تفسير سورة المؤمنون

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
أهداف سورة المؤمنون
سورة ( المؤمنون ) مكية، وآياتها ١١٨ آية، نزلت بعد الأنبياء، وسميت سورة ( المؤمنون ) لافتتاحها بفلاح المؤمنين.
المؤمنون والإيمان :
تبدأ السورة بذكر صفات المؤمنين ثم يستطرد السياق فيها إلى دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق، ثم إلى حقيقة الإيمان كما عرضها رسل الله – صلوات الله عليهم – من لدن نوح – عليه السلام – إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الرسل والنبيين، وشبهات المكذبين حول هذه الحقيقة واعتراضاتهم عليها ؛ ووقوفهم في وجهها ؛ حتى يستنصر الرسل ربهم، فيهلك المكذبين وينجي المؤمنين... ثم يستطرد إلى اختلاف الناس بعد الرسل في تلك الحقيقة الواحدة التي لا تتعدد... ومن هنا يتحدث عن موقف المشركين من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويستنكر هذا الموقف الذي ليس له مبرر وتنتهي السورة بمشهد من مشاهد القيامة يلقون فيه عاقبة التكذيب، ويؤنبون على ذلك الموقف المريب، وتختم السورة بتعقيب يقرر التوحيد المطلق والتوجه إلى الله بطلب الرحمة والغفران... فهي سورة ( المؤمنون ) أو هي سورة الإيمان بكل قضاياه ودلائله وصفاته وهو موضوع السورة ومحورها الأصيل.
الأقسام الرئيسية في السورة :
يمضي سياق سورة ( المؤمنون ) في أربعة أقسام رئيسية تتناول تاريخ الدعوة وحاضرها وتسوق الأدلة الحسية والنفسية على الإيمان بالله.
القسم الأول :
يبدأ القسم الأول بتقرير الفلاح للمؤمنين :
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.
ويبين صفات المؤمنين هؤلاء الذين كتب لهم الفلاح، وثني بدلائل الإيمان في الأنفس والآفاق فيعرض أطوار الحياة الإنسانية منذ نشأتها الأولى إلى نهايتها في الحياة الدنيا، متوسعا في عرض أطوار الجنين، مجملا في عرض المراحل الأخرى... ثم يتابع خط الحياة البشرية إلى البعث يوم القيامة، وبعد ذلك ينتقل من الحياة الإنسانية إلى الدلائل الكونية : في إنزال الماء، وفي إنبات الزرع والثمار، ثم إلى الأنعام المسخرة للإنسان، والفلك التي يحمل عليها، وعلى الحيوان.
ويستغرق هذا القسم من أول السورة إلى الآية ٢٢.
القسم الثاني :
يشير القسم الثاني إلى قصة نوح – عليه السلام – وهلاك الكافرين، ثم يتبع ذلك ببيان سنة الله في إرسال الرسل لهداية الناس، وإبلاغهم كلمة الحق والإيمان، ودعوتهم إلى الله، فيقول نوح لقومه : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ... ( المؤمنون : ٢٣ ).
ويقول هذه الحقيقة كل نبي ورسول : يقولها موسى، ويقولها عيسى، ويقولها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويكون اعتراض المكذبين دائما : مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ... ( المؤمنون : ٣٣ ).
ويقدم الكفار عددا من الحجج والأدلة على تكذيبهم، فيلجأ الرسل إلى ربهم يطلبون نصره ؛ فيستجيب سبحانه وينجي المؤمنين ويهلك الكافرين.
قال تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ. ( المؤمنون : ٤٤ ).
وينتهي هذا القسم ببيان وحدة الرسالات ووحدة الأمم المؤمنة، فالرب واحد، والإيمان واحد بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. ( المؤمنون : ٥١، ٥٢ ).
ويستغرق هذا القسم الآيات من ٢٣ – ٥٢.
القسم الثالث :
يتحدث القسم الثالث عن تفرق الناس بعد وصول الرسل إليهم، وتنازعهم حول تلك الحقيقة الواحدة التي جاء بها الرسل : فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. ( المؤمنون : ٥٣ ).
ثم يتحدث عن غفلتهم عن ابتلاء الله لهم بالنعمة، واغترارهم بما هم فيه من متاع، بينما المؤمنون مشفقون من خشية ربهم يعبدونه ولا يشركون به، ويخشون غضبه ويرجون رحمته، وهنا يرسم مشهدا لأولئك الغافلين المغرورين يوم يأخذهم العذاب فإذا بهم يجأرون، فيأخذهم التوبيخ والتأنيب :
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ. ( المؤمنون : ٦٦، ٦٧ )
ويستنكر السياق موقفهم العجيب من رسولهم الأمين، وهم يعرفونه ولا ينكرونه، وقد جاءهم بالحق لا يسألهم عليه أجرا، فماذا ينكرون منه ومن الحق الذي جاءهم به ؟ وهم يسلمون بملكية الله لمن في السماوات والأرض، وربوبيته للسماوات والأرض، وسيطرته على كل شيء في السماوات والأرض، وبعد هذا التسليم هم ينكرون البعث ويزعمون لله ولدا سبحانه ! ويشركون به آلهة أخرى : عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. ( المؤمنون : ٩٢ ).
ويستغرق هذا القسم الآيات من ٥٣ – ٩٢.
القسم الرابع :
في القسم الرابع والأخير حث للرسول أن يدعهم وشركهم وزعمهم، وأن يدفع السيئة بالتي هي أحسن وأن يستعيذ بالله من الشياطين فلا يغضب ولا يضيق صدره بما يقولون.. ثم يرسم السياق مشهدا من مشاهد القيامة يصور ما ينتظرهم هناك من عذاب ومهانة وتأنيب. ويختم السورة بتنزيه الله سبحانه : فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. ( المؤمنون : ١١٦ ).
وينفي الفلاح عن الكافرين، ليناسب ابتداءها بإثباته للمؤمنين، وفي آخر آية أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتوجه إلى الله بطلب المغفرة والرحمة : وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. ( المؤمنون : ١١٨ ).
ويستغرق هذا القسم الآيات من ٩٣ – ١١٨.
مظاهر عامة للسورة
جو السورة كلها جو البيان والتقرير، وجو الجدل الهادئ، والمنطق الوجداني واللمسات الموحية للفكر والضمير، والروح السارية في السورة هي روح الإيمان ففي مطلعها مشهد الخشوع في الصلاة، وفي وسطها مدح للإيمان والإحسان : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. ( المؤمنون : ٦٠ ).
وفي اللمسات الوجدانية تجد قوله سبحانه : وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ. ( لمؤمنون : ٧٨ ).
وكلها مظللة بذلك الظل الإيماني اللطيفi.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( ١ ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( ٢ ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( ٣ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( ٤ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( ٥ ) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( ٦ ) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ( ٧ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( ٨ ) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( ٩ ) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( ١٠ ) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١١ ) ﴾
التفسير :
١، ٢ - قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ.
الفلاح : الظفر بالمراد، والإفلاح. الدخول في الفلاح، كالإبشار الدخول في البشارة.
خاشعون : خاضعون متذللون.
هذه سورة ( المؤمنون )، وقد بدأت السورة بذكر صفات المؤمنين ؛ وهي :
١. الخشوع في الصلاة.
٢. البعد عن اللغو.
٣. إيتاء الزكاة.
٤. البعد عن الزنا واللواط والانحراف.
٥. أداء الأمانة.
٦. الوفاء بالعهد.
٧. المحافظة على الصلاة.
وجزاؤهم هو الفردوس الأعلى في الجنة، وهي منزل سامية تستحق كل تضحية، فلنتأمل الصفات التي استحقوا بها هذه المنزلة.
الخشوع في الصلاة :
خشوع الصلاة روحها وحقيقتها، ويقصد به حضور القلب، والتأمل في تلاوة القرآن، وفي أداء الأركان، واليقظة والتفهم لما يؤديه المسلم، وهو واقف أمام الله تعالى.
جاء في تفسير ابن كثير :
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها ؛ وحينئذ تكون راحة له، وقرة عين.
روى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ) ثم قرأ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. حتى ختم العشرii.
وقال النسائي في تفسيره، عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة أم المؤمنين : كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقرأت : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. – حتى انتهت إلى وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. قالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمiii.
إن الفلاح والنجاح والسعادة الحقة في التزام المؤمن بأمر الله، وتركيز ذهنه في الصلاة، ومراقبة مولاه ؛ وهو قائم بين يديه ؛ فيتذكر عظمة الله وفضله، ونعمه عند قراءة الفاتحة، ويؤدي الركوع في خضوع، وكذلك يشكر الله ويحمده عند الرفع من الركوع، ويقيم صلبه في الصلاة حتى يعود كل فقار إلى موضعه، ثم يسجد على سبعة أعظم، وهي : الجبهة، واليدين، والركبتين، والرجلين، ويكون سعيدا بمناجاة الله ومناداته وعبادته، وإذا سها أو انشغل في الصلاة، عاد واسترد الخشوع والاستقرار ؛ ومما يساعد على الخشوع، نظر المصلي إلى موضع سجوده قائما، وإلى قدميه راكعا، وإلى حجره جالسا، وإلى أرنبة أنفه ساجدا، ويحاول استحضار عظمة الله ومناجاته.
أخرج الإمام أحمد، والنسائي، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( حبب إلي الطيب، والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة )iv.
وقال أبو الدرداء : الخشوع هو : إخلاص المقال، وإعظام المقام، واليقين التام، وجمع الاهتمام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة معنى الآيات
١. المؤمنون هم عباد الله المتقون، لهم في الدنيا الفلاح والرشاد والسيادة، وفي الآخرة الجنة.
٢. إنهم خاشعون في صلاتهم، بحضور القلب، والتبتل إلى الله وحصر الذهن، والتأمل في كلماتهم وعبادتهم وحسن مناجاتهم لربهم.
٣. وهم في معية ربهم، فلا يتكلمون الفحش، ولا ينطقون السب أو الشتم أو السوء، لقد عاشوا جادين صالحين، عن اللغو معرضين، وإذا مروا باللغو مروا كراما... ( الفرقان : ٧٢ ).
٤. وهم يؤدون زكاة أموالهم حسبة لله، ورغبة في تزكية أنفسهم، وتطهيرها من الشح والبخل.
٥، ٦ – وهم محافظون عل العفة والاستقامة، لا يكشفون سوءاتهم إلا لأزواجهم أو جواريهم.
٧. من طلب قضاء شهوة في غير زوجة له أو جارية يملكها ؛ فهو معتد جائر، مخالف للحق، هاتك للأعراض، ( ومن زنى يزنى به ولو بجداره ).
٨. والمؤمنون محافظون على الأمانة، وأداء حقوق الناس، والوفاء بالعهد، والقيام بما يجب عليهم نحو خالقهم، ونحو عباد الله.
٩. وهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها، ويؤدونها كاملة الأركان والشروط، في تبتل وإنابة وطاعة لله.
١٠، ١١ – هؤلاء المؤمنون أهل لميراث الجنة، والنزول في الفردوس الأعلى، والخلود الأبدي السرمدي، في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية.

٣ - وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ.
اللغو : هجر القول وقبيحه.
لقد استفادوا من خشوع الصلاة، وحسن سمتهم، وإخلاصهم لربهم، وتجردهم في مقابلة الله، والانشغال به عن كل ما سواه. استفادوا من ذلك، الجد والعمل والاستقامة، والإعراض عن اللغو، والسب والشتم وكل ما يعيب.
إن المؤمن على ثغرة من ثغور الإسلام ؛ فهو ذاكر لله تعالى، أو قارئ للقرآن، أو دارس للسنة المطهرة، أو متفقه في شئون الدين، أو متدارس مع إخوانه عوامل نفع المؤمنين وجمع كلمتهم، ودفع العدوان عليهم، وللمؤمن من إيمانه بالله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه ؛ ما يعصمه عن اللغو، وهو كل كلام ساقط حقه أن يلغى، كالكذب والهزل والسب، وعن كل ما لا فائدة فيه، ومن الأسف أن يضيع وقت المسلمين في لعب النرد، والجلوس على المقاهي، وارتياد الملاهي، والانشغال بالسفاسف، وترك الجد والعمل والتقدم والنشاط والانشغال بالعلوم والفنون.
حتى أصبحت جماهير المسلمين تصنف ضمن العالم الثالث، ولا سبيل إلى التقدم، إلا بالعمل والأمل، والجد وإعداد العدة والقوة.
قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. ( الكهف : ٣٠ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة معنى الآيات
١. المؤمنون هم عباد الله المتقون، لهم في الدنيا الفلاح والرشاد والسيادة، وفي الآخرة الجنة.
٢. إنهم خاشعون في صلاتهم، بحضور القلب، والتبتل إلى الله وحصر الذهن، والتأمل في كلماتهم وعبادتهم وحسن مناجاتهم لربهم.
٣. وهم في معية ربهم، فلا يتكلمون الفحش، ولا ينطقون السب أو الشتم أو السوء، لقد عاشوا جادين صالحين، عن اللغو معرضين، وإذا مروا باللغو مروا كراما... ( الفرقان : ٧٢ ).
٤. وهم يؤدون زكاة أموالهم حسبة لله، ورغبة في تزكية أنفسهم، وتطهيرها من الشح والبخل.
٥، ٦ – وهم محافظون عل العفة والاستقامة، لا يكشفون سوءاتهم إلا لأزواجهم أو جواريهم.
٧. من طلب قضاء شهوة في غير زوجة له أو جارية يملكها ؛ فهو معتد جائر، مخالف للحق، هاتك للأعراض، ( ومن زنى يزنى به ولو بجداره ).
٨. والمؤمنون محافظون على الأمانة، وأداء حقوق الناس، والوفاء بالعهد، والقيام بما يجب عليهم نحو خالقهم، ونحو عباد الله.
٩. وهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها، ويؤدونها كاملة الأركان والشروط، في تبتل وإنابة وطاعة لله.
١٠، ١١ – هؤلاء المؤمنون أهل لميراث الجنة، والنزول في الفردوس الأعلى، والخلود الأبدي السرمدي، في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية.

٤ - وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ.
الزكاة : تزكية النفس وطهارتها بفعل العبادة المالية.
من صفات المؤمنين إخراج الزكاة، وهي لغة : النماء والزيادة، وشرعا : تمليك مال مخصوص، لشخص مخصوص، وهي في معناها البسيط : معونة الفقير بجزء من المال، وهي فريضة محكمة، ثبتت فريضتها بالكتاب والسنة والإجماع، وقد حث الدين على أدائها، وتوعد تارك الزكاة بعذاب السعير، كما تكرر الأمر بها في القرآن الكريم، وقرنت بالصلاة في اثنتين وثمانين آية.
قال تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. ( البقرة : ١١٠ ).
والزكاة طريق للتكافل الاجتماعي، والتراحم والتعاون بين الأغنياء والفقراء، والمؤمن يؤدي زكاة ماله، ويتطوع بالصدقات ؛ تفاديا للشح والبخل ونفورا من طاعة الشيطان، الذي يحث على الإمساك والبخل.
قال تعالى : الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ( البقرة : ٢٦٨ ).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :( بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا )v.
أنواع الزكاة :
الأنواع التي تجب فيها الزكاة شرعا خمسة :
١. الذهب والفضة، ويلحق بها النقود والأوراق المالية بأنواعها، وأسهم الشركات ؛ فتجب فيها الزكاة على أساس قيمتها.
٢. البضائع التجارية.
٣. المحصولات الزراعية وثمار الأشجار والكروم.
٤. الحيوانات السائمة وغير السائمة من الإبل والبقر والغنم.
٥. المعادن والكنوز والبترول.
ويشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة ما يأتي :
( أ‌ ) أن يكون مملوكا لصاحبه ملكا تاما.
( ب‌ ) أن يبلغ هذا المال النصاب.
( ت‌ ) أن تمضي سنة قمرية على هذا النصاب، وهو مملوك لصاحبه ملكا تاما.
أما زكاة الزروع والثمار فإنها تجب عند الحصاد.
قال تعالى : وآتوا حقه يوم حصاده... ( الأنعام : ١٤١ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة معنى الآيات
١. المؤمنون هم عباد الله المتقون، لهم في الدنيا الفلاح والرشاد والسيادة، وفي الآخرة الجنة.
٢. إنهم خاشعون في صلاتهم، بحضور القلب، والتبتل إلى الله وحصر الذهن، والتأمل في كلماتهم وعبادتهم وحسن مناجاتهم لربهم.
٣. وهم في معية ربهم، فلا يتكلمون الفحش، ولا ينطقون السب أو الشتم أو السوء، لقد عاشوا جادين صالحين، عن اللغو معرضين، وإذا مروا باللغو مروا كراما... ( الفرقان : ٧٢ ).
٤. وهم يؤدون زكاة أموالهم حسبة لله، ورغبة في تزكية أنفسهم، وتطهيرها من الشح والبخل.
٥، ٦ – وهم محافظون عل العفة والاستقامة، لا يكشفون سوءاتهم إلا لأزواجهم أو جواريهم.
٧. من طلب قضاء شهوة في غير زوجة له أو جارية يملكها ؛ فهو معتد جائر، مخالف للحق، هاتك للأعراض، ( ومن زنى يزنى به ولو بجداره ).
٨. والمؤمنون محافظون على الأمانة، وأداء حقوق الناس، والوفاء بالعهد، والقيام بما يجب عليهم نحو خالقهم، ونحو عباد الله.
٩. وهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها، ويؤدونها كاملة الأركان والشروط، في تبتل وإنابة وطاعة لله.
١٠، ١١ – هؤلاء المؤمنون أهل لميراث الجنة، والنزول في الفردوس الأعلى، والخلود الأبدي السرمدي، في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية.

٥، ٦، ٧ - وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ.
الفرج : سوءة الرجل والمرأة.
حافظون : متعففون عن الحرام.
وراء ذلك : غير ذلك.
العادون : المبالغون في العدوان ومجاوزة الحدود الشرعية.
ومن صفات المؤمنين العفة والاستقامة، والبعد عن الزنا واللواطة، وفي الحديث الشريف :( من يضمن ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة )vi.
فالمؤمن يحفظ فرجه عن الحرام، وكذلك المؤمنة، والتسامي بالغرائز، والبعد عن الشهوات ؛ أمر دعا إليه القرآن الكريم، وحث عليه الرسول الأمين، قال تعالى : وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ... ( النور : ٣٣ ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( ما ظهرت الفاحشة في قوم يتعامل بها علانية : إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن فيمن قبلهم )vii.
وقال عليه الصلاة والسلام :( يا معشر الناس، اتقوا الزنا، فإن فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، أما التي في الدنيا : فيورث الفقر، ويذهب البهاء، وينقص العمر، وأما التي في الآخرة : فسخط الله، وسوء الحساب، وعذاب النار ).
وقد أحل الله الزواج وحث عليه، قال تعالى : وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. ( النور : ٣٢ ).
وحرم الله الزنا ونهى عنه، قال تعالى : وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً. ( الإسراء : ٣٢ ).
وقال تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ. ( النور : ٢ ).
والآيات ٥ – ٧ من سورة ( المؤمنون ) ترسم طريقا للعفة والاستقامة، والمتعة الحلال ؛ فالمؤمنون يحفظون فروجهم، وهو كناية عن ستر الفرج وعدم كشف العورة، وكناية عن البعد عن الزنا واللواطة وكل جماع محرم.
لكن يباح للمؤمن جماع زوجته، كما يباح للمؤمنة جماع زوجها، وهذا أمر معروف، وفي الأثر :( احفظ فرجك إلا عن زوجتك )viii.
وملك اليمين : هي الجارية التي تسبى في قتال بين المسلمين والمشركين، وكان الفرس والروم يعاملون المسلمين بمثل ذلك، وجاء الإسلام والرق نهر يجري، فضيق الإسلام منابعه، ووسع مصباته، حتى يجف ذلك النهر ؛ فحرم الاسترقاق للأحرار، وحرم خطف الأطفال، وحرم جميع أنواع الاسترقاق، إلا لأسرى الحرب، معاملة بالمثل، وحث الإسلام على عتق الرقاب، وتحرير الأرقاء، وجعل تحرير الأرقاء كفارة عن كثير من المخالفات.
قال تعالى : فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة. ( البلد : ١١ – ١٣ ).
وقال تعالى : لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ... ( المائدة : ٨٩ ).
وخلاصة معنى الآيات ما يأتي :
١. من صفات المؤمنين الاستقامة والعفة.
٢. يباح للمسلم الزواج وجماع زوجته الحلال.
٣. يباح للرجل الاستمتاع بالجارية التي يملكها، فإذا أنجبت منه صارت أم ولد، ولا يباح بيعها، وتعتق إذا مات مالكها.
٤. المجتمع الإسلامي مجتمع نظيف، ملتزم بما أحل الله، مبتعد عما حرم الله.
٥. من وقع في الزنا أو اللواط ؛ صار معتديا على أعراض الآخرين، مستحقا للعقوبة في الدنيا والعذاب في الآخرة.
٦. الاستمتاع بالإماء خاص بالرجال، فلا يباح للمرأة الاستمتاع بالبعد بالإجماع، لأنه مملوك لها، وليس مالكا فهي قوامة عليه، بخلاف استمتاع السيد بأمته، فإنه مالك لها وقوام عليها.
مختصر من تفسير القرطبي :
في الآيات ١ – ١١ من سورة ( المؤمنون ) تسع مسائل.
المسألة السابعة :
قوله تعالى : فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. فسمى من نكح ما لا يحل عاديا، وأوجب عليه الحد لعدوانه...
والإجماع منعقد على أن قوله تعالى : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. خص به الرجال دون النساء ؛ فقد روى معمر، عن قتادة قال : تسررت امرأة غلامها ix فذكر ذلك لعمر فسألها : ما حملك على ذلك ؟ قالت : كنت أراه يحل لي بملك يميني، كما يحل للرجل المرأة بملك اليمين، فاستشار عمر في رجمها، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا : تأولت كتاب الله على غير تأويله، فلا رجم عليها، فقال عمر : لا جرم، والله لا أحلك لحر بعدها أبدا. عاقبها بذلك، ودرأ الحد عنها، وأمر العبد ألا يقربها.
وعن أبي بكر بن عبد الله أنه سمع أباه يقول : أنا حضرت عمر بن عبد العزيز، حين جاءته امرأة بغلام لها وضئ، فقالت : إني استسررته : فمنعني بنو عمى من ذلك، وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها ؛ فانه عني بني عمي، فقال عمر : أتزوجت قبله ؟ قالت : نعم. فقال : أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة، ولكن اذهبوا به فبيعوه إلى من يخرج به إلى غير بلدها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة معنى الآيات
١. المؤمنون هم عباد الله المتقون، لهم في الدنيا الفلاح والرشاد والسيادة، وفي الآخرة الجنة.
٢. إنهم خاشعون في صلاتهم، بحضور القلب، والتبتل إلى الله وحصر الذهن، والتأمل في كلماتهم وعبادتهم وحسن مناجاتهم لربهم.
٣. وهم في معية ربهم، فلا يتكلمون الفحش، ولا ينطقون السب أو الشتم أو السوء، لقد عاشوا جادين صالحين، عن اللغو معرضين، وإذا مروا باللغو مروا كراما... ( الفرقان : ٧٢ ).
٤. وهم يؤدون زكاة أموالهم حسبة لله، ورغبة في تزكية أنفسهم، وتطهيرها من الشح والبخل.
٥، ٦ – وهم محافظون عل العفة والاستقامة، لا يكشفون سوءاتهم إلا لأزواجهم أو جواريهم.
٧. من طلب قضاء شهوة في غير زوجة له أو جارية يملكها ؛ فهو معتد جائر، مخالف للحق، هاتك للأعراض، ( ومن زنى يزنى به ولو بجداره ).
٨. والمؤمنون محافظون على الأمانة، وأداء حقوق الناس، والوفاء بالعهد، والقيام بما يجب عليهم نحو خالقهم، ونحو عباد الله.
٩. وهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها، ويؤدونها كاملة الأركان والشروط، في تبتل وإنابة وطاعة لله.
١٠، ١١ – هؤلاء المؤمنون أهل لميراث الجنة، والنزول في الفردوس الأعلى، والخلود الأبدي السرمدي، في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية.

٨ - وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ.
راعون : حافظون، وأصل الرعي : حفظ الحيوان وتغذيته، ثم استعمل في الحفظ مطلقا.
أي : من صفات المؤمنين أداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وهذا يشمل أداء الأمانة التي أمرهم بها الله، والتي ائتمنهم عليها الناس، والوفاء بالعهد : الصدق فيه والالتزام به، والأمة لا يرتفع قدرها، ولا يسمو شأنها، إلا إذا كان فيها أداء الأمانة، والوفاء بالعهد.
قال تعالى : إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ... ( النساء : ٥٨ ).
وقال عز شأنه : وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئولاً. ( الإسراء : ٣٤ ).
وإذا فشا في الأمة خيانة الأمانة وخلف العهد ؛ فذلك إيذان باضمحلال شأنها ؛ لأن هذه صفات المنافقين المخادعين.
قال صلى الله عليه وآله وسلم :( ثلاث من كن فيه كان منافقا : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) ( رواه البخاري ). وفي رواية :( وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر )x.
والخلاصة : إن المؤمنين يؤدون الأمانات ويحافظون عليها، وكذلك يحافظون على العهود ويلتزمون بها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة معنى الآيات
١. المؤمنون هم عباد الله المتقون، لهم في الدنيا الفلاح والرشاد والسيادة، وفي الآخرة الجنة.
٢. إنهم خاشعون في صلاتهم، بحضور القلب، والتبتل إلى الله وحصر الذهن، والتأمل في كلماتهم وعبادتهم وحسن مناجاتهم لربهم.
٣. وهم في معية ربهم، فلا يتكلمون الفحش، ولا ينطقون السب أو الشتم أو السوء، لقد عاشوا جادين صالحين، عن اللغو معرضين، وإذا مروا باللغو مروا كراما... ( الفرقان : ٧٢ ).
٤. وهم يؤدون زكاة أموالهم حسبة لله، ورغبة في تزكية أنفسهم، وتطهيرها من الشح والبخل.
٥، ٦ – وهم محافظون عل العفة والاستقامة، لا يكشفون سوءاتهم إلا لأزواجهم أو جواريهم.
٧. من طلب قضاء شهوة في غير زوجة له أو جارية يملكها ؛ فهو معتد جائر، مخالف للحق، هاتك للأعراض، ( ومن زنى يزنى به ولو بجداره ).
٨. والمؤمنون محافظون على الأمانة، وأداء حقوق الناس، والوفاء بالعهد، والقيام بما يجب عليهم نحو خالقهم، ونحو عباد الله.
٩. وهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها، ويؤدونها كاملة الأركان والشروط، في تبتل وإنابة وطاعة لله.
١٠، ١١ – هؤلاء المؤمنون أهل لميراث الجنة، والنزول في الفردوس الأعلى، والخلود الأبدي السرمدي، في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية.

٩ - وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ.
والذين يواظبون على الصلاة على أكمل وجه، في الأوقات التي رسمها الدين، وقد بدأ الله صفات المؤمنين بالخشوع في الصلاة، وختمها بالمحافظة على الصلاة ؛ أي : الالتزام بأدائها في أوقاتها، مستكملة الأركان.
قال في التسهيل :
فإن قيل : كيف كرر ذكر الصلوات أولا وآخرا ؟ فالجواب : أنه ليس بتكرار، لأنه قد ذكر أولا الخشوع فيها، وذكر هنا المحافظة عليها فهما مختلفان، وكل ذلك يدل على أهمية الصلاة، فهي أول الأركان، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وهي آخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته، حيث كان آخر وصيته :( الصلاة الصلاة، واستوصوا بالنساء خيرا، واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم )xi.
وروى الشيخان، عن عبد الله بن مسعود أنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله ؟ قال :( الصلاة على وقتها )، قلت : ثم أي ؟ قال :( بر الوالدين )، قلت : ثم أي ؟ قال :( الجهاد في سبيل الله )xii.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة معنى الآيات
١. المؤمنون هم عباد الله المتقون، لهم في الدنيا الفلاح والرشاد والسيادة، وفي الآخرة الجنة.
٢. إنهم خاشعون في صلاتهم، بحضور القلب، والتبتل إلى الله وحصر الذهن، والتأمل في كلماتهم وعبادتهم وحسن مناجاتهم لربهم.
٣. وهم في معية ربهم، فلا يتكلمون الفحش، ولا ينطقون السب أو الشتم أو السوء، لقد عاشوا جادين صالحين، عن اللغو معرضين، وإذا مروا باللغو مروا كراما... ( الفرقان : ٧٢ ).
٤. وهم يؤدون زكاة أموالهم حسبة لله، ورغبة في تزكية أنفسهم، وتطهيرها من الشح والبخل.
٥، ٦ – وهم محافظون عل العفة والاستقامة، لا يكشفون سوءاتهم إلا لأزواجهم أو جواريهم.
٧. من طلب قضاء شهوة في غير زوجة له أو جارية يملكها ؛ فهو معتد جائر، مخالف للحق، هاتك للأعراض، ( ومن زنى يزنى به ولو بجداره ).
٨. والمؤمنون محافظون على الأمانة، وأداء حقوق الناس، والوفاء بالعهد، والقيام بما يجب عليهم نحو خالقهم، ونحو عباد الله.
٩. وهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها، ويؤدونها كاملة الأركان والشروط، في تبتل وإنابة وطاعة لله.
١٠، ١١ – هؤلاء المؤمنون أهل لميراث الجنة، والنزول في الفردوس الأعلى، والخلود الأبدي السرمدي، في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية.

١٠ - أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ.
أي : هؤلاء المتصفون بالصفات السابقة، أهل لميراث الجنة كأنها حق لهم، كما يحق للابن مثلا أن يرث والده، فشبه استحقاقهم للجنة بالميراث، فالجزاء الحق من جنس العمل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة معنى الآيات
١. المؤمنون هم عباد الله المتقون، لهم في الدنيا الفلاح والرشاد والسيادة، وفي الآخرة الجنة.
٢. إنهم خاشعون في صلاتهم، بحضور القلب، والتبتل إلى الله وحصر الذهن، والتأمل في كلماتهم وعبادتهم وحسن مناجاتهم لربهم.
٣. وهم في معية ربهم، فلا يتكلمون الفحش، ولا ينطقون السب أو الشتم أو السوء، لقد عاشوا جادين صالحين، عن اللغو معرضين، وإذا مروا باللغو مروا كراما... ( الفرقان : ٧٢ ).
٤. وهم يؤدون زكاة أموالهم حسبة لله، ورغبة في تزكية أنفسهم، وتطهيرها من الشح والبخل.
٥، ٦ – وهم محافظون عل العفة والاستقامة، لا يكشفون سوءاتهم إلا لأزواجهم أو جواريهم.
٧. من طلب قضاء شهوة في غير زوجة له أو جارية يملكها ؛ فهو معتد جائر، مخالف للحق، هاتك للأعراض، ( ومن زنى يزنى به ولو بجداره ).
٨. والمؤمنون محافظون على الأمانة، وأداء حقوق الناس، والوفاء بالعهد، والقيام بما يجب عليهم نحو خالقهم، ونحو عباد الله.
٩. وهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها، ويؤدونها كاملة الأركان والشروط، في تبتل وإنابة وطاعة لله.
١٠، ١١ – هؤلاء المؤمنون أهل لميراث الجنة، والنزول في الفردوس الأعلى، والخلود الأبدي السرمدي، في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية.

١١ - الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
الفردوس : أعل درجات الجنان في الآخرة.
الذين يرثون أعالي الجنة، ويرزقون الخلود فيها، خلودا سرمديا أبديا، كفاء ما زينوا به أنفسهم، من الأخلاق الفاضلة، والآداب العالية.
أخرج البخاري، ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن )xiii.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:خلاصة معنى الآيات
١. المؤمنون هم عباد الله المتقون، لهم في الدنيا الفلاح والرشاد والسيادة، وفي الآخرة الجنة.
٢. إنهم خاشعون في صلاتهم، بحضور القلب، والتبتل إلى الله وحصر الذهن، والتأمل في كلماتهم وعبادتهم وحسن مناجاتهم لربهم.
٣. وهم في معية ربهم، فلا يتكلمون الفحش، ولا ينطقون السب أو الشتم أو السوء، لقد عاشوا جادين صالحين، عن اللغو معرضين، وإذا مروا باللغو مروا كراما... ( الفرقان : ٧٢ ).
٤. وهم يؤدون زكاة أموالهم حسبة لله، ورغبة في تزكية أنفسهم، وتطهيرها من الشح والبخل.
٥، ٦ – وهم محافظون عل العفة والاستقامة، لا يكشفون سوءاتهم إلا لأزواجهم أو جواريهم.
٧. من طلب قضاء شهوة في غير زوجة له أو جارية يملكها ؛ فهو معتد جائر، مخالف للحق، هاتك للأعراض، ( ومن زنى يزنى به ولو بجداره ).
٨. والمؤمنون محافظون على الأمانة، وأداء حقوق الناس، والوفاء بالعهد، والقيام بما يجب عليهم نحو خالقهم، ونحو عباد الله.
٩. وهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها، ويؤدونها كاملة الأركان والشروط، في تبتل وإنابة وطاعة لله.
١٠، ١١ – هؤلاء المؤمنون أهل لميراث الجنة، والنزول في الفردوس الأعلى، والخلود الأبدي السرمدي، في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية.

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ( ١٢ ) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ( ١٣ ) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ( ١٤ ) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ( ١٥ ) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ( ١٦ ) ﴾.
التفسير :
١٢- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ.
السلالة : ما سل من الشيء واستخرج منه، وتارة تكون مقصودة كخلاصات الأشياء، كالزبد من اللبن، وتارة تكون غير مقصودة كقلامة الظفر، وكناسة البيت.
أي : خلقنا آدم عليه السلام وهو أصل الإنسان، خلقه الله من خلاصة سلت من طين، أو خلقنا جنس الإنسان من الطين، باعتبار أن النطفة التي خلقوا منها، خلاصة مستلة ومأخوذة من أغذية ناشئة من الطين.
والراجح أن المراد بالإنسان هنا آدم عليه السلام، لأنه استل من الطين وخلق منه، كما قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ. ( الروم : ٢٠ ).
١٣ - ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ.
ثم جعلناه : جعلنا نسله – نسل آدم – فحذف المضاف.
نطفة : منيا ؛ بأن خلقناه من النطفة وهي المني.
قرار مكين : مستقر حصين أو متمكن، يعني : الرحم.
ثم جعلنا نسله نطفة، من مني في أصلاب الذكور، ثم قذفت إلى أرحام الإناث، فصار في حرز مستقر متمكن حصين، ابتداء من الحمل إلى الولادة.
قال تعالى : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ. ( السجدة : ٧، ٨ ).
أي : من ماء ضعيف.
كما قال تعالى : ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم * فقدرنا فنعم القادرون. ( المرسلات : ٢٠- ٢٣ ).
القرار المكين
القرار المكين هو الرحم، ومن يدرس تشريح الرحم، وموضعه المكين الأمين في أسفل بطن المرأة ؛ ويرى ذلك الوعاء، ذا الجدار العريض السميك، ثم يرى هذه الأربطة العريضة والأربطة المستديرة، وهذه الأجزاء من البريتون، التي تشد إلى المثانة والمستقيم، وكلها تحفظ توازن الرحم وتشد أزره، وتحميه من الميل أو السقوط، وتطول معه إذا ارتفع عند تقدم الحمل، وتقصر إلى طولها الطبيعي تدريجيا بعد الولادة، وكذلك من يدرس تكوين الحوض وعظامه ؛ يعرف جليا صدق قوله تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ.
وكذلك في الرحم سائل أمينوس، داخل جيب المياه يعوم فيه الجنين بحرية، ويدفع عن الجنين ما قد تلاقيه الأم من صدمات وهزات عنيفة، قد تصل إليه فتؤذيه، إن لم يهدئ هذا السائل من قوتها ويضعف من شدتها، ثم هو يحتفظ للجنين بحرارة مناسبة، حيث إنه موصل ردئ للحرارة، وكذلك يقوم بعملية تحديد عنق الرحم، وتوسيعه وقت الولادة ( القرن ) كما يقوم بعملية التطهير أمام الجنين بما فيه من خواص مطهرة، فكل ذلك يزيد الرحم مكنة وأمنا )xiv.
وهكذا يظهر لنا مع تقدم العلم إعجاز هذا الكتاب، وصدقه، خصوصا أنه نزل على نبي أمي، في عصر لم تكتشف فيه هذه المعارف.
قال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ... ( فصلت : ٥٣ ).
١٤ - ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
العلقة : الدم الجامد.
المضغة : قطعة اللحم قدر ما يمضغ.
خلقا آخر : بنفخ الروح فيه.
تبارك الله : تعالى شأنه في قدرته وحكمته، وتقدس.
الخالقين : المقدرين تقديرا.
ثم حولنا النطفة البيضاء، إلى علقة حمراء، تعلق بجدار الرحم متشبثة به.
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً.
أي : جعلنا العلقة قطعة كالمضغة من اللحم، لا شكل فيها ولا تخطيط.
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا.
صيرنا قطعة اللحم عظاما صلبة ؛ لتكون عمودا للبدن.
قال ابن كثير :
شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين، بعظامها وعصبها وعروقها.
وفي الصحيح :( كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب ؛ منه خلق وفيه يركب )xv.
فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا.
أي : جعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه ؛ فأشبه الكسوة الساترة للجسم.
ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ.
أي : نفخنا فيه الروح، فدبت فيه الحياة، وتحول خلقا مباينا للخلق الأول.
قال الفخر الرازي :
حيث صار إنسانا وكان جمادا، وناطقا وكان أبكم، وسميعا وكان أصم، وبصيرا وكان أكمه، وأودع كل عضو من أعضائه عجائب فطره، وغرائب حكمه ؛ لا يحيط بها وصف الواصفين.
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
فتعالى الله أحسن الخالقين خلقا، وتقدس أعظم المقدرين المبدعين تقديرا وإبداعا وصنعا، حيث أنشأ هذا الجمال الإنساني من تراب ؛ ثم من نطفة ثم من علقة فمضغة.
١٥ - ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ.
ثم إنكم يا بني آدم بعد هذه النشأة العجيبة، والخلقة التي أبدعها الله بقدرته لابد صائرون إلى الموت، فهو حقيقة أزلية أبدية. كل نفس ذائقة الموت... ( آل عمران : ١٨٥ ).
١٦ - ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ.
أي : بعد الموت، يأتي البعث والحشر والحساب والجزاء، والجنة والنار، فالله تعالى أحياكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم، وهذه الحياة الأخيرة، للحساب والجزاء.
قال تعالى : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. ( البقرة : ٢٨ ).
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ( ١٧ ) ﴾.
التفسير :
١٧ - وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ.
سبع طرائق : سبع سماوات طباقا بعضها فوق بعض، والطرائق : جمع طريقة، سميت بذلك لأنه طورق بعضها فوق بعض، مطارقة النعل للنعل، وكل ما فوقه مثله فهو طريقة، أو لأنها طرق الملائكة، وقيل : المراد بالطرائق : الأفلاك، لأنها طرائق الكواكب، فيها سيرها. والأول أصح.
الخلق : المخلوقات التي منها السماوات السبع.
غافلين : مهملين أمرها، بل نحفظها من الزوال والاختلال ؛ وندبر أمرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال.
في الآيات السابقة حديث عن خلق الإنسان، ومروره بمراحل متعددة : نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظام ثم تكسى العظام لحما، ثم تنفخ فيه الروح، وتدب فيه الحياة فيصبح إنسانا فيه السمع والبصر، والبطش والعقل والحياة، وكثيرا ما يقرن القرآن بين خلق الإنسان وخلق السماوات والأرض.
قال تعالى : لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ... ( غافر : ٥٧ ).
ومعنى الآية : ولقد خلقنا فوقكم سبع سماوات متطابقة، كل سماء تشبه الأخرى، وهي أيضا طرق للملائكة، وطرق للكواكب.
وفي معنى الآية قوله تعالى : ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا. ( نوح : ١٥ ).
وقوله سبحانه : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما. ( الطلاق : ١٢ ).
وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ.
لقد خلقنا الإنسان، وخلقنا كل شيء بحكمة وقدر، ولم نخلق الخلق ثم نهمله أو ننساه كما ادعى بعض الفلاسفة، بل استمرت عنايتنا بالمخلوقات، واستمر حفظنا لها ؛ لكفالة بقائها واستمرارها، ونحن نعلم ما يحدث فيها من صغير أو كبير.
قال تعالى : وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ. ( الأنعام : ٥٩ ).
وقال تعالى : يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. ( الحديد : ٤ ).
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ( ١٨ ) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( ١٩ ) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ( ٢٠ ) ﴾.
تمهيد :
يمتن الله على عباده بنزول المطر، وإنبات البساتين والنخيل والأعناب، والفواكه والحبوب ؛ وسائر الزروع والثمار، كما يمتن عليهم بشجرة الزيتون في طور سيناء ؛ التي تنبت الزيت الذي يستخدم في الإنارة وفي الطعام.
التفسير :
١٨ - وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ.
السماء : السماء في اللغة : كل ما علاك ؛ والمراد بالسماء هنا : إما السحاب، فمنه ينزل المطر. وإما السماء المعروفة، والمقصود من إنزال المطر من السماء، إنزاله بسببها ؛ فإن المطر أصله أبخرة صاعدة من البحار، بسبب تسلط حرارة الشمس عليها، والشمس من السماء.
بقدر : بتقدير خاص، وهو مقدار كفايتهم.
فأسكناه في الأرض : جعلناه ثابتا قارا في الأرض.
الذهاب : الإزالة، بأن نحبس المطر عنكم، أو ننقله إلى جهات أخرى، أو نجعله يغور في الأرض، إلى أماكن بعيدة لا تقدرون على استنباطه منها.
أنزلنا من السحاب ماء بتقدير الإله الحكيم، ليس أكثر من اللازم ؛ فيتحول إلى سيول وطوفان يتلف ويغرق، وليس أقل من اللازم ؛ فينتشر التصحر، وتجدب الأرض، ولكن الله أنزل الماء بقدر حتى إن الأرضين التي تحتاج إلى ماء كثير لزرعها، ولا تحتمل تربتها إنزال المطر عليها، يساق إليها الماء من بلاد أخرى كما في أرض مصر، ويقال لمثلها :( الأرض الجرز ) فيساق إليها ماء النيل، من بلاد الحبشة مارا بالسودان، ويستفيد بهذا الماء الإنسان والحيوان والنبات.
فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ.
جعلنا الماء يستقر في الأرض، ويخزن فيها، ومن هذا الماء تنبع العيون والأنهار والآبار.
وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ.
لو شئنا أن نغوره في بعد سحيق لفعلنا، ولو شئنا أن نحوله إلى ملح أجاج لفعلنا، ولو شئنا أن نحمله إلى بلاد أخرى لفعلنا، ولو شئنا أن نمسك إنزاله من السماء لفعلنا ؛ فبقدرتنا ونعمتنا ننزل عليكم المطر ؛ لتستفيدوا به في الزراعة والشرب والطهارة والاغتسال، وبقدرتنا نحفظ جانبا منه في الأرض، لتستفيدوا به عند الحاجة.
ومن الواجب على العباد أن يتذكروا هذه النعمة، وأن يديموا شكر الله عليها، ويظهر وجه الإعجاز في هذه الآية عندما نلمح أن الحروب القادمة، ستكون بسبب التنازع على الماء، وأن أفضال الله على العباد لا حصر لها ولا عدد، وعندما نقارن بين النطفة وهي تستقر في مكان أمين، وهو الرحم الذي يحافظ عليها، وكذلك ماء السماء الذي يستقر في الأرض، ويستفاد به عند الحاجة، ويغذي العيون والآبار ؛ نلمح الإعجاز في كلمة : فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ. أي : مكناه في الأرض ؛ وجعلناها له قرارا ومهدا ؛ وسكنا وموئلا، كما جعلنا رحم الأم سكنا ومهدا، وموئلا للنطفة حتى يتم تخليقها بقدرة الله العلي القدير.
تمهيد :
يمتن الله على عباده بنزول المطر، وإنبات البساتين والنخيل والأعناب، والفواكه والحبوب ؛ وسائر الزروع والثمار، كما يمتن عليهم بشجرة الزيتون في طور سيناء ؛ التي تنبت الزيت الذي يستخدم في الإنارة وفي الطعام.
١٩ - فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ.
فأخرجنا لكم بما أنزلنا من السماء جنات، أي : بساتين وحدائق ذات بهجة ومنظر حسن، وفيها النخيل والأعناب، وهي أغلب فواكه العرب، ولكم في الجنات فواكه كثيرة متنوعة من جميع الثمار، عدا النخيل والأعناب، وتأكلون من ثمار الجنات وتنتفعون، وترزقون وتتعيشون ؛ بأن تبيعوا ما زاد عن حاجتكم، ومنه فلان يأكل من حرفته أي : يتعيش منها.
تمهيد :
يمتن الله على عباده بنزول المطر، وإنبات البساتين والنخيل والأعناب، والفواكه والحبوب ؛ وسائر الزروع والثمار، كما يمتن عليهم بشجرة الزيتون في طور سيناء ؛ التي تنبت الزيت الذي يستخدم في الإنارة وفي الطعام.
٢٠ - وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ.
الشجرة : شجرة الزيتون.
طور سيناء : هو جبل الطور الذي ناجى فيه موسى، ويسمى طور سينين.
وصبغ للآكلين : إدام يصبغ فيه الخبز ؛ أي : يغمس فيه، ويلون به، كالخل والزيت.
أي : وأنشأنا وأخرجنا لكم بالماء شجرة، هي شجرة الزيتون، تخرج من طور سيناء في هذا المكان المبارك ؛ حيث كلم الله موسى عليه السلام، هذه الشجرة تنبت وفيها خاصية إخراج ثمر يجمع بين نعمتين :
إحداهما : نعمة الدهن وهو الزيت، الذي تستعملونه في سراجكم وسائر أموركم التي تحتاج إليه.
وثانيتهما : أنه أدم ؛ تصبغون به الخبز وتغمسونه فيه عند الأكل ؛ فاشكروا الله المنعم والمتفضل بهذه النعم.
فائدة :
سيناء. بفتح السين والمد معناها : الحسن باللغة النبطية، أو معناها : الجبل المليء بالأشجار، وقيل : مأخوذ من السنا بمعنى الارتفاع، وخصت شجرة الزيتون بالذكر، لأنها من أكثر الأشجار فائدة بزيتها وطعامها وخشبها، وهي من أقل الأشجار تكلفة لزراعتها.
وجمهور العرب والقراء على فتح السين مع مد الهمزة، وقرئ بكسرها مع المد أيضا، وهي لغة بني كنانة، وفيه لغات وقراءات أخرى، كطور سينين.
﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( ٢١ ) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ( ٢٢ ) ﴾.
تمهيد :
تتابع الآيات ذكر نعم الله تعالى في خلق الحيوان، وانتفاع الإنسان بألبانه وبركوبه، والاستفادة بلحمه وأوباره وشعره وصوفه، وتسخيره ليكون سفينة متنقلة في البر، كما أن الفلك تجري في البحر حتى قالوا : الجمل سفينة الصحراء.
التفسير :
٢١ - وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ.
العبرة هي العظة والاعتبار، فقد سخر الله للإنسان الحيوان، وذللَهُ له ليستفيد به ومن هذه الفوائد ما يأتي :
١. الدم المتولد من الأغذية، يتحول في الغدد التي في الضرع إلى شراب طيب لذيذ الطعم صالح للتغذية، وهذا اللبن مستخلص من بين فرث ودم، وهذا دليل القدرة واللطف الإلهي.
٢. منافع متعددة للإنسان من الحيوانات، منها : الركوب، والاستفادة بأشعارها وأوبارها وأصوافها، وأكل لحومها.
وقريب من هذه الآية ما ورد في آيات أخرى عن فوائد الحيوانات ومنافعها، مثل قوله تعالى :
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ. ( النحل : ٦٦ ).
وقال تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ. ( يس : ٧١ – ٧٣ ).
وقال تعالى : وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ. ( الزخرف : ١٢ – ١٤ ).
وقال عز شأنه : وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ. ( النحل : ٥ – ٧ ).
٢١
٢٢ - وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ.
أي : تحملون أثقالكم وأحمالكم على الجمال فتنقل أمتعتكم وأشخاصكم من بلد إلى آخر، مما ييسر عليكم الانتقال والتجارة. ويجعل التنقل سهلا ميسورا. كما ذكر سبحانه : وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ... ( النحل : ٧ ).
ومن نعم الله تسخير الفلك، وهي السفن التي تطفو فوق الماء، وتحركها الرياح، وتنقل المتاع والإنسان، وتيسر الحياة، فالسفينة تنقل الإنسان والأشياء في البحر، والجمل ينقل الإنسان والأشياء في البر.
وقصارى ذلك : أن في خلق الأنعام عبرا ونعما من وجوه شتى، ففيها دلائل على قدرة الخالق، بخلق الألبان من مصادر هي أبعد ما تكون منها، ونعما لنا في مرافقها وأعيانها، فننتفع بألبانها وأصوافها ولحومها، ونجعلها مطايا لنا في أسفارنا، إلى نحو أولئك من شتى المنافع.
قصة نوح عليه السلام :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ( ٢٣ ) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ( ٢٤ ) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ( ٢٥ ) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ( ٢٦ ) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ( ٢٧ ) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( ٢٨ ) وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ( ٢٩ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ( ٣٠ ) ﴾.
تمهيد :
تأتي قصة نوح وبعده عدد من الرسل لبيان الله في خلقه، فقد ذكر الله في صدر السورة عددا من أدلة الإيمان، منها صفات المؤمنين، ومنها تطور خلق الجنين في بطن أمه، ومنها خلق الأنعام والفلك.
ثم ذكر قصة بعض الرسل، وعاقبة المكذبين ؛ لتحقيق العبرة والعظة من هذا القصص ؛ ومن هذه العبر اتعاظ الغافلين، وتهديد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، وتسجيل كفاح المرسلين، وإحياء ذكراهم وتمجيد جهادهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. ( يوسف : ١١١ ).
التفسير :
٢٣ - وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ.
ولقد بعثنا نوحا رسولا منا إلى قومه ؛ ليدعوهم إلى توحيد الله، ونبذ الأصنام والأوثان ؛ فقال لهم : يا قوم اعبدوا الله وحده، فهو الإله الواحد الأحد الفرد الصمد، وليس هناك إله إلا هو، فهو المتفضل عليكم بالنعم جليلها وقليلها، فاتقوا عقابه واحذروا غضبه، فأنتم في نعمته وعافيته ؛ فاشكروه ولا تكفروا به.
تمهيد :
تأتي قصة نوح وبعده عدد من الرسل لبيان الله في خلقه، فقد ذكر الله في صدر السورة عددا من أدلة الإيمان، منها صفات المؤمنين، ومنها تطور خلق الجنين في بطن أمه، ومنها خلق الأنعام والفلك.
ثم ذكر قصة بعض الرسل، وعاقبة المكذبين ؛ لتحقيق العبرة والعظة من هذا القصص ؛ ومن هذه العبر اتعاظ الغافلين، وتهديد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، وتسجيل كفاح المرسلين، وإحياء ذكراهم وتمجيد جهادهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. ( يوسف : ١١١ ).
٢٤ - فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ.
الملأ : أشراف القوم.
يتفضل : يدعي الفضل والسيادة.
واجهوا دعوة الحق والهدى، باتهام شخص الداعية، ولم يتأملوا في موضوع الدعوة.
والمعنى :
قال أشراف القوم وأغنياؤهم ووجهاؤهم : إن نوحا رجل منا لا يزيد عنا في شيء، وهو يريد أن يميز نفسه ويدعي لها منزلة سامية بهذه الدعوة، ولو أراد الله أن يرسل رسولا، لجعله من الملائكة المقربين، فهم أقرب وأكرم عل الله، فما سمعنا بهذا الذي يقوله نوح في آبائنا الذين مضوا قبلنا حتى نصدقه.
فهم يريدون أن يجردوا البشرية كلها من فضل الرسالة وأن يقصروها على الملائكة، مع أن الحكمة أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم ؛ ليكون نموذجا عمليا وقدوة حسنة لهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... ( الأحزاب : ٢١ ).
تمهيد :
تأتي قصة نوح وبعده عدد من الرسل لبيان الله في خلقه، فقد ذكر الله في صدر السورة عددا من أدلة الإيمان، منها صفات المؤمنين، ومنها تطور خلق الجنين في بطن أمه، ومنها خلق الأنعام والفلك.
ثم ذكر قصة بعض الرسل، وعاقبة المكذبين ؛ لتحقيق العبرة والعظة من هذا القصص ؛ ومن هذه العبر اتعاظ الغافلين، وتهديد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، وتسجيل كفاح المرسلين، وإحياء ذكراهم وتمجيد جهادهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. ( يوسف : ١١١ ).
٢٥ - إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ.
جنة : جنون أو ضعف عقل.
تربصوا : انتظروا واحتملوا.
حتى حين : إلى زمن لعله يفيق من جنونه، أو إلى موته.
ما نوح إلا رجل به مس من الجن، أو هو مجنون يتخيل أنه يوحي إليه، فيقول ما يقول، فاصبروا عليه لعله أن يفيق من جنونه، أو ينزل به الموت فنستريح منه.
وهذه الفرية ترددت مع الأنبياء والرسل، ومع سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي تدل على تخبط هؤلاء الكفار في دعواهم واتهامهم للرسل.
قال تعالى : بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ. ( الأنبياء : ٥ )
وقال سبحانه : كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون. ( الذاريات : ٥٢ ).
وقال تعالى : وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ. ( الحجر : ٦ ).
وقال تعالى : وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ. ( الصافات : ٣٦، ٣٧ ).
تمهيد :
تأتي قصة نوح وبعده عدد من الرسل لبيان الله في خلقه، فقد ذكر الله في صدر السورة عددا من أدلة الإيمان، منها صفات المؤمنين، ومنها تطور خلق الجنين في بطن أمه، ومنها خلق الأنعام والفلك.
ثم ذكر قصة بعض الرسل، وعاقبة المكذبين ؛ لتحقيق العبرة والعظة من هذا القصص ؛ ومن هذه العبر اتعاظ الغافلين، وتهديد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، وتسجيل كفاح المرسلين، وإحياء ذكراهم وتمجيد جهادهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. ( يوسف : ١١١ ).
٢٦ - قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ.
قال نوح بعد أن يئس من إيمانهم، وبعد أن مكث يدعوهم، ويحثهم على الإيمان بكل سبيل، وقد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وما آمن معه إلا عدد قليل، قيل : عشرون وقيل : ثمانون، وأوحى الله إليه : أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ... ( هود : ٣٦ ).
فدعا ربه متبتلا راجيا أن ينصره الله على قومه فقد كذبوه وسخروا منه، وأصروا على كفرهم وعنادهم.
قال تعالى : فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. ( القمر : ١٠، ١١ ).
وقال عز شأنه على لسان نوح : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا. ( نوح : ٢٦، ٢٧ ).
تمهيد :
تأتي قصة نوح وبعده عدد من الرسل لبيان الله في خلقه، فقد ذكر الله في صدر السورة عددا من أدلة الإيمان، منها صفات المؤمنين، ومنها تطور خلق الجنين في بطن أمه، ومنها خلق الأنعام والفلك.
ثم ذكر قصة بعض الرسل، وعاقبة المكذبين ؛ لتحقيق العبرة والعظة من هذا القصص ؛ ومن هذه العبر اتعاظ الغافلين، وتهديد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، وتسجيل كفاح المرسلين، وإحياء ذكراهم وتمجيد جهادهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. ( يوسف : ١١١ ).
٢٧ - فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ.
بأعيننا : بحفظنا ورعايتنا.
ووحينا : أمرنا وتعليمنا.
فإذا جاء أمرنا : بالركوب، أو نزول العذاب والإهلاك.
وفار : نبع.
التنور : مكان خبز الخباز، أو وجه الأرض، وكان نبع الماء منه علامة لنوح عليه السلام.
فاسلك فيها : أدخل فيها.
من كل زوجين : من كل نوع زوجين ؛ ذكرا، وأنثى، من أنواع الحيوان الموجودة وقتئذ.
اثنين : تأكيد أو زيادة تأكيد.
وأهلك : أهل بيتك.
القول : القضاء بهلاكه لكفره.
أجبنا دعاء نوح، ويسرنا له سبيل النصر، فأمرناه أن يصنع سفينة النجاة بأمرنا وعنايتنا ؛ وحفظنا وتعليمنا، وسيجيء الموعد لهلاك الظالمين، ومن علامة بدء الطوفان ( فوران التنور ) أي : تدفق الماء من الموقد، أو الفرن الذي يخبز به الطعام، ويطلق التنور على وجه الأرض، كما يطلق على طلوع الفجر.
ورجح الإمام ابن جرير الطبري أن يكون المراد بقوله تعالى : وفار التنور. أن ينبع الماء من الفرن الذي يخبز فيه، ويفور فورانا شديدا، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب.
وهذه علامة على بدء الطوفان، فعلى نوح عندئذ، أن يحمل في السفينة من كل نوع يتوالد زوجين اثنين : ذكرا، وأنثى ؛ حتى يتم التوالد بين أجناس النبات، والطير، والحيوان، والإنسان ؛ وتبدأ الحياة من جديد.
كما أمر نوح أن يحمل في السفينة، أهله المؤمنين وزوجاتهم ؛ فحمل معه أولاده الثلاثة : سام، وحام، ويافث، وزوجاتهم، وكانت له زوجة مؤمنة فحملها معه، أما ابنه كنعان وأمه الكافرة، فلا مكان لهما في السفينة لكفرهما، وهذا معنى قوله تعالى : َاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ...
أي : إلا من سبق عليه قولنا وقضاؤنا أولا بإهلاكه منهم، وهما ابنك وزوجتك الكافران. ثم أمر نوح ألا يتشفع للكافرين، ولا يحزن على هلاكهم أو غرقهم، فقوانين الله عادلة فهو لا يحابي أحدا، بل يعاقب كل كافر، وإن اشتدت قرابته من المرسلين، ويكافئ كل مؤمن مهما كان نسبه أو ضعف منزلته.
قال تعالى : وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ.
أي : لا تشفع لمن كفر وظلم فقد قضى الأمر بهلاكهم ؛ جزاء كفرهم، والأرجح أن المراد بهم : زوجته الكافرة، وابنه الكافر كنعان.
تمهيد :
تأتي قصة نوح وبعده عدد من الرسل لبيان الله في خلقه، فقد ذكر الله في صدر السورة عددا من أدلة الإيمان، منها صفات المؤمنين، ومنها تطور خلق الجنين في بطن أمه، ومنها خلق الأنعام والفلك.
ثم ذكر قصة بعض الرسل، وعاقبة المكذبين ؛ لتحقيق العبرة والعظة من هذا القصص ؛ ومن هذه العبر اتعاظ الغافلين، وتهديد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، وتسجيل كفاح المرسلين، وإحياء ذكراهم وتمجيد جهادهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. ( يوسف : ١١١ ).
٢٨ - فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
استويت : علوت.
فإذا استقر بك المقام، أنت ومن معك من المؤمنين على السفينة ؛ فاشكر الله كثيرا على نجاتك أنت ومن معك من المؤمنين، وقل : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. الشكر الجزيل لله الذي أغرق الكافرين الظالمين، ونجانا ومن معنا من المؤمنين.
قال ابن عباس :
كان في السفينة ثمانون إنسانا : نوح وامرأته سوى التي غرقت، وثلاثة بنين : سام، وحام، ويافث، وثلاث نسوة لهم، واثنان وسبعون إنسانا ؛ فكل الخلائق نسل من كان في السفينة.
تمهيد :
تأتي قصة نوح وبعده عدد من الرسل لبيان الله في خلقه، فقد ذكر الله في صدر السورة عددا من أدلة الإيمان، منها صفات المؤمنين، ومنها تطور خلق الجنين في بطن أمه، ومنها خلق الأنعام والفلك.
ثم ذكر قصة بعض الرسل، وعاقبة المكذبين ؛ لتحقيق العبرة والعظة من هذا القصص ؛ ومن هذه العبر اتعاظ الغافلين، وتهديد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، وتسجيل كفاح المرسلين، وإحياء ذكراهم وتمجيد جهادهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. ( يوسف : ١١١ ).
٢٩ - وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ.
أي : قل عند النزول من السفينة : يا رب وفقني إلى النزول في أرض مباركة، فيها البركات والخيرات والثمار، وأعطني الزيادة والبركة في خير الدارين، وأنت خير من أنزل عباده المنازل الطيبة بفضله وكرمه.
تمهيد :
تأتي قصة نوح وبعده عدد من الرسل لبيان الله في خلقه، فقد ذكر الله في صدر السورة عددا من أدلة الإيمان، منها صفات المؤمنين، ومنها تطور خلق الجنين في بطن أمه، ومنها خلق الأنعام والفلك.
ثم ذكر قصة بعض الرسل، وعاقبة المكذبين ؛ لتحقيق العبرة والعظة من هذا القصص ؛ ومن هذه العبر اتعاظ الغافلين، وتهديد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، وتسجيل كفاح المرسلين، وإحياء ذكراهم وتمجيد جهادهم.
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. ( يوسف : ١١١ ).
٣٠ - إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ.
لآيات : عبرا.
لمبتلين : مختبرين وممتحنين لهم، أي : معامليهم معاملة من يختبر، بإرسال نوح إليهم ووعظه لهم.
في نجاة المؤمنين، وهلاك الكافرين، عظة وعبرة، ودليل على أن الله تعالى يمتحن المؤمنين ويمحق الكافرين، والابتلاء أنواع : منه لتكفير السيئات، ومنه لرفع الدرجات، ومنه للتمحيص والامتحان، ومنه للابتلاء والاختبار.
قال تعالى : وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ. ( آل عمران : ١٤١ ).
أي : هذه سنتنا مع رسلنا نرسلهم مجاهدين، ونختبرهم بعناد قومهم، ثم ننجي المؤمنين ونهلك الكافرين، ونختبر عبادنا الصالحين بالخير والشر فتنة وامتحانا.
قال تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. ( البقرة : ١٥٥ – ١٥٧ ).
قصة هود عليه السلام
﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ( ٣١ ) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ( ٣٢ ) وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ( ٣٣ ) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ ( ٣٤ ) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ( ٣٥ ) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ( ٣٦ ) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( ٣٧ ) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ( ٣٨ ) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ( ٣٩ ) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ( ٤٠ ) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( ٤١ ) ﴾.
التفسير :
٣١ - ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ.
القرن : الأمة، والمراد بهم : عاد قوم هود ؛ لقوله تعالى : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح... ( الأعراف : ٦٩ ).
أرسل الله نوحا إلى قومه فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته سبحانه وعدم عبادة الأصنام، وقد مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وما آمن معه إلا قليل ؛ ثم أهلك الله قومه بالطوفان.
وتبدأ من هذه الآية قصة قوم آخرين، هم على الأرجح عاد قوم هود، والمراد بقوله تعالى : قرنا آخرين. أمة أو جماعة مجتمعة في زمان واحد، سموا بذلك لتقدمهم على من بعدهم، تقدم القرن على الحيوان.
وقال بعض المفسرين : هم ثمود قوم صالح، لأنهم هم الذين جاء ذكرهم في القرآن بأنهم أهلكوا بالصيحة ؛ أي : صاح بهم الملاك صيحة ؛ تقطعت لها قلوبهم فماتوا.
قال تعالى : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. ( المؤمنون : ٤١ ).
وقد يكونون أمة أخرى غيرهما، ولهذا لم يصرح باسمهم ولا باسم رسولهم، لأن المراد بيان رسالة الرسل، وتكذيب أقوامهم، حتى لتتشابه كلمات الرسل وجوهرها : اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. وتتشابه كلمات الأمم المكذبة، وتتلخص فيما يأتي :
١ – الرسول بشر مثلنا لا يمتاز علينا.
٢ – لماذا نتبعه ونجعل له الفضل والسبق علينا وهو مثلنا.
٣ – البعث والحساب والجزاء أمر بعيد غير متوقع.
لهذا لم تهتم هذه السورة بذكر اسم الرسول، ولا ذكر اسم الأمة المرسل إليها ؛ لبيان أن هذا شأن من شئون الرسل مع أقوامهم، وقد تحدثت سورة ( المؤمنون ) عن عدد من الرسل، ولم تهتم بالتفصيلات التي وردت في سور أخرى، كسورتي : الأعراف، وهود، لأن المراد هنا ليس التقصي والتفصيل، إنما هو لتقرر الكلمة الواحدة التي جاء بها الجميع، والاستقبال الواحد الذي لقوه من الجميع، ومن ثم بدأ بذكر نوح – عليه السلام – ليحدد نقطة البدء، وانتهى بموسى وعيسى ليحدد النقطة الأخيرة، قبل الرسالة الخاتمة.
ولم يذكر الأسماء في وسط السلسة الطويلة، كي يدل على تشابه حلقاتها بين البدء والنهاية، إنما ذكر الكلمة الواحدة في كل حلقة، والاستقبال الواحد، لأن هذا هو المقصود.
٣٢ - فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ.
أي : أرسلنا في هذه الأمة رسولا من بينهم، نشأ فيهم وعرفوا سلوكه وحسن أخلاقه ونسبه، فالرسل تبعث في أنساب قومهاxvi.
فقال لقومه : اعبدوا الله وحده لا شريك له، ولا تعبدوا معه صنما ولا وثنا، فإنه ليس لكم من إله سواه، حتى تشركوه معه في العبادة، أفلا تتقون الله وتخافون عقابه، وعندئذ تجردونه وحده بالعبادة، ولا تعبدون سواه.
٣٣ - وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ.
وقال الملأ : أشراف القوم ورؤساؤهم.
وكذبوا بلقاء الآخرة : بالمصير إليها، أو لقاء ما فيها من الثواب والعقاب.
أترفناهم : وسعنا عليهم، وجعلناهم في ترف ونعيم.
تصدى أشراف القوم ورؤساؤهم للتكذيب بدعوة الرسول، وقد وصفتهم الآية بثلاث صفات :
١ – الكفر بالله وجحود نعمته وعدم الإيمان به.
٢ – التكذيب باليوم الآخر.
٣ – الترف والانغماس في الملذات والشهوات، وهو أسوأ ما تصاب به أمة من الأمم، وقد حذر القرآن من الترف، وبين أنه طريق الهلاك والدمار.
وقد وصفوا الرسول بأنه بشر عادي، لا ميزة له على غيره، بل هو شبيه لنا في صفاته وأحواله، فكيف يدعي الفضل علينا، ويزعم أنه رسول من الله إلينا ؟ ثم هو يأكل من طعامنا، ويشرب من الماء الذي نشرب منه، فلماذا يختص دوننا بالرسالة ؟ فهو الحسد والحقد الذي أعمى الأشراف والأغنياء عن اتباع الحق، والاهتداء بهداية الإيمان.
٣٤ - وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ.
لخاسرون : مغبونون في آرائكم، حيث أذللتم أنفسكم لأمثالكم.
إذا أطعتم إنسانا مثلكم في المخبر والمظهر، وسلمتم له بالقيادة والرئاسة ؛ إنكم حينئذ تخسرون عقولكم، وتضيعون مجدكم وشرفكم، بترككم آلهتكم، واتباعكم إياه. وما علموا أن الرسالة فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
وفي كتاب الجوهرة – وهو منظومة فنية في علم التوحيد – يقول الشيخ اللقاني :
ولم تكن نبو مكتسبة *** ولو رقى في الخير أعلى عقبه
بل ذاك فضل الله يؤتيه من *** يشاء جل الله واهب المنن
٣٥ - أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ.
أنكم مخرجون : من الأجداث، أو من العدم تارة أخرى إلى الوجود.
إن هذا الذي يدعي الرسالة، يخبركم أنكم إذا متم وصرتم ترابا، وتحولت أجسادكم إلى تراب وعظام نخرة بالية، أنكم تبعثون من قبوركم أحياء كما كنتم في دنياكم، فاستبعدوا البعث والحشر والحساب والجزاء.
ونلحظ أن القرآن هنا لم يرد على شبهاتهم، بل ذكرها مجردة من التعقيب، كأنها لا تستحق التعقيب، أو اكتفاء بما ذكره في سور أخرى من الرد على شبهات المشركين حيث قال تعالى : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ. ( الأنعام : ٩ ).
وقال سبحانه وتعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً... ( الرعد : ٣٨ ).
وقال تعالى : في الرد على استبعاد البعث والجزاء : وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. ( يس : ٧٨ – ٨٣ ).
٣٦ - هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ.
هيهات : بعد.
ما توعدون : البعث والحساب.
أي : بعد بعد ما توعدون به أيها القوم، من حدوث البعث الجثماني، وإخراج الموتى من قبورهم، وحسابهم وجزائهم، هذا أمر بعيد الاحتمال، لا يتصوره العقل، ولا نوافق على حصوله.
٣٧ - إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.
ليست هناك آخرة ولا بعث كما يدعي هذا الرسول، بل هي أجيال تعيش ثم تموت، وتنشأ بعدها أجيال تحيا، كما ينشأ الزرع وينقرض وينشأ مكانه زرع آخر ؛ فما هي إلا أرحام تدفع، وقبور تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر، وليس هناك بعث ولا حشر ولا جزاء ؛ إنما هي الدنيا ونحن نملك المال والمتاع والجاه والسلطان، ونريد الاستمتاع بالحياة والدنيا، ولا نريد من أحد أن ينغص علينا هذه المتعة.
٣٨ - إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ.
بمؤمنين : بمصدقين.
ما هو إلا رجل تقول على الله كذبا، وادعى أنه رسول من عند الله، واختلق الأكاذيب ؛ فتارة يدعي أن الإله إله واحد، وتارة يدعي أن البعث والحشر والحساب والجزاء حق واقع، ونحن لا نصدقه ولا نؤمن به ولا نتبعه.
٣٩ - قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ.
لجأ هود إلى ربه مستغيثا مستنصرا من تكذيبهم له، وكفرهم بدعوته، فدعا الله قائلا : رب انصرني عليهم بسبب تكذيبهم لي.
٤٠ - قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ.
عما قليل : بعد زمان قليل.
ليصبحن : ليصيرن.
قال الله عز وجل لرسوله : بعد زمن قليل، سينزل بهم العذاب الشديد، وحينئذ يندمون ولات ساعة مندم.
٤١ - فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
الصيحة : العذاب الشديد، كما قال الشاعر :
صاح الزمان بآل برمك صيحة خروا لشدتها على الأذقان.
الغثاء : ما يحمله السيل من الورق والعيدان البالية، وأصل الغثاء : نبت يبس، أي : صيرناهم مثله في اليبس.
بعدا : من الرحمة وهلاكا.
للقوم الظالمين : المكذبين.
فأخذهم العذاب العادل جزاء كفرهم وعنادهم، حيث صاح بهم جبريل صيحة رجفت لها الأرض من تحتهم ؛ فصاروا لشدتها غثاء كغثاء السيل، وهو الشيء التافه الحقير الذي لا ينتفع منه بشيء.
فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
أي : فأبعد الله القوم الكافرين بهلاكهم، إذ كفروا بربهم وعصوا رسوله وظلموا أنفسهم، ولفظ : بعدا قد يراد به الدعاء أي : فهلاكا لهم، بمعنى : أهلكهم يالله إهلاكا، وقد يراد به الإخبار بمعنى : فبعدوا بعدا من رحمة الله القريبة من المحسنين، بعدوا بهلاكهم من كل خير أو من النجاة.
ونلحظ أن القرآن الكريم لم يقل : فبعدا لهم، وإنما قال : فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. لبيان أن علة إبعادهم هي ظلمهم لأنفسهم، بتكذيب رسولهم وعدم الاستجابة لدعوته.
قصص صالح ولوط و شعيب وغيرهم
﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ ( ٤٢ ) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ ( ٤٣ ) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ( ٤٤ ) ﴾.
التفسير :
٤٢ - أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ.
أي : أوجدنا من بعد هلاك هؤلاء، أمما وخلائق آخرين، كقوم صالح وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب وغيرهم.
قال ابن عباس : هم بنو إسرائيل، وفي الكلام حذف تقديره : فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم، دل عليه قوله تعالى :﴿ َما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ ﴾
٤٣ - مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَxvii.
ما تسبق أمة من الأمم التي قدر الله إهلاكها، الوقت المقدر أزلا لإهلاكها، وما تتأخر عنه، فهلاكها مرهون بوقته، لا يسبقه ولا يتأخر عنه، وذلك مثل قوله تعالى : وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. ( الأعراف : ٣٤ ).
٤٤ - ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ...
تترى : من المواترة، وهي التتابع بين الأشياء، مع فترة ومهلة بينها.
أحاديث : واحدها أحدوثة، وهي ما يتحدث به تعجبا منه وتلهيا به، وقد جمعت العرب ألفاظا على أفاعيل كأباطيل وأقاطيع، وقال الزمخشري : الأحاديث اسم جمع للحديث، ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الجمهور على أنه جمع.
ثم أرسلنا رسلنا متتابعين، يتبع بعضهم بعضا، إلى الأمم التي جاءت بعد هلاك من سبقوهم، فقد أرسلنا إلى كل أمة رسولا خاصا بهم.
كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ...
أي : سلكت كل أمة في تكذيب رسولها مسلك من سبقها من المكذبين، كأنما وصى السابق منهم اللاحق بأن يكذب الرسل.
قال تعالى : أتواصوا به بل هم قوم طاغون. ( الذاريات : ٥٣ ).
وقال سبحانه : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. ( إبراهيم : ١٣ ).
والظاهرة الملحوظة اجتماع الكفار على مقولة واحدة مع أن الواقع أن قوم نوح كذبوا نوحا، وأن قوم هود كذبوا هودا وحده، وكذلك قوم صالح وقوم شعيب وقوم موسى وقوم عيسى وقوم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لكن التكذيب لما كان واحدا في مضمونه ؛ جمعه الله على لسان الكافرين، وكأن كل أمة حين تكذب رسولها، قد كذبت بالرسالات جميعها، وهذا التكذيب، والإهلاك للمكذبين، تكرر في آيات القرآن ؛ لتثبيت فؤاد النبي، وشد أزره ومواساته على تكذيب قومه، وقريب من ذلك قوله تعالى : مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ. ( الأنبياء : ٦ )
أي : لم تؤمن الأمم السابقة التي قدر الله إهلاكها عقوبة لها، فقد أغرق قوم نوح لتكذيبهم نوحا، وكذلك أهلك قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب ومن بعدهم، وكذلك قوم محمد اشتد عنادهم وتكذيبهم في مكة، شأنهم شأن من سبقهم من المكذبين بيد أن الله أمهلهم، وقال سبحانه : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم... ( الأنفال : ٣٣ ).
فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا...
فأهلكنا بعضهم في أثر بعض حين تألبوا على رسلهم وكذبوهم.
وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ... أي : أخبارا تروى وأحاديث تذكر، يتحدث الناس بما جرى عليهم تعجبا وتسلية.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق... ( سبأ : ١٩ ).
وهذه الجملة : فجعلناهم أحاديث... إنما تقال في الشر، ولا تقال في الخير، كما يقال : صار فلان حديثا، أي : عبرة.
فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ.
أي : فأبعد الله قوما لا يؤمنون به ولا يصدقون برسوله.
قصة موسى وهارون عليهما السلام
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ( ٤٥ ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ( ٤٦ ) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ( ٤٧ ) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ( ٤٨ ) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ( ٤٩ ) ﴾.
تمهيد :
هذه هي القصة الرابعة في هذه السورة، ويلاحظ فيها وحدة الموضوع والهدف، وشبهة إنكار النبوة : لأن الرسول بشر، وما علموا أن البشر يتفاوتون في مداركهم واستعدادهم.
قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس... ( الحج : ٧٥ ).
التفسير :
٤٥ - ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ.
الآيات : هي الآيات التسع كاليد والعصا، وهي المذكورة في سورة الأعراف، قال تعالى : فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات... ( الأعراف : ١٣٣ ). وقال تعالى : في تسع آيات... ( النمل : ١٢ ) وهي : العصا، واليد، والسنون، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
وسلطان مبين : وحجة واضحة ملزمة للخصم، والمراد بالسلطان المبين : إما الآيات أنفسها، أي : هي آيات وحجة بينة، وإما العصا لأنها كانت أم الآيات وأولاها، وتعلقت بها معجزات شتى من انقلابها حية وتلقفها حبال السحرة، وانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربها بها.
أرسل الله موسى وأخاه هارون، ومعهما آيات تسع وقد اختلف المفسرون حولهما فمنهم من قال : هي اليد والعصا، والسنون، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وقد رجح ذلك ابن كثير، وقيل : هي العصا، واليد، والسنون، والطمس، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع والدم.
وعن الحسن :
المراد من الآيات : التكاليف الدينية التي أمروا بها، ومن السلطان : كل معجزة أتيا بها. ويمكن أن يراد بالسلطان : تسلط موسى في المحاورة، ووضوح الدلالة على الخالق سبحانه وتعالى و القوة والإقدام.
تمهيد :
هذه هي القصة الرابعة في هذه السورة، ويلاحظ فيها وحدة الموضوع والهدف، وشبهة إنكار النبوة : لأن الرسول بشر، وما علموا أن البشر يتفاوتون في مداركهم واستعدادهم.
قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس... ( الحج : ٧٥ ).
٤٦ - إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ.
قوما عالين : متجبرين متكبرين.
أرسلنا موسى وهارون إلى فرعون وحاشيته، وخص الملأ لأنهم أصحاب المشورة والرأي، ويجوز أن يراد بالملأ : قوم فرعون جميعا، فقد ورد استعمال الملأ بمعنى الجماعة مطلقا.
فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ.
أي : امتنعوا عن الإيمان تكبرا وعتوا وظلما وعنادا، وحسدا وبغيا، وكانت تلك عادتهم، وما فطروا عليه، فقد كان من دأبهم البغي والعدوان على الناس، وظلمهم كبرا وعلوا في الأرض.
تمهيد :
هذه هي القصة الرابعة في هذه السورة، ويلاحظ فيها وحدة الموضوع والهدف، وشبهة إنكار النبوة : لأن الرسول بشر، وما علموا أن البشر يتفاوتون في مداركهم واستعدادهم.
قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس... ( الحج : ٧٥ ).
٤٧ - فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ.
عابدون : خدم منقادون، قال أبو عبيدة : العرب تسمي كل من دان للملك عابدا. وقال المبرد : العابد : المطيع الخاضع.
أنكر فرعون وقومه رسالة موسى وهارون، وحجتهم في ذلك أمران :
الأول : أنهما من البشر، لا يمتازان بشيء على من أرسلا إليهم ؛ فلماذا يتبعونهما، وهي حجة متكررة : أبعث الله بشرا رسولا. ( الإسراء : ٩٤ ).
الثاني : أن بني إسرائيل قوم موسى وهارون، كانوا خاضعين لفرعون وقومه، وكان فرعون يقتل الذكور، ويستحيي الإناث، ويسخرهم في المهن الحقيرة، ويعرضهم لصنوف الذل والهوان والبلاء.
لقد نظر فرعون وقومه إلى المظاهر، وما علموا أن التفاوت بين البشر كبير، فمن البشر من يسمو في الخير والروحانية وصنوف الهداية، ومنهم من يرتكس في الرذيلة والضلال إلى الحضيض، والله يختار لرسالته أهل الصفاء الروحي، والرقي النفسي، فيمنحهم الرسالة لحكمة إلهية عالية. بفضله تعالى وكرمه، قال تعالى : الله أعلم حيث يجعل رسالته... ( الأنعام : ١٢٤ ).
وقريب من اعتراض فرعون وقومه قول كفار قريش : وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَت رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ. ( الزخرف : ٣١، ٣٢ ).
تمهيد :
هذه هي القصة الرابعة في هذه السورة، ويلاحظ فيها وحدة الموضوع والهدف، وشبهة إنكار النبوة : لأن الرسول بشر، وما علموا أن البشر يتفاوتون في مداركهم واستعدادهم.
قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس... ( الحج : ٧٥ ).
٤٨ - فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ.
المهلكين : المغرقين.
فأصر فرعون وملؤه على تكذيب موسى وهارون ؛ فأهلكهم الله بالغرق في بحر القلزم ( البحر الأحمر ) كما أهلك من قبلهم من الأمم بتكذيبهم لرسلهم.
تمهيد :
هذه هي القصة الرابعة في هذه السورة، ويلاحظ فيها وحدة الموضوع والهدف، وشبهة إنكار النبوة : لأن الرسول بشر، وما علموا أن البشر يتفاوتون في مداركهم واستعدادهم.
قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس... ( الحج : ٧٥ ).
٤٩ - وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ.
الكتاب : التوراة.
أي : لقد أنزلنا على موسى التوراة، المشتملة على الأحكام والأوامر والنواهي، وقد كان ذلك بعد إهلاك فرعون وقومه، وإنجاء بني إسرائيل، لعل من أرسل إليهم من قوم فرعون وبني إسرائيل يهتدون بالتوراة إلى الحق المبين.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. ( القصص : ٤٣ ).
جاء في تفسي ابن كثير :
وبعد أن أنزل الله التوراة لم يهلك أمة بعامة، بل أمر المؤمنين بقتال الكافرين.
تذييل :
كان موسى من أولي العزم من الرسل، ومعه هارون، وأعطاهما الله المعجزات، لكن فرعون وقومه استكبروا وعاندوا ؛ فأغرقهم الله أجمعين في البحر الأحمر.
وأنزل الله التوراة عل موسى في الطور، فيها هدى ونور وتشريع وأحكام، وخص موسى بالذكر هنا من باب الاقتصار على الأصل وحده، فقد كان موسى الأصل في النبوة، وكان هارون وزيره ومعينه في دعوته، وذلك لا يمنع من إرادة هارون معه.
قال تعالى : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان... ( الأنبياء : ٤٨ ).
قصة عيسى عليه السلام إجمالا
﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ( ٥٠ ) ﴾
تمهيد :
سبق إيراد قصة عيسى وأمه مفصلة في سورة آل عمران وسورة مريم، ووردت هنا موجزة لبيان قدرة الله تعالى فيها ؛ فهو سبحانه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى.
التفسير :
٥٠ - وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً...
آية : دلالة بينة على كمال قدرته تعالى.
آويناهما : جعلنا مأواهما ومنزلهما.
ربوة : هي المكان المرتفع من الأرض، قيل : كانت في مصر، أو في بيت المقدس، أو في دمشق.
ذات قرار : ذات استقرار، يستقر عليها ساكنوها، لأجل ما فيها من الثمار والزروع.
معين : ماء جار ظاهر للناس.
وجعلنا عيسى ابن مريم آية، وجعلنا أمه آية، وهي مريم الطاهرة البتول، وقد بشرها جبريل – عليه السلام – بغلام طاهر يكون رسولا، وتم الحمل بقدرة الله، الذي خلق آدم.
قال تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. ( آل عمران : ٥٩ ).
وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ.
وأنزلناهما في مكان مرتفع من الأرض، به عيون وزروع وثمار، وهواء طيب وحياة مريحة، والآية تدل على رعاية الله وعنايته بعيسى، وهو وليد بدون أب، ورعايته لأمه، وتيسير كفالته وحمايته، والإنعام عليه بنعم عديدة، من بينها الإقامة في مكان صحي مرتفع، يفيض بالخيرات والزروع والثمار لتوفير الحياة الكريمة.
وسبب الإيواء أن مريم أم عيسى فرت بابنها عيسى إلى الربوة، وبقيت بها اثنتي عشرة سنة، وقد ذهب بها ابن عمها يوسف النجار ثم رجعت إلى أهلها بعد أن مات ملكهم.
﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ( ٥١ ) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ( ٥٢ ) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ( ٥٣ ) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ( ٥٤ ) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ( ٥٥ ) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ( ٥٦ ) ﴾.
تمهيد :
بعد أن قص الله تعالى قصص بعض الأنبياء السابقين، عقب ذلك بتوصية الرسل جميعا بالأكل من الطيبات والعمل الصالح، والمراد بذلك أتباع الرسل أيضا، ثم أرشدهم إلى أن الدين واحد وهو الدعوة إلى توحيد الله، والتمسك بالعمل الصالح، لكن أتباع الرسل فرقوا دينهم، وتمسكت كل فرقة بما تدين به كما هي حال قريش، وهم في حيرة وعمى، يظنون أن ما أنعم الله به عليهم من النعمة لرضاه عليهم، وما يشعرون أنه استدراج لا مسارعة في الخيرات.
التفسير :
٥١ - يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا.
الطيبات : ما يستطاب ويستلذ من المباحات في المأكل والفواكه.
واعملوا صالحا : من فرض ونفل.
هذا نداء من الله تعالى للرسل وأتباعهم، بالأكل من الطيبات، وهو ما تستطيبه النفس من الطعام والفاكهة ؛ بشرط أن يكون حلالا، ويتبع الأكل من الطيبات، العمل الصالح ؛ شكرا لله على النعمة، وامتثالا لأمره تعالى، حيث قدم الأكل من الطيبات على العمل الصالح.
إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ.
إني مطلع على جميع أعمالكم، ومجازيكم بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا حيث لا يخفى علي شيء من أعمالكم. فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
وقد حفلت كتب السنة الصحيحة بأهمية الأكل من الحلال الطيب وتأكيد ذلك، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، كما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأكل من الحرام وحذر منه.
أخرج مسلم، وأحمد، والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( يا أيها الناس، إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ... ( البقرة : ١٧٢ ).
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعت أغبر، ومطمعه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب، فأنى يستجاب له ) ؟ xviii.
وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم، عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس رضي الله عنها أنها بعثت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقدح لبن حين فطره وهو صائم، فرد إليها رسولها، وقال :( من أين لك هذا ) ؟ فقالت : من شاة لي، ثم رده، وقال :( من أين هذه الشاة ) ؟ فقالت : اشتريتها بمالي، فأخذه، فلما كان من الغد أمته، وقالت : يا رسول الله، لم رددت اللبن ؟ فقال : صلى الله عليه وآله وسلم :( أمرت الرسل ألا يأكلوا إلا طيبا، ولا يعملوا إلا صالحا ).
وجاء في بعض الأخبار :( إن الله تعالى لا يقبل عبادة من في جوفه لقمة من حرام ).
وصح أيضا :( أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به )xix.
تمهيد :
بعد أن قص الله تعالى قصص بعض الأنبياء السابقين، عقب ذلك بتوصية الرسل جميعا بالأكل من الطيبات والعمل الصالح، والمراد بذلك أتباع الرسل أيضا، ثم أرشدهم إلى أن الدين واحد وهو الدعوة إلى توحيد الله، والتمسك بالعمل الصالح، لكن أتباع الرسل فرقوا دينهم، وتمسكت كل فرقة بما تدين به كما هي حال قريش، وهم في حيرة وعمى، يظنون أن ما أنعم الله به عليهم من النعمة لرضاه عليهم، وما يشعرون أنه استدراج لا مسارعة في الخيرات.
٥٢ - وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.
أمتكم : ملتكم وشريعتكم.
فاتقون : فاحذرون.
أي : دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد، وملة واحدة، وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ؛ واختلاف الشرائع والأحكام بحسب اختلاف الأزمان والأحوال لا يسمى اختلافا في الدين، لأن الأصول واحدة.
وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.
أنا خالقكم وإلهكم وحدي لا شريك لي في الربوبية ؛ فاحذروا عقابي وخافوا عذابي. وإذا كان هذا مع الرسل والأنبياء فما ظن كل الناس بأنفسهم.
تمهيد :
بعد أن قص الله تعالى قصص بعض الأنبياء السابقين، عقب ذلك بتوصية الرسل جميعا بالأكل من الطيبات والعمل الصالح، والمراد بذلك أتباع الرسل أيضا، ثم أرشدهم إلى أن الدين واحد وهو الدعوة إلى توحيد الله، والتمسك بالعمل الصالح، لكن أتباع الرسل فرقوا دينهم، وتمسكت كل فرقة بما تدين به كما هي حال قريش، وهم في حيرة وعمى، يظنون أن ما أنعم الله به عليهم من النعمة لرضاه عليهم، وما يشعرون أنه استدراج لا مسارعة في الخيرات.
٥٣ - فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
فتقطعوا : أي : الأتباع قطعوا ومزقوا.
أمرهم : أمر دينهم.
زبرا : قطعا وأحزابا متخالفين، كاليهود والنصارى وغيرهم، جمع زبور.
بما لديهم : عندهم من الدين.
فرحون : مسرورون معجبون، معتقدون أنهم على الحق، كما هي حال قريش.
فتفرق أتباع الأنبياء فرقا وجماعات وأصبح كل فريق معجبا بنفسه، فرحا بما عنده، معتقدا أنه الحق الذي لا معدل عنه.
وزبرا. أي : قطعا، جمع زبرة، وهي القطعة. ويجوز أن يكون المعنى : أن أتباع الأنبياء فرقوا دينهم بعد أنبيائهم، فآمنوا ببعض ما أنزل عليهم وكفروا بما سواه، اتباعا لأهوائهم، أو أنهم وضعوا كتبا وألفوها ونسبوا تلك الضلالات إلى الله.
وقيل : إنهم فرقوا بين الكتب المنزلة، فأخذ كل منهم كتابا آمن به وكفر بما سواه.
كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
كل جماعة أو هيئة أخذت قطعة أو جانبا أو مزقة من الدين، ومضت بالمزقة أو القطعة التي خرجت في يدها لا تفكر في شيء، ولا تلتفت إلى شيء، مضت وأغلقت جميع المنافذ، وسدت كل نسمة طليقة، وكل فكر أو رأي أو نصيحة أو حوار رشيد.
فيا أتباع الأديان، أما آن الأوان في الاجتماع على كلمة سواء، ما دام أصل الدين واحدا، وأساسه واحدا، وهو الإيمان بالله ربا واتباع هدايات السماء ؛ ويا أتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أما آن الأوان إلى التلاقي على جوهر الإسلام وحقائقه، وسماحته وأصوله العامة، والعودة به إلى منابعه الصافية، واجتهادات الأئمة المشهود لهم بالعلم والرأي والإخلاص والاجتهاد المقبول، والفتيا بما يتوافق مع أصول الدين ومصالح العباد المعتبرة.
تمهيد :
بعد أن قص الله تعالى قصص بعض الأنبياء السابقين، عقب ذلك بتوصية الرسل جميعا بالأكل من الطيبات والعمل الصالح، والمراد بذلك أتباع الرسل أيضا، ثم أرشدهم إلى أن الدين واحد وهو الدعوة إلى توحيد الله، والتمسك بالعمل الصالح، لكن أتباع الرسل فرقوا دينهم، وتمسكت كل فرقة بما تدين به كما هي حال قريش، وهم في حيرة وعمى، يظنون أن ما أنعم الله به عليهم من النعمة لرضاه عليهم، وما يشعرون أنه استدراج لا مسارعة في الخيرات.
٥٤ - فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ.
ذرهم : دعهم واتركهم.
في غمرتهم : في جهالتهم أو عماهم، وأصل الغمرة : الماء الذي يغمر القامة ويسترها، ويمنعها من رؤية الحقيقة والواقع.
حتى حين : إلى حين موتهم أو قتلهم.
أي : اترك – أيها النبي – هؤلاء على حالهم من الغفلة والضلال الذي لا ضلال بعده ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، فقد بلغت الرسالة التي أمرت بتبليغها حق الأداء. ما على الرسول إلا البلاغ... ( المائدة : ٩٩ ).
حتى حين. إلى موتهم أو قتلهم ورؤيتهم مقدمات العذاب وبوادره.
ونقل القرطبي في تفسيره عن مجاهد، قال : حتى حين : حتى الموت، فهو تهديد لا توقيت، كما يقال : سيأتي لك يوم.
تمهيد :
بعد أن قص الله تعالى قصص بعض الأنبياء السابقين، عقب ذلك بتوصية الرسل جميعا بالأكل من الطيبات والعمل الصالح، والمراد بذلك أتباع الرسل أيضا، ثم أرشدهم إلى أن الدين واحد وهو الدعوة إلى توحيد الله، والتمسك بالعمل الصالح، لكن أتباع الرسل فرقوا دينهم، وتمسكت كل فرقة بما تدين به كما هي حال قريش، وهم في حيرة وعمى، يظنون أن ما أنعم الله به عليهم من النعمة لرضاه عليهم، وما يشعرون أنه استدراج لا مسارعة في الخيرات.
٥٥، ٥٦ - أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ.
أنما نمدهم به : م نعطيهم ونجعله مددا لهم.
بل لا يشعرون : أن ذلك استدراج لهم، وإنما هم كالبهائم لا فطنة عندهم ولا شعور ليتأملوا فيعلموا أن ذلك الإمداد استدراج.
أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا، ومعزتهم عندنا، كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم : نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ. ( سبأ : ٣٥ ).
لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل ذلك استدراجا، وإنظارا، وإمهالا.
بَل لَّا يَشْعُرُونَ.
لا يحسون ولا يعلمون أن ما هم فيه من نعمة ومال وبنين إنما هو اختبار وابتلاء واستدراج، وأخذ بأيديهم إلى العذاب.
كما قال تعالى : فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... ( التوبة : ٥٥ ).
وقال تعالى : فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. ( القلم : ٤٤، ٤٥ ).
أخرج أحمد، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان، عن عقبة بن عامر : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج )xx.
والخلاصة :
أن هذا الإمداد للكفار ليس إلا استدراجا لهم إلى المعاصي، واستجرارا إلى زيادة الإثم، وهو يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات إكراما لهم، وتعجيلا للثواب قبل وقته.
روى الإمام أحمد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، قالوا : وما بوائقه يا رسول الله ؟ قال : غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام، فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٥:تمهيد :
بعد أن قص الله تعالى قصص بعض الأنبياء السابقين، عقب ذلك بتوصية الرسل جميعا بالأكل من الطيبات والعمل الصالح، والمراد بذلك أتباع الرسل أيضا، ثم أرشدهم إلى أن الدين واحد وهو الدعوة إلى توحيد الله، والتمسك بالعمل الصالح، لكن أتباع الرسل فرقوا دينهم، وتمسكت كل فرقة بما تدين به كما هي حال قريش، وهم في حيرة وعمى، يظنون أن ما أنعم الله به عليهم من النعمة لرضاه عليهم، وما يشعرون أنه استدراج لا مسارعة في الخيرات.
٥٥، ٥٦ - أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ.
أنما نمدهم به : م نعطيهم ونجعله مددا لهم.
بل لا يشعرون : أن ذلك استدراج لهم، وإنما هم كالبهائم لا فطنة عندهم ولا شعور ليتأملوا فيعلموا أن ذلك الإمداد استدراج.
أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا، ومعزتهم عندنا، كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم : نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ. ( سبأ : ٣٥ ).
لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل ذلك استدراجا، وإنظارا، وإمهالا.
بَل لَّا يَشْعُرُونَ.
لا يحسون ولا يعلمون أن ما هم فيه من نعمة ومال وبنين إنما هو اختبار وابتلاء واستدراج، وأخذ بأيديهم إلى العذاب.
كما قال تعالى : فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... ( التوبة : ٥٥ ).
وقال تعالى : فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. ( القلم : ٤٤، ٤٥ ).
أخرج أحمد، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان، عن عقبة بن عامر : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :( إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج )xx.

والخلاصة :

أن هذا الإمداد للكفار ليس إلا استدراجا لهم إلى المعاصي، واستجرارا إلى زيادة الإثم، وهو يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات إكراما لهم، وتعجيلا للثواب قبل وقته.
روى الإمام أحمد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، قالوا : وما بوائقه يا رسول الله ؟ قال : غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام، فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث ).

﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ( ٥٧ ) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ( ٥٨ ) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ( ٥٩ ) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ( ٦٠ ) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ( ٦١ ) ﴾.
تمهيد :
من شأن القرآن أن يقابل بين الباطل والحق، وبين صفات الكافرين وعقابهم، وصفات المتقين وثوابهم.

وقد وصف المتقين هنا بأربع صفات :

١. خشية الله والخوف منه.
٢. الإيمان بآيات الله.
٣. نفي الشريك عن الله.
٤. أداء الواجبات كالزكاة والكفارة والصدقة، وقلوبهم خائفة ألا يتقبل ذلك منهم.
التفسير :
٥٧ - إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ.
الخشية : الخوف من العقاب.
الإشفاق : نهاية الخوف، والمراد لازمه، وهو داوم الطاعة.
إن الذين هم في إشفاق وخوف من التقصير في حق ربهم، مع صدق إيمانهم وصالح عملهم.
قال الحسن البصري : إن المؤمن جمع إحسانا وإشفاقا، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا.
تمهيد :
من شأن القرآن أن يقابل بين الباطل والحق، وبين صفات الكافرين وعقابهم، وصفات المتقين وثوابهم.

وقد وصف المتقين هنا بأربع صفات :

١. خشية الله والخوف منه.
٢. الإيمان بآيات الله.
٣. نفي الشريك عن الله.
٤. أداء الواجبات كالزكاة والكفارة والصدقة، وقلوبهم خائفة ألا يتقبل ذلك منهم.
٥٨ - وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ.
الآيات : هي الآيات الكونية في الأنفس والآفاق، والآيات المنزلة.
أي : هم يؤمنون بآيات الله الكونية التي نصبها في الأنفس والآفاق، فيتأملون في خلق السماوات والأرض، وحركة الليل والنهار والشمس والقمر، والنبات والشجر والمطر، وغير ذلك من آيات الله التي يتأملها المؤمنون ويغفل عنها الغافلون.
كما في قوله تعالى : وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. ( يوسف : ١٠٥ ).
والمؤمنون يؤمنون أيضا بآيات الله المنزلة على رسله، كالتوراة والإنجيل والقرآن.
تمهيد :
من شأن القرآن أن يقابل بين الباطل والحق، وبين صفات الكافرين وعقابهم، وصفات المتقين وثوابهم.

وقد وصف المتقين هنا بأربع صفات :

١. خشية الله والخوف منه.
٢. الإيمان بآيات الله.
٣. نفي الشريك عن الله.
٤. أداء الواجبات كالزكاة والكفارة والصدقة، وقلوبهم خائفة ألا يتقبل ذلك منهم.
٥٩ - وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ.
هم يؤمنون بالله كما سبق، وهم يخلصون له العبادة، ولا يعبدون سواه، ويعلمون أنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
فالآية السابقة وصف لله بتوحيد الربوبية، وهذه الآية وصف له بتوحيد الألوهية، ولم يقتصر على الأول، لأن كثيرا من المشركين يعترفون بتوحيد الربوبية، كما قال تعالى : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله... ( الزخرف : ٨٧ ). ولا يعترفون بتوحيد الألوهية والعبادة، ومن ثم عبدوا الأصنام والأوثان على طرائق شتى، وعبدوا معبودات مختلفة.
تمهيد :
من شأن القرآن أن يقابل بين الباطل والحق، وبين صفات الكافرين وعقابهم، وصفات المتقين وثوابهم.

وقد وصف المتقين هنا بأربع صفات :

١. خشية الله والخوف منه.
٢. الإيمان بآيات الله.
٣. نفي الشريك عن الله.
٤. أداء الواجبات كالزكاة والكفارة والصدقة، وقلوبهم خائفة ألا يتقبل ذلك منهم.
٦٠ - وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ.
وجلة : خائفة.
هم يقومون بإخراج الزكاة ومساعدة المحتاجين، وإخراج الصدقة والقيام بما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، حال كونهم خائفين من ربهم، خشية أن يكون قد صدر منهم تقصير، في أي حق من حقوق الله أو حقوق العباد، كالزكاة والكفارة والودائع والديون، والعدل بين الناس.
أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ.
أي : وجلت قلوبهم وأشفقت وخافت، لتيقنها بالرجوع إلى الله يوم القيامة، فتنكشف لهم الحقائق، وتظهر حاجة العبد إلى عمل تام مقبول، ينجيه يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
قال تعالى : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
تمهيد :
من شأن القرآن أن يقابل بين الباطل والحق، وبين صفات الكافرين وعقابهم، وصفات المتقين وثوابهم.

وقد وصف المتقين هنا بأربع صفات :

١. خشية الله والخوف منه.
٢. الإيمان بآيات الله.
٣. نفي الشريك عن الله.
٤. أداء الواجبات كالزكاة والكفارة والصدقة، وقلوبهم خائفة ألا يتقبل ذلك منهم.
٦١ - أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ.
سابقون : ظافرون بنيلها.
هؤلاء الموصوفون بما سبق تفصيله من الأوصاف الجليلة، يبادرون إلى نيل الخيرات، ويحرصون على السبق إلى صلاة الجماعة، وإخراج الزكاة عند استحقاقها، ويبادرون إلى كل عمل صالح بهمة عالية، كأنما يسبقون أنفسهم، أو وهم لأجلها سابقون إلى الطاعات.
وقال ابن عباس : وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ. سبقت من الله لهم السعادة، فسارعوا في الخيرات.
جاء في تفسير المراغي :
ومعنى هم لها : أنهم معدون لفعل مثلها، من الأمور العظيمة، كقولك لمن يطلب منه حاجة لا ترجى من غيره : أنت لها، وعلى هذا قوله :
مشكلات أعضلت ودهت *** يا رسول الله أنت لها
وخلاصة ذلك :
إن النعم ليست هي السعادة الدنيوية ونيل الحظوظ فيها، بل هي العمل الطيب، بإيتاء الصدقات ونحوها، مع إحاطة ذلك بالخوف والخشية.
﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( ٦٢ ) ﴾.
التفسير :
٦٢ - وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.
الوسع : ما يتسع على الإنسان فعله، ولا يضيق عليه.
الكتاب : هو صحائف الأعمال.
بالحق : بالصدق.
أنزل الله كتبه وأرسل رسله وشرع شرائعه بما يوافق الفطرة السليمة، ويكون في وسع النفوس البشرية وطاقتها بلا حرج ولا مشقة، فالأصل في التكليف رفع الحرج، والتكليف بما في الوسع والطاقة، فإذا سلب الله العقل أسقط التكليف، وإذا كان الإنسان فقيرا يسقط عنه الزكاة والحج، ويظهر ذلك في قوله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها. ( الطلاق : ٧ ). لأنه سبحانه عليم حكيم حليم رحيم، فلا يحاسب الناس إلا على ما في وسعهم وطاقتهم وإمكانياتهم.
وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ.
إن كتاب صحائف الأعمال، يسجل فيه أعمال الإنسان بالحق وبالصدق، وكل كبيرة وصغيرة، وكل خير أو شر يجده الإنسان في كتابه يوم القيامة.
قال تعالى : مال هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. ( الكهف : ٤٩ ).
وقال عز شأنه : هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. ( الجاثية : ٢٩ ).
وقال تعالى : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
والله تعالى يقول في الحديث القدسي : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )xxi.
فالله تعالى عادل، لا يظلم أحدا.
وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.
لا يبخسون في الجزاء من الخير شيئا، بل يثابون على ما قدموا من الأعمال القليلة والكثيرة، ولا يزاد في عقابهم، فهم لا يظلمون بزيادة عقاب أو نقصان بل يعفو الله عن كثير من السيئات.
﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ( ٦٣ ) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ( ٦٤ ) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ( ٦٥ ) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ( ٦٦ ) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ( ٦٧ ) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ( ٦٨ ) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ( ٦٩ ) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ( ٧٠ ) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ( ٧١ ) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( ٧٢ ) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( ٧٣ ) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ( ٧٤ ) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( ٧٥ ) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ( ٧٦ ) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ( ٧٧ ) ﴾.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
التفسير :
٦٣ - بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ.
الغمرة : الغفلة والجهالة.
من دون ذلك : غير ذلك.
بل قلوب المشركين في غفلة عن هدى القرآن وما فيه من هداية وصلاح، وهم يجمعون بين جحود الخالق، وظلم المخلوقين، فقد أنكروا رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يصدقوا بالحق الذي جاء به، وإذا سهروا في نواديهم، عملوا أعمالا سيئة من السخرية بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتكذيب بالقرآن الكريم، فقالوا عن القرآن الكريم : ما هو إلا سحر مفترى، وما هو إلا أساطير الأولين، وقالوا عن النبي : ما هو إلا شاعر، وزعموا أن به جنة وأنه قد تعلم القرآن من غيره من أهل الكتاب، وانغمس المشركون في عبادة الأوثان والأصنام، وإذا جاءهم الهدى أعرضوا عنه، وقالوا : إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٦٤ - حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ.
المترف : المتوسع في النعمة.
جأر الرجل : صاح ورفع صوته.
لقد أترف المشركون بالنعمة والمال والغنى، وغطى ذلك على قلبوهم وجعلهم في غفلة، وسيجعل الله عقوبتهم بالعذاب فيجأرون ويصيحون ويستغيثون حين نزول العذاب بهم.
وقال بعض المفسرين :
المراد بالعذاب في الآية : عذاب الآخرة، أي : إذا نزل بهم العذاب يوم القيامة، سمع لهم جؤار وصراخ وخوار، وأصوات استغاثة.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٦٥ - لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ.
لا تنصرون : لا يجيركم أحد ولا ينصركم.
لا تصرخوا ولا تستغيثوا، فقد أسرفتم على أنفسكم بالمعاصي في الدنيا، ولا تنصرون منا بقبول توبتكم، أو يقال لهم يوم القيامة : لن يفيدكم الصراخ والعويل، ولا يجديكم البكاء والاستغاثة، فهذا وقت الجزاء، ولا ناصر يحول بينكم وبين بأس الله وعقوبته.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٦٦ - قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ.
تنكصون : تعرضون عن سماعها، وأصل النكوص : الرجوع على الأعقاب، ورجوع الشخص على عقبه : رجوعه في طريقه الأولى، كما يقال : رجع عوده على بدئه.
لقد عاقبناكم عقابا عادلا، فإنكم كنتم متى سمعتم آيات القرآن تتلى عليكم أعرضتم عنها، ونفرتم من سماعها، شأنكم شأن من يترك الطريق الواضح أمامه، ويرجع القهقرى ناكصا ناحية عقبه، والنكوص أقبح المشي، لأن الناكص لا يرى ما وراءه.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٦٧ - مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ.
سامرا : تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه.
الهجر : بضم الهاء، الهذيان، أو النطق بالهجر وهو الفحش.
الضمير في به عائد على البيت الحرام، فقد كان أهل مكة يرون أنفسهم سدنة البيت الحرام، وأهل رعاية الحجيج وسقايتهم، وأهل عمارة المسجد الحرام، فاستكبروا وتعاظمت إليهم أنفسهم بالمسجد الحرام، ومنعوا المسلمين من الصلاة في المسجد الحرام، أو أداء شعائر الإسلام حول الكعبة، وإذا جلس المشركون للسمر حول البيت، تكلموا بالهجر من القول، وقيل : الضمير في به. عائد إلى القرآن، أو إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنهم كانوا يصفون القرآن بأنه سحر أو شعر أو كهانة، ويقولون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنه شاعر أو كاهن أو كذاب أو مجنون، وكل ذلك باطل.
والخلاصة :
إنكم كنتم عن سماع آياتي معرضين، مستعظمين بأنكم خدام البيت وجيرانه، فلا تضامون، وتقولون الهجر والفحش والكذب في أمر القرآن، وتقولون عنه ما ليس فيه مسحة من حق أو صواب.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٦٨ - أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ...
أفلا يتفهم المشركون هذا القرآن العظيم ؟ مع أنهم خصوا به، وهو مشتمل على التشريع والآداب والعظات، والفصاحة والبيان، ولم ينزل على رسول أكمل ولا أشرف منه، فكان اللائق بهم تفهمه والعمل بمقتضاه.
أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ.
أم اعتقدوا أن مجيء الرسل أمر على خلاف العادة، مع أنهم عرفوا بالتواتر أن الرسل توالت على الأمم، مؤيدة بالمعجزات، أفلا يدعوهم ذلك إلى تصديق هذا الرسول، فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ليس بدعا من الرسل، فقد أرسل الله قبله إبراهيم وإسماعيل وهما جدا العرب، قال تعالى : قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم... ( الأحقاف : ٩ ).
وقال سبحانه وتعالى : شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ... ( الشورى : ١٣ ).
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٦٩ - أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ.
أي : أيكون سبب عدم إيمانهم، عدم معرفتهم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأمانته وصدقه وجميل خصاله ؟ كلا فقد شهدوا له بالصدق والأمانة، واشتهر بينهم بالصادق الأمين، وقبلوا حكمه في وضع الحجر الأسود عند إعادة بناء الكعبة في الجاهلية، وقالوا : هو الأمين رضيناه حكما. فكيف ينكرون رسالته الآن ؟ !.
ولقد قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي : إن الله بعث فينا رسولا نعرف نسبه، ونعرف صدقه وأمانته. وكذلك قال أبو سفيان لملك الروم حين سأله وأصحابه عن نسبه، وصدقه وأمانته، وقد كانوا بعد كفارا لم يسلموا، فإذا كان محمد معروفا عندهم بالصفات الحميدة، فما الذي منعهم من الإيمان به، إلا البغي والحسد.
قال سفيان الثوري : بل قد عرفوه، ولكنهم حسدوه.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٧٠ - أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ.
الجنة : الجنون.
انتقلت السورة إلى توبيخهم للمرة الرابعة، في إضراب انتقالي لتوبيخ الكافرين، أي : بل أيحتجون في ترك الإيمان بأن محمدا مجنون ؟ وهذا باطل ينكره الواقع، فقد كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم راجح العقل، ذكي الفؤاد، حكيما رزينا أمينا شريفا.
بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ...
أي : بالدين الحق وهو الإسلام، أو بالتوحيد والإيمان.
وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ.
معظمهم كره الإسلام تعنتا وحسدا، وكبرا وعنادا وبغيا، وإنما قال : أكثرهم. لأن بعضا منهم تركوا الإيمان أنفة واستعلاء، وتخوفا من توبيخ القوم وتعييرهم، لا كراهة للحق، كما أثر عن أبي طالب من قوله :
فوالله لولا أن أجيء بسبة تجر على أشياخنا في القبائل
إذا لاتبعناه على كل حالة من الدهر جدا غير قول التخاذل
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٧١ - وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ...
الذكر : القرآن الذي هو فخرهم.
عن ذكرهم : عن فخرهم.
لقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن وهو وحي السماء، معلنا توحيد الله نابذا للشرك، داعيا إلى مكارم الأخلاق محذرا من الفحشاء والمنكر، لقد كان القرآن حربا على الشرك والوثنية، والبغي والعدوان، ورسم الطريق القويم، ودعا إلى مكارم الأخلاق، وحذر من الجنوح والرذيلة، والزنا والربا وأكل مال اليتيم، والبغي والعدوان.
إن القرآن حق، والحق لا يتبع الهوى، بل الواجب على الإنسان ترك الهوى واتباع الحق، فإن اتباع الهوى يؤدي إلى استباحة الأموال والأعراض، والشرك بالله... ولو اتبع القرآن أهواء الناس فأباح الشرك بالله، والزنا والربا، وأقر السلب والنهب والسرقة، وأهمل القيم الخلقية، لاختل نظام العالم، ووقع التناقض وانتشرت الفوضى والفساد، واختلطت الأنساب وتهدمت الأسر.
وقال القرطبي : إن الحق هنا هو الله سبحانه وتعالى، وتقديره في العربية : ولو اتبع صاحب الحق أهواءهم.
وقيل : المعنى : ولو كان الحق ما يقولون من اتخاذ آلهة مع الله تعالى، لتنافست الآلهة وأراد بعضهم ما لا يريده بعض، فاضطرب التدبير وفسدت السماوات والأرض، وإذا فسدتا فسد من فيهما.
ومن فيهن.
إشارة إلى من يعقل من ملائكة السماوات وإنس الأرض وجنها، وأما ما لا يعقل فهو تابع لما يعقلxxii.
ثم شنع القرآن عليهم، لإعراضهم عن معالم الحق والخير والهدى فقال :
بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ.
لقد جاء القرآن عظة وهداية، ومجدا وشرفا لهم، وكان الأولى أن يهتدوا به ويلتفوا حوله. قال تعالى : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ. ( الزخرف : ٤٤ ). أي : القرآن شرف لك يا محمد ولقومك ؛ لأنه وحد العرب وجمعهم وعلمهم وطهرهم، ولم يكن للعرب في الجاهلية كبير شأن، فكانوا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس، وكان القرآن روحا وحياة لأمة العرب، ولما دخلوا في الإسلام زلزلوا عروش الأكاسرة والقياصرة، وفتح الله بهم البلاد ونصرهم على العباد، وكلما اقترب المسلمون من القرآن، وعملوا بأحكام الإسلام ؛ ارتفع شأنهم وعلا أمرهم، وكلما بعدوا عن هدى القرآن ؛ ضعف شأنهم.
وخلاصة المعنى :
بل جئناهم بالقرآن الذي هو عزهم وشرفهم، وفخرهم وإعلاء سمعتهم، ولكنهم معرضون عن هذا الذكر الذي سطر لهم الخلود والمجد.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٧٢ - أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
خرجنا : جعلا وأجرا.
انتقال إلى توبيخ آخر يوبخ به سبحانه وتعالى الكافرين، على عدم إيمانهم بما جاء به الرسول من الحق دون أن يسألهم عليه أجرا، أي : أتسألهم أجرا على تبليغ الرسالة، فبسبب ذلك لا يؤمنون بك، ولأجله يعرضون عن رسالتك ؟
والمراد : أنك لا تسألهم أجرا، فإن ما رزقك الله في الدنيا والعقبى خير من ذلك، لسعته ودوامه، ولأنك تحتسب أجره عند الله لا عندهم، وكيف ينتظر أجر المخلوقين، من تعلق قلبه بما عند الله، وما عند الله خير وأبقى وهو خير الرازقين. فعطاء الله تعالى لا يماثله عطاء ؛ لأن الأرزاق المادية والمعنوية منه تعالى، ولا يقدر أحد أن يرزق مثل رزقه، ولن يستطيع أن ينعم قدر إنعامه
٧٣ - وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.
صراط مستقيم : طريق لا عوج فيه.
وإنك يا محمد لتدعو الناس إلى دين الإسلام، وهو دين الفطرة السليمة، ومكارم الأخلاق، وهو الدين الكفيل بحل مشاكل البشرية، وهو العلاج لأدوائها، كما شهدت بذلك العقول السليمة والدراسات الحيادية المجردة من أعداء الإسلام وعباقرة العلم والمعرفة.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٧٤ - وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ.
ناكبون : عادلون عن طريق الرشاد، يقال : نكب عن الطريق : إذا زاغ عنه.
والكافرون المكذبون بالآخرة، معرضون عن الصراط المستقيم، متنكبون عن الجادة، منحرفون عن هدى السماء، لأنهم تركوا الإسلام والإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، والإسلام هو الطريق القويم، والكفر انحراف عن الجادة.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٧٥ - وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ.
لج في الأمر : تمادى فيه.
يعمهون : يتحيرون ويترددون في الضلال.
لقد غلب عليهم العناد، وغلبت على طبيعتهم المكابرة، فإن أصيبوا بالقحط والبلاء لم تلن قناتهم، ولم يتضرعوا إلى ربهم، ولو أسبغنا عليهم واسع رحمتنا، وأزحنا عنهم الضر لما آمنوا بالقرآن، ولما انقادوا له، ولتمادوا في ضلالهم، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا عليهم فقال :( اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف )xxiii.
وقد حقق الله دعاء نبيه، فأصاب أهل مكة القحط والجوع، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله صلة الرحم، والشفقة بأهل مكة، وكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقول له : ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين، فقد قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع، وأنك تأمر بصلة الرحم، وإنك قد قطعت أرحامنا.
وكان ذلك قبل الفتح بقليل، وكان ثمامة بن أثال الحنفي قد أسلم، وتسبب في منع الميرة من اليمامة إلى أهل مكة حتى أضربهم الجوع، وأكلت قريش العلهز – وهو طعام يؤكل في المجاعة من الدم والوبر، ويطلق أيضا على القراد الضخم – فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثمامة – رضي الله عنه - :( خل بين قومي وبين ميرتهم ). ففعل، وقد نزلت الآية الكريمة، لتبين أن كشف الضر عنهم، بسعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكتابته إلى ثمامة، لن يؤثر في قلوبهم المريضة، بل سيستمرون على عنادهم وطغيانهم وكفرهم، وسيظلون متحيرين مترددين.
قال تعالى : وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ. ( الأنفال : ٢٣ ).
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٧٦ - وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
استكانوا : خضعوا وذلوا.
وما يتضرعون : وما يتذللون إلى الله ويدعونه مخلصين أن يرحمهم.
أخذنا أهل مكة بعذاب الجوع والقحط، أو القتل يوم بدر، فما خضعوا لربهم، ولا انقادوا لأمره، ولا تضرعوا إليه، ولا تذللوا لمرضاته، فقلوبهم مع أوثانهم، وليست مع خالقهم.
وفي معنى الآية قوله تعالى : فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ.... ( الأنعام : ٤٣ ).
ثم أبان حالهم إذا جاءتهم وفاجأتهم القيامة.
تمهيد :
تتحدث الآيات عن جملة من رذائل المشركين، من بينها ما يأتي :
١. غفلة قلوبهم عن القرآن.
٢. سمرهم بالليل طاعنين في القرآن مستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٣. دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين فأصابهم الجدب والجوع ؛ حتى أكلوا العلهز يعني :... والدم، ولكنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتضرعوا إليه، فأنزل الله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ.
٤. استمر نفورهم وإعراضهم عن الهدى واستكبارهم.
٥. افتروا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتهموه بالجنون.
٦. لم يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أجرا ولا خرجا على تبليغ الرسالة.
٧. بل دعاهم إلى الهدى والطريق القويم.
٨. ثم ابتلاهم الله بالجوع والقتل يوم بدر، فما خضعوا ولا ذلوا.
٧٧ - حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ.
مبلسون : متحيرون آيسون من كل خير.
حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة، ونزل بهم عذاب السماء، خاب أملهم، وانقطع رجاؤهم، وأصيبوا باليأس والإحباط، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ. ( الروم : ١٢ ).
ويقول تعالى : لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ. ( الزخرف : ٧٥ ).
وقيل : المراد بالعذاب الشديد : فتح مكة، وانتصار الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجا، عندئذ أصيب أهل مكة بالإحباط واليأس من الانتصار على الإسلام.
وخلاصة الآيات ٦٣ – ٧٧، إصرار الكفار على الشرك بالرغم من وضوح الأدلة أمامهم، ومعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الصادق الأمين، وأنه كامل العقل، وقد جاء بالحق الواضح، ولم يطلب منهم أجرا على تبليغ الرسالة، ودعاهم إلى الصراط المستقيم، ولكنهم تحجرت قلوبهم، فلا يفيدهم البلاء ولا كشفه ونزول رحمة الله بهم.
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ( ٧٨ ) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( ٧٩ ) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ( ٨٠ ) ﴾.
تمهيد :
يعدد الله تعالى في هذه الآيات، مظاهر نعمه على عباده، فهو الذي أنعم علينا بنعم السمع والبصر والعقل، وهو الذي أوجدنا ويميتنا ثم يحيينا، وبيد الله اختلاف الليل والنهار وتتابعهما كما أن بيده الحياة والموت والبدء والانتهاء للكون والإنسان.
التفسير :
٧٨ - وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ.
أنشأ : خلق.
الأفئدة : القلوب، مفردها فؤاد، وقد خلقها للتفكر والتدبر والتأمل.
من شأن القرآن الكريم أن يتخول الناس بالموعظة بين الحين والحين، فقد استعرض حال أهل مكة، وإصرارهم على الكفر والعناد فيما سبق، وهنا يذكرهم بأنعم الله تعالى عليهم، فالله تعالى أوجدهم إلى الدنيا، لا يعلمون شيئا، ثم أنعم عليهم بحاسة السمع، والطفل يبدأ في السمع خلال الأسابيع الأولى من ولادته، وخلال الشهر الثالث يبدأ في الإبصار، ولا يتم تركيز الإبصار إلا بعد الشهر السادس، وأما الإدراك بالعقل فلا يكون إلا بعد ذلك.
وهذه الأجهزة العجيبة، التي يتمتع بها الإنسان، وكيفية عملها وأدائها لوظائفها، أمر يدير الرءوس، وقد كان اكتشاف طبيعة هذه الحواس والقوى وطريقة عملها، يعد كشفا عظيما في عالم البشر، فكيف بخلقها وتركيبها على هذا النحو المتناسق مع طبيعة الكون الذي يعيش فيه الإنسان ؟
ونلاحظ أن القرآن الكريم يقدم السمع على البصر، ويدل ذلك على أهمية السمع في حياة الإنسان، وكأن اختراع الإذاعة والتليفون، والتليفون المحمول مما يبين أهمية السمع، والسمع مرتبط بالفكر، والأعمى يعتمد على السمع والفكر وهما وسيلة تميز الإنسان، وفي الحديث الصحيح : أن الله اختبر ثلاثة من البشر، كانوا مرضى وفقراء فشفاهم الله، وأعطاهم المال ؛ ثم اختبرهم في حال الصحة والغنى، وكان أحدهم أبرص والثاني أقرع، والثالث أعمى، فرسب الأبرص والأقرع في الامتحان، ونجح الأعمى لأن الأول ضن بالمال ورفض مساعدة مريض فقير، وكذلك الثاني، أما الأعمى فقد قال : لقد كنت مثلك أعمى فشفاني الله، وكنت فقيرا فأغناني الله، خذ ما تشاء من أغنامي فلا أمنعك مالا أخذته في سبيل الله، فقال له الملاك : أمسك عليك مالك، لقد رضي عنك وسخط على صاحبيك )xxiv.
وهذا الحديث الصحيح يبين أهمية البصيرة الداخلية، وأهمية القيام بشكر الله تعالى على ما أنعم به.
وفي معنى الآية قوله تعالى : وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. ( النحل : ٧٨ ).
وقد خص الله تعالى نعم السمع والبصر والعقل بالذكر، لأن النظر العقلي والإيمان متوقف عليها، ثم قال سبحانه وتعالى في ختام الآية :
قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ.
أي : إن الناس لم يستخدموا هذه النعم في معرفة الحق سبحانه، ولذلك آمن قليلهم وكفر أكثرهم.
قال تعالى : وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. ( يوسف : ١٠٣ ).
وقال عز شأنه : وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ... ( ص : ٢٤ ).
وقال تعالى : وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ. ( سبأ : ١٣ ).
وقيل : إن المعنى أن الناس يشكرون الله شكرا قليلا، وكان أولى بهم أن يكثروا من شكرهم لربهم عرفانا بفضله، وذكرا لالآئه، وتلبية لأوامره، وتبتلا إليه، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. ( الأحزاب، ٤١، ٤٢ ).
وقال تعالى : لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ. ( إبراهيم : ٧ ).
تمهيد :
يعدد الله تعالى في هذه الآيات، مظاهر نعمه على عباده، فهو الذي أنعم علينا بنعم السمع والبصر والعقل، وهو الذي أوجدنا ويميتنا ثم يحيينا، وبيد الله اختلاف الليل والنهار وتتابعهما كما أن بيده الحياة والموت والبدء والانتهاء للكون والإنسان.
٧٩ - وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.
ذرأكم : خلقكم وبثكم.
فقد خلق الله آدم وخلق منه حواء، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ونشر، الخلق في سائر أقطار الأرض، على اختلاف أجناسهم وألوانهم، ثم يميتهم الله تعالى وينزع أرواحهم، ثم يوم القيامة يجمعون للحساب والجزاء العادل المنصف، وكلها أنعم منه سبحانه.
تمهيد :
يعدد الله تعالى في هذه الآيات، مظاهر نعمه على عباده، فهو الذي أنعم علينا بنعم السمع والبصر والعقل، وهو الذي أوجدنا ويميتنا ثم يحيينا، وبيد الله اختلاف الليل والنهار وتتابعهما كما أن بيده الحياة والموت والبدء والانتهاء للكون والإنسان.
٨٠ - وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ.
اختلاف الليل النهار : تعاقبهما بالسواد والبياض، والزيادة والنقصان، وذلك مختص بالله تعالى، لا يقدر عليه غيره، كما يقال : فلان يختلف إلى فلان، أي : يتردد عليه بالمجيء والذهاب.
والله تعالى هو الذي يملك الحياة والموت، وفي كل لحظة نجد ملايين الأحياء تدب فيهم الحياة، وملايين الموتى تنزع أرواحهم، والحياة نعمة الوجود، والموت نعمة تكريم الإنسان والأحياء، والإنسان ربما ظن أنه يمكنه الإحياء والإماتة ولكنها أمور ظاهرية، لأن واهب الروح هو الله، وقابضها هو الله بواسطة الملائكة، قال تعالى : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً. ( الإسراء : ٨٥ ).
وقال تعالى : حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ. ( الأنعام : ٦١ ).
وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ...
أي : مجيء أحدهما عقب الآخر بلا توان ولا تخلف، أو تميز أحدهما عن الآخر، فالنهار مضيء، فيه حياة وحركة وسعي وضجيج، والليل ظلام وسكون ونوم وراحة، أو المعنى : زيادة أحدهما عن الآخر، فالليل يطول في الشتاء والنهار يقصر فيه، والليل يقصر في الصيف ويطول النهار فيه.
أفلا تعقلون.
أترون هذه الآيات والدلائل، فلا تتحرك عقولكم للتأمل في خلق الكون والإنسان، والتبصر بأن وراء هذا الكون، ووراء اختلاف الليل والنهار، يدا حانية تمسك بنظام الكون وتحفظ توازنه، وأن العقل يرشد إلى قدرة الله ووحدانيته، ويرشد إلى الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ( ٨١ ) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( ٨٢( لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( ٨٣ ) ﴾.
تمهيد :
ذكر الله فيما سبق أدلة التوحيد المبثوثة في الأنفس والآفاق، ثم ذكر هنا شبه المشركين، فهم يستبعدون البعث بعد الموت، لأنهم إذا ماتوا وصاروا عظاما وترابا، كانوا أبعد ما يكون عن الحياة، والرسل السابقون وعدونا بالبعث والحشر، ولم يتحقق ذلك فالبعث أكاذيب الأولين.
التفسير :
٨١ - بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ.
أي : مع كل ما سبق من أدلة على وجود الخالق، فإن هؤلاء المشركين أنكروا البعث واستبعدوه، وأعادوا مقالة أسلافهم الذين كذبوا رسلهم، تقليدا أعمى لهم دون برهان.
تمهيد :
ذكر الله فيما سبق أدلة التوحيد المبثوثة في الأنفس والآفاق، ثم ذكر هنا شبه المشركين، فهم يستبعدون البعث بعد الموت، لأنهم إذا ماتوا وصاروا عظاما وترابا، كانوا أبعد ما يكون عن الحياة، والرسل السابقون وعدونا بالبعث والحشر، ولم يتحقق ذلك فالبعث أكاذيب الأولين.
٨٢ - قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ.
أي : هل إذا متنا وصرنا إلى الفناء والتراب والعظام البالية، التي هي أبعد ما تكون عن الحياة، هل نعود إلى البعث والحياة مرة ثانية ؟ فهم يستبعدون وقوع البعث بعد البلى.
تمهيد :
ذكر الله فيما سبق أدلة التوحيد المبثوثة في الأنفس والآفاق، ثم ذكر هنا شبه المشركين، فهم يستبعدون البعث بعد الموت، لأنهم إذا ماتوا وصاروا عظاما وترابا، كانوا أبعد ما يكون عن الحياة، والرسل السابقون وعدونا بالبعث والحشر، ولم يتحقق ذلك فالبعث أكاذيب الأولين.
٨٣ - لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.
أساطير الأولين : أباطيلهم وأكاذيبهم وأعاجيبهم، التي سطروها للتلهي بها، وأساطير جمع أسطورة، مثل : أحاديث جمع أحدوثة، وأعاجيب جمع أعجوبة.
لقد وعدتنا يا محمد بالبعث بعد الموت، وكذلك وعد آباؤنا، على ألسنة رسلهم السابقين بهذا البعث والحشر والجزاء، ولم يتحقق شيء من ذلك البعث الموعود، فما هذا الحديث عن البعث إلا أكاذيب من أكاذيب السابقين، لا وجود لها في عالم الحقيقة و الواقع.
وفي معنى الآيات السابقة، نجد قوله تعالى حكاية عن المكذبين : أئذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة * فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة. ( النازعات : ١١ – ١٤ ).
وقوله سبحانه : أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. ( يس : ٧٧ – ٨٣ ).
﴿ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( ٨٤ ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ( ٨٥ ) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( ٨٦ ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ( ٨٧ ) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( ٨٨ ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ( ٨٩ ) بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( ٩٠ ) ﴾.
التفسير :
قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
في الآيات السابقة أنكر المشركون البعث، وفي هذه الآيات يدل الله على قدرته وعظمته بثلاثة أدلة :
الأول : ملكيته للأرض ومن فيها.
الثاني : ملكيته للسماوات السبع.
الثالث : ملكيته لكل شيء في الكون.
ومعنى الآية :
أي : قل أيها الرسول الكريم لمنكري البعث : من خالق الأرض ومن فيها من إنسان وحيوان ونبات وبحار وأشجار وأنهار، وغير ذلك من المخلوقات ؟
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
إن كان عندكم علم فأظهروه واشهدوا بمقتضاه.
٨٥ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ.
تذكرون : أصله : تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا، والتذكر : الاعتبار.
سيعترفون بما دل عليه العقل بداهة، من أن ذلك ملك لله، فلم يدع أحد أنه هو خالق هذه الأشياء.
قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ.
أفلا تتعظون أن خالق هذا الفضاء والجبال والأنهار والثمار والأشجار، إله قادر خالق رازق يستحق أن يفرد بالعبادة، وألا يشرك به أحد، وألا يعبد معه أوثان أو أصنام.
٨٦، ٨٧ - قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ.
قل أيها الرسول الكريم وكرر القول والأدلة والاستفهام منهم مرة بعد مرة، قل لهم أيضا : من خالق السماوات السبع، وما فيها من أفلاك وأملاك ومجرات وكواكب ونجوم، وعوالم تتحير العقول في نظامها ودقتها ؟ ويسوق التأمل إلى عظمة خالقها وكماله ووحدانيته، فيقول : واسألهم من هو رب العرش العظيم، المالك للعرش الكريم ؟ والعرش أصل الملك ودليله، ورمز القدرة والعظمة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( ما السماوات السبع والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة )xxv.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ.
سيعترفون بأن ذلك خلق الله القدير، قل لهم عندئذ : أفلا تتقون الله وتراقبونه وتلجأون إليه عابدين خاضعين لا تشركون به شيئا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٦:
٨٦، ٨٧ - قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ.
قل أيها الرسول الكريم وكرر القول والأدلة والاستفهام منهم مرة بعد مرة، قل لهم أيضا : من خالق السماوات السبع، وما فيها من أفلاك وأملاك ومجرات وكواكب ونجوم، وعوالم تتحير العقول في نظامها ودقتها ؟ ويسوق التأمل إلى عظمة خالقها وكماله ووحدانيته، فيقول : واسألهم من هو رب العرش العظيم، المالك للعرش الكريم ؟ والعرش أصل الملك ودليله، ورمز القدرة والعظمة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( ما السماوات السبع والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة )xxv.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ.
سيعترفون بأن ذلك خلق الله القدير، قل لهم عندئذ : أفلا تتقون الله وتراقبونه وتلجأون إليه عابدين خاضعين لا تشركون به شيئا.

٨٨ - قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
ملكوت : صيغة الملكوت للمبالغة في الملك، فالمراد به : الملك العظيم الشامل.
وهو يجير : وهو يمنع ويحفظ من يشاء ممن يشاء.
ولا يجار عليه : لا يعين أحد منه أحدا.
أي : توجه إليهم بسؤال ثالث، من بيده ملك كل شيء منظور أو مستور ؟
كما قال تعالى : ما من دابة إلا هو آخذها بناصيتها... ( هود : ٥٦ ). أي : متصرف فيها. وهو السيد الأعظم الذي يغيث من يشاء، ويحمي من يشاء، ولا يغيث أحد منه أحدا، فلا يمانع ولا يخالف، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، إن كنتم من أهل العلم بذلك.
٨٩ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ.
تسحرون : تخدعون وتصرفون عن الرشد.
سيعترفون بأن الملك لله. وفي قراءة.
سَيَقُولُونَ اللَّه.
أي : سيعترفون بأن المالك المدبر هو الله لا غيره، فلا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.
قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ.
أي : كيف تصرفون عن عبادته وتخدعون ؟ والخادع هو الشيطان الذي زين لهم الباطل وصرفهم عن الحق، أي : فكيف تتقبل عقولكم أن تعبد مع الله غيره، مع اعترافكم بأنه الخالق المالك المدبر ؟
٩٠ - بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.
بل جئناهم بالقول الحق، والدليل الصدق، والإعلام الثابت، بأنه لا إله إلا الله، وأقمنا الأدلة الصحيحة القاطعة على ذلك، وإنهم مع ذلك لكاذبون في إنكار الحق، والإصرار على عبادة الأصنام، وإنكار البعث، وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال القرطبي : وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. في قولهم : إن الملائكة بنات الله. ١ ه.
وإذا تأملت وجدت أن المشركين لا يكابرون، ولا يعبدون الأوثان، أو ينكرون نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن دليل وبرهان، وإنما اتباعا لآبائهم وأسلافهم الحيارى الجهال.
وإذا أعدت النظر في الآيات، وتأملت تكرار كلمة : قل بهذا الأسلوب القوي المتحدي، علمت منها جواز جدال الكفار، وإقامة الحجة عليهم، والتدليل على أن من ابتدأ بالخلق والاختراع، والإيجاد والإبداع، هو المستحق للألوهية والعبادة.
وتذييل الآيات بقوله تعالى : أفلا تتذكرون. أفلا تتقون. إن كنتم تعلمون. فأنى تسحرون. يعد حملة شديدة على المشركين للإقلاع عما هم عليه من الشرك، إذ كيف تقبل عقولهم عبادة أحد مع الله مع اعترافهم الصريح بأن الله هو المالك للخلق المدبر له.
﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ( ٩١ ) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( ٩٢ ) ﴾.
التفسير :
٩١ - مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.
لقد نفى القرآن الولد عن الله تعالى في كثير من الآيات، مثل سورة مريم : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا. ( مريم : ٨٨ – ٩٣ ).
وفي هذه الآية ٩١ من سورة ( المؤمنون ) ينفي سبحانه أن يكون له ولد كما زعم المشركون، كما ينفي أن يكون مع الله إله آخر، ثم يحتكم إلى العقل والمنطق في إبطال ذلك فلو أن اثنين اشتركا في خلق الكون، لانفرد كل واحد منهما بإدارة الجزء الذي خلقه، ووضع له نظاما وناموسا يختلف عن نظام الجزء الآخر وإذا تعددت الآلهة لاتجه كل واحد منهم إلى قهر الآخر والتسلط عليه، لتظهر قوة القوي على الضعيف، كما هو شأن ملوك الدنيا، ولو حدث هذا التغالب والانقسام، لاختل نظام الكون ولفسدت السماوات والأرض ومن فيهن. إلا أن المشاهد أن الوجود منتظم متسق، وفي غاية النظام والكمال، وارتباط كل من العالم السفلي بالعالم العلوي دون تصادم ولا اضطراب كما قال تعالى : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت. ( الملك : ٣ ).
ولما ثبت كون التعدد في الآلهة مستحيلا ؛ بطل قول الكافرين في عبادة الأصنام والأوثان، وبطلت حجتهم في قولهم : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى... ( الزمر : ٣ ).
فلو كانت هناك آلهة مع الله لتقربت إليه تعالى بعبادته وحده، فأولى بالإنسان أن يعبد ربه وحده، قال تعالى : قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً. ( الإسراء : ٤٢ ).
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.
تنزه الله الحق الواحد الأحد عما يقول الظالمون في دعواهم الولد أو الشريك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيتين٩١ – ٩٢ :
يذكر علماء الكلام هنا دليل التمانع : وهو أنه لو فرض صانعان خالقان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم، والآخر أراد سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والإله الواجب الوجود لا يكون عاجزا، ويمتنع اجتماع مراديهما وتحقيق رغبتيهما في آن واحد للتضاد، وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد فيكون محالا.
فأما إن حصل ماد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الواجب الوجود المستحق للألوهية، والآخر المغلوب لا يكون كذلك، لأنه يليق بصفة الواجب الوجود أن يكون مقهورا.

٩٢ - عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
أي : هو سبحانه المتفرد بعلم الغيب، والغيب كل ما غاب عنك، فالسماء والنجوم والأبراج والأفلاك والملائكة والجن والساعة والآخرة كلها يعلمها الله وحده، ولا يشاركه في علمها أحد، لذلك فهو أهل للتفرد بالألوهية، وكما أنه هو المتفرد بعلم الغيب، فهو سبحانه يعلم كل شيء عن عالم الشهادة المشاهد الملحوظ، فالخلق وإن علموا جانبا من عالم الشهادة إلا أنهم لا يستطيعون الإحاطة بعلم كل ما في الدنيا من بشر وشجر، وحجر ومدر، وبحار وأنهار، وفضاء وهواء، وإنسان وحيوان، فالله وحده هو الذي أحاط بكل شيء علما.
فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
وهو سبحانه منزه عن الشريك والمثيل والنظير.
قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. ( لقمان : ٣٤ ).
وقال عز شأنه : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. ( المجادلة : ٧ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيتين٩١ – ٩٢ :
يذكر علماء الكلام هنا دليل التمانع : وهو أنه لو فرض صانعان خالقان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم، والآخر أراد سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والإله الواجب الوجود لا يكون عاجزا، ويمتنع اجتماع مراديهما وتحقيق رغبتيهما في آن واحد للتضاد، وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد فيكون محالا.
فأما إن حصل ماد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الواجب الوجود المستحق للألوهية، والآخر المغلوب لا يكون كذلك، لأنه يليق بصفة الواجب الوجود أن يكون مقهورا.

إرشادات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
﴿ قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ( ٩٣ ) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( ٩٤ ) وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ( ٩٥ ) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ( ٩٦ ) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ( ٩٧ ) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ( ٩٨ ) حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ( ٩٩ ) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( ١٠٠ ) ﴾.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن تنزيه الله عن الشريك والولد، وهنا يوجه الله تعالى والرسول الأمين، بأن يلجأ إلى الله بالدعاء في الشدائد، حتى لا يجعله مع القوم الظالمين فتحل به عقوبتهم، وأن يتعوذ بالله من وسوسة الشياطين، الذين يزينون للكفار الشرك فيطيعونهم، وهؤلاء الكفار يتبينون الحقيقة عند الموت فيتمنون الرجوع إلى الدنيا لتدارك الموقف، لكن لا يجابون إلى طلبهم وبين الدعاءين الأول والأخير يتوسط توجيه سماوي بمقابلة الإساءة بالإحسان.
التفسير :
٩٣، ٩٤ - قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
إما تريني ما يوعدون : إن كان ولا بد من أن تريني ما يوعدون من العذاب في الدنيا والآخرة.
فلا تجعلني في القوم الظالمين : أي : قرينا لهم فأهلك بهلاكهم، لأن شؤم الظلمة قد يحيق بما وراءهم، كقوله تعالى : وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً... ( الأنفال : ٢٥ ).
عند الشدائد والمحن يلجأ المؤمن إلى ربه، طالبا النجاة، وهنا يوجه الله الرسول الأمين بأن يدعو الله قائلا : إن كان ولا بد من مشاهدتي عذاب الكافرين، في الدنيا أو في الآخرة، فلا تجعلني فيهم، ونجني منهم ولا تعذبني بعذابهم، ونجني من عذابك للظالمين، واجعلني مع من رضيت عنهم، من أوليائك المؤمنين.
فإن العذاب قد يصيب غير أهله، كما قال تعالى : وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً... ( الأنفال : ٢٥ ).
وروى الإمام أحمد، والترمذي وصححه : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول :( وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفني إليك غير مفتون )xxvi.
وعن الحسن، أنه تعالى أخبر نبيه أن له في أمته نقمة، ولم يطلعه على وقتها، فأمره بهذا الدعاء، والإرشاد إلى هذا الدعاء ليعظم أجره، وليكون دائما ذاكرا ربه، ولتعليمنا ذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٣:إرشادات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
﴿ قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ( ٩٣ ) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( ٩٤ ) وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ( ٩٥ ) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ( ٩٦ ) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ( ٩٧ ) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ( ٩٨ ) حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ( ٩٩ ) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( ١٠٠ ) ﴾.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن تنزيه الله عن الشريك والولد، وهنا يوجه الله تعالى والرسول الأمين، بأن يلجأ إلى الله بالدعاء في الشدائد، حتى لا يجعله مع القوم الظالمين فتحل به عقوبتهم، وأن يتعوذ بالله من وسوسة الشياطين، الذين يزينون للكفار الشرك فيطيعونهم، وهؤلاء الكفار يتبينون الحقيقة عند الموت فيتمنون الرجوع إلى الدنيا لتدارك الموقف، لكن لا يجابون إلى طلبهم وبين الدعاءين الأول والأخير يتوسط توجيه سماوي بمقابلة الإساءة بالإحسان.

التفسير :

٩٣، ٩٤ - قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
إما تريني ما يوعدون : إن كان ولا بد من أن تريني ما يوعدون من العذاب في الدنيا والآخرة.
فلا تجعلني في القوم الظالمين : أي : قرينا لهم فأهلك بهلاكهم، لأن شؤم الظلمة قد يحيق بما وراءهم، كقوله تعالى : وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً... ( الأنفال : ٢٥ ).
عند الشدائد والمحن يلجأ المؤمن إلى ربه، طالبا النجاة، وهنا يوجه الله الرسول الأمين بأن يدعو الله قائلا : إن كان ولا بد من مشاهدتي عذاب الكافرين، في الدنيا أو في الآخرة، فلا تجعلني فيهم، ونجني منهم ولا تعذبني بعذابهم، ونجني من عذابك للظالمين، واجعلني مع من رضيت عنهم، من أوليائك المؤمنين.
فإن العذاب قد يصيب غير أهله، كما قال تعالى : وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً... ( الأنفال : ٢٥ ).
وروى الإمام أحمد، والترمذي وصححه : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول :( وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفني إليك غير مفتون )xxvi.
وعن الحسن، أنه تعالى أخبر نبيه أن له في أمته نقمة، ولم يطلعه على وقتها، فأمره بهذا الدعاء، والإرشاد إلى هذا الدعاء ليعظم أجره، وليكون دائما ذاكرا ربه، ولتعليمنا ذلك.

تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن تنزيه الله عن الشريك والولد، وهنا يوجه الله تعالى والرسول الأمين، بأن يلجأ إلى الله بالدعاء في الشدائد، حتى لا يجعله مع القوم الظالمين فتحل به عقوبتهم، وأن يتعوذ بالله من وسوسة الشياطين، الذين يزينون للكفار الشرك فيطيعونهم، وهؤلاء الكفار يتبينون الحقيقة عند الموت فيتمنون الرجوع إلى الدنيا لتدارك الموقف، لكن لا يجابون إلى طلبهم وبين الدعاءين الأول والأخير يتوسط توجيه سماوي بمقابلة الإساءة بالإحسان.
٩٥ - وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ.
لو شئنا لأطلعناك أيها الرسول الكريم على العذاب الذي ينتظرهم، وعلى الوقت الذي سيقع فيه عليهم لكن لحكمة إلهية أخفى الله ذلك، إلى حين، لعل بعض ذرياتهم يؤمن.
وسورة ( المؤمنون ) مكية، والتوجه كان في مكة إلى الصبر والاحتمال، ولذلك ستأتي آيات تحث على مقابلة السيئة بالحسنة، وقد كشف الله لرسوله بعد ذلك عن عذاب الكافرين في غزوة بدر وفي فتح مكة.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن تنزيه الله عن الشريك والولد، وهنا يوجه الله تعالى والرسول الأمين، بأن يلجأ إلى الله بالدعاء في الشدائد، حتى لا يجعله مع القوم الظالمين فتحل به عقوبتهم، وأن يتعوذ بالله من وسوسة الشياطين، الذين يزينون للكفار الشرك فيطيعونهم، وهؤلاء الكفار يتبينون الحقيقة عند الموت فيتمنون الرجوع إلى الدنيا لتدارك الموقف، لكن لا يجابون إلى طلبهم وبين الدعاءين الأول والأخير يتوسط توجيه سماوي بمقابلة الإساءة بالإحسان.
٩٦ - ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ.
أي : قابل السيئة بالحسنة، وتحمل ما تتعرض له من أذى الكفار وتكذيبهم، وادفع بالخصلة التي هي أحسن، بالصفح والعفو، والصبر على الأذى، والكلام الجميل كالسلام، نحن أعلم بحالها وبما يصفوننا من الشرك والتكذيب.
ونظير الآية قوله تعالى : ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
أي : قابل الإساءة بالخصلة التي هي أحسن وهي الإحسان والعفو والصفح، فإن الإحسان يحول العدو إلى صديق، والبغيض إلى حبيب، ولا يقدر على ذلك إلا الصابر عظيم الحظ في الدنيا والآخرة.
وقيل : هذه الآية منسوخة، نسختها آية السيف.
أشار بدر الدين الزركشي إلى أنها غير منسوخة لأنها تأمر بمكارم الأخلاق، وبالصبر والاحتمال والمداراة وهي أمور مرغوب فيها ما لم تتعارض مع الدين والمروءة.
قال الزركشي، والشاطبي في الموافقات : ليست هذه الآية منسوخة بآية السيف، وإنما هذا من باب التدرج في التشريع، فعندما كان المسلمون ضعافا في مكة أمرهم الله بالصبر والمداراة، وعندما صاروا أقوياء في المدينة أمرهم الله بالجهاد، وهكذا كلما كان المسلمون ضعافا أمروا بالصبر، وكلما كانوا أقوياء أمروا بالدفاع والجهاد.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن تنزيه الله عن الشريك والولد، وهنا يوجه الله تعالى والرسول الأمين، بأن يلجأ إلى الله بالدعاء في الشدائد، حتى لا يجعله مع القوم الظالمين فتحل به عقوبتهم، وأن يتعوذ بالله من وسوسة الشياطين، الذين يزينون للكفار الشرك فيطيعونهم، وهؤلاء الكفار يتبينون الحقيقة عند الموت فيتمنون الرجوع إلى الدنيا لتدارك الموقف، لكن لا يجابون إلى طلبهم وبين الدعاءين الأول والأخير يتوسط توجيه سماوي بمقابلة الإساءة بالإحسان.
٩٧، ٩٨ - وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ.
الهمزات : الوساوس المغرية بمخالفة ما أمرنا به، واحدها : همزة، وأصل الهمز : النخس والدفع بيد أو غيرها، ومنه : مهماز الرائض ( حديدة توضع في مؤخر الرجل ينخس بها الدابة لتسرع ).
وقل : يا رب إني ألجأ إليك وأتحصن بك وأتمسك بعنايتك وفضلك من وساوس الشياطين وتزيينهم للشر والمعصية، وألتجئ إليك وأتمسك بفضلك ورجائك أن تعصمني من حضور الشياطين في أي أمر من أموري، أو حضورهم سكرات موتي.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دائم الذكر لله تعالى، متذكرا فضله ونعمته في كل أمر من أمور حياته، فكان يذكر الله عند النوم واليقظة والأكل والجماع والذبح وغير ذلك، وهذا الذكر لرفع الدرجة، وزيادة الشكر، وتعليم الأمة.
وروى أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع :( بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون )xxvii.
فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه، ومن كان صغيرا لا يعقل أن يحفظها ؛ كتبها له، فلعقها في عنقه.
وأخرج أحمد، عن الوليد بن الوليد أنه قال : يا رسول الله، إني أجد وحشة، قال :( إذا أخذت مضجعك فقل : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فإنه لا يحضرك وبالحري لا يضرك )xxviii.
وروى أبو داود، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول :( اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الهدم، ومن الغرق، وأعوذ بك أن تتخبطني الشياطين عند الموت )xxix.
وفي هذا المعنى علمنا القرآن الالتجاء والتحصن والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في المعوذتين وغيرهما، مثل قوله تعالى : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. ( النحل : ٩٨ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٧:تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن تنزيه الله عن الشريك والولد، وهنا يوجه الله تعالى والرسول الأمين، بأن يلجأ إلى الله بالدعاء في الشدائد، حتى لا يجعله مع القوم الظالمين فتحل به عقوبتهم، وأن يتعوذ بالله من وسوسة الشياطين، الذين يزينون للكفار الشرك فيطيعونهم، وهؤلاء الكفار يتبينون الحقيقة عند الموت فيتمنون الرجوع إلى الدنيا لتدارك الموقف، لكن لا يجابون إلى طلبهم وبين الدعاءين الأول والأخير يتوسط توجيه سماوي بمقابلة الإساءة بالإحسان.
٩٧، ٩٨ - وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ.
الهمزات : الوساوس المغرية بمخالفة ما أمرنا به، واحدها : همزة، وأصل الهمز : النخس والدفع بيد أو غيرها، ومنه : مهماز الرائض ( حديدة توضع في مؤخر الرجل ينخس بها الدابة لتسرع ).
وقل : يا رب إني ألجأ إليك وأتحصن بك وأتمسك بعنايتك وفضلك من وساوس الشياطين وتزيينهم للشر والمعصية، وألتجئ إليك وأتمسك بفضلك ورجائك أن تعصمني من حضور الشياطين في أي أمر من أموري، أو حضورهم سكرات موتي.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دائم الذكر لله تعالى، متذكرا فضله ونعمته في كل أمر من أمور حياته، فكان يذكر الله عند النوم واليقظة والأكل والجماع والذبح وغير ذلك، وهذا الذكر لرفع الدرجة، وزيادة الشكر، وتعليم الأمة.
وروى أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع :( بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون )xxvii.
فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه، ومن كان صغيرا لا يعقل أن يحفظها ؛ كتبها له، فلعقها في عنقه.
وأخرج أحمد، عن الوليد بن الوليد أنه قال : يا رسول الله، إني أجد وحشة، قال :( إذا أخذت مضجعك فقل : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فإنه لا يحضرك وبالحري لا يضرك )xxviii.
وروى أبو داود، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول :( اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الهدم، ومن الغرق، وأعوذ بك أن تتخبطني الشياطين عند الموت )xxix.
وفي هذا المعنى علمنا القرآن الالتجاء والتحصن والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في المعوذتين وغيرهما، مثل قوله تعالى : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. ( النحل : ٩٨ ).

تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن تنزيه الله عن الشريك والولد، وهنا يوجه الله تعالى والرسول الأمين، بأن يلجأ إلى الله بالدعاء في الشدائد، حتى لا يجعله مع القوم الظالمين فتحل به عقوبتهم، وأن يتعوذ بالله من وسوسة الشياطين، الذين يزينون للكفار الشرك فيطيعونهم، وهؤلاء الكفار يتبينون الحقيقة عند الموت فيتمنون الرجوع إلى الدنيا لتدارك الموقف، لكن لا يجابون إلى طلبهم وبين الدعاءين الأول والأخير يتوسط توجيه سماوي بمقابلة الإساءة بالإحسان.
٩٩، ١٠٠ - حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ...
كلا : كلمة تستعمل للردع والزجر عن حصول ما يطلب.
من ورائهم : من أمامهم.
برزخ : حاجز بينهم وبين الرجعة.
يظل الكافر والمؤمن العاصي في عمل السيئات، وطاعة الشياطين، حتى إذا نزل الموت بساحته وشاهد ما أعده الله للعصاة، تحركت فيه الرغبة في أن يعود للدنيا، ليعمل عملا صالحا، وتتكرر هذه الرغبة عند الحشر، وعند معاينة جهنم، وعند العذاب في نار جهنم، يطلبون في كل هذه المواقف الرجعة إلى الدنيا لتدارك ما فاتهم من العمل الصالح، لكن الحق سبحانه لا يجيبهم إلى طلبهم، بل يخبرهم أن طلبهم هذا مرفوض، ويستمرون في عذاب القبر، إلى البعث، ثم يتم الحشر والحساب، ثم يتوجهون إلى جهنم لاستكمال العذاب.
وقد كرر القرآن مشاهد القيامة وأهوالها، ومشاهد النار وعذابها، وتمنى الكافرين أن يعودوا إلى الدنيا، ليؤمنوا بالله ويصدقوا برسله، لكنهم لا يجابون إلى ذلك.
قال تعالى : وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ. ( إبراهيم : ٤٤ ).
وقال تعالى : وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. ( الأنعام : ٢٧ ).
وتجد ذلك في الآية ٥٣ من سورة الأعراف، والآية ١٢ من سورة السجدة، والآية ٤٤ من سورة الشورى، والآية ٣٧ من سورة فاطر، وهذا كله يدل على أن تمني العودة إلى الدنيا يحدث حال المعاينة للعذاب عند الاحتضار، وحين النشور وحين الحساب، وحين العرض على النار، وبعد دخولهم النار، ولا يجابون إلى ذلك أبدا قال تعالى :
كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
أي : لا جواب لهؤلاء ولا كرامة لهم، إنها كلمة تخرج من أفواههم، لا تلقى ترحيبا ولا جوابا، ويستمرون محبوسين تعذب أرواحهم في البرزخ، ومن أمامهم حاجز يحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا، فلا رجعة بعد البعث إلا إلى الآخرة، وقريب من هذا المعنى قوله تعالى : وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون. ( المنافقون : ١٠، ١١ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن تنزيه الله عن الشريك والولد، وهنا يوجه الله تعالى والرسول الأمين، بأن يلجأ إلى الله بالدعاء في الشدائد، حتى لا يجعله مع القوم الظالمين فتحل به عقوبتهم، وأن يتعوذ بالله من وسوسة الشياطين، الذين يزينون للكفار الشرك فيطيعونهم، وهؤلاء الكفار يتبينون الحقيقة عند الموت فيتمنون الرجوع إلى الدنيا لتدارك الموقف، لكن لا يجابون إلى طلبهم وبين الدعاءين الأول والأخير يتوسط توجيه سماوي بمقابلة الإساءة بالإحسان.
٩٩، ١٠٠ - حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ...
كلا : كلمة تستعمل للردع والزجر عن حصول ما يطلب.
من ورائهم : من أمامهم.
برزخ : حاجز بينهم وبين الرجعة.
يظل الكافر والمؤمن العاصي في عمل السيئات، وطاعة الشياطين، حتى إذا نزل الموت بساحته وشاهد ما أعده الله للعصاة، تحركت فيه الرغبة في أن يعود للدنيا، ليعمل عملا صالحا، وتتكرر هذه الرغبة عند الحشر، وعند معاينة جهنم، وعند العذاب في نار جهنم، يطلبون في كل هذه المواقف الرجعة إلى الدنيا لتدارك ما فاتهم من العمل الصالح، لكن الحق سبحانه لا يجيبهم إلى طلبهم، بل يخبرهم أن طلبهم هذا مرفوض، ويستمرون في عذاب القبر، إلى البعث، ثم يتم الحشر والحساب، ثم يتوجهون إلى جهنم لاستكمال العذاب.
وقد كرر القرآن مشاهد القيامة وأهوالها، ومشاهد النار وعذابها، وتمنى الكافرين أن يعودوا إلى الدنيا، ليؤمنوا بالله ويصدقوا برسله، لكنهم لا يجابون إلى ذلك.
قال تعالى : وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ. ( إبراهيم : ٤٤ ).
وقال تعالى : وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. ( الأنعام : ٢٧ ).
وتجد ذلك في الآية ٥٣ من سورة الأعراف، والآية ١٢ من سورة السجدة، والآية ٤٤ من سورة الشورى، والآية ٣٧ من سورة فاطر، وهذا كله يدل على أن تمني العودة إلى الدنيا يحدث حال المعاينة للعذاب عند الاحتضار، وحين النشور وحين الحساب، وحين العرض على النار، وبعد دخولهم النار، ولا يجابون إلى ذلك أبدا قال تعالى :
كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
أي : لا جواب لهؤلاء ولا كرامة لهم، إنها كلمة تخرج من أفواههم، لا تلقى ترحيبا ولا جوابا، ويستمرون محبوسين تعذب أرواحهم في البرزخ، ومن أمامهم حاجز يحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا، فلا رجعة بعد البعث إلا إلى الآخرة، وقريب من هذا المعنى قوله تعالى : وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون. ( المنافقون : ١٠، ١١ ).

﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ( ١٠١ ) فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ١٠٢ ) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ( ١٠٣ ) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ( ١٠٤ ) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ( ١٠٥ ) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ( ١٠٦ ) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ( ١٠٧ ) قَالَ اخْسَأُُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ( ١٠٨ ) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ( ١٠٩ ) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ( ١١٠ ) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ( ١١١ ) ﴾.
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
التفسير :
١٠١ - فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ.
الصور : يطلق على البوق فيكون مفردا، ويطلق على الصور ( بفتح الواو ) فيكون جمعا لصورة، مثل : بسر وبسرة.
فلا أنساب بينهم : فلا تنفعهم الأنساب، وهي القرابات.
ولا يتساءلون : ولا يسأل بعضهم بعضا عن حاله.
إذا نفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية ؛ قام الناس للحساب، وقد اشتد الهول، وعظم الخطب، وانشغل كل إنسان بنفسه، ولم يعد هناك مجال للتفاخر بالأحساب والأنساب التي كان يفتخر بها في الدنيا، لأن الفخر حينئذ بالعمل الصالح وهو معيار التفاضل في ذلك اليوم.
وَلَا يَتَسَاءلُونَ.
لا يسأل بعضهم بعضا عن أحوالهم لشدة الهول، ولانشغال كل إنسان بنفسه، حتى الرسل وهم صفوة الله من خلقه يقول كل واحد منهم : نفسي نفسي، حين يطلب منهم الشفاعة لإراحة الناس من هول الموقف.
فإن قيل : قد ورد في القرآن أن الناس توقف للسؤال في آيات أخرى، مثل قوله تعالى : وقفوهم إنهم مسئولون. ( الصافات : ٢٤ ).
وقوله سبحانه : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. ( الطور : ٢٥ ).
فالجواب : أن يوم القيامة فيه مواقف متعددة، في بعضها يسمح للإنسان بالكلام والسؤال والتساؤل، وفي بعضها لا يسمح له بالكلام ولا بالتساؤل.
وذلك شبيه بإنسان في ساحة القضاء في الدنيا، يسمح له من يحقق معه بإبداء رأيه ودفاعه عن نفسه فإذا حجزت القضية للنطق بالحكم ؛ لم يعد يسمح له بالكلام.
في أعقاب الآية
قرأ ابن عباس : فإذا نفخ في الصور. بواو مفتوحة، وهي جمع صورة، والمراد بها : إطلاق الأرواح من البرزخ لتلحق بأجسادها.
قال الآلوسي : ولا تنافي بين النفخ في الصور بمعنى القرن، الذي جاء به الخبر ودلت عليه آيات أخر، وبين النفخ في الصور جمع صورة، فقد جاء أن هذا النفخ عند ذاك.
ويكون معنى الآية :
إذا نفخ في الصور وعادت الأرواح إلى أجسادها، وقام الناس من قبورهم للبعث والحشر والحساب ؛ فلا تنفعهم قراباتهم وأحسابهم كما كانت تنفعهم في الدنيا، إذ لا ينفع الإنسان حينئذ إلا عمله.
ومن جهة أخرى فكل إنسان مشغول بنفسه عن الآخرين قال تعالى : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ. ( عبس : ٣٤ – ٣٧ ).
أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن مسعود قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ؛ ثم نادى مناد : ألا من كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقه، قال : فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا، ومصداق ذلك في كتاب الله، قال الله تعالى : فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَxxx.
وروى الإمام أحمد، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( فاطمة بضعة مني، يغيظني ما يغيظها، وينشطني ما ينشطها، وإن الأنساب تتقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري ).
قال ابن كثير في التفسير : وهذا الحديث له أصل في الصحيحين : فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها ويؤذيني ما آذاها )xxxi.
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١٠٢ - فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
فمن ثقلت موازينه : فمن رجحت موزوناته من الأعمال الصالحة.
أي : من ثقلت ورجحت حسناته على سيئاته ؛ فأولئك هم الذين فازوا بالجنة والنعيم المقيم.
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١٠٣ - وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ.
ومن زادت سيئاته على حسناته ؛ فهؤلاء هم الذين خسروا أنفسهم وضيعوها بكفرهم، فهم بسبب ذلك خالدون في جهنم مخلدون في عذابها، يشقون فيها شقاء لا سعادة بعده أبدا.
قال تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا. ( الكهف : ١٠٥ ).
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١٠٤ - تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ.
تلفح : تحرق.
كالحون : عابسون متقلصو الشفاة.
تحرق النار وجوههم، وهم فيها متقلصو الشفاة عن الأسنان من أثر احتراق الوجوه، وتخصيص الوجوه بالذكر لأنها أشرف الأعضاء، فبيان سوء حالها أدل على بيان سوء سواها.
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١٠٥ - أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ.
يقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ : ألم أرسل لكم الرسل، ألم أنزل عليهم الكتب، ليبلغوكم ويوضحوا لكم الرسالات وسبل الإيمان والهداية، فأعرضتم عنهم وكذبتم بهم ؟
وقريب من هذه الآية قوله تعالى : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء... ( الملك : ٨، ٩ ).
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١٠٦ - قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ.
شقوتنا : الشقوة والشقاوة : سوء العاقبة، وهي ضد السعادة.
قالوا : يا ربنا غلبت علينا أهواؤنا ونزعاتنا وسوء الظن برسلنا، فكذبنا بآياتك في دنيانا، وآثرنا الباطل على الحق، وتركنا الإيمان بالرسل عنادا وكبرا وبطرا، وظلما وعدوانا ؛ فظلمنا أنفسنا في الدنيا، وحق علينا الشقاء في الآخرة.
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١٠٧ - رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ.
لقد اعترفوا بخطئهم تمهيدا لرجائهم من الله أن يعيدهم إلى الدنيا مرة أخرى ؛ حتى يصدقوا المرسلين ويؤمنوا بالله رب العالمين، وما لهم لا يؤمنون وقد شاهدوا عذاب النار وذاقوا ويلها وسعيرها، لذلك قالوا :
فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ.
أي : فإن عدنا إلى التكذيب والجحود والعدوان ؛ فإنا متجاوزون الحد في الظلم.
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١٠٨ - قَالَ اخْسَأُُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ.
اخسأوا : اسكتوا سكوت ذلة وهوان.
أي : قال الله تعالى لهم جوابا على طلبهم الرجعة إلى الدنيا : انزجروا وامكثوا في النار في ذل وهوان، ولا تكلموني في شأن الرجوع إلى الدنيا.
وقد جاء في الأثر : إذا قال الكفار : رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ. يسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم : اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ. فوالله، ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم، فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق، وقال ابن مسعود : إذا قال الله لهم : اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ؛ أطبقت عليهم النار فلا يخرج منهم أحدxxxii.
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١٠٩ - إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.
أي : كان جماعة من ضعفاء المؤمنين يتضرعون إلى الله تعالى، سائلين منه المغفرة والرحمة والثبات على الإيمان، فسخرتم بهم.
قال مجاهد : هم بلال، وخباب، وصهيب، وغيرهم من ضعفاء المسلمين، كان أبو جهل وأصحابه يهزءون بهم.
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١١٠ - فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ.
سخريا : هزوا.
ذكرى : خوف عقابي.
فتشاغلتم بهم، ساخرين منهم، مستهزئين بهم حتى نسيتم عبادتي ودعائي، وشغلكم بغضهم والتفنن في إيذائهم عن النظر في رسالة رسولي، أو التفكير في الإيمان بي.
وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ.
أي : من صنيعهم وعبادتهم، ونحو الآية قوله تعالى : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون. ( المطففين : ٢٩، ٣٠ ).
تمهيد :
تصف الآيات مشاهد القيامة حيث ينفخ في الصور، وتعود الأرواح إلى الأجسام، ويتم البعث والحشر والحساب، ولا تنفع الأحساب في ذلك اليوم، وإنما تنفع الأعمال، فالسعداء في الجنة والأشقياء في جهنم، ويتم سؤال هؤلاء الأشقياء توبيخا لهم، فيقال لهم : ألم أرسل إليكم الرسل ؟ ألم أنزل على الرسل كتبي وهداياتي ؟
فيعترفون بذلك، ويعترفون بشقوتهم وضلالهم في الدنيا، ويطلبون مهلة ليرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى فيتداركوا ما فاتهم، فيجيبهم ربهم : امكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا، إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
١١١ - إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ.
لقد جازيت هؤلاء الضعفاء من المؤمنين أحسن الجزاء، بسبب صبرهم في الدنيا على أذاكم، حيث جعلتهم أهلا للفوز بنعيم الجنة ورضوان الله رب العالمين.
وقد ورد هذا المعنى في سورة المطففين، حيث بين القرآن أن المؤمنين يثأرون لأنفسهم في الجنة فقال سبحانه : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون. ( المطففين : ٣٤ – ٣٦ ).
أي : هل جوزي الكفار بسبب سخريتهم بالمؤمنين في الدنيا أن صار الكفار من أهل النار، وصار المؤمنون يضحكون مسرورين، وهم يجلسون على الأرائك ويتمتعون بالنعيم، ويشاهدون ذل الكافرين في جهنم ؟
﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ( ١١٢ ) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ( ١١٣ ) قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( ١١٤ ) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ( ١١٥ ) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ( ١١٦ ) وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ( ١١٧ ) وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ( ١١٨ ) ﴾.
تمهيد :
إذا استقر أهل النار في النار، وأيقنوا أنهم مخلدون فيها أبدا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، أي : المدة التي قضوها في الدنيا، ليتبين لهم أن ما ظنوه أمدا طويلا، يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذ يزدادون حسرة وألما على ما كانوا يعتقدون في الدنيا، حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعد ذلك ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثا، تنزه الله تعالى عن ذلك.
التفسير :
١١٢ – قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ.
اللبث : الإقامة.
أراد الله تبكيتهم وزجرهم على استهانتهم بالآخرة وعدم العمل لها، وإقبالهم على الدنيا وشهواتها واعتبارها الهدف والأمل، فوجه إليهم هذا السؤال إما مباشرة، وإما على لسان ملك كلفه الله به.
والمعنى : قال الله للكافرين : كم عدد السنين التي لبثتموها في دار الدنيا وأرضها واغتررتم بنعيمها وتوهمتم البقاء فيها ؟
تمهيد :
إذا استقر أهل النار في النار، وأيقنوا أنهم مخلدون فيها أبدا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، أي : المدة التي قضوها في الدنيا، ليتبين لهم أن ما ظنوه أمدا طويلا، يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذ يزدادون حسرة وألما على ما كانوا يعتقدون في الدنيا، حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعد ذلك ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثا، تنزه الله تعالى عن ذلك.
١١٣ - قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ.
العادين : الحفظة العادين لأعمال العباد وأعمارهم.
أجاب الكافرون : بأن مدة مكثنا في الدنيا كانت قصيرة جدا بالنسبة لما نراه من طول أيام الآخرة، وما نتخيله إلا يوما أو بعض يوم، وقد دهتنا الدواهي وشغلتنا الشواغل وأهوال القيامة، فاسأل الملائكة المحاسبين لأعمال العباد فهم أقدر منا على معرفة مدة مكثنا في الدنيا.
تمهيد :
إذا استقر أهل النار في النار، وأيقنوا أنهم مخلدون فيها أبدا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، أي : المدة التي قضوها في الدنيا، ليتبين لهم أن ما ظنوه أمدا طويلا، يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذ يزدادون حسرة وألما على ما كانوا يعتقدون في الدنيا، حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعد ذلك ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثا، تنزه الله تعالى عن ذلك.
١١٤ - قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
إن لبثتم إلا قليلا : ما لبثتم في الأرض إلا زمنا قليلا.
قال الله جوابا على كلام الكافرين : إن مكثكم في الدنيا كان قليلا حقا بالنسبة لما ينتظر الناس هنا من عذاب دائم أو نعيم دائم، ولو أنكم كنتم من أهل العلم والتدبر لأدركتم في الدنيا ما أدركتموه اليوم من إيثار ما يبقى على ما يفنى.
وقد ورد في الأثر : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى ؛ لوجب إيثار ما يبقى على ما يفنى، فكيف والحال أن الدنيا من خزف يفنى والآخرة من ذهب يبقى.
أخرج ابن أبي حاتم، عن أيفع بن عبد الكلاعي مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :( إن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ؛ قال : يا أهل الجنة، كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم، قال : لنعم ما أنجزتم في يوم أو بعض يوم، رحمتي ورضواني وجنتي، امكثوا فيها خالدين مخلدين، ثم يقول : يا أهل النار، كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم، فيقول : بئس ما أنجزتم في يوم أو بعض يوم، ناري وسخطي، امكثوا فيها خالدين مخلدين )xxxiii.
وفي معنى الآية يقول الله تعالى : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها. ( النازعات : ٤٦ ).
تمهيد :
إذا استقر أهل النار في النار، وأيقنوا أنهم مخلدون فيها أبدا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، أي : المدة التي قضوها في الدنيا، ليتبين لهم أن ما ظنوه أمدا طويلا، يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذ يزدادون حسرة وألما على ما كانوا يعتقدون في الدنيا، حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعد ذلك ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثا، تنزه الله تعالى عن ذلك.
١١٥ - أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ.
العبث : ما خلا من الفائدة.
هذه الآية من تمام رد الله تعالى على أهل النار، والمعنى : أجهلتم الحكمة في الخلق والحساب والجزاء، فظننتم أن الدنيا هي الغاية، وأنكم خلقتم للعبث واللهو والترف دون حساب أو جزاء، وظننتم أنه لا حساب ولا جزاء ولا بعث ولا حشر.
تمهيد :
إذا استقر أهل النار في النار، وأيقنوا أنهم مخلدون فيها أبدا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، أي : المدة التي قضوها في الدنيا، ليتبين لهم أن ما ظنوه أمدا طويلا، يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذ يزدادون حسرة وألما على ما كانوا يعتقدون في الدنيا، حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعد ذلك ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثا، تنزه الله تعالى عن ذلك.
١١٦ - فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.
تعالى الله : ترفع الله بذاته وتنزه.
الملك الحق : المالك الثابت الملك دون سواه.
العرش : العرش قي اللغة : سرير الملك، ويكنى به عن العز والسلطان، والعرش كائن عظيم يحيط بالكون، وتصدر من جهته أوامر الله تعالى إلى ملائكته دون أن يكون الله فيه ؛ لاستحالة أن يكون لله مكان. قال المراغي : العرش مركز تدبير العالم.
الكريم : الشريف، وكل ما كرم في جنسه يوصف بالكرم مثل : وزروع ومقام كريم. ( الدخان : ٢٦ ). وقوله تعالى : وقل لهما قولا كريما. ( الإسراء : ٢٣ ).
فتنزه الله بذاته عن خلو أفعاله عن الحكم والمصالح الحميدة فهو سبحانه حكيم في أفعاله، وكل عاقل لا يعمل عملا إلا لحكمة، ومن باب أولى الله المتصف بكل كمال والمنزه عن كل نقص، فهو الملك الحق ذو الملك والملكوت الذي لا يفنى ملكه، وهو الإله الحق الواحد الأحد الفرد الصمد، وهو الذي لا يفنى والإنس والجن يموتون، وهو سبحانه مالك العرش العظيم في مكانته وشرفه.
قال ابن كثير :
فذكر العرش لأنه سقف جميع المخلوقات، ووصفه بأنه كريم، أي : حسن المنظر بهي الشكل، كما قال تعالى : فأنبتنا فيها من كل زوج كريم. ( لقمان : ١٠ ). وكانت آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز، أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وإن لكم معادا ينزل، الله فيه للحكم بينكم، والفصل بينكم، فخاب وخسر وشقى عبد أخرجه الله من رحمته، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن من عذاب الله غدا إلا من حذر هذا اليوم وخافه، وباع نافدا بباق، وقليلا بكثير، وخوفا بأمان، ألا ترون أنكم من أصلاب الهالكين، وسيكون من بعدكم الباقين، حتى تردوا إلى خير الوارثين ؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عز وجل، قد قضى نحبه، وانقضى أجله، حتى تغيبوه في صدع من الأرض، في بطن صدع غير ممهد ولا موسد، قد فارق الأحباب، وباشر التراب، وواجه الحساب، مرتهن بعمله، غنى عما ترك، فقير إلى ما قدم، فاتقوا الله عباد الله، قبل انقضاء مواثيقه، ونزول الموت بكم، ثم جعل طرف ردائه على وجهه، فبكى وأبكى من حولهxxxiv.
وروى أبو نعيم، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبيه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية، وأمرنا أن نقول إذا نحن أمسينا وأصبحنا : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ. قال : فقرأناها فغنمنا وسلمناxxxv.
تمهيد :
إذا استقر أهل النار في النار، وأيقنوا أنهم مخلدون فيها أبدا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، أي : المدة التي قضوها في الدنيا، ليتبين لهم أن ما ظنوه أمدا طويلا، يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذ يزدادون حسرة وألما على ما كانوا يعتقدون في الدنيا، حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعد ذلك ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثا، تنزه الله تعالى عن ذلك.
١١٧ - وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ.
يدع : يعبد.
حسابه : جزاؤه.
ومن يعبد آلهة أخرى مع الله كالأصنام والأحجار، لا يمكن أن يكون له أي دليل على ربوبيتها وصحة عبادته لها، فما حسابه وجزاؤه وعقابه إلا عند الله.
إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ.
إنه لا يسعد أهل الشرك ولا ينجيهم من العذاب. وما ألطف افتتاح السورة بفلاح المؤمنين وختمها بعدم فلاح الكافرين وخيبتهم وعدم فوزهم بما يؤملون.
تمهيد :
إذا استقر أهل النار في النار، وأيقنوا أنهم مخلدون فيها أبدا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، أي : المدة التي قضوها في الدنيا، ليتبين لهم أن ما ظنوه أمدا طويلا، يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذ يزدادون حسرة وألما على ما كانوا يعتقدون في الدنيا، حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعد ذلك ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثا، تنزه الله تعالى عن ذلك.
١١٨ - وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.
أي : قل أيها النبي أنت وأمتك : رب استر وامح ذنوبي بعفوك عنها، وارحمني بقبول توبتي وترك عقابي على ما اجترحت من آثام وأوزار.
وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.
أنت خير من رحم ذا ذنب فقبل توبته وتجاوز عن عقابه، إنك ربنا خير غافر، وإنك المرجو لإصلاح الضمائر، وأنت الذي تمنح السداد والتوفيق في الأقوال والأفعال.
أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال :( قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم )xxxvi.
Icon