بيان إجمالي للسورة
هذه السورة مكية، وفيها من ألوان التحذير والتنذير والتخويف ما فيها. وكذلك من صور التنبيه والتنديد والزجر ما يهيج الحس والوجدان ويستديم الحذر والوجل مما هو قادم ومنتظر.
والسورة مبدوءة بالقسم العظيم من الله ذي الجبروت، بالصافات وهي الملائكة المصطفة للصلاة، الزاجرات عن المعاصي، على أن الله واحد لا شريك له، وهو سبحانه رب كل شيء وخالقه وموجده.
وفي السورة تنديد بالمشركين المكذبين الذين يستسخرون من آيات الله ويتخذونها هزوا، أولئك قد أعدَّ الله لهم سوء العذاب يوم القيامة ؛ حيث النار اللاهبة المستعرة، وحيث الزّقوم، ذلكم الطعام الخبيث المسموم، طعام الآثمين الخاسرين.
وفي السورة ذكر مقتضب لبعض المرسلين، ومن أظهرهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؛ إذ رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل عليه السلام فاستجاب الولد الزكي البارُّ الطهور لأمر ربه ولم يتردد، فلما تلَّه للجبين وأراد أن يذبحه فداه الله بذبْحٍ عظيم.
وفيها قصة يونس عليه السلام الذي تولى عن قومه مُغاضبا فيمم شطر البحر فركب السفينة مع طائفة من الناس فقارعهم فكان من المغلوبين في القرعة فالتقمه الحوت عقيب إلقائه في البحر.
إلى غير ذلك من الأخبار والمواعظ والقصص.
ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى :
﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ( ١ ) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ( ٢ ) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ( ٣ ) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ( ٤ ) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ( ٥ ) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ( ٦ ) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ( ٧ ) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ( ٨ ) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ( ٩ ) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾.
أقسم الله بالصافات وهي الملائكة تصف أقدامها في الصلاة، وقيل : تصف أجنحتها في الهواء تنتظر الأمر من الله و
﴿ صفًّا ﴾ مصدر مؤكد.
﴿ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ﴾ من الزجر، وهو الدفع بقوة ؛ أي الملائكة تزجر الناس عن المعاصي بإلهامهم الخير. أو تزجر الشياطين عن التعرض لهم و ﴿ زَجْرًا ﴾ مصدر مؤكد.
﴿ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴾ أي الملائكة تتلو آيات الله وغير ذلك من تسبيح وتحميد. و ﴿ ذِكْرًا ﴾ مفعول به.
قوله :﴿ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ﴾ جواب للقسم ؛ فقد أقسم الله – وهو الصادق الخالق ذو الملكوت – بملائكته الصافات في الصلاة، أو الصافات أجنحتها في الهواء، الزاجرات عن المعصية والشر، التاليات كلام الله – والمسبحات بحمده، الذاكرات لجلال وجهه الكريم – على الحقيقة اليقينية الكبرى وهي أن الله واحد لا شريك له فليس من إله سواه. وهو سبحانه ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾.
﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ ﴿ ربُّ ﴾، خبر بعد خبر أي خبر ثان. أو بدل من قوله :﴿ لواحد ﴾ أو خبر لمبتدأ محذوف ؛ أي هو رب. والمعنى : أن الله وحده لا شريك له وهو مالك السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من خلائق وكائنات وأجرام.
قوله :﴿ وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ﴾ والمراد بالمشارق : مطالع الشمس، وهي ثلاثمائة وستون مشرقا، وذلك بعدد أيام السنة. وكذلك المغارب ؛ وبذلك تشرق الشمس كل يوم في مشرق، وكذلك تغرب كل يوم في مغرب. فلا تطلع الشمس من مشرق واحد يومين ولا تغرب من مغرب واحد يومين. وأما ﴿ ربُّ المشرقي وربُّ والمغربين ﴾ فإنه أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما. وأما ﴿ رب المشرق والمغرب ﴾ فإنه أراد به الجهة ؛ فالمشرق جهة ؛ والمغرب جهة.
قوله :﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ ﴿ الدُّنْيَا ﴾ مؤنث الداني. ﴿ بِزِينَةٍ ﴾ بالكسر المنون، و ﴿ الْكَوَاكِبِ ﴾ بالكسر على أنها بدل أو بيان للزينة. والزينة، ما يزان به الشيء. والمعنى : أن السماء الدنيا قد زينتها الكواكب بضيائها وإشعاعها. وثمة قراءات أخرى غير هذه القراءة.
على أن الكواكب السيارة والنجوم الثابتة كثيرة بالغة الكثرة. وهي في عددها الكاثر المنتشر في أنحاء السماء تعزّ على العدّ. وهي في أحجامها وأبعادها ومساحاتها مختلفة ومتفاوتة بالغ التفاوت. ولا يتسع المجال للحديث عن حقائق مذهلة في الكواكب والنجوم، وذلك من حيث أحجامها الضخام ومسافاتها الموغلة في البعد عن سطح الأرض. وهي مسافات كبيرة وفي غاية الإيغال حتى إنها لا تقاس إلا بالمئات أو الآلاف من السنوات الضوئية.
قوله :﴿ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ﴾ ﴿ حفظاً ﴾، منصوب على المصدر بإضمار فعل ؛ أي حفظناها حفظا. وإما على المفعول لأجله ؛ فيكون المعنى : إننا خلقنا السماء الدنيا زينة وحفظا والمارد : معناه العاتي الخارج عن طاعة الله ؛ فإن السماء محفوظة من الشياطين العاتية المتمردة أن تلج إلى الملأ الأعلى وذلك بتسليط الشهب عليها لتحرقها.
قوله :﴿ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الْأَعْلَى ﴾ الكلام هنا مستأنف لبيان حال الشياطين بعد ما حفظ الله السماء منهم. و ﴿ يَسَّمَّعُونَ ﴾ أصله يتسمَّعون. والتسمع طلب السماع. والمراد بالملأ الأعلى الملائكة ؛ فقد نفى حصول السماع منهم ؛ إذ لا يقدرون أن يستمعوا لأنهم مقذوفون بالشُهب، مبعدون عن بلوغ الملأ الأعلى أو السماع منهم إلا من خطف منهم خطفة فاسترق شيئا تعاجله الملائكة بإتباع الشهاب لحرقه. وهو قوله :﴿ وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ﴾ أي يرمون بالشهب من جميع الجهات من السماء التي يصعدون منها للاستراق.
قوله :﴿ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴾ ﴿ دُحُورًا ﴾ مفعول لأجله ؛ أي لأجل الطرد. أو مصدر لمقدر ؛ أي يُدحرون دحورا. وقيل : منصوب على الحال أي مدحورين
و ﴿ دُحُورًا ﴾، من الدحْر، وهو الطرد والدفع والإبعاد ؛ أي يرمون مطرودين مبعدين ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴾ أي دائم، وذلك في الآخرة ؛ فهم بذلك معذبون في الدنيا بالطرد والإبعاد والإحراق بالشهب. ويوم القيامة يلبثون في النار دائمين مقيمين.
قوله :﴿ لاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ ﴾ ﴿ مَنْ ﴾ في محل رفع بدل من واو ﴿ لا يَسَّمَّعُونَ ﴾ وقيل : منصوب على الاستثناء ؛ أي أن الشياطين لا يسمعون الملائكة في السماء إلا الذي ﴿ خَطِفَ الْخَطْفَةَ ﴾ من الخطف وهو الاختلاس. والمراد اختلاس كلام من الملائكة مسارقة.
قوله :﴿ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ الشهاب، شعلة من نار ساطعة ؛ أي فلحقه شهاب نافذ بضوئه وشعاعه المنير.
قوله تعالى :﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ( ١١ ) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ( ١٢ ) وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ( ١٣ ) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ( ١٤ ) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ( ١٥ ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( ١٦ ) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ( ١٧ ) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ﴾.
استفتهم : من الاستفتاء وهو نوع من السؤال. والهمزة للاستفهام التقريري ؛ أي استخبرهم، والضمير لمشركي قريش أو مكة. وقد عادل في هذا الاستفهام التقريري في القوة الأشدية بين خلْق المشركين المكذبين بيوم القيامة، وخَلْق غيرهم من الأمم والجن والملائكة والأفلاك، والأرضيين. وهو قوله :﴿ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ﴾ ﴿ أمْ ﴾ استفهام تقريري ثان ؛ أي هل هم أقوى خلْقا أو أصعب خلْقا وأشقه أم من خلقنا غيرهم من السماوات والأرض وما فيهما من أفلاك وأجرام وخلائق. وذلك رد لإنكارهم البعث ؛ فإن من هان عليه خلْق هذا الكون الهائل العجيب لم يصعب عليه خلق البشر وإعادة إحيائهم من التراب من جديد. وهو قوله :﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ﴾ واللازب : اللاصق، من اللزوب وهو اللصوق والثبوت
والمعنى : لماذا يعجبون من البعث وإحيائهم كرة أخرى بعد الموت. فقد أنشأهم الله من التراب ولا يعزّ عليه إنشاؤهم ثانية من الترب، ويستفاد من الآية أيضا : التنبيهُ على ضعف بني آدم ورخاوتهم ؛ لأنهم مصنوعون من الطين الرخو الطري فهم لا يوصفون بالصلابة والقوة.
قوله :﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾ عجبت بتاء الخطاب ؛ أي بل عجبت أنت يا محمد من قدرة الله على خلائقه العظام، وهؤلاء المشركون المكذبون يسخرون منك ومن تعجبك. أو عجبت من إنكارهم البعث وإعراضهم عن دين الله أم من ضلالتهم وعمايتهم عن الحق والهدى، وهم يسخرون من البعث والإحياء بعد أن كانوا رميما.
قوله :﴿ وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ﴾ ﴿ ذُكِّرُوا ﴾ من التذكير وهو الوعظ، وطريقه الترغيب في الهداية، والترهيب من العصيان والضلالة. وهؤلاء المشركون العصاة دأبهم العتوّ والتمرد ؛ فهم إذا وُعظوا موعظة لا يتعظون ولا يخشون ولا يزدجرون.
قوله :﴿ وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ إذا رأى المشركون المكذبون شيئا من الخوارق المعجزة، كانشقاق القمر ونحوه فإنهم ﴿ يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ السين والتاء للطلب ؛ أي يستدعي بعضهم من بعضهم أن يسخر من هذه الخوارق ﴿ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾
﴿ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ الإشارة بهذا إلى ما ظهر من الخوارق المعجزة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهم إذا رأوا شيئا من ذلك أو عاينوه معاينة قالوا مستكبرين مكذبين : ما هذا إلا سحر ظاهر. وذلك هو دأب الجاحدين الضالين ؛ فإنهم لا يرون الحقائق واضحة ساطعة بلجة حتى يبادروا معاندين مكابرين بالتكذيب والاستنكاف.
قوله :﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ الاستفهام للإنكار ؛ أي أنُبعث من قبورنا أحياء بعد أن كنا ترابا ورفاتا.
قوله :﴿ أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ﴾ الهمزة للاستفهام، دخلت على واو العطف. ﴿ آَبَاؤُنَا ﴾ معطوف على الضمير المستتر في قوله :﴿ لَمَبْعُوثُونَ ﴾
والمعنى : أيُبعث أيضا آباؤنا ؛ يريدون بذلك أن آباءهم أقدم، فبعثهم أشد بعدا.
قوله :﴿ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بنعم ﴿ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ جملة حالية لعامل محذوف. وتقديره : نعم تبعثون وأنتم صاغرون ذليلون خزايا
قوله تعالى :﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ( ١٩ ) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ( ٢٠ ) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ( ٢١ ) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ( ٢٢ ) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ( ٢٣ ) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ( ٢٤ ) مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ( ٢٥ ) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾.
يبين الله سرعة أخذه للبشرية. فإذا نُفخ في الصور النفخة الأخرى وهي نفخة البعث والإحياء سارع المكذبون مذعورين إلى الحشر لملاقاة الحساب. وذلك هو قوله :﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ وذلك جواب لشرط مقدَّر، تقديره : إذا كان ذلك فما هي إلا زجرة واحدة والزجرة تعني الصيحة. ويراد بها النفخة الثانية التي تبعث فيها الخلائق من مراقدها ﴿ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ﴾ أي يُبعثون عقب النفخة الثانية أحياء فينظرون إلى ما قدّموه من سوء الأعمال. أو قاموا من قبورهم فَزعين ينظرون ما هو واقع بهم ﴿ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾
﴿ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾ الويل كلمة يقولها الهالك وقد أحاط به اليأس والمنون وظن أنه غير ناج ؛ يعني يقول المشركون المكذبون لما رأوا اليقين وعاينوا الساعة وعلموا أنهم خاسرون لا محالة : هذا اليوم الذي وُعدنا به من قبل لنجازى فيه بأعمالنا.
قوله :﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ ﴿ يَوْمُ الْفَصْلِ ﴾ أي يوم القضاء الذي يفصل الله فيه بين أهل الحق وأهل الضلال ﴿ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ هذا هو اليوم الذي توعدناكم به وحذَرناكُموه لكنكم كذبتم به ونكلتم عما يقتضيه من إيمان وحسن الفعال. وذلك تقريع للكافرين وتوبيخ على تكذيبهم ونكولهم عن الإيمان.
قوله :﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ أزواجهم : منصوب على العطف على الموصول ﴿ الذين ﴾ وقيل : الواو بمعنى مع فهو منصوب على أنه مفعول معه
وهذا خطاب من الله للملائكة ؛ إذ يأمرهم : أن اجمعوا الكافرين المكذبين ﴿ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ أي ونظراءهم وأشباههم وقرناءهم من الشياطين والعصاة والمجرمين، أو ونساءهم الكافرات ﴿ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ( ٢٢ ) مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾
﴿ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ( ٢٢ ) مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ أي اجمعوا معهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله وهم الأصنام والأنداد والشركاءُ على اختلاف أنواعهم وأجناسهم، فأولئك جميعا يحشرون مع المشركين الذين عبدوهم أو اتخذوهم آلهة من دون الله ليُساقوا جميعا إلى النار. وذلك هو قوله :﴿ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ أي دُلوهم وقودوهم إلى طريق الجحيم، وهي النار الشديدة التأجج. وكل نار بعضها فوق بعض وذلك حتى يصطلوها.
قوله :﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾ أي احبسوهم في الموقف ليُسألوا عن عقائدهم وأعمالهم.
قوله :﴿ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ﴾ وهذا تهكم بهم وتوبيخ لهم بالعجز عن التناصر هن بعد ما كانوا في الدنيا متعاضدين متناصرين.
قوله :﴿ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾ أي منقادون مستيئسون وقد أسلم بعضُهم بعضا وخذله عن عجز. وكل واحد منهم مستسلم غير منتصر.
قوله تعالى :﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ( ٢٧ ) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ( ٢٨ ) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( ٢٩ ) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ ( ٣٠ ) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ( ٣١ ) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ( ٣٢ ) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ( ٣٣ ) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴾.
هذا تخاصم بين التابعين والمتبوعين. فالتابعون كانوا يوالون متبوعيهم المضلين المفسدين من شياطين الإنس والجن ويعملون ما يسولونه لهم من المعاصي والآثام ويقلدونهم في سلوكهم وأهوائهم وتصوراتهم أشنع تقليد ؛ فهم جميعا يُقبل بعضهم على بعض يتخاصمون ويتلاومون ويوبّخ بعضهم بعضا وكل الفريقين ينحي بالملائمة على الآخر. فيقول الأتباع من المخدوعين والمضللين والرعاع، للمتبوعين من الرؤساء والكبراء والمضلين ﴿ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴾
﴿ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴾ أي تأتوننا عن القوّة والقهر. فإن اليمين موصوفة بالقوة وهي بها يقع البطش. والمعنى : أنكم كنتم تحملوننا على الضلال حملا، وتقسِروننا على الكفر قسرا.
قوله :﴿ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ ذلك جواب المضلين المتبوعين من الرؤساء والكبراء والساسة : بل أنتم أعرضتم ونكلتم عن الإيمان، وكان في مقدوركم أن تؤمنوا بالله وحده، إذ لم تكونوا ملجئين على الكفر.
قوله :﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ يقول المتبوعون المضلون للتابعين الضالين : لم يكن عليكم تسلّط فنسلبكم به إرادتكم واختياركم بل كنتم أنتم مختارين للضلال والطغيان وهو قوله :﴿ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ ﴾.
قوله :﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ﴾ أي لزمنا قول ربنا وهو وَعيدُهُ بأنا ذائقون لعذابه لا محالة، وذلك لعلمه بحالنا.
قوله :﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾ أي دعوناكم إلى الغي – وكنتم راغبين فيه – فغويتم ﴿ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾ فأردنا إغواءكم لتكونوا شركاءنا في الغي.
قوله :﴿ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ إنهم يوم القيامة مشتركون في العذاب كما كانوا مشتركين في الغواية والضلال. أولئك هم الأتباع الضالون، والمتبوعون المضلون، إنهم شركاء في الدنيا حيث الضلال والغي والإعراض عن دين الله، وهم كذلك شركاء في الآخرة حيث النار يقذفون فيها جزاء وفاقا بما عملوا جميعا من الشرك والعصيان.
قوله :﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴾ الكاف صفة لمصدر محذوف ؛ أي إنا مثل ذلك الفعل نفعل بكل مجرم فسق عن أمر الله.
قوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ( ٣٥ ) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ( ٣٦ ) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ( ٣٧ ) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ( ٣٨ ) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
يخبر الله عن هؤلاء المجرمين بأكبر إجرامهم وهو شركهم بالله وإعراضهم عن كلمة التوحيد وهي ﴿ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ فإنهم إذا دُعوا إلى الإقرار بوحدانية الله بنطق هذه الشهادة العظمى أبوا واستكبروا وأصروا على الإشراك واتخاذ الأنداد ﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾
﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾ أما قولهم إنه شاعر فذلك ما لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم وما كان ينبغي له أن يقرض الشعر. وقد بينا في تفسير سورة يس أن رسول الله ما كان شاعرا وما كان بمستطيع أن يقرض الشعر وتلك سجيته وجِبِلّته لحكمة ربانية مقدورة. وهذه حقيقة لا ينكرها إلا الجاحدون المعاندون.
أما قولهم : إنه مجنون فذلك قدحٌ مُسْتهجَن، وطعن مقبوح مشين، وافتراء ظالم وسقيم على خير الأولين والآخرين الذي شهدت له الدنيا بالصدق والأمانة وبالغ الذكاء والفطانة. شهد له المشركون من خصومه ومبغضيه إبانَ جاهليتهم بأنه الصادق الأمين ؛ إذ لم يجرِّبوا عليه الكذب ولم يجدوا فيه أيَّما ذميمة من الذُّموم وسوء الخصال. وكذلك قد شهد له المتعلمون والدارسون والمصلحون من مختلف الأمم في كل الأزمنة، وفي زماننا هذا أنه الإنسان المميَّزُ الفذ بما أوتيه من كمال العبقرية وروعة الخلق وجمال الطبع والفطرة وسلامة الخصال والسيرة.
أما افتراء الظالمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجِنة فذلكم هذيان فاضح ومستقبح لا يجترئ على التلعثم به إلا كل مأفون مضلَّل قد أكل قلبه الحسد والضِّغْن وفرط التعصب والكراهية لنبي الإنسانية ورسول العالمين عليه الصلاة والسلام.
على أن ثمة تخليطا في افتراء المشركين وكذبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذْ يرمونه بالشعر والجنون في آن. فكيف يتيسر للشاعر أن يكون مجنونا. وهل يصدق من ربه مِسْكةٌ من عقل أن المجنون يقرضُ شعرا ؟ ؟ فإنه معلوم أن الشعر في ذاته براعة وإبداع من النظْم الموزون المقفى، وهو ضرب من ضروب التفنّن في الكلام المرصوف المنتظم. فأنّى للمجنون أن يقرض الشعر ؟ ؟ إنَّ ذلكم إيغال من المشركين الظالمين، في الحماقة والسفه والمكابرة.
قوله :﴿ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ ﴾ أضرب عن كلامهم المستنكر، وأخبر بأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد جاء بالحق من ربه ؛ إذ آتاه القرآن العظيم وهو ليس بالشعر ولا بغيره من ضروب الكلام ولكنه النظم الفريد المميَّز الذي لا يضاهيه في النظم كلام.
قوله :﴿ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ جاء محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا للنبيين من قبله. وقد أمر أمته أن يؤمنوا بالنبيين والمرسلين جميعا وأن لا يُفَرِّقوا بين أحد منهم كما يفعل الظالمون من أهل الكتاب ؛ إذْ فرّقوا في الإيمان بين النبيين، فآمنوا ببعضهم وكفروا بآخرين جريا وراء أهوائهم وضلالاتهم وما مَرَدوا عليه من التعصُّب والجنوح للاعوجاج.
والظالمون من أهل الكتاب قد ضلوا أفظع ضلال باتفاقهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمالئهم عليه وعلى دينه وقرآنه وأمته ليضعفوهم أو يذلوهم أو يبيدوهم إن استطاعوا.
قوله :﴿ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ﴾ ذلك تهديد من الله ووعيد للكافرين الظالمين الذي يفترون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنهم سيصلون النار بعذابها الوجيع الشديد.
قوله :﴿ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي لا تصلون النار فتعذبون بعذابها الشديد إلا جزاءَ عملكم الذي قدمتموه في الدنيا وهو الشرك والعصيان
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( ٤٠ ) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ( ٤١ ) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ( ٤٢ ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( ٤٣ ) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ( ٤٤ ) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ( ٤٥ ) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ( ٤٦ ) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ( ٤٧ ) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ( ٤٨ ) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ﴾.
استثنى من حال الكافرين وخسرانهم وتعذيبهم، المؤمنين بقوله :﴿ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ وذلك استثناء منقطع فإنه لما ذكر شيئا من أحوال الكافرين وما يجزوْنه من العذاب، ذكر شيئا من أحوال المؤمنين وما يفيض الله به عليهم من أصناف النعم، وهؤلاء هم المؤمنون الذين استخلصهم الله للإيمان والامتثال وحسن المصير.
قوله :﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ﴾ لقد منّ الله عليهم بالجنة وفيها من ألوان النعيم ما تقرُّ به عيونهم، وتبتهج به نفوسهم، ويجدون فيه الرخاء والسعادة وطِيب المقام. وقد فسَّر الرزق بقوله :﴿ فواكه ﴾ وهي بدل من رزق، أو خبر لمبتدأ مضمر ؛ أي : ذلك الرزقُ فواكهُ وهي كل ما يُتلذذ به وليس قوتا لحفظ الصحة. وذلك يعني أن رزقهم كله فواكه ؛ فهم بذلك مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات ؛ لأن أجسامهم قوية ومحكمة ومخلوقة للأبد، فما يأكلونه إنما هو على سبيل التلذذ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:قوله :﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ﴾ لقد منّ الله عليهم بالجنة وفيها من ألوان النعيم ما تقرُّ به عيونهم، وتبتهج به نفوسهم، ويجدون فيه الرخاء والسعادة وطِيب المقام. وقد فسَّر الرزق بقوله :﴿ فواكه ﴾ وهي بدل من رزق، أو خبر لمبتدأ مضمر ؛ أي : ذلك الرزقُ فواكهُ وهي كل ما يُتلذذ به وليس قوتا لحفظ الصحة. وذلك يعني أن رزقهم كله فواكه ؛ فهم بذلك مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات ؛ لأن أجسامهم قوية ومحكمة ومخلوقة للأبد، فما يأكلونه إنما هو على سبيل التلذذ.
قوله :﴿ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ﴾ أي متنعِّمون محبورون
﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ حيث القرار والهناء والسعادة وكل أنواع النعيم الذي لا يتحوّل ولا يزول
﴿ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ يجلس المؤمنون في الجنة على الأسرة متقابلين، لما في التقابل لدى الجلوس من إحساس مستطاب بالأنس والسكينة والسرور، خصوصا إن كان المتقابلون من المؤمنين المخلصين أولي القلوب النيرة والسرائر النقيَّة البيضاء لا جرم أن مجالستهم تثير في النفس البهجة والراحة وكامل الحبور.
قوله :﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴾ المراد بالكأس هنا الخمر ؛ فإنه يطاف بكؤوس الخمر وهي شراب أهل الجنة. وهو ﴿ مِنْ مَعِينٍ ﴾ أي من شراب معين. والمعين : السائح الجاري على وجه الأرض ؛ فإن أنهار الخمر في الجنة تجري كما تجري مياه الأنهار.
قوله :﴿ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾ ﴿ بَيْضَاءَ ﴾ صفة للكأس. و ﴿ لذّة ﴾ كذلك صفة على حذف المضاف، أي ذات لذة أو وصفت بالمصدر ﴿ لَذَّةٍ ﴾ للمبالغة ؛ فهي شراب من أشربة الجنة الشهية المرغوبة يتلذذ بها المؤمنون إذا شربوها.
﴿ لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾ الغول، معناه الصداع أو كل ما زال به العقل.
والمعنى : أن خمر الجنة لا تغتال عقول الشاربين كخمور الدنيا التي تذهب بالعقول وتفسد الأعصاب والأجساد وتفضي إلى المعاصي وارتكاب الفواحش.
لكن خمر الجنة مستلذّ مستطاب يهنأ به المؤمنون الشاربون.
قوله :﴿ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﴾ أي لا يسكرون ولا تذهب عقولهم بشربها، من نزف الشارب إذا ذهب عقله.
قوله :﴿ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴾ ﴿ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾ الزوجات اللواتي يقصرن أبصارهن على أزواجهن فلا يمددن أبصارهن إلى غير أزواجهن. و ﴿ عِينٌ ﴾ جمع عَيناء : أي واسعة العين في جمال. والذكر أعْين.
قوله :﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ﴾ المراد بذلك بيض النعام. والمكنون بمعنى المصون. من كننته أي جعلته في كِن، وكانت العرب تشبهُ المرأة بها في لونها.
قوله تعالى :﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ( ٥٠ ) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ( ٥١ ) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ( ٥٢ ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ( ٥٣ ) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ( ٥٤ ) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ( ٥٥ ) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ( ٥٦ ) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ( ٥٧ ) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ( ٥٨ ) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( ٥٩ ) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ٦٠ ) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾.
( أقبل ) معطوف على ﴿ يُطاف ﴾. و ﴿ يتساءلون ﴾ في موضع نصب على حال من فاعل ( أقبل ) أي يشربون فيتحدثون. وذلك إخبار من الله عن حال أهل الجنة وهم يتنعّمون ويتقلّبون في السعادة وطيب العيش. ومثال ذلك أن إقبال بعضهم على بعض وهم جلوس على الأسرّة يتلذذون ويتحادثون على الشراب ويتساءلون فيما بينهم عن أحوالهم وعما أنعم الله به عليهم ؛ إذ أدخلهم الجنة، وعما كانوا عليه في الدنيا وكيف كانوا يعانون من ضروب المتاعب والهموم، وغير ذلك من صور الحديث في المجالس المحببة الحانية حيث الأنس والهناء والرخاء والأمن والسعادة الكاملة.
قوله :﴿ قالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾ ذلك مما يقوله بعض المؤمنين في الجنة وهم يتحدثون في مجالسهم متقابلين ﴿ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾ أي جليس أو مصاحب في الدنيا، وهو شيطان غويّ مضل. سواء كان شيطانا من الجن فيوسوس لصاحبه في نفسه فيزين له الكفر ومجانبة الإيمان والتوحيد. أو كان من الإنس فيجهد بالغ الجهد لإغوائه وإضلاله ؛ وكلاهما قرين سوء لا يروم للإنسان المسلم إلا السقوط في الكفر والمعاصي.
قوله :﴿ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴾ يقول قرين السوء للمسلم سواء بالوسوسة أو الكلام المسموع : أأنت تصدق بالبعث والنشور والحساب والجزاء وذلك على سبيل التوبيخ والتقريع والتكذيب والاستبعاد.
قوله :﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ كذلك يقول القرين على سبيل التوبيخ والتهكم والعناد : أئذا متنا وأتى علينا البلى وأصبحنا ترابا ورُفاتا ﴿ أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ من الدين وهو يعني الجزاء. وفي الحديث : " والكيِّسُ من دان نفسه " يعني أئنا لمبعوثون من قبورنا فمحاسبون ومجازون.
قوله :﴿ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴾ قائل ذلك هو الذي كان له قرين، قال لجلسائه وهم يتحادثون في الجنة ﴿ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴾ أي على أهل النار لأريكم ذلك القرين الغويّ المضل وهو يذوق العذاب في الجحيم. والمراد من حديثه لجلسائه بذلك إيناسهم، وإشعارا برحمة الله بهم وفضله عليهم، إذ أنجاهم من النار وأدخلهم الجنة.
قوله :﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾ أي رأى قرينه في وسط الجحيم.
قوله :﴿ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ﴾ ﴿ تَاللَّهِ ﴾، قَسَم فيه معنى التعجب، و ﴿ إن ﴾ مخففة من الثقيلة، وهي تدخل على كاد كما تدخل على كان، واللام فارقة بينها وبين إن النافية. وتردين من الإرداء وهو الإهلاك ؛ والردى معناه الهلاك ؛ أي يقول المؤمن وهو في الجنة للذي كان قرينه وهو في النار : واللهِ إن كدت لتهلكني لو أطعتك.
قوله :﴿ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ لولا أن منَّ الله علي بالعصمة والنجاة والتوفيق لكنتُ من الذين أُحضروا للعذاب كما أحضرت له أنت وأمثالك من الهالكين الذين استنزلهم قرناء السوء من شياطين الإنس والجن.
قوله :﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴾ الفاء للعطف على محذوف، وتقديره : نحن مخلدون منعّمون فما نحن بميتين وذلك من كلام القائل ؛ إذ يخاطب به قرينه على سبيل التوبيخ وزيادة له في الالتياع والتحسُّر والإياس.
والمعنى : أننا نحن أهل الجنة لسنا بميتين ﴿ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى ﴾ التي فارقنا فيها الدنيا
﴿ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾
والمعنى : أننا نحن أهل الجنة لسنا بميتين ﴿ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى ﴾ التي فارقنا فيها الدنيا ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ لسنا كأصحاب النار اللابثين في العذاب الدائم ؛ بل نحن متقلّبون في نعيم الجنة.
قوله :﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ الإشارة عائدة إلى الإخبار بنفي الموت ونجاتهم من النار وإلى ما هم فيه من النعيم في الجنة. وذلكم هو الفوز الأكبر الذي لا يضاهيه فوز. وقيل : إن قائل هذا الكلام هو الله جل وعلا، فقد قاله تقريرا لقول ذلك القائل وتصديقا له، وخطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته.
قوله :﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ أي لنيل مثل هذا النعيم الذي نحن فيه، ينبغي أ يَنْصَبَ العباد ويبذلوا قصارى طاقاتهم ومقدورهم لفعل الطاعات والقُربات، وليس للحظوظ الدنيوية السريعة الزوال ما ينبغي لذي عقل سليم ونفس سوية مستقيمة أ يُجهد نفسه كثيرا للحصول على حظوظ الدنيا ولذاتها، فما الدنيا إلا حُطام داثر، ما يلبث أن يتبدّد ويزول وإنما النباهة والسداد في ابتغاء مرضاة الله. وذلك يقتضي حرصا حقيقيّا كاملا، وعملا متواصلا لا ينقطع من العبادة والطاعة للظفر برضوان الله والنجاة من غضبه وعقابه والفوز بنعيمه في الجنة مع النبيين والصديقين والأبرار وحَسَُنَ أولئك رفيقا.
قوله تعالى :﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ( ٦٢ ) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ( ٦٣ ) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ( ٦٤ ) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ( ٦٥ ) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ( ٦٦ ) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ( ٦٧ ) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ( ٦٨ ) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ ( ٦٩ ) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾.
اسم الإشارة ﴿ ذلك ﴾ عائد إلى الرزق المعلوم الذي جعله الله للمؤمنين في الجنة ؛ فقد أسبغ الله عليهم فيها من النعم ما لم يخطر على قلب بشر ؛ وذلك لفرط ما أعدّ الله لهم من جزيل النعم والخيرات واللذات. و ﴿ نُزُلاً ﴾ تمييز لقوله :﴿ خيرٌ ﴾. و ﴿ الزَّقُّومِ ﴾ شجرة مسمومة يخرج لها لبن إذا مسَّ جسد أحدٍ تورَّم منه ومات. والتزقُّم، البلع بشدة وجهد للأشياء الكريهة. وقد قال أبو جهل - وهو من العرب العرباء - : لا نعرف الزقوم إلا التمر والزبد. وذلك من باب العناد والكذب
وفي هذه الآية يعادلُ الله بين الرزق الكريم والنعيم المقيم في الجنة، وبين شجرة الزقوم ذات الطعام الخبيث المسموم، سيء الطعم والريح والمنظر، فقال سبحانه :﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ﴾ والنزل معناه العطاء وما يُعد للأضياف من الرزق.
والمعنى : أنعيم الجنة وما فيها من اللذات والثمرات وألوان النِّعم ﴿ خَيْرٌ نُزُلاً ﴾ أي خير ضيافة وعطاء أم شجرة الزقوم خير. وهي شجرة خبيثة الثمر، صغيرة الورق، شديدة المرارة، كريهة الرائحة والطعم.
قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ﴾ جعل الله شجرة الزقوم محنة وابتلاء للظالمين الخاسرين في الدنيا ثم يبوءون بالأكل منها في النار يوم القيامة. والمشركون لما سمعوا أن شجرة الزقوم تنبت في النار قالوا متهكمين مستسخرين : كيف يمكن ذلك والنار تحرق الشجر. وكذا قال أبو جهل. وقال أيضا على سبيل الإنكار والتكذيب والاستخفاف بها : والله ما نعلم ما الزقوم إلا التمر والزبد فتزقَّموا. وهذا من حماقة المشركين وسخفهم. فلو تفكروا قليلا لأيقنوا أن الله قادر على إنبات الشجر في النار من غير أن تحرقه. فإن الله بثَّ في النار صفة الحرق، وهو سبحانه قادر على نزع هذه الصفة متى شاء ؛ فهو خالق الأشياء والذوات والصفات وهو بقدرته وعلمه تجري الأمور والأحداث والظواهر.
وكذلك فإن الزقوم ضرب من البلاء والتعذيب يُسامُهُ الظالمون الخاسرون وهم يتقاحمون في النار.
قوله :﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴾ أي منبتها في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
قوله :﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾ طلعها أي حملها. وأصله طلع النخل وهو أول ما يبدو. فاستعير الطلع وهي النخلة لما تحمله شجرة الزقوم وشَبَّههُ برؤوس الشياطين. وذلك في تناهي الكراهة وقبح المنظر. والعرب من عاداتهم تشبيه قبيح الصورة بالشيطان فيقولون : كأنه وجه شيطان أو رأس شيطان. وذلك لاعتقادهم أن الشيطان شرّ محض فهو مرتسم في خيالهم على أشنع صورة.
قوله :﴿ فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾ يُضطَّرون للأكل من هذه الشجرة الخبيثة بصورتها المستقبحة ومذاقها المرّ، وريحها الكريه. سوف يأكلون منها ويملئون منها بطونهم لغلبة الجوع عليهم أو ؛ لأنهم يُقْسَرون على الأكل منها قَسْرا.
قوله :﴿ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ﴾ الشوب بفتح الشين معناه الخلط والمزج. ومنه شاب اللبن يشوبه أي خلطه ومزجه. والحميم : الماء الساخن جدا. ولما ذكر أنهم يملئون بطونهم من شجرة الزقوم بسبب الجوع الذي أصابهم، ذكر ما يُسْقونه – لغلبة العطش – وهو ما يمزج لهم من الحميم، وهو الماء الشديد الحرارة الذي يحرق بطونهم وتتقطع به أمعاؤهم.
قوله :﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ﴾ أي أن هؤلاء الظالمين الضالين يُذهَب بهم من منازلهم وأماكنهم في الجحيم وهي الدركات التي أُسكِنوا فيها، إلى شجرة الزقوم فيأكلون منها حتى تمتلئ بطونهم ويُسقَون بعد ذلك من الحميم ثم يُرجعون إلى دركاتهم في الجحيم.
قوله :﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ ( ٦٩ ) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ من الهرع وهو المشي في اضطراب وسرعة
والمعنى : أن المشركين كانوا مولعين بتقليد آبائهم في الضلال والكفر ؛ فقد وجدوا آباءهم على الضلالة والباطل فاتبعوهم ومشوا على آثارهم جامحين مسرعين من غير حجة ولا دليل فجازاهم ربهم بذلك ما يستحقونه من سوء الجزاء. أي أن تقليدهم إياهم كان سببا في ما وقعوا فيه من الأهوال والشدائد
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٩:قوله :﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ ( ٦٩ ) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ من الهرع وهو المشي في اضطراب وسرعة
والمعنى : أن المشركين كانوا مولعين بتقليد آبائهم في الضلال والكفر ؛ فقد وجدوا آباءهم على الضلالة والباطل فاتبعوهم ومشوا على آثارهم جامحين مسرعين من غير حجة ولا دليل فجازاهم ربهم بذلك ما يستحقونه من سوء الجزاء. أي أن تقليدهم إياهم كان سببا في ما وقعوا فيه من الأهوال والشدائد
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ( ٧١ ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ( ٧٢ ) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ( ٧٣ ) إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾. ذلك تأنيس من الله، إذ يواسي به رسوله صلى الله عليه وسلم كيلا يبتئس بإعراض قومه المشركين وتكذيبهم له وهو قوله :﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ﴾
أي أن أكثر السابقين من الأمم الغابرة من قبل هؤلاء المشركين قد أضلوا واتبعوا الباطل وزاغوا عن عقيدة التوحيد وسلكوا سبيل الشيطان بعد أن أرسل الله فيهم أنبياءه ليبلغوهم دعوة ربهم ويحذروهم عاقبة كفرهم وإعراضهم عن دين الله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١:قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ( ٧١ ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ( ٧٢ ) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ( ٧٣ ) إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾. ذلك تأنيس من الله، إذ يواسي به رسوله صلى الله عليه وسلم كيلا يبتئس بإعراض قومه المشركين وتكذيبهم له وهو قوله :﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ﴾
أي أن أكثر السابقين من الأمم الغابرة من قبل هؤلاء المشركين قد أضلوا واتبعوا الباطل وزاغوا عن عقيدة التوحيد وسلكوا سبيل الشيطان بعد أن أرسل الله فيهم أنبياءه ليبلغوهم دعوة ربهم ويحذروهم عاقبة كفرهم وإعراضهم عن دين الله.
قوله :﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ أي انظر ما حل بأولئك الظالمين المتمردين من الهلاك والانتقام بسبب إعراضهم عن الإنذار وموالاتهم الشيطان وإيغالهم في المعاصي.
﴿ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ استثناء من ﴿ الْمُنْذَرِينَ ﴾ وهو استثناء منقطع ؛ لأنه وعيد وهم لم يدخلوا في هذا الوعيد، فقد استثنى من إهلاك السابقين الظالمين، عباده المؤمنين الذين أخلَصَهم بتوفيقهم للإيمان والطاعة وصالح الأعمال.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ( ٧٥ ) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( ٧٦ ) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ( ٧٧ ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ( ٧٨ ) سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ( ٧٩ ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ٨٠ ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ٨١ ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ﴾.
﴿ نادانا ﴾ من النداء وهو الالتماس والاستغاثة ؛ أي سألنا نوح أن نهلك قومه لفرط عتوهم وكفرانهم وشدة إعراضهم وعنادهم ﴿ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴾ والمخصوص بالمدح محذوف، وتقديره : فلنعم المجيبون نحن. والمعنى : فلنعم المجيبين كنا له. فقد أجبنا له دعاءه فأهلكنا قومه بالطوفان والتغريق.
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ المراد بأهله : أهل دينه الذين آمنوا معه واتبعوه، وهم قلة قليلة من قومه الظالمين الذين طغوا في الأرض وعتوا عُتُوّا شديدا. لقد نجّى الله نوحا والمؤمنين معه من الكرب العظيم وهو الغرق.
قوله :﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾ أي جعل الله ذرية نوح هم الباقين في الأرض من بعد مهلك قومه الظالمين الذين أتى عليهم الطوفان فقضى عليهم. وبذلك فإن الناس كلهم من بعد مهلك نوح إلى اليوم إنما هم ذرية نوح.
قوله :﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴾ يعني أبقينا على نوح ذكرا جميلا وثناء حسنا فيمن جاء بعده من الأمم، فهم جميعا يثنون عليه خيرا ويسلمون عليه تسليما ؛ وذلك فضل من الله كبير، ومنة عظمى يهبها لعباده المصطفين الأخيار.
قوله :﴿ سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ سلام ﴾ مرفوع على أنه مبتدأ، وعلى نوح في موضع رفع خبر المبتدأ. وجاز الابتداء بالنكرة ؛ لأنه في معنى الدعاء كقوله :﴿ ويل للمطفّفين ﴾ .
والمعنى : تركنا عليه هذه الكلمة وهي أن يُسلم الناس عليه تسليما ويذكرونه الذكر الجميل إلى يوم القيامة.
وقيل : المراد بالسلام هنا الأمَنَةُ والسلامة له من أن يذكره أحد بسوء.
قوله :﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ الكافي في ﴿ كذلك ﴾، صفة لمصدر محذوف. أي جزاء كذلك الجزاء الذي جزيناه نوحا والذين آمنوا معه، نجزي الذين يحسنون فيطيعوننا ويصبرون على المكاره والشدائد فينا.
قوله :﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ذلك ذكر من الله لنوح عليه السلام ؛ فإنه كان من المؤمنين الأخيار الذين أخلصوا لله العبادة وأفردوه بالإلهية.
قوله :﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ﴾ بعد أن نجى الله نوحا والفئة القليلة معه أهلك الباقين، وهم الكثرة الكاثرة من قومه الذين أبوا إلا الضلال والشرك فأخذهم الله شرَّ أخْذَةٍ وانتقم منهم أشد انتقام
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ( ٨٣ ) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( ٨٤ ) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ( ٨٥ ) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ( ٨٦ ) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٨٧ ) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ( ٨٨ ) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ( ٨٩ ) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾.
﴿ شِيعَتِهِ ﴾ في اللغة بمعنى أتباعه وأنصاره والمراد بشيعة نوح في الآية، أهل دينه. والمعنى : وإن من أهل دين نوح، الذين هم على ملته ومنهاجه لهو إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام ﴿ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
﴿ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ أي سليم من الشرك، مخلص لله التوحيد.
﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ﴾ ﴿ إذْ ﴾، في موضع نصب على الظرفية. يعني وقت قال إبراهيم لأبيه آزر وقومه المشركين الضالين مستنكرا موبخا : أي شيء تعبدون.
﴿ أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ﴾ الاستفهام للتوبيخ ﴿ أَئِفْكًا ﴾ منصوب على أنه مفعول للفعل ﴿ تُرِيدُونَ ﴾ والإفك معناه أشد الكذب. والمراد به هنا : الأصنام المصطنعة المعبودة من دون الله. و ﴿ آلهة ﴾ بدل من ﴿ أَئِفْكًا ﴾ والمعنى : أكذبا آلهة معبودة من دون الله تريدون.
قوله :﴿ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ يحذر إبراهيم قومه بقوله لهم : فما ظنكم بالله إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره.
قوله :﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ( ٨٨ ) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ ذُكِر أن قوم إبراهيم كانوا أهل تنجيم فرأى نجما قد طلع فعصب رأسه وقال : إني مطعون ؛ أي مصاب بالطاعون، وكان قومه يهربون من الطاعون، فأراد أن يتركوه في بيت آلهتهم ويخرجوا عنه ليخالفوهم إليها فيكسِّرها. وذلك قوله :﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ( ٨٨ ) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾
﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ( ٨٨ ) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ السقيم : المطعون ؛ أي نظر إبراهيم إلى نجم طالع فقال : إن هذا النجم يطلع مع سقمي، فأوهمهم بذلك وأراد لنفسه عذرا مما اعتقدوه. قال سعيد بن جبير : أشار لهم إبراهيم إلى مرض يُسْقِمُ ويُعْدي، وهو الطاعون وكانوا يهربون من ذلك، ولهذا قال ﴿ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾
﴿ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾ أي فارِّين منه خوفا من العدوى
قوله تعالى :﴿ فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ( ٩١ ) مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ( ٩٢ ) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ( ٩٣ ) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ( ٩٤ ) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ( ٩٥ ) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ( ٩٦ ) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ( ٩٧ ) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾.
راغ يروغ روغا وروغانا، أي مال أو أقبل أي مال إبراهيم إلى آلهة القوم بعد خروجهم عنه ﴿ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ قال ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء فهو يعلم أن هذه الأصنام صماء لا تبصر ولا تسمع. وكذا قوله :﴿ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ﴾
﴿ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ﴾ والاستفهام للتهكم ؛ فقد خاطبهم خطاب من يعقل وهو يعلم أنها تماثيل فارغة لا تنطق. وقيل : إن المشركين تركوا عند أصنامهم طعامهم للتبرك بها وليأكلوه إذا رجعوا من عندهم.
قوله :﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴾ ﴿ ضربا ﴾ منصوب على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف ؛ أي فمال عليهم يكسِّرهم بفأس في يده. وخص الضرب باليمين ؛ لأنها أقوى. وقيل : اليمين بمعنى القوة والقدرة. وقيل : المراد باليمين هنا اليمين التي حلفها بقوله :﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ والمقصود أنه كسَّر أصنامهم بفأس في يده اليمنى تكسيرا حتى جعلها جُذاذا.
قوله :﴿ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴾ أي يسرعون في مشيتهم ؛ فقد أقبلوا عليه مسرعين وهم يُرعدونَ غضبا، لما حصل لآلهتهم المفتراة من تكسير وتحطيم
﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴾ من النحْت والنحاتة، وهي البراية. نحته أي براه. قال لهم إبراهيم مُوبّخا، مستهجنا : أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها بأيديكم
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ ما : بمعنى الذي، وهي في موضع نصب بالعطف على الكاف والميم في ﴿ خَلَقَكُمْ ﴾ أي والله خلقكم والذي تعملونه من الأصنام وهو الخشب والنحاس وغير ذلك. وقيل : ما مصدرية، أي خلقكم وعملكم.
قوله :﴿ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴾ لما خاطبهم إبراهيم زاجرا موبّخا مستهجنا وقد غلبهم بالحجة وعرفوا أنه كسَّر أصنامهم، لجئوا إلى البطش والانتقام معتمدين على كثرة جموعهم وقدرتهم على البطش وتلك حيلة المفلسين من الطغاة والعتاة والمتجبرين في كل زمان ؛ فإنهم إذا ما أعوزتهم الحجة والحكمة والبرهان لجوا معاندين فاجرين حمقى ليصدوا عن سبيل الله بالبطش والتنكيل.
لقد تشاور المشركون الظالمون في أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقالوا :﴿ ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا ﴾ وقد ذُكر أنهم بنوا له بنيانا يشبه التنور ثم نقلوا إليه الحطب وأوقدوا عليه ؛ فألقوه فيه. وهو قولهم :﴿ فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴾ و ﴿ الجحيم ﴾ اسم من أسماء النار، وكل نار عظيمة في مهواة فهي جحيم وذُكر أيضا أن إبراهيم لما صار في البنيان، ذي النار المتأججة قال : حسبي اللهُ ونعم الوكيل.
قوله :﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ الكيد : معناه المكر والاحتيال. والمعنى : أن الظالمين قد أرادوا بإبراهيم الكيد وهو مكرهم واحتيالهم وائتمارهم به ليهلكوه بإحراقه في النار. لكن الله عز وعلا، ظهير النبيين والمرسلين ونصير المؤمنين المستضعفين قد أذل القوم الظالمين وأخزاهم وجعلهم المقهورين الخاسرين ؛ وأظهر رسوله الكريم، خليله العظيم على القوم المجرمين.
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ( ٩٩ ) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ( ١٠٠ ) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ( ١٠١ ) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ( ١٠٢ ) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ( ١٠٣ ) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ( ١٠٤ ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٠٥ ) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ( ١٠٦ ) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ( ١٠٧ ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ( ١٠٨ ) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ( ١٠٩ ) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١١٠ ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ١١١ ) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ( ١١٢ ) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾.
لما نجّى الله إبراهيم من كيد قومه المشركين الذين أخزاهم الله وأفشل مكرهم وسوء قصدهم قال عليه الصلاة والسلام : إني مهاجر من بلدة قومي إلى الله، إلى الأرض المقدسة فمفارقهم ومعتزلهم لعبادة الله، أو إلى حيث أتمكن من عبادة الله. أو إني ذاهب الله بقلبي ونيتي وعملي.
قوله :﴿ سَيَهْدِينِ ﴾ أي إلى ما قصدته من الحق والصواب، أو سيجزيني الجزاء على نيتي وقصدي ويعينني على ذلك.
قوله :﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ سأل إبراهيم ربه أن يرزقه ولدا صالحا مطيعا لله، مصلحا في الأرض، ينشر في الناس عقيدة التوحيد.
قوله :﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ﴾ بشَّر الله نبيه إبراهيم بغلام ذي حلم إذا هو كبر. أما في طفولته فإنه لا يوصف بالحلم. وهذا الغلام الذي بُشِّر به إبراهيم عليه السلام لهو إسماعيل ؛ فهو أول ولد بُشّر به إبراهيم وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب. وكان مما ذكره أهل الكتاب أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده. وفي نسخة أخرى بكره. ثم أقحموا بعد ذلك اسم إسحاق على أنه الذبيح، افتراء على الله وجنوحا للتعصب والباطل وجريا خلف الهوى الجامح، ولقد أقحموا اسم إسحاق ؛ لأنه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك وحرّفوا وحيدك على أنه يعي الذي ليس عنده غيره ؛ فإن إسماعيل كان قد ذهب أبوه به وبأمه إلى مكة. لا جرم أن هذا تأويل سقيم، وتحريف ظالم وهو في غاية العوج والبطلان ؛ فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره. وذهب آخرون إلى أن الذبيح هو إسحق. وليس لهم في ذلك دليل ظاهر في كتاب ولا سنة. قال ابن كثير في هذا المعنى : وما أظن ذلك تُلُقِّي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأُخِذ ذلك قسما مُسلَّما من غير حجة.
والأولى بالصواب أن الذبيح هو إسماعيل. ويُحتج لذلك من الكتاب الحكيم بقوله سبحانه :﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيا، والله جل وعلا صادق الوعد، وكذلك قوله سبحانه :﴿ فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ أي يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عَقِبٌ ونسل فكيف يؤمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب.
وذُكِر عن ابن عباس قوله في هذه المسألة : المفدي إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحق وكذبت اليهود. وروى عنه كثيرون أنه قال : الذبيح إسماعيل.
قوله :﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ أي العمل. وقيل : المشي، والمراد : أنه بلغ مع أبيه المبلغ الذي يسعى معه في أمور دنياه معينا له على أعماله، أو أنه كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه.
قوله :﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ رأى إبراهيم في منامه أنه مأمور بذبح ولده إسماعيل ؛ وذلكم ضرب من ضروب الوحي فقد كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى إيقاظا ورقودا ؛ فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم وإن كانت تنام أعينهم. قال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي، واستدل بهذه الآية. وقد أعلم إبراهيم ابنه إسماعيل بذلك ؛ ليكون أهون عليه وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله تعالى. فبادر الولد الكريم المبرور، للإجابة بالطاعة دون تردد أو تلعثم وهو قوله :﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ أي امض لما أمرك الله من ذبحي ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ أي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله جل وعلا. كذلك كان جواب إسماعيل. هذا التقي الزكي المختار، الذي فاق ببالغ عزمه وعظيم إرادته وروعة طبعه المفضال كل آفاق الذهن والخيال فكان مثالا لا يبلغه إلا الرفّافون الأبرار من النبيين الأخيار والصِّدِّيقين الأطهار وحَسْب. صلى الله على إسماعيل وأبيه وسائر النبيين والمرسلين صلاة وسلاما إلى يوم البعث والدين.
قوله :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ جواب لما محذوف، وتقديره : فلما أسلما رُحِما وسعدا و ﴿ أسلما ﴾ أي انقادا واستسلما، أو سلما لله الأمر ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه. قال ابن عباس وآخرون : يعني أكبه على وجهه ليذبحه، وحينئذ نودي ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ ( ١٠٤ ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٣:قوله :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ جواب لما محذوف، وتقديره : فلما أسلما رُحِما وسعدا و ﴿ أسلما ﴾ أي انقادا واستسلما، أو سلما لله الأمر ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه. قال ابن عباس وآخرون : يعني أكبه على وجهه ليذبحه، وحينئذ نودي ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ ( ١٠٤ ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾.
﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ ( ١٠٤ ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾ أي قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك إسماعيل للذبح وعزمك على ذلك. وذكر أن إبراهيم قد أمرَّ السكين على رقبة ولده فلم تقطع شيئا بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس، فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيضُ أقرَنَ أعْينَ.
﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ ( ١٠٤ ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾ أي قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك إسماعيل للذبح وعزمك على ذلك.
قوله :﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ أي كما جزيناك بطاعتك لنا يا إبراهيم كذلك نجزي من أحسن واستسلم لأمرنا وعمل بطاعتنا، فنصرف عنه كل المكاره والشدائد ونجعل له من أمرنا فرجا ومخرجا وننجيه من الشدائد والأهوال يوم القيامة.
قوله :﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ﴾ هذا الأمر لإبراهيم بذبح ولده لهو الاختبار الظاهر الشديد، والمحنة العسيرة العظمى. لا جرم أن هذا امتحان صعب ومريع، يعزُّ على الصناديد من المؤمنين أن يطيقوه أو يتجاوزوه إلا أن يكونوا من صفوة البشر الأخيار، كإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام. جعلنا الله من المنيبين الخاشعين الصابرين المخلصين.
قوله :﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ ﴿ وَفَدَيْنَاهُ ﴾ من الفدية وهي الجزاء ؛ أي جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيم فأنقذناه من الذبح. والذبح بكسر الذال، اسم المذبوح وجمعه ذبوح، والذبح بالفتح مصدر ذبح. قال القرطبي : أي عظيم القدر ولم يرد عظيم الجثة. وإنما عَظُم قدره ؛ لأنه فُدِيَ به الذبيح، أو لأنه متقبَّل.
قوله :﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴾ يعني أبقينا عليه الثناء الحسن في الأمم من بعده إلى يوم القيامة، فما من أمة أُنزل إليها كتاب من السماء إلا تُحِبهُ وتثني عليه خيرا ﴿ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
﴿ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ يعني : أمنةٌ من الله على إبراهيم أن لا يُذكر من بعده في الأرض إلا بالجميل من الذكر وحسن الثناء.
قوله :﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ أي كما جزينا إبراهيم على طاعته وعظيم امتثاله وإذعانه لنا، كذلك نجزي كل من أطاع الله واستسلم لأمره دون سواه.
قوله :﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ذلك إعلان من الله بأن إبراهيم من عباده الأخيار الذين أخلصوا دينهم لله كامل الإخلاص وأطاعوه تمام الطاعة.
قوله :﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ أنعم الله على خليله إبراهيم بولده إسحاق ؛ إذ جعله نبيا من الصالحين
﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ بارك الله على إبراهيم وعلى ولده إسحاق بالذكر الحسن وجميل الثناء. وقيل : بارك الله على إبراهيم بكثرة الذرية والولد، وعلى إسحاق ؛ إذ أخرج أنبياء بني إسرائيل من صلبه.
قوله :﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾ المراد بالمحسن : المؤمن المطيع لله. والظالم لنفسه المبين الذي استبدل الكفر بالإيمان فكان من الخاسرين. والمعنى : أن من ذرية إبراهيم وإسحاق مؤمنين ومجرمين. أما المؤمنون : فهم الذين آمنوا بالله وكتبه ورسله ولم يُفرّقوا بين أحد من رسله بل صدّقوا النبيين المرسلين أجمعين. وأما المجرمون : فهم الفاسقون عن أمر الله، المخالفون لشرعه، المشاقّون لمنهج الله ؛ فإنهم لا تنفعهم صلة النسب والقربى بالنبيين. فالمكذّبون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، المحادّون لشريعة الإسلام، الخائنون لعقيدة التوحيد وللمسلمين، أولئك لا يجديهم أنهم من نسْل إسحاق ويعقوب وداود وسليمان ؛ بل إنهم من الضالين الخاسرين الذين يصلون جهنم مذمومين مدحورين
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ( ١١٤ ) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( ١١٥ ) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ( ١١٦ ) وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ( ١١٧ ) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ( ١١٨ ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ ( ١١٩ ) سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ( ١٢٠ ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٢١ ) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
بعد أن ذكر الله امتنانه على إبراهيم بإنجاء ولده إسماعيل من الذبح وجعله نبيّا مباركا بعد تنجيته – ذكر ما تفضّل به على موسى وهارون ابني عمران ؛ إذ جعلهما نبيين كريمين ونجاهما وقومهما المؤمنين المستضعفين ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ وهو الغرق. أو هو ظلم فرعون وجنوده الذين استعبدوا بني إسرائيل وألحقوا بهم الهوان والإذلال.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٤:قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ( ١١٤ ) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( ١١٥ ) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ( ١١٦ ) وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ( ١١٧ ) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ( ١١٨ ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ ( ١١٩ ) سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ( ١٢٠ ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٢١ ) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
بعد أن ذكر الله امتنانه على إبراهيم بإنجاء ولده إسماعيل من الذبح وجعله نبيّا مباركا بعد تنجيته – ذكر ما تفضّل به على موسى وهارون ابني عمران ؛ إذ جعلهما نبيين كريمين ونجاهما وقومهما المؤمنين المستضعفين ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ وهو الغرق. أو هو ظلم فرعون وجنوده الذين استعبدوا بني إسرائيل وألحقوا بهم الهوان والإذلال.
قوله :﴿ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ أي نصر اللهُ موسى وهارون وقومهما المؤمنين الصابرين من بني إسرائيل على فرعون الخاسر المتجبِّر، وملئه الطغاة المفسدين بتغريقهم وإهلاكهم في البحر فكتب الله الغلبة بذلك للفئة المؤمنة الصابرة من قوم موسى وهارون.
قوله :﴿ وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ﴾ أي آتاهما الله التوراة وهي كتابه ﴿ الْمُسْتَبِينَ ﴾ أي الظاهر في هداه وأحكامه.
قوله :﴿ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي هدينا موسى وهارون الطريق القويم الذي لا عوج فيه ولا زيغ، وهو الإسلام الحنيف.
قوله :﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ ﴾ أبقينا عليهما حُسن الذكر، وجميل الثناء من بعدهما وذلك أن يقال ﴿ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
﴿ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
فإن سائر الأمم من أهل الديانات السماوية يثنون عليهما ويُسلّمون عليهما، تسليما
﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ أي هكذا نجزي أهل الإيمان والطاعة الذين أخلصوا لله دينهم.
قوله :﴿ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ إنهما نبيان كريمان ورسولان عظيمان من عباد الله المخلصين الأبرار.
﴿ إِلْيَاسَ ﴾ نبي من بني إسرائيل، وهو من نَسل هارون بن عمران. وقيل : إلياس هو إدريس. والأول أولى بالصواب فقد بعثه الله في بني إسرائيل، يدعوهم إلى عقيدة التوحيد والانتهاء عن الشرك والباطل، وكانوا قد عبدوا صنما يقال له بعل.
﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ ألا تخشون الله وتحذرون عقابه فتبادرون بطاعته وعبادته وحده
﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ﴾ والمراد بالبعل ههنا الصنم ؛ أي كان لهم صنم يسمى بعلا. والمعنى : أتعبدون ربّا غير الله وتتركون عبادة ربكم الذي خلقكم وخلق كل شيء.
قوله :﴿ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ ﴿ اللَّهَ رَبَّكُمْ ﴾ كل منهما منصوب على البدل من قوله :﴿ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ﴾ والمعنى : أتتركون عبادة الله وهو أحق بالعبادة، فهو ربكم ورب آبائكم من قبلكم
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ أي كذب إلياس قومُه المشركون فهم بذلك مُحضرون للعذاب يوم القيامة
﴿ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ استثنى الله عباده المؤمنين من قوم إلياس ؛ إذ أنجاهم من العذاب الذي ينتكس به المجرمون المكذبون.
قوله :﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴾ يعني أبقينا عليهم الثناء الحسن فيذكرهم الناس ذكرا جميلا إلى يوم القيامة.
قوله :﴿ سَلامٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ ﴾ ﴿ سلام ﴾ مرفوع على أنه مبتدأ والجار والمجرور بعده خبر وياسين، وإلياسين وإلياس شيء واحد، وعليه وقع التسليم، والأمَنَة من الله.
قوله :﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٣١ ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ تقدم تفسيره.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣١:قوله :﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٣١ ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ تقدم تفسيره.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.
يبين الله للناس أن عبده لوطا نبي مرسل من ربه إلى قومه لهدايتهم وتقويم أحوالهم وأخلاقهم فقد كانوا قوما مجرمين يعملون الخبائث ويأتون في نواديهم المنكر. لكنهم تمردوا وطغوا طغيانا شنيعا بكفرهم وعصيانهم، وخِسَّتهم ؛ إذ تلبَّسوا بأقبح الفواحش وأشدها نكرا فأخذهم الله بالتدمير والإبادة والرجم بالحجارة، ونجّى الله منهم نبيهم لوطا وأهله الذين آمنوا معه جميعا
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٣:قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.
يبين الله للناس أن عبده لوطا نبي مرسل من ربه إلى قومه لهدايتهم وتقويم أحوالهم وأخلاقهم فقد كانوا قوما مجرمين يعملون الخبائث ويأتون في نواديهم المنكر. لكنهم تمردوا وطغوا طغيانا شنيعا بكفرهم وعصيانهم، وخِسَّتهم ؛ إذ تلبَّسوا بأقبح الفواحش وأشدها نكرا فأخذهم الله بالتدمير والإبادة والرجم بالحجارة، ونجّى الله منهم نبيهم لوطا وأهله الذين آمنوا معه جميعا
﴿ إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ﴾ أي في الباقين الهالكين ؛ فقد أهلك الله امرأة لوط بكفرها وخبث سريرتها وتمالئها على لوط مع القوم المجرمين.
قوله :﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ ﴾ أهلكنا قومه باستثناء لوط وأهله المؤمنين ؛ فقد أخذ الله هؤلاء الظالمين المجرمين بعذاب بئيس مُهين ؛ إذْ جعل فيهم عاليَ الأرض سافلها وأمطرهم من فوقهم بحجارة، زيادة في إبادتهم والتنكيل بهم، فقُطِّعوا ومُزِّقوا شر ممزَّق. وهذه بعض آثارهم من الأطلال الدوارس والبيوت الخاوية والقرى الخَرِبة المغمورة في بحيرة لوط، تشهد على ما نزل بهم من البلاء والتدمير.
قوله :﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ( ١٣٧ ) ﴾ أي تمرون على قرى قوم لوط المدمَّرة فترون آثارهم وأشلاءهم المبعثرة، وذلكم في أسفاركم من مكة إلى الشام.
﴿ و بالليل أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ في الصباح وفي المساء أفلا تتدبَّرون وتعتبرون مما حل بقوم لوط من الإبادة والتدمير، فتخشوا أن يصيبكم ما أصابهم ؟.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.
يخبر الله عن نبيه يونس ذي النون. وهو ابن متى بعثه الله إلى أهل نينوى من قرى الموصل على دجلة ومن داناهم فكذبوه على عادة الأمم مع الرسل. وقد أنذرهم بالعذاب فلما تأخر عنهم العذاب خرج عنهم مغاضبا وقصد البحر وركب السفينة فكان بذهابه إلى البحر من غير إذن ربه كالفارّ من مولاه فوصف بالإباق وهو قوله :﴿ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾
﴿ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ ﴿ أَبَقَ ﴾ يعني هرب، من الإباق، وهو الهرب أو الفرار. وقد قيل ليونس أبق، بسبب خروجه بغير أمر الله جل وعى مستترا من الناس ﴿ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ أي السفينة المملوءة بالأمتعة.
قوله :﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾ ﴿ فَسَاهَمَ ﴾ من السهام، أي قارع ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾ أي المغلوبين، أو المقروعين. وذلك أن السفينة قد تلعَّبت بها الأمواج من كل جانب حتى أشرف من فيها على الغرق فقارعوا فيما بينهم ليلقوا في البحر من تقع عليه القرعة كي تخف السفينة فوقعت القرعة على نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات، وهم يضنُّون به أن يُلقى من بينهم، فتجرد من ثيابه ليلقي نفسه في البحر،
وقد سخّر الله له الحوت فالتقمه. وهو قوله :﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ ( التقمه ) أي ابتلعه. و ﴿ مُليم ﴾ أي مكتسب اللوم. أو أتى ما يلام عليه، وقيل : مذنب.
قوله :﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ يعني لولا أن يونس كان من المصلين لله لبقي رهين الحبس في بطن الحوت حتى تقوم الساعة. وقيل : لولا ما تقدم له من صالح الأعمال في الرخاء، أي قبل ابتلائه بالحوت للبث في بطنه إلى يوم القيامة عقوبة له، فيكون بعض الحوت له قبرا إلى يوم البعث.
واللهُ جل جلاله يدفع الشدائد والنائبات عن عباده المؤمنين الذين سبقت لهم الطاعات والصالحات في أوقات الرخاء. فما يكون العبد المؤمن منيبا إلى ربه مطيعا لأمره في أحواله المعتادة من الراحة والأمن إلا كفّ الله عنه البلايا والمحن أو هونها عليه تهوينا. وفي حديث ابن عباس : " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٣:قوله :﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ يعني لولا أن يونس كان من المصلين لله لبقي رهين الحبس في بطن الحوت حتى تقوم الساعة. وقيل : لولا ما تقدم له من صالح الأعمال في الرخاء، أي قبل ابتلائه بالحوت للبث في بطنه إلى يوم القيامة عقوبة له، فيكون بعض الحوت له قبرا إلى يوم البعث.
واللهُ جل جلاله يدفع الشدائد والنائبات عن عباده المؤمنين الذين سبقت لهم الطاعات والصالحات في أوقات الرخاء. فما يكون العبد المؤمن منيبا إلى ربه مطيعا لأمره في أحواله المعتادة من الراحة والأمن إلا كفّ الله عنه البلايا والمحن أو هونها عليه تهوينا. وفي حديث ابن عباس :" تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ".
قوله :﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ : نبذناه : يعني ألقيناه. والعراء : الأرض التي لا نبات فيها ولا بناء، وهو قول ابن عباس، وقيل : قذفه بالصحراء، وقيل : قذفه الحوت بساحل قرية من الموصل ثم أنبت الله عليه يقطينة، وقيل : خرج به الحوت حتى لفظه في ساحل البحر فطرحه، ﴿ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ : من السقم وهو المرض، والمراد به هنا أنه ضعيف البدن، وقيل : كهيئة الصبي المنفوس أي حين يولد.
قوله :﴿ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ﴾ : واليقطين معناه شجرة القرع أو الدباء. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الدُّبّاء. وقيل : هو كل شيء ينبت على وجه الأرض ليس له ساق.
قوله :﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ :﴿ أوْ ﴾ للتخيير، أي إذا رآهم الرائي تخيَّر في أن يعدهم مائة ألف أو يزيدون. وقيل : بمعنى بل. وقيل : بمعنى الواو.
وقد ذكر أن رسالة يونس عليه الصلاة والسلام كانت بعد ما نبذه الحوت. والأولى بالصواب أن الذين أرسل إليهم يونس في أول الأمر قد أرسل إليهم ثانية بعد خروجه من بطن الحوت فآمنوا به كلهم وصدَّقوه وكانوا مائة ألف من الناس أو يزيدون على مائة ألف.
قوله :﴿ فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ : أي إلى وقت آجالهم أو منتهى آجالهم وهو الموت.
قوله تعالى :﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ﴾ : ذلك احتجاج على المشركين في قولهم : إن الملائكة بنات الله. وهو قول فاسد يكشف عن بالغ الحماقة والجهالة والسفه. وهم أنفسهم كانوا من الزاهدين في الإناث فكانوا يكرهون البنات ويستاءون بولادتهن ؛ فهم بذلك يودون لأنفسهم ما يحبون ويشتهون، ويجعلون لله ما يكرهون ؛ فأي قسمة ظالمة هذه وأي تفكير سقيم عجيب هذا ؟ ! لذلك أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل هؤلاء المشركين موبِّخا مستهجنا ما ظنوه وما قالوه ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ﴾ أي سلهم واستخبرهم مستنكرا عليهم ظلمهم وضلالهم ﴿ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ﴾ فقد كانوا يقولون : الملائكة بنات الله وكانوا يعبدونها، فكيف يجعلون لله البنات وهم يكرهونهن ويحتقرونهن، ويختارون لأنفسهم أرفع الجنسين وهم الذكور ؟ وهذه واحدة من الحماقات الغائرة في أعماق الضلال والتي انحدر فيها المشركون الظالمون.
قوله :﴿ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ : وهذا سؤال توبيخ ؛ أي كيف حكموا بأن الملائكة إناث وهم لم يحضروا خلْقهم ؟.
قوله :﴿ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ( ١٥١ ) وَلَدَ اللَّهُ ﴾ الإفك : أسوأ الكذب. فقد قالوا ظلما وزروا واجترؤوا على التَّقَوُّل بأشنع افتراء وكذب، إذ قالوا إنّ لِلّهِ ولدا. والله عز وعلا لا يلد ولا يولد. وهو سبحانه منزَّه عن هذه النقائص ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما قالوه وافتروه. وبذلك حُسِبَت على هؤلاء المشركين ثلاثة افتراءات على الملائكة، كل واحد منها يصمهم بالكفر الشنيع والخلود في النار. أما الأول : فهو أنهم جعلوا الملائكة بنات الله فجعلوا لله ولدا، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وأما الثاني : فهو أنهم جعلوا ذلك الولد أنثى. وأما الثالث : فهو أنهم عبدوهم من دون الله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥١:قوله :﴿ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ( ١٥١ ) وَلَدَ اللَّهُ ﴾ الإفك : أسوأ الكذب. فقد قالوا ظلما وزروا واجترؤوا على التَّقَوُّل بأشنع افتراء وكذب، إذ قالوا إنّ لِلّهِ ولدا. والله عز وعلا لا يلد ولا يولد. وهو سبحانه منزَّه عن هذه النقائص ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما قالوه وافتروه. وبذلك حُسِبَت على هؤلاء المشركين ثلاثة افتراءات على الملائكة، كل واحد منها يصمهم بالكفر الشنيع والخلود في النار. أما الأول : فهو أنهم جعلوا الملائكة بنات الله فجعلوا لله ولدا، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وأما الثاني : فهو أنهم جعلوا ذلك الولد أنثى. وأما الثالث : فهو أنهم عبدوهم من دون الله.
قوله :﴿ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ﴾ : الهمزة للاستفهام ؛ أي اختار الله البنات وترك البنين ؟ !
﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ أي : بئس حكمكم بأن الله اختار البنات وأن لكم البنين، وأنتم لا ترضون لأنفسكم البنات بل تكرهونهن وتهينونهن.
﴿ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ : أفلا تتدبرون ما تَتَقَوَّلونَهُ وتفترونه فتعلموا أنكم مبطلون فيما تزعمون ؟ !
قوله :﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ﴾ : يعني هل لكم حجة ظاهرة أو برهان واضح على صحة ما تزعمون وتفترون.
﴿ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ : يعني هاتوا برهانكم من كتاب أنزل إليكم من ربكم يشهد بصدق ما تقولون من أنَّ الله اصطفى البنات وجعل لكم البنين ؛ بل إن ذلك مَحضُ تخريص من تخريصكم وافتراء على الله بغير حق ولا دليل ولا حجة إلا السفه والحماقة.
قوله :﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ﴾ : قال المشركون : الجنة هي الملائكة والملائكة بنات الله، تقدس الله تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
قوله :﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ : أي علمت الجنة أن للذين قالوا ذلك لمحضرون في العذاب يوم القيامة بسبب كذبهم وافترائهم وقولهم الباطل.
ثم نزّه الله نفسه عما ينسبه إليه المجرمون. ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ : تقدس الله وتنزّه عما يقوله المشركون الضالون الذين ينسبون لله الولد واتخاذ الصاحبة، الله أعلى وأجلُّ مما يفتريه المبطلون السفهاء.
قوله :﴿ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ استثناء منقطع. والمعنى : لكن عباد الله المخلصين براء مما يقوله المشركون وينسبونه لله ظلما وكذبا.
قوله :﴿ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ : ما : بمعنى الذي. وقيل : مصدرية، أي فإنكم أيها المشركون وعبادتكم لهذه الأصنام.
﴿ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ﴾ : يعني : ما أنتم وما تعبدون من الأصنام، أو ما أنتم وعبادتكم الأصنام بمضلّين أحدا من العباد.
﴿ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ﴾ :﴿ مَنْ ﴾ في موضع نصب بقوله :﴿ بِفَاتِنِينَ ﴾، يعني : إلا من سبق عليه القول بالضلال في علم الله. أو علم الله في الأزل أنه من أهل الجحيم.
قوله :﴿ وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ﴾ : ذلك إخبار من الله عن قيل الملائكة أنهم قالوا : وما منا معشر الملائكة إلا من له مقام معلوم في السماء. وقد قالوا ذلك تعظيما لله سبحانه، وإنكارا منهم لعبادة من عبدهم، وقد روي عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أم قائم " وعن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أَطَّت السماءُ وحُقَّ لها أنْ تئطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله. والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ". أخرجه الترمذي.
قوله :﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ﴾ يخبر الله عن قيل الملائكة الأطهار، وهو أنهم يقفون صفوفا في طاعة الله. وقيل : صفوفهم كصفوف أهل الدنيا في الأرض. وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المساجد فقال : " ألا تصفّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها ؟ " فقلنا : يا رسول الله، كيف تصفُّ الملائكة عند ربها ؟ قال " يتمون الصفوف الأُولَ، ويتراصّون في الصف ".
قوله :﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾ : أي المصلون، أو الذين ينزِّهون الله عما وصفه به المشركون ؛ فهم بذلك يخبرون أنهم عاكفون على عبادة الله صلاة وتسبيحا وأنهم ليسوا معبودين ولا بنات الله.
قوله :﴿ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ( ١٦٧ ) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ( ١٦٨ ) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ إنْ : مخففة من الثقيلة. والتقدير : وإنهم كانوا ليقولون. ودخلت اللام فارقة بين إنْ المخففة من الثقيلة وذلك إخبار من الله عن قيل المشركين ؛ إذ كانوا يقولون – إذا عُيِّروا بالجهالة والسفه قبل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان عندنا نبي يأتينا بكتاب من عند الله ويذكّرنا بأمره وما كان من أمر القرون الأولى لاتبعناه وأخلصنا لله العبادة ؛ فها قد جاءهم رسول من عند الله يذكّرهم بدين الله وشرعه ومنهاجه وينذرهم لقاءه يوم الحساب، لكنهم كفروا وأعرضوا وهو قوله :﴿ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ وذلك وعيد وتهديد من الله لهؤلاء المكذبين الناكلين عن الحق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦٧:قوله :﴿ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ( ١٦٧ ) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ( ١٦٨ ) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ إنْ : مخففة من الثقيلة. والتقدير : وإنهم كانوا ليقولون. ودخلت اللام فارقة بين إنْ المخففة من الثقيلة وذلك إخبار من الله عن قيل المشركين ؛ إذ كانوا يقولون – إذا عُيِّروا بالجهالة والسفه قبل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان عندنا نبي يأتينا بكتاب من عند الله ويذكّرنا بأمره وما كان من أمر القرون الأولى لاتبعناه وأخلصنا لله العبادة ؛ فها قد جاءهم رسول من عند الله يذكّرهم بدين الله وشرعه ومنهاجه وينذرهم لقاءه يوم الحساب، لكنهم كفروا وأعرضوا وهو قوله :﴿ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ وذلك وعيد وتهديد من الله لهؤلاء المكذبين الناكلين عن الحق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦٧:قوله :﴿ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ( ١٦٧ ) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ( ١٦٨ ) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ إنْ : مخففة من الثقيلة. والتقدير : وإنهم كانوا ليقولون. ودخلت اللام فارقة بين إنْ المخففة من الثقيلة وذلك إخبار من الله عن قيل المشركين ؛ إذ كانوا يقولون – إذا عُيِّروا بالجهالة والسفه قبل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان عندنا نبي يأتينا بكتاب من عند الله ويذكّرنا بأمره وما كان من أمر القرون الأولى لاتبعناه وأخلصنا لله العبادة ؛ فها قد جاءهم رسول من عند الله يذكّرهم بدين الله وشرعه ومنهاجه وينذرهم لقاءه يوم الحساب، لكنهم كفروا وأعرضوا وهو قوله :﴿ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ وذلك وعيد وتهديد من الله لهؤلاء المكذبين الناكلين عن الحق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦٧:قوله :﴿ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ( ١٦٧ ) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ( ١٦٨ ) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ إنْ : مخففة من الثقيلة. والتقدير : وإنهم كانوا ليقولون. ودخلت اللام فارقة بين إنْ المخففة من الثقيلة وذلك إخبار من الله عن قيل المشركين ؛ إذ كانوا يقولون – إذا عُيِّروا بالجهالة والسفه قبل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان عندنا نبي يأتينا بكتاب من عند الله ويذكّرنا بأمره وما كان من أمر القرون الأولى لاتبعناه وأخلصنا لله العبادة ؛ فها قد جاءهم رسول من عند الله يذكّرهم بدين الله وشرعه ومنهاجه وينذرهم لقاءه يوم الحساب، لكنهم كفروا وأعرضوا وهو قوله :﴿ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ وذلك وعيد وتهديد من الله لهؤلاء المكذبين الناكلين عن الحق.
ذلك وعد من الله لأنبيائه المرسلين والذين آمنوا بدعوتهم وناصروهم واتبعوا النور الذي أنزل إليهم – بالنصر والتأييد وأن تكون لهم الغلبة والعزة والظفر. ذلك أنهم على الحق المبين المنزل من عند الله، والله – عزّ وعلا – خير ظهير ومعوان لعباده المؤمنين الصابرين. وهو قوله :﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ( ١٧١ ) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ﴾.
﴿ لهم ﴾ فصل بين اسم أن وهو " هم " وخبرها وهو ﴿ الْمَنْصُورُونَ ﴾ وأُدخلت اللام على الفصل أي سبق من الله القضاء والحكم في أم الكتاب أن الغلبة والنصر لعباده المرسلين.
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ جند الله : حزبه من النبيين والمتقين السائرين على شرعه ومنهجه للعالمين فقد سبقت كلمة الله في الأزل أن هؤلاء المؤمنين المخلصين، لهم الغلبة والظهور على الكافرين الظالمين وهذه سنة الله في عباده أن جعل النصر والغلبة لجنده المتقين، وجعل الذلة والخزي والصَّغار على المجرمين الذين يُحادّون الله ورسله ويتصدون لدين الله ومنهجه وشرعه بالتكذيب والتشكيك والصَّدّ. ذلك وعد من الله لجنده المؤمنين الصادقين، السائرين على صراطه المستقيم، ولا ينافي ما يصيب المسلمين من هزائم ونكسات في كثير من الأحوال ؛ فسنة الله أن يبتلى المسلمون في أنفسهم وأموالهم وأوطانهم وكراماتهم في أحوال عصيبة مريرة. وما كان ذلك ليكون لولا تفريط المسلمين في دينهم، ونكولهم عن فريضة الجهاد وانشغالهم بزينة الحياة الدنيا.
وكيفما تكن الأمور والأحداث والابتلاءات فإن العاقبة لعباد الله المؤمنين المتقين الصابرين ؛ فهم الغالبون لا محالة، وهم الوارثون لنصر الله، لتكون لهم الهيمنة والغلبة في النهاية وتكون لهم العزة والاستعلاء ويكون الدين كله لله.
قوله :﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ : أي أعرض عنهم إلى مدة معلومة وهي مدة الكف عن القتال. أو حتى نأمرك بالقتال. وقيل : إلى يوم بدر.
﴿ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ وذلك وعيد من الله للظالمين ؛ أي انظر يا محمد فسوف يرون ما يحلُّ بهم من العقاب والخزي وحينئذ لا ينفعهم إبصار ولا إنظار.
قوله :﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ : كانوا يستعجلون العذاب والعقوبة ويقولون : متى هذا الوعد. وذلك لفرط جحودهم وتكذيبهم
﴿ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ : يعني إذا نزل العذاب بدار هؤلاء الظالمين المكذبين، فبئس صباح القوم الذين أنذرهم رسول الله بطش ربهم وانتقامه. أو فساء الصباح صباحهم.
قوله :﴿ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ أي : أعرض عن هؤلاء المكذبين الضالين حتى يأذنَ الله بإهلاكهم سواء في الدنيا ؛ إذْ يبطش الله بهم بطشة الدنيا أو في الآخرة حين يبطش بهم بطشته الكبرى.
قوله :﴿ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ أي وانظر فسوف يرون ما يحل بهم من العقاب الأليم.
قوله تعالى :﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ : ينزه الله نفسه وهو رب العزة، أي ذو القوة والعظمة والسلطان ﴿ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ أي عما يصفه به المشركون الضالين من اتخاذ الولد والصاحبة.
قوله :﴿ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴾ يسلم الله على عباده المرسلين المبعوثين رحمة للعالمين. وقيل : سلام بمعنى أمَنة أو أمْن، لهم من الله عز وعلا يوم الفزع الأكبر فلا يصيبهم يومئذ مكروه ولا شدة.
قوله :﴿ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ الله المحمود في علاه، المستحق لكل الثناء وبالغ الشكران على ما مَنَّ به على الناس من جزيل النعم ومن بينها وأعظمها إرسال النبيين مبلّغين، مبشرين ومنذرين، لهداية الناس إلى الحق وإلى صراط الله المستقيم، وليستنقذوهم من ضلال الدنيا إلى حيث العدل والفضل والاستقامة، ومن أفْزاع الآخرة إلى السعادة والنجاة.