تفسير سورة الملك

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة الملك من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا ﴾ [ الملك : ٢ ].
قدّم الموت لأنه هو المخلوق أولا، لقوله تعالى :﴿ وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ﴾ [ البقرة : ٢٨ ].
قوله تعالى :﴿ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت... ﴾ [ الملك : ٣ ].
أي من خلل وعيب، وإلا فالتفاوت بين المخلوقات، بالصّغر والكبر وغيرهما كثير.
قوله تعالى :﴿ فارجع البصر هل ترى من فطور ﴾ [ الملك : ٣ ].
قال بعده :﴿ ثم ارجع البصر كرّتين ﴾ [ الملك : ٤ ] قيل : أي من الكرّة الأولى، فتصير ثلاث مرات، والمشهور أن المراد بهذه التثنية التكثير، بدليل قوله تعالى :﴿ ينقلب إليك البصر خاسئا ﴾ [ الملك : ٤ ] أي ذليلا ﴿ وهو حسير ﴾ أي كليل، وهذان الوصفان لا يتأتّيان بنظرتين ولا ثلاث، فالمعنى كرّات كثيرة، كنظيره في قولهم : لبّيك وسعديك، وحنانيك، ودواليك، وهذا كذلك.
قوله تعالى :﴿ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض... ﴾ [ الملك : ١٦ ].
ليس بتكرار مع قوله تعالى :﴿ أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ﴾ [ الملك : ١٧ ]، لأن الأول في تخويفهم بخسف الأرض بهم، والثاني في تخويفهم بالحصب من السماء، وقدّم الأول لأن الأرض التي جعلها الله مقرا لهم، وعبدوا فيها غيره، أقرب إليهم من السماء البعيدة عنهم.
إن قلتَ : كيف قال ﴿ من في السماء ﴾ مع أنه تعالى فيها ولا في غيرها، بل هو تعالى منزّه عن كلّ مكان ؟   !
قلتُ : المعنى مَنْ مَلكوتُه في السماء( ١ )، التي هي مسكن ملائكته، ومحلّ عرشه وكرسيّه، واللوح المحفوظ، منه تنزل أقضيتُه وكتُبُه.
١ - لله تعالى جهة العلو المطلق، فهو تعالى على عرشه، وعرشُه قد أحاط بالسموات والأرض، وإذا كان الكرسيّ وهو أصغر من العرش، قد أحاط بالكون وبالسماء والأرض ﴿وسع كرسيّه السموات والأرض﴾ فكيف بالعرش العظيم ؟ ! فنجنحُ في مثل هذا إلى التفويض والتسليم، كما هو مذهب السلف..
Icon