والعلوم اللدنية، وهي نتائج فكرة القلوب الصافية، وفي الحكم :" ما نفع القلب شيءٌ مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة ". قال الجنيد رضي الله عنه : أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه :( ثمار العزلة : الظفر بمواهب المنة، وهي أربعة : كشف الغِطاء، وتنزل الرحمة، وتحقق المحبة، ولسان الصدق في الكلمة، قال الله تعالى :﴿ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له ﴾ الآية ). وقال بعض الحكماء : من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم، ومن راءاهم وقع فيما وقعوا، فهلك كما هلكوا.
وقال بعض الصوفية : قلت لبعض الأبدال المنقطعين إلى الله : كيف الطريق إلى التحقيق ؟ قال : لا تنظر إلى الخلق، فإن النظر إليهم ظلمة، قلت : لا بد لي، قال : لا تسمع كلامهم، فإن كلامهم قسوة، قلت : لا بد لي، قال : لا تعاملهم، فإن معاملتهم خسران ووحشة، قلت : أنا بين أظهرهم، لا بد لي من معاملتهم، قال : لا تسكن إليهم، فإن السكون إليهم هلكة، قلت : هذا لعله يكون، قال : يا هذا أتنظر إلى اللاعبين، وتسمع كلام الجاهلين، وتعامل البطالين، وتسكن إلى الهلكى، وتريد أن تجد حلاوة الطاعة وقلبك مع الله ؟ ! هيهات... هذا لا يكون أبدًا، ثم غاب عني.
وقال القشيري رضي الله عنه : فأرباب المجاهدات، إذا أرادوا صون قلوبهم عن الخواطر الردية لم ينظروا إلى المستحسنات - أي : من الدنيا -. قال : وهذا أصل كبير لهم في المجاهدات في أحوال الرياضة. هـ. وقال في " القوت " : ولا يكون المريد صادقًا حتى يجد في الخلوة من الحلاوة والنشاط والقوة ما لا يجده في العلانية، وحتى يكون أُنسه في الوحدة، وروحه في الخلوة، وأحسن أعماله في السر. هـ.
قلت : العزلة عن الخلق والفرار منهم شرط في بداية المريد، فإذا تمكن من الشهود، وأَنس قلبه بالملك الودود، واتصل بحلاوة المعاني، ينبغي له أن يختلط بالخلق ويربي فكرته ؛ لأنهم حينئذ يزيدون في معرفته ويتسع بهم ؛ لأنه يراهم حينئذ أنوارًا من تجليات الحق، ونوارًا يرعى فيهم، فيجتني حلاوة الشهود، وفي ذلك يقول شيخ شيوخنا المجذوب :
الخَلْقُ نَوارٌ وَأَنا رَعَيْتُ فِيهِمُ *** هُمُ الحجَابُ الأكْبَرُ والمَدْخَلُ فيهِمُ

وفي مقطعات الششتري :

عين الزحام *** هم الوصول لحيِّنا
وبالله التوفيق.

ثم ذكر قصة موسى عليه السلام، فقال :
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ﴾ * ﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ * ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ﴾
قلت :﴿ نَجِيًّا ﴾ : حال من أحد الضميرين في ﴿ ناديناه ﴾ أو ﴿ قربناه ﴾، وهو أحسن.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ واذكر في الكتاب موسى ﴾، قدَّم ذكره على ذكر إسماعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب ؛ لأنه من نسله، ﴿ إِنه كان مُخْلِصًا ﴾ : موحدًا، أخلص عبادته من الشرك والرياء، وأسلم وجهه لله تعالى، وأخلص نفسه عما سواه. وقرئ بالفتح، على أن الله تعالى أخلصه من الدنس. قال القشيري أي : خلصًا لله، لم يكن لغيره بوجهٍ. ثم قال : ولم يُغْضِ في اللهِ على شيءٍ. ه.
﴿ وكان رسولاً نبيًّا ﴾ أرسله الله تعالى إلى الخلق فأنبأهم عنه، ولذلك قدَّم رسولاً مع كونه أخص وأعلى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما وصف الحق تعالى خليله بالصديقية وصف كليمه بالإخلاص، وكلاهما شرط في حصول سر الخصوصية، سواء كانت خصوصية النبوة أو الولاية، فمن لا تصديق عنده لا سير له، ومن لا إخلاص له لا وصول له. وحقيقة الإخلاص : إخراج الخلق من معاملة الحق، وهي ثلاث طبقات ؛ سفلى، ووسطى، وعليا.
فالسفلى : أن يفعل العبادة لله تعالى، طالبًا لعوض دنيوي، كسعة الأرزاق، وحفظ الأموال والبدن، فهذا إخلاص العوام، وإنما كان إخلاصًا لأنهم لم يلاحظوا مخلوقًا في عملهم.
والوسطى : أن يعبد الله مخلصًا، طالبًا لعوض أخروي، كالحور والقصور.
والعليا : أن يفعل العبادة قيامًا برسم العبودية، وأدبًا مع عظمة الربوبية، غير ملتفت لجنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة، مع تعظيم نعيم الجنان، لأنه محل اتصال الرؤية ؛ كما قال ابن الفارض رضي الله عنه :
ليس شوقي من الجنان نعيمًا غير أني أُريدها لأراكَ
فإذا تحقق للعبد مقام الإخلاص الكامل، صار مقربًا نجيًا في محل المشاهدة والمكالمة. وبالله التوفيق.

﴿ وناديناه من جانب الطور الأيمن ﴾، الطور : جبل بين مصر ومدين، أي : ناديناه من ناحيته اليمنى، وهي التي تلي يمين موسى عليه السلام، فكانت الشجرة في جانب الجبل عن يمين موسى، أو من أيمن، أي : من جانبه الميمون، ومعنى ندائه منه : أنه سمع الكلام من تلك الناحية، ﴿ وقربناه نجيًّا ﴾ أي : مناجيًا لنا نُكلمه بلا واسطة، فالتقريب : تقريبُ تكرمة وتشريف، مَثَّلَ حاله عليه السلام بحال من قرّبه الملك لمناجاته واصطفاه لمصاحبته. وقيل :﴿ نجيًا ﴾ من النجو، وهو العلو والارتفاع، أي : رفعناه من سماء إلى سماء، حتى سمع صريف القلم يكتب له في الألواح.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما وصف الحق تعالى خليله بالصديقية وصف كليمه بالإخلاص، وكلاهما شرط في حصول سر الخصوصية، سواء كانت خصوصية النبوة أو الولاية، فمن لا تصديق عنده لا سير له، ومن لا إخلاص له لا وصول له. وحقيقة الإخلاص : إخراج الخلق من معاملة الحق، وهي ثلاث طبقات ؛ سفلى، ووسطى، وعليا.
فالسفلى : أن يفعل العبادة لله تعالى، طالبًا لعوض دنيوي، كسعة الأرزاق، وحفظ الأموال والبدن، فهذا إخلاص العوام، وإنما كان إخلاصًا لأنهم لم يلاحظوا مخلوقًا في عملهم.
والوسطى : أن يعبد الله مخلصًا، طالبًا لعوض أخروي، كالحور والقصور.
والعليا : أن يفعل العبادة قيامًا برسم العبودية، وأدبًا مع عظمة الربوبية، غير ملتفت لجنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة، مع تعظيم نعيم الجنان، لأنه محل اتصال الرؤية ؛ كما قال ابن الفارض رضي الله عنه :
ليس شوقي من الجنان نعيمًا غير أني أُريدها لأراكَ
فإذا تحقق للعبد مقام الإخلاص الكامل، صار مقربًا نجيًا في محل المشاهدة والمكالمة. وبالله التوفيق.

و﴿ هارون ﴾ : عطف بيان.
﴿ ووهبنا له من رحمتنا ﴾ أي : من أجل رحمتنا ورأفتنا به، أو من بعض رحمتنا ﴿ أخاه هارون ﴾، أي : وهبنا له مؤازرة أخيه ومعاضدته، إجابةً لدعوته :﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي( ٢٩ ) هَارُونَ أَخِي( ٣٠ ) ﴾ [ طه : ٢٩، ٣٠ ] لا نفسه ؛ لأنه كان أكبر منه، وُجد قبله، حَال كونه ﴿ نبيًّا ﴾ : رسولاً مُشْركًا معه في الرسالة. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما وصف الحق تعالى خليله بالصديقية وصف كليمه بالإخلاص، وكلاهما شرط في حصول سر الخصوصية، سواء كانت خصوصية النبوة أو الولاية، فمن لا تصديق عنده لا سير له، ومن لا إخلاص له لا وصول له. وحقيقة الإخلاص : إخراج الخلق من معاملة الحق، وهي ثلاث طبقات ؛ سفلى، ووسطى، وعليا.
فالسفلى : أن يفعل العبادة لله تعالى، طالبًا لعوض دنيوي، كسعة الأرزاق، وحفظ الأموال والبدن، فهذا إخلاص العوام، وإنما كان إخلاصًا لأنهم لم يلاحظوا مخلوقًا في عملهم.
والوسطى : أن يعبد الله مخلصًا، طالبًا لعوض أخروي، كالحور والقصور.
والعليا : أن يفعل العبادة قيامًا برسم العبودية، وأدبًا مع عظمة الربوبية، غير ملتفت لجنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة، مع تعظيم نعيم الجنان، لأنه محل اتصال الرؤية ؛ كما قال ابن الفارض رضي الله عنه :
ليس شوقي من الجنان نعيمًا غير أني أُريدها لأراكَ
فإذا تحقق للعبد مقام الإخلاص الكامل، صار مقربًا نجيًا في محل المشاهدة والمكالمة. وبالله التوفيق.

ثم ذكر نبيه إسماعيل عليه السلام، فقال :
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ﴾ * ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ واذكر في الكتاب إِسماعيل ﴾، فصل ذكره عن أبيه وأخيه ؛ لإبراز كمال الاعتناء بأمره، لإيراده مستقلاً بترجمته، ﴿ إِنه كان صادق الوعد ﴾، هذا تعليل لموجب الأمر بذكره. وإيراده عليه السلام بهذا الوصف ؛ لكمال شهوته به.
رُوِيَ أنه واعد رجلاً أن يلقاه في موضع، فجاء إسماعيل، وانتظر الرجلَ يومه وليلته - وقيل : ثلاثة أيام - فلما كان في اليوم الآخر، جاء الرجل، فقال له إسماعيل : ما زلتُ هنا من أمس. وقال الكلبي : انتظره سنة، وهو بعيد. قال ابن عطية : وقد فعل مثل هذا نبيُنا صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، ذكره النقاش وأخرجه الترمذي وغيره، وذلك في مبايعة وتجارة ه. وقال القشيري : وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه، فصبر على ذلك، إلى أن ظهر الفداء، وصِدق الوعد دلالة حفظ العهد. ه.
وقال ابن عطاء : وعد لأبيه من نفسه الصبر، فوفى به، في قوله :﴿ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [ الصَّافات : ١٠٢ ]. ه. وهذا مبني على أنه الذبيح، وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله.
﴿ وكان رسولاً نبيًّا ﴾ أي : رسولاً لجرْهُم ومن والاهم، مخبرًا لهم بغيب الوحي، وكان أولاده على شريعته، حتى غيرها عَمرو بن لحي الخزاعي، فأدخل الأصنام مكة. فما زالت تُعبَد حتى محاها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بشريعته المطهرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد وصف الحق - جل جلاله - نبيه إسماعيل بثلاث خصال، بها كان عند ربه مرضيًا، فمن اتصف بها كان مرضيًا مقربًا : الوفاء بالوعد، والصدق في الحديث ؛ لأنه مستلزم له، وأمر الناس بالخير. أما الوفاء بالعهد فهو من شيم الأبرار، قد مدح الله تعالى أهله، ورغَّب فيه وأمر به، قال تعالى :﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا اهَدُواْ ﴾ [ البَقَرَة : ١٧٧ ]. وقال تعالى :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ﴾ [ النّحل : ٩١ ]، فإخلاف الوعد من علامة النفاق، قال صلى الله عليه وسلم :" آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " وخلف الوعد إنما يضر إذا كان نيته ذلك عند عقده، أو فرط فيه، وأما إن كان نيته الوفاء، ثم غلبته المقادير، فلا يضر، لا سيما في حق أهل الفناء، فإنهم لا حكم لهم على أنفسهم في عقد ولا حل، بل هم مفعول بهم، زمامهم بيد غيرهم، كل ساعة ينظرون ما يفعل الله بهم، فمثل هؤلاء لا ميزان عليهم في عقد ولا حل. فمثلهم مع الحق كمثل الأطفال المحجر عليهم في التصرف، ولذلك قالوا :( الصوفية أطفال في تربية الحق تعالى ). فإياك أن تطعن على أولياء الله إذا رأيت منهم شيئًا من ذلك، والتمس أحسن المخارج، وهو ما ذكرته لك، فإنه عن تجربة وذوق. والله تعالى أعلم.
﴿ وكان ﴾ إسماعيل ﴿ يأمر أهله بالصلاة والزكاة ﴾، قدَّم الأهل اشتغالاً بالأهم، وهو أن يُقبل بالتكميل على نفسه، ومن هو أقرب الناس إليه، قال تعالى :﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ [ الشُّعَرَاء : ٢١٤ ]، ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ ﴾ [ طه : ١٣٢ ]، ﴿ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾ [ التّحْريم : ٦ ]، وقصد إلى تكميل الكل بتكميلهم ؛ لأنهم قدوة يُؤتَسى بهم. وقيل : أهله : أمته ؛ لأن الأنبياء - عليهم السلام - آباء الأمم. ﴿ وكان عند ربه مَرْضِيًّا ﴾ ؛ لاتصافه بالنعوت الجليلة التي من جملتها ما ذكر من الخصال الحميدة. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد وصف الحق - جل جلاله - نبيه إسماعيل بثلاث خصال، بها كان عند ربه مرضيًا، فمن اتصف بها كان مرضيًا مقربًا : الوفاء بالوعد، والصدق في الحديث ؛ لأنه مستلزم له، وأمر الناس بالخير. أما الوفاء بالعهد فهو من شيم الأبرار، قد مدح الله تعالى أهله، ورغَّب فيه وأمر به، قال تعالى :﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا اهَدُواْ ﴾ [ البَقَرَة : ١٧٧ ]. وقال تعالى :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ﴾ [ النّحل : ٩١ ]، فإخلاف الوعد من علامة النفاق، قال صلى الله عليه وسلم :" آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " وخلف الوعد إنما يضر إذا كان نيته ذلك عند عقده، أو فرط فيه، وأما إن كان نيته الوفاء، ثم غلبته المقادير، فلا يضر، لا سيما في حق أهل الفناء، فإنهم لا حكم لهم على أنفسهم في عقد ولا حل، بل هم مفعول بهم، زمامهم بيد غيرهم، كل ساعة ينظرون ما يفعل الله بهم، فمثل هؤلاء لا ميزان عليهم في عقد ولا حل. فمثلهم مع الحق كمثل الأطفال المحجر عليهم في التصرف، ولذلك قالوا :( الصوفية أطفال في تربية الحق تعالى ). فإياك أن تطعن على أولياء الله إذا رأيت منهم شيئًا من ذلك، والتمس أحسن المخارج، وهو ما ذكرته لك، فإنه عن تجربة وذوق. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر نبيه إدريس عليه السلام، فقال :
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً ﴾ * ﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ واذكر في الكتاب إِدريس ﴾ وهو سبط شيث، وجَدّ أبي نوح، فإنه نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام، واشتقاقه من الدرس ؛ لكثرة دراسته لما أوحي إليه، وكثرة ذكره لله تعالى.
رُوِيَ أنه كان خياطًا فكان لا يدخله الإبرة ولا يخرجها إلا بذكر الله. ورُوي أنه جاء إليه الشيطان يفتنه بفستق، فقال له : هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في هذه الفُسْتقة ؟ فقال له عليه السلام :( الله قادر على أن يدخل الدنيا كلها في سم هذه الإبرة، ونخس عينه )، ذكره السنوسي في شرح مقرئه. قال ابن وهب : إنه دعا قومه إلى لا إله إلا الله، فامتنعوا فهلكوا. وفي حديث أبي ذر : أنه رسول، وجمع بينه وبين حديث الشفاعة، وقولهم لنوح : إنك أول رسول، بأن تكون رسالته لقومه خاصة، كهود وصالح، وكذا آدم وشيث، فإنه أرسل لبنيه لتعليم الشرائع والإيمان، ولم يكونوا كفارًا، وخلفه في ذلك شيث، قال المحشي الفاسي : والأظهر عندي في نوح أنه أول رسول من أهل العزم، لا مطلقًا.
قال ابن عطية : والأشهر أن إدريس عليه السلام لم يرسل، وإنما هو نبي فقط، وذهب إلى ذلك ابن بطال، ليسلم من المعارضة، وهي مدفوعة بما ذكرنا. ه. فالمشهور أن إدريس رسول إلى قومه. رُوي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفة، وأنه أول من خط بالقلم، ونظر في علم النجوم والحساب، وخاط الثياب. قيل : وهو أول نبي بُعث إلى أهل الأرض.
قال تعالى في وصفه :﴿ إِنه كان صدِّيقًا نبيًّا ﴾ : خبران لكان، والثاني مخصص للأول ؛ إذ ليس كل صديق نبي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ارتفاع المكان والشأن يكون على قدر صفاء الجنان، والإقبال على الكريم المنان، فبقدر التوجه والإقبال يكون الارتفاع والوصال.
بقدر الكد تكسب المعالي وَمَنَ رَامَ العُلا سَهِرَ الليالي
أتبغي العز ثم تنام ليلاً يَغُوصُ البحر منَ طلب اللآلي
قال بعضهم : من عامل الله على بساط الأنس : رفع، لا محالة، إلى حضرة القدس. وبالله التوفيق.

﴿ ورفعناه مكانًا عليًّا ﴾، هو شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى. وقيل : علو الرتبة بالذكر الجميل في الدنيا، كما قال تعالى في حق نبينا :﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [ الشّرح : ٤ ]، وقيل : الجنة، وقيل : السماء الرابعة، وهو الصحيح.
رُوِيَ عن كعب وغيره في سبب رفعه أنه مشى ذات يوم في حاجته، فأصابه وهج الشمس وحرها، فقال : يا رب أنا مشيت يومًا، فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد ! اللهمَّ خَفِّفْ عنه من ثقلها، واحمل عنه حرها، فلما أصبح الملَك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف، فقال : يا رب كلفتني بحمل الشمس، فما الذي قضيت فيه ؟ فقال : إن عبدي إدريس سألني أن أُخفف عنك حملها وحرّها فأجبته، قال : يا رب اجعل بيني وبينه خُلَّة، فأذن له، حتى أتى إدريس، فقال له إدريس : أخبرت أنك أكرم الملائكة عند مَلَك الموت، فاشفع لي ليؤخر أجلي، لأزداد شكرًا وعبادة، فقال له الملك : لا يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها، فقال : قد علمت ذلك، ولكنه أطيب لنفسي، قال : نعم، ثم حمله ملك الشمس على جناحه فرفعه إلى السماء. رُوي أنه مات هناك وردت إليه روحه بعد ساعة، فهو في السماء الرابعة حي. وهذه قصص الله أعلم بصحتها. وبالله التوفيق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ارتفاع المكان والشأن يكون على قدر صفاء الجنان، والإقبال على الكريم المنان، فبقدر التوجه والإقبال يكون الارتفاع والوصال.
بقدر الكد تكسب المعالي وَمَنَ رَامَ العُلا سَهِرَ الليالي
أتبغي العز ثم تنام ليلاً يَغُوصُ البحر منَ طلب اللآلي
قال بعضهم : من عامل الله على بساط الأنس : رفع، لا محالة، إلى حضرة القدس. وبالله التوفيق.

ثم ذكر مدحهم في الجملة، فقال :
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَانِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾
قلت :﴿ أولئك ﴾ : مبتدأ، و﴿ الذين ﴾ : خبره، أو ﴿ الذين ﴾ : صفته، و﴿ إذا تتلى ﴾ : خبره. والإشارة إلى المذكورين في السورة، وما فيه من معنى البُعد ؛ للإشعار بعلو رتبتهم وبُعد منزلتهم في الفضل، و﴿ من النبيين ﴾ : بيان للموصول، و﴿ من ذرية ﴾ : بدل منه بإعادة الجار، و﴿ سُجدًا وبُكيًّا ﴾ : حالان من الواو، و﴿ بكيًّا ﴾ : جمع باك، كمساجد وسجود، وأصله : بكوى، فاجتمع الواو والياء، وسُبق إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وحركت الكاف بالكسر المجانس للياء.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ أولئك ﴾ المذكورون في السورة الكريمة هم ﴿ الذين أنعم الله عليهم ﴾ بفنون النعم الدينية والدنيوية، ﴿ من النبيين من ذرية آدم ﴾، وهو إدريس عليه السلام ونوح، ﴿ ومن حملنا مع نوحٍ ﴾ أي : ومن ذرية من حملناهم في السفينة، وهو إبراهيم ؛ لأنه من ذرية سام بن نوح، ﴿ ومن ذرية إبراهيم ﴾، وهم إسماعيل وإسحاق ويعقوب، وقوله :﴿ وإِسرائيلَ ﴾ أي : ومن ذرية إسرائيل، وهو يعقوب، وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى، وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية. ﴿ وممن هدينا ﴾ أي : ومن جملة من هديناهم إلى الحق واجتبيناهم إلى النبوة من غير هؤلاء.
﴿ إِذا تُتلى عليهم آياتُ الرحمان خَرُّوا سُجدًا وبُكيًّا ﴾، هذا استئناف ؛ لبيان خشيتهم من الله تعالى وإخباتهم له، مع ما لهم من علو الرتبة وسمو الطبقة في شرف النسب، وكمال النفس والزلفى من الله عزّ وجلّ، أي : إذا تتلى عليهم، آيات الرحمان، إما عند نزولها عليهم، أو بسماعها من غيرهم، لحديث :" أحب أن أسمعه من غيري ". ثم بكى صلى الله عليه وسلم عند قوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً ﴾ [ النِّساء : ٤١ ]١ فكان الأنبياء عليهم السلام مثله، إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا ساجدين وباكين. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" اتْلُوا القُرْآنَ وابْكُوا، فَإِنْ لمْ تَبْكُوا فَتَباكَوْا " ٢ وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ سورة مريم، فسجد فيها، فقال :( هذا السجود، فأين البكاء ) ؟
قال بعضهم : ينبغي أن يدعو الساجد في سجوده بما يليق بآيتها، فهاهنا يقول : اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم، المهديين الساجدين لك، الباكين عند تلاوة آياتك. وفي الإسراء يقول : اللهم اجعلني من الخاضعين لوجهك، المسبحين بحمدك، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك، وهكذا. والذي ورد في الخبر : يقول :" سَجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَه وصوَّره، وشقَّ سمعَه وَبَصَرَه، بحوله وقُوته، اللهم اكتب لي بها أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام ". والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد أثنى الله تعالى على هؤلاء السادات المُنعَم عليهم بكونهم إذا سمعوا كلام الحبيب خضعوا ورقَّت قلوبهم، وهو أول درجة المحبة، وفوقه الفرح بكلام الحبيب من مكان قريب، وفوقه الفرح بشهود المتكلم، وهنا ينقطع البكاء ؛ لدخول صاحب هذا المقام جنة المعارف، وليس في الجنة بكاء.
وأيضًا : من شأن القلب في أول أمره الرطوبة، يتأثر بالواردات والأحوال، فإذا استمر عليها اشتد وصلُب بحيث لا يؤثر فيه شيء من الواردات الإلهية. وفي هذا المعنى قال أبو بكر رضي الله عنه، حين رأى قومًا يبكون عند سماع القرآن :( كذلك كنا ثم قست القلوب )، فعبَّر عن تمكنه بالقسوة، تواضعًا واستتارًا، وإنما أثنى على هؤلاء السادات بهذه الخصلة ؛ لأنها سُلّم لما فوقها. والله تعالى أعلم.
١ أخرجه البخاري في تفسير سورة ٤، باب ٩، ومسلم في المسافرين حديث ٢٤٧، ٢٤٨..
٢ أخرجه ابن ماجه في الإقامة باب ١٧٦، والزهد باب ١٩..
ثم ذكر أضدادهم، فقال :
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً ﴾ * ﴿ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ * ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَانُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ﴾ * ﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ * ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ فخَلَفَ من بعدهم ﴾ أي : جاء بعد أولئك الأكابر، ﴿ خَلْفٌ ﴾ أي : عقب سوء، يقال لعقب الخير " خَلَفٌ " بفتح اللام، ولعقب الشر " خلْف " بسكون اللام، أي : فعقبهم وجاء بعدهم عقب سوء، ﴿ أضاعوا الصلاة ﴾ أي : تركوها وأخروها عن وقتها، ﴿ واتبعوا الشهواتِ ﴾ ؛ من شرب الخمر، واستحلال نكاح الأخت، من الأب، والانهماك في فنون المعاصي، وعن علي رضي الله عنه : هم من بَني المُشيد، وركب المنضود، ولبس المشهور. قلت : ولعل المنضود : السُرج المرصعة بالجواهر والذهب. وقال مجاهد : هذا عند اقتراب الساعة، وذهاب صالح أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ينزو بعضهم على بعض في السكك والأزقة. ه. ﴿ فسوف يلقون غيًّا ﴾ : شرًا، فكل شر عند العرب غيٌ، وكل خير رشاد. قال ابن عباس : الغيُّ : واد في جهنم، وإن أودية جهنم لتستعيذ من حرِّه، أُعد للزاني المصرِّ، ولشارب الخمر المدمن، ولأهل الرياء والعقوق والزور، ولمن أدخلت على زوجها ولدًا من غيره. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ فخلف من بعدهم خلف... ﴾ الآية تنسحب على من كان أسلافه صالحين، فتنكب عن طريقهم، فضيّع الدين، وتكبر على ضعفاء المسلمين، واتبع الحظوظ والشهوات، وتعاطى الأمور العلويات، فإن ضم إلى ذلك الافتخار بأسلافه، أو بالجاه والمال، كان أغرق في الغي والضلال، يصدق عليه قول القائل :
إن عاهدوك على الإحسان أو وعدُوا خانوا العهود ولكن بعد ما حلفوا
بـل يفخـرون بأجـداد لهـم سـلفـت نِعم الجدود ولكن بئس ما خلَّفوا
إلا من تاب ورجع إلى ما كان عليه أسلافه، من العلم النافع والعمل الصالح، والتواضع للصالح والطالح، فيرافقهم في جنة الزخارف أو المعارف، التي وعد الرحمان عباده المخصوصين بالغيب، ثم صارت عندهم شهادة، إنه كان وعده مأتيًا، لا يسمعون فيها لغوًا ؛ لأن الحضرة مقدسة عن اللغو، ﴿ إلا سلامًا ﴾ ؛ لسلامة صدورهم، ولهم رزقهم فيها من العلوم والأسرار والمواهب، في كل ساعة وحين، لا يرث هذه الجنة إلا من اتقى ما سوى الله، وانقطع بكليته إلى مولاه. وبالله التوفيق

﴿ إِلا مَن تاب وآمن وعمل صالحًا ﴾، هذا يدل على أن الآية في الكفار. ﴿ فأولئك ﴾ المنعوتون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح، ﴿ يدخلون الجنة ﴾ بموجب الوعد المحتوم، أو يُدخلهم الله الجنة، ﴿ ولا يُظلمون شيئًا ﴾ : لا ينقصون من جزاء أعمالهم شيئًا، وفيه تنبيه على أن كفرهم السابق لا يضرهم، ولا ينقص أجورهم، إذا صححوا المعاملة مع ربهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ فخلف من بعدهم خلف... ﴾ الآية تنسحب على من كان أسلافه صالحين، فتنكب عن طريقهم، فضيّع الدين، وتكبر على ضعفاء المسلمين، واتبع الحظوظ والشهوات، وتعاطى الأمور العلويات، فإن ضم إلى ذلك الافتخار بأسلافه، أو بالجاه والمال، كان أغرق في الغي والضلال، يصدق عليه قول القائل :
إن عاهدوك على الإحسان أو وعدُوا خانوا العهود ولكن بعد ما حلفوا
بـل يفخـرون بأجـداد لهـم سـلفـت نِعم الجدود ولكن بئس ما خلَّفوا
إلا من تاب ورجع إلى ما كان عليه أسلافه، من العلم النافع والعمل الصالح، والتواضع للصالح والطالح، فيرافقهم في جنة الزخارف أو المعارف، التي وعد الرحمان عباده المخصوصين بالغيب، ثم صارت عندهم شهادة، إنه كان وعده مأتيًا، لا يسمعون فيها لغوًا ؛ لأن الحضرة مقدسة عن اللغو، ﴿ إلا سلامًا ﴾ ؛ لسلامة صدورهم، ولهم رزقهم فيها من العلوم والأسرار والمواهب، في كل ساعة وحين، لا يرث هذه الجنة إلا من اتقى ما سوى الله، وانقطع بكليته إلى مولاه. وبالله التوفيق

قلت :﴿ جنات عدن ﴾ : بدل من الجنة، بدل بعض ؛ لاشتمالها عليها، وما بينهما اعتراض، أو نصب على المدح. و﴿ بالغيب ﴾ : حال من عائد الموصول، أي : وعدها، أو من العباد، و﴿ مأتِيًا ﴾ : أصله مأتوي، فأبدل وأدغم كما تقدم.
﴿ جنات عدنٍ ﴾ أي : إقامة، لإقامة داخلها فيها على الأبد، ﴿ التي وعد الرحمان عبادَه بالغيب ﴾ أي : ملتبسين بالغيب عنها لم يروها، وإنما آمنوا بها بمجرد الإخبار، أو ملتبسة بالغيب، أي : غائبة عنهم غير حاضرة. والتعرض لعنوان الرحمانية ؛ للإيذان بأن وعده وإنجازه لكمال سعة رحمته تعالى، ﴿ إِنه كان وعده مَأْتِيًّا ﴾ ؛ يأتيه من وعُد به لا محالة، وقيل : هو مفعول بمعنى فاعل، أي : آتيًا لا محالة، وقيل : مأتيًا : منجزًا، من أتى إليه إحسانًا، أي : فعله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ فخلف من بعدهم خلف... ﴾ الآية تنسحب على من كان أسلافه صالحين، فتنكب عن طريقهم، فضيّع الدين، وتكبر على ضعفاء المسلمين، واتبع الحظوظ والشهوات، وتعاطى الأمور العلويات، فإن ضم إلى ذلك الافتخار بأسلافه، أو بالجاه والمال، كان أغرق في الغي والضلال، يصدق عليه قول القائل :
إن عاهدوك على الإحسان أو وعدُوا خانوا العهود ولكن بعد ما حلفوا
بـل يفخـرون بأجـداد لهـم سـلفـت نِعم الجدود ولكن بئس ما خلَّفوا
إلا من تاب ورجع إلى ما كان عليه أسلافه، من العلم النافع والعمل الصالح، والتواضع للصالح والطالح، فيرافقهم في جنة الزخارف أو المعارف، التي وعد الرحمان عباده المخصوصين بالغيب، ثم صارت عندهم شهادة، إنه كان وعده مأتيًا، لا يسمعون فيها لغوًا ؛ لأن الحضرة مقدسة عن اللغو، ﴿ إلا سلامًا ﴾ ؛ لسلامة صدورهم، ولهم رزقهم فيها من العلوم والأسرار والمواهب، في كل ساعة وحين، لا يرث هذه الجنة إلا من اتقى ما سوى الله، وانقطع بكليته إلى مولاه. وبالله التوفيق

و﴿ إلا سلامًا ﴾ : منقطع، أي : لكن يسمعون سلامًا، ويجوز اتصاله، على أن المراد بالسلام الدعاء بالسلامة، فإن أهل الجنة أغنياء عنه، فهو داخل في اللغو.
﴿ لا يسمعون فيها لغوًا ﴾ أي : فضول كلام لا طائل تحته، وهو كناية عن عدم صدور اللغو عن أهلها. وفيه تنبيه على أن اللغو ينبغي للعبد أن يجتنبه في هذه الدار ما أمكنه. وفي الحديث :" مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ المرْءِ تَرَكُهُ ما لا يَعْنِيهِ " ١. وهو عَامٌّ في الكلام وغيره. ﴿ إِلا سلامًا ﴾، أي : لا يسمعون لغوًا، لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم، أو تسليم بعضهم على بعض، ﴿ ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيًّا ﴾ أي : على قدرهما في الدنيا، إذ ليس في الجنة نهار ولا ليل، بل ضوء ونور أبدًا.
قال القرطبي : ليلهم إرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، أي : ونهارهم رفع الحجب وفتح الأبواب.
قال القشيري : الآية ضرب مثل لما عهد في الدنيا لأهل اليسار، والقصد : أنهم أغنياء مياسير في كل وقت. ه. وسيأتي عند قوله :﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ ﴾ [ الزّخرُف : ٧١ ] كيفية أرزاقهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ فخلف من بعدهم خلف... ﴾ الآية تنسحب على من كان أسلافه صالحين، فتنكب عن طريقهم، فضيّع الدين، وتكبر على ضعفاء المسلمين، واتبع الحظوظ والشهوات، وتعاطى الأمور العلويات، فإن ضم إلى ذلك الافتخار بأسلافه، أو بالجاه والمال، كان أغرق في الغي والضلال، يصدق عليه قول القائل :
إن عاهدوك على الإحسان أو وعدُوا خانوا العهود ولكن بعد ما حلفوا
بـل يفخـرون بأجـداد لهـم سـلفـت نِعم الجدود ولكن بئس ما خلَّفوا
إلا من تاب ورجع إلى ما كان عليه أسلافه، من العلم النافع والعمل الصالح، والتواضع للصالح والطالح، فيرافقهم في جنة الزخارف أو المعارف، التي وعد الرحمان عباده المخصوصين بالغيب، ثم صارت عندهم شهادة، إنه كان وعده مأتيًا، لا يسمعون فيها لغوًا ؛ لأن الحضرة مقدسة عن اللغو، ﴿ إلا سلامًا ﴾ ؛ لسلامة صدورهم، ولهم رزقهم فيها من العلوم والأسرار والمواهب، في كل ساعة وحين، لا يرث هذه الجنة إلا من اتقى ما سوى الله، وانقطع بكليته إلى مولاه. وبالله التوفيق


١ أخرجه الترمذي في الزهد باب ١١..
قال تعالى :﴿ تلك الجنة ﴾ : مبتدأ وخبر، جيء بهذه الجملة ؛ لتعظيم شأن الجنة وتعيين أهلها، وما في اسم الإشارة من معنى البُعد ؛ للإيذان ببُعد منزلتها وعلو رتبتها، أي : تلك الجنة التي وُصفت بتلك الأوصاف العظيمة هي ﴿ التي نُورث ﴾ أي : نورثها ﴿ مِنْ عبادنا من كان تقيًّا ﴾ لله بطاعته واجتناب معاصيه، أي : نُديمها عليهم بتقواهم، ونمتعهم بها، كما يبقى عند الوارث مال مورثه يتمتع به، والوراثة أقوى ما يستعمل في التملك والاستحقاق من الألفاظ ؛ من حيث إنها لا يعقبها فسخ ولا استرجاع ولا إبطال. وقيل : يرث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار، لو آمنوا وأطاعوا، زيادة في كرامتهم. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ فخلف من بعدهم خلف... ﴾ الآية تنسحب على من كان أسلافه صالحين، فتنكب عن طريقهم، فضيّع الدين، وتكبر على ضعفاء المسلمين، واتبع الحظوظ والشهوات، وتعاطى الأمور العلويات، فإن ضم إلى ذلك الافتخار بأسلافه، أو بالجاه والمال، كان أغرق في الغي والضلال، يصدق عليه قول القائل :
إن عاهدوك على الإحسان أو وعدُوا خانوا العهود ولكن بعد ما حلفوا
بـل يفخـرون بأجـداد لهـم سـلفـت نِعم الجدود ولكن بئس ما خلَّفوا
إلا من تاب ورجع إلى ما كان عليه أسلافه، من العلم النافع والعمل الصالح، والتواضع للصالح والطالح، فيرافقهم في جنة الزخارف أو المعارف، التي وعد الرحمان عباده المخصوصين بالغيب، ثم صارت عندهم شهادة، إنه كان وعده مأتيًا، لا يسمعون فيها لغوًا ؛ لأن الحضرة مقدسة عن اللغو، ﴿ إلا سلامًا ﴾ ؛ لسلامة صدورهم، ولهم رزقهم فيها من العلوم والأسرار والمواهب، في كل ساعة وحين، لا يرث هذه الجنة إلا من اتقى ما سوى الله، وانقطع بكليته إلى مولاه. وبالله التوفيق

ولما أبطأ الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يا جبريل ما يَمنعُكَ أن تزورنَا أكثرَ مما تَزورنا ؟ ". فنزل١.
﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذالِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾ * ﴿ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾
قلت : وجه المناسبة لما قبله - والله أعلم - : أن الحق جلّ جلاله لما سرد قصص الأنبياء وما نشأ بعدهم، وكان جبريل هو صاحب وحيهم الذي ينزل به عليهم، ذكر هنا أن نزوله ليس باختياره، فقال :﴿ وما نتنزل. . . ﴾ الخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله : حاكيًا لقول جبريل عليه السلام :﴿ وما نتنزَّلُ ﴾ عليك يا محمد ﴿ إِلا بأمرِ ربك ﴾، وذلك حين أبطأ الوحي عنه صلى الله عليه وسلم، لما سئل عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فلم يدر كيف يجيب، ورجا أن يوحي إليه فيه، فأبطأ عليه أربعين يومًا. قاله عكرمة. وقال مجاهد : ثنتي عشرة ليلة، أو خمس عشرة. فشقَّ على النبي صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة. وقال :" يا جبريل قد اشتقت إليك، فقال جبريل : إني كنت أَشْوَق، ولكني عبد مأمور، إذا بُعثتُ نزلت، وإذا حُبست احتَبَستُ، فأنزل الله هذه الآية وسورة الضحى " ٢، والتنزل : النزول على مَهَل، وقد يُطلق على مطلق النزول، والمعنى : وما نتنزل وقتًا غِبّ وقتٍ إلا بأمر الله تعالى، على ما تقتضيه حكمته.
وقيل : هو إخبار عن أهل الجنة أنهم يقولون عند دخولها مخاطبين بعضهم لبعض بطريق التبجح والابتهاج، أي : ما نتنزل هذه الجنان إلا بأمر الله تعالى ولطفه، وهو مالك الأمور كلها، سالفها ومُتَرَقَّبُهَا وحاضرها، فما وجدناه وما نجده هو من لطفه وفضله. ه. قلت : ولا يخفى حينئذ مناسبته.
ثم قال :﴿ له ما بين أيدينا وما خَلْفَنا وما بين ذلك ﴾ أي : وما نحن فيه من الأماكن والأزمنة، فلا ننتقل من مكان إلى مكان، ولا ننزل في زمان دون زمان، إلا بأمره ومشيئته، وعن مقاتل :﴿ له ما بين أيدينا ﴾ من أمر الدنيا، ﴿ وما خلفنا ﴾ من أمر الآخرة، ﴿ وما بين ذلك ﴾ مما بين النفختين، وهو أربعين سنة. أو ما بين أيدينا بعد الموت، وما خلفنا قبل أن يخلقنا، وما بين ذلك مدة حياتنا، أي : له علم ذلك كله، ﴿ وما كان ربك نَسِيًّا ﴾ : تاركًا لك ومهملاً شأنك، أو : ذَاهِلاً عنك حتى ينسى أمر الوحي إليك ؛ لأنه مُحال، يعني : أن عدم نزول جبريل لم يكن إلا لعدم الأمر به ؛ لحكمة بالغة فيه، ولم يكن تركه تعالى لك إهمالاً وتوديعًا، كما زعمت الكفرة. وفي إعادة اسم الرب المضاف إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تشريفه والإشعار بعلية الحكم ما لا يخفى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله جبريل عليه السلام من كونه لا ينزل إلا بأمر ربه ليس خاصًا به ؛ بل كل أحد لا حركة له ولا سكون إلا بالله وبمشيئته، فلا يصدر عن أحد من عبيده قول ولا فعل، ولا حركة ولا سكون، إلا وقد سبق في علمه وقضائه كيف يكون، فلا انتقال ولا نزول إلا بقدر سابق وتحريك لاحق ؛ " ما من نفَس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه ". وقال الشاعر :
مشيناها خطى كُتبت علينا ومن كُتبت عليه خطى مشاها
ومـن قسمت منيتـه بأرض فليس يموت في أرض سواها
فراحة الإنسان أن يكون ابن وقته، كل وقت ينظر ما يفعل الله به، فبهذا ينجو من التعب، ويتحقق له الأدب. وبالله التوفيق.


١ أخرجه البخاري في تفسير سورة ١٩ باب ٢، والتوحيد باب ٢٨، وبدء الخلق باب ٦، والترمذي في تفسير سورة ١٩ باب ٤، وأحمد في المسند ١/٢٣١..
٢ أخرجه الطبري في تفسيره ١٦/١٠٣..
وقوله تعالى :﴿ ربُّ السماوات والأرض وما بينهما ﴾ بيان لاستحالة النسيان عليه تعالى ؛ فإن من بيده ملكوت السماوات والأرض وما بينهما كيف يتصور أن يحوم حول ساحته الغفلة والنسيان. والفاء في قوله :﴿ فاعبُده واصطَبِرْ لعبادته ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، من كونه تعالى رب السماوات والأرض وما بينهما.
أو من كونه تعالى غير تارك له عليه السلام، أو غير ناسٍ لأعمال العاملين، والمعنى على الأول : فحين عرفته تعالى بما ذكر من الربوبية الكاملة فاعبده، أو حين عرفته تعالى لا ينساك، أو : ينسى أعمال العاملين فأقبل على عبادته واصطبر على مشاقها، ولا تحزن بإبطاء الوحي وهزْءِ الكفرة، فإنه يراقبك ويلطف بك في الدنيا والآخرة، ﴿ هل تعلم له سَمِيًّا ﴾ أي : شبيهًا ونظيرًا، أو هل تعلم أحدًا تسمى بهذا الاسم غير الله العالي، والتسمية تقتضي التسوية بين المتشابهين، ولا مثل له، لا موجودًا ولا موهومًا، مع أن المشركين مع غلوهم في المكابرة لم يسموا الصنم بالجلالة أصلاً، ولم يتجاسر أحد أن يسمي بهذا الاسم، ولو تجاسر أحدٌ لهلك.
وقيل : إن أحدًا من الجبابرة أراد أن يسمي ولده بهذا الاسم، فخسف به وبتلك البلدة. ذكره القشيري في التحبير. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قاله جبريل عليه السلام من كونه لا ينزل إلا بأمر ربه ليس خاصًا به ؛ بل كل أحد لا حركة له ولا سكون إلا بالله وبمشيئته، فلا يصدر عن أحد من عبيده قول ولا فعل، ولا حركة ولا سكون، إلا وقد سبق في علمه وقضائه كيف يكون، فلا انتقال ولا نزول إلا بقدر سابق وتحريك لاحق ؛ " ما من نفَس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه ". وقال الشاعر :
مشيناها خطى كُتبت علينا ومن كُتبت عليه خطى مشاها
ومـن قسمت منيتـه بأرض فليس يموت في أرض سواها
فراحة الإنسان أن يكون ابن وقته، كل وقت ينظر ما يفعل الله به، فبهذا ينجو من التعب، ويتحقق له الأدب. وبالله التوفيق.

ثم رد على من أنكر البعث، بعد أن رد على من اعتقد الشرك، وبهما كفرت العرب، فقال :
﴿ وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً ﴾ * ﴿ أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ﴾ * ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً ﴾ * ﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيّاً ﴾ * ﴿ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً ﴾ * ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ * ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾
قلت :﴿ أئذا ﴾ : ظرف، والعامل فيه محذوف، أي : أأُخرج إذا مت، لا المتأخر عن اللام لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، إلا أن يرخص في الظروف. واللام في ﴿ لَسَوْفَ ﴾ ليست للتأكيد، فإنه مُنْكِرٌ، وكيف يحقق ما ينكر، وإنما كلامه حكاية لكلام النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه الذي قال : والله إن الإنسان إذا مات لسوف يُخرج حيًّا، فأنكر الكافر ذلك وحكى قوله، فنُزلت الآية على ذلك، قاله الجرجاني : و﴿ الشياطين ﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ ويقول الإِنسانُ ﴾ أي : جنس الإنسان، والمراد الكفرة، وإسناد القول إلى الكل لوجود القول فيما بينهم، وإن لم يقله الجميع، كما يقال : بنو فلان قتلوا فلانًا، وإنما القاتل واحد، وقيل : القائل : أُبيُّ بن خَلَف، فإنه أخذ عظامًا بالية، ففتتها، وقال : يزعم محمد أنا نُبعث بعد ما نموت ونصير إلى هذا الحال، فنزلت. أي : يقول بطريق الإنكار والاستبعاد :﴿ أئذا ما متُّ لسوف أُخرج حيًّا ﴾ أي : أأبعث من الأرض بعد ما مِتُّ وأُخرج حيًا ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أراد كرامة الآخرة فَلْيُرَبِّ يقينه فيها، حتى تكون نصب عينيه، فإنه يرد على الله كريمًا. ومن أراد السلامة من أهوالها فليخفف من أوساخها وأشغالها، ويلازم طاعة الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أراد سرعة المرور على الصراط، فليلزم اليوم اتباع الصراطِ المستقيم، فبقدر ما يستقيم عليها تستقيم أقدامه على الصراط، وبقدر ما يزل عنها يزلُّ عن الصراط.
قال في الإحياء، لما تكلم على العدل في الكيل والوزن، قال بعد كلامه : وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته، فالويل له إن عدل عن العدل، ومال عن الاستقامة، ولولا تعذُّر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾ الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصومًا عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم في النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفًا وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه ؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذي من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط. هـ.
وقال الترمذي الحكيم : يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون في النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض : أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال : فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق في قلوبهم وصدورهم، فكان نوره في قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوي أنها تقول :" جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبي " ٢. هـ.
وقال الورتجبي : إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف في النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
... هـ.
وقال جعفر الصادق : لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضًا عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى الله يقول :﴿ ثم نُنجي الذين اتقوا ﴾. هـ. قلت : وقد تقدم أن من لا حساب عليهم - وهم المقربون - يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحبه، آمين.

قال تعالى :﴿ أولا يَذكُرُ الإِنسانُ ﴾، من الذِّكر الذي يُراد به التفكر، ولذلك قُرئ بالتشديد من التذكير. والإظهارُ في موضع الإضمار ؛ لزيادة التقرير والإشعار بأن الإنسانية من دواعي التفكر فيما جرى عليها من شؤون التكوين، فإذا ترك التفكر التحق بالبهائم، فهلاّ يذكر أصله ! وهو ﴿ أنا خلقناه من قبلُ ﴾ أي : من قبل الحالة التي فيها، وهي حالة حياته، ﴿ ولم يكُ شيئًا ﴾ أي : والحال أنه لم يك شيئًا أصلاً، وحيث خلقناه وهو في تلك الحال فلأن نبعث الجمع بتفرقاته أولى وأظهر ؛ لأن الإعادة أسهل من البدء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أراد كرامة الآخرة فَلْيُرَبِّ يقينه فيها، حتى تكون نصب عينيه، فإنه يرد على الله كريمًا. ومن أراد السلامة من أهوالها فليخفف من أوساخها وأشغالها، ويلازم طاعة الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أراد سرعة المرور على الصراط، فليلزم اليوم اتباع الصراطِ المستقيم، فبقدر ما يستقيم عليها تستقيم أقدامه على الصراط، وبقدر ما يزل عنها يزلُّ عن الصراط.
قال في الإحياء، لما تكلم على العدل في الكيل والوزن، قال بعد كلامه : وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته، فالويل له إن عدل عن العدل، ومال عن الاستقامة، ولولا تعذُّر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾ الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصومًا عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم في النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفًا وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه ؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذي من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط. هـ.
وقال الترمذي الحكيم : يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون في النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض : أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال : فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق في قلوبهم وصدورهم، فكان نوره في قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوي أنها تقول :" جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبي " ٢. هـ.
وقال الورتجبي : إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف في النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
... هـ.
وقال جعفر الصادق : لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضًا عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى الله يقول :﴿ ثم نُنجي الذين اتقوا ﴾. هـ. قلت : وقد تقدم أن من لا حساب عليهم - وهم المقربون - يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحبه، آمين.

و﴿ الشياطين ﴾ : عطف على ضمير المنصوب، أو مفعول معه. و﴿ جثيًّا ﴾ : حال من ضمير ﴿ لنحضرنهم ﴾ البارز، أي : لنحضرنهم جاثين، جمع جاث، من جثى إذا قعد على ركبتيه، وأصله :" جثوو " بواوين، فاستثقل اجتماعهما بعد ضمتين، فكسرت الثاء تخفيفًا، وانقلبت الواو الأولى ياء ؛ لانكسار ما قبلها، فاجتمعت واو وياء، وسبقت إحداهما بسكون، فقُلبت الواو ياء، وأدغمت الأولى في الثانية، ومن قرأ بكسر الجيم : فعلى الإتْبَاعِ.
قال تعالى :﴿ فوربّك لنحشرنهم ﴾ أي : لنجمعنهم بالسّوق إلى المحشر بعدما أخرجتهم من الأرض.
وإقسامه سبحانه بربوبيته مضافة إلى ضميره - عليه الصلاة والسلام - ؛ لتحقيق الأمر، والإشعار بِعِلِّيَّتِهِ، وتفخيم شأنه، ورفع منزلته صلى الله عليه وسلم، وفيه إثبات البعث بالطريق البرهاني على أبلغ وجه وآكده، كأنه أمر واضح غني عن التصريح به، وإنما المحتاج إلى البيان ما بعد ذلك من الأهوال، أي : حيث ذكر الحشر وما بعده. ولم يصرح بنفس البعث ؛ لتحقق وضوحه، وإنما قال :﴿ فوربّك لنحشرنهم ﴾ أي : نجمعهم ﴿ والشياطينَ ﴾ المغوين لهم، إلى المحشر، وقيل : إن الكفرة يُحشرون مع قرنائهم من الشياطين التي كانت تغويهم، كل منهم مع شيطانه في سلسلة، ﴿ ثم لنحضِرَنَّهم حول جهنم جثيًّا ﴾ : باركين على ركَبِهم ؛ لما يدهمُهم من هول المطلع، والجثو : جلسة الذليل الخائف.
والآية كما ترى، صريحة في الكفرة، فهم الذين يُساقون من الموقف إلى شاطئ جهنم، جُثاة ؛ إهانة بهم، أو لعجزهم عن القيام لما اعتراهم من شدة الخوف. وأما قوله تعالى :﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ [ الجَاثيَة : ٢٨ ] فهي عامة للناس في حال الموقف قبل التواصل إلى الثواب والعقاب، فإن أهل الموقف جاثون على الرُّكب، كما هو المعتاد في مقام التفاؤل والخصام، قلت : ولعل هذا فيمن يُناقش الحساب، وأما غيرهم فيلقى عليهم سحابة كنفه، ثم يقررهم بذنوبهم ويسترهم، كما في الحديث.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أراد كرامة الآخرة فَلْيُرَبِّ يقينه فيها، حتى تكون نصب عينيه، فإنه يرد على الله كريمًا. ومن أراد السلامة من أهوالها فليخفف من أوساخها وأشغالها، ويلازم طاعة الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أراد سرعة المرور على الصراط، فليلزم اليوم اتباع الصراطِ المستقيم، فبقدر ما يستقيم عليها تستقيم أقدامه على الصراط، وبقدر ما يزل عنها يزلُّ عن الصراط.
قال في الإحياء، لما تكلم على العدل في الكيل والوزن، قال بعد كلامه : وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته، فالويل له إن عدل عن العدل، ومال عن الاستقامة، ولولا تعذُّر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾ الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصومًا عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم في النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفًا وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه ؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذي من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط. هـ.
وقال الترمذي الحكيم : يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون في النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض : أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال : فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق في قلوبهم وصدورهم، فكان نوره في قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوي أنها تقول :" جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبي " ٢. هـ.
وقال الورتجبي : إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف في النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
... هـ.
وقال جعفر الصادق : لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضًا عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى الله يقول :﴿ ثم نُنجي الذين اتقوا ﴾. هـ. قلت : وقد تقدم أن من لا حساب عليهم - وهم المقربون - يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحبه، آمين.

و﴿ أَيُّهُم ﴾ : مبني على الضم عند سيبويه، لأنه موصول، فحقه البناء كسائر الموصولات، لكنه أعرب في بعض التراكيب للزوم الإضافة، فإذا حذف صَدْرُ صِلَتِهِ زاد نقصُه فقوي شبه الحرف فيه، وهو منصوب المحل بلننزعن، وقرئ منصوبًا على الإعراب، ومرفوعًا عند الخليل وغيره بالابتداء، وخبره :﴿ أشد ﴾، والجملة محكية، والتقدير : لننزعن من كل شيعة الذين يُقال لهم أيهم أشد. . . الخ. وقال يونس : علق عنها الفعل وارتفعت بالابتداء، و﴿ عتيًّا ﴾ و﴿ صليًّا ﴾ أصلهما : عتوى وصلوى، من عتى وصلى، بالكسر والفتح، فاعلاً بما تقدم.
﴿ ثم لنَنْزِعَنَّ من كل شيعةٍ ﴾ أي : من كل أمة تشيعت دينًا من الأديان، ﴿ أيُهم أشدُّ على الرحمان عِتيًّا ﴾ أي : من كان منهم أعصى وأعتى، فيطرحهم فيها. قال ابن عباس : أي : أيهم أشد جرأة، وقال مجاهد : فجورًا وكذبًا، وقال مقاتل : علوًا، أو غلوًا في الكفر، أو كبرًا، وقال الكلبي : قائدهم ورأسهم، أي : فيبدأ بالأكابر فالأكابر بالعذاب، ثم الذي يليهم جرمًا. وفي ذكر الأشدية تنبيه على أنه تعالى يعفو عن بعض أهل العصيان من غير الكفرة، إذا قلنا بعموم الآية، وأما إذا خصصناها بالكفرة، فالأشدية باعتبار التقديم للعذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أراد كرامة الآخرة فَلْيُرَبِّ يقينه فيها، حتى تكون نصب عينيه، فإنه يرد على الله كريمًا. ومن أراد السلامة من أهوالها فليخفف من أوساخها وأشغالها، ويلازم طاعة الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أراد سرعة المرور على الصراط، فليلزم اليوم اتباع الصراطِ المستقيم، فبقدر ما يستقيم عليها تستقيم أقدامه على الصراط، وبقدر ما يزل عنها يزلُّ عن الصراط.
قال في الإحياء، لما تكلم على العدل في الكيل والوزن، قال بعد كلامه : وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته، فالويل له إن عدل عن العدل، ومال عن الاستقامة، ولولا تعذُّر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾ الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصومًا عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم في النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفًا وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه ؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذي من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط. هـ.
وقال الترمذي الحكيم : يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون في النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض : أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال : فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق في قلوبهم وصدورهم، فكان نوره في قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوي أنها تقول :" جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبي " ٢. هـ.
وقال الورتجبي : إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف في النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
... هـ.
وقال جعفر الصادق : لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضًا عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى الله يقول :﴿ ثم نُنجي الذين اتقوا ﴾. هـ. قلت : وقد تقدم أن من لا حساب عليهم - وهم المقربون - يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحبه، آمين.

قال تعالى :﴿ ثم لنَحنُ أعلمُ بالذين هم أولى بها صِليًّا ﴾ أي : أولى بصليها وأحق بدخولها، وهم المنتزعون الذين هم أشدهم عتوًا، أو رؤوسهم، فإن عذابهم مضاعف لضلالهم وإضلالهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أراد كرامة الآخرة فَلْيُرَبِّ يقينه فيها، حتى تكون نصب عينيه، فإنه يرد على الله كريمًا. ومن أراد السلامة من أهوالها فليخفف من أوساخها وأشغالها، ويلازم طاعة الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أراد سرعة المرور على الصراط، فليلزم اليوم اتباع الصراطِ المستقيم، فبقدر ما يستقيم عليها تستقيم أقدامه على الصراط، وبقدر ما يزل عنها يزلُّ عن الصراط.
قال في الإحياء، لما تكلم على العدل في الكيل والوزن، قال بعد كلامه : وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته، فالويل له إن عدل عن العدل، ومال عن الاستقامة، ولولا تعذُّر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾ الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصومًا عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم في النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفًا وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه ؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذي من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط. هـ.
وقال الترمذي الحكيم : يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون في النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض : أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال : فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق في قلوبهم وصدورهم، فكان نوره في قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوي أنها تقول :" جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبي " ٢. هـ.
وقال الورتجبي : إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف في النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
... هـ.
وقال جعفر الصادق : لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضًا عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى الله يقول :﴿ ثم نُنجي الذين اتقوا ﴾. هـ. قلت : وقد تقدم أن من لا حساب عليهم - وهم المقربون - يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحبه، آمين.

﴿ وإِن منكم إِلا وارِدُها ﴾، فيه التفات لإظهار مزيد الاعتناء، وقرئ :" وإن منهم ". ويحتمل أن يكون الخطاب لجميع الخلق، أي : وإن منكم أيها الناس ﴿ إلا واردها ﴾ أي : واصلها وحاضرها، يمرُ بها المؤمنون وهي خامدة، وتنهار بغيرهم. وعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم سُئل عن ذلك فقال :" إِذَا دَخَلَ أَهْلَ الجَنَّة قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَليْسَ قَدْ وعدنَا ربُّنا أَنْ نَرِدَ النَّارَ ؟ فَيُقالُ لَهُمْ : قَدْ وَرَدْتُمُوهَا وَهِيَ خَامِدَةٌ ". وأما قوله تعالى :﴿ أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ فالمراد به الإبعاد عن عذابها، وقيل : ورودها : الجواز على الصراط بالمرور عليها.
وعن ابن مسعود : الضمير في ﴿ واردها ﴾ للقيامة، وحينئذ فلا يعارض :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ [ الأنبياء : ١٠٢ ]، ولا ما جاء فيمن يدخل الجنة بغير حساب، ولا مرور على الصراط، فضلاً عن الدخول فيها، على أنه اختلف في الورود، فقيل : الدخول وتكون بردًا وسلامًا على المؤمن.
وقيل : المرور كما تقدم، وقيل : الإشراف عليها والاطّلاع. قال القشيري : كلٌّ يَرِدُ النارَ، ولكن لا ضيْرَ منها ولا إحساس لأحدٍ إلا بمقدار ما عليه من السيئات، والزلل، فأشدُّهم فيها انهماكًا : أشدهم فيها بالنار اشتعالاً واحتراقًا، وأما بريء الساحة، نقي الجانب بعيد الذنوب، فكما في الخبر :" إن النار عند مرورهم ربوة كربوة اللَّبَن - أي : جامدة كجمود اللبن حين يسخن - فيدخلونها ولا يحسون بها، فإذا عبروها قالوا : أليس قد وعدنا جهنم على الطريق ؟ فيقال لهم : عبرتم وما شعرتم ". ه.
﴿ كان على ربك حتمًا مقضيًّا ﴾ أي : كان وُرودهم إياها أمرًا محتومًا أوجبه الله تعالى على ذاته، وقضى أنه لا بد من وقوعه. وقيل : أقسم عليه، ويشهد له :" إلا تحلة القسم " ١.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أراد كرامة الآخرة فَلْيُرَبِّ يقينه فيها، حتى تكون نصب عينيه، فإنه يرد على الله كريمًا. ومن أراد السلامة من أهوالها فليخفف من أوساخها وأشغالها، ويلازم طاعة الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أراد سرعة المرور على الصراط، فليلزم اليوم اتباع الصراطِ المستقيم، فبقدر ما يستقيم عليها تستقيم أقدامه على الصراط، وبقدر ما يزل عنها يزلُّ عن الصراط.
قال في الإحياء، لما تكلم على العدل في الكيل والوزن، قال بعد كلامه : وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته، فالويل له إن عدل عن العدل، ومال عن الاستقامة، ولولا تعذُّر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾ الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصومًا عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم في النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفًا وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه ؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذي من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط. هـ.
وقال الترمذي الحكيم : يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون في النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض : أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال : فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق في قلوبهم وصدورهم، فكان نوره في قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوي أنها تقول :" جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبي " ٢. هـ.
وقال الورتجبي : إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف في النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
... هـ.
وقال جعفر الصادق : لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضًا عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى الله يقول :﴿ ثم نُنجي الذين اتقوا ﴾. هـ. قلت : وقد تقدم أن من لا حساب عليهم - وهم المقربون - يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحبه، آمين.


١ الحديث بتمامه: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار، إلا تحلة القسم"، أخرجه البخاري في الجنائز باب ٦، والأيمان باب ٩، ومسلم في البر حديث ١٥٠، والترمذي في الجنائز باب ٦٤، والنسائي في الجنائز باب ٢٥، وابن ماجه في الجنائز باب ٥٧، ومالك في الجنائز حديث ٣٨، وأحمد في المسند ٢/٢٤٠، ٤٧٣، ٤٧٩..
﴿ ثم نُنَجِّي الذين اتقوا ﴾ الكفرَ والمعاصي، بأن تكون النار عليهم بردًا وسلامًا، على تفسير الورود بالدخول، وعن جابر أنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" الوُرودُ الدُّخولُ، لا يَبْقَى بَرٌّ ولا فَاجِرٌ إِلاَّ دخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى المُؤْمِنِينَ بَرْدًا وسَلاَمًا، كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيم، حَتَّى إنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ " ١. وإن فسرنا الورود بالمرور، فنجاتهم بالمرور عليها والسلامة من الوقوع فيها، ﴿ ونذَرُ الظالمين فيها جِثيًّا ﴾ : باركين على ركبهم، قال ابن زيد : الجثي شر الجلوس، لا يجلس الرجل جاثيًا إلا عند كرب ينزل به. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أراد كرامة الآخرة فَلْيُرَبِّ يقينه فيها، حتى تكون نصب عينيه، فإنه يرد على الله كريمًا. ومن أراد السلامة من أهوالها فليخفف من أوساخها وأشغالها، ويلازم طاعة الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أراد سرعة المرور على الصراط، فليلزم اليوم اتباع الصراطِ المستقيم، فبقدر ما يستقيم عليها تستقيم أقدامه على الصراط، وبقدر ما يزل عنها يزلُّ عن الصراط.
قال في الإحياء، لما تكلم على العدل في الكيل والوزن، قال بعد كلامه : وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته، فالويل له إن عدل عن العدل، ومال عن الاستقامة، ولولا تعذُّر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾ الآية، فلا ينفك عبدٌ ليس معصومًا عن الميل عن الاستقامة، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم في النار إلى أوان الخلاص، حتى لا يبقى بعضُهم إلا بقدر تحلة القسم، ويبقى بعضهم ألفًا وألوف سنين، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه ؛ فإنه أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار، الذي من صفته أنه أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخِف مرور العبد يوم القيامة على الصراط. هـ.
وقال الترمذي الحكيم : يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]، وإنما بَعُدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم، فهم يمضون في النار، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض : أليس قد وُعدنا النار، فذكر ما تقدم. ثم قال : فأما ضجة النار فمن بردهم، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب، فبالرحمة نالوا النور، حتى أشرق في قلوبهم وصدورهم، فكان نوره في قلوبهم، والرحمة مظلة عليهم، فخمدت النار من بردهم عندما لقُوهَا، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك رُوي أنها تقول :" جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورُك لهبي " ٢. هـ.
وقال الورتجبي : إذا كان جمال الحق مصحوبهم، فلا بأس بالوقوف في النيران، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها زلال وسَلسال وسيحانها وِرْدُ
... هـ.
وقال جعفر الصادق : لولا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم، فمَنْ كان أشد إعراضًا عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار، ألا ترى الله يقول :﴿ ثم نُنجي الذين اتقوا ﴾. هـ. قلت : وقد تقدم أن من لا حساب عليهم - وهم المقربون - يمرون على الصراط ولا يحسون به، وهم الذين يمرون عليه كالطير أو كالبرق، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه، وبجاه خير الخلق مولانا محمد نبيه وحبه، آمين.


١ أخرجه أحمد في المسند ٣/٣٢٩..
ثم ذكر أحوال من سقط في جهنم ويبقى فيها جثيا، فقال :
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾ * ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وإِذا تُتلى عليهم ﴾ ؛ على الكفرة ﴿ آياتُنا ﴾ الناعية عليهم فظاعة حالهم ووخامة مآلهم، والناطقة بحسن عاقبة المؤمنين، حال كونها ﴿ بيناتٍ ﴾ : واضحات في نفسها، أو بينات الإعجاز، أو بينات المعاني، ﴿ قال الذين كفروا ﴾ أي : قالوا، ووضع الموصول موضع الضمير ؛ للتنبيه على أنهم قالوا ما قالوا كافرين بما يُتلى عليهم رادين له، أو : قال الذين تمرَّدوا في الكفر والعتو ؛ وهم النضر بن الحارث وأتباعه، قالوا ﴿ للذين آمنوا ﴾، اللام للتبليغ، أي : قالوا مبلغين الكلام لهم، وقيل : لام الأجل، كقوله تعالى :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ ﴾
[ الأحقاف : ١١ ] أي : لأجلهم وفي حقهم، والأول أولى ؛ لأن الكلام هنا كان معهم بدليل قوله :﴿ أيُّ الفريقين ﴾ أي : المؤمنين والكفار، ﴿ خيرٌ ﴾ كأنهم قالوا : أينا ﴿ خيرٌ مقامًا ﴾ أي : مكانًا : نحن أو أنتم، وقرئ بالضم، أي : موضع إقامة ومنزل، ﴿ وأحسنُ نَدِيًّا ﴾ ؛ مجلسًا ومجتمعًا، أو : أينا خير منزلاً ومسكنًا، وأحسن مجلسًا ؟
يُروَى أنهم كانوا يُرجلون شعورهم ويدهنونها، ويتزينون بالزينة الفاخرة، ثم يقولون ذلك لفقراء المؤمنين، يريدون بذلك أن خيريتهم، حالاً، وأحسنيتهم، مقالاً، مما لا يقبل الإنكار، وأنَّ ذلك لكرامتهم على الله سبحانه وزلفاهم عنده، وأنَّ الحال التي عليها المؤمنون، من الضرورة والفاقة ورَثَاثَةِ الحال ؛ لقصور حظهم عند الله. وما هذا القياس العقيم والرأي السقيم إلا لكونهم جَهلةً لا يعلمون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا، وذلك مبلغهم من العلم، فردَّ عليهم بقوله :﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قَرْنٍ هم أحسنُ أثاثًا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : رفعة القدر والمقام لا تكون بالتظاهر بمفاخر اللباس والطعام، ولا بحسن الهيئة ومنظر الأجسام، وإنما يكون باحتظاء القلوب بمعرفة الله، وتمكين اليقين من القلوب، واطلاعها على أسرار الغيوب، مع القيام بوظائف العبودية، أدبًا مع عظمة الربوبية، ونسيان النفوس والاشتغال عنها بالعكوف في حضرة القدوس، فأهل القلوب لا يعبأُون بظواهر الأشباح، وإنما يعتنون بحياة الأرواح.
كمل حقيقتك التي لم تَكْمُلِ والجسم دعه في الحضيض الأسفل
فقوت قلوبهم التواجد والأذكار، وحياة أرواحهم العلوم والأسرار، وأنشدوا :
بالقوت إحياءُ الجسوم وذكره تحيا به الألباب والأرواح
هو عيشهم ووجودهم وحياتهم حقًا ورَوْح نفوسهم والرَّاح
وأما من عَظُمَ جهلُه، وكَثُفَ حجابه، فإنما ينظر إلى بهجة الظواهر وتزيينها بأنواع المفاخر، أو إلى من عظم جاهه وكثرت أتباعه، وهذه نزعة جاهلية، حيث قالوا حين يُتلى عليهم الوعظ والتذكير :( أي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًا )، ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [ الرُّوم : ٧ ]. وبالله التوفيق.

قلت :﴿ هم أحسن ﴾ : صفة لِكَمْ.
﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قَرْنٍ هم أحسنُ أثاثًا ﴾ : مالاً ومتاعًا ﴿ ورِءْيًا ﴾ ؛ منظرًا، أي : كثيرًا من القرون التي كانوا أفضل منهم، فيما يفتخرون به من الحظوظ الدنيوية، كعاد وثمود وأضرابهم العاتية قبل هؤلاء، أهلكناهم بفنون العذاب، ولو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا، لما فعلنا بهم ما فعلنا، وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى، كأنه قيل : فلينتظر هؤلاء أيضًا مثل ذلك.
و﴿ أثاثًا ﴾ : تمييز، وهو متاع البيت، أو ما جد منه، و﴿ رِءْيًا ﴾ : كذلك، فِعْل من الرؤية بمعنى المنظر، قال ابن عزيز :" رءيا " بهمزة ساكنة : ما رأيت عليه من شارة حسنة وهيئة، وبغير همز : يجوز أن يكون على معنى الأول، ويجوز أن يكون من الريّ. أي : منظرهم مُرتو من النعمة. وَزِيًّا، بالزاي المعجمة، في قراءة ابن عباس، يعني هيئة ومنظرًا. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : رفعة القدر والمقام لا تكون بالتظاهر بمفاخر اللباس والطعام، ولا بحسن الهيئة ومنظر الأجسام، وإنما يكون باحتظاء القلوب بمعرفة الله، وتمكين اليقين من القلوب، واطلاعها على أسرار الغيوب، مع القيام بوظائف العبودية، أدبًا مع عظمة الربوبية، ونسيان النفوس والاشتغال عنها بالعكوف في حضرة القدوس، فأهل القلوب لا يعبأُون بظواهر الأشباح، وإنما يعتنون بحياة الأرواح.
كمل حقيقتك التي لم تَكْمُلِ والجسم دعه في الحضيض الأسفل
فقوت قلوبهم التواجد والأذكار، وحياة أرواحهم العلوم والأسرار، وأنشدوا :
بالقوت إحياءُ الجسوم وذكره تحيا به الألباب والأرواح
هو عيشهم ووجودهم وحياتهم حقًا ورَوْح نفوسهم والرَّاح
وأما من عَظُمَ جهلُه، وكَثُفَ حجابه، فإنما ينظر إلى بهجة الظواهر وتزيينها بأنواع المفاخر، أو إلى من عظم جاهه وكثرت أتباعه، وهذه نزعة جاهلية، حيث قالوا حين يُتلى عليهم الوعظ والتذكير :( أي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًا )، ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [ الرُّوم : ٧ ]. وبالله التوفيق.

ثم ذكر الحق تعالى مدد الفريقين ؛ أهل الضلال وأهل الإيمان، فقال :
﴿ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَانُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً ﴾ * ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً ﴾
قلت :﴿ ويزيد ﴾ : عطف على ﴿ فليَمدُد ﴾ ؛ لأنه في معنى الخبر، أي : من كان في الضلالة
يمده الله فيها، ويزيد في هداية الذين اهتدوا مددًا لهدايتهم، أو عطف على ﴿ فسيعلمون ﴾، وجمع الضمير في ﴿ رَأَوا ﴾ وما بعدها ؛ باعتبار معنى ﴿ مَنْ ﴾، وأفرد أولاً باعتبار لفظها.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ مَنْ كان ﴾ مستقرًا ﴿ في الضلالة ﴾ مغمورًا في الجهل والغفلة عن عواقب الأمور، مشتغلاً بالحظوظ الفانية، ﴿ فليَمْدُدْ له الرحمانُ مَدَّا ﴾ أي : يمد له بطول العمر وتيسير الحظوظ، إما استدراجًا، كما نطق به قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً ﴾ [ آل عِمرَان : ١٧٨ ]، أو قطعًا للمعاذير كما نطق به قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّر ﴾ [ فاطر : ٣٧ ]، أو :﴿ فليمدد له ﴾ : يدعه في ضلاله، ويمهله في كفره وطغيانه، كقوله تعالى :﴿ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [ الأنعام : ١١٠ ]. والتعرّض لعنوان الرحمانية ؛ لبيان أن أفعالهم من مقتضيات الرحمة مع استحقاقهم تعجيل الهلاك.
وكأنه جلّ جلاله لما بيَّن عاقبة الأمم المهلَكة، مع ما كان لهم من التمتع بفنون الحظوظ العاجلة، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب هؤلاء المفتخرين بما لَهُم من الحظوظ بمآل أمر الفريقين، وهو استدراج أهل الضلالة ثم أخذهم، وزيادة هداية أهل الإيمان ثم إكرامهم، كما بيَّن ذلك بقوله :﴿ حتى إِذا رَأوا ما يُوعدون ﴾، فهو غاية للحد الممتد، أي : نمد لهم في الحياة وفنون الحظوظ حتى ينزل بهم ما يوعدون ؛ ﴿ إِمَّا العذاب ﴾ الدنيوي بالقتل، والأسر، وغلبة أهل الإيمان عليهم، ﴿ وإِمَّا الساعةَ ﴾، وهو يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والهوان، و " إما " هنا : لمنع الخُلو، لا لمنع الجمع ؛ فإن العذاب الأخروي لا ينفك عنهم بحال.
﴿ فسيعلمون ﴾ حينئذ ﴿ مَن هو شرٌّ مكانًا ﴾ من الفريقين، بأن يشاهدوا الأمر على عكس ما كانوا يُقدّرون، فيعلمون أنهم شر مكانًا، لا خير مقامًا، ﴿ و ﴾ يعلمون أنهم ﴿ أضعفُ جندًا ﴾ أي : جماعة وأنصارًا، لا أحسن نَدِيًّا، كما كانوا يدعونه، وليس المراد أن لهم يوم القيامة جندًا سيَضعف، وما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وإنما ذكر ذلك ردًّا لما كانوا يزعمون أن لهم أعوانًا وأنصارًا، يفتخرون في الأندية والمحافل، فردَّ ذلك بأنه باطل وظل آفل، ليس تحته طائل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الحق - جلّ جلاله - يرزق العبد على قدر نيته، ويمده على قدر همته، فمن كانت همته في الحظوظ العاجلة والشهوات الفانية، أمده الله فيها، ومتعه بها ما شاء، على حسب القسمة، ثم أعقبه الندم والحسرة، ومن كانت همته الآخرة، أمده سبحانه في الأعمال التي تُوصله إلى نعيمها، كصلاة وصيام وصدقة وتدريس علم، وأذاقه من حلاوتها ما يُهون عليه مرارتها، ثم أعقبه النعيم الدائم من القصور والحور، وأنواع الطيبات، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
ومن كانت همته الله - أي : الوصول إلى حضرته دون شيء سواه - أمده الله في الأعمال التي توصله إليه، وهي أعمال القلوب ؛ من التخلية والتحلية، كالتخلية من الرزائل والتحلية بالفضائل، وكقطع المقامات بأنواع المجاهدات، ورأس ذلك أن يُوصله إلى شيخ كامل جامع بين الحقيقة والشريعة، بين الجذب والسلوك، قد سلك الطريق على شيخ كامل، فإذا وصله إليه وكشف له عن سر خصوصيته فليستبشر بحصول المطلب وبلوغ الأمل. وبالله التوفيق.

قلت :﴿ ويزيد ﴾ : عطف على ﴿ فليَمدُد ﴾ ؛ لأنه في معنى الخبر، أي : من كان في الضلالة
يمده الله فيها، ويزيد في هداية الذين اهتدوا مددًا لهدايتهم، أو عطف على ﴿ فسيعلمون ﴾، وجمع الضمير في ﴿ رَأَوا ﴾ وما بعدها ؛ باعتبار معنى ﴿ مَنْ ﴾، وأفرد أولاً باعتبار لفظها.
ثم ذكر فريق أهل الإيمان فقال :﴿ ويزيدُ اللهُ الذينَ اهتدوا هُدَىً ﴾ أي : كما يمد لأهل الضلالة ؛ زيادة في ضلالهم، كذلك يزاد في هداية أهل الهداية ؛ ثوابًا على طاعتهم ؛ لأن كلا يجزي بوصفه، فلا تزال الهداية تنمو في قلوبهم حتى يردوا موارد الكرم، أمَّا في الدنيا فبكشف الحجاب وانقشاع السحاب حتى يشاهدوا رب الأرباب، فما كانوا يؤمنون به غيبًا صار عيانًا، وأمَّا في الآخرة فبنعيم الحور والقصور، ورؤية الحليم الغفور.
فقد بيَّن الحق تعالى حال المهتدين إثر بيان حال الضالين، وأن إمهال الكافر وتمتيعه بالحظوظ ليس لفضله، وإن منع المؤمن من تلك الحظوظ ليس لنقصه، بل قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا الفانية، وقوم ادخرت لهم طيباتهم للحياة الباقية، قال تعالى :﴿ والباقياتُ الصالحاتُ ﴾ ؛ كأنواع الطاعات، ﴿ خيرٌ عند ربك ﴾ ؛ لبقاء فوائدها ودوام عوائدها. . . وقد تقدم تفسيرها١.
والتعرض لعنوان الربوبية والإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لتشريفه، أي : فهي أفضل ﴿ ثوابًا ﴾ أي : عائدة مما يتمتع به الكفرة من النعم الفانية، التي يفتخرون بها ؛ لأن مآلها الحسرة السرمدية والعذاب الأليم، ومآل الباقيات الصالحات النعيم المقيم في دار الدوام، كما أشير إليه بقوله :﴿ وخيرٌ مَرَدًّا ﴾ أي : مرجعًا وعاقبة، وتكرير الخير لمزيد الاعتناء بشأن الخيرية وتأكيد لها في التفضيل، مع أن ما للكفرة بمعزل من أن يكون له خيرية في العاقبة، ففيه نوع تهكم بهم. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الحق - جلّ جلاله - يرزق العبد على قدر نيته، ويمده على قدر همته، فمن كانت همته في الحظوظ العاجلة والشهوات الفانية، أمده الله فيها، ومتعه بها ما شاء، على حسب القسمة، ثم أعقبه الندم والحسرة، ومن كانت همته الآخرة، أمده سبحانه في الأعمال التي تُوصله إلى نعيمها، كصلاة وصيام وصدقة وتدريس علم، وأذاقه من حلاوتها ما يُهون عليه مرارتها، ثم أعقبه النعيم الدائم من القصور والحور، وأنواع الطيبات، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
ومن كانت همته الله - أي : الوصول إلى حضرته دون شيء سواه - أمده الله في الأعمال التي توصله إليه، وهي أعمال القلوب ؛ من التخلية والتحلية، كالتخلية من الرزائل والتحلية بالفضائل، وكقطع المقامات بأنواع المجاهدات، ورأس ذلك أن يُوصله إلى شيخ كامل جامع بين الحقيقة والشريعة، بين الجذب والسلوك، قد سلك الطريق على شيخ كامل، فإذا وصله إليه وكشف له عن سر خصوصيته فليستبشر بحصول المطلب وبلوغ الأمل. وبالله التوفيق.


١ انظر تفسير الآية ٤٦ من سورة الكهف..
ثم ذكر بعض من مد له في الضلالة وخصه بزيادة ضلالته، فقال :
﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً ﴾ * ﴿ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَانِ عَهْداً ﴾ * ﴿ كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً ﴾ * ﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله : في حق العاص بن وائل :﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا ﴾ : القرآن المشتمل على البعث والحساب قال خبَّاب بن الأرَت : كان لي على العَاصِ بن وَائِل دِيْنٌ، فاقْتَضيتُه، فقَالَ : لاَ، والله لا أَقْضيكَ حتى تَكْفُرَ بمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ : لا والله لا أَكْفُرُ بمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثم تُبعثَ، قال العاص : فإذا مِتُّ ثم بُعثتُ، جئتني وسيكون لي ثمَّ مالٌ وولدٌ، فأعطيك، لأنكم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضة - استهزاء واستخفافًا - وفي رواية البخاري :" كُنت قَيْنَا١ في الجاهلية، فصنعتُ للعاصي سيفًا فجئتُ أتَقَاضَاهُ. . . " ٢ فذكر الحديث. فالهمزة للتعجيب من حاله، للإيذان بأنها من الغرابة والشناعة بحيث يقضي منها العجب، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، أي : أنظرت فرأيت الذي كفر بآياتنا الباهرة التي من حقها أن يؤمن بها كل من شاهدها.
﴿ وقال ﴾ مستهزءًا بها، مصدّرًا باليمين الفاجرة : والله ﴿ لأُوتَينَّ ﴾ في الآخرة ﴿ مالاً وولدًا ﴾ أي : انظر إلى حاله فتعجب من حالته البديعة وجرأته الشنيعة، ﴿ أَطَّلَع الغيبَ ﴾ أي : أبلغ من عظمة الشأن إلى أن يرتقي إلى علم الغيب، الذي استأثر به العليم الخبير، حتى ادعى أن يُؤتى في الآخرة مالاً وولدًا، وأقسم عليه، ﴿ أم اتخذ عند الرحمان عَهْدًا ﴾ بذلك، فإنه لا يتوصل إلى العلم بذلك إلا بأحد هذين الطريقين، وهذا رد لكلمته الشنعاء، وإظهار لبطلانها إثر ما أشير إلى التعجب منها.
والتعرض لعنوان الرحمانية للإشعار بِعِلِّية الرحمة للإيتاء، فإن الرحمة تقتضي الإعطاء على الدوام. والعهد : قيل : كلمة الشهادة، أو العمل الصالح، فإن وعده تعالى بالثواب عليها كالعهد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يُفهم من الآية أن الإنسان إذا آمن بآيات الله وعمل بما أمره الله يكون له عهد عند الله، فإذا تمنى شيئًا أو منَّاه غيره لا يخيبه الله، ويتفاوت الناس في العهد عند الله، على قدر تفاوتهم في طاعته ومعرفته، وسيأتي في قوله :﴿ لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـانِ عَهْداً ﴾ [ مريَم : ٨٧ ] زيادة بيانه. والله تعالى أعلم.

١ القين: الحداد..
٢ أخرجه البخاري في البيوع باب ٢٩، والإجارة باب ١٥، والخصومات باب ١٠، وتفسير سورة ١٩، باب ٤، ٥، ٦، ومسلم في المنافقين حديث ٣٦، وأحمد في المسند ٥/١١٠، ١١١..
قال القشيري :﴿ أَطَّلَع الغيبَ ﴾ فقال بتعريف له منا، ﴿ أم اتخذ عند الرحمان عهدًا ﴾ أي : ليس الأمر كذلك. ثم قال : ودليل الخطاب يقتضي أن المؤمن إذا أمَّلَ من الله شيئًا جميلاً، فالله تعالى يحققه له ؛ لأنه على عهد مع الله تعالى، والله لا يُخلف الميعاد. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يُفهم من الآية أن الإنسان إذا آمن بآيات الله وعمل بما أمره الله يكون له عهد عند الله، فإذا تمنى شيئًا أو منَّاه غيره لا يخيبه الله، ويتفاوت الناس في العهد عند الله، على قدر تفاوتهم في طاعته ومعرفته، وسيأتي في قوله :﴿ لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـانِ عَهْداً ﴾ [ مريَم : ٨٧ ] زيادة بيانه. والله تعالى أعلم.
ثم أبطل ما أمله الكافر فقال :﴿ كلا ﴾ أي : انزجر عن هذه المقالة الشنيعة، فهو ردع له عن التفوه بتلك العظيمة، وتنبيه على خطئه، قال تعالى :﴿ سنكتبُ ما يقول ﴾ أي : سنظهر ما كتبنا عليه، فهو كقول الشاعر١ :
إذَا ما انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَةٌ ***. . .
أي : تبين أني لم تلدني لَئِيمَةٌ، أو : سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه عليه في الآخرة، أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمةً في الحال ويجازى عليها في المآل، فإن نفس الكتابة لم تتأخر عن القول لقوله تعالى :﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ ق : ١٨ ]، قال ابن جزي : إنما جعله مستقبلاً ؛ لأنه إنما يظهر الجزاء والعقاب في المستقبل. ه.
قلت : والظاهر إنما أبرزه بصورة المستقبل، تنبيهًا على عدم نسخه، وأنه ماض نافذ.
قاله في الحاشية.
﴿ ونَمُدُّ له من العذاب مَدًّا ﴾، مكان ما يدعيه لنفسه من الإمداد بالمال والأولاد، أي : نطول له من العذاب ونمد له فيه ما يستحقه، أو نزيد في مضاعفة عذابه، لكفره وافترائه على الله سبحانه، واستهزائه بآياته العظام، ولذلك أكده بالمصدر، دلالةً على فرط الغضب والسخط.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يُفهم من الآية أن الإنسان إذا آمن بآيات الله وعمل بما أمره الله يكون له عهد عند الله، فإذا تمنى شيئًا أو منَّاه غيره لا يخيبه الله، ويتفاوت الناس في العهد عند الله، على قدر تفاوتهم في طاعته ومعرفته، وسيأتي في قوله :﴿ لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـانِ عَهْداً ﴾ [ مريَم : ٨٧ ] زيادة بيانه. والله تعالى أعلم.

١ عجز البيت:
... *** ولم تجدي من أن تقري بها بدا
والبيت لزائد بن صعصعة الفقعسي في حاشية الأمير على المغني ١/٢٥، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٠٥، وشرح شذور الذهب ص ٤٤٠، وشرح شواهد المغني ص ٨٩، ومغني اللبيب ص ٢٦..

﴿ ونَرِثُه ما يقولُ ﴾، قال مكي : حرف الجر محذوف، أي : نرث منه ما يقول. ه. والظاهر أن ﴿ ما ﴾ : بدل من الضمير، وهو الهاء، أي : نرث ما يقول وما يدعيه لنفسه اليوم من المال والولد. وفيه إيذان بأنه ليس لما يقول مصداق موجود سوى القول، أي : ننزع منه ما آتيناه، ﴿ ويأتينا ﴾ يوم القيامة ﴿ فرْدًا ﴾ لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا، فضلاً أن يؤتى ثمَّةَ مالاً وولدًا زائدًا. وقال القشيري : فردًا بلا حجة على قوله وقَسَمِه :﴿ لأوتين مالاً وولدًا ﴾، وذلك منه استهزاء ومحض كفر. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يُفهم من الآية أن الإنسان إذا آمن بآيات الله وعمل بما أمره الله يكون له عهد عند الله، فإذا تمنى شيئًا أو منَّاه غيره لا يخيبه الله، ويتفاوت الناس في العهد عند الله، على قدر تفاوتهم في طاعته ومعرفته، وسيأتي في قوله :﴿ لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـانِ عَهْداً ﴾ [ مريَم : ٨٧ ] زيادة بيانه. والله تعالى أعلم.
ثم رد على أهل الضلالة ما زعموا، من نفع الأصنام لهم، فقال :
﴿ وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً ﴾ * ﴿ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾ * ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ * ﴿ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله : واتخذ المشركون الأصنام ﴿ آلهةً ﴾ يعبدونها من دون الله ﴿ ليكونوا لهم عِزًّا ﴾ يوم القيامة، ووصلة عنده يشفعون لهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من اتخذ شيئًا يتعزز به من دون الله وطاعته انقلب عليه ذُلاً وهوانًا، ولذلك قيل :" من تعزز بمخلوق مات عزه ". فإن أردت عزًا لا يفنى فلا تتعزز بعز يفنى، وهو التعزز بالمال أو الجاه، أو غير ذلك مما يفنى، وسيأتي عند قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ [ فاطر : ١٠ ]. ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[ المنَافِقون : ٨ ] زيادة بيان. وكما أرسل الحق تعالى الشياطين على الكافرين تزعجهم إلى المعاصي أرسل الملائكة والواردات الإلهية إلى المؤمنين تنهضهم إلى طاعة الله، وتزعجهم إلى السير لمعرفة الله. فالملائكة تحرك العبد إلى الطاعة، والواردات تزعجه إلى الحضرة، تخرجه عن عوائده وتدمغ له مِن علائقه، وعوائقه، حتى ينفرد لحضرة الحق : وفي الحكم :" الوارد يأتي من حضرة قهار، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه ؛ ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾. وقال أيضًا :" متى وردت الواردات الإلهية عليك هدمت العوائد لديك ؛ " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ".
وقال القشيري على قوله :﴿ تؤزهم أزًّا ﴾ : أي : تزعجهم إزعاجًا، فخاطر الشيطان يكون بإزعاج وظلمة، وخاطر الحقِّ يكون بَروْحٍ وسكون، وهذه إحدى الفوارق بينهما. هـ. قلت : ومن الفوارق أيضًا : أن خاطر الحق لا يأمر إلا بالخير مع برودة وانشراح في القلب وسكون وأناة... وفي الحديث :" العجلة من الشيطان، والأناة من الرحمان " ١. هـ. بخلاف خاطر الشيطان ؛ فإنه لا يأمر إلا بالشر، وقد يأمر بالخير إذا كان يجرُّ به إلى الشر، وعلامته أن يكون فيه ظلمة ودَخن وعجلة وبطش، وقد استوفى الكلام عليهم في النصيحة الكافية. وبالله التوفيق.

﴿ كلا ﴾ لا يكون ذلك أبدًا، فهو ردع لهم عن ذلك الاعتقاد الباطل، وإنكارٌ لوقوع ما علَّقوا به أطماعَهم، ﴿ سيكفرون بعبادتهم ﴾ أي : تجحد الآلهة عبادتَهم لها، بأن يُنطقهم الله تعالى وتقول ما عبدتمونا، أو : سيكفر الكفرة عبادتهم لها حين شاهدوا سوء عاقبة عبادتهم لها، كقوله :﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعَام : ٢٣ ]، ﴿ ويكونون عليهم ضِدًا ﴾ أي : تكون الآلهة، التي كانوا يرجون أن تكون لهم عزًا، ضدًا للعز، أي : ذلاً وهوانًا ؛ لأنهم تعززوا بمخلوق بسخط الخالق، وقد قال صلى الله عليه وسلم :" من طلب رضا المخلوق بمعصية الخالق عاد حامده من الناس ذامًّا " ١. وتكون عونًا عليهم، وآلة لعذابهم، حيث تجعل وقود النار وحَصَب جهنم، أو تكون الكفرة ضدًا وأعداء للآلهة، كافرين بها، بعد أن كانوا يُحبونها كحب الله، ويعبدونها من دون الله، وتوحيد الضد ؛ لتوحيد المعنى الذي عليه تدور مضادتهم، فإنهم بذلك كشيء واحد، كقوله عليه الصلاة والسلام :" وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ " ٢.
وسب عبادتهم للأصنام تزيين الشيطان، وَفَاء بقوله :﴿ لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ ﴾ [ الحِجر : ٣٩ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من اتخذ شيئًا يتعزز به من دون الله وطاعته انقلب عليه ذُلاً وهوانًا، ولذلك قيل :" من تعزز بمخلوق مات عزه ". فإن أردت عزًا لا يفنى فلا تتعزز بعز يفنى، وهو التعزز بالمال أو الجاه، أو غير ذلك مما يفنى، وسيأتي عند قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ [ فاطر : ١٠ ]. ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[ المنَافِقون : ٨ ] زيادة بيان. وكما أرسل الحق تعالى الشياطين على الكافرين تزعجهم إلى المعاصي أرسل الملائكة والواردات الإلهية إلى المؤمنين تنهضهم إلى طاعة الله، وتزعجهم إلى السير لمعرفة الله. فالملائكة تحرك العبد إلى الطاعة، والواردات تزعجه إلى الحضرة، تخرجه عن عوائده وتدمغ له مِن علائقه، وعوائقه، حتى ينفرد لحضرة الحق : وفي الحكم :" الوارد يأتي من حضرة قهار، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه ؛ ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾. وقال أيضًا :" متى وردت الواردات الإلهية عليك هدمت العوائد لديك ؛ " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ".
وقال القشيري على قوله :﴿ تؤزهم أزًّا ﴾ : أي : تزعجهم إزعاجًا، فخاطر الشيطان يكون بإزعاج وظلمة، وخاطر الحقِّ يكون بَروْحٍ وسكون، وهذه إحدى الفوارق بينهما. هـ. قلت : ومن الفوارق أيضًا : أن خاطر الحق لا يأمر إلا بالخير مع برودة وانشراح في القلب وسكون وأناة... وفي الحديث :" العجلة من الشيطان، والأناة من الرحمان " ١. هـ. بخلاف خاطر الشيطان ؛ فإنه لا يأمر إلا بالشر، وقد يأمر بالخير إذا كان يجرُّ به إلى الشر، وعلامته أن يكون فيه ظلمة ودَخن وعجلة وبطش، وقد استوفى الكلام عليهم في النصيحة الكافية. وبالله التوفيق.


١ أخرجه البزار في كشف الأستار ٤/٢١٨، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٢٢٨..
٢ أخرجه أحمد في المسند ١/١٢٢..
كما قال تعالى :﴿ ألم تَرَ أنا أرسلنا الشياطينَ على الكافرين ﴾ أي : سلطهم عليهم ومكنهم من إغوائهم، بقوله تعالى :﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ ﴾ [ الإسرَاء : ٦٤ ] الآية.
وهذا تعجيب لرسوله صلى الله عليه وسلم مما نطقت به الآيات الكريمة عن هؤلاء الكفرة، العتاة المردة، من فنون القبائح من الأقاويل والأفاعيل، والتمادي في الغي، والانهماك في الضلال، والتصميم على الكفر، من غير صارف يلويهم، ولا عاطف يثنيهم، وإجماعهم على مدافعة الحق بعد اتّضاحه، وتنبيه على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم، لا أن له مسوغًا في الجملة، أي : ألم تر ما فعلت الشياطين بالكفرة حتى صدر منهم ما صدر من تلك القبائح والعظائم، وليس المراد تعجيبه عليه السلام من مطلق إرسال الشياطين عليهم، كما يوهمه تقليل الرؤية، بل عما صدر عنهم من حيث إنها من آثار إغواء الشياطين، كما ينبئ عنه قوله تعالى :﴿ تَؤُزهُم أزًّا ﴾ أي : تغريهم وتهيجهم على المعاصي تهييجًا شديدًا، بأنواع الوساوس والتسويلات. فالأز والاستفزاز أخوان، معناهما : شدة الانزعاج، وجملة ﴿ تؤزّهم ﴾ : حال مقدرة من الشياطين، أو استئناف وقع جوابًا عن صدر الكلام، كأنه قيل : ماذا تفعل بهم الشياطين ؟ قال :﴿ تؤزّهم أزًّا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من اتخذ شيئًا يتعزز به من دون الله وطاعته انقلب عليه ذُلاً وهوانًا، ولذلك قيل :" من تعزز بمخلوق مات عزه ". فإن أردت عزًا لا يفنى فلا تتعزز بعز يفنى، وهو التعزز بالمال أو الجاه، أو غير ذلك مما يفنى، وسيأتي عند قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ [ فاطر : ١٠ ]. ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[ المنَافِقون : ٨ ] زيادة بيان. وكما أرسل الحق تعالى الشياطين على الكافرين تزعجهم إلى المعاصي أرسل الملائكة والواردات الإلهية إلى المؤمنين تنهضهم إلى طاعة الله، وتزعجهم إلى السير لمعرفة الله. فالملائكة تحرك العبد إلى الطاعة، والواردات تزعجه إلى الحضرة، تخرجه عن عوائده وتدمغ له مِن علائقه، وعوائقه، حتى ينفرد لحضرة الحق : وفي الحكم :" الوارد يأتي من حضرة قهار، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه ؛ ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾. وقال أيضًا :" متى وردت الواردات الإلهية عليك هدمت العوائد لديك ؛ " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ".
وقال القشيري على قوله :﴿ تؤزهم أزًّا ﴾ : أي : تزعجهم إزعاجًا، فخاطر الشيطان يكون بإزعاج وظلمة، وخاطر الحقِّ يكون بَروْحٍ وسكون، وهذه إحدى الفوارق بينهما. هـ. قلت : ومن الفوارق أيضًا : أن خاطر الحق لا يأمر إلا بالخير مع برودة وانشراح في القلب وسكون وأناة... وفي الحديث :" العجلة من الشيطان، والأناة من الرحمان " ١. هـ. بخلاف خاطر الشيطان ؛ فإنه لا يأمر إلا بالشر، وقد يأمر بالخير إذا كان يجرُّ به إلى الشر، وعلامته أن يكون فيه ظلمة ودَخن وعجلة وبطش، وقد استوفى الكلام عليهم في النصيحة الكافية. وبالله التوفيق.

﴿ فلا تعجل عليهم ﴾ بأن يهلكوا حسبما تقتضي جناياتهم ويبيدوا عن آخرهم، وتطهرُ الأرض من فسادهم، ﴿ إِنما نعدّ لهم عَدًّا ﴾ أي : لا تستعجل بهلاكهم، فإنه لم يبق لهم إلا أيام وأنفاس قلائل نعدها عدًا، ثم نأخذهم أخذًا. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من اتخذ شيئًا يتعزز به من دون الله وطاعته انقلب عليه ذُلاً وهوانًا، ولذلك قيل :" من تعزز بمخلوق مات عزه ". فإن أردت عزًا لا يفنى فلا تتعزز بعز يفنى، وهو التعزز بالمال أو الجاه، أو غير ذلك مما يفنى، وسيأتي عند قوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ [ فاطر : ١٠ ]. ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[ المنَافِقون : ٨ ] زيادة بيان. وكما أرسل الحق تعالى الشياطين على الكافرين تزعجهم إلى المعاصي أرسل الملائكة والواردات الإلهية إلى المؤمنين تنهضهم إلى طاعة الله، وتزعجهم إلى السير لمعرفة الله. فالملائكة تحرك العبد إلى الطاعة، والواردات تزعجه إلى الحضرة، تخرجه عن عوائده وتدمغ له مِن علائقه، وعوائقه، حتى ينفرد لحضرة الحق : وفي الحكم :" الوارد يأتي من حضرة قهار، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه ؛ ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾. وقال أيضًا :" متى وردت الواردات الإلهية عليك هدمت العوائد لديك ؛ " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ".
وقال القشيري على قوله :﴿ تؤزهم أزًّا ﴾ : أي : تزعجهم إزعاجًا، فخاطر الشيطان يكون بإزعاج وظلمة، وخاطر الحقِّ يكون بَروْحٍ وسكون، وهذه إحدى الفوارق بينهما. هـ. قلت : ومن الفوارق أيضًا : أن خاطر الحق لا يأمر إلا بالخير مع برودة وانشراح في القلب وسكون وأناة... وفي الحديث :" العجلة من الشيطان، والأناة من الرحمان " ١. هـ. بخلاف خاطر الشيطان ؛ فإنه لا يأمر إلا بالشر، وقد يأمر بالخير إذا كان يجرُّ به إلى الشر، وعلامته أن يكون فيه ظلمة ودَخن وعجلة وبطش، وقد استوفى الكلام عليهم في النصيحة الكافية. وبالله التوفيق.

ثم ذكر مآل فريق الإيمان وفريق الضلال، فقال :
﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَانِ وَفْداً ﴾ * ﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ * ﴿ لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَانِ عَهْداً ﴾
قلت :﴿ يوم نحشر ﴾ : إما ظرف لفعل مؤخر ؛ للإشعار بضيق العبارة عن حصره ؛ لكمال جماله أو فظاعته، والتقدير : يوم نحشر المتقين إلى الرحمان، ونسوق المجرمين، نفعل بالفريقين ما لا يفي به نطاق المقال، أو ظرف لاذكر، و﴿ وفْدًا ﴾ و﴿ وِرْدًا ﴾ : حالان.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ يوم نحشرُ المتقين ﴾ : نجمعهم ﴿ إلى الرحمان ﴾ أي : إلى ربهم يغمرهم برحمته الواسعة، ﴿ وَفْدًا ﴾ : وافدين عليه، كما يفد الوفود على الملوك، منتظرين لكرامتهم وإنعامهم. وعن عليّ كرم الله وجهه :( لما نزلت هذه الآية، قلت : يا رسول الله، إني قد رأيت الملوك ووفودهم، فلم أر وفدًا إلا راكبًا، فما وفد الله ؟ قال :" يا عليّ ؛ إذا حان المنصَرَفُ من بين يدي الله، تلقت الملائكة المؤمنين بنُوقٍ بيض، رِحالُهَا وأزِمَّتُها الذَهَبُ، على كل مركب حُلة لا تُساويها الدنيا، فيلبس كل مؤمن حلّة، ثم يستوون على مراكبهم، فتهوي بهم النوق حتى تنتهي بهم إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة ﴿ سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ﴾ ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ورود العباد على الله يوم القيامة يكون على قدر ورودهم إليه اليوم في الدنيا، فبقدر التوجه إليه اليوم تعظم كرامة وروده في الآخرة، فمن ورد على الله تعالى من باب الطاعة الظاهرة حملته صور الطاعات إلى الآخرة، ومن ورد من باب الطاعات القلبية حملته الأنوار إلى الفراديس العالية، ومن ورد من باب الطاعات السرية - كالفكرة والنظرة في مقام المشاهدة - حمله الحق إلى الحضرة القدسية، فيكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر. قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمان العارف في قوله تعالى :﴿ وفدًا ﴾ : قيل : ركبانًا على نجائب طاعتهم، وهم مختلفون، فمن راكب على صور الطاعات، ومن راكب على نجائب الهمم، ومن راكب على نجائب الأنوار، ومن محمول يحمله الحق في عقباه، كما يحمله اليوم في دنياه، وليس محمول الحق كمحمول الخلق. هـ.
وقوله تعالى :﴿ لا يملكون الشفاعة... ﴾ الآية، اعلم أن العهد الذي تكون به الشفاعة يوم القيامة هو الطاعة وتربية اليقين والمعرفة، فتقع الشفاعة لأهل الطاعات على قدر طاعتهم وإخلاصهم، وتقع لأهل اليقين على قدر يقينهم، وهم أعظم من أهل المقام الأول، وتقع لأهل المعرفة على قدر عرفانهم، وهم أعظم من القسمين، حتى إن منهم من يشفع في أهل عصره كلهم، وقد سَمِعْتُ من شيخنا الفقيه، شيخ الجماعة سيدي التاودي بن سودة، أن بعض الأولياء قال عند موته : يا رب شفعني في أهل زماني، فقال له الحق تعالى - من جهة الهاتف - : لم يبلغ قدرك هذا، فقال : يا رب إن كان ذلك من جهة عملي واجتهادي فَلَعَمْرِي إنه لم يبلغ ذلك، وإن كان من جهة كرمك وجودك فوعزتك وجلالك لهو أعظم من هذا، فقال له : إني شفعتك في أهل عصرك. هـ. بالمعنى. فمن رجع إلى كرم الله وجوده، ودخل من هذا الباب، وجد الإجابة أقرب إليه من كل شيء. وبالله التوفيق.

﴿ ونَسُوقُ المجرمين ﴾ كما تُساق البهائم ﴿ إِلى جهنم وِرْدًا ﴾ : عطاشًا، فإن من يرد الماء لا يرده إلا للعطش، أو كالدواب التي ترد الماء، أي : يوم نحشر الفريقين نفعل ما نفعل مما لا يفي به نطاق العبارة، لما يقع فيه من الدواهي الطامة، أو الكرائم العامة، أو : اذكر يوم نحشر الفريقين، على طريق الترغيب والترهيب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ورود العباد على الله يوم القيامة يكون على قدر ورودهم إليه اليوم في الدنيا، فبقدر التوجه إليه اليوم تعظم كرامة وروده في الآخرة، فمن ورد على الله تعالى من باب الطاعة الظاهرة حملته صور الطاعات إلى الآخرة، ومن ورد من باب الطاعات القلبية حملته الأنوار إلى الفراديس العالية، ومن ورد من باب الطاعات السرية - كالفكرة والنظرة في مقام المشاهدة - حمله الحق إلى الحضرة القدسية، فيكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر. قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمان العارف في قوله تعالى :﴿ وفدًا ﴾ : قيل : ركبانًا على نجائب طاعتهم، وهم مختلفون، فمن راكب على صور الطاعات، ومن راكب على نجائب الهمم، ومن راكب على نجائب الأنوار، ومن محمول يحمله الحق في عقباه، كما يحمله اليوم في دنياه، وليس محمول الحق كمحمول الخلق. هـ.
وقوله تعالى :﴿ لا يملكون الشفاعة... ﴾ الآية، اعلم أن العهد الذي تكون به الشفاعة يوم القيامة هو الطاعة وتربية اليقين والمعرفة، فتقع الشفاعة لأهل الطاعات على قدر طاعتهم وإخلاصهم، وتقع لأهل اليقين على قدر يقينهم، وهم أعظم من أهل المقام الأول، وتقع لأهل المعرفة على قدر عرفانهم، وهم أعظم من القسمين، حتى إن منهم من يشفع في أهل عصره كلهم، وقد سَمِعْتُ من شيخنا الفقيه، شيخ الجماعة سيدي التاودي بن سودة، أن بعض الأولياء قال عند موته : يا رب شفعني في أهل زماني، فقال له الحق تعالى - من جهة الهاتف - : لم يبلغ قدرك هذا، فقال : يا رب إن كان ذلك من جهة عملي واجتهادي فَلَعَمْرِي إنه لم يبلغ ذلك، وإن كان من جهة كرمك وجودك فوعزتك وجلالك لهو أعظم من هذا، فقال له : إني شفعتك في أهل عصرك. هـ. بالمعنى. فمن رجع إلى كرم الله وجوده، ودخل من هذا الباب، وجد الإجابة أقرب إليه من كل شيء. وبالله التوفيق.

وقوله تعالى :﴿ لا يملكون الشفاعة ﴾ : استئناف مبين لما فيه من الأمور الدالة على هوله، وضمير الواو : إما لجميع العباد المدلول عليهم بذكر الفريقين لانحصارهم فيها، أو إلى المتقين فقط، أو إلى المجرمين.
و﴿ مَن اتخذ ﴾ : منصوب على الاستثناء، أو بدل من الواو، أي : لا يملك العباد أن يشفعوا لغيرهم إلا من استعد له بالتحلي بالإيمان والتقوى، ففيه ترغيب للعباد في تحصيل الإيمان والتقوى، المؤدي إلى نيل هذه الرتبة العليا. أو لا يملك المتقون الشفاعة إلا شفاعة من اتخذ العهد بالإسلام والعمل الصالح، أو لا يملك المجرمون أن يشفع لهم إلا من كان منهم مسلمًا، فيشفع في مثله. فَمَن، على هذا الثالث، بدل من الواو فقط. والأول أحسن ؛ لعمومه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" أما يَعْجزُ أَحدكُمْ أَنْ يتَّخِذَ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَساءٍ عَهدًا عِند اللهِ، يَقُولُ كُلَّ صَبَاحٍ ومَساءٍ : اللهُمَّ فَاطِرَ السماوَاتِ والأرْض، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادةِ، إنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ في هذهِ الحياةَ الدنيا، بأَنِي أشْهَدُ أنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أنتَ، وَحْدكَ لا شَرِيكَ لَكَ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ ورَسُولُكَ، فلا تكلني إلى نفسي، فإِنَكَ إنْ تَكلْنِي إلى نَفسْي تُقَرِّبْنِي مِنَ الشرِّ وتُبَاعِدْنِي مِنَ الخَيْرِ، وإنّي لاَ أَثِقُ إلاَّ بِرَحْمَتِكَ، فاجَْلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوفِّينِيه يَوْمَ القِيامَةِ، إنَّكَ لا تُخْلفُ المِيعادَ. فإذا قالَ ذَلِكَ طُبعَ عَلَيْهِ طابَع ووُضِعَ تَحْتَ العَرْشِ، فَإذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَىَ مُنَادٍ : أَيْنَ الذِينَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ فَيَدْخُلُونَ الجنَّة ". ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ورود العباد على الله يوم القيامة يكون على قدر ورودهم إليه اليوم في الدنيا، فبقدر التوجه إليه اليوم تعظم كرامة وروده في الآخرة، فمن ورد على الله تعالى من باب الطاعة الظاهرة حملته صور الطاعات إلى الآخرة، ومن ورد من باب الطاعات القلبية حملته الأنوار إلى الفراديس العالية، ومن ورد من باب الطاعات السرية - كالفكرة والنظرة في مقام المشاهدة - حمله الحق إلى الحضرة القدسية، فيكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر. قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمان العارف في قوله تعالى :﴿ وفدًا ﴾ : قيل : ركبانًا على نجائب طاعتهم، وهم مختلفون، فمن راكب على صور الطاعات، ومن راكب على نجائب الهمم، ومن راكب على نجائب الأنوار، ومن محمول يحمله الحق في عقباه، كما يحمله اليوم في دنياه، وليس محمول الحق كمحمول الخلق. هـ.
وقوله تعالى :﴿ لا يملكون الشفاعة... ﴾ الآية، اعلم أن العهد الذي تكون به الشفاعة يوم القيامة هو الطاعة وتربية اليقين والمعرفة، فتقع الشفاعة لأهل الطاعات على قدر طاعتهم وإخلاصهم، وتقع لأهل اليقين على قدر يقينهم، وهم أعظم من أهل المقام الأول، وتقع لأهل المعرفة على قدر عرفانهم، وهم أعظم من القسمين، حتى إن منهم من يشفع في أهل عصره كلهم، وقد سَمِعْتُ من شيخنا الفقيه، شيخ الجماعة سيدي التاودي بن سودة، أن بعض الأولياء قال عند موته : يا رب شفعني في أهل زماني، فقال له الحق تعالى - من جهة الهاتف - : لم يبلغ قدرك هذا، فقال : يا رب إن كان ذلك من جهة عملي واجتهادي فَلَعَمْرِي إنه لم يبلغ ذلك، وإن كان من جهة كرمك وجودك فوعزتك وجلالك لهو أعظم من هذا، فقال له : إني شفعتك في أهل عصرك. هـ. بالمعنى. فمن رجع إلى كرم الله وجوده، ودخل من هذا الباب، وجد الإجابة أقرب إليه من كل شيء. وبالله التوفيق.

ثم كرر الرد على أهل الشرك والضلال وشنع عليهم، فقال :
﴿ وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَداً ﴾ * ﴿ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً ﴾ * ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ﴾ * ﴿ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَداً ﴾ * ﴿ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾ * ﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْداً ﴾ * ﴿ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾ * ﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وقالوا اتخذ الرحمانُ ولدًا ﴾ هذه المقالة صدرت من اليهود والنصارى، ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله، لعن الله جميعهم، فسبحان الله وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، فحكى جنايتهم إثر جناية عَبَده الأصنام، وعطف القصة على القصة لاشتراكهم في الضلالة، قال تعالى في شأنهم :﴿ لقد جئتم شيئًا إِدًّا ﴾
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا علمت أيها المؤمن أن الحق جلّ جلاله يغضب هذا الغضب الكلي على من أشرك مع الله، أو اعتقد فيه ما ليس هو عليه من التنزيه وكمال الكمال، فينبغي لك أن تخلص مَشربَ توحيدك من الشرك الجلي والخفي، علمًا وعقدًا وحالاً وذوقًا، حتى لا يبقى في قلبك محبة لشيء من الأشياء ولا خوف من شيء، ولا تعلق بشيء، ولا ركون لشيء، إلا لمولاك، وحينئذ يصفي مشرب توحيدك، وتكون عبدًا لله خالصًا حرًا مما سواه، ومهما بقي فيك شيء من محبة الهوى نقص توحيدك بقدره، ولم تصل إليه ما دمت تميل إلى شيء سواه. وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه
فكن عبدًا لله حقيقة، وانخرط في سلك قوله :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمان عبدًا ﴾. فحينئذ تكون حرًا مما سواه، وَيملكك الوجود بأسره، يكون عند أمرك ونهيك. وفي ذلك يقول القائل :
دَعَوْني لملكهم فلما أجبتهم قالوا دعوناك للمُلك لا للمِلك
وإذا فتحت عين القدرة وعين الحكمة وضعت كل شيء في محله، فتتنزه بعين القدرة في رياض الملكوت وبحار الجبروت، وتتنزه بعين الحكمة في بهجة الملك وأسرار الحكمة. فعين القدرة تقول : كل من في السماوات والأرض نور من أنوار الرحمان، وسر من أسرار ذاته، وعين الحكمة تقول : كل من السماوات والأرض عبد مملوك تحت قهرية ذاته، فاعرف الضدين، وأنزل كل واحد في محله، تكنْ عارفًا بالله، فإن أردت أن تعرفه بضد واحد بقيت جاهلاً به. فالحكمة تثبت العبودية صورة ؛ صونًا لكنز الربوبية، والقدرة تغيبك عنها بشهود أسرار الربوبية، وفي الحكم :" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ".
فالعبودية لازمة من حيث العبد، والغيبة عنها واجبة من حيث الرب، فإثبات العبودية، حكمةً، فرق، والغيبة عنها في شهود أنوار الربوبية : جمع، فالعارف مجموع في فرقه، مفروق في جمعه.

﴿ لقد جئتم شيئًا إِدًّا ﴾ أي : فعلتم أمرًا منكرًا شديدًا، لا يقادر قدره، فهو رد لمقالتهم الباطلة، وتهويل لأمرها بطريق الالتفات المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب، المفصح عن غاية التشنيع والتقبيح، وتسجيل عليهم بغاية الوقاحة والجهل. و﴿ جاء ﴾ يستعمل بمعنى فعل، فيتعدى تعديته، والإد - بكسر الهمزة وفتحها، وقُرئ بهما في الشاذ - : العظيم المنكر، الإدُّ : الشدة، قيل : الأدُّ : في كلام العرب : أعظم الدواهي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا علمت أيها المؤمن أن الحق جلّ جلاله يغضب هذا الغضب الكلي على من أشرك مع الله، أو اعتقد فيه ما ليس هو عليه من التنزيه وكمال الكمال، فينبغي لك أن تخلص مَشربَ توحيدك من الشرك الجلي والخفي، علمًا وعقدًا وحالاً وذوقًا، حتى لا يبقى في قلبك محبة لشيء من الأشياء ولا خوف من شيء، ولا تعلق بشيء، ولا ركون لشيء، إلا لمولاك، وحينئذ يصفي مشرب توحيدك، وتكون عبدًا لله خالصًا حرًا مما سواه، ومهما بقي فيك شيء من محبة الهوى نقص توحيدك بقدره، ولم تصل إليه ما دمت تميل إلى شيء سواه. وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه
فكن عبدًا لله حقيقة، وانخرط في سلك قوله :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمان عبدًا ﴾. فحينئذ تكون حرًا مما سواه، وَيملكك الوجود بأسره، يكون عند أمرك ونهيك. وفي ذلك يقول القائل :
دَعَوْني لملكهم فلما أجبتهم قالوا دعوناك للمُلك لا للمِلك
وإذا فتحت عين القدرة وعين الحكمة وضعت كل شيء في محله، فتتنزه بعين القدرة في رياض الملكوت وبحار الجبروت، وتتنزه بعين الحكمة في بهجة الملك وأسرار الحكمة. فعين القدرة تقول : كل من في السماوات والأرض نور من أنوار الرحمان، وسر من أسرار ذاته، وعين الحكمة تقول : كل من السماوات والأرض عبد مملوك تحت قهرية ذاته، فاعرف الضدين، وأنزل كل واحد في محله، تكنْ عارفًا بالله، فإن أردت أن تعرفه بضد واحد بقيت جاهلاً به. فالحكمة تثبت العبودية صورة ؛ صونًا لكنز الربوبية، والقدرة تغيبك عنها بشهود أسرار الربوبية، وفي الحكم :" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ".
فالعبودية لازمة من حيث العبد، والغيبة عنها واجبة من حيث الرب، فإثبات العبودية، حكمةً، فرق، والغيبة عنها في شهود أنوار الربوبية : جمع، فالعارف مجموع في فرقه، مفروق في جمعه.

قلت :﴿ هَدًّا ﴾ : مصدر مؤكد لمحذوف، هو حال من الجبال، أي : تهد هدًا.
ثم وصفه وبيّن هوله فقال :﴿ تكادُ السماواتُ يتفطّرنَ منه ﴾ : يتشققن مرة بعد أخرى، من عظم ذلك الأمر وشدة هوله، وهو أبلغ من " ينفطرن " كما قرئ به، ﴿ وتنشقُّ الأرضُ ﴾ أي : وتكاد تنشق وتذهب، ﴿ وتخرُّ الجبالُ ﴾ أي : تسقط وتنهدم ﴿ هَدًّا ﴾ بحيث لا يبقى لها أثر. والمعنى : أن هول تلك الكلمة الشنعاء وعظمها، بحيث لو تصورت بصورة محسوسة، لم يُطق سمعها تلك الأجرام العظام، ولتفتتت من شدة قبحها، أو : إن فظاعتها واستجلاب الغضب والسخط بها بحيث لولا حلمه تعالى، لخر العالم وتبددت قوائمه، غضبًا على من تفوه بها. قال محمد بن كعب : كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، يعني : لأن ما ذكر أوصاف الساعة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا علمت أيها المؤمن أن الحق جلّ جلاله يغضب هذا الغضب الكلي على من أشرك مع الله، أو اعتقد فيه ما ليس هو عليه من التنزيه وكمال الكمال، فينبغي لك أن تخلص مَشربَ توحيدك من الشرك الجلي والخفي، علمًا وعقدًا وحالاً وذوقًا، حتى لا يبقى في قلبك محبة لشيء من الأشياء ولا خوف من شيء، ولا تعلق بشيء، ولا ركون لشيء، إلا لمولاك، وحينئذ يصفي مشرب توحيدك، وتكون عبدًا لله خالصًا حرًا مما سواه، ومهما بقي فيك شيء من محبة الهوى نقص توحيدك بقدره، ولم تصل إليه ما دمت تميل إلى شيء سواه. وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه
فكن عبدًا لله حقيقة، وانخرط في سلك قوله :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمان عبدًا ﴾. فحينئذ تكون حرًا مما سواه، وَيملكك الوجود بأسره، يكون عند أمرك ونهيك. وفي ذلك يقول القائل :
دَعَوْني لملكهم فلما أجبتهم قالوا دعوناك للمُلك لا للمِلك
وإذا فتحت عين القدرة وعين الحكمة وضعت كل شيء في محله، فتتنزه بعين القدرة في رياض الملكوت وبحار الجبروت، وتتنزه بعين الحكمة في بهجة الملك وأسرار الحكمة. فعين القدرة تقول : كل من في السماوات والأرض نور من أنوار الرحمان، وسر من أسرار ذاته، وعين الحكمة تقول : كل من السماوات والأرض عبد مملوك تحت قهرية ذاته، فاعرف الضدين، وأنزل كل واحد في محله، تكنْ عارفًا بالله، فإن أردت أن تعرفه بضد واحد بقيت جاهلاً به. فالحكمة تثبت العبودية صورة ؛ صونًا لكنز الربوبية، والقدرة تغيبك عنها بشهود أسرار الربوبية، وفي الحكم :" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ".
فالعبودية لازمة من حيث العبد، والغيبة عنها واجبة من حيث الرب، فإثبات العبودية، حكمةً، فرق، والغيبة عنها في شهود أنوار الربوبية : جمع، فالعارف مجموع في فرقه، مفروق في جمعه.

و﴿ أن دعوا ﴾ : على حذف اللام، أي : لأن دعوا، وفيه احتمالات أُخر.
وذلك ﴿ أن دَعَوا للرحمانِ ولدًا ﴾ أي : تكاد تنفطر السماوات وتنشق الأرض، وتنهدم الجبال ؛ لأجل أن دعوا، أي : نسبوا أو سموا للرحمان ولدًا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا علمت أيها المؤمن أن الحق جلّ جلاله يغضب هذا الغضب الكلي على من أشرك مع الله، أو اعتقد فيه ما ليس هو عليه من التنزيه وكمال الكمال، فينبغي لك أن تخلص مَشربَ توحيدك من الشرك الجلي والخفي، علمًا وعقدًا وحالاً وذوقًا، حتى لا يبقى في قلبك محبة لشيء من الأشياء ولا خوف من شيء، ولا تعلق بشيء، ولا ركون لشيء، إلا لمولاك، وحينئذ يصفي مشرب توحيدك، وتكون عبدًا لله خالصًا حرًا مما سواه، ومهما بقي فيك شيء من محبة الهوى نقص توحيدك بقدره، ولم تصل إليه ما دمت تميل إلى شيء سواه. وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه
فكن عبدًا لله حقيقة، وانخرط في سلك قوله :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمان عبدًا ﴾. فحينئذ تكون حرًا مما سواه، وَيملكك الوجود بأسره، يكون عند أمرك ونهيك. وفي ذلك يقول القائل :
دَعَوْني لملكهم فلما أجبتهم قالوا دعوناك للمُلك لا للمِلك
وإذا فتحت عين القدرة وعين الحكمة وضعت كل شيء في محله، فتتنزه بعين القدرة في رياض الملكوت وبحار الجبروت، وتتنزه بعين الحكمة في بهجة الملك وأسرار الحكمة. فعين القدرة تقول : كل من في السماوات والأرض نور من أنوار الرحمان، وسر من أسرار ذاته، وعين الحكمة تقول : كل من السماوات والأرض عبد مملوك تحت قهرية ذاته، فاعرف الضدين، وأنزل كل واحد في محله، تكنْ عارفًا بالله، فإن أردت أن تعرفه بضد واحد بقيت جاهلاً به. فالحكمة تثبت العبودية صورة ؛ صونًا لكنز الربوبية، والقدرة تغيبك عنها بشهود أسرار الربوبية، وفي الحكم :" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ".
فالعبودية لازمة من حيث العبد، والغيبة عنها واجبة من حيث الرب، فإثبات العبودية، حكمةً، فرق، والغيبة عنها في شهود أنوار الربوبية : جمع، فالعارف مجموع في فرقه، مفروق في جمعه.

﴿ وما ينبغي للرحمانِ أن يتخِذَ ولدًا ﴾ أي : قالوا اتخذ الرحمان ولدًا، أو دعوا له ولدًا، والحال أنه مما لا يليق به تعالى اتخاذ الولد ؛ لاستحالته عليه تعالى. ووضع الرحمان موضع الضمير ؛ للإشعار بعلية الحكم ؛ لأن كل ما سواه تعالى منعَّم عليه برحمته، أو نعمة من أثر الرحمة، فكيف يتصور أن يجانس من هو مبدأ النعم ومولى أصولها وفروعها، حتى يتَوهم أن يتخذه ولدًا، وقد صرح به قوله عزّ قائلاً :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا علمت أيها المؤمن أن الحق جلّ جلاله يغضب هذا الغضب الكلي على من أشرك مع الله، أو اعتقد فيه ما ليس هو عليه من التنزيه وكمال الكمال، فينبغي لك أن تخلص مَشربَ توحيدك من الشرك الجلي والخفي، علمًا وعقدًا وحالاً وذوقًا، حتى لا يبقى في قلبك محبة لشيء من الأشياء ولا خوف من شيء، ولا تعلق بشيء، ولا ركون لشيء، إلا لمولاك، وحينئذ يصفي مشرب توحيدك، وتكون عبدًا لله خالصًا حرًا مما سواه، ومهما بقي فيك شيء من محبة الهوى نقص توحيدك بقدره، ولم تصل إليه ما دمت تميل إلى شيء سواه. وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه
فكن عبدًا لله حقيقة، وانخرط في سلك قوله :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمان عبدًا ﴾. فحينئذ تكون حرًا مما سواه، وَيملكك الوجود بأسره، يكون عند أمرك ونهيك. وفي ذلك يقول القائل :
دَعَوْني لملكهم فلما أجبتهم قالوا دعوناك للمُلك لا للمِلك
وإذا فتحت عين القدرة وعين الحكمة وضعت كل شيء في محله، فتتنزه بعين القدرة في رياض الملكوت وبحار الجبروت، وتتنزه بعين الحكمة في بهجة الملك وأسرار الحكمة. فعين القدرة تقول : كل من في السماوات والأرض نور من أنوار الرحمان، وسر من أسرار ذاته، وعين الحكمة تقول : كل من السماوات والأرض عبد مملوك تحت قهرية ذاته، فاعرف الضدين، وأنزل كل واحد في محله، تكنْ عارفًا بالله، فإن أردت أن تعرفه بضد واحد بقيت جاهلاً به. فالحكمة تثبت العبودية صورة ؛ صونًا لكنز الربوبية، والقدرة تغيبك عنها بشهود أسرار الربوبية، وفي الحكم :" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ".
فالعبودية لازمة من حيث العبد، والغيبة عنها واجبة من حيث الرب، فإثبات العبودية، حكمةً، فرق، والغيبة عنها في شهود أنوار الربوبية : جمع، فالعارف مجموع في فرقه، مفروق في جمعه.

﴿ إِن كل من في السماوات والأرض ﴾ أي : ما منهم من أحد من الملائكة أو الثقلين ﴿ إِلا آتي الرحمانِ عبدًا ﴾ ؛ مملوكًا لله في الحال بالانقياد وقهرية العبودية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا علمت أيها المؤمن أن الحق جلّ جلاله يغضب هذا الغضب الكلي على من أشرك مع الله، أو اعتقد فيه ما ليس هو عليه من التنزيه وكمال الكمال، فينبغي لك أن تخلص مَشربَ توحيدك من الشرك الجلي والخفي، علمًا وعقدًا وحالاً وذوقًا، حتى لا يبقى في قلبك محبة لشيء من الأشياء ولا خوف من شيء، ولا تعلق بشيء، ولا ركون لشيء، إلا لمولاك، وحينئذ يصفي مشرب توحيدك، وتكون عبدًا لله خالصًا حرًا مما سواه، ومهما بقي فيك شيء من محبة الهوى نقص توحيدك بقدره، ولم تصل إليه ما دمت تميل إلى شيء سواه. وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه
فكن عبدًا لله حقيقة، وانخرط في سلك قوله :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمان عبدًا ﴾. فحينئذ تكون حرًا مما سواه، وَيملكك الوجود بأسره، يكون عند أمرك ونهيك. وفي ذلك يقول القائل :
دَعَوْني لملكهم فلما أجبتهم قالوا دعوناك للمُلك لا للمِلك
وإذا فتحت عين القدرة وعين الحكمة وضعت كل شيء في محله، فتتنزه بعين القدرة في رياض الملكوت وبحار الجبروت، وتتنزه بعين الحكمة في بهجة الملك وأسرار الحكمة. فعين القدرة تقول : كل من في السماوات والأرض نور من أنوار الرحمان، وسر من أسرار ذاته، وعين الحكمة تقول : كل من السماوات والأرض عبد مملوك تحت قهرية ذاته، فاعرف الضدين، وأنزل كل واحد في محله، تكنْ عارفًا بالله، فإن أردت أن تعرفه بضد واحد بقيت جاهلاً به. فالحكمة تثبت العبودية صورة ؛ صونًا لكنز الربوبية، والقدرة تغيبك عنها بشهود أسرار الربوبية، وفي الحكم :" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ".
فالعبودية لازمة من حيث العبد، والغيبة عنها واجبة من حيث الرب، فإثبات العبودية، حكمةً، فرق، والغيبة عنها في شهود أنوار الربوبية : جمع، فالعارف مجموع في فرقه، مفروق في جمعه.

﴿ لقد أحصاهم ﴾ أي : حصرهم وأحاط بهم، بحيث لا يخرج أحد من حيطة علمه، وقبضة قدرته وقهريته، ما وجد منهم وما سيوجد، وما يقدر وجوده لو وجد، كل ذلك في علمه وقضائه وقدره وتدبيره، لا خروج لشيء عنه، وفي ذلك تصوير لقيام ربوبيته على كل شيء، وأنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا علمت أيها المؤمن أن الحق جلّ جلاله يغضب هذا الغضب الكلي على من أشرك مع الله، أو اعتقد فيه ما ليس هو عليه من التنزيه وكمال الكمال، فينبغي لك أن تخلص مَشربَ توحيدك من الشرك الجلي والخفي، علمًا وعقدًا وحالاً وذوقًا، حتى لا يبقى في قلبك محبة لشيء من الأشياء ولا خوف من شيء، ولا تعلق بشيء، ولا ركون لشيء، إلا لمولاك، وحينئذ يصفي مشرب توحيدك، وتكون عبدًا لله خالصًا حرًا مما سواه، ومهما بقي فيك شيء من محبة الهوى نقص توحيدك بقدره، ولم تصل إليه ما دمت تميل إلى شيء سواه. وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه
فكن عبدًا لله حقيقة، وانخرط في سلك قوله :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمان عبدًا ﴾. فحينئذ تكون حرًا مما سواه، وَيملكك الوجود بأسره، يكون عند أمرك ونهيك. وفي ذلك يقول القائل :
دَعَوْني لملكهم فلما أجبتهم قالوا دعوناك للمُلك لا للمِلك
وإذا فتحت عين القدرة وعين الحكمة وضعت كل شيء في محله، فتتنزه بعين القدرة في رياض الملكوت وبحار الجبروت، وتتنزه بعين الحكمة في بهجة الملك وأسرار الحكمة. فعين القدرة تقول : كل من في السماوات والأرض نور من أنوار الرحمان، وسر من أسرار ذاته، وعين الحكمة تقول : كل من السماوات والأرض عبد مملوك تحت قهرية ذاته، فاعرف الضدين، وأنزل كل واحد في محله، تكنْ عارفًا بالله، فإن أردت أن تعرفه بضد واحد بقيت جاهلاً به. فالحكمة تثبت العبودية صورة ؛ صونًا لكنز الربوبية، والقدرة تغيبك عنها بشهود أسرار الربوبية، وفي الحكم :" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ".
فالعبودية لازمة من حيث العبد، والغيبة عنها واجبة من حيث الرب، فإثبات العبودية، حكمةً، فرق، والغيبة عنها في شهود أنوار الربوبية : جمع، فالعارف مجموع في فرقه، مفروق في جمعه.

﴿ وكلهم آتيه يومَ القيامةِ فردًا ﴾ أي : وكل واحد منهم يأتي يوم القيامة فردًا من الأموال والأنصار والأتباع، متفردًا بعمله، فإذا كان شأنه تعالى وشأنهم كذلك فأنى يتوهم احتمال أن يتخذ شيئًا منهم ولدًا ؟ !.
وفي الحديث القدسي :" قال الله تعالى : كذَّبني عبدي، ولم يكن له ذلك، وشَتمني عبدي ولم يكن له ذلك، أما تكذيبُهُ إيايَ ؛ فأن يقولَ : من يُعيدُنا كما بَدأنا ؟ وأما شَتمُه إياي ؛ فأن يقول : اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحدُ الصمدُ، لم أَلِد ولم أُولدَ، ولم يكن لي كُفوًا أحد " ١. وهو في البخاري. وفي صيغة اسم الفاعل في قوله :﴿ آتيه ﴾ من الدلالة على إتيانهم كذلك ألبتة ما ليس في صيغة المضارع لو قيل يأتيه. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا علمت أيها المؤمن أن الحق جلّ جلاله يغضب هذا الغضب الكلي على من أشرك مع الله، أو اعتقد فيه ما ليس هو عليه من التنزيه وكمال الكمال، فينبغي لك أن تخلص مَشربَ توحيدك من الشرك الجلي والخفي، علمًا وعقدًا وحالاً وذوقًا، حتى لا يبقى في قلبك محبة لشيء من الأشياء ولا خوف من شيء، ولا تعلق بشيء، ولا ركون لشيء، إلا لمولاك، وحينئذ يصفي مشرب توحيدك، وتكون عبدًا لله خالصًا حرًا مما سواه، ومهما بقي فيك شيء من محبة الهوى نقص توحيدك بقدره، ولم تصل إليه ما دمت تميل إلى شيء سواه. وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيهِ فَضْلَه
فكن عبدًا لله حقيقة، وانخرط في سلك قوله :﴿ إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمان عبدًا ﴾. فحينئذ تكون حرًا مما سواه، وَيملكك الوجود بأسره، يكون عند أمرك ونهيك. وفي ذلك يقول القائل :
دَعَوْني لملكهم فلما أجبتهم قالوا دعوناك للمُلك لا للمِلك
وإذا فتحت عين القدرة وعين الحكمة وضعت كل شيء في محله، فتتنزه بعين القدرة في رياض الملكوت وبحار الجبروت، وتتنزه بعين الحكمة في بهجة الملك وأسرار الحكمة. فعين القدرة تقول : كل من في السماوات والأرض نور من أنوار الرحمان، وسر من أسرار ذاته، وعين الحكمة تقول : كل من السماوات والأرض عبد مملوك تحت قهرية ذاته، فاعرف الضدين، وأنزل كل واحد في محله، تكنْ عارفًا بالله، فإن أردت أن تعرفه بضد واحد بقيت جاهلاً به. فالحكمة تثبت العبودية صورة ؛ صونًا لكنز الربوبية، والقدرة تغيبك عنها بشهود أسرار الربوبية، وفي الحكم :" سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ".
فالعبودية لازمة من حيث العبد، والغيبة عنها واجبة من حيث الرب، فإثبات العبودية، حكمةً، فرق، والغيبة عنها في شهود أنوار الربوبية : جمع، فالعارف مجموع في فرقه، مفروق في جمعه.


١ أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١٢ (الإخلاص)..
ولما ذكر قبائح الكفرة أتبعه بذكر محاسن المؤمنين، فقال :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدّاً ﴾
قلت : لما استحقر الكفرةُ أحوالَ المؤمنين حتى قالوا :﴿ أينا خير مقامًا وأحسن نديًّا ﴾، أخبر الله تعالى المؤمنين وبشرهم أنهم سيعزهم ويلقى مودتهم في قلوب عباده.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ إِنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعلُ لهم الرحمان ﴾ في قلوب الناس مودة وعطفًا، حتى يحبهم كل من سمع بهم، فيحبهم ويحببهم إلى عباده من أهل السماوات والأرض، أي : سيحدث لهم في القلوب مودةً من غير تعرض لأسبابها، سوى ما لهم من الإيمان والعمل الصالح، أو ﴿ وُدًّا ﴾ فيما بينهم، فيتحابون ويتواددون ويحبهم الله.
قال القشيري : يجعل في قلوبهم ودًّا لله، وهو نتيجة أعمالهم الخالصة، وفي الخبر :" لا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى يحبني وأحبه ". والتعرض لعنوان الرحمانية ؛ لِمَا أنَّ الموعود من آثارها، وأن مودتهم رحمة بهم وبمن أحبهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعليّ رضي الله عنه :" قل اللهُمَّ اجْعَلْ لِي عِنْدكَ عَهْدًا، واجعل لِي في صُدُورِ المؤمِنِينَ مَوَدَّةً " فنزلت الآية١. وفي حديث البخاري وغيره :" إِذا أحَبَّ اللهُ عبدًا قال لجبْريل : إني أُحبُ فُلانًا فأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جَبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادي في أَهْلِ السَّماءِ إنَّ اللهَ قَدْ أحَبَّ فُلانًا فأَحبُّوهُ، فَيُحبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَضع لَهُ المحبة فِي الأرْض " ٢.
وقال قتادة :﴿ سيجعل لهم الرحمان ودًا ﴾ قال : أي والله ودًا في قلوب أهل الإيمان. وإن هرم بن حيان يقول : ما أقبل عبدٌ بقلبه على الله إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. قلت : ولفظ الحديث :" ما أقْبَلَ عبدٌ بقلْبهِ إلى اللهِ عزّ وجلّ إلا جَعلَ الله قلوبَ المؤمنينَ تَفِدُ إليه بالودِّ والرحمَةِ، وكان الله إليه بكل خيرٍ أسرَعَ " ٣. نقله في الترغيب. وفي حديث آخر :" يُعطي المؤمنُ ودًّا في صدور الأبرار، ومهابة في صدور الفجار ". فَتَوَدُّد الناس للعبد دليل على قبوله عند مولاه. أنتم شهداء الله في أرضه. وفي بعض الأثر :" لا يموت العبد الصالح حتى يملأ مسامعه مما يُحب، ولا يموت الفاجر حتى يملأ مسامعه مما يكره ". بالمعنى.
وأتى الحقّ جلّ جلاله بالسين ؛ لأن السورة مكية، وكانوا إذ ذلك ممقوتين عند الكفرة، فوعدهم ذلك، ثم أنجزه لهم حين جاء الإسلام، فعَزوا وانتصروا، وتعشقت إليهم قلوب الخلق من كل جانب، كما هو مسطر في تواريخهم. وقيل : الموعود في القيامة، حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد كأنها أنوار الشمس الضاحية، ولعل إفراد هذا بالوعد من بين ما لهم من الكرامات السنية ؛ لأن الكفرة سيقع بينهم يومئذ تقاطع وتباغض وتضاد. والله تعالى أعلم.
الإشارة : سُنَّة الله تعالى في أوليائه، في حال بدايتهم، أن يُسلط عليهم الخلق، وينزل عليهم الخمول والذل بين عباده، حتى يمقتهم أقرب الناس إليهم، رحمة بهم واعتناء بقلوبهم ؛ لئلا تسكن إلى غيره. قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا. . . الخ. فإذا تطهروا من البقايا وكملت فيهم المزايا، وتمكنوا من معرفة الحق، أعزهم وألقى مودتهم في قلوب عباده، هذا دأبه معهم في الغالب، وقد يحكم على بعضهم بالخمول حتى يلقاه على ذلك، ولا يكون ذلك نقصًا في حقه بل كمالاً، وهم شهداء الملكوت، لم يأخذوا من أجرهم شيئًا. والله تعالى أعلم.
١ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤/٥١٢..
٢ أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٦، والأدب باب ٤١، والتوحيد باب ٣٣، ومسلم في البر حديث ١٥٧..
٣ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٢٤٧، والطبراني في الأوسط ٥/١٨٦..
ولما ختم السورة الكريمة، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغها، فقال :
﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ * ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ﴾
قلت : الفاء لتعليل أمر ينساق إليه النظم الكريم، كأنه قيل - بعد إيحاء السورة الكريمة - : بلغ هذا المنزّل عليك، وبشر به، وأنذر ؛ فإنما يسرناه. . . الخ، قاله أبو السعود.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ فإِنما يسرناه ﴾ أي : القرآن ﴿ بلسانك ﴾ بأن أنزلناه على لغتك، والباء بمعنى " على " وقيل : ضَمَّنَ التيسيرَ معنى الإنزال، أي : يسرنا القرآن وأنزلناه بلغتك ﴿ لتُبشّر به المتقين ﴾ أي : السائرين إلى التقوى بامتثال ما فيه من الأمر والنهي، ﴿ وتُنذرَ به ﴾ أي : تخوف به ﴿ قومًا لُدًّا ﴾ لا يؤمنون به، لجاجًا وعنادًا، واللُّدُّ : جمع أَلَد، وهو الشديد الخصومة، اللجوج المعاند.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما أنزل الله القرآن وسهله على عباده إلا ليقع به الوعظ والتذكير، فأمر اللهُ رسوله في حياته بالبشارة والإنذار به، وبقي الأمر لخلفائه، فالواجب على العلماء والأولياء أن يتصدوا للوعظ والتذكير، ولا يكفي عنه تعليم رسوم الشريعة، فإن الوعظ إنما هو التخويف والتبشير، كما قال تعالى :﴿ لتُبشر به المتقين وتُنذر به قومًا لُدًّا ﴾.
لكن لا يتصدى للوعظ إلا من له نور يمشي به في الناس، فيسبقه نورُ قلبه إلى القلوب المستمعة، فيقع كلامهم في قلوب السامعين. قال في الحكم :" تسبق أنوارُ الحكماء أقوالَهم، فحيثما صار التنوير وصل التعبير ". هذا النور هو نور المعرفة الذي هي مقام الفناء، ويشترط فيه أيضًا : أن يكن مأذونًا له في الكلام من شيخ كامل، أو وحي إلهامي حقيقي، فحينئذ يقع كلامه في مسامع الخلق. وفي الحكم :" من أُذن له في التعبير حسنت في مسامع الخلق عبارته، وجُليت إليهم إشارته ".
وقال أيضًا :" ربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار، إذا لم يؤذن لك فيها بالإظهار ". وفي أمثال هؤلاء المتصدين للوعظ والتذكير ورد الخبر القدسي :" إنَّ أودَّ الأوِدَّاءِ إليّ من يُحببني إلى عبادي، ويُحبب عبادي إليّ، ويمشون في الأرض بالنصيحة ".. جعلنا الله من خواصهم بمنِّه وكرمه آمين. وصلَّى اللهُ على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلَّم تسليمًا.

﴿ وكم أهلكنا قَبْلَهم من قَرنٍ ﴾ أي : كثيرًا من القرون الماضية أهلكنا قبل هؤلاء المعاندين، فهو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر على الكفرة ووعيد لهم بالهلاك، وحث له صلى الله عليه وسلم على الإنذار، أي : دُم على إنذارك لهم، فسيهلكون كما أهلكنا من قبلهم من القرون، ﴿ هل تُحِسُّ منهم أحدٍ ﴾ أي : هل تشعر بأحد منهم، وترى له من باقية ﴿ أو تَسْمَعُ لهم رِكْزًا ﴾ أي : صوتًا خفيًا، هيهات قد انقطع دابرهم وهدأت أصواتهم، وخربت قصورهم وديارهم، وكذلك نفعل بغيرهم، والمعنى : أهلكناهم بالكلية، واستأصلناهم بحيث لا يُرى منهم أحد، ولا يسمع لهم صوت خفي ولا جلي. وجملة :﴿ هل تحس ﴾ : استئناف مقرر لمضمون ما قبله، وأصل الرِّكز : الخفاء، ومنه : رَكَزَ الرمحَ ؛ إذا غيب طَرفه في الأرض، والرِّكاز : المال المدفون المخفي. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما أنزل الله القرآن وسهله على عباده إلا ليقع به الوعظ والتذكير، فأمر اللهُ رسوله في حياته بالبشارة والإنذار به، وبقي الأمر لخلفائه، فالواجب على العلماء والأولياء أن يتصدوا للوعظ والتذكير، ولا يكفي عنه تعليم رسوم الشريعة، فإن الوعظ إنما هو التخويف والتبشير، كما قال تعالى :﴿ لتُبشر به المتقين وتُنذر به قومًا لُدًّا ﴾.
لكن لا يتصدى للوعظ إلا من له نور يمشي به في الناس، فيسبقه نورُ قلبه إلى القلوب المستمعة، فيقع كلامهم في قلوب السامعين. قال في الحكم :" تسبق أنوارُ الحكماء أقوالَهم، فحيثما صار التنوير وصل التعبير ". هذا النور هو نور المعرفة الذي هي مقام الفناء، ويشترط فيه أيضًا : أن يكن مأذونًا له في الكلام من شيخ كامل، أو وحي إلهامي حقيقي، فحينئذ يقع كلامه في مسامع الخلق. وفي الحكم :" من أُذن له في التعبير حسنت في مسامع الخلق عبارته، وجُليت إليهم إشارته ".
وقال أيضًا :" ربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار، إذا لم يؤذن لك فيها بالإظهار ". وفي أمثال هؤلاء المتصدين للوعظ والتذكير ورد الخبر القدسي :" إنَّ أودَّ الأوِدَّاءِ إليّ من يُحببني إلى عبادي، ويُحبب عبادي إليّ، ويمشون في الأرض بالنصيحة ".. جعلنا الله من خواصهم بمنِّه وكرمه آمين. وصلَّى اللهُ على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلَّم تسليمًا.

Icon