ﰡ
قوله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١)﴾
قيل: الملائكة صافات أقدامها وأجنحتها في الهوى، وقيل: الطير، وقيل: العلماء العمال يصفون أقدامهم في التهجد.
الزمخشري: وقيل: الغزاة في سبيل الله تعالى التي تصف الصفوف، وتجرد الخيل للجهاد، وتتلوا الذكر مع ذلك، لأنه لَا يشغلها عنه شاغل، كما يحكى عن علي.
قال الطيبي: إن عليا رضي الله عنه كان يمشي بين الصفوف وسيفه يقطر دما، ولا يفتر عن خطبته.
قال ابن عرفة: إنما [مراده*] ما في الحديث الصحيح أن عليا رضي الله عنه في [حديث "أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا"*] مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ لَهُ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ. ، قال: والاصطفاف هو كون الكتائب على خط مستقيم، وهل يشترط مع ذلك تلاصقها، ومقاومتهما إلى مجرد كونها على خط، وإن تباعد بعضها عن بعض، وهكذا قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ).
قال ابن عرفة: وهذه المعطوفات، قيل: إن عطفها ترق، وقيل: إنه بدل، والصواب أنه ترق؛ لأن الاصطفاف يكون من الجماد وغيره، وهو قاصر غير متعد للغير، والفعل المتعدي أقوى من القاصر مع أن الزجر يكون في الخير والشر، فقد يزجر الإنسان غيره عن الخير، وقد يزجره عن الشر، بخلاف تلاوة الذكر؛ فإنه مجرد طاعة فمتعلقه ذات الخالق وصفاته، وهو بالضرورة أشرف وأبين، وإذا جعلته ترقيا كان عطفها تأسيسا، وإن كان تدليا كان العطف تأكيدا.
قال: وحكى الفخر في المعالم الخلاف هل الملائكة أفضل من البشر، أو لَا؟ وحكى في الأربعين والمحصل هل الملائكة بالإطلاق أفضل من الأنبياء أم لَا؟
قال الزمخشري: والعطف بالفاء إما على الترتيب في الوجود، كقوله:
[يَا لَهْفَ زَيَّابَةَ لِلْحَارِثِ | الصَّابِحِ فالغَانِم فَالْآيِبِ*] |
ابن عرفة: صوابه الذي [**ورد اسم الفعل] اسم الفاعل عنه، وذكروا منه، أيفع الكلام فهو يافع، وأورش الشجر فهو وارش؛ بخلاف صبح فلم ترد فيه صابح.
الإله هو المستغني بذاته المفتقر غيره إليه.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا... (٦)﴾
التزيين هو زيادة وصف في الماهية بعد كمالها، يوجب حسنها احترازا من زيادتها قبل كمالها، فإنه ليس بتزيين.
قوله تعالى: ﴿وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧)﴾
قال الزمخشري: المارد الخارج عن الطاعة، [المتملس*] منها.
وقال ابن عطية: [المارد» المتجرد للشر، ومنه شجرة مرداء لا ورق عليها*].
قال ابن عرفة: المارد هو القوي؛ فيحتمل أن يرجع إلى [قوة نفسه*]، وإلى قوته على التخيل، وإن كان في نفسه ضعيفا؛ فإن رجع إلى قوة نفسه فحفظ السماء من يستلزم حفظها من دونه من باب أحرى، وإن رجع إلى قوته إلى التخيل مما يلزم حفظ السماء منه، حفظها ممن لَا يقدر على التخيل، وإن كان في ذاته قويا هذا ينبنى على الخلاف في السماء، هل هي الآن محفوظة من جميع الشياطين، المارد، وغيره، أو من المردة فقط.
قوله تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٧)﴾
قال ابن عرفة: قالوا: الجملة الثالثة تارة تكون مفسرة لما قبلها، كقولك: أخذ زيد يثني على عمرو، قال: كذا وكذا، وتارة تكون أجنبية، كقولك: خطب زيد، وقال: كذا وكذا، وهذه تحتمل الأمرين، وأتت على المعنى الثاني؛ لأن قبلها (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ).
قوله تعالى: (يَتَسَاءَلُونَ).
قال ابن عرفة: عادتهم يقولون: السؤال طلب [قال صاحب الجمل*]. الكلام: إن دل على طلب الفعل كان مع الاستعلاء أمرا، ومع الخضوع دعاء، ومسألة، [ومع*] التساوي التماثل، قال: والجملة الثانية مفسرة له، فيلزم [أحد*] أمرين: إما تغيير الشيء بنقيضه؛ لأن الثانية خبرية؛ أو إبطال ما قاله [صاحب الجمل*]، وأجيب: بأن السؤال هنا المراد به التوبيخ، وليس بسؤال حقيقة، وقد قال المفسرون فى قوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ).
قوله تعالى: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣)﴾
فأجاب بعضهم: بأن هذا كلام ابتدأ به المسلم، فقال (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا)، [نحيا ونُبعث*]؛ فأنكر ذلك عليه [قومُه*]، وأعاد كلامه على ما هو عليه بأداة الإنكار، والمسلَّم كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عظام بني آدم كلها تفنى إلا [عَجْب الذَّنَب*]، وهو قُدِّر بغرز إبرة؛ فلذلك قال: (عِظَامًا) في سورة (ق) حكاية عن كلام كافر ابتدأ من غير أن يتقدمه شيء.
قوله تعالى: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥)﴾
قال المفسرون: إنما عرفه بعد مدة طويلة.
ابن عرفة: عادتهم يقولون: العطف بالفاء يقتضي التعقيب، وأجابوا: بأنه دله ولم يعرفه، ثم عرفه بعد مدة طويلة؛ كما تنظر صاحبك في السجن، فقد تبدلت سجيَّته وتغيرت حاله؛ فما تعرفه إلا بعد التأمل، وتكرار النظر.
قوله تعالى: ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦)﴾
كان بعضهم يقول: هذا دليل على [أن*] القياس التمثيلي المستعمل في الكلام؛ لأن المعنى قاربت أن ترديني على مثل دينك؛ وقد نزل بك العذاب؛ فكان يترك في مثل ما نزل بك؛ والقسم بالتاء للتعجب.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي... (٥٧)﴾
أي: شاملة لنا.
قوله تعالى: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى... (٥٩)﴾
ابن عرفة: ظاهر الآية يقتضي ما قال المفسرون. لأن الاستفهام بمعنى التقرير [يصير*] المنفي مثبتا، والمثبت منفيا، مثل (أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ)، فيقتضي إثبات الموت والعذاب؛ أي نحن ميتون غير الموت الأول ومعذبون، وليس المراد [ذلك*]، فلا بد من إضمار، بل المعنى: نحن مبعوثون غير ميتين غير الموت الأول ومعذبون، فلم تدخل أداة الإنكار على المنفي، بل على مثبته، ونفي العذاب يستلزم [نفي الإعادة*].
قوله تعالى: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤)﴾
فإِن قلت: هلا قال: إنها شجرة تنبت في أصل الجحيم.
قلنا: عادتهم يجيبون: بأن النبات فيه إشعار بالماء والتراب؛ وهو أقرب للمعجزة؛ لأنه نبات أخضر رطب فيما يناقضه وهو النار.
قال ابن عرفة: وهذه الشجرة يحتمل أن تكون واحدة بالنوع؛ فتكون على جهة من جهات جهنم فيها شجرة، أو تكون واحدة بالشخص.
قوله تعالى: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥)﴾
الزمخشري: هذا استعارة إما لفظية أو معنوية.
قال الطيبي: اللفظية جعلك الشيء نفس الشيء وليس به، وهو أن يطلق اسم المشبه على [المشبه به*] [من غير أداة تشبيه*]، مثل: رأيت أسدا تريد رجلا كالأسد، والمعنوية جعلك الشيء للشيء وليس له، كقولك: إذا أصبحت بيد الشمال زمامها فهذا مدع أن للريح الشمال يدا، وللسحاب [زماما*]، وأيضا خفى الأول بحسن الرجوع للتشبيه، فيقال: رأيت رجلا كالأسد، وفي الثاني لَا يحسن ذلك، فقال: [... ] أما اللفظية فهي أن المطلع موضوع لحمل الشجرة مع قصد أن تكون نخلة باستعمال هنا غيرها، كالرسن، فإنه موضوع للأنف بشرط أن يكون فيه رسن، فإِذا استعمل في أنف الإنسان كان مجازا لفظيا، وللمعنوي هو أن يشبه حمل تلك الشجرة بالطلع الحقيقي تشبيها بليغا، ثم يطلق على ذلك الحمل اسم الطلع؛ فاستعير لحمل شجرة الزقوم اسم الطلع، وشبهه برءوس الشياطين، وفي المرئي بينهم بالقول.
كقول امرئ القيس:
أَيَقْتُلُنِي وَالْمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي... وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ
ولم تر الغول ولا أنيابها.
فهذا حاصله.
قال ابن عرفة: وعادتهم يقررونه قبل وصول كتاب، الطيبي لنا: بأن الاستعارة على ما قال ابن مالك في استعمال اللفظ في غير موضوعه؛ كضرب من التأويل؛
قوله تعالى: ﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦)﴾
ولم يقل: بطونهم مع أنه الأصل.
قال: وكان يجيبون: بأنه إشارة إلى واحد منهم، فملأ منها بطنه بالفعل وبطن ولده، ومن يعز عليه بالحض على الأكل منها ظانا أنها تنفعه وتنفعهم؛ فيريدون عذابا ومضرة.
قوله تعالى: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١)﴾
قال ابن عرفة: الأصل كان بعجزهم ما ينافي الألوهية من القدرة والإرادة، وأما الأكل، [فالإله*] غني عنه لَا يحتاج إليه، ثم أجاب: بأنه أتاهم على وفق دعواهم؛ لأنهم يتقربون إليهم بالذبائح يذبحونها ويعتقدون أنها تأكل.
قوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢)﴾
لما خاطبهم فلم يجيبوه، قال (مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ).
قوله تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)﴾
ابن عرفة: الصبر استحضار المؤلم وعدم التأثر له على تركه، والعفو استحضاره وعدم [الالتفات*] إليه؛ [وهذا*] أعلاها. قوله تعالى: (فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ).
وقال [قبله*] (فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ).
قوله تعالى: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢)﴾
ابن عرفة: [الحاكم إذا حكم بحكم مستدلا له، [قرينة*] على أن الحكم مختلف فيه، ولو كان مجمعا عليه لما احتاج إلى استدلال على صحته.
وقال الفخر في أجزاء المعالم اللدنية: الدليل على أن النبي أفضل من الولي وأشرف؛ أن النبي كامل مكمل، والولي كامل فقط؛ فإن الكامل المكمل أشرف. الثاني: أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " [مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَا غَرَبَتْ، عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ*] "، فقوله: "بَعْدَ النَّبِيِّينَ"، دليل على أن النبي أشرف، وهذا لم يخالف فيه أحد.
قيل له: لعل بعض الملاحدة أو المبتدعة خالف فيه، فقال قوله تعالى: (مِنَ الصَّالِحِينَ)، قد يتوهم منه ذلك، ولولا ذلك لما كان لذكره بعد النبوة [فائدة*].
قال: وعادتهم يجيبون عنه: أن النعت تارة يكون مرادا به الثناء، وهذا يكون فيه الثاني أعلى من الأول، وتارة يراد به حقيقة ذلك الوصف، كقوله تعالى: (أَعْلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ)، وكوصفك طعاما طيبا بأنه [حسن*]، وتارة تصفه بأنه قبيح، [فهذا لحقيقة ذلك الوصف*]؛ فهو إشارة إلى أنه ممن يستحق أن يوصف بتلك الصفة.
وأجاب بعض الطلبة: بأن ذكر الصالحين تنبيه على إبراهيم لمطلوب، لقوله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)، أو يكون الصلاح مقولا بالتشكيك؛ وصلاح النبي أعلى من صلاح الولي.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٣٥)﴾
هي زوجته، [ولوط*] هو ابن أخت إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وقيل: ابن أخيه.
ابن عرفة: ولا يبعد أن يكون جمع الأمرين؛ فيكون أخوه من أبيه تزوج أخته من أمه؛ [فولد*] له لوطا عليه السلام.
الأصل تقديم الليل؛ لأن العرب تؤرخ بالليل؛ لكن إنما قدم الصباح لكي ينظروا ويتأملوا من مواضعهم، فإِذا مروا عليهم بالليل تذكروا، [وما*] كانوا نظروا بالنهار.
قلت: أو لأن مرورهم بالنهار أكثر، وتأكيد بـ إن مثل:
جاءَ شقيقٌ عارضًا رُمْحَه... إِن بني عَمِّكَ فيهم رِمَاحُ
لأن حالتهم في الغفلة وعدم التذكر والاعتبار شيهة بحالة من لم تمر عليهم؛ ولا نظر لمساكنهم ولا لمصرعهم؛ فهو من نفي اللازم لنفي ملزومه فلذلك أخره.
قوله تعالى: ﴿إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠)﴾
قال ابن عرفة: قال الفقيه أبو عبد الله محمد بن نزار: يوم جمعة في الكتبيين: أبِق بكسر الباء فأنكرتها عليه وأنا صغير؛ فاحتشم مني ثم أتاني في الجمعة الأخرى بصحاح الجوهري ضبطها بالفتح والكسر والفتح أشهره.
وقال الثعالبي: من فقه اللغة أن يقال: أبق إلى كذا، ولا يقال: أبق بالإطلاق، وإنما يقال مقيدا.