سورة الممتحنة١
مدنية٢
٢ هي كذلك في البرهان ١/١٩٤، وابن كثير ٤/٣٤٥..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الممتحنةمدنية
﴿يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ﴾ الآية.
أي: يأيها الذين صدقوا محمداً وما جاء به لا توالوا المشركين ولا تناصحوهم ولا تودوهم، يعني أهل مكة (وهم من) كفروا بما جاءكم من الحق، يعني القرآن.
﴿يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ﴾ يعني: من مكة من أجل إن آمنتم بالله ربكم.
﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وابتغآء مَرْضَاتِي﴾ أي: إن كنتم على صحة ويقين اعتقاد أنكم خرجتم جهاداً مجاهدين في الله تعالى، وابتغاء مرضاته سبحانه فلا تودوا المشركين وتناصحوهم وتسرون إليهم بالمودة.
﴿وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ﴾ أي: بسركم وعلانيتكم في مناصحتكم
﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل﴾ أي: ومن يودهم وينصحهم فقد جار عن قصد الطريق المستقيم.
والباء في " بِالمَوَدَّةِ " زائدة عند الفراء، وهي متعلقة بالمصدر عند البصريين.
ويروى أن هذه الآية [نزلت] في شأن حاطب بن أبي بلتعة كان قد كتب إلى مشركي مكة يطلعهم على أمر النبي ﷺ وخروجه إليهم.
قال علي رضي الله عنهـ: " بعثني رسول الله ﷺ أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، قال فانطلقنا نتعادى
فنزلت هذه الآية: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ إلى قوله:
ومعنى: ﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ﴾ أي: في المستقبل، وقد ذكر معنى هذا الحديث عروة بن الزبير وابن عباس وقتادة ومجاهد (أن مجاهداً قال: نزلت) في ابن بلتعة وقوم معه كتبوا إلى أهل مكة يحذرونهم.
ويروى: أنه كان في كتابه / إلى أهل مكة أن [رسول الله ﷺ يريد غزوكم مثل الليل والسيل وأقسم بالله] لو غزاكم وحده لنصره الله عليكم فكيف وهو في جمع كثير.
ويروى: " أنه خاطب أهل مكة يخبرهم بقصد النبي ﷺ إليهم فقال له النبي ﷺ ما حملك على هذا، فقال: والله يا رسول الله ما نافقت منذ أسلمت، ولكن لي بمكة أهل مستضعفون ليس لهم من يعرفهم ويذب عنهم، فكتبت كتابي هذا أتقرب به من قلوبهم وأنا أعلم أنه لا ينفعهم وأن الله بالغ أمره، فعذره النبي ﷺ وصدقه،
قال أبو حاتم: ليس من أولها وقف تام إلى ﴿وَمَآ أَعْلَنتُمْ﴾.
وقال محمد بن عيسى: ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ وقف، وقال غيره: إن جعلت ﴿تُلْقُونَ﴾ نعتاً " لأولياء " لم تقف على " أولياء " وإن جعلته مبتدأ وقفت على " أولياء ".
وقال القتبي: ﴿بالمودة﴾: التمام.
[قال يعقوب]: و ﴿وَإِيَّاكُمْ﴾ وقف كاف.
وقال أبو حاتم: هو وقف بيان.
قال القتبي: هو تمام، ولا يصح هذا لأن " وَإِنْ تُؤْمِنُوا " معمولة
ثم قال: ﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً﴾ أي: أن يصادفكم هؤلاء الذين تودون إليهم بالمودة / يكونوا لكم حرباً، ويبسطوا إليكم أيديهم بالقتل وألسنتهم بالشتم، وودوا لو تكفرون فتصيرون مثلهم.
قال: ﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ﴾ أي: لن تنفعكم عند الله يوم القيامة أقرباؤكم ولا أولادكم الذين من أجلهم ناصحتم المشركين، وكتبتم إليهم بالمودة فيكون العامل في الظرف: ينفعكم.
وقيل: / العامل فيه " يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ " ومعنى يفصل بينكم؛ أي: يدخلكم الجنة ويدخل الكفار النار.
ثم قال: ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي: ذو علم وبصر بجميع أعمالكم، وهو مجازيكم عليه فاتقوا الله في أنفسكم.
ثم قال: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ والذين مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ﴾ الآية.
أي: قد كانت لكم أيُّها المؤمنون قدوة حسنة تقتدون بها في إبراهيم ﷺ
قال ابن زيد هم الأنبياء إذ قالوا لقومهم يعني الكفار: ﴿إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ﴾ أي: متبرئون منكم ومما تعبدون من دون الله من الأصنام.
﴿كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ أي: أنكرنا ما أنتم عليه من الكفر.
﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء أَبَداً﴾ أي: وظهرت بيننا وبينكم العداوة والبغضاء على كفركم أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده فتفرده بالعبادة.
ثم قال: ﴿إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ﴾ أي: قد كانت لكم أسوة حسنة في هؤلاء المذكورين إلا في قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك فإنه لا أسوة لكم في ذلك، لأن ذلك كان من إبراهيم لأبيه عن موعدة وعدها إياه قبل أن يتبين له أنه عدو الله، وذلك أن أبا إبراهيم وعد إبراهيم أن يؤمن، فكان إبراهيم يدعو له ويقول: اللهم اهد أبي، فلما مات على الكفر تبرأ منه وهو قوله: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: ١١٤] وكذلك أنتم أيُّها المؤمنون يجب لكم أن تتبرءوا من أعداء الله المشركين به ولا تتخذوهم أولياء حتى يؤمنوا.
قال مجاهد: نُهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفروا لآبائهم المشركين، وهو معنى قول قتادة ومعمر وابن زيد.
ثم قال: ﴿وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ﴾ [أي: ما أدفع عنك عقوبة الله لك على كفرك، ثم قال:]
﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصير﴾.
أي: عليك توكلنا في جميع أمورنا، وإليك رجعنا وتبنا مما تكره إلى ما تحب وترضى.
﴿وَإِلَيْكَ المصير﴾ أي: مصيرنا يوم القيامة.
قال: ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ هذا كله حكاية عن قول إبراهيم عليه السلام، أي: لا تعذبنا بأيدي الكافرين، ولا بعذاب من عندك فيفتتن الكفار ويقولون: لو كانوا على حق ما أصابهم هذا.
قال قتادة: معناه لا تظهر الكفار علينا فيفتتنوا بذلك.
وقال ابن عباس: معناه: لا تسلطهم علينا فيفتتنوا.
﴿واغفر لَنَا رَبَّنَآ﴾ أي: أستر علينا ذنوبنا بعفوك عنها.
﴿إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾ أي: أنت الشديد الانتقام من أعدائك، الحكيم في تدبيرك خلقك.
ثم قال تعالى: ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر﴾ أي: القدوة بإبراهيم ومن معه إنما هي لمن آمن بالله ورجا ثوابه، وخاف عقابه، وآمن باليوم الآخر فهو بدل بإعادة الجار.
ثم قال: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد﴾ أي: ومن يتول عن الاقتادء بإبراهيم والأنبياء معه (صلى الله عليهم وسلم) فيخالف سيرتهم وفعلهم فإن الله هو الغني عن اقتدائه بهم، الحميد عند أهل المعرفة به.
قال: ﴿عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً﴾.
[أي]: عسى الله أن يوفق من عاديتم فيه عن المشركين إلى الإيمان فتعود العداوة (مودة) ففعل ذلك سبحانه.
و ﴿عَسَى﴾ من الله: واجبة، فأسلم كثير منهم، وصاروا إخواناً لمن كان يعاديهم، وكانت المودة بعد الفتح وقبله.
(وروي: أن هذه الآية نزلت على النبي ﷺ في أبي سفيان، جعل بينه وبين أبي سفيان مودة بأن تزوج ابنته أم حبيبة، بعد العداوة التي كانت بينهما وقبله).
قال ابن عباس: كانت المودة بعد الفتح، تزوج النبي ﷺ أم حبيبة. /
﴿والله قَدِيرٌ﴾ أي: ذو قدرة على ما يشاء.
قال: ﴿لاَّ يَنْهَاكُمُ / الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ...﴾ الآية.
قيل: أن هذه الآية إنما هي في الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا، سمح الله تعالى للمؤمنين بالمدينة أن يبروهم ويحسنوا إليهم، فهي مخصوصة محكمة قاله مجاهد. وقيل هي منسوخة بآية السيف، قاله قتادة وابن زيد.
وقيل: هي مخصوصة في حلفاء بينهم وبين النبي ﷺ عهد من المشركين لم ينقضوه، وهم خزاعة، قاله أبو صالح.
وقال الحسن: خزاعة وبنو عبد الحارث بن عبد مناف، فسمح لهم أن يبروهم ويحسنوا إليهم، ويفوا لهم بالعهد.
وقيل: الآية عامة محكمة في كل من بينك وبينه قرابة، جائز بره والإحسان إليه إذا لم يكن في ذلك ضرر على المسلمين وإن كان مشركاً، ولا يجب قتال من لم يقاتلك
ثم قال: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين قَاتَلُوكُمْ فِي الدين﴾ الآية: إنما ينهاكم الله عن مودة من قاتلكم في الدين، وأخرجك من بيته في الدين، يعني بذلك كفار أهل مكة، قال مجاهد.
قال: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ﴾ (من دار الحرب) ﴿فامتحنوهن الله﴾.
أي: إذا جاءكم النساء مهاجرات من دار الحرب فامتحنوهن، وكانت محنة النبي ﷺ لهن أن يحلفن بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس الدنيا، وبالله ما خرجت (إلا حباً لله ولرسوله). /
وعن عائشة رضي الله عنها " أن النبي ﷺ إنما كان يمتحنهن بآخر السورة.
قوله: ﴿على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً﴾ إلى قوله: ﴿مَعْرُوفٍ﴾ ".
وعن ابن عباس: أن المحنة كانت أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً (رسول الله).
وقال مجاهد: ﴿فامتحنوهن﴾: سلوهن ما جاء بهن، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن [أو سخط أو غيره، ولم يؤمن، فارجعوهن إلى أزواجهن].
قال قتادة: كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجهن النشوز وما أخرجهن إلا حب الإسلام (وأهله والحرص عليه)، فإن أقررن بذلك قبِل منهن.
وروى ابن وهب عن رجاله أن قوله: " إِذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُهُنَّ ".
نزلت في امرأة حسان بن الدحداحة وهي أميمة بنت بشر امرأة من بني عمور ابن عوف، وأن سهل بن حنيف تزوجها حين فرت إلى رسول الله ﷺ فولدت له عبد الله بن سهل، وأن قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر﴾ نزل في امرأة لعمر بن الخطاب تركها بمكة كافرة ولم يطلقها حتى نزلت هذه الآية فطلقها عمر فخلف عليها معاوية.
وقوله: ﴿الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾ أي: أعلم بمن جاء للإيمان ممن جاء لغير ذلك.
ثم قال: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار﴾ أي: إن أقررن بالمحنة بما عقد عليه الإيمان فلا تردوهن إلى الكفار /، وإنما قيل ذلك للمؤمنين، لأن العهد كان بينهم وبين مشركي مكة إذ صد النبي ﷺ عن البيت في صلح الحديبية أن يرد
وقوله: ﴿لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ أي: لا تحل المسلمة للكافر ولا الكافر للمسلمة.
ثم قال: ﴿وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ﴾ [أي وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات ما أنفقوا] على النساء في الصداق، قاله قتادة ومجاهد وغيرهما.
ثم قال: ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أي: لا حرج عليكم أيُّها المؤمنون أن تنكحوا من جاءكم من المؤمنات المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن.
وكان الزهري: يقول إنما أمر الله جل ذكره بِرد صدقاتهن إليهن إذا (حبسن عنهم) إذا هم ردوا على المسلمين من حبس عنهم من / نسائهم.
وقال الشافعي: ﴿وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ﴾ منسوخ، واحتج من قال بهذا القول أن النبي ﷺ لما أمر أن (ترد عليهم) صدقات النساء المهاجرات إليه، المؤمنات قد
ومذهب مالك أن الصلح على رد الرجال إليهم جائز.
ومذهب الكوفيين أنه منسوخ ولا يجوز.
ثم قال: ﴿وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر﴾ أي: لا تمسكوا بعقد نكاح الكوافر من غير أهل الكتاب، فهي مخصوصة.
وقيل هو عام نسخ منه أهل الكتاب بقوله: ﴿والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ [المائدة: ٥].
ثم قال: ﴿وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ﴾ هذا خطاب للمؤمنين الذين ذهب نساؤهم إلى المشركين (فأمرهم الله أن يطلبوا صدقات نسائهم من المشركين ويدفعوا إلى المشركين صدقات من جاء من النساء مؤمنات، يعني من تزوج منهن في مكة أو في المدينة، فإذا تزوجت المهاجرة من عند المشركين بالمدينة وجب على زوجها [أن يرد الصداق على زوجها] الذي كان لها بمكة، وإذا تزوجت المرأة التي تخرج إلى المشركين بمكة وجب أن يطلب زوجها المؤمن صداقها الذي دفع إليها من المشركين.
قال ابن شهاب: أقر المؤمنون بحكم الله تعالى، فأدوا صدقات من تزوجوا ممن جاءهم من النساء مهاجرات مؤمنات، وابى المشركون أن يقروا بحكم الله سبحانه من أداء صدقات من تزوجوا من النساء اللواتي فررن إليهم من عند المسلمين، هذا معنى قوله.
وهذا حكم أطله الله تعالى المؤمنين / عليه ولم يأمر به الكفار لأنهم لا يأتمرون
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ أي: هذا الذي حكمته بينكم هو حكم الله تعالى فيكم وفيهم، فاتبع المؤمنون الحكم وامتنع منه المشركون، وطالبوا النبي وأصحابه برد النساء على ما عقد عليه العهد فلما امتنع المشركون من رد صدقات نساء المؤمنين أنزل الله جل ذكره.
﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ﴾.
هذا قول الزهري، فأمرهم الله تعالى إذا غنموا من المشركين غنيمة، وصارت لهم على المشركين عقبى خير، أن يدفعوا إلى من ذهبت امرأته إلى المشركين صداقه الذي كان دفع إليها من الغنيمة إذ امتنع المشركون من رد الصداق.
وقال مجاهد وقتادة: هذا إنما هو فيمن فر من نساء المؤمنين إلى الكفار الذين
ومعنى: ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ أي: فأصبتم عقبى خير من غنيمة.
وقال الأعمش: هي منسوخة.
وقيل: معناه: أن الله تعالى أمر المؤمنين أن يعطوا لمن ذهبت زوجته إلى المشركين من صدقات المهاجرات إليهم من عند المشركين، فإن بقي في أيدي المؤمنين فضل من الصدقات ردوه إلى المشركين، هذا كله معنى قول الزهري.
وقال غيره: إنما أمروا أن يدفعوا إلى من ذهبت زوجته إلى المشركين من غنيمة وفيء إذا افتتح عليهم به، وهو قول (مجاهد وقتادة). وأكثر العلماء / على أن هذا الحكم منسوخ، لأنه إنما كان مخصوصاً في ذلك العهد بعينه.
قال الزهري: انقطع هذا يوم الفتح.
وقال قتادة: نسخ الله تعالى هذا في سورة براءة. /
وقال الثوري: لا يعمل به اليوم.
قال:
﴿يا أيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ﴾ الآية. أمر الله نبيه عليه السلام أن يقبل من جاءه من المهاجرات من عند المشركين إذا أقررن بأنهن لا يشركن بالله ولا يسرقن ولا يزنين.
وقوله: ﴿وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ معنى: بين أيديهن: ما كان من قبله حرام أو حبسة أو أكل حرام.
ومعنى: بين أرجلهن: الجماع ونحوه من حرام.
وقيل: بين أيديهن: يعني ألسنتهن وأرجلهن: فروجهن.
وقيل معناه: ولا يلحقن بأزواجهن ولداً من غيرهم.
﴿وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ أي: يطعنك فيما تأمرهن به.
وقال زيد / بن أسلم: هو ألا يخمشن وجهاً، ولا يشققن جيباً، ولا يدعون ويلا، ولا ينشدن شعراً.
قال قتادة: ذكر لنا " أن النبي ﷺ أخذ عليهن النياحة وأَلاَّ يحدثن الرجال إلا رجال ذَوُو محرم منهن ".
وروى ابن المنكدر: " أن نساء جئن إلى النبي ﷺ يبايعنه فقال في ما استطعتن وأطقتن، فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ".
وهذه الشروط كلها ليست على الإلزام، إنما هي على الندب، لأن الإجماع على أنه ليس على الإمام أن يشترط هذا على من أتته مؤمنة، فدل هذا على أنه على الندب، وقد قيل أنه منسوخ بالإجماع.
﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي: ذو ستر على ذنوب من أمن وتاب من ذنوبه وذو رحمة به أن يعذبه بعد توبته.
قال: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ﴾ أي: لا توالوا اليهود ﴿قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة﴾ قد تركوا العمل لها وآثروا الدنيا.
وقيل: معناه: قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار الأحياء من أمواتهم أن يرجعوا إليهم قاله ابن عباس والحسن.
(وقيل: معناه: كما يئس الكفار من الموتى من الآخرة، لذلك يئس هؤلاء اليهود من الآخرة).
وقال قتادة: معناه: قد يئس اليهود أن يبعثوا كما يئس الكفار أن يرجع إليهم من مات.
وقيل: المعنى: قد يئس اليهود أن يرحمهم الله تعالى حين رأوا النار، وظهر لهم عملهم كما يئس الكفار أن يرجع إليهم من مات.
وقيل: المعنى: كما يئس الكفار الذين في القبور أن يرجعوا إلى الدنيا. " فمن " على الأقوال للتعدية، وعلى هذه الأقوال لإبانة الجنس.