تفسير سورة المؤمنون

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة المؤمنون سورة المؤمنين مكية كلها، وهي مائة وثماني عشرة آية كوفية

﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١] يعنى سعد المؤمنون، يعنى المصدقين بتوحيد الله عز وجل. ثم نعتهم، فقال سبحانه: ﴿ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [آية: ٢] يقول: متواضعون يعنى إذا صلى لم يعرف من عن يمينه، ومن عن شماله ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٣] يعنى اللغو: الشتم والأذى إذا سمعوه من كفار مكة لإسلامهم، وفيهم نزلت﴿ مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾[الفرقان: ٧٢] يعنى معرضين عنه.﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ ﴾ [آية: ٤] يعنى زكاة أموالهم ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [آية: ٥] عن الفواحش. ثم استثنى، فقال سبحانه: ﴿ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ ﴾ يعنى حلائلهم ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ من الولائد ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [آية: ٦] يعنى لا يلامون على الحلال.﴿ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ ﴾ [آية: ٧] يقول: فمن ابتغى الفواحش بعد الحلال، فهو معتد.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [آية: ٨] يقول: يحافظون على أداء الأمانة، ووفاء العهد.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [آية: ٩] على المواقيت. ثم أخبر بثوابهم، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ ﴾ [آية: ١٠] ثم بين ما يرثون، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ ﴾ يعنى البستان عليه الحيطان، بالرومية ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آية: ١١] يعنى فى الجنة لا يموتون.
قوله عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ ﴾ يعنى آدم صلى الله عليه وسلم ﴿ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ [آية: ١٢] والسلالة: إذا عصر الطين انسل الطين والماء من بين أصابعه.﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً ﴾ يعنى ذرية آدم ﴿ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ [آية: ١٣] يعنى الرحم: تمكن النطفة فى الرحم ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً ﴾ يقول: تحول الماء فصار دماً ﴿ فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾ يعنى فتحول الدم فصار لحماً مثل المضغة ﴿ فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ ﴾ يقول: خلقناه.
﴿ خَلْقاً آخَرَ ﴾ يعنى الروح ينفخ فيه بعد خلقه،" فقال عمر بن الخطاب، رضى الله عنه: قبل أن يتم النبى صلى الله عليه وسلم الآية: ﴿ تَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ ﴾، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت يا عمر "﴿ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ ﴾ [آية: ١٤] يقول: هو أحسن المصورين، يعني من الذين خلقوا التماثيل وغيرها التى لا يتحرك منها شىء ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ ﴾ الخلق بعد ما ذكر من تمام خلق الإنسان ﴿ لَمَيِّتُونَ ﴾ [آية: ١٥] عند آجالكم ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ ﴾ بعد الموت ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ [آية: ١٦] يعنى تحيون بعد الموت.﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ ﴾ يعنى سموات غلظ كل سماء مسيرة خمس مائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمس مائة عام ﴿ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ ﴾ [آية: ١٧] يعنى عن خلق السماء وغيره ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ ﴾ ما يكفيكم من المعيشة، يعنى العيون ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ ﴾ يعنى فجعلنا ﴿ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ [آية: ١٨] فيغور فى الأرض، يعنى فلا يقدر عليه.﴿ فَأَنشَأْنَا ﴾ يعنى فخلقنا ﴿ لَكُمْ بِهِ ﴾ بالماء ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ يعنى البساتين ﴿ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ١٩]، ثم قال: ﴿ وَ ﴾ خلقنا ﴿ وَشَجَرَةً ﴾ يعنى الزيتون، وهو أول زيتونة خلقت ﴿ تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ ﴾ يقول: تنبت فى أصل الجبل الذى كلم الله، عز وجل، عليه موسى، عليه السلام.
﴿ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ ﴾ يعنى تخرج بالذى فيه الدهن، يقول: هذه الشجرة تشرب الماء، وتخرج الزيت، فجعل الله، عز وجل، فى هذه الشجرة أدماً ودهناً ﴿ وَ ﴾ هى ﴿ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ ﴾ [آية: ٢٠] وكل جبل يحمل الثمار، فهو سيناء يعنى الحسن.﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ ﴾ يعنى الإبل والبقر والغنم ﴿ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا ﴾ يعنى اللبن ﴿ وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ ﴾ يعنى فى ظهورها وألبانها وأوبارها وأصوافها وأشعارها ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ٢١] يعنى من النعم، ثم قال: ﴿ وَعَلَيْهَا ﴾ يعنى الإبل ﴿ وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [آية: ٢٢] على ظهورها فى أسفاركم، ففى هذا الذى ذكر من هؤلاء الآيات عبرة فى توحيد الرب، عز وجل.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾ يعنى وحدوا الله ﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾ ليس لكم رب غيره ﴿ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٢٣] يقول: أفلا تعبدون الله، عز وجل.
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ﴾ يعنى الأشراف ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا ﴾ يعنون نوحاً ﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ ليس له عليكم فضل فى شىء فتتبعونه ﴿ يُرِيدُ ﴾ نوح ﴿ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ ﴾ يعنى لأرسل ﴿ مَلاَئِكَةً ﴾ إلينا فكانوا رسله ﴿ مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا ﴾ التوحيد ﴿ فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٢٤].
﴿ إِنْ هُوَ ﴾ يعنون نوحاً ﴿ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ﴾، يعنى جنوناً ﴿ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ٢٥] يعنون الموت ﴿ قَالَ ﴾ نوح: ﴿ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ [آية: ٢٦] يقول: انصرنى بتحقيق قولى فى العذاب بأنه نازل بهم فى الدنيا.﴿ فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ ﴾ يقول: اجعل السفينة ﴿ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾ كما نأمرك ﴿ فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾ يقول عز وجل: فإذا جاء قولنا فى نزول العذاب بهم فى الدنيا، يعنى الغرق ﴿ وَفَارَ ﴾ الماء من ﴿ ٱلتَّنُّورُ ﴾ وكان التنور فى أقصى مكان من دار نوح، وهو التنور الذى يخبز فيه، وكان فى الشام بعين وردة.
﴿ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾ ذكر وأنثى ﴿ وَأَهْلَكَ ﴾ فاحملهم معك فى السفينة، ثم استثنى من الأهل ﴿ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ ﴾ يعنى من سبقت عليهم كلمة العذاب فكان ابنه وامرأته ممن سبق عليه القول من أهله، ثم قال تعالى: ﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي ﴾ يقول: ولا تراجعنى ﴿ فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ ﴾ يعنى أشركوا ﴿ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ﴾ [آية: ٢٧] يعنى بقوله: ولا تخاطبنى. قول نوح عليه السلام لربه عز وجل:﴿ إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي ﴾[هود: ٤٥] يقول الله: ولا تراجعنى فى ابنك كنعان، فإنه من الذين ظلموا. ثم قال سبحانه: ﴿ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ ﴾ من المؤمنين ﴿ عَلَى ٱلْفُلْكِ ﴾ يعنى السفينة ﴿ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٢٨] يعنى المشركين ﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي ﴾ من السفينة ﴿ مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ ﴾ [آية: ٢٩] من غيرك، يعنى بالبركة أنهم توالدوا وكثروا.﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ ﴾ يقول: إن فى هلاك قوم نوح بالغرق لعبرة لمن بعدهم، ثم قال: ﴿ وَإِن ﴾ يعنى وقد ﴿ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ [آية: ٣٠] بالغرق.
﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا ﴾ يعنى قوم هود، عليه السلام.
﴿ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ يعنى من بعد قوم نوح ﴿ قَرْناً آخَرِينَ ﴾ [آية: ٣١] وهم قوم هود، عليه السلام.
﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ يعنى من أنفسهم ﴿ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾ يعنى أن وحدوا الله ﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾ يقول: ليس لكم رب غيره ﴿ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٣٢] يعنى أفهلا تعبدون الله، عز وجل.﴿ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ﴾ يعنى الأشراف ﴿ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بتوحيد الله، عز وجل.
﴿ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ ﴾ يعنى بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال ﴿ وَأَتْرَفْنَاهُمْ ﴾ يعنى وأغنيناهم ﴿ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا ﴾ يعنون هوداً، عليه السلام.
﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ ليس له عليكم فضل ﴿ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [آية: ٣٣] ﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ﴾ [آية: ٣٤] يعنى لعجزة، مثلها فى يوسف عليه السلام.﴿ أَيَعِدُكُمْ ﴾ هود ﴿ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ ﴾ [آية: ٣٥] من الأرض أحياء بعد الموت ﴿ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ [آية: ٣٦] يقول: هذا حديث قد درس، فلا يذكر ﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ يعنى نموت نحن ويحيا آخرون من أصلابنا، فنحن كذلك أبداً ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [آية: ٣٧] بعد الموت مثلها فى الجاثية.
﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٣٨] ﴿ قَالَ ﴾ هو: ﴿ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ [آية: ٣٩] وذلك أن هوداً، عليه السلام، أخبرهم أن العذاب نازل بهم فى الدنيا، فكذبوه، فقال: رب انصرنى بما كذبون فى أمر العذاب ﴿ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ ﴾ قال: عن قليل ﴿ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ﴾ [آية: ٤٠].
﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى صيحة جبريل، عليه السلام، فصاح صيحة واحدة فماتوا أجميعن، فلم يبق منهم أحد ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً ﴾ يعنى كالشىء البالي من نبت الأرض يحمله السيل، فشبه أجسادهم بالشىء البالى.
﴿ فَبُعْداً ﴾ فى الهلاك ﴿ لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٤١] يعنى المشركين ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا ﴾ يعنى خلقنا ﴿ مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ ﴾ [آية: ٤٢] يعنى قوماً آخرين، فأهلكناهم بالعذاب فى الدنيا ﴿ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ [آية: ٤٣] عنه.﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ﴾ يعنى الأنبياء، تترا: بعضهم على أثر بعض ﴿ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ﴾ فلم يصدقوه ﴿ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً ﴾ فى العقوبات ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ لمن بعدهم من الناس يتحدثون بأمرهم، وشأنهم ﴿ فَبُعْداً ﴾ في الهلاك ﴿ لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٤٤] يعنى لا يصدقون بتوحيد الله، عز وجل.
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٤٥] ﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾ يعني الأشراف، واسم فرعون قيطوس، بآياتنا: اليد والعصا، وسلطان مبين يعني حجة بينة ﴿ فَٱسْتَكْبَرُواْ ﴾ يعني فتكبروا عن الإيمان بالله، عز وجل: ﴿ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ ﴾ [آية: ٤٦] يعني متكبرين عن توحيد الله.﴿ فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴾ يعني أنصدق إنسانين مثلنا ليس لهما علينا فضل ﴿ وَقَوْمُهُمَا ﴾ يعني بنى إسرائيل ﴿ لَنَا عَابِدُونَ ﴾ [آية: ٤٧].
﴿ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ ﴾ [آية: ٤٨] بالغرق ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ ﴾ يعني التوراة ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٤٩] من الضلالة، يعني بنى إسرائيل، لأن التوراة نزلت بعد هلاك فرعون وقومه. قوله عز وجل: ﴿ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ يعني عيسى وأمه مريم، عليهما السلام.
﴿ آيَةً ﴾ يعني عبرة لبنى إسرائيل، لأن مريم حملت من غير بشر، وخلق ابنها من غير أب.
﴿ وَآوَيْنَاهُمَآ ﴾ من الأرض المقدسة ﴿ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ﴾ يعني الغوطة من أرض الشام بدمشق، يعني بالربوة المكان المرتفع من الأرض ﴿ ذَاتِ قَرَارٍ ﴾ يعني استواء ﴿ وَمَعِينٍ ﴾ [آية: ٥٠] يعني الماء الجارى.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ ﴾ يعني محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ﴾ الحلال من الرزق ﴿ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٥١] ﴿ وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ يقول: هذه ملتكم التيأنتم عليها، يعني ملة الإسلام، ملة واحدة، عليها كانت الأنبياء، عليهم السلام، والمؤمنون الذين نجو من العذاب، الذين ذكرهم الله، عز وجل، في هذه السورة، ثم قال سبحانه: ﴿ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ ﴾ [آية: ٥٢] يعني فاعبدون بالإخلاص.﴿ فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ يقول: فارقوا دينهم الذى أمروا به فيما بينهم، ودخلوا في غيره ﴿ زُبُراً ﴾ يعني قطعاً، كقوله﴿ آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ ﴾[الكهف: ٩٦] يعني قطع الحديد، يعني فرقاً فصاروا أحزاباً يهوداً، ونصارى، وصابئين، ومجوساً، واصنافاً شتى كثيرة، ثم قال سبحانه: ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [آية: ٥٣] يقول: كل أهل بما عندهم من الدين راضون به. ثم ذكر كفار مكة، فقال تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ٥٤] يقول: خل عنهم في غفلتهم إلى أن أقتلهم ببدر.
ثم قال سبحانه: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ ﴾ يعني نعطيهم ﴿ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴾ [آية: ٥٥] ﴿ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ ﴾ يعني المال والولد لكرامتهم على الله، عز وجل، يقول ﴿ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٥٦] أن الذي أعطاهم من المال والبنين هو شر لهم:﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً ﴾[آل عمران: ١٧٨].
ثم ذكر المؤمنين، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ ﴾ [آية: ٥٧] يعني من عذابه ﴿ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٥٨] يعني هم يصدقون بالقرآن أنه من الله، عز وجل، ثم قال تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٥٩] معه غيره ولكنهم يوحدون ربهم.﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ ﴾ يعني يعطون ما أعطوا من الصدقات والخيرات ﴿ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ يعني خائفة لله من عذابه، يعلمون ﴿ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [آية: ٦٠] في الآخرة، فيعملون على علم، فيجزيهم بأعمالهم، فكذلك المؤمن ينفق ويتصدق وجلا من خشية الله، عز وجل، ثم نعتهم فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ ﴾ يعني يسارعون في الأعمال الصالحة التيذكرها لهم في هذه الآية ﴿ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [آية: ٦١] الخيرات التييسارعون إليها.﴿ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ يقول: لا نكلف نفساً من العمل إلا ما أطاقت.
﴿ وَلَدَيْنَا ﴾ يعني وعندنا ﴿ كِتَابٌ ﴾ يعني أعمالهم التييعملون في اللوح المحفوظ ﴿ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦٢] في أعمالهم ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ ﴾ يعني الكفار ﴿ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾ يقول: في غفلة من إيمان بهذا القرآن ﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ ﴾ يقول: لهم أعمال خبيثة دون الأعمال الصالحة، يعني غير الأعمال الصالحة التيذكرت عن المؤمنين في هذه الآية، وفى الآية الأولى.
﴿ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ [آية: ٦٣] يقول: هم لتلك الأعمال الخبيثة عاملون، التيهى في اللوح المحفوظ أنهم سيعملونها، لا بد لهم من أن يعملوها.﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ ﴾ يعني أغنياءهم وجبابرتهم ﴿ بِٱلْعَذَابِ ﴾ يعني القتل ببدر ﴿ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ﴾ [آية: ٦٤] إذ هم يضجون إلى الله، عز وجل، حين نزل بهم العذاب، يقول الله عز وجل: ﴿ لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ ﴾ لا تضجوا اليوم ﴿ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ ﴾ [آية: ٦٥] يقول: لا تمنعون منا، حتى تعذبوا بعد القتل ببدر.
﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي ﴾ يعني القرآن ﴿ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ يعني على كفار مكة ﴿ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ﴾ [آية: ٦٦] يعني تتأخرون عن ايمانٍ به، تكذيباً بالقرآن، ثم نعتهم فقال سبحانه: ﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ﴾ يعني آمنين بالحرم بأن لهم البيت الحرام ﴿ سَامِراً ﴾ بالليل إضمار في الباطل، وأنتم آمنون فيه، ثم قال: ﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ [آية: ٦٧] القرآن فلا تؤمنون به، نزلت في الملأ من قريش الذين مشوا إلى أبى طالب.﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ ﴾ يعني أفلم يستمعوا القرآن ﴿ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٦٨] يقول: قد جاء أهل مكة النذر، كما جاء آباءهم وأجدادهم الأولين.
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم بوجهه ونسبه ﴿ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ [آية: ٦٩] فلا يعرفونه، بل يعرفونه ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ قالوا: إن بمحمد جنوناً، يقول الله، عز وجل: ﴿ بَلْ جَآءَهُمْ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعني بالتوحيد ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ ﴾ يعني التوحيد ﴿ كَارِهُونَ ﴾ [آية: ٧٠].
يقول الله، عز وجل: ﴿ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ يعني لو اتبع الله أهواء كفار مكة، فجعل مع نفسه شريكاً ﴿ لَفَسَدَتِ ﴾ يعني لهلكت ﴿ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ من الخلق ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ ﴾ يعني بشرفهم يعني القرآن ﴿ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٧١] يعني القرآن معرضون عنه فلا يؤمنون به.﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ ﴾ يا محمد ﴿ خَرْجاً ﴾ أجراً على الإيمان بالقرآن ﴿ فَخَرَاجُ رَبِّكَ ﴾ يعني فأجر ربك ﴿ خَيْرٌ ﴾ يعني أفضل من خراجهم ﴿ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾ [آية: ٧٢] ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٧٣] يعني الإسلام لا عوج فيه.
﴿ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾ يعنى لا يصدقون بالبعث ﴿ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ [آية: ٧٤] يعن عن الدين لعادلون.﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ ﴾ يعنى الجوع الذى أصابهم بمكة سبع سنين، لقولهم فى حم الدخان: ﴿ رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ ﴾ [الدخان: ١٢] فليس قولهم باستكانة ولا توبة، ولكنه كذب منهم، كما كذب فرعون وقومه حين قالوا لموسى: ﴿ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ﴾ [الأعراف: ١٣٤].
فأخبر الله، عز وجل، عن كفار مكة، فقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ ﴾ ﴿ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [آية: ٧٥] يقول: لتمادوا فى ضلالتهم يترددون فيها وما آمنوا. ثم قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ ﴾ يعنى الجوع ﴿ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ ﴾ يقول: فما استسلموا، يعنى الخضوع لربهم ﴿ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [آية: ٧٦] يعنى وما كانوا يرغبون إلى الله، عز وجل، فى الدعاء.﴿ حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا ﴾ يعنى أرسلنا ﴿ عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ يعنى الجوع ﴿ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [آية: ٧٧] يعنى آيسين من الخير والرزق نظيرها فى سورة الروم.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ﴾ يعنى خلق لكم ﴿ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ ﴾ يعنى القلوب فهذا من النعم ﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٧٨] يعنى بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ ﴾ يعنى خلقكم ﴿ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آية: ٧٩] فى الآخرة.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي ﴾ الموتى ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ الأحياء ﴿ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٨٠] توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون.
﴿ بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ ﴾ [آية: ٨١] يعنى كفار مكة، قالوا مثل قول الأمم الخالية ﴿ قَالُوۤاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ [آية: ٨٢] قالوا ذلك تعجباً وجحداً، وليس باستفهام. نزلت فى آل طلحة بن عبد العزى منهم: شيبة، وطلحة، وعثمان، وأبو سعيد ومشافع، وأرطأة، وابن شرحبيل، والنضر بن الحارث، وأبو الحارث بن علقمة.
﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبْلُ ﴾ يعنى البعث ﴿ إِنْ هَـٰذَآ ﴾ الذى يقول محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٨٣] يعنى أحادث الأولين وكذبهم ﴿ قُل ﴾ لكفار مكة: ﴿ لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ ﴾ من الخلق، حين كفروا بتوحيد الله، عز وجل: ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٨٤] خلقهما ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٨٥] فى توحيد الله، عز وجل، فتوحدونه.﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٨٦] ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٨٧] يعنى أفلا تعبدون الله، عز وجل.
﴿ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ ﴾ يعنى خلق ﴿ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ يقول: يؤمن ولا يؤمن عليه أحد ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٨٨] ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ ﴾ [آية: ٨٩] قل فمن أين سحرتم فأنكرتم أن الله تعالى واحد لا شريك له، وأنتم مقرون بأنه خلق الأشياء كلها، فأكذبهم الله، عز وجل، حين أشركوا به، فقال سبحانه: ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ ﴾ يقول: بل جئناهم بالتوحيد ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [آية: ٩٠].
فى قولهم إن الملائكة بنات الله، عز وجل، يقول الله تعالى: ﴿ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ ﴾ يعنى الملائكة ﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ ﴾ يعنى من شريك، فلو كان معه إله ﴿ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾ كفعل ملوك الدنيا يلتمس بعضهم قهر بعض، ثم نزه الرب نفسه، جل جلاله، عن مقاتلهم فقال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [آية: ٩١] يعنى عما يقولون بأن الملائكة بنات الرحمن ﴿ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾ يعنى غيب ما كان، وما يكون، والشهادة ﴿ فَتَعَالَىٰ ﴾ يعنى فارتفع ﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٩٢] لقولهم الملائكة بنات الله ﴿ قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ﴾ [آية: ٩٣] من العذاب، يعنى القتل ببدر، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أراد أن يدعو على كفار مكة، ثم قال: ﴿ رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٩٤] ﴿ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ ﴾ من العذاب ﴿ لَقَادِرُونَ ﴾ [آية: ٩٥] ثم قال الله عز وجل يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على الأذى: ﴿ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ ﴾ نزلت فى النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [آية: ٩٦] من الكذب. ثم أمره أن يتعوذ من الشيطان، فقال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ ﴾ [آية: ٩٧] يعنى الشياطين فى أمر أبى جهل.
﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ﴾ [آية: ٩٨] ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ ﴾ يعنى الكفار ﴿ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ ﴾ [آية: ٩٩] إلى الدنيا حين يعاين ملك الموت يؤخذ بلسانه، فينظر إلى سيئاته قبل الموت، فلما هجم على الخزى سأل الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحاً فيما ترك، فذلك قوله سبحانه: ﴿ رَبِّ ٱرْجِعُونِ ﴾ إلى الدنيا ﴿ لَعَلِّيۤ ﴾ يعنى لكى ﴿ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ من العمل الصالح، يعنى الإيمان، يقول عز وجل: ﴿ كَلاَّ ﴾ لا يرد إلى الدنيا.﴿ ثم استأنف فقال: { إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ﴾ يعنى بالكلمة قوله: ﴿ رَبِّ ٱرْجِعُونِ ﴾، ثم قال سبحانه: ﴿ وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ ﴾ يعنى ومن بعد الموت أجل ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [آية: ١٠٠] يعنى يحشرون بعد الموت.
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ يعنى النفخة الثانية ﴿ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ ﴾ يعنى لا نسبة بينهم عم، وابن عم، وأخ، وابن أخ، وغيره.
﴿ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [آية: ١٠١] يقول: ولا يسأل حميم حميماً ﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ بالعمل الصالح، يعنى المؤمنين ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ١٠٢] يعنى الفائزين.﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ يعنى الكفار ﴿ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ ﴾ يعنى غبنوا ﴿ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [آية: ١٠٣] لا يموتون ﴿ تَلْفَحُ ﴾ يعنى تنفخ ﴿ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ [آية: ١٠٤] عابسين شفته العليا قالصة لا تغطى أنيابه، وشفته السفلى تضرب بطنه، وثناياه خارجة من فيه بين شفتيه أربعون ذراعاً، بذراع الرجل الطويل من الخلق الأول كل ناب له مثل أحد. يقال لكفار مكة: ﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ يقول: ألم يكن القرآن يقرأ عليكم فى أمر هذا اليوم، وما هو كائن فيكم.
﴿ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [آية: ١٠٥] نظيرها فى الزمر.﴿ قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾ التى كتبت علينا ﴿ وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ ﴾ [آية: ١٠٦] عن الهدى، ثم قالوا: ﴿ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا ﴾ يعنى من النار ﴿ فَإِنْ عُدْنَا ﴾ إلى الكفر والتكذيب ﴿ فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [آية: ١٠٧] ثم رد مقدار الدنيا منذ خلقت إلى أن تفنى سبع مرات ﴿ قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا ﴾ يقول: اصغروا فى النار ﴿ وَلاَ تُكَلِّمُونِ ﴾ [آية: ١٠٨] فلا يتكلم أهل النار بعدها أبداً غير أن لهم زفيراً أول نهيق الحمار، وشهيقاً آخر نهيق الحمار، ثم قال عز وجل: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي ﴾ المؤمنين ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا ﴾ يعنى صدقنا بالتوحيد ﴿ فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ [آية: ١٠٩].
﴿ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً ﴾ وذلك أن رءوس كفار قريش المستهزئين: أبا جهل، وعتبة، والوليد، وأمية، ونحوهم، اتخذوا فقراء أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم سخرياً يستهزءون بهم، ويضحكون من خباب، وعمار، وبلال، وسالم مولى أبى حذيفة، ونحوهم من فقراء العرب، فازدروهم، ثم قال: ﴿ حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي ﴾ حتى ترككم الاستهزاء بهم عن الإيمان بالقرآن ﴿ وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ ﴾ يا معشر كفار قريش من الفقراء ﴿ تَضْحَكُونَ ﴾ [آية: ١١٠] استهزاء بهم نظيرها فى ص، يقول الله عز وجل: ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ بِمَا صَبَرُوۤاْ ﴾ على الأذى والاستهزاء، يعنى الفقراء من العرب والموالى ﴿ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ ﴾ [آية: ١١١] يعنى هم الناجون.
﴿ قَالَ ﴾ عز وجل للكفار: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ فى الدنيا، يعنى في القبور ﴿ عَدَدَ سِنِينَ ﴾ [آية: ١١٢] ﴿ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ استقلوا ذلك يرون أنهم لم يلبثوا فى قبورهم إلا يوماً أو بعض يوم، ثم قال الكفار لله تعالى أو لغيره: ﴿ فَاسْأَلِ ٱلْعَآدِّينَ ﴾ [آية: ١١٣] يقول: فسل الحساب، يعنى ملك الموت وأعوانه.﴿ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾ فى القبور ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١١٤] إذا لعملتم أنكم لم تلبثوا إلا قليلاً، ولكنكم لا تعلمون كم لبثتم فى القبور يقول الله، عز وجل: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾ يعنى لعباً وباطلاً لغير شىء، أن لا تعذبوا إذا كفرتم ﴿ وَ ﴾ حسبتم ﴿ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ١١٥] فى الآخرة ﴿ فَتَعَالَى ٱللَّهُ ﴾ يعنى ارتفع الله، عز وجل.
﴿ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ﴾ أن يكون خلق شيئاً عبساً ما خلق شيئاً إلا لشىء يكون، لقولهم أن معه إلهاً، ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى، فقال: ﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ ﴾ [آية: ١١٦].
﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ ﴾ يعنى ومن يصف مع الله ﴿ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ يعنى لا حجة له بالكفر، ولا عذر يوم القيامة، نزلت فى الحارث بن قيس السهمى أحد المستهزئين ﴿ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ [آية: ١١٧] يقول: جزاء الكافرين، أنه لا يفلح يعنى لا يسعد فى الآخرة عند ربه، عز وجل.
﴿ وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ ﴾ الذنوب ﴿ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ [آية: ١١٨] من غيرك يقول: من كان يرحم أحداً، لإإن الله عز وجل بعباده أرحم، وهو خير، يعنى أفضل رحمة من أولئك الذين لا يرحمون.
Icon