تفسير سورة غافر

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة غافر من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة المؤمن «١»
قوله عزَّ وَجَلَّ: غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ (٣).
جعلها كالنعت للمعرفة وهي نكرة ألا ترى أنك تَقُولُ: مررت برجل شديد القلب، إلّا أَنَّهُ وقع معها قوله: «ذي الطول»، وهو معرفة فأجرين مجراه. وقد يكون خفظها عَلَى التكرير فيكون المعرفة والنكرة سواء. ومثله قوله: «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «٢» » فهذا عَلَى التكرير [١٦٣/ ١] لأن فعّال نكرة محضة، ومثله قوله: «رفيع الدرجات ذو العرش «٣» »، فرفيع نكرة، وأجرى «٤» عَلَى الاستئناف، أَوْ عَلَى تفسير المسألة الأولى.
وقوله: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ (٥).
ذهب إلى الرجال، وفي حرف عَبْد اللَّه «برسولها» «٥»، وكلّ صواب
وقوله: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ (٨).
وبعضهم يقرأ «جنة عدن» واحدة، وكذلك هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه: واحدة «٦».
وقوله: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ (٨).
من نصبٌ من مكانين: إن شئتَ جعلتَ (ومن) مردودة عَلَى الهاء والميم فِي «وَأَدْخِلْهُمْ»، وإن شئت عَلَى الهاء والميم فِي: «وعدتهم».
(١) وهى سورة غافر، مكية إلا آيتي ٥٦، ٥٧ فمدنيتان، وآياتها ٨٥ نزلت بعد الزمر.
(٢) سورة البروج الآيات: ١٤، ١٥، ١٦.
(٣) سورة غافر آية ١٥.
(٤) فى ب، ح فأجرى.
(٥) قرأ الجمهور «برسولهم». وقرأ عبد الله «برسولها» عاد الضمير إلى لفظ الأمة (البحر المحيط ٧/ ٤٤٩).
(٦) وهى قراءة زيد بن على والأعمش (البحر المحيط ٧/ ٤٥٢) وكذا هى فى مصحف عبد الله (انظر المصاحف للسجستانى).
وقوله: يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ (١٠).
المعني فِيهِ: ينادَوْن أنّ مقت اللَّه إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم يوم القيامة لأنهم مقتوا أنفسهم إذ تركوا الْإِيمَان، ولكن اللام تكفي من أن تَقُولُ فِي الكلام: ناديت أن زيدًا قائم «١»، وناديت لزيد قائم، ومثله: «ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ» «٢» الآية، اللام بمنزلة أنّ فى كل كلام ضارع «٣» القول مثل: ينادون، ويخبرون، وما أشبه ذَلِكَ «٤».
وقوله: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (١٥).
الروح فِي هَذَا الموضع: النبوة لينذر من يلقى عَلَيْهِ الروحَ يوم التلاق. وإنما قيل «التلاق» لأنه يلتقى فِيهِ أهل السماء وأهل الأرض.
وقوله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ (١٦).
هم فى موضع رفع بفعلهم بعده، و [هو] «٥» مثل قولك: آتيك يوم أنت فارغ لي.
وقوله: الْآزِفَةِ (١٨).
وهى: القيامة.
وقوله: كاظِمِينَ (١٨).
نصبت عَلَى القطع من المعنى الَّذِي يرجع من ذكرهم فِي القلوب والحناجر، والمعنى: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين. وإن شئت جعلت قطعه من الهاء في قوله: «وأنذرهم»، والأول أجود فِي العربية.
ولو كانت «كاظمون» مرفوعة عَلَى قولك: إذ القلوب لدى الحناجر إذ هُمْ كاظمون، أَوْ على الاستئناف كَانَ صوابًا.
وقوله: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨).
(١) فى ح: إن لزيدا قائم.
(٢) سورة يوسف آية: ٣٥.
(٣) في ح: «ضاع» خطأ.
(٤) في ح، ش: وأشباه ذلك.
(٥) زيادة فى ب، ح.
تقبلَ شفاعته، ثُمَّ قَالَ: «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» يعني: اللَّه عزَّ وجلَّ، يُقال: إنّ للرجل نظرتين: فالأولى مباحة لَهُ، والثانية محرمة عَلَيْهِ، فقوله: «يعلم خائنة» الأعين في النظرة الثانية، وما تخفى الصدور فِي النظرة الأولى. فإن كانت النظرة الأولى تعمُّدًا كَانَ فيها الإثْمُ أيضًا، وإن لم يكن تَعَمَّدَها فهي مغفورة.
وقوله: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ «١» فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦).
رفع (الفساد) الْأَعْمَش «٢»، وعاصم جعلا «٣» لَهُ الفعل. وأهل المدينة والسلمي قرءوا: [وأن] «٤» يُظهرَ «٥» فِي الأرض الفسادَ، نصبوا الفساد، وجعلوا يظهر لموسى. وأهل المدينة «٦» يلقون «٧» الألف الأولى يقولون: وأن يظهر، وكذلك [هِيَ] «٨» فِي مصاحفهم. وفي مصاحف أهل العراق: «أَوْ أن يَظْهَرَ» [المعنى «٩» ] أَنَّهُ قال: إنى أخاف التبديل على [١٦٣/ ب] دينكم، أَوْ أن يتسامع النَّاس [بِهِ] «١٠»، فيصدقوه فيكون فيه فساد على دينكم.
وقوله: [وَ] «١١» يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) قرأها العوام على التناد بالتخفيف، وأثبت الْحَسَن «١٢» وحده [فِيهِ] «١٣» الياء، وهي من تنادي القوم. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] ١»
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حبان عن الأجلح
(١) فى ا، ب: يظهر. [.....]
(٢) وهى كذلك قراءة الأعرج، وابن وثاب وعيسى (البحر المحيط ٧/ ٤٦٠).
(٣) فى ب: وجعلا.
(٤) سقط فى ب، ش.
(٥) فى ب: يطهر.
(٦) قرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر بواو النسق، ويظهر بضم الياء وكسر الهاء من أظهر معدى ظهر بالهمزة، وفاعله ضمير موسى عليه الصلاة والسلام. و (الفساد) بالنصب على المفعول به، ووافقهم اليزيدي (الإتحاف: ٣٧٨)
(٧) فى ب: لا يثبتون.
(٨) زيادة فى ب.
(٩) فى ب: والمعنى.
(١٠) سقط فى ب.
(١١) سقط فى كل من ب، ش، وفى ش يا قيوم خطأ.
(١٢) أثبت الياء وصلا فقط ورش وابن وردان، وفي الحالين ابن كثير ويعقوب (الإتحاف ٣٧٨).
(١٣) فى ب، ش فيها.
(١٤) زيادة من ح.
عَنِ الضحاك بْن مزاحم أَنَّهُ قَالَ: تَنْزِلُ «١» الملائكةُ من السموات، فتحيط بأقطار الأرض، ويُجَاء بجهنم، فإذا رأوها هالتهم، فندوا فِي الأرض كما تند الإبل، فلا يتوجهون قُطْرًا إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا، وذلك قوله: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا «٢» مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» «٣» وذلك قوله: «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ» «٤» وذلك قوله: «وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا» «٥». قَالَ الأجلح، وقرأها الضحاك: «التنادّ» مشددة الدال «٦». قَالَ حبان: وكذلك فسّرها الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الفراء: ومن قرأها «التناد» [خفيفة] «٧» أراد يوم يدعو أهل الجنة أهل النار، وأَهل النار أهل الجنة «٨»، وأصحاب الأعراف رجالًا يعرفونهم.
وقوله: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ (٣٥).
أي: كبر ذَلِكَ الجدال مقتًا، وَمثله: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» «٩» أضمرت في كبرت قولهم: «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» ومن رفع الكلمة لم يضمر، وَقرأ الْحَسَن بذلك برفع الكلمة «١٠» «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ».
وقوله: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥).
يضيف القلب إلى المتكبر، ومن نوّن جعل القلب هو المتكبر الجبار، وهى فى قراءة عبد الله
(١) ضبطها فى ب: تنزل خطأ. [.....]
(٢) فى ب تنفدوا وهو تصحيف.
(٣) سورة الرحمن الآية ٣٣.
(٤) سورة الفجر الآيتان ٢٢، ٢٣.
(٥) سورة الفرقان الآية ٢٥.
(٦) وهى قراءة ابن عباس، وأبى صالح، والكلبي، والزعفراني، وابن مقسم (انظر المحتسب ٢/ ٢٤٣).
(والبحر المحيط ٧/ ٤٦٤).
(٧) زيادة من ب.
(٨) فى (ب) يدعو أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار.
(٩) سورة الكهف آية ٥.
(١٠) فى الإتحاف: ٢٨٨: قرأ ابن محيصن والحسن: «كبرت كلمة» بالرفع على الفاعلية.
«كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» «١»، فهذا شاهدٌ لمن أضاف، والمعنى فِي تقدم القلب وَتأخره وَاحد وَالله أعلم.
قَالَ: سمعت بعض العرب يرجّل شعره يوم كل جمعة، يريد: كل يوم جمعة، والمعنى واحد.
وقوله: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) (أَسْبابَ السَّماواتِ) «٢» فَأَطَّلِعَ (٣٧).
بالرفع، يردّه عَلَى قوله: «أبلغُ». وَمن جعله جوابًا لِلَعَلّى نصبه، وَقَدْ قَرَأَ بِهِ «٣» بعض القراء «٤» قَالَ: وأنشدني بعض العرب:
علَّ صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتها يدللنا «٥» اللَّمَّةَ من لَمَّاتها
فتستريحَ النفسُ من زَفْراتها «٦» فنصب عَلَى الجواب بلعلّ.
وقوله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها (٤٦).
رفعت (النار) بما عاد من ذكرها فِي عليها، ولو رفَعْتها بما رفعْتَ بِهِ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) كَانَ صوابًا، ولو نصبت عَلَى أنها وقعت [١٦٤/ ١] بين راجع [من] «٧» ذكرها، وبين كلام يتصل بما قبلها كَانَ صوابا، ومثله: «قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا» «٨».
وقوله: غُدُوًّا وَعَشِيًّا (٤٦).
ليس فِي الآخرة غدو ولا عشي، ولكنه مقادير عشيات الدنيا وغدوها.
وقوله: «٩» [وَ] يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ (٤٦).
(١) انظر البحر المحيط ٧/ ٣٧٨، وفى المصاحف للسجستانى قراءة عبد الله: «يطبع الله على كل قلب متكبر جبار» (المصاحف: ٧٠)
(٢) ما بين قوسين سقط فى ب، ح، ش.
(٣، ٩) سقط فى ب.
(٤) قرأ حفص «فأطلع» بنصب العين بتقدير «أن» بعد الأمر فى «ابن لى»، وقيل: فى جواب الترجّى فى لعلى حملا على التمني على مذهب الكوفيين.
(٥) ورد هذا الشاهد فى شرح شواهد المغني ص ١٥٥ طبعة المطبعة البهية بمصر هكذا:
لعل صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتِها يُدلْنَنَا اللَّمَّة من لماتها
واللام فى لعل زيادة من الناسخ وفى لسان العرب مادة «علل»
على صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتِها يُدلْنَنَا اللَّمَّة من لماتها
وفى مادة «لمم» من اللسان: تديلنا اللمة من لماتها [إدارة التراث] [.....]
(٦) انظر شرح شواهد المغني ١/ ٤٥٤، وقد جاء فيه: أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، وعلّ: أصله لعلّ.
(٧) سقط فى ب، ش.
(٨) سورة الحج الآية: ٧٢.
همز الألف يَحيى بْن وثاب وأهل الحجاز «١»، وخففها عاصم والحسن فقرأ «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ» ونصبها هنا آل فرعون «٢» عَلَى النداء: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب، وفي «٣» المسألة الأولى توقَّع عليهم «أَدْخِلُوا».
وقوله: إِنَّا كُلٌّ فِيها (٤٨).
رَفَعْتَ «٤» (كلّ) بفيها، ولم تجعله نعتًا لإنّا، ولو نصبته «٥» عَلَى ذَلِكَ، وجعلت خبر إِنا [فيها] «٦»، ومثله: «قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ» «٧» ترفع (كلّه لله)، وتنصبها عَلَى هَذَا التفسير.
قوله «٨» :«وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» (٥١).
قرأت القراء بالياء يعني: يقوم بالتذكير «٩»، ولو قَرَأَ قارئ: ويوم تقوم «١٠» كَانَ صوابًا لأن الأشهاد جمع، والجمع من المذكر يؤنث فعله ويذكر إِذا تقدم. العرب تَقُولُ: ذهبت [الرجال، وذهب الرجال.
وقوله: إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ (٥٦).
يريد: تكبروا] «١١» أن يؤمنوا بما جاء بِهِ محمد صلى الله عليه ما هُمْ ببالغي ذَلِكَ: بنائلي ما أرادوا.
وقوله: ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً (٦٧).
(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر وأبو بكر بوصل همزة ادخلوا، وضم الخاء أمرا من دخل الثلاثي، والواو ضمير آل فرعون، ونصب آل على النداء، والابتداء بهمزة مضمومة، وافقهم ابن محيض واليزيدي والحسن والباقون بقطع الهمزة المفتوحة فى الحالين، وكسر الخاء أمر للخزنة من أدخل رباعيا معدّى لاثنين، وهما: آل، وأشد (الإتحاف: ٣٧٩) وانظر البحر المحيط ٧/ ٤٦٨).
(٢) فى ب، ش ونصب آل فرعون ها هنا.
(٣) فى ب: وهى.
(٤) فى ح، ش: ارتفعت.
(٥) فى ب: نصبتها.
(٦) فى ب، ش: فى فيها وحذف جواب (لو) للعلم به.
(٧) سورة آل عمران آية ١٥٤.
(٨) فى ب: وحدثنا محمد بن الجهم، قال: حدثنا الفراء: قوله عز وجل.
(٩) فى البحر المحيط ٧/ ٤٧٠: قرأ الجمهور يقوم بالياء.
(١٠) قرأ ابن هرمز وإسماعيل والمنقري عن أبى عمرو بتاء التأنيث الجماعة (البحر المحيط ٧/ ٤٧٠).
(١١) ما بين المعقوفتين ساقط فى كل من ح، ش. [.....]
Icon