تفسير سورة الزمر

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الزمر
مكيّة الا قوله تعالى قل يا عبادى الّذين أسرفوا الاية وهى خمس وسبعون اية وقيل اثنان وسبعون «١» ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
تَنْزِيلُ الْكِتابِ خبر مبتدا محذوف اى هذا او مبتدا خبره مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ فى ملكه الْحَكِيمِ (١) فى صنعه وهو على الاول صلة التنزيل او خبر ثان او حال عمل فيها معنى الاشارة او التنزيل والظاهر ان الكتاب على الاول السورة وعلى الثاني القران.
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق او بسبب اثبات الحق وإظهاره وتفصيله وليس هذا تكرارا لان الاول كالعنوان للكتاب والثاني لبيان ما فيه فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) مخلصا له الدين من الشرك والرياء وتقديم والخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكدا وأجراه مجرى العلوم المقرر لكثرة حججه وظهور براهينه فقال.
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ جملة معترضة للتنبيه اى انا هو الذي وجب اختصاصه بان يخلص له الطاعة فانه المنفرد بصفات الالوهية والاطلاع على الاسرار والضمائر وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا
يعنى الكفرة الذين اتخذوا مِنْ دُونِهِ اى من دون الله أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ اى قالوا ما نعبدهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ كذلك قرأ ابن مسعود وابن عباس وحينئذ قالوا المقدر بدل من الصلة او حال بتقدير قد من فاعل اتخذوا وقوله زُلْفى مصدر بمعنى قربى قال البغوي اسم أقيم مقام المصدر كانه قال ليقرّبونا الى الله تقريبا او حال والموصول مبتدا خبره إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
(١) هذا عند اهل الحجاز والبصرة ١٢
وبين المسلمين فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من امر الدين بإدخال المحق الجنة والمبطل النار والضمير للكفرة ومقابليهم وجاز ان يكون خبر الموصول جملة قالوا ما نعبدهم وجملة انّ الله يحكم بينهم مستأنفة وجاز ان يكون المراد بالموصول المعبودون بالباطل على حذف الراجع يعنى الّذين اتّخذوهم من دونه اولياء من الملائكة وعيسى والأصنام انّ الله يحكم بينهم وجملة ما نعبدهم بتقدير القول حال او بدل للصلة ولا يحتمل كونه خبرا اخرج جويبر عن ابن عباس فى هذه الاية قال أنزلت فى ثلاثة احياء عامر وكنانة وبنى سلمة كانوا يعبدون الأوثان ويقولون الملائكة بناته فقالوا ما نعبدهم الّا ليقرّبونا الى الله زلفى وقال البغوي انهم كانوا إذا قيل لهم من ربكم ومن خلقكم ومن خلق السّماوات والأرض قالوا لله فيقال لهم ما معنى عبادتكم الأوثان قالوا ليقرّبونا الى الله زلفى إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ بنسبة الولد الى الله وبقوله الأصنام تشفع عند الله كَفَّارٌ (٣) لانعام الله حيث يشرك به غيره يعنى ان الله لم يرد ولا يريد ان يهديهم ولو شاء لهداهم فلم يكذبوا ولم يكفروا جملة معترضة..
لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً كما زعموا لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ العائد الى الموصول ضمير منصوب محذوف والموصول مع الصلة مفعول لاصطفى وممّا يخلق حال منه والعائد الى الموصول فيه ايضا ضمير منصوب يعنى لو أراد الله اتخاذ الولد لاصطفى ما يشاءه مما خلق إذ لا موجود الا وهو مخلوقه لقيام الادلة على امتناع وجود واجبين ووجوب استناد ما عدا الواجب اليه ومن البين ان المخلوق لا يماثل الخالق فيقول مقام الولد له فهذا الكلام فى قوة ان يقال لو أراد الله ان يتّخذ ولدا لا يتصور ذلك فحذف الجزاء وأقيم دليله مقامه وجاز ان يكون العائد الى الموصول فى ممّا يخلق الضمير المرفوع والمعنى لو أراد الله ان يتّخذ ولدا لاصطفى ولدا بقدر على خلق الأشياء وذا محال لانه يستلزم تعدد الالهة فهو دليل على امتناع ارادة الله ان يتخذ ولدا ثم قرر ذلك بقوله سُبْحانَهُ ان يكون له ولد هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ يعنى ان الالوهية التي تتبع الوجوب مستلزم للتوحد فى ذاته وصفاته وتنافى المماثلة والمشاركة فانى يكون له ولد والولد لا يكون
الا من جنس الوالد ناشيا من بعض اجزائه الْقَهَّارُ (٤) القهارية المطلقة ينافى المشاركة وقبول الزوال المحوج الى الولد ثم استدل على ذلك بقوله.
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق غير عابث بل ليكون دليلا على الصانع يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ يغشى كل واحد منهما الاخر كانه يلف عليه لف اللباس باللابس او يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفاف او يجعله كارا عليه كرورا متتابعا مثل اكوار العمامة والحاصل انه يخلق كل واحد منهما عقيب الاخر قال الحسن والكلبي ينقص من الليل ويزيد فى النهار وينقص من النهار ويزيد فى الليل وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي فى الفلك لِأَجَلٍ مُسَمًّى اى ليوم القيامة أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على كل شىء الْغَفَّارُ (٥) حيث لم يعاجل فى العقوبة ولم يسلب ما فى هذه الصنائع من الرحمة والمنفعة-.
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم عليه السلام خلقها من غير اب وأم ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها استدلال اخر بما أوجده فى العالم السفلى وثمّ للعطف على محذوف هو صفة نفس اعنى خلقها او على معنى واحدة اى من نفس وحّدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها او على خلقكم والعطف بثم لتفاوت ما بين الآيتين فان الاول عادة مستمرة دون الثانية وقيل معنى قوله خلقكم من نفس انه أخرجكم من ظهره كل ذرية ذراها حين أخذ الميثاق ثم خلق منها حواء زوجها وَأَنْزَلَ لَكُمْ اى قضى وقسّم لكم فان قضاياه وقسمه يوصف بالنزول من السماء لما كتب فى اللوح او المعنى أحدث لكم بأسباب نازلة من السماء كاشعة الكواكب والأمطار وقيل معناه خلق فى الجنة مع آدم عليه السلام ثم انزل منها لكم مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ذكر وأنثى من الإبل وو البقر والضأن والمعز حال من الانعام يَخْلُقُكُمْ جملة مبينة لما سبق اى يخلق الانس والانعام فيه تغليب لذوى العقول على غيرهم فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسى لحما ثم ينفخ فيه الروح فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظلمة البطن والرحم والمشيمة او الصلب والرحم والبطن ذلِكُمُ
اى الذي فعل هذه الافعال مبتدا خبره اللَّهُ رَبُّكُمْ خبر ثان لَهُ الْمُلْكُ خبر ثالث لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر رابع اى لا يستحق العبادة أحد غيره لعدم اشتراك أحد فى الخلق فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) الفاء للسببية والاستفهام للاستبعاد والتعجب يعنى كيف تصرفون عن طريق الحق بعد هذا البيان الشافي وعن عبادته الى عبادة غيره-.
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وعن ايمانكم شرط حذف جزاؤه وأقيم دليله مقامه تقديره ان تكفروا يعود وبال كفركم إليكم لا الى الله تعالى فانّ الله غنىّ عنكم وعن ايمانكم وانما أنتم تحتاجون اليه لتضرركم بالكفر وانتفاعكم بالايمان وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ عطف على الشرطية يعنى الكفر مبغوض غير مرضى له تعالى وان كان بإرادته حيث قال من يرد الله ان يّهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا وهو قول السلف وعليه اجماع اهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وذكر البغوي انه قال ابن عباس والسدىّ معناه لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر وهم الذين قال الله تعالى فيهم انّ عبادى ليس لك عليهم سلطان وهذا القول مبنى على ان يكون الرضاء بمعنى الارادة مجازا والا فالحق انه لا يستلزم الارادة ولا يرادفه فان إرادته يتعلق بالخير والشر كله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ويستحيل تخلف المراد عن إرادته قال الله تعالى انّما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون وَإِنْ تَشْكُرُوا اى تؤمنوا بربكم وتطيعوه يَرْضَهُ لَكُمْ قيل فى تفسيره يثيبكم به وهذا حاصل المعنى فان الرضاء يستلزم الاثابة أصله يرضاه سقط الالف بالجزم فقرأ نافع وعاصم وحمزة وهشام «ويعقوب وابن وردان بخلاف عنه ابو محمد» باختلاس حركة هاء الضمير ابقاء على ما كان لان ما قبله ساكن تقديرا وابو عمر وابن كثير وابن ذكوان والكسائي «اى الدوري بخلاف منه- ابو محمد» « (وخلف وابو جعفر بخلاف عنه-» بإشباع الحركة لانها صارت بحذف الالف موصولة بمتحرّك وهى رواية ابى حمدان وغيره عن اليزيدي وفى رواية عن ابى عمرو بإسكان الهاء وبه قرا يعقوب وَلا تَزِرُ نفس وازِرَةٌ وِزْرَ نفس أُخْرى اى لا تحمله فيه اشارة الى ان وبال كفركم لا يتجاوز عنكم الى غيركم فلا يتضرر به النبي ﷺ فدعوته إياكم الى الايمان ليس الا لاجل ان ينفعكم ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ
بالمجازاة إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) فيجازى على أعمالكم على حسب نياتكم-.
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الكافر ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً اى راجعا إِلَيْهِ مستغيثا ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ اى أعطاه او جعله ذا حشم واتباع والخول الحشم والاتباع قال رسول الله ﷺ فى العبيد إخوانكم وخولكم جعل الله تحت ايديكم او تعهده كما فى الحديث كان عليه السلام يتخولنا اى يتعهدنا بالموعظة من قولهم فلان خائل مال وهو الذي يصلحه ويقوم به كذا فى النهاية والقاموس نِعْمَةً مِنْهُ اما مفعول ثان لخوّله ان كان بمعنى أعطاه او مفعول له نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ اى الضرّ الذي كان يدعوا الله الى إزالته او نسى ربه الذي كان يتضرع اليه وما حينئذ بمعنى من كما فى قوله تعالى وما خلق الذّكر والأنثى مِنْ قَبْلُ النعمة وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً اى شركاء لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ اى دين الإسلام قرأ ابن كثير وابو عمرو ورويس بفتح الياء والباقون بضمها والضلال والإضلال لمّا ترتب على ذلك شبّه بالعلة الغائية كما فى قوله تعالى فالتقطه ال فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا قُلْ يا محمد لهذا الكافر تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا فى الدنيا الى أجلك امر تهديد وفيه اقناط للكافرين من التمتع فى الاخرة ولذلك علله على سبيل الاستيناف بقوله إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) قيل نزلت فى عيينة بن ربيعة وقال مقاتل نزلت فى ابى حذيفة بن المغيرة المخزومي-.
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ اى قائم بوظائف الطاعات قال ابن عمر القنوت قراءة القرآن وطول القيام قرأ ابن كثير ونافع وحمزة بتخفيف الميم فالتقديرا من هو قانت لله كمن جعل له أندادا وقرأ الباقون بتشديد الميم فام حينئذ منقطعة والمعنى امّن هو قانت كمن جعل له أندادا او متصلة بمحذوف تقديره امّن جعل لله أندادا ولم يشكر نعمته خير أم من هو قانت آناءَ اللَّيْلِ ساعاته ساجِداً وَقائِماً فى الصلاة حالان من الضمير فى قانت يَحْذَرُ الْآخِرَةَ اى يخاف عذاب الاخرة استقصارا لنفسه فى العمل وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ غير معتمد على عمله يعنى يجمع بين الخوف والرجاء
ولا يجاوز فى الخوف حده حتى يكون أنسا فانّه لا ييئس من روح الله الّا القوم الكافرون ولا فى الرجاء حده حتى يكون أمنا فانه لا يأمن من «١» مكر الله الّا القوم الخاسرون. والجملتان واقعتان موقع الحال او الاستئناف للتعليل قال البغوي قال ابن عباس فى رواية الضحاك نزلت هذه الاية فى ابى بكر الصديق واخرج ابن ابى سعيد من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس انه قال نزلت فى عمار بن ياسر واخرج جويبر عن ابن عباس انه قال نزلت فى ابن مسعود وعمار بن ياسر وسالم مولى ابى حذيفة واخرج جويبر عن عكرمة قال نزلت فى عمار بن ياسر وقال البغوي قال الضحاك نزلت فى ابى بكر وعمر رضى الله عنهما وعن ابن عمر انها نزلت فى عثمان وكذا اخرج ابن ابى حاتم عنه وعن الكلبي انها نزلت فى ابن مسعود وعمار وسلمان ووجه الجمع بين الأقوال انها نزلت فى جميعهم قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ الله تعالى متصفا بصفات الجلال والجمال فيحذر عذابه ويرجو رحمته فيعمل فى طاعته ويتقى عن معاصيه وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ذلك والاستفهام للانكار اى لا يستوون فهذه الجملة تقرير للاول على سبيل التعليل وقيل تقرير له على سبيل التشبيه يعنى كما لا يستوى العالم والجاهل كذلك لا يستوى المطيع والعاصي وقيل نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيهما باعتبار القوة العملية على وجه الأبلغ لمزيد الفضل قيل الّذين يعلمون عمار والذين لم يعلموا ابو حذيفة المخزومي إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) بامثال هذه البيانات..
قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا اى أمنوا وأحسنوا العمل يعنى أتوه بالخشوع والخضوع كما قال رسول الله ﷺ الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلق بقوله أحسنوا حَسَنَةٌ فى الاخرة يعنى الجنة مبتدا خبره للذين أحسنوا والجملة تعليل بقوله اتقوا ربكم وقيل فى الدنيا ظرف مستقر حال من حسنة وهو فاعل للظرف المستقر اعنى قوله للّذين أحسنوا قال السدىّ فى هذه الدّنيا حسنة الصحة والعافية وهذا القول
(١) وفى القران فلا يأمن مكر الله إلخ
200
ليس بسديد فان الصحة والعافية كما يعطى المؤمن يعطى الكافر ايضا بل قد ينعكس الأمر.
وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ فلا عذر للمقصرين فى الطاعة لمزاحمة الكفار ففيه كناية عن طلب الهجرة من البلد الذي يتعسر فيه الإحسان ومن ثم قال ابن عباس فى تفسيره ارتحلوا من مكة وعن مجاهد انه قال فى هذه الاية قال الله تعالى ارضى واسعة فهاجروا واعتزلوا وقال سعيد بن جبير يعنى من امر بالمعاصي فليهرب والجملة اما معطوفة على قوله للّذين أحسنوا فى هذه الدّنيا حسنة واما على قوله اتّقوا ربّكم لكونها بمعنى هاجروا إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١) قيل يعنى الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للاذى من الكفار او صبروا على مفارقة الأوطان والمعارف قيل نزلت الاية فى جعفر بن ابى طالب وأصحابه مهاجرى الحبشة حيث لم يتركوا دينهم فاذا اشتد فيهم البلاء صبروا وهاجروا واللفظ عام يعمهم وكل من صبر على البلاء وعلى مشقة الطاعة وحبس النفس عن المعصية- قال البغوي قال على رضى الله عنه كل مطيع يكال له كيلا ويؤزن له وزنا الا الصابرون فانهم يحثى عليهم حثيا- وروى الاصبهانى عن انس قال قال رسول الله ﷺ تنصب الموازين ويؤتى باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى باهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى باهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى باهل البلاء فلا تنصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصبّ عليهم الاجر صبّا بغير حساب حتى يتمنى اهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء وذلك قوله تعالى انّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب. وذكر البغوي نحوه واخرج الطبراني وابو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس قال يؤتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يؤتى بالمصدق فينصب للحساب ثم يؤتى باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب لهم الاجر صبّا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث ثواب الله لهم. واخرج الترمذي وابن ابى الدنيا عن جابر قال قال رسول الله ﷺ يودّ اهل العافية يوم القيامة حين يعطى اهل البلاء الثواب لو ان جلودهم
201
قرضت بالمقاريض- قلت لعل المراد باهل البلاء اهل العشق بالله بدليل ان الشهيد لم يعد من اهل البلاء مع ان أشد بلاء الدنيا القتل وهو قد صبر على بذل نفسه فى سبيل الله..
قُلْ إِنِّي قرأ نافع «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) اى موحد اله.
وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) اى أمرت بالإخلاص لاجل ان أكون مقدمهم فى الدنيا والاخرة لان قصب السبق انما هو بالإخلاص او لكونى أول من اسلم من قريش ومن دان بدينهم والعطف لمغائرة الثاني الاول بتقيده بالعلة وللاشعار بان العبادة المقرونة بالإخلاص وان اقتضت لذاتها كونها مأمورا بها فهى ايضا مقتضية لما يلزمه من السبق فى الدين وجاز ان يكون اللام زائدة كما فى أردت لان افعل فيكون امرا بالتقدم فى الإسلام والبدء بنفسه فى الدعاء اليه بعد الأمر به فانه بعث داعيا للنّاس الى الإسلام وذلك يقتضى كونه أول المسلمين فان دعوة غيره فرع اتصافه بنفسه وفيه امالة لغيره الى الإسلام يعنى انى لا أدعوكم الا الى ما هو خير إذ لو لم يكن خيرا لما اخترته لنفسى وقد اخترته اولا.
قُلْ إِنِّي قرأ نافع وابو عمرو «وابو جعفر ابو محمد» وابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بترك الإخلاص والميل الى ما أنتم عليه من الشرك وسوء الأعمال عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) فيه تحذير للمخاطبين عن العصيان كما فى الاية السابقة وامالة الى الإسلام قال البغوي هذه الاية نزلت حين دعى الى دين ابائه.
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) امر بالأخبار عن إخلاصه فى العبادة بعد الأمر بالأخبار عن كونه مأمورا بالعبادة والإخلاص خائفا على المخالفة من العقاب قطعا لاطماعهم ولذلك رتب عليه قوله..
فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ تهديدا وخذلانا لهم وهذا جواب شرط محذوف تقديره ان لم توافقونى فى العبادة لله خالصا فاعبدوا ما شئتم فسترون ما يترتب عليه من العذاب والخسران قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالضلال وَأَهْلِيهِمْ يعنى اتباعهم من الأزواج والأولاد والخدم بالإضلال يَوْمَ الْقِيامَةِ حين أوردهم النار ظرف لخسروا من خسر التاجر إذا غبن فى تجارته
فانهم بالضلال والإضلال بدلوا نصيبهم من الجنة بنصيبهم من النار وهو لازم وجاء هاهنا متعديّا قال البغوي قال ابن عباس وذلك (يعنى خسران الأهل) ان الله جعل لكل انسان منزلا فى الجنة وأهلا فمن عمل بطاعة الله كان ذلك المنزل والأهل له ومن عمل بمعصية كان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بالطاعة قلت فعلى هذا معنى خسر اهله انه فوّت اهله وقيل خسران الأهل ان كانوا من اهل النار فبالاضلال وان كانوا من اهل الجنة فلذهابه عنهم ذهابا لا رجوع بعده أَلا ذلِكَ اى خسران يوم القيامة هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) دون غير ذلك من اصناف الخسران فان خسران الدنيا سهل ويتبدل وفيه مبالغة فى خسرانهم لما فيه من الاستئناف والتصدير بالا وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخسران ووصفه بالمبين ثم شرح الخسران بقوله.
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ أطباق سرادقات من النار ودخانها وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ فرش ومهاد من النار الى ان ينتهى الى القعر- سمّى السافلة ظللا لكونها ظللا لمن تحتهم ذلِكَ العذاب هو الذي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ ليجتنبوا ما يوقعهم فيه يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) اى اتقونى ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وعذابى-.
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ البالغ فى الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بنى للمبالغة فى المصدر كالرحموت ثم وصف به للمبالغة فى النعت ولذلك اختص بالشيطان وفسره البغوي بالأوثان لان تأنيث الضمير فى قوله أَنْ يَعْبُدُوها وهو بدل اشتمال من الطاغوت يدل على ان المراد به الأوثان وَأَنابُوا اى اقبلوا بشراشرهم إِلَى اللَّهِ عمّا سواه لَهُمُ الْبُشْرى بالثواب على السنة الرسل فى الدنيا وعلى السنة الملائكة عند حضور الموت يعنى هم استحقوا ان يبشروا ولذلك فرع قوله فَبَشِّرْ يا محمد عِبادِ (١٧) قرأ ابو شعيب بياء مفتوحة وصلا ساكنة وقفا وابو حمدون وغيره عن اليزيدي مفتوحة فى الوصل محذوفة فى الوقف وهو قياس قول ابى عمرو حيث يتبع الرسم فى الوقف والباقون يحذفونها فى الحالين. «ووقف يعقوب بالياء- ابو محمد» اخرج جويبر بسنده عن جابر بن عبد الله قال لمّا نزلت لها سبعة أبواب الاية اتى رجل من الأنصار النبي صلى الله
عليه وسلم فقال يا رسول الله ان لى سبعة مماليك وانى قد اعتقت لكل باب منها مملوكا فنزلت فبشّر عبادى.
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ يعنى يستمعون القران وغيره فيتبعون القران ويستمعون كلام الرسول وكلام الكفار فيتبعون كلام الرسول كان حق الكلام فبشرهم فوضع الظاهر اعنى عبادى الّذين يستمعون ألح موضعه للدلالة على ان مبدا اجتنابهم من الطاغوت انهم نقادون للاقوال يميزون بين الخبيث والطيب والقبيح والحسن وبين الحسن والأحسن قال عطاء عن ابن عباس أمن ابو بكر رضى الله عنه بالنبي ﷺ فجاءه عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن ابى وقاص وسعيد بن زيد فسالوه فاخبرهم بايمانه فامنوا فنزلت فيهم هذه الاية والأحسن حينئذ بمعنى الحسن إذ لا حسن فى اقوال الكفار قال ابن زيد نزلت الآيتان فى ثلاثة نفر كانوا من الجاهلية يقولون لا اله الا الله زيد بن عمرو بن نفيل او سعيد بن زيد وابى ذر الغفاري وسلمان الفارسي والأحسن قول لا اله الا الله وقال السدىّ يتبعون احسن ما يؤمرون به فيعملون به قيل هو ان الله ذكر فى القران الانتصار من الظالم والعفو والعفو احسن الامرين وذكر العزائم والرخص والعزائم احسن أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) اى ذوى العقول السليمة عن معارضة الأوهام والعادات وفى ذلك دلالة على ان الهداية تحصل بخلق الله تعالى وقبول النفس لها-.
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ فى علم الله القديم كذا قال ابن عباس كَلِمَةُ الْعَذابِ يعنى خلقت هؤلاء للنار ولا أبالي أَفَأَنْتَ يا محمد تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) يعنى لا تقدر عليه قال ابن عباس يريد أبا لهب وولده الجملة الشرطية معطوفة على جملة محذوفة دل عليه الكلام تقديرهء أنت مالك أمرهم فمن حقّ عليه كلمة العذاب فانت تنقذه من النّار كرّرت الهمزة فى الجزاء لتأكيد الإنكار والاستبعاد ووضع من فى النّار موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه وان اجتهاد الرسول ﷺ فى دعائهم الى الايمان سعى فى إنقاذهم من النار ويجوز
ان يكون أفأنت تنقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والاشعار بالجزاء المحذوف تقديره أفمن حقّ عليه كلمة العذاب تهديه أفأنت تنقذ من فى النّار فان من حقّ عليه كلمة العذاب كانه فى النار حالا- ثم استدرك لدفع توهم كون سعيه ﷺ غير مفيد مطلقا بقوله.
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ يعنى لكن الذين حق لهم كلمة الرحمة وسبق فى علم الله انهم يتقون ربهم فى إيراده بصيغة الماضي ايضا اشعار بان من حكم بانهم يتقون فهم كالذين وقع منهم التقوى لَهُمْ غُرَفٌ منازل رفيعة فى الجنة مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ منازل ارفع من الاولى مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت كل من الفوقانية والتحتانية الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ اى وعدهم الله تلك الغرف وعدا مصدر مؤكد لنفسه لان قوله لهم غرف فى معنى الوعد لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (٢٠) لان الخلف نقص وهو على الله محال عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه عن النبي ﷺ ان اهل الجنة يتراءون اهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر فى الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغهم غيرهم قال بلى والذي نفسى بيده رجال أمنوا بالله ورسوله وصدقوا المرسلين- وقد ذكرنا الأحاديث الواردة فى الباب فى تفسير سورة الفرقان فى تفسير قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا-.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً مطرا الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات وانّ مع جملتها قائم مقام المفعولين لِأ لم تر فَسَلَكَهُ فادخله يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ الظرف متعلق بسلكه على طريقة قوله تعالى كذلك سلكناه فى قلوب المجرمين وينابيع حال من الضمير المنصوب قال الشعبي كل ماء فى الأرض فمن السماء وجاز ان يكون ينابيع مفعولا ثانيا لسلكه على التوسع على طريقة أدخلته بيتا فى الدار والينبوع جاء للمنبع والنابع فعلى الاول للنابع وعلى الثاني للمنبع ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ اى اخرج بالماء زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ اصنافه من بر وشعير وغيرهما او كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما ثُمَّ يَهِيجُ اى ييبس فَتَراهُ بعد خضرته ونضرته مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً فتاتا منكسرا
إِنَّ فِي ذلِكَ الأحداث والتغير لَذِكْرى اى لتذكيرا على وجود الصانع القديم القادر الحكيم الذي دبّره وسوّاه على انه مثل الحيوة الدنيا فلا ينبغى ان يغتر بها لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) إذ لا يتذكر بها غيره ومن لم يتذكر فليس من اولى الألباب بل كالانعام بل أضل منها..
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يعنى أفاض فى قلبه نورا أدرك به الحق حقا والباطل باطلا فاذعن بكل ما جاء به النبي ﷺ بلا ارتياب عبّر عن تلك الحالة بشرح الصدر لان الصدر محل القلب والروح القابل للاسلام فاذا كان قلبه قابلا لاحكام الإسلام صار كظرف انشرح وتفسح حتى حال فيه المظروف فَهُوَ اى ذلك الشخص عَلى نُورٍ اى بصيرة مِنْ رَبِّهِ الهمزة للانكار والفاء للعطف على ما فهم مما سبق من قوله تعالى أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النّار لكن الّذين اتّقوا ربّهم فانه يفهم منه الفرق بين المؤمن والكافر والموصول مبتدا وخبره محذوف يدل عليه ما بعده والإنكار راجع الى مضمون الفاء كانه قال لما ثبت الفرق بين المؤمن والكافر فليس من شرح الله صدره للاسلام وترتب عليه كونه على نور من ربه فامن واهتدى كمن طبع الله على قلبه فقسى عن ابن مسعود قال تلا رسول الله ﷺ أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربّه قلنا يا رسول الله كيف انشرح صدره قال إذا دخل النور القلب انشرح صدره وانفسح قلنا يا رسول الله فما علامة ذلك قال الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله. رواه البغوي والحاكم والبيهقي فى شعب الايمان فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ الفاء للسببية مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ متعلق بالقاسية والمعنى من أجل ذكر الله اى إذا ذكر الله عندهم او تليت عليهم آياته اشتدت قساوتهم وهو ابلغ من ان يكون عن مكان من لان القاسية من أجل الشيء أشد تأبيا من القبول من القاسي عنه بسبب اخر وللمبالغة فى وصف أولئك بالقبول وهؤلاء بالامتناع ذكر شرح الصدر وأسنده الى الله وقابله بقساوة القلب وأسنده الى القلب فهذه الاية فى معنى قوله تعالى والّذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون وقيل بحذف المضاف تقديره من ترك ذكر الله أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) قال
مالك بن دينار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب وما غضب الله على قوم إلا نزع منهم الرحمة- روى الحاكم وغيره عن سعد بن ابى وقاص قال انزل على النبي ﷺ القران فتلا عليهم زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا واخرج ابن جرير عن عون بن عبد الله ان اصحاب رسول الله ﷺ ملوا ملة فقالوا لو حدثتنا فنزلت.
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ تقرير لقوله انّا أنزلنا إليك الكتاب وما بينهما معترضات وفى الابتداء باسم الله وبناء نزّل عليه تأكيد للاسناد اليه وتفخيم للمنزل واستشهاد على حسنه كِتاباً بدل من احسن الحديث او حال منه مُتَشابِهاً صفة لكتابا يعنى يشبه بعضه بعضا فى صحة المعنى والدلالة على المنافع العامة والحسن المعجز ويصدق بعضه بعضا مَثانِيَ صفة اخرى جمع مثناة اسم الظرف فانه ثنى فيه ذكر الوعد والوعيد والأمر والنهى والاخبار والاحكام وصف به الكتاب باعتبار تفاصيله فهو كقولك القران سور وآيات والإنسان عروق وعظام ولحم واعصاب او جعل تميزا من متشابها كقولك رايت رجلا جسيما حسنا شمائل او جمع مثنية اسم الفاعل فان آياته تثنى على الله لصفاته الكمال تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ خوفا لما فيه من الوعيد الجملة صفة ثالثة لكتابا ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ اى لذكر الله بالرحمة وعموم المغفرة- والإطلاق للاشعار بأن اصل امره الرحمة وان رحمته سبقت غضبه والتعدية بالى لتضمين معنى السكون والاطمينان وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هى من عوارضها يعنى إذا ذكر عذاب الله فى آيات الوعيد من القران يخاف قلوب المؤمنين وتقشعر جلودهم والاقشعرار انقباض وتغير فى جلد الإنسان عند الخوف وإذا ذكر الله بالرحمة فى آيات الوعد من القران تلين جلودهم وتسكن قلوبهم- لمّا وصف الله القران بكونه مثانى؟؟؟ فيه ذكر الوعيد والوعد وصفه بما يتاثر به المؤمنون عند الوعيد والوعد فكان تقدير الكلام يخاف منه قلوب الذين يخشون ربهم وتقشعر جلودهم ثم تلين جلودهم وتطمئن قلوبهم الى ذكر الله
207
عن العباس رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه «اى تساقطت- نهايه منه ره» كما يتحاتت عن الشجر اليابسة ورقها- رواه الطبراني بسند ضعيف ورواه البغوي وفى رواية للبغوى إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله حرمه الله على النار- فان قيل بعض اهل العشق من الصوفية الكرام يغشى عليه عند استماع القران فهل هو من الأحوال الحميدة او القبيحة وقد شنع عليهم الامام محى السنة البغوي رحمة الله عليه فى تفسيره فقال قال قتادة هذا يعنى ما ذكر من اقشعرار الجلد من خشية الله نعت اولياء الله نعتهم الله بان تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم انما ذلك فى اهل البدع وهو من الشيطان أخبرنا عن عبد الله بن الزبير قال قلت لجدتى اسماء بنت ابى بكر كيف كان اصحاب رسول الله ﷺ يفعلون إذا قرئ عليهم القران قالت كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم قال فقلت لها ان نأسا إذا قرئ عليهم القران خرّ أحدهم مغشيّا عليه فقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- وروى البغوي ان ابن عمر مرّ على رجل (من اهل العراق) ساقط فقال ابن عمر ما بال هذا قالوا انه إذا قرئى عليه القران وسمع ذكر الله سقط فقال ابن عمر انا لنخشى الله وما نسقط وقال ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم ما كان هكذا صنيع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قلت وجه طريان هذه الحالة كثرة نزول البركات والتجليات مع ضيق حوصلة الصوفي وضعف استعداده وانما لم توجد هذه الحالة فى الصحابة رضى الله عنهم مع وفور بركاتهم لاجل سعة حواصلهم وقوة استعداداتهم ببركة صحبة النبي ﷺ واما غير الصحابة من الصوفية فعدم طريان تلك الحالة عليهم اما لقلة نزول البركات واما لسعة الحوصلة والعجب من الامام الهمام محى السنة البغوي رحمه الله كيف أنكر على اصحاب تلك الحالة وشنع عليهم ونسى قوله تعالى حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العلىّ الكبير وقد روى هو فى تفسير
208
تلك الاية عن النواس بن سمعان رضى الله عنه إذا أراد الله بالأمر تكلم بالوحى أخذت السماوات منه رجفة او قال رعدة شديدة خوفا من الله فاذا سمع ذلك اهل السماوات صعقو او خرّوا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبرئيل الحديث- وروى البخاري عن ابى هريرة عن النبي ﷺ نحوه بلفظ إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا
لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ الحديث- وقوله تعالى فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقا.
وقول ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم وكذا استعاذة اسماء محمول على انهما زعما غشى ذلك الرجل تكلفا ومكرا ولذا نسباه الى الشيطان وانما كان انكار تلك الحالة منهما لعدم طريان الحالة عليهما وعلى أمثالهما بناء على وسعة الحوصلة وقوة الاستعداد- ويدل على ما قلت انه ذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القران فقال بيننا وبينهم ان يقعد أحدهم على ظهر بنية باسطا رجليه ثم يقرا عليهم القران من اوله الى آخره فان رمى بنفسه فهو صادق حيث علّق صدقه على رمى نفسه من ظهر بنية مرتفعة فعلم منه انه حمل صرعه على الكذب والتكلف- اعلم ان البشر أقوى استعدادا وأوسع حوصلة من الملائكة كما يشهد عليه قوله تعالى انّى جاعل فى الأرض خليفة الى قوله انّى أعلم ما لا تعلمون- وقوله تعالى انّا عرضنا الامانة على السّموات والأرض الاية ولاجل ذلك يأتى حالة الغشي على الملائكة كلّما سمعوا الوحى دون البشر واما البشر فاذا تمّ نزوله لا يتغير حاله الا نادرا وإذا تم عروجه وقصر نزوله يتغير غالبا واعلم ان الصوفي متى كان فى السكر يتغير حاله غالبا عند ذكر المحبوب فى الشعر والتغني ولذلك يستحبون السماع لكن تغير الحال عند سماع القران اشرف منه حالا لان عند استماع القران وتلاوته تتنزل البركات الاصلية المتعلقة بالتجليات الذاتية والصفات الحقيقية ولا سبيل إليها لاكثر الصوفية المحتبسين فى مقام ولاجل ذلك تراهم يتغير حالهم عند السماع ما لا يتغير عند تلاوة القران واما الذين صعدوا ذروة الأفق الأعلى ثم دنى رب العزة وتدلّى فكان قاب قوسين أفادني لا يتغير أحوالهم الا كما كان يتغير حال اصحاب رسول الله ﷺ رضى الله عنهم
209
تدمع عيونهم وتقشعرّ جلودهم ثم تلين جلودهم وتطمئن قلوبهم الى ذكر الله ذلِكَ الخوف والرجاء او احسن الحديث هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ هدايته وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ اى يخذله فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٦٣) يخرجه من الضلالة-.
أَفَمَنْ يَتَّقِي الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أيستوي الفريقان فمن يتّقى بِوَجْهِهِ اى يجعله وقاية لنفسه ومعناه ان الإنسان إذ القى مخوفا من المخاوف استقبله بيديه يتّقى بهما وجهه لانه أعزّ أعضائه والكافر حين يلقى فى النار تكون يداه مغلولتين الى عنقه فلا يستطيع ان يتّقى الا بوجهه- قال مجاهد يجر على وجهه فى النار منكوسا فاول شىء منه تمسه النار وجهه وقال مقاتل هو ان الكافر يرمى فى النار مغلولة يده الى عنقه وفى عنقه صخرة مثل جبل عظيم من الكبريت فيشتعل النار فى الحجر وهو معلق فى عنقه ويده سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ كمن هو أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف فى نظائره وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ اى لهم وضع الظاهر موضع الضمير تسجيلا عليهم بالظلم واشعارا بموجب ما يقال وهو ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) اى وباله وجملة وقيل للظّالمين حال بتقدير قد من فاعل يتقون وجاز ان يكون معطوفا على مفهوم ما سبق اعنى عذب.
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى قبل كفار مكة كذبوا الرسل فى إتيان العذاب فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) اى من الجهة التي لا يخطر ببالهم إتيان الشرّ منها.
فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ اى الذلّ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا كالمسخ والخسف والقتل وتسليط الريح والصيحة والرمي بالحجارة والغرق وغير ذلك وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ المعدّ لهم أَكْبَرُ من عذاب الدنيا لشدته ودوامه لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) اى لو كان اهل مكة من اهل العلم والنظر لاعتبروا بمن قبلهم او المعنى لو كان المكذّبون يعلمون وبال التكذيب ما كذبوا..
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ اى لاجل انتفاعهم وتبصرهم فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتاج اليه الناظر فى امر دينه لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) يتعظون به.
قُرْآناً عَرَبِيًّا منصوب على المدح او الحال من هذا ان قلنا ان المجرور مفعول به
او بتقدير فى تنزيل هذا القران حتى يكون مفعولا لتنزيل المقدر والاعتماد فيها على الصفة كقوله جاءنى زيد رجلا صالحا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لا اختلال فيه بوجه ما فهو ابلغ من المستقيم واختص بالمعاني قال ابن عباس غير مختلف وقال مجاهد غير ذى لبس يعنى لا ريب فيه وقال السدى غير مخلوق ويروى ذلك عن مالك بن انس قال البغوي وحكى عن سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين ان القران ليس بخالق ولا مخلوق يعنون انه صفة من صفات الله تعالى ليس عين ذاته تعالى فيكون خالقا ولا غيره منفكا عنه فيكون حادثا مخلوقا وهذا يدل على ان الكلام اللفظي قديم صفة من صفات الله تعالى إذ الكلام النفسي الذي يدل عليه الكلام اللفظي لا يوصف بكونه عربيّا واما تعاقب حروف الكلام اللفظي الدال على حدوثه فانما لضيق المحل وحدوثه واما الكلام القائم بذاته فتوهم التعاقب فيه قياس للغائب على الشاهد كما يتوهم النافون للرؤية اشتراط الجهة والمسافة وغير ذلك فى رؤية البصر ليس كمثله شىء فى ذاته ولا فى اتصافه بصفاته ولا فى شىء من صفاته وله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) الكفر والمعاصي علة اخرى مرتبة على الاولى او بدل او بيان للاولى..
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للمشرك والموحد رَجُلًا بدل من مثل بتقدير المضاف اى مثل رجل فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ اى مختلفون صفة لشركاء وهو فاعل للظرف المستقر او مبتدا خبره الظرف والجملة صفة لرجلا يعنى مثل المشرك على زعمه حيث يدعى الهة متعددة مثل عبد مشترك فى جماعة مختلفين يتجاذبونه ويتعاورونه فى مهامهم المختلفة فهو فى تحير وتوزع قلب وَرَجُلًا سَلَماً اى خالصا ومسلما لِرَجُلٍ لا منازع له فيه قرأ ابن كثير وابو عمرو «ويعقوب- ابو محمد» سالما على وزن فاعلا والباقون من غير الف على وزن حسن يعنى مثل المؤمن الموحد مثل عبد لواحد لا شريك فيه وليس لغيره اليه سبيل هَلْ يَسْتَوِيانِ اى ذانك العبدان مَثَلًا اى صفة وحالا ونصبه على التميز ولذلك وحده والاستفهام للانكار والتقرير يعنى حمل المخاطب على الإقرار بانهما لا يستويان حالا فان الموحد حسن حالا من المشرك وجملة هل يستويان تقديره قال الله هل يستويان مثلا بيان لمقصود قوله ضرب الله مثلا الْحَمْدُ لِلَّهِ يعنى الحمد كله لله لا يشاركه فيه على الحقيقة أحد غيره لانه المنعم بالذات
والمالك على الإطلاق بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) ذلك فيشركون به غيره من فرط جهلهم وقيل تقدير الكلام قل الحمد لله على نعمة التوحيد والاختصاص بالمولى الواحد الحميد وبل حينئذ ليست للاضراب بل هى ابتدائية حكاية عن حال الجاهلين..
إِنَّكَ مَيِّتٌ اى ستموت ابرز بلفظ الصفة المشبهة الدالّة على الثبوت حالا لكونه متيقن الوقوع وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) اى كفار مكة او جميع الناس بصدد الموت فلا شماتة بالموت قال المحلى نزلت لمّا استبطؤا موت النبي ﷺ قال الفراء والكسائي الميّت بالتشديد من لم يمت وسيموت والميت بالتخفيف من فارقه الروح ولذلك لم يخفف هاهنا.
ثُمَّ إِنَّكُمْ يعنى أنت وكفار مكة او الناس أجمعون يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فتحتج عليهم وتقول يا ربّ انّ قومى اتّخذوا هذا القران مهجورا وانهم كذبونى وكنت على الحق فى التوحيد وكانوا على الباطل فى التشريك واجتهدتّ فى الإرشاد والتبليغ ولجّوا فى العناد والتكذيب ويعتذرون بالأباطيل مثل قولهم والله ربّنا ما كنّا مشركين وقولهم ما جاءنا من بشير ولا نذير وقولهم انّا اطعنا سادتنا وكبراءنا- ما وجدنا عليه آباءنا ويختصم الناس بعضهم مع بعض فاول ما يقضى فيه الدماء اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن مسعود رض قال قال رسول الله ﷺ أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء واخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة والطبراني وابن مردوية عن ابن عباس قال سمعت النبي ﷺ يقول يأتى المقتول متعلق رأسه بإحدى يديه متكيا قاتله باليد الاخرى وتشخب أوداجه دما حتى يأتى العرش فيقول المقتول لرب العلمين هذا قتلنى فيقول الله للقاتل تعست ويذهب به الى النار- واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال يجئ المقتول أخذا قاتله وأوداجه تشخب دما فيقول رب سل هذا فلم قتلنى فيقول قتلته ليكون العزة لفلان قال هى لله تبارك وتعالى وروى ابن ابى حاتم عن ابن مسعود فذكر انه يؤتى بالقاتل والمقتول فيوقفان بين يدى الرحمان فيقال له لم قتلته فان كان قتله لله قال قتلته ليكون العزة لله فيقال فانها لله وان كان قتله لخلقه من خلق الله يقول قتلته ليكون العزة لفلان
212
فبقال فانها ليست له فيقتل يومئذ كل خلق الله قتله ظالم غير انه يذاق الموت عدة الأيام التي أذاقها الاخر فى الدنيا- واخرج احمد والترمذي والحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير عن أبيه لما نزلت انّك ميّت وانّهم ميّتون ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون قال الزبير يا رسول الله أيكرر علينا ما بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب قال نعم ليكررن عليكم ذلك حتى يصل الى كل ذى حق حقه- قال الزبير والله ان الأمر لشديد- واخرج الطبراني بسند لا بأس به عن ابى أيوب رضى الله عنه ان رسول الله ﷺ قال أول من يختصم يوم القيامة الرجل والمرأة والله ما يتكلم لسانه ولكن يداها ورجلاها يشهدن عليها بما كانت تعيب لزوجها وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها ثم يدعى الرجل وخدمه مثل ذلك ثم يدعى اهل الأسواق وما يوجد ثمه دوانيق ولا قراريط ولكن حسنات هذا يدفع الى هذا الذي ظلم وسيئات هذا الذي ظلمه يوضع عليه ثم يؤتى بالجبارين فى مقامع من حديد فيقال أوردوهم الى النار- واخرج احمد بسند حسن عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ أول خصمين يوم القيامة الجاران- واخرج البخاري عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال من كان عنده مظلمة لاخيه فليحلله منها فى الدنيا فانه ليس ثمه دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن حسنات أخذ من سيئات صاحبه فتحمل عليه- واخرج مسلم والترمذي عن ابى هريرة ان رسول الله ﷺ قال أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال رسول الله ﷺ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلوة وصيام وزكوة قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقبض ويقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فيطرح عليه ثم طرح فى النار- قلت المراد بالحسنات التي يأخذها المظلوم من الظالم اجر حسناته ما سوى الايمان إذ المظالم وغيرها من السيئات ما عدا الكفر جزاؤه متناه على اصول اهل السنة
213
والجماعة فان مرتكب الكبيرة عندهم لا يخلد فى النار والايمان جزاؤه الخلود فى الجنة وهو غير متناه فلا يأتى ما هو متناه على ما ليس بمتناه- فالحاصل انه إذا فنيت حسنات الظالم قبل ان يقتض ما عليه من الخطايا وبقي عنده الايمان المجرد أخذ من خطايا
المظلومين ما عدا الكفر لكونه غير متناه الجزاء فلا يوازن ما هو متناه الجزاء فيطرح على الظالم ثم طرح فى النار ان لم يعف عنه حتى إذا انتهت عقوبة تلك الخطايا ادخل الجنة بايمانه ويخلد فيها وقال البيهقي مثل ما قلت واخرج مسلم عن ابى هريرة ان رسول الله ﷺ قال لتردن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى تعاد للشاة الجماء من الشاة القرناء- وفيه حتى للجاء من القرناء وللذرة من الذرة- وفى الباب أحاديث كثيرة لم اذكرها وروى البيهقي عن الزبير بن العوام قال لمّا نزلت على رسول الله ﷺ ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون قلنا كيف نختصم وديننا وكتابنا واحد حتى رايت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت انه نزلت فينا- وعن ابن عمر نحوه وعن ابى سعيد الخدري فى هذه الاية قال كنا نقول ربنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد فما هذه الخصومة فلمّا كان يوم الصفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا- وعن ابراهيم قال لما نزلت ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قالوا كيف نختصم ونحن اخوان فلمّا قتل عثمان قالوا هذا خصومتنا- ومقتضى هذه الأقوال انهم كانوا يزعمون ان الاختصام فى الدماء لا يكون الا بين المؤمنين والكافرين فلمّا ظهر البغي والفساد بين المسلمين اتضح لهم انه يكون بين المؤمنين ايضا-.
فَمَنْ أَظْلَمُ الفاء للسببية فان اختصام الكفار مع النبي ﷺ سبب لكونهم اظلم الناس والاستفهام للانكار يعنى لا أحد اظلم مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فزعم ان له ولدا وشريكا- وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ اى بما جاء به النبي ﷺ من القران وغيره إِذْ جاءَهُ من غير توقف وتفكر فى امره بل مع الشواهد والادلة القاطعة على صدقه أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً اى منزلا ومقاما لِلْكافِرِينَ (٣٢) استفهام للتقرير فقوله تعالى انّك ميّت وانّهم ميّتون مع ما يتلوه تسلّية للنبى ﷺ على
تكذيب القوم حتى لا تهتم فى الانتقام منهم فان جهنم يكفيهم مجازاة لاعمالهم.
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أراد به الجنس ليتناول الرسل والمؤمنين يدل عليه قوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) بصيغة الجمع ويؤيده قراءة ابن مسعود والّذين جاءوا بالصّدق وصدّقوا به قال ابن عباس يعنى رسول الله ﷺ جاء بلا اله الا الله وصدّق به ايضا اى بلّغه الى الخلق وعلى هذا جمعية الخبر بناء على ان المراد هو ومن تبعه كما فى قوله تعالى ولقد اتينا موسى الكتب لعلّهم يهتدون وقال السدى الّذى جاء بالصّدق جبرئيل وصدّق به محمد ﷺ تلقاه بالقبول وقال الكلبي وابو العالية الّذى جاء بالصّدق رسول الله ﷺ وصدّق به ابو بكر الصديق رضى الله عنه وكذا ذكر الزجاج قول على رضى الله عنه وكذا روى عن ابى هريرة وقال قتادة ومقاتل الّذى جاء بالصّدق رسول الله ﷺ وصدّق به المؤمنون وقال عطاء والّذى جاء بالصّدق الأنبياء وصدّق به الاتباع- قال صاحب المدارك والبيضاوي والوجه فى العربية ان يكون جاء وصدّق لفاعل واحد لان التغاير يستدعى إضمار الذي وذا غير جائز او إضمار الفاعل من غير تقدم ذكر وذا بعيد- قلت وكيف يحكم بعدم جواز حذف الموصول وقد روى عن علماء التفسير من الكلبي وابى العالية وقتادة ومقاتل ما ذكرنا وورد فى شعر حسان بن ثابت رضى الله عنه امن يهجو رسول الله منهم ويمدحه وينصره سواء فان التقدير امن يهجو ومن يمدحه سواء وقال صاحب البحر المواج يمكن ان يقال انه من باب اللف والنشر الإجمالي على طريقة قالوا لن يّدخل الجنّة الّا من كان هودا او نصرى او يقال تقديره والفريق الّذى جاء بالصّدق وصدّق به وهو شامل للنبى ﷺ وابى بكر وضمير جاء بالصدق راجع الى الموصول نظرا الى النبي ﷺ وضمير صدق به راجع اليه نظر الى ابى بكر.
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فى الجنة ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) على إحسانهم.
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا يسترها عليهم بالمغفرة خص الأسوأ بالذكر للمبالغة فانه إذا كفّر الا سوا فغيره اولى فيه رد لمذهب المعتزلة حيث يدل على عفو كبيرة والاشعار
بانهم لاستعظامهم الذنوب يحسبون كل سيئة عملوها أسوأ الذنوب ويقال افعل هاهنا للتفضيل مطلقا لا على ما أضيف اليه وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ اى يعطيهم ثوابهم اى ثواب أعمالهم بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥) يعنى يعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها فى زيادة الاجر وعظمه لفرط إخلاصهم او يقال احسن هاهنا ايضا للزيادة المطلقة قال مقاتل يجزيهم بمحاسن أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوي..
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ استفهام للنفى مبالغة فى الإثبات يعنى الله كاف عَبْدَهُ محمدا ﷺ وقرأ ابو جعفر وحمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» عباده يعنى أنبياءه او محمدا ﷺ وأصحابه وَيُخَوِّفُونَكَ عطف على معنى اليس الله بكاف تقديره الله كاف عبده ويخوّفونك وجاز ان يكون حالا بتقدير وهم يخوّفونك بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ قال البغوي وذلك انهم خوّفوا النبي ﷺ معرة الأوثان وقالوا لتكفنّ عن شتم الهتنا او ليصيبنّك منهم خبل او جنون وكذا اخرج عبد الرزاق وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ حتى غفل عن كفاية الله له وخوفه بما لا يضر ولا ينفع فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) يهديهم الى الرشاد.
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ إذ لا راد لفضله أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ الاستفهام للانكار يعنى الله غالب ينفع ذِي انْتِقامٍ (٣٧) منتقم من أعدائه.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعنى كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية وبداهة عدم صلاح الأوثان لها وكان اهل مكة يعترفون بذلك قُلْ يا محمد بعد اعترافهم لذلك أَفَرَأَيْتُمْ يعنى أخبروني بعد ما اعترفتم بان خالق العالم هو الله لا غير ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ قرأ حمزة بسكون الياء والباقون بفتحها اللَّهُ بِضُرٍّ اى بشدة وبلاء هَلْ هُنَّ يعنى اوثانكم كاشِفاتُ ضُرِّهِ عنى أَوْ ان أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ عنى قرأ ابو عمرو «ويعقوب ابو محمد» كاشفات ممسكات بالتنوين فيهما ونصب ضرّه ورحمته على المفعولية والباقون بالاضافة استفهام انكار يعنى يلزمهم باعترافهم السابق انكار كون الأصنام قادرة على كشف ضر او إمساك
رحمة قال مقاتل فسالهم النبي ﷺ عن ذلك فسكتوا فقال الله تعالى لرسوله قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ يكفينى فى إصابة الخير ودفع الضرّ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) اى المؤمنون لعلمهم بانه نافع ولا ضارّ الا هو عبّر المؤمنين بالمتوكلين لان شأنهم التوكل على الله.
قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى على حالكم اسم للمكان استعير هنا للحال كما ان حيث وهنا اسمان للزمان وقد يستعار أحدهما للمكان إِنِّي عامِلٌ اى على مكانتى فحذف للاختصار والمبالغة فى الوعيد والاشعار بان حاله ﷺ لا يقف على حد بل الله سبحانه يزيده على مر الدهور قوة ونصرة ولذلك توعدهم بكونه منصورا عليهم فى الدارين فقال فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ فان خزى أعدائه دليل على غلبته وقد أخزاهم يوم بدر وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) دائم وهو عذاب النار.
إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ لان يهتدوا به الى مصالحهم فى المعاش والمعاد بِالْحَقِّ اى متلبسا به هذه الجملة متصلة بقوله ولقد ضربنا للنّاس فى هذا القران وما بينهما معترضات فَمَنِ اهْتَدى بالكتاب فَلِنَفْسِهِ ينتفع نفسه به وَمَنْ ضَلَّ طريق مصالح فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لا يتجاوز عنها وبال ضلاله وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اى ما وكلت عليهم لتجبرهم على الاهتداء به انما أمرت بالبلاغ وقد بلّغت فلا يضرك ضلالهم-.
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها اى يقبضها عن الأبدان اما بان يقطع تعلقها عنها بالكلية فلا يمكن لها التصرف فيها ظاهرا ولا باطنا وذلك حين موتها ونزعها عنها واما بان يقبضها ظاهرا بعض القبض بان يسلب عنها الحس والحركة الارادية وذلك بان يجعله الله تعالى متوجها الى مطالعة عالم المثال عاطلا عن عالم الشهادة ليستريح وذلك فى المنام فالتوفى بالمعنى الاول حقيقة وبالثاني مجاز فيحمل الكلام هاهنا اما على عموم المجاز وهو القبض مطلقا اما ظاهرا فقط او ظاهرا وباطنا واما على تقدير الفعل كانه قال والّتى لم تمت يقبضها
217
فى منامها اى يقبض حسها وحركتها وما قيل ان للانسان نفسا وروحا فعند النوم لخرج النفس ويبقى الروح أريد بالنفس قوتها التي بها العقل والتميز يعنى يسلب عنه تلك القوة ويبقى الروح التي بها الحيوة والتنفس قال البغوي عن على كرم الله وجهه قال يخرج الروح عند نومه ويبقى شعاعه فى الجسد فبذلك يرى الرؤيا «١» فاذا انتبه من النوم عاد الروح الى جسده بأسرع من لحظة- ان صح هذا الأثر فالمعنى عندى ان الروح يتوجه الى مطالعة عالم المثال خارج البدن فى عالم الملكوت وذلك خروجه عند نومه ويبقى شعاعه يعنى تعلقه بالجسد كما كان فبذلك اى بخروجه يرى الرؤيا فاذا انتبه من النوم عاد الروح اى توجه الى جسده بأسرع من لحظة فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ولا يردها الى البدن حتى ينفخ نفخة البعث قرأ حمزة والكسائي قضى بضم القاف وكسر الضاد على البناء للمفعول والموت بالرفع والباقون على البناء للفاعل مسندا الى المستكن الراجع الى الله والموت بالنصب على المفعولية وَيُرْسِلُ الْأُخْرى اى النفس النائمة الى الافاقة والاحساس إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى الوقت المضروب لموته فى الصحيحين عن البراء بن عازب قال كان النبي ﷺ إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول اللهم بك أموت واحيى وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور- عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ إذ أوى أحدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فانه لا يدرى ما خلفه عليه ثم يقول باسمك ربى وضعت جنبى وبك ارفعه ان أمسكت نفسى فارحمها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين- وفى رواية ثم ليضطجع على
(١) عن سليم بن عامر ان عمر بن الخطاب قال العجب من رويا الرجل انه يبيت فيرى الشيء ولم يخطر على بال فيكون روياه كالاخذ باليد ويرى الرجل رؤيا فلا يكون روياه شيئا فقال على رضى الله عنه أفلا أخبرك بذلك يا امير المؤمنين ان الله يقول الله يتوفّى الأنفس حين موتها والّتى لم تمت فى منامها فيمسك الّتى قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى أجل مسمّى فالله يتوفى الأنفس كلها فما رأت وهى عنده فى السماء فهى الرؤيا الصادقة وما رات إذا أرسلت الى أجسادها تلقتها الشياطين فى الهوى فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها فعجب عمر من قوله- ١٢ منه رحمه الله-
218
شقه الايمن ثم ليقل وفى رواية فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات وان أمسكت نفسى فاغفر لها إِنَّ فِي ذلِكَ التوفى والإمساك والإرسال لَآياتٍ اى دلالات على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢) فى كيفية تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها بالكلية عند الموت وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها وما يعتريها من السعادة والشقاوة والحكمة فى توفيها عن ظواهرها وإرسالها حينا بعد حين الى توفى اجالها فيعلمون ان القادر على ذلك قادر على البعث- وهذه الاية فى مقام التعليل لقوله وعلى الله فليتوكّل المتوكّلون..
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ أم ابتدائية بمعنى الهمزة للانكار او متصلة معطوفة على جملة محذوفة تقديره اجعلوا لله شركاء أم اتّخذوا من دونه شفعاء او منقطعة بمعنى بل للاضراب عن مضمون قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ والهمزة للانكار قُلْ يا محمد أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) الهمزة للانكار والتقدير ايشفعون لكم ولو كانوا على هذه الصفة التي تشاهدونهم عليها جمادات لا تعقل ولا تقدر- ولما كان هاهنا مظنة ان يقولوا انا نعبد اشخاصا مقربين لله تعالى وتلك الأصنام تماثيلهم قال الله تعالى ردا لهذا القول وتعليلا لقوله لا يملكون.
قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً ثم قرر ذلك بقوله لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يملك أحد ان يتكلم فى امر الا باذنه ورضائه فهو مالك الشفاعة كلها ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) يوم القيامة فيكون له الملك ايضا حينئذ.
وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ اى نفرت وانقبضت قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يعنى الأوثان إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) اى يعرجون قال البغوي قال مجاهد ومقاتل وذلك حين قرأ النبي ﷺ سورة والنجم والقى الشيطان فى أمنيته تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ففرح به الكفار- وكذا اخرج ابن المنذر عن مجاهد- قال البيضاوي لقد بالغ فى الامرين حتى بلغ الغاية فان الاستبشار ان يمتلى قلبه سرورا حتى ينبسط له بشرة وجهه والاشميزاز ان يمتلى غمّا وغضبا حتى ينقبض أديم وجهه والعامل فى إذا معنى المفاجاة.
قُلِ اللَّهُمَّ
فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ
امر الله سبحانه رسوله بالالتجاء الى الله بالدعاء لمّا تحير فى أمرهم وعجز فى عنادهم وشدة شكيمتهم فانه القادر على الأشياء كلها العالم بالأحوال جميعها ما غاب عنّا وما شاهدناه أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فتنصر المحق وتخذل المبطل فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) عن ابى سلمة قال سالت عائشة بما كان رسول الله ﷺ يفتح الصلاة من الليل قالت كان يقول اللهم رب جبرئيل وميكائيل واسرافيل فاطر السّموات والأرض عالم الغيب والشّهادة أنت تحكم بين عبادك فى ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم-.
وَلَوْ ثبت أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وعيد شديد واقناط بليغ لهم من الخلاص وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) فى مراتب التعذيب فيه مبالغة بليغة فى مقابلة قوله تعالى للمؤمنين فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين- قال مقاتل ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا فى الدنيا انه نازل بهم فى الاخرة وجاز ان يكون المعنى انهم يحتسبون ان الأوثان يشفع لهم او لا يكون لهم بعث ونشور او يكونوا فى الاخرة حسن حالا من المؤمنين فيظهر خلاف ذلك وقال السدى ظنوا انها حسنات فبدت لهم انها سيئات يعنى كانوا يزعمون التقرب الى الله بعبادة الأوثان فلمّا عوقبوا عليها بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا اى بدا مساوى أعمالهم من الشرك والظلم الى اولياء الله حين يعرض عليهم صحائفهم وَحاقَ اى أحاط بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) ما موصولة والمراد به العذاب او مصدرية والمعنى حاق بهم جزاء استهزائهم..
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الكافر وقيل اخبار عن الجنس بما يغلب فيه ضُرٌّ شدة دَعانا معطوف على قوله وإذا ذكر الله وحده بالفاء لبيان تناقضهم وتعكيسهم فى السبب يعنى يشمازّون عند ذكر الله وحده ويستبشرون عند ذكر الأصنام فاذا مسهم
ضر دعوا من اشمأزّوا بذكره دون من استبشروا به وما بينهما اعتراض مؤكد لانكار ذلك ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ أعطيناه نِعْمَةً مِنَّا تفضلا فان التخويل مختص به قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ منى بوجوه كسبه او بانى أعطيته لمالى من استحقاقه او من الله بي واستيجابى والضمير لما ان جعلت موصولة والا فلنعمة والتذكير لان المراد شىء منها بَلْ هِيَ اى النعمة فِتْنَةٌ امتحان من الله أيشكر أم يكفر او استدراج لهم ليكون سببا لتعذيبهم وقيل بل الكلمة التي قالها فتنة له موجب للتعذيب وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) ذلك قال البيضاوي هذا دليل على ان المراد بالإنسان الجنس قلت وان كان المراد بالإنسان الكافر فالمراد بأكثرهم كلهم او يقال ان بعضهم كانوا يعتقدون انهم على الباطل كاحبار اليهود وما كانوا ليؤمنوا تعنتا وعنادا.
قَدْ قالَهَا اى تلك الكلمة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال مقاتل يعنى قارون حيث قال انّما أوتيته على علم عندى وصيغة الجمع بناء على شموله لمن رضى بقوله فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) من الكنوز ما انّ مفاتحه لتنوا بالعصبة اولى القوّة.
فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا اى جزاءها سمى جزاء السيئة سيئة نظرا للمقابلة وَالَّذِينَ ظَلَمُوا اى كفروا مِنْ هؤُلاءِ اى من كفار مكة سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا كما أصاب أولئك فاصابهم بان قحطوا سبع سنين وقتل ببدر صناديدهم وادخلوا النار الا من تاب وأمن منهم وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) اى فائتين.
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ امتحانا وَيَقْدِرُ لمن يشاء ابتلاء الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره أيقولون هذا القول يعنى انّما أوتيته على علم ولم يعلموا ان توسعة الرزق وتضيقه من الله تعالى قد يوسع الرزق لمن لا يعلم وجوه الكسب وليس له استحقاق الكرامة أصلا وقد يضيقه على عكس ذلك إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) بان الحوادث كلها من الله تعالى والأسباب انما هى على مجرى العادة فى الظاهر.
روى الشيخان فى الصحيحين ان ناسا من اهل الشرك قتلوا فاكثروا وزنوا فاكثروا ثم أتوا رسول الله ﷺ فقالوا ان الذي تقول وتدعونا اليه لحسن لو تخبرنا انّ لما عملنا كفارة
فنزلت ما فى سورة الفرقان والّذين لا يدعون مع الله الها اخر الى قوله غفورا رحيما ونزلت.
قُلْ يا عِبادِيَ الاية قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي «ويعقوب وخلف- ابو محمد» بسكون الياء وحذفها وصلا لاجتماع الساكنين والباقون بفتحها «١» واخرج ابن ابى حاتم بسند صحيح عن ابن عباس انها نزلت فى مشركى مكة كذا ذكر البغوي قول عطاء عن ابن عباس وكذا اخرج الطبراني عن ابن عباس بسند ضعيف انه بعث رسول الله ﷺ الى وحشي قاتل حمزة يدعوه الى الإسلام فارسل اليه كيف تدعونى الى دينك وأنت تزعم انه من قتل او أشرك او زنى يلق أثاما يّضاعف له العذاب يوم القيامة وانا قد فعلت ذلك كله فانزل الله تعالى الّا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا فقال وحشي هذا شرط شديد لعلى لا اقدر على ذلك فهل غير ذلك فانزل الله تعالى انّ الله لا يغفر ان يّشرك به فيغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقال وحشي أراني بعد فى شبهة فلا أدرى يغفرلى أم لا فانزل الله هذه الاية- زاد البغوي فقال المسلمون هذا له خاصة أم للمسلمين عامة قال رسول الله ﷺ بل للمسلمين عامة- واخرج الحاكم عن ابن عمر قال كنا نقول ما للمفتتن توبة إذا ترك دينه بعد إسلامه ومعرفته فلمّا قدم رسول الله ﷺ المدينة انزل فيهم قل يعبادى الّذين أسرفوا الاية- وذكر البغوي انه روى عن ابن عمر انه قال نزلت هذه الاية فى عيّاش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد اسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا ابدا قوم اسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه فانزل الله تعالى هذه الآيات فكتبها عمر بيده ثم بعث بها الى عيّاش بن ربيعة والوليد بن الوليد وأولئك النفر فاسلموا وهاجروا الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ اى افرطوا بالجناية عليها بالكفر والمعاصي قال البغوي روى عن ابن عمر انه أراد بالإسراف الكبائر لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ اى لا تيئسوا من مغفرته وتفضله إذا أمنتم وتبتم عن الشرك وهذا القيد ثابت بالإجماع وبقوله تعالى انّ الله لا يغفر ان يّشرك به وبالروايات الواردة فى سبب نزول الاية فالمعنى لا تتركوا الايمان اياسا من رحمة الله بناء على ما اسرفتم من قبل إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً
(١) وفى الأصل بحذفها ولا شك انه سباق قلم.
222
صغيرها وكبيرها إذا تبتم عن الشرك وأمنتم بالله وحده فان الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم عن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ ومورد هذه الاية وان كان خاصا فانها نزلت فى من ارتكب الكبائر فى حالة الشرك ثم اسلم لكن لفظها عام يدل على ان العبد إذا أمن (كما يدل عليه إضافته تعالى العبد الى نفسه بناء على عرف القرآن وان كان ارتكب الكبائر بعد الإسلام) ليرجو ان يغفر الله له ان شاء وان لم يتب كما يدل عليه قوله تعالى انّ الله لا يغفر ان يّشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والتعليل فى هذه الاية بقوله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) بصيغة المبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة وتقديم ما يستدعى عموم المغفرة مما فى عبادى من الدلالة على الزلة والاختصاص المقتضيين للترحم وتخصيص ضرر الإسراف بانفسهم والنهى عن القنوط مطلقا عن الرحمة فضلا عن المغفرة وإطلاقها وتعليله بان الله يغفر الذنوب جميعا ووضع اسم الله موضع الضمير للدلالة على انه المستغنى والمنعم على الإطلاق والتأكيد بالجمع والأحاديث الواردة فى هذا الباب واجماع الامة- روى مقاتل بن حبان عن نافع عن ابن عمر قال كنا معشر اصحاب رسول الله ﷺ نرى او نقول ليس شىء من حسناتنا الا وهى مقبولة حتى نزلت يايّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم قلنا ما هذا الذي نبطل اعمالنا فقلنا الكبائر والفواحش- قال فكنا إذا راينا من أصاب شيئا منها قلنا قد هلك فنزلت هذه الاية قل يا عبادى الّذين أسرفوا- فكففنا عن القولين فكنا إذا راينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه وان لم يصب منها شيئا رجونا له- وروى عن ابن مسعود انه دخل المسجد قاصّ يقصّ وهو يذكر النار والاغلال فقام على رأسه فقال يا مذكّر لم نقنط الناس ثم قرأ قل يا عبادى الّذين أسرفوا عمل أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة الله الاية- وعن اسماء بنت زيد قالت سمعت رسول الله ﷺ يقرأ يا عبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة الله انّ الله يغفر الذّنوب جميعا ولا يبالى- رواه احمد والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وفى شرح السنة يقول بدل يقرا وعن ابى سعيد الخدري عن رسول الله
223
صلى الله عليه وسلم قال كان فى بنى إسرائيل رجل قتل تسعا وتسعين إنسانا ثم خرج فاتى راهبا فساله فقال ليس لك توبة قال فقتله وجعل يسئل فقال له رجل ايت قرية كذا وكذا فادركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فاوحى الله الى هذه ان تقربى واوصى الى هذه ان تباعدى فقال قيسوا ما بينهما فوجدوا الى هذه اقرب بشبر فغفر له- متفق عليه وروى مسلم بن الحجاج هذا الحديث وفيه فدلّ على راهب فاتى فقال انه قتل تسعا وتسعين نفسا فهل لى توبة فقال لا فقتله وكمل به مائة ثم سال اعلم اهل الأرض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفسا فهل له توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم فلا ترجع الى أرضك فانها ارض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فاتاهم ملك فى صورة فجعلوه حكما فقال قيسوا بين الأرضين فالى أيتهما ادنى فهو له فقاسوا فوجدوه ادنى الى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة وعن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال كان رجل لم يعمل خيرا قط فاوصى لاهله إذا مات فحرقوه ثم ذروا نصفه فى البر ونصفه فى البحر فو الله لان قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين قال فلمّا مات فعلوا ما أمرهم فامر الله البحر فجمع ما فيه وامر البر فجمع ما فيه ثم قال له لم فعلت هذا قال من خشيتك يا ربّ وأنت اعلم فغفر له- متفق عليه- وروى البغوي عن ضمضم بن حوش قال دخلت مسجد المدينة فنادانى شيخ فقال يا يمانى (تعال ولا أعرفه) فقال لا تقولن لرجل والله لا يغفر الله لك ولا يدخلك الجنة فقلت من أنت يرحمك الله قال ابو
هريرة قال فقلت وان هذه الكلمة يقولها أحدنا لبعض لاهله إذا غضب او لزوجته او لخادمه قال فانى سمعت رسول الله ﷺ يقول ان رجلين كانا فى بنى إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد فى العبادة والاخر كان مذنبا فجعل يقول له اقصر عما أنت فيه قال فيقول خلّنى وربى قال حتى وجده يوما على ذنب استعظمه فقال اقصر فقال خلنى وربى أبعثت علىّ رقيبا فقال والله لا يغفر الله لك ابدا
224
ولا يدخلك الله الجنة ابدا قال فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده قال للمذنب ادخل الجنة برحمتي وقال للاخر اتستطيع ان تحظر على عبادى رحمتى فقال لا يا رب فقال اذهبوا به الى النار قال ابو هريرة والذي نفسى بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته وروى احمد عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ان رجلين كانا فى بنى إسرائيل متحابين ذكر الحديث الى آخره بعينه وعن ثوبان قال قال رسول الله ﷺ لا أحب ان لى الدنيا وما فيها بهذه الاية يا عبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة الله الاية- رواه احمد بسند حسن وابن جرير والطبراني فى الأوسط والبيهقي فى شعب الايمان وفيه فقال رجل يا رسول الله ومن أشرك فنكس ساعة ثم قال الا ومن أشرك ثلاث مرات وعن جندب ان رسول الله ﷺ حدّث ان رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وان الله قال من الذي يتالى علىّ «اى يقسم منه ره» انى لا اغفر لفلان فانى قد غفرت لفلان واحبطتّ عملك- او كما قال رواه مسلم وعن ابن عباس فى قوله تعالى الّا اللّمم قال رسول الله ﷺ ان تغفر اللهم تغفر جمّا واىّ عبد لك لا الما- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب.
وفى حديث قدسى طويل عن ابى ذر عن النبي ﷺ افعل ما أريد عطائى كلام وعذابى كلام انما امرى لشئ إذا أردته ان أقول له كن فيكون- رواه احمد والترمذي وابن ماجة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ان الله عزّ وجلّ ليرفع الدرجة للعبد الصالح فى الجنة فيقول يا رب انّى لى هذا فيقول باستغفار ولدك لك- رواه احمد وعن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ الميّت فى القبر كالغريق المتغوث ينتظر دعوة يلحقه من اب او أم او أخ او صديق فاذا ألحقته كان أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الأرض أمثال الجبال وان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم- رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى ذر قال قال رسول الله ﷺ ان الله ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب قالوا يا رسول الله وما الحجاب قال ان تموت النفس وهى مشركة رواه احمد والبيهقي فى كتاب البعث والنشور
225
وعنه قال قال رسول الله ﷺ من لقى الله لا يعدل به شيئا فى الدنيا ثم كان عليه مثل جبال ذنوب غفر الله له- رواه البيهقي فى كتاب البعث والنشور وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ان لله مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن والانس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يعطف الوحش على ولدها واخر الله تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة- متفق عليه وروى مسلم عن سلمان نحوه وفى آخره فاذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة- وعن عمر بن الخطاب قال قدم على النبي ﷺ سبى فاذا امراة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذا وجدت صبيّا فى السبي أخذته فالصقته ببطنها وارضعته فقال لنا النبي ﷺ أترون هذه طارحة ولدها فى النار فقلنا لا وهى تقدر على ان لا تطرحه فقال الله ارحم بعباده من هذه بولدها- متفق عليه وعن ابى الدرداء انه سمع النبي ﷺ يقص على المنبر وهو يقول ولمن خاف مقام ربّه جنّتان قلت وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال الثانية ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثانية وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال الثالثة ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثالثة وان زنى وان سرق يا رسول الله قال وان رغم انف ابى الدرداء- رواه احمد- وعن عامر الرام قال بينا نحن عنده (يعنى النبي صلى الله عليه وسلم) إذ اقبل رجل عليه كساء وفى يده شىء قد التف عليه فقال يا رسول الله مررت بغيضة شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر فاخذتهن فوضعتهن فى كسائى فجاءت امهن فاستدارت على رأسى فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن فلففتهن بكسائى فهن أولاء معى قال ضعهن فوضعتهن وأبت امهن الا لزومهن فقال رسول الله ﷺ أتعجبون لرحم أم الافراخ فراخها فو الذي بعثني بالحق لله ارحم بعباده من أم الا فراخ بفراخها ارجع بهن فضعهن من حيث اخذتهن وامهن معهن فرجع بهن- رواه ابو داود وعن عبد الله بن عمر قال كنا مع النبي ﷺ فى بعض غزواته فمرّ بقوم فقال من القوم قالوا نحن المسلمون وامراة تخضب بقدرها ومعها ابن لها فاذا ارتفع وهج
226
تنحت به فاتت النبي ﷺ فقالت أنت رسول الله قال نعم قالت بابى أنت وأمي اليس الله ارحم الراحمين قال بلى قالت أليس الله ارحم بعباده من الام بولدها قال بلى قالت ان الام لا تلقى ولدها فى النار فاكب رسول الله ﷺ يبكى ثم رفع رأسه إليها فقال ان الله لا يعذب من عباده الا المارد المتمرد «الشديد العالي- منه ره» الذي يتمرد على الله والى ان يقول لا اله الا الله- رواه ابن ماجة وعن ابى ذر قال قال رسول الله ﷺ ما من عبد قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك الا دخل الجنة قلت
وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان رنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان رنى وان سرق على رغم انف ابى ذر متفق عليه وفى الباب أحاديث كثيرة تدل على ان مال المؤمن الى الجنة لا كما قالت المعتزلة ان مرتكب الكبيرة ان لم يتب يخلد فى النار- واما استدلال المرجئة بهذه الأحاديث على ان المعاصي صغائر كانت او كبائر لا يضر مع الايمان كما ان الطاعة لا ينفع مع الكفر فباطل مستلزم لانكار الآيات والأحاديث الواردة فى المناهي وكون الصغائر والكبائر مفضية الى التعذيب والسخط من الله تعالى الا ان يتداركه المغفرة فالمذهب الحق ما قال اهل السنة والجماعة رضى الله عنهم ان الطاعة لا تنفع مع الكفر لان الطاعة لا يكون طاعة الا إذا كانت خالصة لله تعالى والا فهى معصية والايمان شرط للطاعة كالوضوء للصلوة واما المعصية فهى وان كانت فى نفسها مقتضية للتعذيب لكنها فى مشية الله تعالى ان شاء غفر له وان شاء عذبه فان غفر له غفر له اما بالتوبة واما بشفاعة من النبي ﷺ او من أحد من اتباعه واما بمحض فضل من الله تعالى وان عذبه لا يكون تعذيبه مؤبدا ان كان المرء مؤمنا لان الله تعالى وعد بالثواب على كل حسنة قال الله تعالى ومن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره والايمان رأس الحسنات والخلف فى الوعد محال ومحل الثواب الجنة لا محالة لكن المؤمن يرى ذنبه كانه قاعد تحت جبل والفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على انفه فقال به هكذا بيده فذبه عنه. رواه البخاري
227
عن النبي صلى الله عليه وسلم-.
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ اى ارجعوا اليه بالتوبة من الشرك وَأَسْلِمُوا اى انقادوا له من قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ فى القبر او بعد البعث فحينئذ لا ينفع الايمان منكم كما يدل عليه قوله ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) عطف على جملة مستأنفة وتقديره تعذبون ثم لا تنصرون.
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى القران فانه احسن من كل كلام او المراد به العزائم دون الرخص مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) بمجيئه.
أَنْ تَقُولَ اى كراهة ان تقول او لئلا تقول نَفْسٌ تنكير نفس لان القائل به بعض الأنفس او للتكثير وهو منصوب على العلية لقوله أنيبوا وقال المبرد تقديره بادروا واحذروا ان تقول نفس يا حَسْرَتى الحسرة الاغتمام وأصله يا حسرتى انقلبت الياء الفا فى الاستغاثة وربما الحقوا به ياء المتكلم بعد الف الاستغاثة كذلك قرأ ابو جعفر يا حسرتاى «بخلاف عن ابن وردان- ابو محمد» عَلى ما فَرَّطْتُ ما مصدرية اى على تفريطى وتقصيرى فِي جَنْبِ اللَّهِ قال الحسن اى قصرت فى طاعة الله وقال مجاهد فى امر الله وقال سعيد بن جبير فى حق الله وقيل فى ذات الله على تقدير مضاف اى فى طاعته او فى قربه وقيل معناه قصرت فى الجانب الذي يردّنى الى رضاء الله وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ
(٥٦) ان مخففة من الثقيلة واسمه ضمير الشأن واللام فارقة والجملة فى محل النصب على الحال كانّه قال وانا كنت ساخرا مستهزءا بدين الله وكتابه ورسوله والمؤمنين.
أَوْ تَقُولَ لَوْ ثبت أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) من الشرك والمعاصي.
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ عيانا لَوْ للتمنى أَنَّ لِي كَرَّةً اى رجعة الى الدنيا فَأَكُونَ منصوب بعد الفاء فى جواب التمني مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) معناه اتمنى كون بي رجعة الى الدنيا فكونى من المحسنين فى العقيدة والأعمال والعطف باو للدلالة على انه لا يخلو عن مثل هذه الأقوال تحيرا او تعللا بما لا طائل تحته..
بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥١) ومن الله
عليه لما تضمنه قوله لو انّ الله هدانى لكنت من المتّقين فان معناه لم يهدنى الله فان كان المراد بها اراءة الطريق فالمعنى بلى قد هديتك حيث أرسلت إليك رسولى وجاءتك كتابى فكذبت بها وكان قوله لو انّ الله هدانى إنكارا لتبليغ الرسل كما جاء فى الحديث يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلّغت فيقول نعم فيدعى أمته فيقال لهم هل بلّغكم فيقولون لا ما جاءنا من بشير ولا نذير وقد ذكرنا الحديث فى تفسير قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وقوله تعالى فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ وان كان المراد بها خلق الهداية والإيصال الى المطلوب فقولهم مبنى على التشبث بالجبر وانكار قدرتهم على كسب الايمان والطاعة فمعنى الاية بلى قد خلقت فيك القدرة التي يترتب عليها العذاب والثواب فكذّبت باختيارك لما جاءتك آياتي وهذا لا ينافى تأثير قدرت الله فى افعال العباد كما هو مذهب اهل السنة والجماعة فان قيل فما وجه الفصل بين الرد والمردود قلنا وجه ذلك ان تقديم هذه الاية مفرق القرائن وتأخير المردود يخل بالنظم المطابق للوجود لانه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم يتمنى الرجعة وتذكير الخطاب نظرا الى المعنى.
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ بان وصفوه بما لا يجوز كاتخاذ الولد وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ الجملة حال من مفعول ترى لانه من رؤية البصر أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) عن الايمان والجملة تقرير لكونهم يرون ذلك.
وَيُنَجِّي اللَّهُ من جهنّم الَّذِينَ اتَّقَوْا من الشرك بِمَفازَتِهِمْ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر «وخلفه ابو محمد» بمفازاتهم بالألف على الجمع والباقون بغير الف على الافراد اى بفلاحهم وتفسيرها بالنجاة تخصيص باهم اقسامه وبالسعادة والعمل الصالح اطلاق للمسبب على السبب والباء للسببية صلة لينجى او لقوله لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) حال او استئناف لبيان المفازة-.
اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ من الخير والشر والايمان والكفر هذه الجملة متصلة بقوله الله يتوفّى الأنفس وما بينهما معترضات وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) اى الأشياء كلها موكولة اليه وهو القائم بحفظها الجملة عطف او حال.
لَهُ مَقالِيدُ
229
جمع قلاد او مقليد كمفتاح ومفاتيح او منديل ومناديل السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى لمفاتيح خزائن السماوات والأرض بيده ملكوتها لا يتمكن من التصرف فيها غيره قال قتادة ومقاتل مفاتيح السماوات والأرض بالرزق والرحمة وقال الكلبي خزائن المطر وخزائن النبات وعن عثمان رضى الله عنه انه سال النبي ﷺ عن المقاليد قال تفسيرها لا اله الا هو والله اكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة الا بالله هو الاول والاخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير «١» - أخرجه ابو يعلى فى مسنده وابن ابى حاتم فى تفسيره والعقيلي فى الضعفاء والطبراني فى الدعاء والبيهقي فى الأسماء والصفات من حديث ابن عمر وذكره ابن الجوزي فى الموضوعات- قلت لعل المعنى ان صفات الله تعالى المذكورة فى هذه الكلمات تفسير للمقاليد يعنى من كان متصفا بتلك الصفات فهو مالك خزائن السماوات والأرض بيده ملكوتها والتصرف ومن يعتقد بها ويذكرها يتاهل ان يفتتح له الخزائن اما عاجلا او أجلا وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ اى بالقران وبكلمات تمجيده وتوحيده او بدلائل قدرته واستبداده بامر السماوات والأرض أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) حصر الخسار بهم لان غيرهم ذو حظ من الرحمة والثواب فإن فات عنهم شىء من حظوظ الدنيا فهم مستبدلوها بما لا عين رات ولا اذن سمعت من الحظوظ فى الاخرة واما الكفار فان كان لهم نصيب من خزائن الرزق والمطر فى الدنيا فلا نصيب لهم فى الشكر فلا نصيب لهم فى خزائن الرحمة والحظوظ العاجلة تنقلب عليهم وبالا واستدراجا وجاز ان يكون هذه الاية متصلة بقوله وينجّى الله
(١) وروى قصة سوال عثمان عن المقاليد من حديث ابى هريرة نحوه ومن حديث ابن عباس نحوه وزاد فيه من قالها إذا أصبح عشر مرات وإذا امسى أعطاه الله ست خصال اما او لهن فيحرس من إبليس وجنوده واما الثانية فيعطى قنطارا فى الجنة واما الثالثة فيزوج من حور العين واما الرابعة فيغفر له ذنوبه واما الخامسة فيكون مع ابراهيم عليه السلام واما السادسة فيحضره اثنا عشر ملكا عند موته فيبشرونه بالحق ويزفونه من قبره الى الموقف فاذا أصابه شىء من أهاويل يوم القيامة قالوا لا تخف انك من الآمنين ثم يحاسبه الله حسابا يسيرا ثم يؤمر به الى الجنة يزفونه الى الجنة من موقفه كما يزف العروس حتى يدخلونه الجنة بإذن الله والناس فى شدة الحساب ١٢ منه نور الله ضريحه ١٢
230
الّذين اتّقوا وما بينهما اعتراض للدلالة على انه مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها وتغير النظم للاشعار بان العمدة فى فلاح المؤمنين فضل الله وفى خسران الكافرين كفرهم بايات الله والتصريح بالوعد والتعريض بالوعيد قضية المكر والله اعلم- اخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن ابن عباس ان قريشا دعت رسول الله ﷺ الى ان يعطوه مالا فيكون اغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا هذا لك يا محمد وكفّ عن شتم الهتنا ولا تذكرها بسؤ فان لم تفعل فاعبد الهتنا سنة ونعبد إلهك سنة قال حتى انظر ما يأتينى من ربى فانزل الله تعالى قل يا ايّها الكافرون الى اخر السورة وانزل.
قُلْ يا محمد أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي قرأ نافع وابن كثير «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤) واخرج البيهقي فى الدلائل عن الحسن البصري قال قال المشركون للنبى ﷺ تضلل آباءك وأجدادك يا محمد فانزل الله هذه الاية الى قوله من الشّاكرين وقال البغوي قال مقاتل ان كفار مكة دعوه الى دين ابائه فنزلت قرأ اهل الشام بنونين خفيفتين واهل المدينة بنون واحدة خفيفة على الحذف فانها تحذف كثيرا والباقون بنون واحدة مشددة على الإدغام والهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف وغير مفعول لاعبد قدم عليه لانه محل الإنكار وتأمرونى جملة معترضة تقديرهء أكفر فغير الله اعبد تأمرونى بذلك وجاز ان ينتصب غير بما دلّ عليه تأمروني اعبد لانه بمعنى تعبّدونى من التفعيل على ان أصله تأمرونني ان اعبد غير الله فحذف ان ورفع الفعل كقوله احضر الوعى ويؤيده قراءة اعبد بالنصب فالتقدير الم يتضح عليكم التوحيد بعد تلك الدلائل فتعبّدوننى غير الله حيث تأمرونني ان اعبد غير الله.
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) كلام على سبيل الفرض والمراد به اقناط الكفرة والاشعار على حكم الامة. وبهذه الاية نحكم بان الردة محبط لثواب جميع الحسنات كما ان الإسلام يهدم ما كان قبله من السيئات فان اسلم بعد الردة فى وقت صلوة
صلاها فعليه أداؤه ثانيا وكذا يجب الحج ثانيا على من حج ثم ارتد ثم اسلم كذا قال الامام ابن الهمام وقال البيضاوي اطلاق الإحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم لان شركهم أقبح وأن يكون على التقييد بالموت كما صرح به فى قوله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم وهذا القول باطل لان القول بكونها من خصائص الأنبياء شنيع جدا تكاد السّماوات يتفطّرن من هذا القول إذ الكلام انما هو على سبيل الفرض المحال وانما المراد به الاشعار على حكم غيرهم وقوله من يرتد دمنكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم لا يدل على نفى الحبط إذا لم يوجد الموت على الكفر بل المطلق عندنا يبقى على إطلاقه لا ضرورة فى حمله على المقيد والله اعلم-.
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ رد لما أمروه به والله منصوب باعبد والفاء اما زائدة واما بتقدير امّا وتقديم المعمول لقصد الحصر وبل للعطف على محذوف دل عليه قوله لان أشركت إلخ تقديره لا تعبد غير الله بل الله اعبد او بل امّا الله فاعبد وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) انعامه عليك وفيه اشارة الى موجب الاختصاص اخرج الترمذي عن ابن مسعود قال مرّ يهودىّ بالنبي ﷺ فقال كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه فانزل الله تعالى وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ يعنى ما عرف الناس عظمة الله سبحانه حق عظمته حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به ولم يعبدوه حق عبادته ولم يشكروه حق شكره وأنكروا البعث بعد الموت.
وَالْأَرْضُ جَمِيعاً يعنى الأرضين السبع بجميع أبعاضها البادية والغارية قَبْضَتُهُ القبضة المرة من القبض أطلقت على المقدار المقبوض بالكف تسمية المفعول بالمصدر او بتقدير ذات قبضته يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ هذه الاية من المتشابهات المصروفة عن الظاهر لا يعلم تأويله الا الله والغرض منه التنبيه على عظمته وكمال قدرته وحقارة الافعال العظام التي يتخير فيها الأوهام بالاضافة على قدرته وعلى
232
ان تخريب العالم أهون شىء عليه- وقال علماء البيان هذا الكلام وارد على طريقة التمثيل والتخيل من غير اعتبار القبضة واليمن حقيقة ولا مجازا كقولهم شابّت لمة الليل- ووجه نزول الاية بعد قول اليهودي تصديق ما حكاه اليهودي عن التورية فان كتب الله تعالى مصدقة بعضها لبعض- وفى الصحيحين حديث ابن مسعود بلفظ جاء حبر من اليهود الى النبي ﷺ فقال يا محمد ان الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول انا الملك انا الله فضحك النبي ﷺ تعجّبا ممّا قال الحبر تصديقا له ثم قرأ وما قدروا الله حقّ قدره الاية- لعل وجه التطبيق بين رواية الترمذي ورواية الصحيحين ان الاية نزلت حينئذ فقرأها النبي ﷺ كما نزلت على اليهودي وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوى السماء بيمينه ثم يقول انا الملك اين ملوك الأرض- وروى مسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ يطوى الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول اين الجبارون اين المتكبرون ثم يطوى الأرضين بشماله- وفى رواية يأخذهن بيده الاخرى ثم يقول انا الملك اين الجبارون اين المتكبرون- واخرج ابو الشيخ عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال إذا كان يوم القيامة جمع الله السماوات والأرضين السبع فى قبضة ثم يقول انا الله انا الرحمان انا الملك انا القدوس انا المؤمن انا المهيمن انا العزيز انا الجبار انا المتكبر انا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئا انا الذي أعيدها اين الملوك اين الجبابرة- قال القاضي عياض القبض والطى والاخذ كلها بمعنى الجمع فان السماوات مبسوطة والأرض مدحوة ممدودة ثم رجع ذلك الى معنى الرفع والازالة والتبديل وقال القرطبي المراد بالطي الاذهاب والافناء واخرج ابن ابى حاتم عن الحسن قال عدّت اليهود فنظروا فى خلق السماوات والأرض والملائكة فلمّا فرغوا أخذوا يقدرونه فانزل الله تعالى وما قدروا الله حق قدره واخرج عن سعيد بن جبير قال قال تكلمت اليهود فى صفة الرب فقالوا بما لم يعلموا ولم يروا فانزل الله تعالى وما قدروا الله الاية واخرج ابن المنذر عن الربيع بن
233
انس قال لمّا نزلت وسع كرسيّه السّموت والأرض قالوا يا رسول الله هذا الكرسي هكذا فكيف العرش فانزل الله تعالى وما قدروا الله حقّ قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسّموت مطويّت بيمينه سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧) ما ابعد أعلا من هذه قدرته عن اشراكهم او ما يضاف اليه من الشركاء-.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يعنى النفخة الاولى فَصَعِقَ اى مات مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قد ذكرنا المراد بالمستثنى فى هذه الاية فى سورة النمل فى تفسير قوله تعالى ونفخ فى الصّور ففزع من فى السّموت ومن فى الأرض الّا من شاء الله قال الحسن الّا من شاء الله يعنى الله وحده ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى اى نفخة اخرى يحتمل النصب والرفع فَإِذا هُمْ قِيامٌ قائمون من قبورهم يَنْظُرُونَ (٦٨) يقلّبون أبصارهم فى الجوانب كالمبهوت او ينتظرون ما يفعل بهم وبين النفختين أربعون يوما وقد ذكرنا ما ورد فيه من الأحاديث فى سورة النازعات.
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ يعنى ارض عرصات القيامة عطف على نفخ فيه اخرى بِنُورِ رَبِّها بنور خالقها قال البغوي وذلك حين يتجلّى الربّ لفصل القضاء بين خلقه فما يتضارون فى نوره كما لا يتضارون بالشمس فى اليوم الصحو وقال الحسن والسدىّ اى بعدل ربها قيل سماه نورا لانه يزين البقاع ويظهر الحقوق كما سمى الظلم ظلمة قال رسول الله ﷺ الظلم ظلمات يوم القيامة- متفق عليه من حديث ابن عمرو وُضِعَ الْكِتابُ اى صحائف الأعمال فى أيدي العمال واكتفى باسم الجنس عن الجمع اخرج البيهقي عن انس عن النبي ﷺ قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله تعالى ريحا فتطيرها بالايمان والشمائل أول خط فيها اقرأ كتبك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- واخرج ابو نعيم عن ابن مسعود موقوفا والديلمي عن ابى هريرة مرفوعا عنوان كتاب المؤمن يوم القيامة حسن ثناء الناس وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ قال السيوطي قال العلماء يكون الحساب بمشهد من النبيين وغيرهم واخرج ابن المبارك عن سعيد بن المسيّب قال وليس من يوم
الا ويعرض على النبي ﷺ أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم وَالشُّهَداءِ قال ابن عباس الذين يشهدون للرسل على تبليغ الرسالة وهم امة محمد ﷺ وقال عطاء يعنى الحفظة يدل عليه قوله تعالى وجاءت كلّ نفس «١» معها سائق وشهيد وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين العباد بِالْحَقِّ اى بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) اى لا يزاد فى سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم.
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ اى جزاوه وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) قال عطاء يعنى انه تعالى عالم بأفعالهم لا يحتاج الى كاتب وشاهد انما الكتاب والشهود جريا على العادة وإلزاما للكفرة- ثم فصل الله التوفية وقال.
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً اى أفواجا متفرقة بعضها على عقب بعض على تفاوت أقدامهم فى الضلالة قال ابو عبيدة والأخفش زمرا اى جماعات فى فرقة واحدتها زمرة واشتقاقها من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه او من قولهم شاة زمرة اى قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروة وهى الجمع القليل حَتَّى إِذا جاؤُها ليدخلوها فُتِحَتْ قرأ الكوفيون بالتخفيف والباقون بالتشديد على التكثير اى فتحّت ابوابها السبعة كلها وكانت مغلقة قبل ذلك وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها تقريعا وتوبيخا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ اى من جنسكم يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا اى وقتكم هذا اى وقت دخولكم النار قال البيضاوي فيه دليل على انه لا تكليف قبل الشرع من حيث انهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وإنذار الكتب قلت هذه الاية لا تدل على عدم التعديب على الإشراك بالله عند عدم الرسل بل على كمال التوبيخ بعد تمام الحجج فان العقل وان لم يكن مستقلا فى درك الشرائع لكن الدلائل المنصوبة على الوحدانية كاف لحكم العقل بالتوحيد فاذا أرسل الله سبحانه الرسل وانزل الكتب وأوضح الطريق لم يبق العذر بوجه من الوجوه والله اعلم قالُوا بَلى وَلكِنْ
(١) وفى الأصل وجاءت كلّ امّة إلخ ١٢-
حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ اى كلمة الله بالعذاب وحكمه فى الأزل انهم من الأشقياء عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) وضع المظهر موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك الحكم بالكفر.
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) اللام للجنس والمخصوص بالذم محذوف لما سبق ذكره يعنى جهنم والفاء للسببية فان الكلام السابق سبب للذم وفيه اشعار بان مثواهم الجهنم لتكبرهم عن الحق وذا لا ينافى كون دخولهم فيها لما حقت عليهم كلمة العذاب فان تكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عنه عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ فى حديث طويل ان الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال الجنة فيدخل به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخل به النار- رواه مالك وابو داود والترمذي-.
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ اسراعا بهم الى دار الكرامة وقيل سيق مراكبهم إذ لا يذهب بهم الا راكبين زُمَراً على تفاوت مراتبهم فى الشرف وعلو الطبقة حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ قرأ الكوفيون بالتخفيف والباقون بالتشديد على التكثير أَبْوابُها حال يعنى وقد فتحت ابوابها قبل مجيئهم تعظيما لهم كيلا ينتظروا وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ
اى لا يعتريكم مكروه ابدا طِبْتُمْ اى طهرتم من دنس المعاصي وهذا اما لعدم ارتكابهم المعاصي او لطهارتهم عنها بالمغفرة او بالعقوبة قال قتادة إذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض حتى إذا هذبوا وطيبوا دخلوا الجنة وقال لهم رضوان وأصحابه سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين- وعن على رضى الله عنه قال سيقوا الى الجنة وإذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقها عينان فيغتسل المؤمن من إحداهما فيطهر ظاهره ويشرب من الاخرى فيطهر باطنه
وتلقته الملائكة على أبواب «١» الجنة يقولون سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين- وقال الزجاج معناه كنتم طيبين فى الدنيا عن خبائث الشرك والمعاصي وقال ابن عباس معناه طاب لكم المقام فَادْخُلُوها الفاء للدلالة على ان طيبهم سبب لدخولهم وخلودهم هذا على التأويلات المتقدمة واما على قول ابن عباس فطيب مقامهم سبب لدخولهم يعنى لمّا كانت الجنة مقاما طيّبا استأهل ان تكون محلا لهم خالِدِينَ (٧٣) اى مقدرين الخلود-.
وَقالُوا عطف على محذوف وهو جواب إذا حذف للدلالة على ان لهم مع الدخول من الكرامة ما لا يسعه المقال تقديره حتّى إذا جاءوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها كذا دخلوها ووجدوا فيها ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر ببال أحد ولا يسعه المقال وقالوا شكرا لما أنعم عليهم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ بدخول الجنة وبما أخفى لهم من قرّة أعين وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ اى ارض الجنة وايراثها تحليهم إياها نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ اى يتبوا كل منا فى اىّ مقام أراد من جنته الواسعة وإذا أراد زيارة الأنبياء واصحاب الدرجات العلى تيسر لهم ذلك اخرج الطبراني وابو نعيم والضياء وحسنه عن عائشة قالت جاء رجل الى النبي ﷺ فقال يا رسول الله انك لاحبّ الىّ من نفسى ومن أهلي وولدي وانى لاكون فى البيت فاذكرك ولا اصبر حتى اتيك فانظر إليك فاذا ذكرت موتى وموتك عرفت انك إذا دخلت وقفت مع النبيين وانى ان دخلت خشيت ان لا أراك فلم يرد عليه شيئا حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى ومن يطع الله والرّسول «٢» فاولئك
(١) عن ابى هريرة ان رسول الله ﷺ قال من أنفق بزوجين من ماله فى سبيل الله دعى من أبواب الجنة وللجنة أبواب فمن كان من اهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من اهل الصيام دعى من باب الريان ومن كان من اهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من اهل الجهاد دعى من باب الجهاد فقال ابو بكر يا رسول الله فهل يدعى أحد منها كلها قال نعم وأرجو ان تكون منهم ١٢ منه نور الله ضريحه.
(٢) وفى الأصل ورسوله إلخ ١٢-
الّذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٣) الجنة..
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ محدقين محيطين حال مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قيل هذا تسبيح تلذّذ لا تسبيح تعبّد لان التكليف ساقط حينئذ وجملة يسبحون حال من فاعل حافين وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين الخلائق بِالْحَقِّ بالعدل بإدخال المؤمنين الجنة والكافرين النار وقيل بين الملائكة بإقامتهم فى منازلهم على حسب تفاضلهم وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥) يعنى يقول ذلك اهل الجنة شكرا حين ثم وعد الله لهم وقيل يقول ذلك الملائكة شكرا لله على إدخال اولياء الله الجنة واعداء الله النار عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله ﷺ يقرأ كل ليلة بنى إسرائيل والزمر- رواه الترمذي والنسائي والحاكم تمت سورة الزمر غرة رمضان سنة ١٢٠٧ هـ- ويتلوه ان شاء الله تعالى سورة المؤمن.
Icon